تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله : کتاب الصلاه

اشارة

سرشناسه : فاضل لنکرانی، محمد، 1310 - 1386.

عنوان قراردادی : تحریر الوسیله . برگزیده. شرح

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله : کتاب الصلاه/ تالیف محمدالفاضل اللنکرانی ؛ تحقیق و نشر مرکز فقه الائمه الاطهار.

مشخصات نشر : قم: مرکزفقه الائمه الاطهار(ع)، 14xxق.= 13.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : موسوعه الامام الفاضل اللنکرانی.

شابک : 60000 ریال 978-964-7709-78-1 : ؛ 60000 ریال : ج.2، چاپ دوم: 978-964-770-9-79-8

وضعیت فهرست نویسی : برونسپاری

يادداشت : عربی.

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد ششم، 1429ق. = 1387.

يادداشت : پشت جلد لاتینی شده:...Muhammad Al -Fadil Al-Lankarani. Tafsil-ul-sharia fi sharh.

يادداشت : چاپ دوم.

يادداشت : ج.2 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

موضوع : نماز

موضوع : فتوا های شیعه -- قرن 14

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله.شرح

شناسه افزوده : حوزه علمیه قم. دفتر تبلیغات اسلامی. مرکز انتشارات

رده بندی کنگره : BP186/خ8ت302372 1300ی

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : 1846121

[تمهيد]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كتاب الصلاة و هي التي تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ، و هي عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها و ان ردت رد ما سواها. (1)

______________________________

(1) و هي أحب الأعمال الى اللّٰه تعالى و لا شي ء بعد المعرفة أفضل منه قال مولانا الصادق عليه السّلام في الصحيح: ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة الا ترى الى العبد الصالح عيسى بن مريم- ع- قال: و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا. «1» و هي آخر وصايا الأنبياء

و أول ما ينظر فيه من عمل ابن أدم و هي عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها و ان ردت رد ما سواها و الظاهر ان المراد من القبول هي الصحة و التمامية لا القبول الذي هو أخص من الصحة و يؤيده التعبير بالصحة أو التمامية في بعض الروايات الأخر و الذي ينبغي التعرض له هنا أمران:

الأول في المراد من توصيفها بكونها ناهية عن الفحشاء و المنكر في الآية الشريفة قال اللّٰه تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ إِنَّ الصَّلٰاةَ تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ. «2»

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب العاشر ح- 1.

(2) سورة العنكبوت آية 45.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 4

..........

______________________________

و هذا منتهى الثناء كما قال صاحب الدرة: تنهى عن المنكر و الفحشاء اقصر فهذا منتهى الثناء و قد وقع الاختلاف في المراد من الكريمة و منشأه ما يرى من عدم اجتناب بعض المصلين مع تمامية صلوته و صحتها عن ارتكاب بعض المنكرات و الإتيان ببعض الفواحش فكيف تكون الصلاة ناهية عن الفحشاء و المنكر و لأجله اختلفت الآراء في المراد منها.

فمنهم من ذكر ان الصلاة في الآية بمعنى الدعاء و المراد الدعوة إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ و المعنى أقم الدعوة إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ فان ذلك يردع الناس عن الفحشاء و المنكر و يرد عليه- مضافا الى انه لا معنى لإقامة الدعوة إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ- ان تفسير الصلاة بذلك صرف الكلام عن الظاهر من دون مسوغ.

و منهم من قال: ان الصلاة في الآية في معنى النكرة و المراد ان بعض أنواع الصلاة أو افرادها يوجب الانتهاء عن الفحشاء و المنكر و هو كذلك و ليس المراد الاستغراق حتى يرد

الاشكال.

و فيه انه لا يلائم سياق الحكم و التعليل في الآية فإنه كما ان الصلاة التي أمر بإقامتها لا يراد بها إلا الطبيعة التي هي مفاد لفظها كذلك المراد بالصلاة الواقعة في التعليل لا يكاد يكون الأنفس الطبيعة و الا يختل السياق و لا يصلح العلة للعلية كما لا يخفى.

و منهم من ذكر ان المراد نهيها عن الفحشاء و المنكر ما دامت قائمة و المصلى في صلوته كأنه قيل ان المصلى ما دام مصليا يكون بعيدا عن الاشتغال بالمعصية و الإتيان بالفحشاء و المنكر.

و يرد عليه- مضافا الى ان الاشتغال بالصلاة لا ينافي فعل بعض المعاصي كالنظر إلى الأجنبية- مثلا- ان الظاهر كون النهى مترتبا على فعل الصلاة بمعنى ان اثر الصلاة المترتب عليها بعد وقوعها بأجمعها في الخارج هو النهى عن الفحشاء و المنكر فلا معنى لدعوى تحقق الانتهاء في الأثناء كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 5

..........

______________________________

و منهم من قال ان الآية على ظاهرها و الصلاة بمنزلة الشخص الذي ينهى في ان النهى لا يستلزم الانتهاء و ليس نهى الصلاة بأعظم من نهيه تعالى كما في قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي الْقُرْبىٰ وَ يَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ «1» و نهيه تعالى لا يستلزم الانتهاء فكذلك نهى الصلاة.

و يدفعه ان الظاهر من الآية تحريك المكلف إلى إقامة الصلاة لأنها عمل عبادي يورث حصول صفة روحية في المقيم لها بحيث يرتدع عن الفحشاء و المنكر بسبب ردع الصلاة و نهيها و ليس المراد الدعوة الى إتيانها لكونها ناهية في نفسها و ان لم يكن المصلى منتهيا و مرتدعا ففي الحقيقة اقامة الصلاة

لا بدّ و ان يكون لها اثر و فائدة بالنسبة الى المصلى و هو لا يكون إلا انتهائه فعاد الاشكال.

و الحق في معنى الآية ما افاده بعض الأعاظم من المفسرين من ان الردع اثر طبيعة الصلاة التي هي توجه خاص عبادي الى اللّٰه سبحانه و يتضمن الاعتراف بالجهالة و الافتقار إلى الهداية و الإقرار بيوم الدين و وقوع الغضب على طائفة من المتمردين و تكون مشروطة بشرائط خاصة الموجبة للتوجه و الالتفات الى المحرم و تمييزه عن المحلل و غير ذلك من الجهات الموجودة فيها غاية الأمران هذا الأثر انما يكون بنحو الاقتضاء دون الاستيجاب و العلية التامة فربما تخلف عن أثرها لمقارنة بعض الموانع و لو قيس حال بعض من يسمى بالإسلام و هو تارك للصلاة مع من يأتي بأدنى مراتب الصلاة مما يسقط به التكليف لا يوجد الأول الا مضيعا بإضاعة الصلاة فريضة الصوم و الحج و الزكاة و الخمس و عامة الواجبات الدينية و لا يفرق بين طاهر و نجس و حلال و حرام و الثاني إلا مرتدعا عن كثير من الأمور التي يقترفها تارك الصلاة و إذا قيس اليه من هو فوقه في الاهتمام بأمر الصلاة لا يوجد الا كونه أكثر ارتداعا منه و على هذا القياس.

الأمر الثاني فيما يستفاد من الكتاب و السنة بالإضافة إلى تارك الصلاة اما

______________________________

(1) نحل- آية 93

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 6

..........

______________________________

الكتاب فقوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تٰابُوا وَ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1».

قال الفاضل الجواد الكاظمي في

كتابه «مسالك الافهام الى آيات الاحكام»:

«استدل بهذه الآية على ان تارك الصلاة عمدا يجب قتله لانه تعالى أوجب الامتناع من قتل المشركين بشرطين أحدهما ان يتوبوا من الشرك و الثاني ان يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و الحكم المعلق على مجموع لا يتحقق الا مع تحقق المجموع و يكفي في حصول نقيضه اعنى إباحة قتلهم فوت واحد من المجموع و يلزم ما ذكرناه، و الآية و ان كانت في المشركين لكن يلزم هاهنا ثبوت الحكم في المسلمين بطريق أولى لأنهم قد التزموا شرائع الإسلام فلو ترك الصلاة لا يخلى سبيلهم بل يجب قتلهم و في أخبارنا دلالة على ذلك أيضا و روى عن العامة عن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- انه قال في ترك الصلاة: فقد برئت منه الذمة، و قال أبو حنيفة لا يتعرض لتارك الصلاة فإنها أمانة منه و من اللّٰه تعالى و الأمر منها موكول اليه تعالى و لا يخفى ضعفه هذا لكن إطلاق الآية يقتضي عدم الفرق بين كون الترك استحلالا و عدمه و المشهور ان القتل انما يكون مع الاستحلال و من ثم حمل بعضهم الإقامة و الإيتاء على اعتقاد وجوبهما و الإقرار بذلك لكنه بعيد عن الظاهر و لعلهم فهموا ذلك من دليل خارج عن الآية كالاخبار».

أقول: الاستدلال بالاية لا يتوقف على ثبوت المفهوم للقضية الشرطية كما هو الظاهر من القول المذكور لان مقتضى إطلاق الصدر وجوب قتلهم في جميع الحالات و مع كل الخصوصيات و قد خرج منه في الذيل صورة واحدة فالصور الباقية داخلة تحت إطلاق الصدر فالاية تدل بإطلاقها على وجوب قتل المشركين في غير تلك الصورة و مقتضى الأولوية ثبوت الحكم في المسلم فيجب

قتله و لا وجه لوجوبه الا خروجه عن زمرة المسلمين هذا و لكن يظهر من الروايات

______________________________

(1) سورة التوبة أية 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 7

..........

______________________________

المختلفة الواردة في تارك الفريضة بعد الجمع بينها ان الحكم بكفره انما هو فيما إذا كان تركه ناشيا عن الاستخفاف فيقيد بها إطلاق الآية فان منها ما يدل على ثبوت الكفر مطلقا كصحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- في حديث عدد النوافل قال: انما هذا كله تطوع و ليس بمفروض، ان تارك الفريضة كافر و ان تارك هذا ليس بكافر. «1» و صحيحة عبيد بن زرارة أو حسنته عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث الكبائر قال: ان تارك الصلاة كافر، يعنى من غير علة. «2» و رواية بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال قال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- ما بين المسلم و بين ان يكفر ان يترك الصلاة (إلا ترك الصلاة) الفريضة متعمدا أو يتهاون بها فلا يصليها «3».

و منها ما يدل على ثبوت الكفر في صورة الترك مع الاستخفاف و هي رواية مسعدة بن صدقة انه قال: سئل أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- ما بال الزاني لا تسميه كافرا و تارك الصلاة تسميه كافرا و ما الحجة في ذلك؟ فقال: لأن الزاني و ما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه و تارك الصلاة لا يتركها الا استخفافا بها، و ذلك لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة الا و هو مستلذ لإتيانه إياها قاصدا إليها، و كل من ترك الصلاة قاصدا لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذة، فإذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف و

إذا وقع الاستخفاف وقع الكفر. «4» و هذه الرواية و ان كانت ظاهرة في ملازمة مطلق الترك عن قصد مع الاستخفاف الا ان الظاهر عدم ثبوت هذه الملازمة و القدر المتيقن ثبوت الكفر في خصوص صورة الاستخفاف و لعل الوجه فيه ان أهمية الصلاة و عظم مرتبتها من ضروريات الإسلام كأصل وجوبها فالاستخفاف يرجع الى إنكار الضروري و هو موجب للكفر اما بنفسه أو لأجل استلزامه للموجب فتدبر

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض الباب الحادي عشر ح- 1.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض الباب الحادي عشر ح- 4.

(3) الوسائل أبواب أعداد الفرائض الباب الحادي عشر ح- 6.

(4) الوسائل أبواب أعداد الفرائض الباب الحادي عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 8

[فصل في مقدمات الصلاة]

اشارة

فصل في مقدمات الصلاة

[و هي ست]

اشارة

و هي ست:

[المقدمة الاولى في أعداد الفرائض و مواقيت اليومية و نوافلها]

اشارة

المقدمة الاولى في أعداد الفرائض و مواقيت اليومية و نوافلها

[مسألة 1- الصلاة واجبة و مندوبة]
اشارة

مسألة 1- الصلاة واجبة و مندوبة، فالواجبة خمس: اليومية و منها الجمعة و كذا قضاء ولد الأكبر عن والده، و صلاة الآيات، و الطواف الواجب، و الأموات، و ما التزمه المكلف بنذر أو إجارة أو غيرهما، و في عد الأخيرة في الواجب مسامحة إذ الواجب هو الوفاء بالنذر و نحوه لا عنوان الصلاة. (1)

______________________________

(1) ربما يمكن ان يناقش في اختصاص الصلاة بالقسمين الواجبة و المندوبة بوجود قسم ثالث و هي الصلاة المكروهة كالصلاة في الحمام و قسم رابع و هي الصلاة المحرمة كصلاة الحائض لكنها مدفوعة بوضوح عدم كون الكراهة في العبادات المكروهة بالمعنى المصطلح فيها بل بمعنى اقلية الثواب و بان الظاهر عدم كون الحرمة في مثل صلاة الحائض ذاتية بل تشريعية مرجعها الى كون المتعلق هو التشريع الذي يتحقق في مثلها بقصد التقرب بما ليس بمقرب فلا يكون لها الا قسمان مذكوران في المتن.

و اما اعداد الصلاة الواجبة فقد ذكر المحقق في الشرائع انها تسع بجعل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 9

..........

______________________________

الجمعة نوعا مستقلا و اضافة صلاة العيدين و جعل الكسوف و الزلزلة نوعين آخرين في مقابل صلاة الآيات.

و لكن الظاهر عدم كون الجمعة نوعا مستقلا بل هي من الفرائض اليومية غاية الأمر كونها مشروطة بشرائط خاصة و بقائها على الركعتين اللتين هما فرض اللّٰه في كل صلاة كما تدل عليه الروايات المستفيضة كما ان قضاء الولي انما هو كقضاء الميت بنفسه من شؤن اليومية.

و اما صلاة العيدين فيجوز عدها في الواجبة بلحاظ زمان الحضور و في المندوبة بالنظر الى زمان الغيبة. و اما صلاة الآيات فلا تكون

الا نوعا واحدا غاية الأمر ان سبب وجوبها قد يكون هو الكسوف الشامل للخسوف و قد يكون هي الزلزلة و قد يكون آيات اخرى كالريح السوداء و نحوها.

نعم لا مانع من إسقاط صلاة الأموات نظرا الى عدم كونها صلاة حقيقة لعدم اشتراطها بشرائط الصلاة و عدم اشتمالها على أركانها.

و اما ما التزمه المكلف بنذر أو إجارة أو نحوهما فعدها في الواجب فيه مسامحة واضحة أشار الى وجهها في المتن و هو ان تعلق النذر لا يوجب خروج المتعلق عن الحكم المتعلق به أولا وجوبا كان أو استحبابا و لا اجتماع الحكمين فيه اما الثاني فواضح و اما الأول فلان انعقاد النذر انما هو لأجل تعلق الحكم الوجوبي أو الاستحبابي به الكاشف عن رجحانه فكيف يسقط مع تعلق النذر و لا طريق لنا إلى إثبات الرجحان غير تعلق ذلك الحكم به مع انه ربما يكون الحكم الوجوبي المتعلق به أهم من وجوب الوفاء بالنذر فكيف يوجب سقوطه مع انه لا دليل عليه في مقام الإثبات فإن الحكم الجائي من قبل النذر أو الإجارة متعلقه الوفاء بهما و لا معنى لسراية الحكم من متعلقه الذي هو العنوان و المفهوم إلى شي ء آخر خارج عنه فالصلاة المنذورة أو المستأجر عليها لا تصير واجبة أصلا فلا يكون نوعا خاصا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 10

[في الرواتب اليومية مسائل]
[الأولى في تعدادها]

و المندوبة أكثر من ان تحصى، منها الرواتب اليومية، و هي ثمان ركعات للظهر قبله، و ثمان للعصر قبله، و اربع للمغرب بعده و ركعتان من جلوس للعشاء بعده تعدان بركعة، تسمى بالوتيرة، و يمتد وقتها بامتداد وقت صاحبها، و ركعتان للفجر قبل الفريضة، و وقتها الفجر الأول، و يمتد

الى ان يبقى من طلوع الحمرة مقدار أداء الفريضة، و يجوز دسها في صلاة الليل قبل الفجر و لو عند نصف الليل، بل لا يبعد ان يكون وقتها بعد مقدار إتيان صلاة الليل من انتصافها و لكن الأحوط عدم الإتيان بها قبل الفجر الأول الا بالدس في صلاة الليل، و إحدى عشرة ركعة نافلة الليل، صلاة الليل ثمان ركعات ثم ركعتا الشفع ثم ركعة الوتر، و هي مع الشفع أفضل صلاة الليل، و ركعتا الفجر أفضل منهما، و يجوز الاقتصار على الشفع و الوتر بل على الوتر خاصة عند ضيق الوقت و في غيره يأتي به رجاء، و وقت صلاة الليل نصفها الى الفجر الصادق و السحر أفضل من غيره و الثلث الأخير من الليل كله سحر، و أفضله التقريب من الفجر، و أفضل منه التفريق كما كان يصنعه النبي- ص- فعدد النوافل بعد عد الوتيرة ركعة أربع و ثلاثون ركعة ضعف عدد الفرائض، و تسقط في السفر الموجب للقصر ثمانية الظهر و ثمانية العصر و تثبت البواقي و الأحوط الإتيان بالوتيرة رجاء (1).

______________________________

(1) في الرواتب اليومية مسائل:

الاولى في تعدادها و قد وقع فيه الاختلاف بين المسلمين بعد اتفاقهم جميعا- العامة و الخاصة- على ان عدد ركعات الفرائض اليومية سبع عشرة ركعة بلا زيادة و لا نقصان بل هو من ضروريات الإسلام بحيث يعتقد به كل من انتحل اليه و على ان نافلة الصبح ركعتان قبل الفريضة و على ان نافلة الليل التي يعبر عنها بصلاة الليل إحدى عشرة ركعة و ان وقع الاختلاف بيننا و بينهم في الوصل بين ركعتي الشفع و ركعة الوتر و عدمه حيث ذهب الجمهور إلى الأول و الإمامية الى

الثاني.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 11

..........

______________________________

و المشهور بين الإمامية في سائر النوافل اليومية أن مجموع النوافل اليومية و النهارية لا يزيد على اربع و ثلاثين ركعة و مع انضمام الفرائض تبلغ احدى و خمسين و الروايات الواردة في هذا الباب مختلفة و كثير منها يدل على مرام المشهور:

منها رواية فضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول في حديث:

ان اللّٰه عز و جل فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات فأضاف رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- الى الركعتين ركعتين و الى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في سفر، و أفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر و الحضر فأجاز اللّٰه له ذلك كله فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة ثم سن رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- النوافل أربعا و ثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز اللّٰه عز و جل له ذلك، و الفريضة و النافلة احدى و خمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر الى ان قال: و لم يرخص رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمهما الى ما فرض اللّٰه عز و جل بل ألزمهم ذلك إلزاما واجبا، و لم يرخص لأحد في شي ء من ذلك الا للمسافر، و ليس لأحد ان يرخص ما لم يرخصه رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- فوافق أمر رسول اللّٰه أمر اللّٰه، و نهيه نهى اللّٰه و وجب على العباد التسليم له كالتسليم للّٰه. «1»

و منها رواية فضيل بن يسار أيضا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: الفريضة و النافلة احدى و خمسون

ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد ان بركعة و هو قائم، الفريضة منها سبع عشرة و النافلة أربع و ثلاثون ركعة. «2» و الظاهر انها هي الرواية الاولى و عدم كونها رواية أخرى و ان جعلها في الوسائل روايتين.

و منها رواية فضيل بن يسار و الفضل بن عبد الملك و بكير قالوا: سمعنا أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يصلى من التطوع مثلي الفريضة،

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 2.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 12

..........

______________________________

و يصوم من التطوع مثلي الفريضة. «1»

و منها رواية إسماعيل بن سعد الأحوص قال قلت للرضا- عليه السّلام- كم الصلاة من ركعة؟ قال: احدى و خمسون ركعة. «2»

و منها غير ذلك مما يدل على مرام المشهور.

و اما ما يدل على الخمسين فمنها رواية معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول كان في وصية النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- لعليّ- عليه السّلام- ان قال يا على أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنى ثم قال: اللهم أعنه الى ان قال: و السادسة الأخذ بسنتي في صلاتي و صومي و صدقتي، أما الصلاة فالخمسون ركعة الحديث «3» و منها رواية محمد بن أبي عمير قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة قال: تمام الخمسين. «4»

و منها رواية حنان قال: سئل عمرو بن حريث أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- و انا جالس فقال له: جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول الهّٰا- صلّى

اللّٰه عليه و آله- فقال كان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- يصلى ثمان ركعات الزوال و أربعا الاولى و ثمانيا (ثماني) بعدها، و أربعا العصر و ثلاثا المغرب و أربعا بعد المغرب، و العشاء الآخرة أربعا، و ثمان (ثماني) صلاة الليل، و ثلاثا الوتر، و ركعتي الفجر و صلاة الغداة ركعتين، قلت جعلت فداك:

و ان كنت أقوى على أكثر من هذا يعذبني اللّٰه على كثرة الصلاة؟ فقال: لا و لكن يعذب على ترك السنة. «5» فان مجموعها باعتبار عدم التعرض لنافلة العشاء لا يتجاوز عن خمسين، و الظاهر ان المراد بالعذاب على ترك السنة هو العذاب

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 4.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 11.

(3) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 1.

(4) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 5.

(5) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 20.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 13

..........

______________________________

على الأقل من المجموع بمعنى شدة استحبابه و يحتمل ان يكون المراد ان الكثرة موجبة لترك السنة التي هي العدد المخصوص من دون زيادة و نقصان.

و الجمع بين هذه الطائفة و الطائفة الاولى انه لا منافاة بينهما أصلا فإن الرواية الأخيرة من هذا الطائفة شاهدة على ان عد الخمسين انما هو لإخراج نافلة العشاء و لا مانع منه فإنه بدل عن الوتر و مكانه كما تدل عليه رواية الفضيل المتقدمة و لأجله يطلق عليه عنوان الوتيرة فالاختلاف بينهما انما هو في عد نافلة العشاء و عدمه و لا مانع من شي ء من الأمرين

و يدل على البدلية دلالة واضحة رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: من كان يؤمن باللّه و اليوم الأخر فلا يبيتن الا بوتر قال: قلت تعنى الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال نعم إنهما بركعة فمن صلاهما (ها) ثم حدث به حدث مات على وتر فان لم يحدث به حدث الموت يصلى الوتر في أخر الليل، فقلت هل صلى رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- هاتين الركعتين؟ قال لا قلت و لم؟ قال لان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يأتيه الوحي و كان يعلم انه هل يموت في تلك (هذه) الليلة أم لا و غيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلهما و أمر بهما. «1»

و اما ما يدل على انها ست و أربعون فهي رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن التطوع بالليل و النهار فقال: الذي يستحب ان لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس، و بعد الظهر ركعتان و قبل العصر ركعتان، و بعد المغرب ركعتان و قبل العتمة ركعتان، و من (في) السحر ثمان ركعات ثم يوتر، و الوتر ثلاث ركعات مفصولة، ثم ركعتان قبل صلاة الفجر، و أحب صلاة الليل إليهم آخر الليل. «2»

و اما ما يدل على انها اربع و أربعون فهي صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- انى رجل تاجر اختلف و اتجر فكيف لي بالزوال و المحافظة على

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب التاسع و العشرون ح- 8.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الرابع عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 14

..........

______________________________

صلاة الزوال

و كم نصلي؟ قال: تصلى ثماني ركعات إذا زالت الشمس و ركعتين بعد الظهر و ركعتين قبل العصر فهذه اثنتا عشرة ركعة، و تصلى بعد المغرب ركعتين، و بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و منها ركعتا الفجر و ذلك سبع و عشرون ركعة سوى الفريضة و انما هذا كله تطوع و ليس بمفروض، ان تارك الفريضة كافر، و ان تارك هذا ليس بكافر و لكنها معصية لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من الخير ان يدوم عليه. «1»

و هنا رواية بها يرتفع الاختلاف لأجل تعيينها لما هو الحق لوقوعها جوابا عن السؤال عن وجود الاختلاف و هي رواية البزنطي قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام- ان أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع بعضهم يصلى أربعا و أربعين و بعضهم يصلى خمسين فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو؟ حتى اعمل بمثله فقال: أصلي واحدة و خمسين ركعة، ثم قال: أمسك و عقد بيده الزوال ثمانية و أربعا بعد الظهر و أربعا قبل العصر و ركعتين بعد المغرب و ركعتين قبل العشاء الآخرة و ركعتين بعد العشاء من قعود تعد ان بركعة من قيام و ثمان صلاة الليل و الوتر ثلاثا و ركعتي الفجر و الفرائض سبع عشرة فذلك احدى و خمسون. «2»

و مراد السائل من قوله بعضهم يصلى خمسين يمكن ان يكون هو الواحدة و الخمسين على ما عرفت و عليه فالجواب ناظر الى تعيين قول هذا البعض كما انه على التقدير الأخر يكون الجواب نافيا لكلا القولين و على اىّ فالرواية بلحاظ السؤال فيها و كون المسئول هو أبا الحسن الرضا- عليه السّلام- المتأخر زمانا عن الأئمة التي رويت عنهم الروايات

المتقدمة ترفع الاختلاف و تعيّن الحق فلا يبقى اشكال- ح.

و يمكن الجمع بين الاخبار المختلفة في نافلتي العصر و المغرب بالحمل

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الرابع عشر ح- 1.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الرابع عشر ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 15

..........

______________________________

على مراتب الاستحباب و ان الإتيان بأربع ركعات في نافلة العصر يشترك مع الإتيان فيها بثمان ركعات في أصل فضيلة نافلة العصر و لكنه واقع في المرتبة الدانية و هي في المرتبة العالية و كذا في نافلة المغرب و لا ينافيه التعبير عنه بالاختلاف في رواية البزنطي المتقدمة فإن المراد- ح- هو الاختلاف في مقام العمل دون الفتوى و ان كان ظاهرها هو العمل المستمر الناشئ عن الفتوى بذلك دون العمل أحيانا.

و يؤيد هذا الجمع التعبير عن تمام الخمسين بأفضل ما جرت السنة به من الصلاة في رواية محمد بن أبي عمير المتقدمة و عن الست و الأربعين بأنه يستحب ان لا يقصر منه في رواية أبي بصير المتقدمة أيضا و ان كان المناسب- ح- وقوع هذا التعبير في رواية الأربع و الأربعين.

ثم انه على تقدير عدم إمكان الجمع بالنحو المذكور و عدم كون رواية البزنطي رافعة للاختلاف و وصول النوبة إلى قواعد باب التعارض فالترجيح مع الطائفة الأولى لموافقتها للشهرة من حيث الفتوى بل المجمع عليه بين الأصحاب و قد تقرر في محله ان أول المرجحات هي الشهرة الفتوائية.

ثم انه ورد في بعض الروايات ما يدل بظاهره على ان نافلة الظهر اربع ركعات و هو ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر

عن أبيه عن على- عليه السّلام- انه كان يقول: إذا زالت الشمس عن كبد السماء فمن صلى تلك الساعة أربع ركعات فقد و أفق صلاة الأوابين و ذلك نصف النهار. و لكنها- مضافا الى عدم صحة سندها لان حسين بن علوان من الزيدية محمولة على التقية من جهة موافقتها لمذهب الحنفية الا ان يقال بان الجمع بين الروايات بالحمل على مراتب الاستحباب يشمل نافلة الظهر أيضا بعد الإغماض عن سند الرواية أو الرجوع الى قاعدة التسامح في أدلة السنن فتدبر.

و ينبغي التنبيه في هذه المسألة على أمرين:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 16

..........

______________________________

أحدهما ان اختلاف تعبير النصوص في نافلة العصر بكونها ثمانيا قبل العصر أو ستا بعد الظهر و ركعتين قبل العصر أو أربعا قبل العصر و أربعا بعد الظهر و هكذا في نافلة المغرب بكونها أربعا بعد المغرب أو ركعتين بعدها و ركعتين قبل العشاء الآخرة لا يكون الأمن الاختلاف في التعبير و المقصود من الكل واحد و ان استفاد المحقق الهمداني- قده- من هذه الجهة مطلبا في الأمر الثاني الذي ننبه عليه الان.

ثانيهما انه لا ريب في ان نافلة كل فريضة عبادة مستقلة لا ارتباط لها بنافلة فريضة أخرى فيجوز الإتيان بها و ان ترك غيرها من النوافل و هذا مما لا اشكال فيه انما الإشكال في ان النوافل التي تكون أزيد من صلاة واحدة مثل نافلة المغرب المركبة من صلوتين و نافلة الظهر أو العصر المركبة من اربع صلوات كل واحدة منها ركعتان بناء على لزوم الإتيان بالنوافل ركعتين ركعتين كما هو المشهور و ادعى عليه الإجماع كما انها تكون متعددة بما انها مصداق لعنوان الصلاة بلا ريب

هل تكون أيضا متعددة بعنوان أنفسها أم لا؟ و بعبارة أخرى هل تكون للظهر- مثلا- نافلة واحدة مركبة من اربع صلوات أو نوافل متعددة حسب تعدد الصلوات فعلى الأول تصير مثل صلاة جعفر- عليه السّلام- التي لا يترتب عليها شي ء من الآثار المرتبة عليها المترقبة منها من غفران الذنوب و سعة الرزق و غيرهما من الآثار الا بعد الإتيان بأربع ركعات المركبة من صلوتين مفصولتين و على الثاني كالنوافل المطلقة؟ ظاهر الروايات الواردة في الباب هو كون المجموع نافلة واحدة متعلقة لأمر استحبابي واحد و ان كانت بما هي صلاة متعددة فإن مثل قوله- عليه السّلام- ثمان ركعات للظهر ليس له ظهور الا في كون الثمان كالأربع التي هي فريضة الظهر متعلقة لأمر واحد غاية الأمر اختلاف الأمرين في الوجوب و الاستحباب و اختلاف العبادتين في كونها صلاة واحدة أو متعددة و اما من جهة عدم تعدد الأمر و العنوان الواحد المأمور به فلا اختلاف بينهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 17

..........

______________________________

و يظهر من الجواهر خلاف ذلك و نسبه الى العلامة الطباطبائي- قده- و استدل عليه بالأصل و تحقق الفصل و هو يقتضي التعدد و عدم وجوب إكمالها بالشروع فيها و كونها مشروعة لتكميل الفرائض فيكون لكل بعض منها قسط منه.

و يرد على التمسك بالأصل- مضافا الى انه لا مجال له مع وجود الدليل الاجتهادي مطلقا- موافقا كان أم مخالفا- و قد عرفت ظهور الروايات في كون المجموع نافلة واحدة متعلقة لأمر استحبابي واحد- ان محل البحث في المقام هو ارتباط الاجزاء و الصلوات المتعددة بعضها مع بعض و الأصل الذي يتصور هو استصحاب عدم الارتباط بلحاظ انه قبل تشريع النافلة

لم يكن ارتباط بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فيستصحب العدم و ينتج عدم الارتباط بعد تشريعها أيضا و قد قررنا في محله انه لا أصل لمثل هذه الأصول التي كانت الحالة السابقة المتيقنة منتفية بانتفاء الموضوع و الحالة المشكوكة هي المنتفية بانتفاء المحمول بل الأصل الذي يمكن التمسك به في المقام هي أصالة عدم استحباب الأقل من المجموع بعد وضوح كون المجموع مستحبا قطعا بجميع اجزائه و أبعاضه و منه يعلم الفرق بين المقام و بين مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين المعروفة فإنه في تلك المسألة يكون تعلق الأمر بالأكثر كتعلقه بالأقل مشكوكا فهذا الدليل غير تام.

و اما تحقق الفصل و جواز الإتيان بالمنافي بين كل ركعتين فهو يقتضي التعدد بما انها صلاة و لا بحث فيها و لكنه لا يقتضي التعدد بما أنها نافلة الظهر- مثلا- و ذلك كصلاة جعفر- عليه- السّلام- فإنها مع تحقق الفصل بين كل ركعتين لا تكون الّا عملا واحدا مستحبا.

و اما عدم وجوب إكمالها بالشروع فيها فهو لا دلالة له على اتصاف البعض المأتي بكونه منطبقا عليه عنوان المأمور به لانه لا منافاة بين اعتبار الارتباط بين الأبعاض و الحكم بعدم وجوب الإكمال و جواز رفع اليد عنه في الأثناء كما ان النافلة المطلقة يجوز قطعها- بناء على الجواز- و لا يوجب اتصاف المأتي به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 18

..........

______________________________

بكونه صلاة مترتبا عليها آثار الصلاة و مزاياها كما لا يخفى.

و اما كونها مشروعة لتكميل الفرائض فهو أيضا لا يقتضي جواز التقسيط بحيث كان كل قسط دخيلا في التكميل مستقلا و الّا لجاز الاقتصار على بعض صلاة واحدة كالركعة و ما دونها أيضا.

و اما ما

افاده المحقق الهمداني- قده- في مطاوي كلماته من ان مغروسية كون الأبعاض في حد ذاتها بعنوان كونها صلاة عبادات مستقلة في النفس و كون كل منها في حد ذاتها مشتملة على مصلحة مقتضية للطلب و كون الأعداد الواقعة في حيّز الطلب غالبا عناوين إجمالية انتزاعية عن موضوعاتها توجب صرف الذهن إلى إرادة التكليف غير الارتباطي كما لو أمر المولى عبده بان يعطى زيدا عشرين درهما.

فيرد عليه ان الأبعاض و ان كانت بعنوان كونها صلاة عبادات مستقلة الا ان العنوان المأمور به أخص من ذلك العنوان و قد عرفت ظهور الروايات في وحدة متعلق الأمر فإن نافلة الظهر نافلة واحدة متعلقة للأمر الاستحبابي لا نوافل متعددة و وقوع الاعداد في حيّز الطلب لا دلالة فيه على التكليف غير الارتباطي فان الأقل و الأكثر تارة يكون استقلاليا و اخرى يكون ارتباطيا و لا دلالة فيه على الأول.

ثم انه أفاد المحقق المزبور انه لا ينبغي الاستشكال في جواز الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين و في نافلة العصر على اربع ركعات لدلالة بعض الاخبار عليه بل الظاهر جواز الإتيان بركعتين من نافلة العصر لما في غير واحد من الاخبار الآمرة بأربع ركعات بين الظهرين من التفصيل بالأمر بركعتين بعد الظهر و ركعتين قبل العصر فان ظاهرها بشهادة السياق ان كل واحد من العناوين المذكورة في تلك الروايات نافلة مستقلة فللمكلف الإتيان بكل منها بقصد امتثال الأمر المتعلق بذلك العنوان من غير التفات الى ما عداها من التكاليف قال:

و بهذا ظهر انه يجوز الإتيان بست ركعات أيضا من نافلة العصر لقوله- عليه السّلام-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 19

..........

______________________________

في موثقة سليمان بن خالد: صلاة النافلة

ثمان ركعات حين تزول الشمس و ست ركعات بعد الظهر و ركعتان قبل العصر .. «1» فان ظاهرها كون الست ركعات في حد ذاتها نافلة مستقلة و في خبر عيسى بن عبد اللّٰه القمي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: إذا كانت الشمس من هاهنا من العصر فصل ست ركعات .. «2» و استظهر بعد ذلك من رواية حسين بن علوان المتقدمة المروية في قرب الاسناد جواز الاقتصار في نافلة الزوال أيضا على اربع ركعات.

و يرد عليه ان الروايات الدالة على جواز التفريق في نافلة العصر و كذا المغرب لا دلالة لها على الاستقلال و لا منافاة بينها و بين الروايات الدالة على الثمان بنحو الاجتماع فان جواز التفريق الراجع إلى الإتيان بالمجموع في وقتين أمر و الاستقلال الراجع الى اتصاف كل صلاة بأنها نافلة مستقلة أمر أخر و عليه فلا معارض لظهور الروايات الدالة على الثمان بنحو الاجتماع في الارتباط و عدم الاستقلال من جهة الدليل على جواز التفريق.

و اما الروايات الدالة على ان نافلة العصر أقل من الثمان و المغرب أقل من الأربع فإن جمعنا بينها و بين الروايات الدالة على الأكثر بالحمل على اختلاف مراتب الفضل و الاستحباب فاللازم هو الالتزام بجواز الاقتصار على مفادها و انه لا يجوز الاكتفاء بما دونه و عليه فيجوز التعميم بالإضافة إلى نافلة الزوال أيضا و ان كانت الرواية الدالة عليه ضعيفة السند لقاعدة التسامح في أدلة السنن و مجرد موافقتها لفتوى أبي حنيفة لا يوجب الحمل على التقية بعد ثبوت الجمع الدلالي على ما هو المفروض و وجود التسامح في مثله.

و ان جعلنا رواية البزنطي المتقدمة رافعة للاختلاف و معينة لما هو الحق بناء على

ان يكون المراد من الاختلاف الذي وقع فيها السؤال عنه هو الاختلاف

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 16.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 20

..........

______________________________

في الفتوى و النظر فلا يجوز الاقتصار لمن يريد الإتيان بالنوافل على الأقل لأن مرجعها الى رفع اليد عن جميع الروايات الدالة على الخلاف و اما بناء على ان يكون المراد من الاختلاف فيها هو الاختلاف في مقام العمل و مرجعه- ح- الى استفسار حال الامام- عليه السّلام- و انه في مقام العمل يأتي باية مرتبة من المراتب فلا دلالة لرواية البزنطي على عدم اختلاف المراتب بل يقرر ثبوته و لكن هذا الاحتمال بعيد و ان كانت الألفاظ الواقعة في السؤال تؤيده لوضوح انه بناء على اختلاف المراتب تكون المرتبة العالية هي المشتملة على الأكثر فلا يبقى مجال للسؤال حينئذ و ان كان يمكن ان يقال بأن السائل على هذا التقدير لا يكون عالما بالمرتبة العالية من حيث العدد و بالجملة فهذا الاحتمال بعيد و الظاهر هو الاحتمال الأول و ثمرته عدم جواز التبعيض و ثبوت الارتباط.

ثم ان مقتضى كلامه جواز الإتيان بنافلة الظهر ست و ركعات أيضا لخبر رجاء بن أبي الضحاك الدال على ان الرضا- عليه السّلام- صلى ستا من نافلة الظهر ثم اذن ثم صلى ركعتين. «1» فان الفصل بالأذان دليل على جواز الاقتصار على الست بناء على مبناه فتدبر هذا كله في غير صلاة الليل.

و اما صلاة الليل فمقتضى بعض الروايات انها ثلث عشرة ركعة بإدراج نافلة الفجر فيها أيضا كرواية الحارث بن المغيرة النضري عن أبي

عبد اللّٰه- عليه السّلام- المشتملة على قوله- عليه السّلام- و كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يصلى ثلاث عشرة ركعة من الليل. «2»

و رواية أخرى للحارث بن المغيرة في حديث قال قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- كان ابى لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر و لا حضر. «3» و رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة منها

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 2.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 9.

(3) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الخامس و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 21

..........

______________________________

الوتر و ركعتا الفجر في السفر و الحضر. «1»

و مقتضى بعض الروايات ان صلاة الليل ثمان و الوتر ثلاث و نافلة الفجر ركعتان كرواية حنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- المشتملة على قوله- عليه السّلام-:

و ثمان صلاة الليل و ثلاثا الوتر و ركعتي الفجر .. «2» و رواية ابن أبي نصر البزنطي المشتملة على قول الرضا- عليه السّلام- و ثمان صلاة الليل و الوتر ثلاثا و ركعتي الفجر .. «3» و رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- المشتملة على قوله- عليه السّلام-: و ثمان ركعات من آخر الليل .. ثم الوتر ثلاث ركعات ..

ثم الركعتان اللتان قبل الفجر «4» و كذا الروايات المتعددة الواردة في الوتر الدالة على انها ثلاث ركعات تفصل بينهن. «5»

و مقتضى بعض الروايات ان صلاة الوتر مركبة من صلوتين إحديهما معنونة بعنوان الشفع و الأخرى

بعنوان الوتر كرواية الفضل بن شاذان عن الرضا- ع- في كتابه إلى المأمون، المشتملة على ان الشفع و الوتر ثلاث ركعات «6» و رواية رجاء بن أبي الضحاك الحاكية لفعل الرضا- عليه السّلام- المشتملة على قوله:

ثم يقوم فيصلي ركعتي الشفع .. فإذا سلم قام و صلى ركعة الوتر. «7»

و رواية الأعمش عن جعفر بن محمد- عليهما السّلام- في حديث شرائع الدين

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الخامس و العشرون ح- 6.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 6.

(3) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 7.

(4) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 16.

(5) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الخامس عشر ح- 7- 8- 9- 10

(6) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 23.

(7) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 24.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 22

[المسألة الثانية في نافلة العشاء المسماة بالوتيرة]

______________________________

المشتملة على قوله- عليه السّلام-: و الشفع ركعتان و الوتر ركعة «1» فانقدح مما ذكرنا انه لا إشكال في جواز الاقتصار على نافلة الفجر لأنها نافلة مستقلة متعلقة لأمر كذلك كما انه لا إشكال في جواز الاقتصار على الثمان صلاة الليل لأنها معنونة بعنوان واحد متعلق لأمر كذلك و كذا العكس فإنه يجوز الاقتصار على صلوتى الشفع و الوتر و ترك صلاة الليل و اما الاقتصار على خصوص الوتر الذي هي ركعة واحدة فإن كان في ضيق الوقت فلا اشكال فيه و ان لم يكن فيه فيمكن استفادة الجواز من رواية معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول:

اما

يرضى أحدكم ان يقوم قبل الصبح و يوتر و يصلى ركعتي الفجر و يكتب له بصلاة الليل (ئل أبواب الوقت- باب 46 ح- 3).

و اما التبعيض في الثمان صلاة الليل فالظاهر عدم جوازه لان ظاهر الأدلة كون المجموع عملا واحدا و عبادة واحدة متعلقة لأمر واحدة فلا يجوز التبعيض فيه و ان كان يستفاد من الجواهر انه لا مانع منه فيه كسائر النوافل المركبة من صلوات متعددة هذا تمام الكلام في المسألة الاولى.

المسألة الثانية في نافلة العشاء المسماة بالوتيرة لكونها بدلا عن الوتر كما عرفت و الكلام فيها من جهات:

الجهة الاولى في انه هل يتعين الجلوس فيها أم يجوز القيام أيضا؟ فنقول اما بالنظر الى فتاوى الأصحاب فقد ذكر سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي في بحثه الشريف- على ما قررته- ان الظاهر تسالم الفقهاء الى زمن الشهيد الأول على ثبوت الجلوس في نافلة العشاء و لم يفت أحد منهم بجواز القيام فيها و ان أول من افتى به هو الشهيد في الدروس و اللمعة و تبعه الشهيد و المحقق الثانيان و قد اشتهر الفتوى بذلك بعدهم.

و اما بالنظر الى الروايات الواردة في الباب فكثير منها ظاهر في تعيّن

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 25.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 23

..........

______________________________

الجلوس و ان الركعتين تعدان بركعة كخبري فضيل بن يسار المتقدمين «1» و رواية البزنطي المتقدمة أيضا «2» و رواية الفضل بن شاذان كذلك «3» و رواية الأعمش أيضا كذلك «4» و رواية أبي عبد اللّٰه القزويني قال: قلت لأبي جعفر محمد بن على الباقر- عليهما السّلام-: لأيّ علة تصلى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود فقال:

لان اللّٰه فرض سبع عشر ركعة فأضاف إليها رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- مثليها فصارت احدى و خمسين ركعة فتعدان هاتان الركعتان من جلوس بركعة. «5» و رواية هشام المشرقي عن الرضا- عليه السّلام- في حديث قال: ان أهل البصرة سألوني فقالوا:

ان يونس يقول من السنة ان يصلى الإنسان ركعتين و هو جالس بعد العتمة فقلت صدق يونس. «6»

و اثنتان منها ظاهرتان في التخيير إحديهما رواية الحارث بن المغيرة النضري المشتملة على قول أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في تعداد النوافل: و ركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصليهما و هو قاعد و انا أصليهما و انا قائم .. «7»

و ليس المراد هو اختلافه مع أبيه- عليهما السّلام- في الفتوى كما هو واضح بل المراد هو الاختلاف في العمل لأجل التخيير بين القيام و القعود و سره ان أباه- عليه السّلام كان بدينا ذات لحم يشق عليه الإتيان بالنوافل قائما كما تدل عليه رواية حنان بن سدير عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- أ تصلي النوافل و أنت قاعد؟ فقال:

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 2- 3.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 7.

(3) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 23.

(4) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 25.

(5) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب التاسع و العشرون ح- 6.

(6) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب التاسع و العشرون ح- 9.

(7) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 24

..........

______________________________

ما أصليها

الا و انا قاعد منذ حملت هذا اللحم و ما بلغت هذا السن. «1» و من ذلك ظهر ان الرواية ظاهرة في أفضلية القيام و ان اختيار القعود انما هو لأجل المشقة و الكلفة.

ثانيتهما رواية سليمان بن خالد المشتملة على قول أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في تعداد النوافل: و ركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا و القيام أفضل و لا تعدهما من الخمسين. «2»

و قد يجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير و لكن الفتوى بجواز القيام في غاية الإشكال لأنه- مضافا الى ان هاتين الروايتين كانتا بمرئي و مسمع من قد ماء الأصحاب و مع ذلك تسالموا على تعين الجلوس الى زمن الشهيد الأول كما عرفت و ذلك يكشف عن وجود خلل فيهما كصدورهما تقية لأن نافلة العشاء بنحو الجلوس مما لم يقل به أحد من العامة فإنهم بين من ينكر مشروعيتها رأسا و بين من يقول بأنها ثمان ركعات اربع قبل الفريضة و اربع بعدها كأبي حنيفة و بين من يقول بأنها ركعتان من قيام- لا يجوز رفع اليد بسببهما عن الروايات الكثيرة الظاهرة بل الصريحة في تعيّن الجلوس بلحاظ التقييد بالجلوس مع ان الأصل في الصلاة مطلقا هو القيام و كونه أفضل من الجلوس، مع ان تشريعها كما ظهر من بعض الروايات المتقدمة انما هو لكونها بدلا عن الوتر الذي هي ركعة واحدة و لا معنى لكون الركعتين من قيام بدلا من ركعة كذلك فتدبر أو لأجل كونها تعد بركعة فيتحقق عنوان ضعف الفريضة و مثليها و لا يتحقق ذلك الا مع تعين الجلوس فيها و بالجملة فالروايات الدالة على ان مجموع الفرائض و النوافل احدى و

خمسون ركعة لا يلائم مع جواز القيام في نافلة العشاء كسائر النوافل التي يكون المكلف مخيرا فيها.

______________________________

(1) الوسائل أبواب القيام.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 25

..........

______________________________

ثم انه ذكر بعض الاعلام في شرحه على العروة في مقام الجمع ان الذي يظهر من ملاحظة الأخبار الواردة في المقام ان بعد العشاء الآخرة يستحب اربع ركعات و صلاتان نافلتان و التي يكون القيام فيها أفضل من الجلوس ركعتان غير ركعتي الوتيرة و هما اللتان يقرأ فيهما مائة آية و هما غير الوتيرة المقيدة بكونها عن جلوس و الدليل على ذلك:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول: لا تصل أقل من اربع و أربعين ركعة قال: و رأيته يصلى بعد العتمة أربع ركعات. «1»

و موثقة سليمان بن خالد- المتقدمة- «2» فإنها مصرحة بأن الركعتين اللتين يكون القيام فيهما أفضل غير النوافل اليومية اعنى خمسين أو واحدة و خمسين ركعة و ان هاتين الركعتين لا تعدان منها.

و صحيحة الحجال قال: كان أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- يصلى ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية و لا يحتسب بهما و ركعتين و هو جالس يقرأ فيهما بقل هو اللّٰه أحد و قل يا ايها الكافرون فان استيقظ من الليل صلى صلاة الليل و الوتر و ان لم يستيقظ حتى يطلع الفجر صلى ركعتين فصارت سبعا (شفعا) و احتسب الركعتين الليلتين (اللتين) صلاهما بعد العشاء وترا. «3»

أقول: اما صحيحة عبد اللّٰه بن سنان فلا دلالة فيها على عنوان الأربع التي يصليها بعد العتمة و لا على استمرار الإتيان بها فلعله كانت

الأربع صلاة جعفر- عليه السّلام- و نحوها.

و اما موثقة سليمان بن خالد فلا محيص عن حمل الركعتين فيها على نافلة العشاء لعدم التعرض لها فيها و عدم عدهما من الخمسين لا ينافيها لأنها- كما

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الرابع عشر ح- 4.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 16.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 26

..........

______________________________

في بعض الروايات الأخر- إنما شرعت لتكميل العدد و جعل النافلة ضعف الفريضة فلا وجه لحملها على غير نافلة العشاء.

و اما صحيحة الحجال فهي و ان كانت دلالتها واضحة الا انه يشكل الأخذ بها لأنها- مضافا الى دلالتها على وقوع ترك صلاة الليل من الامام- عليه السّلام- أحيانا و لعله لا يكون ملائما لشأنه- تدل على ما لم يدل عليه شي ء من الروايات مع كثرتها و استفاضتها لعدم دلالته على ثبوت ركعتين بعد العشاء قبل نافلتها، مع انها لا تكون معنونة بعنوان أصلا مع انه لا وجه لعدم الاحتساب بالإضافة إليها خصوصا بعد ثبوت الكيفية المخصوصة لها و اشتمالها على مائة آية من القرآن و احتساب نافلة العشاء مع وقوعها في حال الجلوس فالإنصاف انه لا مجال لهذا الجمع.

الجهة الثانية في سقوط نافلة العشاء في السفر و عدمه و قد وقع فيه الاشكال و الخلاف بعد انه لا اشكال و لا خلاف في سقوط نافلة الظهرين في السفر و عدم سقوط نافلة الصبح و المغرب كعدم سقوط صلاة الليل، و المشهور بين الإمامية هو الأول بل ادعى الإجماع عليه في محكي السرائر و الغنية و قال الشيخ و جماعة بعدم

السقوط و منشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في الباب:

اما ما يدل على السقوط فروايات كثيرة:

منها: رواية حذيفة بن منصور عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه- عليهما السّلام- انهما قالا: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء. «1»

و منها: رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلا المغرب ثلاث. «2»

و منها: رواية أبي يحيى الحناط قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال: يا بنى لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة. «3»

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الواحد و العشرون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الواحد و العشرون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الواحد و العشرون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 27

..........

______________________________

و موردها و ان كان خصوص صلاة النافلة بالنهار الا ان الملازمة التي يدل عليها الجواب و هي الملازمة بين جواز النافلة و تمامية الفريضة تقتضي سقوط نافلة العشاء أيضا كما هو ظاهر.

و منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلا المغرب فان بعدها اربع ركعات لا تدعهن في سفر و لا حضر، و ليس عليك قضاء صلاة النهار و صلّ صلاة الليل و اقضه. «1»

و اما ما يدل أو استدل به على عدم السقوط فروايات أيضا:

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن الصلاة تطوعا في السفر قال: لا تصل قبل الركعتين و لا

بعدهما شيئا نهارا. «2» فان تخصيص النهي في الجواب بخصوص النوافل النهارية مع كون السؤال عن مطلق الصلاة تطوعا في السفر لا يلائم مع سقوط نافلة العشاء خصوصا مع انحصار القصر في الليل بها كما لا يخفى.

و منها: رواية رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا- عليه السّلام- انه كان في السفر يصلى فرائضه ركعتين ركعتين الا المغرب فإنه كان يصليها ثلاثا و لا يدع نافلتها، و لا يدع صلاة الليل و الشفع و الوتر و ركعتي الفجر في سفر و لا حضر و كان لا يصلى من نوافل النهار في السفر شيئا. «3»

و منها ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا- عليه السّلام- في حديث قال: و انما صارت العتمة مقصورة و ليس تترك ركعتاها (ركعتيها) لان الركعتين ليستا من الخمسين و انما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بهما

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الواحد و العشرون ح- 7.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الواحد و العشرون ح- 1.

(3) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الواحد و العشرون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 28

..........

______________________________

بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع. «1» و الرواية من حيث الدلالة تامة لأنها تدل على مفروغية عدم ترك النافلة كمفروغية قصر الفريضة في العتمة الا ان الاشكال انما هو في سندها لأن في طريق الصدوق الى فضل بن شاذان على بن محمد بن قتيبة النيشابوري المعروف بالقتيبى، و عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار النيشابوري و هما لم تثبت وثاقتهما فإن غاية ما ذكر في وثاقه الأول ما ذكره في الحدائق في

مقام الجواب عن صاحب المدارك القائل بعدم إمكان الاعتماد على روايته لعدم توثيقه من انه لا حاجة الى التوثيق الصريح بعد كونه من المشايخ و موردا لاعتماد مثل الكشي لان اعتماد المشايخ المتقدمين على النقل و أخذ الروايات عنهم و التلمذ عندهم يزيد على قول النجاشي و أضرابه:

فلان ثقة. و قد نقل في الحدائق عن العلامة في المختلف انه عند ما ذكر حديث الإفطار على محرم و ان الواجب فيه كفارة واحدة أو ثلاث لم يذكر التوقف في صحة الحديث الا من حيث عبد الواحد بن عبدوس و قال: انه كان ثقة و الحديث صحيح. و هذا يدل على توثيقه لعليّ بن محمد بن قتيبة، و قد حكى عن العلامة أيضا انه صحح حديثه في ترجمة يونس بن عبد الرحمن.

و لكن شي ء من ذلك لا يثبت وثاقته فان اعتماد الكشي لا دليل على وثاقته فقد اعتمد على نصر الغالي أيضا لكن قد يقال بأنه يمكن استفادة وثاقته من قول الكشي في (إبراهيم بن عبدة): حكى بعض الثقات بنيسابور انه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمد- عليه السّلام-، بان يكون هو مراده من بعض الثقات. و يدفعه مضافا الى انه ليس في نسخة الكشي المطبوعة عندي كلمة بنيسابور انه على تقديره لا دليل على كونه هو المراد من بعض الثقات.

و اما كونه من المشايخ و أخذ المتقدمين الروايات عنه فهو لا دلالة له أيضا على التوثيق فقد حكى ان من مشايخ الصدوق من هو ناصب زنديق بحيث لم ير

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب التاسع و العشرون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 29

..........

______________________________

انصب منه و أبلغ

من نصبه لانه كان يقول اللهم صل على محمد فردا و يمتنع من الصلاة على آله.

و اما تصحيح العلامة فقد نوقش فيه من وجهين: الأول انه يظهر من التتبع في كلماته انه (قدس سره) يصحح رواية كل شيعي لم يرد فيه قدح و لا يعتمد على رواية غير الشيعي و ان كان موثقا فتصحيحه أعم من التوثيق بل غايته تصديق تشيعه و انه لم يرد فيه قدح. الثاني ان توثيقه و توثيقات مثله من معاصريه أو المتأخرين عنه حيث لا يكون إلا شهادة حدسية منشأها ملاحظة القرائن و الأمارات من دون ان يكون متصلا سندا الى من يشهد بوثاقته بشهادة حسية لا ينبغي الاعتماد عليه لطول الفصل و مضى الأزمنة و القرون و وضح عدم اعتبار الشهادة عن غير حس.

و اما عبد الواحد بن محمد بن عبدوس فقد ذكر المامقاني في رجاله ان في الرجل أقوالا: أحدها انه ثقة و هو خيرة التحرير و المسالك و بعض آخر ثانيها انه حسن و هو المحكي عن المجلسي الثاني في غير الوجيزة ثالثها انه مجهول و هو الذي بنى عليه المحقق حيث ترك العمل بروايته لانه مجهول الحال و مثله العلامة في المختلف.

و مع هذا الوصف كيف يمكن الاعتماد على روايته و الأخذ بحديثه.

و منها رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- هل قبل العشاء الآخرة و بعدها شي ء قال: لا غير انى أصلي بعدها ركعتين و لست أحسبهما من صلاة الليل. «1» نظرا الى ان المستفاد منها انها نافلة مستقلة و لها نحو ارتباط بنافلة الليل و لذا أجاب الإمام- عليه السّلام- بلا و مع استقلالها لا يشملها الأخبار الدالة على سقوط نافلة الصلاة

المقصورة.

و أورد على هذا الاستدلال بعض الأعلام بأن الظاهر ان المراد من الركعتين

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب السابع و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 30

..........

______________________________

فيها هما الركعتان اللتان تؤتى بها عن قيام و هما مستحبان مستقلتان زائدة على النوافل المرتّبة و ذلك بقرينة قوله: و لست أحسبهما من صلاة الليل فان ما يمكن ان يتوهم كونه من صلاة الليل انما هو تلك الصلاة التي يؤتى بها قائما دون الوتيرة التي تصلى جالسا فإنها لم يتوهم أحد كونها من صلاة الليل بوجه خصوصا مع كون الراوي هو الحلبي الذي لا يخفى عليه مثل ذلك.

و يدفعه- مضافا الى ما عرفت من عدم معهودية صلاة فيما بين العشاء و نافلتها- انه بناء على ما افاده تكون نافلة العشاء أقرب الى صلاة الليل من تلك الصلاة التي يؤتى بها قبلها و مجرد الاختلاف في القيام و الجلوس لا يوجب أقربية ما يؤتى به أولا كما هو ظاهر.

و الجواب عن أصل الاستدلال بعد ملاحظة إطلاق محط السؤال و عدم كون النظر الى حال السفر ان قوله: و لست أحسبهما من صلاة الليل لا دلالة له على استقلال الركعتين كما ان قوله- عليه السّلام-: «لا» لا ينفى طرفي السؤال بحيث يصير قرينة على نفى ارتباط الركعتين بالعشاء بل الظاهر ان المراد من النفي هو النفي بلحاظ كون نافلة العشاء مزيدة في النوافل لتتم بهما الواحدة و الخمسون كما ان عدم الاحتساب من صلاة الليل انما هو لدفع توهم كون وقوعها بعد العشاء قرينة لكونها من صلاة الليل كنافلة الصبح التي عدت منها في بعض الروايات المتقدمة و على اى حال

فلا دلالة للرواية على عدم السقوط بل لا ارتباط لها بالمقام لو لم نقل بكون مقتضى إطلاقها بعد التقييد بالروايات الدالة على السقوط هو السقوط فتدبر.

و منها الروايات الكثيرة الدالة على ان من كان يؤمن باللّه و اليوم الأخر فلا يبيتن الا بوتر. «1» و تقريب الاستدلال بها من وجهين بعد ظهور كون المراد

______________________________

(1) و قد جمعها في الوسائل في أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب التاسع و العشرون.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 31

..........

______________________________

بالوتر فيها هي الوتيرة و نافلة العشاء لتفسيرها بذلك في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: من كان يؤمن باللّه و اليوم الأخر فلا يبيتن الا بوتر قال:

قلت تعنى الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال: نعم إنهما بركعة فمن صلاهما (ها) ثم حدث به حدث مات على وتر .. «1»

الأول: ان التعبير بكون الإتيان بها و عدم تركها من شئون الايمان باللّه و اليوم الأخر لا يلائم مع الاختصاص بوقت دون وقت و لا يجتمع مع السقوط في السفر كما لا يخفى.

الثاني: ان النسبة بين هذه الروايات الدالة بإطلاقها على ثبوت الوتيرة في السفر أيضا و بين الروايات الواردة في سقوط نافلة الصلاة المقصورة الشاملة بإطلاقها لصلاة العشاء هي العموم من وجه و المرجع في مادة الاجتماع و هي الوتيرة في السفر هي الروايات الواردة في أصل مشروعية الوتيرة و في تعداد النوافل و انها اربع و ثلاثون.

و أورد على الاستدلال بها بعد تضعيف رواية أبي بصير الشارحة لها لوقوع عدة مجاهيل في سندها بالمعنى الأعم من المهمل بأن الأخبار المذكورة انما وردت في الوتر لا في الوتيرة فإن معنى البيتوتة إنهاء الليل

الى طلوع الفجر و معنى الروايات ان من كان يؤمن باللّه و اليوم الأخر لا يطلع عليه الفجر الا بوتر، مع ان نافلة العشاء لم تسم بالوتيرة في شي ء من الروايات و انما الفقهاء سموها بالوتيرة فلا يمكن الاستدلال بها على أصل استحبابها فضلا عن عدم سقوطها في السفر.

و الجواب عن هذا الإيراد ما افاده المورد نفسه في مسألة وقت نافلة العشاء مما حاصله ان المستفاد من هذه الروايات ان أخر وقت الوتيرة صدق البيتوتة و الغالب فيها وقوعها قبل الانتصاف لأن أغلب الناس انما يبدءون بالمنام قبل الانتصاف و هذه الروايات و ان كانت مطلقة غير مقيدة بكونها بعده أو قبله الا انها

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب التاسع و العشرون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 32

..........

______________________________

لا تقبل الحمل على البيتوتة بعد الانتصاف لأنها قليلة نادرة فتدل الروايات المذكورة على ان آخر وقت الوتيرة هو انتصاف الليل و غسقه.

و أقول ظاهر الروايات هو وقوع البيتوتة متأخرة عن الوتر بحيث كان شروعها بعد الإتيان بها و هذا لا يلائم مع كون المراد بها غير نافلة العشاء لان صلاة الوتر التي هي جزء صلاة الليل يكون أفضل أوقاتها السحر و أفضل منه القريب الى الفجر و عليه فمن راعى هذه الجهة و اتى بصلاة الوتر في آخر أجزاء الليل هل يصدق عليه انه بات بوتر أو على وتر؟ الظاهر العدم و هذه قرينة على ان المراد بالوتر في هذه الروايات هي الوتيرة و ان قلنا بضعف رواية أبي بصير الشارحة لها و المفسرة إياها فهذه الروايات بنفسها ظاهرة في نافلة العشاء.

و اما ما أورد على الاستدلال بها

ثانيا من منع المعارضة و كون الروايات الدالة على انه لا شي ء قبل الركعتين و لا بعدهما مؤيدة بما دل على ان النافلة لو صلحت في السفر تمت الفريضة حاكمة على هذه الروايات لكونها ناظرة إليها فتتقدم عليها.

فالجواب عنه منع ذلك لعدم تمامية الحكومة بل يمكن ان يقال بالعكس و ان هذه الروايات تكون حاكمة عليها ناظرة إليها لدلالتها على اختصاص تلك الروايات بغير نافلة العشاء التي لا يبيت بدونها من كان يؤمن باللّه و اليوم الأخر فتدبر و منها ما استدل به بعض الاعلام من صحيحة فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول في حديث .. منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر .. «1» بتقريب أن الوتيرة لم تثبت كونها نافلة للعشاء ليقال ان نافلة الصلوات المقصورة ساقطة في السفر بل هي صلاة مستحبة و انما شرعت للبدلية عن الوتر على تقدير عدم التوفق لإتيانها في وقتها فلا تشملها الأخبار المتقدمة الدالة على انه لا شي ء قبل الركعتين و لا بعدهما.

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب 13 ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 33

..........

______________________________

و يرد عليه ان التعبير الوارد في نافلة العشاء هو بعينه التعبير الوارد في سائر النوافل فكما أن نافلة المغرب قد عبر عنها في الروايات بأنها ما يؤتى بها بعدها كذلك نافلة العشاء مع ان ثبوت الركعتين بعد العشاء من دون ان يكون لهما عنوان أصلا بعيد جدا خصوصا مع ثبوت العنوان لغيرها من جميع النوافل و الفرائض اليومية، مع ان الروايات الدالة على السقوط لم يعلق الحكم فيها على عنوان النافلة المضافة الى الفريضة بل الحكم

فيها يرجع الى عدم ثبوت شي ء قبل الركعتين و لا بعدهما فلا يتوقف دلالتها على السقوط على ثبوت عنوان نافلة العشاء لهما كما لا يخفى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الأظهر هو ثبوت نافلة العشاء في السفر و لكن الاحتياط بالإتيان بها رجاء لا ينبغي تركه.

الجهة الثالثة في وقت نافلة العشاء فنقول: اما من حيث المبدء فلا شبهة في ان مبدئها انما هو الفراغ عن فريضة العشاء على ما تدل عليه الروايات المستفيضة المصرحة بكونها بعد العشاء الظاهرة في ان مبدئها هو الفراغ منها، و اما من حيث المنتهى فلا إشكال أيضا من جهة الفتوى في امتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة و قد تحققت عليه الشهرة العظيمة بل ادعى المحقق في المعتبر الإجماع عليه و يكفى دليلا على ذلك ذكر المسألة في الكتب الموضوعة لنقل الفتاوى المأثورة عن الأئمة الطاهرة- عليهم السّلام- بعين الألفاظ الصادرة فإنه يكشف عن وجود نص معتبر مذكور في الجوامع الأولية غاية الأمر انه لم يصل إلينا.

نعم يمكن الاستدلال بالروايات المتقدمة الدالة على ان المؤمن لا يبيت الا بوتر نظرا الى ان المراد بالوتر هي الوتيرة لظهور الروايات في نفسها في ذلك كما مر و دلالة رواية أبي بصير المتقدمة عليها أيضا و ان المراد ان آخر وقت الوتيرة صدق البيتوتة و الغالب فيها وقوعها قبل الانتصاف لأن أغلب الناس كانوا يبدءون بالمنام قبله.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 34

..........

______________________________

و يدل على ذلك أيضا ما دل من الروايات على ان الوتيرة بدل الوتر بضميمة ان وقت صلاة الليل بعد الانتصاف و عدم مشروعيتها قبله الا لعذر فان ملاحظتهما تقضى بأنه قبل الانتصاف يكون وقت البدل

و بعده الذي يشرع الإتيان بالمبدل لا يكون الا ظرف المبدل و لا مجال مع التمكن من الإتيان بالمبدل له كما لا يخفى.

و الذي يسهل الخطب ما عرفت من وضوح المسألة بلحاظ فتاوى الأصحاب و لا حاجة الى إقامة الدليل.

الجهة الرابعة في انه هل يعتبر في نافلة العشاء التي يؤتى بها بعدها البعدية العرفية المتصلة كما يظهر من بعض المتأخرين حيث اعتبر عدم الفصل المفرط بين فريضة العشاء و نافلتها فلا يشرع الإتيان بها قريبا من نصف الليل مع الإتيان بالفريضة في أوله أولا يعتبر ذلك؟

ربما يستدل للأول بأن المنساق من الأدلة الدالة على البعدية هي البعدية المتصلة العرفية.

و قد أورد عليه بان الظاهر كون البعدية في نافلة العشاء في مقابل القبلية في نافلة الظهرين فالمراد ان نافلة العشاء لا بدّ ان يؤتى بها بعد العشاء لا قبل الفريضة كما في نافلة الظهرين.

و الجواب عنه- مضافا الى منع الاستظهار- الروايات الواردة في نافلة العصر الدالة على تفريقها و الإتيان ببعضها بعد الظهر و بالبعض الأخر قبل العصر و كذا الروايات الدالة على تفريق نافلة المغرب و الإتيان بالركعتين بعد المغرب و بالركعتين قبل العشاء فإنها ظاهرة في اتصال القبلية و البعدية و الا لكان المجموع متصفا بوقوعها بعد الظهر أو قبل العصر و كذا بعد المغرب أو قبل العشاء كما لا يخفى.

نعم في مقابل هذا الظهور أمران: أحدهما استحباب جعل نافلة العشاء خاتمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 35

[المسألة الثالثة في وقت نافلة الصبح]

______________________________

للنوافل كما عليه الشهرة المحققة و يمكن الاستدلال بالنص أيضا و من المعلوم انه ربما تكون النوافل كثيرة كما في ليالي شهر رمضان و كما في ليلة الفطر إذا اتى بالصلاة

المعروفة المشتملة على الف سورة التوحيد بعد فريضة العشاء و عليه فلا تصدق البعدية العرفية لثبوت الفصل الطويل.

و يدفعه انه لا مانع من الالتزام بجواز التأخير لمن يأتي بالنوافل كجواز تقديم نافلة الصبح من انتصاف الليل لمن يأتي بصلاة الليل على ما يأتي.

ثانيهما ما ذكره بعض الاعلام من ان المستفاد مما دل على ان المؤمن لا يبيت الا بوتر عدم اعتبار الوصل و انما الغرض ان لا يبيت المكلف الا بوتر بان يصلى الوتيرة فينام و يصدق انه نام عن وتر.

و الجواب ان هذه الروايات لا دلالة لها على أزيد من ان بيتوتة المؤمن تكون متأخرة عن الوتر و اما ان شرائط الوتر ما ذا فهي لا دلالة لها عليها و لا بدّ من استفادتها من دليل خارج و من الشرائط البعدية المتصلة بالعشاء على ما تدل عليه الروايات المتقدمة فهي متقدمة على هذه الروايات فتدبر.

المسألة الثالثة في وقت نافلة الصبح و الكلام فيه في مقامين:

الأول وقتها من حيث الابتداء و قد تحققت الشهرة على ان أول وقتها هو طلوع الفجر الكاذب و حكى عن بعض جواز إتيانها بعد الفراغ من صلاة الوتر و نسبه في الحدائق إلى المشهور. و قد ورد في هذا الباب روايات كثيرة مختلفة و هي على طوائف:

الأولى ما تدل على الأحشاء بها في صلاة الليل و دسها فيها كرواية البزنطي قال: سألت الرضا- عليه السّلام- عن ركعتي الفجر فقال: احشوا بهما صلاة الليل «1» و هذه الرواية شاهدة على ان المراد بركعتي الفجر متى أطلقت هي النافلة و لا يحتمل الفريضة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخمسون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 36

..........

______________________________

و رواية أبي

بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قلت ركعتا الفجر من صلاة الليل هي؟ قال: نعم. «1»

و رواية البزنطي أيضا قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام- و ركعتي الفجر أصليهما قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قال أبو جعفر- عليه السّلام-: احش بهما صلاة الليل و صلهما قبل الفجر. «2»

و رواية على بن مهزيار قال: قرأت في كتاب رجل الى أبي جعفر- عليه السّلام- الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر من صلاة الليل هي أم من صلاة النهار و في أي وقت أصليهما؟ فكتب- عليه السّلام- بخطه: احشهما في صلاة الليل حشوا. «3»

و مقتضى هذه الطائفة جواز الإتيان بهما قبل الفجر الكاذب لشمول إطلاقها لما إذا اشتغل بصلاة الليل بعد الانتصاف بلا فصل ثم اتى بالركعتين كذلك بل يشمل إطلاقها ما إذا قدم صلاة الليل لمرض أو سفر أو نحوهما فيجوز عليه الإتيان بركعتي الفجر بعدها بلا فصل كما يدل عليه أيضا رواية أبي جرير ابن إدريس عن أبي الحسن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: صلّ صلاة الليل في السّفر من أول الليل في المحمل و الوتر و ركعتي الفجر. «4»

و بالجملة لا إشكال في جواز تقديم ركعتي الفجر على الفجر الأول و الأحشاء بهما في صلاة الليل و ان وقعت قبله و قد افتى بذلك حتى من ذهب الى ان أول وقتهما هو الفجر الأول كالمحقق.

إنما الإشكال في جواز الإتيان بهما في وقت صلاة الليل قبل طلوع الفجر مع الانفراد و عدم الدس بان يقتصر على فعلهما منفردتين قبله و لم يأت بصلاة الليل أصلا

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخمسون ح- 4

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخمسون ح- 6

(3) الوسائل أبواب المواقيت

الباب الخمسون ح- 8

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 37

..........

______________________________

أو اتى بها مع الفصل بينهما بكثير و قد صرح بعض بالجواز و يظهر من صاحب الوسائل حيث ذكر في عنوان الباب: «باب استحباب تقديم ركعتي الفجر على طلوعه بعد صلاة الليل بل مطلقا».

و لكن الظاهر عدم الجواز و ان كان يمكن توجيهه بان مقتضى كون ركعتي الفجر مستحبا مستقلا و عنوانا في مقابل صلاة الليل بضميمة ما يدل على جواز الأحشاء بهما في صلاة الليل جواز تقديمهما على الفجر الأول مطلقا كالاقتصار على صلوتى الشفع و الوتر أو على ثمان ركعات صلاة الليل الا انه مع ذلك يكون القدر المتيقن هي صورة ضمهما الى صلاة الليل و دسهما فيها خصوصا مع ان التسمية بنافلة الفجر لا تناسب الإتيان بها قبل الفجر فلا يستفاد من روايات الأحشاء جواز التقديم في غير صورته.

الثانية ما تدل على ان وقتها قبل الفجر:

كرواية زرارة قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة. «1».

و روايته الأخرى عن أبي جعفر- عليه السّلام- أيضا قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر فقال: قبل الفجر انهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أ تريد ان تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة. «2»

و رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن أول وقت ركعتي الفجر فقال: سدس الليل الباقي. «3»

و رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّٰه-

عليه السّلام- متى أصلي ركعتي الفجر؟

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخمسون ح- 7

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخمسون ح- 3

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخمسون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 38

..........

______________________________

قال: فقال لي: بعد طلوع الفجر قلت له: ان أبا جعفر- عليه السّلام- أمرني أن أصليهما قبل طلوع الفجر فقال يا با محمد ان الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحق، و أتوني شكاكا فافتيهم بالتقية. «1»

الثالثة ما تدل على ان وقتها بعد طلوع الفجر:

كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- صلّهما بعد ما يطلع الفجر. «2»

و صحيحة يعقوب بن سالم البزاز قال قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- صلهما بعد الفجر، و اقرأ فيهما في الأولى قل يا ايها الكافرون و في الثانية قل هو اللّٰه أحد. «3»

و مرسلة إسحاق بن عمار عمن أخبره عنه- عليه السّلام- قال صل الركعتين ما بينك و بين ان يكون الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر. «4» بناء على ان يكون المراد بكون الضوء حذاء الرأس هو الاسفار و لكنه ممنوع فان المراد من ذلك هو الفجر الكاذب لانه يطلع على شكل عمودي لا أفقي كما في الفجر الصادق.

الرابعة ما تدل على التخيير في ركعتي الفجر بين الإتيان بهما قبل الفجر أو عنده أو بعده و هي روايات كثيرة جمعها في الوسائل في الباب الثاني و الخمسين من أبواب المواقيت.

منها: صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن ركعتي الفجر قال: صلهما قبل الفجر و مع الفجر و بعد الفجر.

و هذه الطائفة الأخيرة شاهدة للجمع بين الطائفتين اللتين قبلها بالحمل

على التخيير لكونها نصا في ثبوت التخيير و هما ظاهرتان في تعين مفادهما من وجوب

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخمسون ح- 2

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و الخمسون ح- 5

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و الخمسون ح- 6

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و الخمسون ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 39

..........

______________________________

التقديم أو التأخير هذا مضافا الى ان الأمر في الطائفة الدالة على التقديم غير ظاهر في الوجوب لوروده في مقام توهم الحظر لان بناء العامة كان على الإتيان بهما بعد الفجر و- ح- ربما يتوهم من هذا البناء لزوم التأخير عنه فصارت هذه الطائفة بصدد دفع هذا التوهم فلا دلالة لها على هذا التقدير على أزيد من مجرد الجواز مع ان رواية أبي بصير تدل على ان الإفتاء بالإتيان بهما بعد الفجر الظاهر في تعينه انما كان للتقية فالحكم الواقعي- ح- عدم التعين و جواز الإتيان قبله أيضا و ربما يقال في وجه الجمع بان المراد من الفجر في الطائفة الدالة على وجوب التقديم هو الفجر الصادق و في الطائفة الدالة على وجوب التأخير هو الفجر الكاذب.

و لكن يدفعه- مضافا الى انه لا شاهد على هذا الجمع- ان المتبادر من الفجر في كلتا الطائفتين هو الفجر الصادق لان الفجر الكاذب كما سيأتي لا عبرة به حتى عند علماء العامة فهذا الوجه غير تام.

و ذكر بعض الاعلام ان الصحيحتين الدالتين على التأخير لا تعارضان الطائفة الدالة على التقديم أما أولا فلان مرجع الضمير في قوله- عليه السّلام-: «صلهما» غير مذكور فيهما و لا هو معلوم بالقرينة فلا دلالة فيهما و لا في غيرهما على ان المراد بهما

نافلة الفجر و من المحتمل ان يكون المراد نفس الفريضة و إيرادهما في باب النافلة لا دلالة له الّا على فهم من أوردهما فيه كالشيخ و غيره من أرباب الكتب.

و اما ثانيا فلانه على تقدير الرجوع الى النافلة لا تنافي بينهما و بين الطائفة الأخرى أيضا لصراحة صحيحة زرارة المشتملة على قوله- عليه السّلام-: «إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» في أن الإتيان بركعتي الفجر قبل الفجر أفضل كما ان الأفضل بعد الفجر هو الإتيان بالفريضة و عليه فتحمل الطائفة الأخرى على الرخصة و جواز الإتيان بها بعد الفجر لعدم صراحتها في وجوب ذلك و تعينه غاية الأمر ظهورهما في ان الإتيان بالركعتين بعد الفجر هو المحبوب للشارع و لا مناص من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 40

..........

______________________________

رفع اليد عن هذا الظهور بصراحة الصحيحة المتقدمة.

و يرد عليه أولا وضوح رجوع الضمير إلى ركعتي النافلة كوضوح كون المراد من ركعتي الفجر الذي وقع السؤال عنه في كثير من الروايات من دون التقييد بالنافلة هو ركعتي النافلة و يؤيده تعيين قراءة سورة قل يا ايها الكافرون في الركعة الاولى و سورة التوحيد في الثانية مع دلالة روايات متعددة على تعيين مثل ذلك في خصوص النافلة كقول الصادق- عليه السّلام- في مرسلة الصدوق: صل ركعتي الفجر قبل الفجر و عنده و بعده تقرأ في الأولى الحمد و قل يا ايها الكافرون و في الثانية الحمد و قل هو اللّٰه أحد. «1» مع وضوح كون وقت الفريضة بعد الفجر و عدم الحاجة الى بيانه بخلاف وقت النافلة.

و ثانيا عدم ظهور دعوى الصراحة في إحدى الطائفتين و الظهور في الأخرى فكما ان الروايات الدالة

على التأخير ليس لهما الّا ظهور في التعين و وجوب التأخير كذلك الطائفة الدالة على التقديم لا صراحة فيها على ذلك بل لها ظهور في التعيين و وجوب التقديم من دون ان يكون لإحداهما مزية على الأخرى أصلا.

فانقدح انه لا مناص عن الجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير لصراحة ما يدل عليه في ذلك و كونه شاهدا للجمع بلا اشكال.

نعم يقع الإشكال في تحديد القبلية و قد عرفت ان الشهرة المحققة انما هي ان أول وقتها طلوع الفجر الأول و قد ذكره الأصحاب في كتبهم المعدة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطاهرة- صلوات اللّٰه عليهم- و صرح سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قده- بان الذكر في تلك الكتب يكشف عن وجود نص معتبر غاية الأمر انه لم يصل إلينا.

و كيف كان فالروايات التي بأيدينا التي تمكن استفادة التحديد منها ثلاثة:

الأولى: رواية محمد بن مسلم المتقدمة الواردة في الجواب عن السؤال عن

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و الخمسون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 41

..........

______________________________

أول وقت ركعتي الفجر الدالة على التعيين بسدس الليل الباقي و دلالتها على مذهب المشهور تبتنى على ان يكون المراد من الليل فيها هو مجموع ما بين غروب الشمس و طلوعها و عليه فيكون شروع سدسه قريبا من طلوع الفجر و منطبقا على الفجر الأول و لا يبعد دعوى كون المراد ذلك و لها شواهد كثيرة ليس هنا مجال ذكرها و لعله يأتي التنبيه عليها في الموضع المناسب.

ثانيتها رواية أبي بكر الحضرمي قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- فقلت: متى أصلي ركعتي الفجر؟ فقال: حين يعترض الفجر و هو الذي تسميه العرب الصديع. «1»

فان تعرضه-

ع- لتفسير الفجر مع ان الفجر الصادق لا يفتقر الى التفسير لأجل وضوح المراد منه دليل على ان مراده هو الفجر الأول خصوصا مع ان الصديع بحسب أصل اللّغة بمعنى الانشقاق و هو ينطبق على الفجر الكاذب لانه على شكل عمودي و خط واقع بين الظلمة يوجب انشقاقها.

ثالثتها رواية إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الركعتين اللتين قبل الفجر قال: قبل الفجر و معه و بعده قلت: فمتى ادعهما حتى اقضيهما؟

قال: قال: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة. «2» بناء على ان يكون الصادر هي كلمة «قبيل» كما في نقل الرواية في الكتب الفقهية و اما بناء على كون الصادر هي كلمة «قبل» كما في الطبع الجديد من الوسائل فلا دلالة لها على التحديد و لعل الترجيح مع النقل الأول لاشتمال السؤال على قبل الفجر و لو كان الصادر في مقام الجواب أيضا كذلك لم يكن هناك حاجة الى التكرار فتدبر.

هذا كله مع ما عرفت من ظهور كلمة «القبل» في روايات التخيير مطلقا الشاهدة للجمع في القبل القريب فينطبق على الفجر الأول و ان كان كلمة «البعد» الواقعة فيها أيضا ليس لها ظهور في البعد القريب بهذا المقدار لأن البعدية في

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و الخمسون ح- 10

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و الخمسون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 42

..........

______________________________

النافلة أوسع من القبلية كما لا يخفى.

المقام الثاني في وقت نافلة الصبح من حيث الامتداد و المشهور هو الامتداد وقتها الى ان تطلع الحمرة المشرقية و عن الشهيد- قده- الميل الى الامتداد الى آخر وقت الفريضة و الروايات في هذا المقام

أربعة:

الأولى: صحيحة على بن يقطين قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الرجل لا يصلى الغداة حتى يسفر و تظهر الحمرة، و لم يركع ركعتي الفجر أ يركعهما أو يؤخرهما قال: يؤخرهما، «1» بناء على ظهورها في ان الأمر المتعلق بركعتي الفجر قد انقطع بظهور الحمرة و ان استمراره انما كان الى هذا الحد فحسب فلا يؤتى بهما بعده.

و يرد عليه انه ان كان مراد المشهور من الامتداد الى ذلك الوقت هي صيرورتهما قضاء بعد طلوع الحمرة كصيرورة الفريضة كذلك بعد طلوع الشمس فالصحيحة لا دلالة لها على ذلك لان عدم جواز مزاحمتهما مع الفريضة بعد طلوع الحمرة و لزوم تأخيرهما عنها لا دلالة له على صيرورتهما قضاء و خروج وقتهما بطلوع الحمرة نعم لو كان المراد من الامتداد اليه هو مزاحمتهما للفريضة قبله و عدمها بعده من دون ان تصيرا قضاء فالصحيحة دالة عليه.

الثانية رواية حسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام الرجل يقوم و قد نور بالغداة قال: فليصل السجدتين اللتين قبل الغداة ثم ليصل الغداة «2» و الظاهر ان التنور بالغداة أعم من ظهور الحمرة و الرواية تدل على مذهب الشهيد و لا تنطبق على مرام المشهور الا على تقدير كون المراد بالامتداد هي المزاحمة بضميمة تقييد إطلاقها بصحيحة على بن يقطين المتقدمة الدالة على عدم جواز المزاحمة بعد طلوع الحمرة المشرقية.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و الخمسون ح- 1

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و الخمسون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 43

..........

______________________________

الثالثة مرسلة إسحاق بن عمار المتقدمة الحاكية لقوله- عليه السّلام-: صل الركعتين ما بينك و بين ان يكون الضوء

حذاء رأس فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر. «1» بناء على ان يكون المراد بكون الضوء حذاء الرأس هو الفجر الكاذب كما عرفت و لكن الظاهر عدم جواز الالتزام بالرواية لأنه مضافا الى ظهورها- ح- في جواز الابتداء بالفريضة بعد طلوع الفجر الكاذب يكون مقتضاها ان طلوع الفجر الكاذب آخر وقت الركعتين فتدبر. و عليه فلا بد من الحمل على ان المراد بذلك هو تنور السماء وضوء العالم كله و ان كان يبعده تقييده بكونه حذاء رأسك.

الرابعة: رواية سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الركعتين قبل الفجر قال: تركعهما حين تنزل (تترك) الغداة، انهما قبل الغداة. «2» قال في الوسائل بعد نقل الرواية بمثل ما ذكر: و في رواية أخرى: حين تنور الغداة.

فإن كانت الرواية «حين تنور» تصير من حيث المفاد موافقة لرواية حسين بن أبي العلاء المتقدمة و مقتضى إطلاقها الامتداد الى بعد طلوع الحمرة أيضا، و اما إذا كانت «حين تترك» يكون مفادها انه مع عدم ارادة خصوص الفريضة و الإتيان به تأتى بالركعتين و مقتضى إطلاقها أيضا ما ذكر، و اما إذا كانت «حين تنزل» فان كان المراد بالغداة النازلة هي نفس الغداة التي بمعنى الصبح فنزول الغداة مرجعه الى تنورها و تجللها، و ان كان المراد بها هي فريضة الغداة كما ربما يؤيده قوله- عليه السّلام- في ذيل الرواية الذي هو بمنزلة التعليل: انهما قبل الغداة لا يعلم المراد من نزول الفريضة و لعل المراد منه الإتيان بها و مرجعه- ح- إلى الإتيان بالنافلة حين إرادة الإتيان بالفريضة و مقتضى إطلاقها أيضا ما ذكرنا.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لو كان مراد المشهور من

الامتداد الى

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و الخمسون ح- 7

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و الخمسون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 44

[المسألة الرابعة في وقت صلاة الليل]

______________________________

طلوع الحمرة هو صيرورتها قضاء بعده لا يمكن المساعدة عليه من جهة الروايات الواردة في الباب و اما لو كان مرادهم هي المزاحمة مع الفريضة الى ذلك الوقت فلا مانع من الأخذ به لصحيحة على بن يقطين الصريحة في ذلك بل لا مانع من دعوى امتداد الوقت الى مقدار ما بقي إلى الطلوع من أداء الفريضة كما افاده الماتن- دام ظله- لان الغرض هو ان لا يفوت وقت فضيلة الفريضة و هو يتوقف على بقاء المقدار المذكور فتدبر.

المسألة الرابعة في وقت صلاة الليل و الكلام فيه أيضا يقع في مقامين:

المقام الأول في وقتها من حيث المبدء و نقول قد استقرت الفتاوى على ان أول وقتها هو انتصاف الليل و حكى عن بعض ان مبدأ وقتها أول الليل و ما يمكن ان يستدل أو استدل به على مرام المشهور وجوه:

الأول: الإجماع على ان أول وقتها هو الانتصاف و انه لا يجوز تقديمها عليه الا فيما ورد النص على الجواز فيه.

و فيه: ان الإجماع في المسائل التي تشتمل على الأدلة اللفظية لا أصالة له أصلا لقوة احتمال ان تكون تلك الأدلة مستند المجمعين فلا اعتبار بالإجماع- ح- الثاني: مرسلة الصدوق قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل الى آخره. «1»

و قد أورد على الاستدلال بها بالإرسال و لكنه مندفع بان الإرسال ان كان بنحو الإسناد إلى الرواية بمثل «روى» فلا يصلح للاستدلال و ان كان بنحو الإسناد إلى المعصوم- عليه

السّلام- الذي لا يكاد يجتمع الا مع توثيق الوسائط و الاعتماد عليهم و الاطمئنان بهم فيجوز الاستناد إليه إذا كان مرسله مثل الصدوق الذي لا يقصر توثيقه عن توثيق أرباب الرجال لانه لا يعتبر في التوثيق التصريح به بل يكفى الاعتماد الكاشف عن الوثاقة عنده فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و الأربعون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 45

..........

______________________________

الثالث: الاخبار الواردة في ان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- و الوصي- عليه السّلام- لم يكونا يصليان صلاة الليل قبل الانتصاف و هي كثيرة مثل ما رواه فضيل عن أحدهما- عليهما السّلام- ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يصلى بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة. «1» و رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه قال كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- إذا صلى العشاء أوى إلى فراشه و لم يصل شيئا حتى ينتصف الليل. «2»

و رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال كان على- عليه السّلام- لا يصلى من الليل شيئا إذا صلى العتمة حتى ينتصف الليل و لا يصلى من النهار شيئا حتى تزول الشمس. «3»

و أورد على الاستدلال بها بان هذه الروايات ليس فيها غير حكاية فعل المعصوم- عليه السّلام- و لا دلالة لها على التوقيت لانه من المحتمل ان يكون التزامه بصلاة الليل بعد الانتصاف مستندا الى أفضليتها بعده لا الى عدم مشروعيتها و حرمتها قبله.

و يدفعه تمامية الإيراد إذا كان الحاكي غير الامام- عليه السّلام- و اما إذا كان الحاكي هو الامام و كان غرضه من الحكاية بيان الاحكام كما هو شأنه لأنه في مثل

هذه الموارد لا يكون الا بصدد بيان الحكم لا مجرد الحكاية و نقل الواقعة فيجوز الاستدلال بكلامه الصادر في هذا المقام و من الظاهر ظهور كلامه في عدم المشروعية قبل الانتصاف كما إذا كان بيان الحكم بصورة الأمر بإيقاع صلاة الليل بعده أو النهي عن الإتيان بها قبله و يؤيده ذيل رواية زرارة المشتملة على حكاية أبي جعفر عمل على- عليهما السّلام- فإن تأخير النافلة إلى وقت الزوالى كان بنحو العزيمة لعدم جواز الإتيان بها قبله و الانصاف تمامية دلالة هذه الروايات على مرام المشهور.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و الأربعون ح- 3

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و الأربعون ح- 4

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و الثلاثون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 46

..........

______________________________

الرابع الروايات الكثيرة الدالة على جواز تقديم صلاة الليل على الانتصاف لمثل المسافر أو الشاب أو خائف الجنابة أو البرد أو نحوها من الأعذار التي جمعها في الوسائل في الباب الرابع و الأربعين من أبواب المواقيت و منها رواية الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: ان خشيت ان لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصل و أوتر في أول الليل في السفر.

و منها رواية سماعة بن مهران انه سئل أبا الحسن الأول- عليه السّلام- عن وقت صلاة الليل في السفر فقال: من حين تصلي العتمة الى ان ينفجر الصبح.

فإن صلاة الليل إذا لم تكن موقتة بما بعد الانتصاف و كانت جائزة قبله أيضا لما كان وجه لتخصيص الجواز بخصوص المعذورين المذكورين بل كان اللازم هو التجويز بالإضافة الى غير المعذور أيضا لمشروعيتها في وقتها مطلقا.

و أورد

على الاستدلال بها انه من الجائز ان يكون الإتيان بصلاة الليل جائزا في نفسه و مرجوحا عند الاختيار قبل الانتصاف و لا تكون مرجوحة لدى العذر فعدم الترخيص مع الاختيار مستند الى المانع و هي الحزازة الموجودة فيه.

و جوابه واضح فإنه- مضافا الى ان هذا الاحتمال لا يعتنى به عند العقلاء في مقابل الظهور- نقول ان رواية سماعة تدل على مفروغية اختلاف وقت صلاة الليل في السفر معه في الحضر و لذا يكون السؤال فيها مقيدا بقيد السفر و عليه فكيف يجرى فيه احتمال عدم اختلاف الوقتين و ثبوت الاختلاف في الحزازة و عدمها كما لا يخفى.

الخامس: رواية محمد بن مسلم قال: سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتى يمضى لذلك العشر و الخمس عشرة فيصلي أول الليل أحب إليك أم يقضي؟

قال: لا بل يقضى أحب إلي إني اكره أن يتخذ ذلك خلقا، و كان زرارة يقول كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها انما وقتها بعد نصف الليل. «1».

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الأربعون ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 47

..........

______________________________

و أورد عليه بان محل الاستشهاد في الرواية انما هو قول زرارة دون الامام- عليه السّلام- و لم يعلم انه ينقله عنه و لعله قد اجتهد في ذلك و لا اعتداد باجتهاده.

و يدفعه- مضافا الى انه يحتمل قويا ان يكون الناقل لقول زرارة هو الامام- عليه السّلام- لا محمد بن مسلم راوي الرواية و يؤيده سياقها فتدبر- ان نقل محمد بن مسلم عنه شاهد على عدم كون ذلك اجتهادا من زرارة لوضوح عدم حجية اجتهاده لغيره خصوصا إذا كان مثل محمد بن مسلم فنقله عنه دليل

على كونه رواية لا فتوى.

السادس: موثقة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: انما على أحدكم إذا انتصف الليل ان يقوم فيصلى صلاته جملة واحدة ثلاث عشر ركعة ثم ان شاء جلس فدعا و ان شاء نام و ان شاء ذهب حيث شاء. «1»

و قد استدل بها بعض الاعلام مدعيا لظهور دلالتها و خلوها عن الإيرادات المتقدمة مع انه يمكن الإيراد عليها بان تقييد الصلاة المأمور بها بانتصاف الليل يجوز ان يكون من جهة تقيد الفضيلة بها و الا فاصل الوقت لا يتوقف على الانتصاف كما لا يخفى.

السابع: الروايات الكثيرة الدالة على ان قضاء صلاة الليل بعد الفجر أفضل من تقديمها على نصف الليل و الإتيان بها قبله و قد جمعها في الوسائل في الباب الخامس و الأربعين من أبواب المواقيت و دلالتها على مذهب المشهور ظاهرة فإنه إذا لم تكن صلاة الليل موقتة بما بعد النصف و كان قبله أيضا وقتا لها لم يكن وجه لا فضلية القضاء عن الإتيان قبل الانتصاف فإنه لا وجه لا فضيلة القضاء عن الأداء و لو لم يكن وقت الفضيلة فإنها تنافي التوقيت و تشريع الوقت كما هو واضح.

و قد استدل على القول بجواز الإتيان بها اختيارا من أول الليل بوجوه أيضا:

الأول: المطلقات الواردة في صلاة الليل الدالة على استحبابها و انها ثمان

______________________________

(1) الوسائل أبواب التعقيب الباب الخامس و الثلاثون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 48

..........

______________________________

ركعات أو أحد عشرة أو ثلاث عشرة ركعة في الليل بتقريب ان كلمة «الليل» الواقعة فيها مطلقة تشمل جميع أجزاء الليل من اوله و وسطه و آخره.

و الجواب انها لا تكون بصدد بيان وقت صلاة الليل

حتى يجوز التمسك بإطلاقها بل هي في مقام بيان تعدادها في رديف سائر النوافل اليومية أو مجموعها و الفريضة فراجع.

الثاني: رواية حسين بن على بن بلال قال: كتبت إليه في وقت صلاة الليل فكتب: عند زوال الليل و هو نصفه أفضل، فإن فات فأوله و آخره جائز. «1»

و الجواب ان الرواية ضعيفة السند بالحسين بن على بن بلال لعدم توثيقه بوجه و يمكن المناقشة في دلالتها أيضا بعد ظهور كون السؤال عن أصل الوقت لا وقت الفريضة و بعد تعليق الجواز على الفوت عند نصف الليل الظاهر في عدمه عند غيره و عليه فلا يبعد ان يكون المراد بالأفضل هو أصل الوقت و المراد من الأول و الأخر هو التقديم و التأخير الراجع الى القضاء.

الثالث: الاخبار الدالة على جواز تقديم صلاة الليل على نصفه عند العذر كخوف الجنابة و السفر و خوف عدم القيام و نحوها بتقريب ان التجويز مع تلك الاعذار يلائم مع عدم التوقيت بما بعد الانتصاف فإنها لا تنافي الإتيان بها في وقتها غاية الأمر الانتقال إلى الطهارة الترابية كما في الفريضة و سقوط شرط الاستقرار الذي هو شرط الكمال في النافلة لا الصحة و يظهر ذلك من المحقق الهمداني في المصباح.

و الجواب ظهور هذه الروايات في تعدد الوقت و اختلافه و لا منافاة فإنه حيث يكون صلاة الليل نافلة مخصوصة لها مزايا كثيرة أريد بذلك التوسعة بالإضافة إلى الوقت لخصوص المعذور غاية الأمر التوسع في العذر و تعميم موارده فلا يستفاد منها وحدة الوقت أصلا.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 13

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 49

..........

______________________________

الرابع: موثقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه- ع-

قال: لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوله الى آخره الا ان أفضل ذلك بعد انتصاف الليل. «1»

الخامس: صحيحة محمد بن عيسى قال: كتبت اليه اسئله يا سيدي روى عن جدك انه قال: لا بأس بان يصلى الرجل صلاة الليل في أوّل اللّيل فكتب:

في أي وقت صلى فهو جائز إن شاء اللّٰه. «2»

و هاتان الروايتان تامتان من حيث السند و الدلالة و الجمع بينهما و بين الروايات المتقدمة الدالة على ان أول وقتها هو انتصاف الليل بعد ثبوت الإطلاق لكلتيهما من جهة ثبوت العذر و عدمه هو حملهما على صورة العذر و حملها على حال الاختيار و الشاهد للجمع هو الاخبار الدالة على جواز التقديم على الانتصاف في موارد العذر الظاهرة في اختصاص المعذورين بوقت خاص و ثبوت تعدد الوقت و اختلافه فلا تعارض في البين كما لا يخفى.

المقام الثاني في منتهى وقت صلاة الليل و المعروف بل المتسالم عليه بينهم هو امتداد وقت صلاة الليل الى طلوع الفجر الصادق، و في مقابله احتمالان:

أحدهما الامتداد الى طلوع الشمس و منشأه استدامة الليل اليه و إطلاق صلاة الليل عليها، و الأخر الامتداد الى طلوع الفجر الكاذب و نسب ذلك الى السيد المرتضى- قده.

اما الاحتمال الثاني فيرده رواية إسماعيل بن جابر أو عبد اللّٰه بن سنان قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: انى أقوم آخر الليل و أخاف الصبح، قال: اقرأ الحمد و اعجل و اعجل. «3».

و رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن الرجل

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 9

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 14.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و الأربعون ح-

1-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 50

..........

______________________________

يقوم من آخر الليل و هو يخشى ان يفجأه الصبح يبدأ بالوتر، أو يصلى الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال: بل يبدأ بالوتر و قال: انا كنت فاعلا ذلك. «1».

و رواية معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول اما يرضى أحدكم ان يقوم قبل الصبح و يوتر و يصلى ركعتي الفجر و يكتب له بصلاة الليل. «2» و لكن دلالة هذه الروايات الثلاثة على خلاف ما نسب الى السيد انما تتم على تقدير ان يكون مراده هو امتداد مجموع إحدى عشرة ركعة اليه فينقضي وقتها بطلوعه و ان لم يطلع الفجر الصادق بعد لصراحتها في جواز الوتر و عدم انقضاء وقته قبل الصبح نعم يمكن ان يكون مراده هو امتداد خصوص ثمان ركعات التي عبر عنها بصلاة الليل في روايات متعددة فيجوز الإتيان بالشفع و الوتر بعد الفجر الأول و على هذا التقدير يدفعه روايات الامتداد الى الفجر الثاني الظاهرة في امتدادها بتمامها اليه و يمكن ان يستفاد من رواية إسماعيل أو عبد اللّٰه المتقدمة خلافه نظرا إلى إطلاق: اقرأ الحمد الشامل لجميع الركعات و عدم الاختصاص بالوتر فتدبر.

و اما الاحتمال الأول فيدفعه صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا الحسن الأول- عليه السّلام- عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر الى طلوع الشمس فقال: نعم، و بعد العصر الى الليل فهو من سرّ آل محمد المخزون. «3» و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق- عليه السّلام-: قضاء صلاة الليل بعد الغداة و بعد العصر من سرّ آل محمد المخزون. «4» و غيرهما من الروايات الدالة على تحقق عنوان القضاء

بطلوع الفجر.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و الأربعون ح- 2

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و الأربعون ح- 3

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و الخمسون ح- 1

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و الخمسون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 51

..........

______________________________

بقي الكلام في هذه المسألة في أمرين:

الأول: ذكروا ان الإتيان بصلاة الليل في السحر أفضل و أفضل منه آخر الليل الذي هو القريب من الفجر و يستفاد من قوله تعالى وَ بِالْأَسْحٰارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ «1» ثبوت مزية لهذه القطعة المسماة بالسحر و قد اختلف في تفسيره فالمشهور بين الناس تفسيره بالثلث الباقي من الليل و ربما يفسر باضيق من ذلك و قد فسر في اللغة بقبل الفجر أو قبيله أو سدس الليل و نحوها و لا بدّ من ملاحظة الروايات الواردة ليظهر أصل الحكم و لعله يظهر المراد من السحر أيضا فنقول: الروايات الواردة في هذا الباب مختلفة من حيث العنوان المأخوذ فيها فبعضها يشتمل على عنوان السحر كرواية أبي بصير الواردة فيما يستحب ان لا يقصر عنه من التطوع المشتملة على قول أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: و من (في) السحر ثمان ركعات، ثم يوتر و الوتر ثلاث ركعات مفصولة، ثم ركعتان قبل صلاة الفجر، و أحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل. «2»

و يستفاد من هذه الرواية بعد حمل السحر على وقت الفضيلة لا أصل الوقت بقرينة الروايات المتقدمة الدالة على ان أول وقتها بعد انتصاف الليل و وضوح عدم كون السحر تمام النصف الباقي من الليل مغايرة عنوان السحر لعنوان آخر الليل و انه أفضل من السحر كما لا يخفى.

و رواية فضل بن شاذان عن الرضا-

عليه السّلام- في كتابه إلى المأمون المشتملة على قوله- عليه السّلام-: و ثمان ركعات في السحر .. «3»

و رواية الأعمش عن جعفر بن محمد- عليهما السّلام- المشتملة على قوله- عليه السّلام-:

و ثمان ركعات في السحر و هي صلاة الليل .. «4»

______________________________

(1) سورة الذاريات آية 18.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الرابع عشر ح- 2.

(3) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 23.

(4) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 25.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 52

..........

______________________________

و بعضها يشتمل على عنوان الثلث كرواية رجاء بن الضحاك الحاكية لفعل الرضا- عليه السّلام- المشتملة على قوله: فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح و التحميد و التهليل و التكبير و الاستغفار فاستاك ثم (و) توضأ ثم قام إلى صلاة الليل فيصلي ثماني ركعات و يسلم .. «1»

و رواية إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن الرضا- عليه السّلام- عن ساعات الوتر، قال: أحبها الىّ الفجر الأول و سألته عن أفضل ساعات الليل قال:

الثلث الباقي. «2» فإن المراد من أفضل ساعات الليل إما الأفضلية بلحاظ خصوص صلاة الليل و اما الأفضلية بلحاظ جميع العبادات التي منها صلاة الليل قطعا بقرينة عدم ثبوت خصوصية مخرجة و مسبوقية السؤال من ساعة الوتر فتدبر.

و بعضها يدل على عنوان آخر الليل كرواية مرازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قلت له: متى أصلي صلاة الليل قال: صلها في آخر الليل. «3» و رواية سليمان بن خالد المشتملة على قول أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: و ثمان ركعات من آخر الليل تقرأ في صلاة الليل بقل هو

اللّٰه أحد و قل يا ايها الكافرون في الركعتين الأوليين .. «4»

و الجمع بين هذه الروايات انما هو بحمل ما ورد فيه عنوان السحر على ان المراد به هو الثلث الباقي بقرينة ما تدل عليه فيكون وقت الفضيلة هو الثلث و حمل ما دل على آخر الليل على انه أفضل أجزاء السحر بالإضافة إليها و الشاهد هي رواية أبي بصير الظاهرة في مغايرة عنوان السحر و آخر الليل بمعنى كون الثاني أضيق من الأول و يؤيده ان السؤال في رواية مرازم ليس عن وقت صلاة الليل مطلقا بل عن الوقت الذي يصلى الراوي في ذلك الوقت و الجواب أيضا قد ورد بنحو

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 24.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الخمسون ح- 3

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الخمسون ح- 3

(4) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثالث عشر ح- 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 53

..........

______________________________

الخطاب و عليه فيرتفع البعد عن ان يكون المراد أفضل الأوقات كما ان رواية ابن خالد بلحاظ اشتمالها على بيان خصوصية السورة في صلاة الليل تكون ناظرة إلى الوقت الأفضل و على ما ذكرنا فالجمع يصير في كمال الوضوح و لا حاجة الى ملاحظة أمر آخر في أصل الحكم أو في تفسير السحر فتدبر.

الأمر الثاني قد ورد في جملة من الروايات ان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يفرق بين ركعات صلاة الليل فقد روى الحلبي- في الصحيح أو الحسن- عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان إذا صلى العشاء الآخرة أمر بوضوئه

و سواكه فوضع عند رأسه مخمرا فيرقد ما شاء اللّٰه ثم يقوم فيستاك و يتوضأ و يصلى اربع ركعات ثم يرقد ثم يقوم فيستاك و يتوضأ و يصلى اربع ركعات، ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثم صلى الركعتين ثم قال: لقد كان لكم في رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- أسوة حسنة، قلت: متى كان يقوم؟ قال: بعد ثلث الليل. «1»

قال الكليني: و في حديث آخر: بعد نصف الليل. «2»

و من المعلوم ان الرواية بلحاظ اشتمالها على قوله- عليه السّلام-: لقد كان لكم .. تنفى احتمال اختصاص هذه الكيفية بالنبي- صلّى الهّٰه عليه و آله- و لا مانع من الالتزام بذلك بمعنى ان أفضل الكيفيات هو التفريق بالنحو المذكور في الرواية و لا ينافي ذلك ما ذكرنا من ان وقت فضيلتها هو السحر و أفضل منه هو آخر الليل الذي هو القريب من الفجر فان ذلك انما هو في مورد الجمع بين الركعات بمعنى انه إذا أراد الجمع و الإتيان بها دفعة واحدة فالترتيب في الفضيلة ما ذكر و اما إذا أراد التفريق فالترتيب انما هو بالنحو المذكور في الرواية و هو بهذا النحو أفضل من الجمع مع رعاية الفضيلة بمراتبها كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و الخمسون ح- 2

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و الخمسون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 54

[مسألة 2- الأقوى ثبوت صلاة الغفيلة]

مسألة 2- الأقوى ثبوت صلاة الغفيلة و ليست من الرواتب و هي ركعتان بين صلاة المغرب و سقوط الشفق الغربي على الأقوى، يقرأ في الأولى بعد الحمد «وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ

عَلَيْهِ فَنٰادىٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ» و في الثانية بعد الحمد «وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّٰا يَعْلَمُهٰا وَ لٰا حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ الْأَرْضِ وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ» فإذا فرغ رفع يديه و قال: «اللهم انى أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت ان تصلى على محمد و آل محمد و ان تفعل بي كذا و كذا» فيدعو بما أراد ثم قال: «اللهم أنت ولي نعمتي و القادر على طلبتي تعلم حاجتي فاسئلك بحق محمد و آل محمد عليه و عليهم السلام لما قضيتها لي» و سئل اللّٰه حاجته أعطاه اللّٰه عز و جل ما سأله ان شاء اللّٰه. (1)

______________________________

(1) الكلام في صلاة الغفيلة يقع من جهات:

الجهة الاولى في أصل ثبوتها و مشروعيتها بهذه الكيفية المعروفة المذكورة في المتن و عمدة الدليل عليها ما رواه الشيخ في المصباح عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: من صلى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً الى قوله وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، و في الثانية الحمد و قوله وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ الى آخر الآية فإذا فرغ من القراءة رفع يديه و قال اللهم انى أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت ان تصلى على محمد و آل محمد و ان تفعل بي كذا و كذا اللهم أنت ولي نعمتي و القادر

على طلبتي تعلم حاجتي فاسئلك بحق محمد و آله لما قضيتها لي و سئل اللّٰه حاجته أعطاه اللّٰه ما سئل. «1»

______________________________

(1) الوسائل أبواب بقية الصلوات المندوبة الباب العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 55

..........

______________________________

و رواه السيد رضى الدين على بن طاوس في كتاب فلاح السائل عن على بن يوسف عن احمد بن سليمان الزراري عن أبي جعفر الحسنى محمد بن الحسين الأشتري عن عباد بن يعقوب عن على بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه الصادق- ع- نحوه و زاد في ذيله: فإن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- قال لا تتركوا ركعتي الغفيلة و هما بين العشاءين. «1» و النقل عن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- يحتمل ان يكون صادرا من السيد و يحتمل ان يكون من كلام الامام- عليه السّلام- و الأظهر هو الثاني.

و أورد بعض الاعلام على رواية الشيخ- قده- بان أحد طريقي الشيخ إلى أصل هشام بن سالم و كتابه و ان كان صحيحا و قابلا للاعتماد عليه الا انه لم يعلم ان هذه الرواية كانت موجودة في أصل هشام و كتابه بل و لم يظهر انه رواها مسندة و لم يصل إلينا سندها أو رواها مرسلة من الابتداء نعم لو كان نقل الرواية في تهذيبه أو استبصاره لحكمنا بأنها كانت موجودة فيه لانه ذكر في المشيخة انه يروى فيهما عن أصل المبدو به في السند.

و يمكن دفعه- مضافا الى اعتماد المشهور على هذه الرواية و استنادهم إليها الجابر لضعفهما على تقديره و الى قاعدة التسامح في أدلة السنن بناء على إثباتها للاستحباب الشرعي- بأنه مع وجود الطريق الصحيح إلى أصل

هشام و كتابه كما في الفهرست و عدم إشعار في نقل الشيخ بكون الرواية منقولة عن لفظه دون أصله و عدم إشعار بإرسال الرواية هل يكون الاحتمال المذكور في كلام هذا البعض موردا لاعتناء العقلاء و ترتيب الأثر عليه خصوصا مع الاقتصار على الرواية عن أصل المبدو به في السند في كتابي التهذيب و الاستبصار المعدين للاستنباط و الوصول إلى الأحكام الإلهية و عدم كون كتاب المصباح معدا الا لبيان المستحبات و الآداب فالإنصاف تمامية الرواية سندا كتماميتها من حيث الدلالة و عليه فلا يبقى خدشة في مشروعية صلاة الغفيلة بالكيفية المعروفة.

______________________________

(1) البحار ج- 18 ص- 544 الطبع القديم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 56

..........

______________________________

الجهة الثانية روى الصدوق في جملة من كتبه- مرسلة في بعضها بالإرسال المعتبر و مسندة في أكثرها- عن رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- انه قال: تنفلوا في ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة. قال و في خبر آخر دار السلام و هي الجنة، و ساعة الغفلة ما بين المغرب و العشاء الآخرة. «1» و ذيل الحديث في الثواب و المعاني هكذا: قيل يا رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- و ما ساعة الغفلة قال ما بين المغرب و العشاء. و عليه فينتفى احتمال كون الذيل في غيرهما من الصدوق نفسه كما لا يخفى.

و في كتاب فلاح السائل بعد نقل رواية الصدوق زاد: قيل يا رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- و ما معنى خفيفتين؟ قال: تقرأ فيهما الحمد وحدها. «2» و المستفاد من هذه الروايات استحباب عنوان التنفل في ساعة الغفلة التي هي ما بين المغرب و العشاء الآخرة

و لا يعتبر فيه كيفية خاصة و كم مخصوص بل يتحقق بركعتين فاقدتين للسورة أيضا و عليه يقع الكلام في اتحادها مع صلاة الغفلية التي تضمنتها رواية هشام المتقدمة و عدمه بمعنى انه هل يكون هنا استحبابان تعلق أحدهما بعنوان التنفل في ساعة الغفلة و الأخر بالصلاة بالكيفية المعروفة أو انه لا يكون في البين الا تكليف استحبابي واحد غاية الأمر ان الإتيان بها بتلك الكيفية أفضل؟ و الظاهر هو التعدد و ان جاز التداخل في مقام الامتثال لأن الرواية الدالة على مطلوبية مطلق التنفل في ساعة الغفلة انما تدل على ان المطلوب هو عدم خلو هذا الزمان الذي هو زمان الغفلة من التنفل الذي يكون حقيقته التوجه الى المعبود و التخضع و التخشع لديه فالمطلوب فيه أمر عام ينطبق على القليل و الكثير و لا دلالة لها على كيفية مخصوصة و الرواية الأخرى تدل على استحباب ركعتين بالكيفية الخاصة و هو عنوان آخر يغاير العنوان المأخوذ في تلك الروايات من حيث المفهوم

______________________________

(1) الوسائل أبواب بقية الصلوات المندوبة الباب العشرون ح- 1.

(2) البحار الطبع القديم ج- 18 ص- 545.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 57

..........

______________________________

و لكن لا يأبى من الاجتماع معه في الخارج و مقام الامتثال فالعنوانان في عالم تعلق الحكم متغايران و في عالم الامتثال يمكن تصادقهما على أمر واحد فإذا قصد كليهما يتحقق امتثالان و إذا اتى بالركعتين بغير تلك الكيفية لا تتحقق صلاة الغفيلة كما انه ان اتى بها بدون قصد امتثال الأمر المتعلق بالتنفل ساعة الغفلة لا يتحقق امتثال امره و ان كان يمكن ان يقال بان المقصود من الأمر المتعلق به هو ان لا يكون

ذلك الوقت خاليا من التوجه الى اللّٰه من دون ان يكون للمأمور به عنوان خاص مستقل فلا حاجة في امتثاله الى قصد متعلقه بل الظاهر هو ذلك و عليه فلا يتوقف على قصد عنوان التنفل في ساعة الغفلة بل يتحقق الامتثالان معا بقصد صلاة الغفيلة.

الجهة الثالثة في اتحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب و عدمه و نقول:

ربما يقال بالاتحاد و ان الرواية المتضمنة لصلاة الغفيلة ناظرة إلى أدلة نافلة المغرب و المقصود من قوله- عليه السّلام- في هذه الرواية: من صلى بين العشاءين ركعتين .. هو الركعتان من اربع ركعات المعروفة بنافلة المغرب فكأنه قال: من صلى الركعتين من نافلة المغرب بهذه الكيفية يترتب عليها اثر مخصوص و هو قضاء حاجته و إعطاء اللّٰه إياه ما سئل و يترتب على ذلك عدم جواز الاقتصار على الغفيلة و لزوم الإتيان بركعتين آخرتين قبلها أو بعدها بناء على ما ذكرنا سابقا من عدم تعدد النوافل المركبة و ترتب الأثر على مجموعها كما انه يترتب على ذلك عدم جواز الإتيان بالغفيلة بعد الإتيان بنافلة المغرب بأجمعها.

و الذي يقرب هذا القول أمران: أحدهما انه ليس في الروايات المتعرضة لتعداد النوافل اليومية من التعرض لصلاة الغفيلة عين و لا اثر لا سيما ما يدل على ان مجموع عددها بضميمة الفرائض لا يتجاوز عن احدى و خمسين ركعة و ما ورد منها حكاية لعمل النبي أو الوصي- صلوات اللّٰه و سلامه عليهما- حيث لا اشعار فيها بثبوت صلاة الغفيلة و الإتيان بها زائدة على نافلة المغرب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 58

..........

______________________________

ثانيهما النهى عن التطوع في وقت الفريضة حيث انه على تقدير استقلال صلاة الغفيلة تكون مصداقا

للتطوع في وقت فريضة العشاء و هو منهي عنه فلا محالة تحسب جزء من نافلة المغرب لتخرج من هذا العنوان.

و يدفع الأول ان عدم التعرض في تلك الروايات لصلاة الغفيلة انما هو لأجل عدم كونها من الرواتب اليومية المضافة إلى الفرائض أو الى اليوم و الليل بل هي عبادة مستقلة يترتب عليها اثر مخصوص غاية الأمر ان وقتها بين العشاءين فلا تكون جزء للرواتب.

و يدفع الثاني- مضافا الى لزوم ملاحظة ان النهى هل هو تحريمي أو تنزيهي و ان المراد بالتطوع هل هو مطلق التطوع أو خصوص النوافل الابتدائية التي لا يكون لها عنوان خاص و ان الوقت هل هو الوقت الاختصاصى أو الأعم منه و من وقت الفضيلة بل الاجزاء- ان الدليل على خروجها عن ذلك العنوان هو الدليل الدال على مشروعيتها و ثبوتها في الشرع فلا فرق بينها و بين أصل نافلة المغرب من هذه الجهة أصلا فانقدح ان اتحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب مما لا سبيل اليه و يبعده أيضا ان ظاهر دليل الغفيلة تشريع الصلاة بالكيفية المخصوصة لا بيان الخصوصية في الصلاة المشروعية فافهم.

و ربما يقال بتغايرهما بحيث لا يمكن تصادقهما حتى في مقام الامتثال و التحقق في الخارج نظرا إلى انه حيث استقرت سيرة المسلمين على الإتيان بنافلة المغرب بعد فريضته صار في ارتكازهم أن نافلة المغرب من توابعها المتصلة بها فالمراد من قول الامام- عليه السّلام- في رواية هشام: من صلى بين العشاءين ركعتين الإتيان بالركعتين بين المغرب و نافلته و بين العشاء فكأنه قال من صلى بين العشاءين ركعتين غير نافلة المغرب و يترتب على ذلك عدم إمكان التصادق و لزوم مغايرة الغفيلة مع النافلة خارجا فلو

اتى بنافلة المغرب بصورة الغفيلة لا يسقط الأمر الاستحبابي المتعلق بصلاة الغفيلة كما انه لا يتحقق امتثال الأمر المتعلق بنافلة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 59

..........

______________________________

المغرب إذا ضم الى صلاة الغفيلة ركعتين آخرتين فقط.

و يدفعه ان استقرار السيرة على الإتيان بالنافلة بعد الفريضة لا يوجب التضيق في مداليل الألفاظ و تقيد الإطلاق في الرواية فإن المراد من العشاءين هو نفس الفريضتين و عليه فالركعتان في الرواية مطلقة و لا تكون موصوفة بكونهما غير نافلة المغرب فكما ان الاتحاد لا يساعده ظاهر الدليل فكذلك المغايرة بهذه الكيفية المانعة عن التصادق في مقام الامتثال.

و الظاهر انه كما ان أدلة نافلة المغرب مطلقة من جهة الكيفية و لا تكون مشروطة بصورة خاصة كذلك دليل صلاة الغفيلة مطلق من جهة الوقت بالإضافة إلى نافلة المغرب و من جهة وقوعها في ضمنها و عدمه و عليه فيمكن اجتماعهما في صلاة الغفيلة غاية الأمر انه حيث تكون نافلة المغرب من العناوين القصدية التي لا تكاد تتحقق بدون القصد فلا بد من قصدها كما ان عنوان صلاة الغفيلة و ان لم يكن مذكورا في الرواية إلا أن ارادة الإتيان بالصلاة بالكيفية الخاصة المترتب عليها اثر مخصوص لا محيص عنها فيمكن الاجتماع و يمكن الانفكاك و على ما ذكرنا لا يبقى فرق بين صورة الإتيان بالغفيلة قبلها أو بعدها للزوم نية النافلة و عدم التحقق بدونها فالفرق كما افاده بعض الاعلام لا وجه له فتدبر.

الجهة الرابعة في وقت صلاة الغفيلة و فيه احتمالان: الأول ان وقتها بعد المغرب و قبل العشاء في أيّ وقت صلاهما في وقتهما فلو أخر العشاء الى نصف الليل يجوز الإتيان بالغفيلة قبلها، الثاني

ان وقتها الى زوال سقوط الشفق الغربي الذي هو وقت فضيلة العشاء و هو الذي قواه في المتن.

و منشأ الاحتمالين ان المراد من قوله- عليه السّلام- في رواية هشام المتقدمة:

من صلى بين العشاءين .. هل هي الصلاة بين الفريضتين فيكون مقتضى إطلاقه جواز الإتيان بها في أيّ وقت صلى الفريضتين، أو ان المراد منه هي الصلاة بين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 60

[مسألة 3- يجوز إتيان النوافل الرواتب و غيرها جالسا حتى في حال الاختيار]

مسألة 3- يجوز إتيان النوافل الرواتب و غيرها جالسا حتى في حال الاختيار لكن الاولى- ح- عد كل ركعتين بركعة حتى في الوتر فيأتي بها مرتين كل مرة ركعة. (1)

______________________________

الوقتين و لا محالة يكون المراد وقتي الفضيلة لا وقت الاجزاء لعدم التعدد فيه بخلاف وقت الفضيلة؟

فعلى الأول يستمر وقتها الى الوقت المختص بفريضة العشاء لكنه يبعده انه لو كان المراد بالعشائين هي الفريضتين لكان الأنسب هو التعبير به بعد المغرب كما في نافلة المغرب مع ان لازمة- ح- توقف مشروعية الغفيلة على الإتيان بالعشاء بعدها أيضا ليتحقق عنوان «البين» الواقع في الرواية و ان كان يمكن ان يقال بناء على هذا المعنى أيضا انه حيث كان التفريق بين العشاءين و تأخير العشاء الآخرة الى ذهاب الشفق مما استقرت عليه سيرة المسلمين في الصدر الأول فلذا يكون المتبادر من الرواية هو بين الفريضتين الواقعتين في وقت فضيلتهما كما هو المتداول بينهم.

و على الثاني يستمر وقتها الى ذهاب الشفق و لا يرد عليه انه عليه لا يظهر من الرواية لزوم الإتيان بفريضة المغرب قبلها لان ظاهرها بلحاظ جعل أول الوقت بعد وقت فضيلة المغرب هو فرض تحقق المغرب في وقتها كما لا يخفى و كيف كان فالظاهر هو هذا

القول.

(1) اما جواز الإتيان بالنوافل مطلقا جالسا في حال الاختيار فهو المشهور شهرة عظيمة بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه، و خالف في ذلك الحلي صاحب السرائر فمنع من ذلك إلا في الوتيرة و على الراحلة مدعيا خروجهما بالإجماع، للأصل مع شذوذ الرواية المجوزة لكن عن الذكرى: دعوى الشذوذ هنا مع الاشتهار بيننا عجيبة. و كيف كان فيدل على المشهور روايات كثيرة:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 61

..........

______________________________

منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن سهل بن اليسع انه سئل أبا الحسن الأول- عليه السّلام- عن الرجل يصلى النافلة قاعدا و ليست به علة في سفر أو حضر فقال:

لا بأس به. «1»

و منها: ما رواه أيضا بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا- عليه السّلام- (في حديث) قال: ان الصلاة قائما أفضل من الصلاة قاعدا. «2»

و منها: ما رواه أيضا بإسناده عن حماد بن عثمان انه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: قد اشتد علىّ القيام في الصلاة فقال: إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرء و أنت جالس، فإذا بقي من السورة آيتان فقم و أتم ما بقي و اركع و اسجد فذلك صلاة القائم. «3»

و منها: رواية أخرى لحماد بن عثمان عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سألته عن الرجل يصلى و هو جالس فقال: إذا أردت ان تصلى و أنت جالس و يكتب لك بصلاة القائم فاقرء و أنت جالس، فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمها و اركع فتلك تحسب لك بصلاة القائم. «4»

و اما ما يدل على عد كل ركعتين بركعة فرواية محمد بن مسلم قال:

سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل يكسل أو

يضعف فيصلى التطوع جالسا، قال:

يضعف ركعتين بركعة. «5» و رواية على بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام كيف يصلى؟ قال: يصلى النافلة و هو جالس، و يحسب كل ركعتين بركعة و اما الفريضة فيحتسب كل ركعة بركعة و هو جالس إذا كان لا يستطيع القيام. «6» و بعض الروايات الأخر.

______________________________

(1) الوسائل أبواب القيام الباب الرابع ح- 2.

(2) الوسائل أبواب القيام الباب الرابع ح- 3.

(3) الوسائل أبواب القيام الباب التاسع ح- 2.

(4) الوسائل أبواب القيام الباب التاسع ح- 3.

(5) الوسائل أبواب القيام الباب الخامس ح- 3.

(6) الوسائل أبواب القيام الباب الخامس ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 62

[مسألة 4- وقت نافلة الظهر من الزوال الى الذراع]

مسألة 4- وقت نافلة الظهر من الزوال الى الذراع أي سبعي الشاخص- و العصر الى الذراعين- أي أربعة أسباعه- فإذا وصل الى هذا الحد يقدم الفريضة. (1)

______________________________

(1) في وقت نافلة الظهرين ثلاثة أقوال:

الأول: ما هو الأشهر بل المشهور و هو امتداد وقت نافلة الظهر الى الذراع و العصر الى الذراعين و يظهر ذلك من المتن.

الثاني: ما عن جماعة من الأساطين كالشيخ في الخلاف و الفاضلين في المعتبر و التبصرة و المحقق و الشهيد الثانيين في جامع المقاصد و الروضة من الامتداد الى المثل و المثلين.

الثالث: ما قواه صاحب العروة من الامتداد الى آخر وقت أجزاء الفريضتين و ان الاولى بعد الذراع تقديم الظهر و بعد الذراعين تقديم العصر و الإتيان بالنافلتين بعد الفريضتين فالحد أن الأولان- الذراع و الذراعان- للأفضلية و قد قواه في المستند حاكيا له عن والده بل عن الحلبي و ظاهر المبسوط و الإيضاح و الدروس و البيان.

أقول: و قد استدل على القول

المشهور بجملة من الروايات:

منها رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن وقت الظهر فقال:

ذراع من زوال الشمس، و وقت العصر ذراع من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس، ثم قال: ان حائط مسجد رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان قامة، و كان إذا مضى منه ذراع صلى الظهر، و إذا مضى منه ذراعان صلى العصر، ثم قال: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لم جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة، لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يمضي ذراع، فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة، و إذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 63

..........

______________________________

النافلة. «1».

و قد ادعى ظهور دلالتها بل صراحتها في التوقيت بالذراع و الذراعين كما يقول به المشهور و لكن الانصاف خلافه و توضيحه: ان المراد من قوله- عليه السّلام-: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان .. بعد عدم إمكان حمله على ظاهره لاقتضائه ان الذراع وقت مجعول في الشريعة لفريضة الظهر و الذراعين وقت مجعول كذلك لفريضة العصر و مرجعهما عدم مشروعيتهما قبلهما لعدم دخول وقتهما و هو خلاف الإجماع لجواز الإتيان بالظهر أول الزوال و بالعصر قبل الذراعين اتفاقا انه أ تدري وجه عمل النبي- ص- و انه لم كان يؤخر فريضة الظهر الى الذراع و العصر الى الذراعين فليس المراد من الجعل هو الجعل التشريعي بل جعل النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- عمله كذلك و يؤيده وقوعه عقيب حكاية فعل النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- و نقل عمله و- ح- فان كان

المراد من قوله- عليه السّلام-: لمكان النافلة ان وجه تأخير- النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- انما هو ملاحظة مضى وقت النافلة و انقضائه بالذراع و الذراعين حتى يقطع بفراغ الناس من نوافلهم ينطبق على المشهور و يستفاد منه التوقيت و لكن هنا احتمال أخر لم تعلم مرجوحيته بالإضافة الى هذا الاحتمال و هو ان يكون المراد ان الوجه في تأخيره- صلّى اللّٰه عليه و آله- انما هو مراعاة حال المتنفلين المشتغلين بالنافلة في ذلك الوقت غالبا لأجل كونه وقت الفضيلة- مثلا- و عليه فالمراد منه ان نظره- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان مراعاة من أراد من الناس الإتيان بالنافلة ثم الحضور للجماعة و إدراك الفضيلة فمرجع قوله- عليه السّلام-:

لمكان النافلة بناء على الاحتمال الأول إلى قوله: لمكان انقضاء وقت النافلة و مضيه و بناء على الاحتمال الثاني إلى قوله: لمكان إتيان المسلمين بالنافلة قبل الذراع و الذراعين و لا مرجح للاحتمال الأول و الاستدلال مبنى عليه فتدبر.

ان قلت: يمكن استفادة التوقيت من قوله- عليه السّلام- في الذيل: و لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يمضي ذراع فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 64

..........

______________________________

بدأت بالفريضة و تركت النافلة .. نظرا الى ظهوره- كما افاده الشيخ الأعظم الأنصاري في كتابه في الصلاة- في وجوب ترك النافلة بعد بلوغ الفي ء ذراعا و هذا لا يتحقق الا مع خروج وقتها بعده.

قلت: لا ينحصر وجه ترك النافلة بعد بلوغ الفي ء ذراعا في خروج وقتها بذلك بل يمكن ان يكون من جهة أفضلية إدراك الفريضة في أول الوقت بالنسبة إلى

الإتيان بالنافلة فالإتيان بها يكون مزاحما لإدراك الفريضة في وقت فضيلتها و بعبارة اخرى كان التقدم قبل بلوغه ذراعا للنافلة و بعده للفريضة، و حيث ان المفهوم قد صرح به و فرع بالفاء التفريعية فاللازم ملاحظته و لا يستفاد منه الّا البدأة بالفريضة و ترك النافلة لو لم نقل بان التعبير بالبدأة بنفسه ظاهر في بقاء مشروعية النافلة بالكيفية التي كانت مشروعة قبل الذراع غاية الأمر تبادل مورد المتقدم و المتأخر و صيرورة الفريضة المتأخرة متقدمة- ح- هذا كله على تقدير حفظ الظهور في وجوب الابتداء بالفريضة بعد الذراع و من الممكن ان يكون المراد هو استحباب ذلك و لا محيص عنه لو قام دليل على جواز الإتيان بالنافلة قبل الفريضة بعد الذراع أيضا و على اى فالرواية ليس لها ظهور في مرام المشهور اى التوقيت و منها رواية ابن مسكان عن زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لم؟

قال: لمكان الفريضة لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان تبلغ ذراعا فإذا بلغت ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة. «1»

و الظاهر انها هي الرواية الأولى المتقدمة لظهور السؤال في سبق ما يرتبط بالذراع و الذراعين و ليس إلّا تأخير الفريضة إليهما فالكلام فيها هو الكلام في الرواية المتقدمة من دون فرق.

و منها رواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أ تدري لم جعل

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 20

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 65

..........

______________________________

الذراع و الذراعان قال: قلت لم؟ قال: لمكان الفريضة لئلا يؤخذ من وقت هذه و يدخل في وقت هذه. «1» و الظاهر انها هي

الرواية الأخرى التي جعلها في الوسائل رواية مستقلة و نقلها في موضع آخر و هي ما رواه إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- إذا كان الفي ء في الجدار ذراعا صلى الظهر، و إذا كان ذراعين صلى العصر، قلت: الجدران تختلف منها قصير و منها طويل قال: ان جدار مسجد رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يومئذ قامة، و انما جعل الذراع و الذراعان لئلا يكون تطوع في وقت فريضة. «2» و المراد من الوقت المضاف الى الفريضة في هاتين الروايتين ان كان هو أصل الوقت الذي هو وقت الاجزاء فيصير ظاهرهما عدم دخول وقت الفريضتين قبل الذراع و الذراعين و هو مخالف للإجماع و الروايات الدالة على دخول الوقتين بمجرد تحقق الزوال، و ان كان المراد به هو وقت الفضيلة فظاهرهما توقف الفضيلة على الذراع و الذراعين و هو مخالف للإجماع أيضا بالنسبة إلى صلاة الظهر لان مقتضاه صيرورة الظهر ذات أوقات ثلاثة وقتان للاجزاء و وقت للفضيلة متوسط بينهما.

فلا بد من حمل الوقت المضاف الى الفريضة على وقت انعقاد الجماعة لها و عليه فالمراد بالجعل هو جعل النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- عمله كذلك كما عرفت في الرواية الأولى المتقدمة و عليه فان كان التعليل بقوله- عليه السّلام-: لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة فلا يستفاد من الرواية الا ان الوجه في تأخير النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- الى الذراع و عقد الجماعة حينه انما هو تمامية اشتغال المتنفلين و الإتيان بالنافلة قبله و لا دلالة له على التوقيت بالذراع أصلا، و اما ان كان التعليل بقوله- عليه السّلام-:

لئلا يؤخذ

من وقت هذه و يدخل في وقت هذه فيمكن استفادة كلام المشهور منه

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 21.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 28.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 66

..........

______________________________

بلحاظ اضافة الوقت إلى النافلة أيضا الظاهر في كونه تمام وقتها و انه ينقضي بالذراع الا انه ليس بظهور عرفي مورد لاعتماد العقلاء بحيث جاز الاستناد اليه خصوصا مع عدم معلومية التعليل الصادر من الامام- عليه السّلام- و انه هل كان بالنحو الأول أو الثاني لاتحاد الروايتين- قطعا أو احتمالا.

و منها: رواية محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو أبدأ بالفريضة؟ قال: ان الفضل ان تبدأ بالفريضة، و انما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوابين. «1»

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، در يك جلد، مؤلف، قم - ايران، اول، 1408 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة؛ ص: 66

و الظاهر ان المراد من وقت الفريضة هو أصل الوقت و من التنفل هي النافلة المبتدئة بقرينة الجواب فان فضل الابتداء بالفريضة و رجحانه انما هو بالإضافة إليها و اما نافلة الظهر فلا إشكال في رجحانها على الفريضة بعد دخول الوقت قبل الذراع و عليه فقوله- عليه السّلام-: و انما أخرت الظهر .. انما هو دفع توهم عدم الفرق بينها و بين نافلة الظهر و الحكم بثبوت الفرق من جهة كونها صلاة الأوابين و هي مقدمة على الفريضة فالفرق موجود و لا يستفاد منه التوقيت بوجه.

و منها: موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال:

فان مضى قدمان قبل ان يصلى ركعة بدء بالأولى و لم يصل الزوال الا بعد ذلك، و للرجل ان يصلى من نوافل الاولى (العصر) ما بين الاولى الى ان تمضى أربعة أقدام فإن مضت الأربعة أقدام و لم يصل من النوافل شيئا فلا يصلى النوافل .. «2» و هذه الرواية أيضا ناظرة إلى وصف التقدم و التأخر من دون دلالة على التوقيت أصلا كما لا يخفى.

و اما قول صاحب العروة فيمكن ان يكون مستنده الأخبار الواردة في نافلتي الظهر و العصر و ان كل واحدة منهما ثمان ركعات و تقعان قبل فريضتهما

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و الثلاثون ح- 2- 3.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 67

..........

______________________________

أو بعد الاولى و قبل الثانية من دون دلالة على التقييد بوقت خاص فان مقتضى إطلاقها جواز الإتيان بهما كذلك الى آخر وقت الفريضة.

و الجواب وضوح عدم كون هذه المطلقات بصدد بيان وقت النوافل بل هي مسوقة لبيان مجرد التعداد و القبلية و البعدية بالإضافة إلى الفرائض فلا يجوز التمسك بإطلاقها من هذه الجهة.

نعم هنا روايات دالة على ان النافلة بمنزلة الهدية و انها متى ما اتى بها قبلت مثل ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال: اعلم ان النافلة بمنزلة الهدية متى ما اتى بها قبلت. «1» و لكنه يحتمل ان يكون المراد بالنافلة فيها هي النوافل المطلقة الابتدائية فلا تشمل النوافل الراتبة كما انه على تقدير الشمول يكون مقتضاها عدم كونها موقتة بوجه فيجوز الإتيان بنافلة النهار و لو في الليل و بالعكس فلا تنطبق على مرام المستدل

لأنه قائل بالتوقيت كما لا يخفى نعم في مرسلة على بن الحكم عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه- قال: قال لي:

صلاة النهار ست عشرة ركعة أيّ النهار شئت، ان شئت في اوله و ان شئت في وسطه و ان شئت في آخره. «2» التصريح بكونهما صلاة النهار فلا يجوز الإتيان بهما في الليل و لكنها يجوز الإتيان بها في أيّة ساعة من النهار شاء لا بمعنى كون مجموع النهار وقتا لها بل بمعنى جواز الإتيان بها في أيّة ساعة شاء و ان كان وقتها أخص من ذلك كما يظهر من رواية القاسم بن الوليد الغساني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قلت له جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال: ست عشرة ركعة في أي ساعات النهار شئت ان تصليها صليتها إلا انك إذا صليتها في مواقيتها أفضل. «3» و لكنها لا يستفاد منها مقدار وقتها كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و الثلاثون ح- 3.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و الثلاثون ح- 6.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و الثلاثون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 68

..........

______________________________

و ربما يتمسك له باستصحاب بقاء الوقت و عدم انقضائه بالذراع و الذراعين أو بالمثل و المثلين و لكنه يرد عليه- مضافا الى ابتنائه على قصور الأدلة اللفظية عن الدلالة على بيان وقت النافلتين لانه لا مجال له معها- انه لا يجرى مثل هذا الاستصحاب مما كان لنفس الزمان السابق مدخلية في القضية المتيقنة فان اتصاف نافلة الظهر بكونها في الوقت قبل الذراع انما هو لأجل كونها قبل الذراع و بدونه لا يكون هناك يقين

و لا معنى لا بقاء هذا الحكم و إدامته ليستفاد منه بقاء الوقت بعد الذراع أيضا فتدبر.

و اما القول بالمثل أو المثلين فان كان مستنده كونهما وقتين للفريضة بالإضافة إلى المختار فلا بد من ان يبحث معه في مسألة وقت الفريضة و الا فيمكن ان يكون استناده إلى أمور:

منها: صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على قول أبي جعفر- عليه السّلام-:

ان حائط مسجد رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان قامة و كان إذا مضى منه ذراع صلى الظهر و إذا مضى منه ذراعان صلى العصر .. «1» بضميمة الأخبار المتعددة الدالة على ان المراد بالقامة هي الذراع كرواية على بن حنظلة قال: قال لي أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- القامة و القامتان الذراع و الذراعان في كتاب على- عليه السّلام- «2» و رواية على بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال له أبو بصير كم القامة؟ قال: فقال ذراع ان قامة رجل رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كانت ذراعا. «3» و غير ذلك من الروايات الدالة عليه و على ذلك فالمراد من جميع الروايات الدالة على الذراع و الذراعين هو المثل و المثلان.

و يدفعه ظهور الجمع بين كلمتي القامة و الذراع في عبارة واحدة في الرواية

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 3- 4.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 14.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 69

..........

______________________________

في مغايرتهما و الا لما كان وجه لذلك مع عدم الاحتياج إلى الإظهار و جواز الاقتصار على الإضمار و مع كونه موهما للخلاف فذلك يوجب الظهور في المغايرة و اما ما

أورد عليه من ظهور قوله- عليه السّلام- مضى منه، في التبعيض و ان الذراع بعض مقدار الحائط لا انه نفسه فيمكن الجواب عنه بعدم كون كلمة «من» فيه للتبعيض بل للابتداء بلحاظ كون شروع الفي ء من الجدار مع انه على تقدير التبعيض لا بدّ من ان يلاحظ التبعيض بالإضافة إلى الجدار لرجوع الضمير في «منه» اليه لا إلى الفي ء فتدبر و بالجملة لا وجه لحمل كلمة «من» على التبعيض.

كما ان الإيراد عليه بان قوله- عليه السّلام- في ذيل الصحيحة: فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة .. لا يقبل الحمل على القامة و المثل أبدا لأنه حيث جعل الشاخص نفس المكلف و شخصه و جعل المدار على الفي ء الحاصل منه لا يصح حمله عليهما ابدا. يمكن دفعه- مضافا الى انه لا ينافي الحمل على المثل لو فرض كون المراد من الذراع ذلك بشهادة الروايات المتقدمة- بعدم ظهور كون المراد هو الفي ء الحاصل من شخص المكلف و احتمال كون المراد هو الفي ء الحاصل من الشاخص الذي عينه المكلف في مقابل جدار مسجد رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- الذي لا يمكن الوصول اليه نوعا أولا و قد غير ثانيا مع انه لا خصوصية فيه ثالثا و لكن مع ذلك لا ينبغي الارتياب في ان التأمل في الصحيحة و إرجاعها إلى العرف يقضى بعدم كون المراد من الذراع فيها هو المثل بل أخص منه كما لا يخفى.

و منها: ما عن الشهيد- قده- في روض الجنان من ان المنقول من فعل النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- و الأئمة- عليه السّلام- بل و كذا غيرهم من السلف فعل نافلة العصر و الإتيان بها

متصلة بالفريضة و لم يكن بينهما فصل من حيث الوقت و من المعلوم من الخارج ان الوقت الذي يصلون فيه الفريضة هو بعد المثل لانه وقت الفضيلة فالنافلة أيضا محدودة به لأجل التواصل بينها و بين الفريضة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 70

..........

______________________________

و يرد عليه انه لم يثبت ما ادعاه من إتيانهم بالنافلة متصلة بالفريضة و من المحتمل خلافه مع ان صحيحة زرارة المتقدمة تدل بالصراحة على ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يأتي بصلاة الظهر بمجرد الذراع و العصر عند بلوغه ذراعين فالاتصال و الإتيان بالنافلة مع الفريضة بلا فصل لا يجدي في إثبات جواز التأخير إلى المثل أو المثلين كما لا يخفى.

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا انه لا يظهر من شي ء من الأدلة المتقدمة توقيت نافلة الظهرين بالأوقات الثلاثة التي وقع الاختلاف فيها بين الأصحاب و القدر المتيقن منها ان نافلة الظهرين قبل الذراع و الذراعين واقعة في وقتها و مزاحمة للفريضة و ليس المراد من وقوعها قبلهما الا وقوع ركعة منها كذلك لا وقوعها بأجمعها بشهادة موثقة عمار المتقدمة في جملة أدلة المشهور، كما انه لا شبهة في مشروعية الإتيان بها بعد الفريضة بعد الذراع و الذراعين لدلالة جملة من الروايات المتقدمة عليها و دلالة ما دل على ثبوت المشروعية لقضاء نوافل النهار بالليل و كذا العكس فاصل المشروعية مما لا اشكال فيه انما الإشكال في انه هل هو بنحو الأداء أو القضاء و الانصاف بعد عدم تمامية أدلة التوقيت بأحد الأوقات الثلاثة انه لا يستفاد من الروايات أحد العنوانين حتى ما وقع فيه التصريح بجواز الإتيان بها في أول النهار أو وسطه

أو آخره فان اشتمال بعضه على استثناء الإتيان بها في مواقيتها و انه أفضل بضميمة ظهور كون المواقيت مواقيت الأداء لا الفضيلة و لا ينافيه التعبير بالأفضلية يمنع عن استفادة عنوان الأداء في جميع أجزاء النهار فمقتضى الاحتياط الإتيان بها بعد الفريضة لا بنية الأداء أو القضاء لعدم الطريق الى خصوص أحد العنوانين.

و كذا الإشكال في مشروعية الإتيان بالنافلة قبل الفريضة بعد الذراع و الذراعين فان ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة التي هي عمدة دليل المشهور بلحاظ اشتمالها على قوله- عليه السّلام-: فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 71

[مسألة 5- لا إشكال في جواز تقديم نافلتي الظهر و العصر على الزوال في يوم الجمعة]

مسألة 5- لا إشكال في جواز تقديم نافلتي الظهر و العصر على الزوال في يوم الجمعة بل يزاد على عدهما اربع ركعات فتصير عشرين ركعة، و اما في غير يوم الجمعة فعدم الجواز لا يخلو عن قوة، و مع العلم بعدم التمكن من إتيانهما في وقتهما فالأحوط الإتيان بهما رجاء، و يجوز تقديم نافلة الليل على النصف للمسافر و الشاب الذي يخاف فوتها في وقتها بل و كل ذي عذر كالشيخ و خائف البرد أو الاحتلام و ينبغي لهم نية التعجيل لا الأداء. (1)

______________________________

و تركت النافلة .. هو وجوب البدأة بالفريضة و ترك النافلة بعد الذراع أو الذراعين فلا يشرع الإتيان بها قبلها بعدهما الا ان مقتضى إطلاق بعض الروايات المتقدمة جواز الإتيان بها كذلك أيضا و الحق انه يكون من مصاديق التطوع لمن عليه فريضة فإن قلنا بعدم جوازه و عدم مشروعيته فالمقام أيضا يصير كذلك و ان قلنا بالجواز فلازمه المشروعية هنا.

و يظهر من المتن مع قطع النظر عن تفريع الذيل ثبوت المبدء

و المنتهى لنافلة الظهرين و لازمة صيرورتها قضاء بعد المنتهى الا ان تفريع الذيل ربما يقرب ان المراد من الوقت هو الوقت الذي تكون النافلة فيه مزاحمة للفريضة و مقدمة عليها فلا يستفاد منه عنوان القضاء بعده نعم ظاهره وجوب تقديم الفريضة بعد الذراع و الذراعين فتدبر.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأول تقديم نافلة الظهرين على الزوال في يوم الجمعة و يظهر من الروايات الكثيرة جوازه و يظهر أيضا انه يزاد على عددها اربع ركعات أو ست ركعات فتصير عشرين أو ثنتين و عشرين و إليك بعضها:

كرواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن التطوع يوم الجمعة قال: ست ركعات في صدر النهار و ست ركعات قبل الزوال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 72

..........

______________________________

و ركعتان إذا زالت و ست ركعات بعد الجمعة فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة. «1»

و رواية سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا- عليه السّلام- قال: سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال قال: ست ركعات بكرة، و ست بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة، و ست ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة و ركعتان بعد الزوال فهذه عشرون ركعة، و ركعتان بعد العصر فهذه ثنتان و عشرون ركعة. «2»

و رواية عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: صلاة التطوع يوم الجمعة ان شئت من أول النهار و ما تريد أن تصليه يوم الجمعة فإن شئت عجلته فضيلته من أول النهار اىّ النهار شئت قبل ان تزول الشمس. «3»

و رواية يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح- عليه السّلام- قال: سألته عن التطوع في يوم الجمعة قال:

إذا أردت أن تتطوع في يوم الجمعة في غير سفر صليت ست ركعات ارتفاع النهار و ست ركعات قبل نصف النهار، و ركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة و ست ركعات بعد الجمعة. «4»

و غير ذلك من الروايات الدالة على جواز التقديم على الزوال و انه يزاد على سائر الأيام بأربع ركعات كما هو المشهور أو بست ركعات كما عن الإسكافي فلا وجه لما عن الصدوقين من أنه كسائر الأيام و لا بأس بالالتزام بما عن الإسكافي لو لم يكن دليله الوحيد- و هي رواية سعد بن سعد الأشعري- معرضا عنه بالحمل على مراتب الفضيلة كما ان الاختلاف في الوقت يحمل على التخيير خصوصا بملاحظة

______________________________

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة الباب الحادي عشر ح- 6.

(2) الوسائل أبواب صلاة الجمعة الباب الحادي عشر ح- 5.

(3) الوسائل أبواب صلاة الجمعة الباب الحادي عشر ح- 8.

(4) الوسائل أبواب صلاة الجمعة الباب الحادي عشر ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 73

..........

______________________________

التصريح في رواية ابن حنظلة بجواز الإتيان بجواز الإتيان في أي جزء من النهار شاء.

الفرع الثاني تقديم النافلتين على الزوال في غير يوم الجمعة، و المشهور عدم جوازه و ان علم بعدم التمكن من الإتيان بهما بعد الزوال، و عن جماعة جوازه مطلقا كالشهيد في الذكرى و الأردبيلي و السيد صاحب المدارك، و ذهب الشيخ في محكي التهذيب الى جواز تقديمهما لمن علم من حاله انه سيشتغل بما يمنعه عن الإتيان بهما بعده و منشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب فيظهر من طائفة الجواز مطلقا:

كرواية محمد بن عذافر قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام-: صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى ما اتى بها

قبلت، فقدم منها ما شئت، و أخر منها ما شئت «1» و رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهم السّلام- قال: نوافلكم صدقاتكم فقدموها أنى شئتم. «2»

و رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- انه قال: ما صلى رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- الضحى قط، قال: فقلت له: أ لم تخبرني انه كان يصلى في صدر النهار اربع ركعات قال: بلى انه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر. «3»

و رواية القاسم بن الوليد الغساني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قلت له جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال: ست عشرة ركعة في أي ساعات النهار شئت ان تصليها صليتها إلا انك إذا صليتها في مواقيتها أفضل. «4»

و مرسلة على بن الحكم عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال:

قال لي صلاة النهار ست عشرة ركعة أي النهار شئت، ان شئت في اوله، و ان

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و الثلاثون ح- 8.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و الثلاثون ح- 9.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و الثلاثون ح- 10.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و الثلاثون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 74

..........

______________________________

شئت في وسطه، و ان شئت في آخره. «1»

و يظهر من طائفة أخرى عدم الجواز مطلقا.

كرواية عمر بن أذينة عن عدة انهم سمعوا أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: كان أمير المؤمنين- عليه السّلام- لا يصلى من النهار شيئا حتى تزول الشمس، و لا من الليل بعد ما يصلى العشاء الآخرة حتى ينتصف الليل. «2»

و رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

كان على- عليه السّلام- لا يصلى من الليل شيئا إذا صلى العتمة حتى ينتصف الليل و لا يصلى من النهار شيئا حتى تزول الشمس. «3» و المراد من عدم صلوته بعد العشاء يحتمل ان يكون بعد العشاء بنافلتها فلا دلالة لهما على ترك الوتيرة أيضا، و يحتمل ان يكون بعد فريضة العشاء بحيث كان يترك الوتيرة أيضا بلحاظ ما عرفت سابقا من كونها بدل الوتر يؤتى بها المجهل ببقاء العمر الى وقت الإتيان بها و حيث انه- عليه السّلام- كان عالما به كالنبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- فلا تصل النوبة- ح- الى البدل.

و رواية أخرى لزرارة قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- لا يصلى من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زال النهار قدر نصف إصبع صلى ثماني ركعات (الحديث). «4»

و يؤيد هذه الطائفة- مضافا الى إطلاق صلاة الزوال على نافلتي الظهر و العصر كما عرفت في بعض الروايات و لا يلائم ذلك مع جواز التقديم عليه- انه من المعلوم خارجا ان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- و الوصي- عليه السّلام- لم يكونا يصليان شيئا من الصلاة قبل الزوال و لو كان التقديم امرا سائغا لصدر ذلك منها و لو مرة واحدة.

و اما ما يدل على التفصيل بين من يشتغل عن الزوال و غيره فروايتان:

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و الثلاثون ح- 6.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و الثلاثون ح- 5.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و الثلاثون ح- 6.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و الثلاثون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 75

..........

______________________________

الأولى: رواية يزيد (بريد)

بن ضمرة الليثي عن محمد بن مسلم قال:

سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الرجل يشتغل عن الزوال أ يعجل من أول النهار؟ قال:

نعم إذا علم انه يشتغل فيعجلها في صدر النهار كلها. «1» و فرض الاشتغال في السؤال المشعر بكون عدم الجواز في الجملة مفروغا عنه عند السائل يوجب اختصاص الجواز به خصوصا مع تكراره في الجواب و تقييده به كما لا يخفى.

الثانية صحيحة إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انى اشتغل قال فاصنع كما تصنع (نصنع خ ل) صل ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر يعنى ارتفاع الضحى الأكبر، و اعتد بها من الزوال. «2»

إذا عرفت ذلك فاعلم انه لا مجال لجعل دليل التفصيل شاهدا للجمع بين الطائفتين اللتين تدل إحديهما على الجواز مطلقا و الأخرى على المنع كذلك بحمل الاولى على صورة عدم الاشتغال و الثانية على صورة عدمه و ذلك لإباء الطائفتين سيما الاولى عن التقييد فإنه كيف يسوغ تقييد ما يدل على ان النافلة بمنزلة الهدية مع وضوح عدم اختصاص فضيلة الهدية بزمان دون زمان فلا وجه للجمع بهذه الكيفية.

نعم يمكن الجمع- بعد عدم ثبوت اعراض المشهور عن الطائفة المجوزة- إما بحملها على النافلة المبتدأة و لا ينافيه التصريح بنافلة الظهرين في رواية ابن الوليد و مرسلة على بن الحكم لضعف الاولى و إرسال الثانية و اما بحمل الطائفة المانعة على ارادة وقت الفضيلة إذ لا شك في ان وقتها انما هو بعد الزوال و إبقاء المجوزة على إطلاقها الشامل للرواتب و الأول محكي عن الجواهر و الثاني يظهر من المصباح و الظاهر مساعدة العرف على الأول خصوصا بعد عدم ظهورها في

نفسها في الإطلاق و يؤيده- قوله- عليه السّلام- في صحيحة زرارة المتقدمة: لك ان تتنفل من

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و الثلاثون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 76

..........

______________________________

زوال الشمس الى ان يبلغ ذراعا، فان ظاهره ان الزوال أول وقت النافلة و ان كان يمكن توجيهه بان المراد تجويز التنفل من أول الزوال مع كونه وقت الفريضة و بعبارة أخرى نظره الى استثناء هذا الوقت من أوقات التطوع في وقت الفريضة المحرم أو المكروه و لكنه خلاف الظاهر و اما رواية زرارة المتقدمة الدالة على ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يصلى في صدر النهار اربع ركعات فمضافا الى معارضتها لما عرفت من رواية أخرى لزرارة الدالة على انه- صلّى اللّٰه عليه و آله- لا يصلى من النهار شيئا حتى تزول الشمس لا مجال للأخذ بها لدلالتها على استمرار هذا العمل من النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- مع انه لا شك في ان وقت الفضيلة بعد الزوال و من المستبعد التزامه- صلّى اللّٰه عليه و آله- بعدم رعاية وقت الفضيلة أصلا كما لا يخفى.

ثم لو فرض عدم إمكان الجمع و وصلت النوبة إلى إعمال قواعد باب المعارض فالترجيح أيضا مع الروايات الدالة على المنع لموافقتها لفتوى المشهور و قد تقرر في محله ان الشهرة الفتوائية هي أول المرجحات فانقدح انه لا يجوز التقديم مطلقا نعم لا بأس بالإتيان بها رجاء في خصوص صورة العلم بالاشتغال عن الزوال بل مطلقا.

الفرع الثالث تقديم صلاة الليل على انتصاف الليل و المعروف بين الأصحاب هو الجواز في الجملة و

عن الحلي المنع مطلقا و قد نسب ذلك الى زرارة بلحاظ ما نقل عنه من قوله في ذيل بعض الروايات المتقدمة: كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها انما وقتها بعد نصف الليل. «1» بناء على كون غرضه الاستنكار مطلقا حتى بالإضافة إلى المسافر الذي لم ينكر الجواز فيه غير الحلي و بناء على كون الناقل هو محمد بن مسلم و الا فلو احتمل كون الناقل هو الامام يصير ذلك بمنزلة الرواية عنه- عليه السّلام- كما لا يخفى و كيف كان فلا بد من البحث في كل واحد من العناوين المذكورة هنا في كلامهم أو في الروايات مستقلا فنقول:

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الأربعون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 77

..........

______________________________

منها المسافر و الكلام فيه تارة في أصل مشروعية التقديم فيه في الجملة في مقابل الحلي و اخرى في دائرة المشروعية- سعة و ضيقا- و ثالثة في عنوان التقديم و انه هل يكون أداء بحيث كان الوقت بالإضافة إلى المسافر أوسع أو لا يكون الا تعجيلا الذي هو عنوان ثالث في مقابل عنواني الأداء و القضاء و مرجعه إلى الإتيان بالموقت قبل وقته.

اما ما يدل على المشروعية فروايات مستفيضة:

منها ما رواه الصدوق بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: ان خشيت ان لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصل و أوتر في أول الليل في السفر. «1» و لو لا انه رواها الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي بنفس هذه الكيفية لكان يحتمل ان يكون قيد «في السفر» زائدا من

كلام الصدوق نظرا الى ما اعتقده في هذا الباب من ان كلما روى من الإطلاق في صلاة الليل من أول الليل فإنما هو في السفر لان المفسر من الاخبار يحكم على المجمل مضافا الى ما يظهر من دأبه و الى ان الحكم لو كان معلقا على السفر بحيث كان عنوانه هو الركن في موضوعه لكان مقتضى القاعدة ذكره في أول الكلام قبل بيان القيد لانه لا وجه لتأخير ذكر المطلق عن بيان القيد فتدبر.

و منها ما رواه أيضا بإسناده عن على بن سعيد انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن صلاة الليل و الوتر في السفر من أول الليل قال: نعم. «2»

و منها: ما رواه أيضا بإسناده عن أبي حريز بن إدريس عن أبي الحسن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: قال صل صلاة الليل في السفر من أول الليل في المحمل

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 78

..........

______________________________

و الوتر و ركعتي الفجر. «1»

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة عليه فلا ينبغي الإشكال في أصل المشروعية و اما دائرة المشروعية فمقتضى كثير من الروايات ان الحكم انما يكون مترتبا على عنوان السفر مطلقا الا ان مقتضى بعضها الأخر ثبوت القيد و هو الخوف من الفوت في الوقت و شبهه كرواية الحلبي المتقدمة الظاهرة في ان مطلق السفر لا يسوغ التقديم و صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران في حديث قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الصلاة بالليل في السفر في أول الليل فقال: إذا خفت الفوت في آخره. «2» و

رواية أخرى للحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن صلاة الليل و الوتر في أول الليل في السفر إذا تخوفت البرد و كانت علة فقال لا بأس أنا أفعل إذا تخوفت. «3» بناء على كون المراد: أنا أفعل إذا تخوفت في السفر كما هو الظاهر بلحاظ كونه مذكورا في السؤال كما انه بناء على التقدير الأخر أيضا يكون مفاده عدم كون السفر تمام الموضوع و لا بدّ من وجود التخوف بل هو الملاك فتدبر.

و اما ما يدل على الجهة الثالثة فهي رواية سماعة بن مهران انه سئل أبا الحسن الأول- عليه السّلام- عن وقت الليل في السفر فقال من حين تصلي العتمة الى ان ينفجر الصبح. «4» فإنها بلحاظ كون السؤال فيها عن الوقت الظاهر في الوقت الادائى و بلحاظ اشتمال الجواب على كون المنتهى هو انفجار الصبح و هو لا يلائم مع التعجيل تدل على ان التقديم للمسافر لا ينطبق عليه عنوان التعجيل بل عمله واقع في الوقت و انه بالنسبة إليه أوسع من الحاضر و الوجه في جعل المبدء حين تصلي العتمة

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 6.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 7

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 8

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 79

..........

______________________________

ليس إخراج أول الليل عن الوقت بل هو ان القاعدة العلمية تقتضي التأخير عن صلاة العشاء الآخرة لانه لا داعي إلى تقديمها عليها و يحتمل ان يكون لأجل عدم تحقق التطوع في وقت الفريضة و بالجملة لا إشكال في دلالتها على توسعة الوقت

بالإضافة إلى المسافر هذا كله في عنوان المسافر. و من العناوين الليالي القصار و يستفاد من الوسائل ان الروايات الدالة على هذا العنوان ثلاث مع ان الظاهر كونها اثنتين لانه نقل الرواية الاولى من الباب الرابع و الأربعين من المواقيت بهذه الكيفية: محمد بن على بن الحسين بإسناده عن عبد اللّٰه بن مسكان عن ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أول الليل فقال: نعم ما نعم ما رأيت و نعم ما صنعت يعني في السفر، قال و سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد فيعجل صلاة الليل و الوتر في أول الليل فقال: نعم. ثم قال: ما رواه الشيخ أيضا بإسناده عن عبد اللّٰه بن مسكان مثله الى قوله: صنعت. و نقل الرواية السادسة عشر من الباب المذكور هكذا محمد بن الحسن بإسناده عن صفوان عن ابن مسكان عن ليث قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أول الليل فقال: نعم ما نعم ما رأيت و نعم ما صنعت ثم قال: و رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن مسكان مثله.

و من المعلوم اتحاد الروايتين و عدم كونهما متعددا و عليه يتضح ان قوله:

يعني في السفر، في النقل الأولى انما هو من اضافة الصدوق و تفسيره و منشأه ما مر منه من ان كلما روى من الإطلاق في صلاة الليل أول الليل فإنما هو في السفر و الدليل عليه خلو نقل الشيخ من هذه الزيادة و كذا خلو نقل الصدوق أيضا عنها على ما حكاه في الوسائل بعد نقل

الرواية الثانية عن الشيخ و على ما ذكر فالرواية تدل على ان التقديم في الليالي القصار مما لا مانع منه و لا وجه لتفسيره بالسفر كما صنعه الصدوق و يدل عليه أيضا ما رواه يعقوب الأحمر قال: سألته عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 80

..........

______________________________

صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار في أول الليل قال: نعم، نعم ما رأيت و نعم ما صنعت ثم قال: ان الشاب يكثر النوم فأنا أمرك به. «1»

و ربما يستفاد من ذيل الرواية الأخيرة ان الملاك في جواز التقديم في الليالي القصار هي غلبة النوم و كثرته و تؤيده مناسبة الحكم و الموضوع فمجرد قصر الليل من حيث هو لا يجدي في جواز التقديم بل بلحاظ كثرة النوم و صعوبة القيام لأجل صلاة الليل فلو فرض عدم الصعوبة للعادة أو غيرها لا يجوز التقديم، كما ان الظاهر من الروايات الثلاثة أو الروايتين ان جواز التقديم ليس من باب جواز التعجيل و عدم كونها في أول الليل أداء بل اشتراكها من هذه الجهة مع الصلاة الواقعة بعد الانتصاف و ان لم يكن ظهورها في هذه الجهة كظهور دليل المسافر فيها.

و من العناوين خائف الجنابة و يدل عليه ذيل رواية ليث المرادي المتقدمة قال: و سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد فيعجل صلاة الليل و الوتر في أول الليل فقال: نعم «2» و رواية يعقوب بن سالم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد أ يعجل صلاة الليل و الوتر في أول الليل قال: نعم «3».

و التعبير في الروايتين و ان كان بالتعجيل

الظاهر في التقديم على الوقت و وقوعه قبله الا ان ملاحظة أهمية الوقت في مثل الصلاة من الواجبات الموقتة بالإضافة إلى سائر الشرائط بحيث لا يرى مورد في دوران الأمر بين الوقت و سائر الشرائط الا و يكون التقدم مع الوقت إلا في مسألة فاقد الطهورين بناء على سقوط الصلاة فيها تقضى بكون التقديم الرابع إلى إيقاعها مع الخلو عن حدث

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 17

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 1

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 10

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 81

..........

______________________________

الجنابة لا يكون تقديما على الوقت و الا فالقاعدة تقتضي الانتقال إلى الطهارة الترابية مع رعاية الوقت فالظاهر ان التعجيل في هذا العنوان يكون بنحو الأداء.

و منها المريض و يدل على جواز التقديم فيه ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا- عليه السّلام- (في حديث) قال انما جاز للمسافر و المريض ان يصليا صلاة الليل في أول الليل لاشتغاله و ضعفه و ليحرز صلاته فيستريح المريض في وقت راحته و ليشتغل المسافر باشتغاله و ارتحاله و سفره. «1»

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا خشيت ان لا تقوم آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصل صلاتك و أوتر من أول الليل. «2»

لكن في هذه الرواية من جهة دلالتها على جواز التقديم لمن كانت به علة مطلقا و لو في غير السفر مناقشة تأتي في عنوان خشية الفوت و الرواية غير معتبرة لعدم صحة سند الصدوق الى فضل بن شاذان و عليه فالجواز في المريض محل اشكال

و لا يجري في مثله قاعدة التسامح في أدلة السنن بعد دلالة الدليل على ان أول الوقت انتصاف الليل و ظاهره عدم المشروعية قبله.

و منها الشيخ و يدل على جواز التقديم بالإضافة إليه رواية أبان بن تغلب قال: خرجت مع أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- فيما بين مكة و المدينة لكان يقول: اما أنتم فشباب تؤخرون و اما انا فشيخ أعجّل فكان يصلى صلاة الليل أول الليل. «3»

و لكن حيث ان موردها السفر فلا يستفاد منها المشروعية بمجرد الشيخوخة و ان لم يكن هناك منفرد عليه فهذا القيد أيضا من جملة القيود التي يتحقق معها الترخيص في التقديم في السفر فتدبر. و الظاهر ان محمد بن إسماعيل الواقع في السند هو النيسابوري تلميذ الفضل بن شاذان و الراوي عنه كثيرا.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 3

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 12

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 18

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 82

..........

______________________________

و منها الجارية التي تضعف عن القضاء و يغلب عليها النوم و يدل على الجواز فيها رواية معاوية بن وهب على نقل الكليني و الشيخ- قدهما- حيث زادا فيها قوله:

قلت فان من نسائنا أبكارا الجارية تحب الخير و اهله و تحرص على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربما قضت و ربما ضعفت عن قضائه و هي تقوى عليه أول الليل فرخص لهن في الصلاة أول الليل إذا ضعفن و ضيعن القضاء. «1» و لكن الظاهر ان التقديم فيه انما هو من باب التعجيل و الا لا يكون وجه لتأخره عن القضاء كما لا يخفى.

و منها: خشية الفوات في وقتها و

يدل على الجواز معها رواية أبي بصير المتقدمة في المريض. «2» و رواية الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال ان خشيت ان لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصل و أوتر في الليل في السفر. «3»

و حيث ان الرواية الثانية قد قيد الحكم بالجواز فيها بالسفر يشكل الحكم به بمجرد خشية الفوت و لو في غير السفر لانه يحتمل قويا ان لا يكون في البين روايتان صادرتان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- مرتين بل رواية واحدة رواها أبو بصير و الحلبي معا و يؤيده اتحاد ألفاظهما و عليه فيتردد الأمر بين ان تكون الرواية الصادرة مشتملة على كلمة «في السفر» أم لا و مع هذا الترديد لا يبقى مجال للحكم بالإطلاق لأن التقييد يكشف عن مدخلية القيد لا محالة و الا يصير ذكره لغوا.

و على فرض كونهما روايتين لفرض تعدد الراوي لا بدّ من حمل المطلق على المقيد و الالتزام بتقيد الجواز بالسفر. نعم ربما يقال انه لا مجال لحمل المطلق على المقيد في باب المستحبات كما إذا أمر بقراءة القرآن مطلقة ثم ورد الأمر بها مقيدة بقيد كالطهارة أو وقت مخصوص أو مكان كذلك و عليه فجواز التقديم مع خشية الفوات مطلقة لا ينافي جوازه معها مقيدة بالسفر كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الأربعون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 12.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع و الأربعون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 83

..........

______________________________

و أجاب عنه بعض الاعلام بما حاصله ان عدم جريان قانون الإطلاق و التقييد في الأحكام غير الإلزامية

انما هو فيما إذا ترتب الحكم على متعلقه من دون تقييد بشي ء ثم ورد الأمر بها مقيدة بقيد كالمثال المذكور فان في مثله يختص حمل المطلق على المقيد بالأحكام الإلزامية لأن معنى إطلاق المتعلق جواز إتيان المكلف به غير مقيد بذلك القيد و معنى التقييد أنه لا بدّ من الإتيان به مقيدا به و هما أمران متنافيان و لا بدّ من الحمل و هذه بخلاف المستحب لانه لا إلزام فيه على الإتيان بالمقيد ليكون ذلك منافيا للترخيص في المطلق و اما إذا دل الدليل على ثبوت حكم مطلق ثم ورد هذا الحكم مقيدا بقيد في دليل آخر كما في محل الكلام بان كان التقييد راجعا الى الحكم لا الى المتعلق فلا مناص من حمل المطلق على المقيد و إلا لزم اللغوية في التقييد من دون فرق بين الواجب و المستحب.

و انا أقول ان في المقام خصوصية لا محيص فيه عن الحمل و ذلك لان مقتضى أدلة توقيت صلاة الليل و ان وقتها من انتصاف الليل هو عدم مشروعية وقوعها قبل الانتصاف لمنافاة التوقيت معها فمفاد تلك الأدلة عدم المشروعية إذا اتى بها أول الليل مطلقا و- ح- فالاختلاف في ثبوت القيد و عدمه يرجع الى الاختلاف في أصل المشروعية مع عدم ذلك القيد و بعبارة أخرى مع ثبوت القيد تكون المشروعية ثابتة بمقتضى كلا الدليلين و مع عدمه تكون مشكوكة فدليل المطلق مثبت لها و دليل المقيد ناف و من الواضح انه مع الاختلاف في المشروعية لا محيص من حمل المطلق على المقيد لوجود المنافاة بينهما لان دليل المطلق يثبت المشروعية مع عدم القيد و دليل المقيد ينفيه فلا مناص منه و قد انقدح بذلك

ان مجرد خشية الفوات من دون مقارنة السفر لا يجوز التقديم نعم يمكن استفادة الجواز من صدور رواية معاوية بن وهب المتقدمة في الجارية عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه قال:

قلت له ان رجلا من مواليك من صلحائهم شكا الىّ ما يلقى من النوم و قال:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 84

[مسألة- 6 وقت الظهرين من الزوال الى المغرب]
اشارة

مسألة- 6 وقت الظهرين من الزوال الى المغرب، و يختص الظهر بأوله مقدار أدائها بحسب حاله و العصر بآخره كذلك، و ما بينهما مشترك بينهما، و وقت العشاءين للمختار من المغرب الى نصف الليل، و يختص المغرب بأوله بمقدار أدائها، و العشاء بآخره كذلك بحسب حاله، و ما بينهما مشترك بينهما، و الأحوط لمن أخرهما عن نصف الليل اضطرارا لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها أو عمدا الإتيان بهما الى طلوع الفجر بقصد ما في الذمة و لو لم يبق الى طلوعه بمقدار الصلاتين يأتي بالعشاء احتياطا، و الأحوط قضائهما مترتبا بعد الوقت، و ما بين طلوع الفجر الصادق الى طلوع الشمس وقت الصبح، و وقت فضيلة الظهر من الزوال الى بلوغ الظل الحادث مثل الشاخص، كما ان منتهى فضيلة العصر المثلان، و مبدأ فضيلته إذا بلغ الظل أربعة أقدام- أي أربعة أسباع الشاخص- على الأظهر، و ان لا يبعد ان يكون مبدئها بعد مقدار أداء الظهر، و وقت فضيلة المغرب من المغرب الى ذهاب الشفق و هو الحمرة المغربية و هو أول فضيلة العشاء الى ثلث الليل فلها وقتا أجزاء:

قبل ذهاب الشفق و بعد الثلث الى النصف، و وقت فضيلة الصبح من أوله إلى حدوث الحمرة المشرقية، و لعل حدوثها يساوق مع زمان التجلل و الاسفار

و تنور الصبح المنصوص بها. (1)

______________________________

انى أريد القيام بالليل (للصلاة) فيغلبني النوم حتى أصبح فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع و الشهرين اصبر على ثقله فقال: قرة عين و اللّٰه، قرة عين و اللّٰه و لم يرخص في النوافل (الصلاة) أول الليل و قال: القضاء بالنهار أفضل. «1» فإن الحكم بأفضلية القضاء يدل على جواز التقديم و مشروعيته مع خوف الفوات لأجل النوم و نحوه.

(1) البحث في هذه المسألة يقع في مقامات و ينبغي قبل التكلم فيها الإشارة إلى أصل اعتبار الوقت و شرطيته في الصلوات المفروضة اليومية و نقول اشتراطه فيها

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الأربعون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 85

..........

______________________________

في الجملة مما لا اشكال فيه بل هو من ضروريات الإسلام و عليه اتفاق قاطبة المسلمين و يدل عليه من الكتاب آيات متعددة:

منها قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً «1» و المراد من دلوك الشمس هو زوالها و انتقالها عن دائرة نصف النهار كما يظهر من كثير من أهل اللغة و يدل عليه رواية زرارة الآتية، و من الغسق انتصاف الليل أو سقوط الشفق على ما سيأتي و الآية تدل على بيان وقت الصلوات اليومية بأجمعها أربع منها يستفاد من صدر الآية و واحدة من قوله:

وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ .. لان المراد منه هي صلاة الصبح و إطلاقه عليها من باب إطلاق لفظ الجزء و ارادة الكل و قد وقع تفسيره بها في بعض الروايات الآتية.

و منها: قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ

النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ «2» بناء على ان المراد من طرفي النهار اما الوقتان اللذان يقع فيهما صلاة الصبح و العصر لكون الطرفين داخلين في النهار و اما الوقتان اللذان يقع فيهما صلاة الصبح و المغرب لكونهما واقعين في حده خارجين عن حقيقته فعلى الأول يكون المراد من قوله وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ هو وقت العشاءين معا و على الثاني خصوص وقت العشاء.

و قد فسرت الآية صحيحة زرارة الطويلة بهذا المعنى حيث قال- عليه السّلام- و طرفاه المغرب و الغداة و زلفا من الليل و هي صلاة العشاء الآخرة (ئل باب 2 أبواب أعداد و الفرائض ح- 1).

و احتمال كون المراد به وقت صلاة الليل و دخول أوقات الصلوات المفروضة في طرفي النهار بعيد، و وجوب صلاة الليل- اى الوتر- على النبي- ص- لا يؤيد

______________________________

(1) سورة الإسراء آية 76.

(2) سورة هود آية 114

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 86

[المقام الأول في وقت صلاة الظهرين]

______________________________

هذا الاحتمال بعد وضوح عدم كون الخطاب متوجها الى شخصه- ص- فقط.

و منها: قوله تعالى فَأَقِيمُوا الصَّلٰاةَ إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً «1» بناء على كون المراد بالموقوت هو ذا وقت معين و اما إذا كان المراد به هو المفروض فهو لا دلالة له على المقام و لكنه بعيد لاستلزامه كون الموقوت غير مفيد لمعنى جديد بل اتى به تأكيدا لمعنى الكتاب كما لا يخفى نعم قد وقع تفسيره في بعض الروايات بالثبوت اشعارا بالفرق بين الصلاة و بين الصوم بأنها كتاب ثابت لا يسقط بحال دونه إذا عرفت ذلك يقع الكلام في تلك المقامات فنقول:

المقام الأول في وقت صلاة الظهرين قال اللّٰه تعالى

أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «2» و المراد من الدلوك هو الزوال و لا مجال لتفسيره بالاصفرار المتحقق حين دنو الشمس من الغروب و يدل على ما ذكرنا- مضافا الى تصريح كثير من أهل اللغة بذلك- صحيحة زرارة في تفسير الآية المشتملة على قول أبي جعفر- عليه السّلام-: و دلوكها زوالها «3» و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- ع- في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً قال: دلوك الشمس زوالها و غسق الليل انتصافه و قرآن الفجر ركعتا الفجر. «4» فلا يبقى مع ذلك موقع للخدشة في ان معنى الدلوك هو الزوال كما هو ظاهر و يدل على أصل الحكم مضافا الى الكريمة الروايات المستفيضة بل المواترة الظاهرة بل الصريحة في دخول وقت الظهر بمجرد الزوال و مقتضاه عدم جواز التقديم على الزوال كما حكى عن ابن عباس و بعض آخر من جواز إتيان المسافر بها قرب الزوال كما ان مقتضاه عدم لزوم الانتظار بعد الزوال

______________________________

(1) سورة النساء آية 113

(2) سورة الإسراء آية 76

(3) الوسائل أبواب أعداد الفرائض الباب الثاني ح- 1

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 87

..........

______________________________

لتحققه بمجرده و لا بأس بذكر بعض هذه الروايات فنقول:

منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة. «1»

و منها: رواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن وقت الظهر و العصر، فقال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و

العصر جميعا الا ان هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس. «2»

و منها: صحيحة أخرى لزرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: صلى رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله بالناس الظهر و العصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة. «3».

و منها رواية صباح بن سيابة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين. «4» و مثلها رواية سفيان بن السمط عن أبي عبد اللّٰه- ع- «5» و رواية منصور بن يونس عن العبد الصالح- عليه السّلام- «6» و رواية مالك الجهني عن أبي عبد اللّٰه- ع- «7».

و منها غير ذلك من الروايات الدالة على هذا الحكم هذا كله مضافا الى استمرار طريقة المسلمين على ذلك في جميع الأعصار من زمن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- الى يومنا هذا لكن هنا اخبار تدل بظاهرها على عدم تحقق الوقت بمجرد الزوال بل وقتها صيرورة الفي ء قدما أو قدمين أو قامة مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضيل بن يسار و زرارة بن أعين و بكير بن أعين و محمد بن مسلم و بريد بن معاوية

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع ح- 1

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع ح- 5

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع ح- 6

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع ح- 8.

(5) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع ح- 9.

(6) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع ح- 10

(7) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 88

..........

______________________________

العجلي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه- عليهما السّلام- انهما قالا: وقت الظهر بعد الزوال قدمان و

وقت العصر بعد ذلك قدمان. «1» و رواه الشيخ عن الفضيل و الجماعة المذكورين و زاد: و هذا أول وقت الى ان تمضى أربعة أقدام للعصر. «2»

و رواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- إذا كان في ء الجدار ذراعا صلى الظهر و إذا كان ذراعين صلى العصر قال: قلت ان الجدار يختلف بعضها قصير و بعضها طويل فقال كان جدار مسجد رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يومئذ قامة. «3».

و رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألته عن وقت صلاة الظهر و العصر فكتب قامة للظهر و قامة للعصر. «4»

و رواية سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سألته عن وقت الظهر اهو إذا زالت الشمس؟ فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت. «5» و غير ذلك من الروايات الظاهرة في تأخر الوقت عن الزوال.

هذا و لكن الظاهر انها لا تدل على ان وقت الظهر لا يدخل الا بعد تحقق تلك المقادير حتى يجب له انتظار حصولها بحيث لو اتى بها قبلها لكانت واقعة قبل الوقت فاسدة من أجل ذلك بل الظاهر ان اعتبار تلك الأمور انما هو لأجل الإتيان بالنافلة و اختلافها في المقدار الموضوع للنافلة انما هو من جهة اختلاف المتنفلين في الخفة و البطء و التطويل و التقصير و يشهد لذلك روايات متعددة:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 2.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 10.

(4) الوسائل أبواب

المواقيت الباب الثامن ح- 12.

(5) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 17.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 89

..........

______________________________

وقت الظهر فقال: ذراع من زوال الشمس و وقت العصر ذراعان (ذراع- ظ) من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس الى ان قال: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟ قلت لم جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يمضي ذراع فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة و إذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة. «1» فإنها ظاهرة في ان التأخير إلى الذراع لا لأجل دخول أصل الوقت بل لمكان النافلة و ان البلوغ اليه انما يؤثر في البدأة بالفريضة و ترك النافلة لا في دخول وقت الاولى كما لا يخفى.

و منها: رواية صحيحة لمحمد بن احمد بن يحيى قال: كتب بعض أصحابنا الى أبي الحسن- عليه السّلام- روى عن آبائك القدم و القدمين و الأربع و القامة و القامتين و ظل مثلك و الذراع و الذراعين فكتب- عليه السّلام- لا القدم و لا القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين و بين يديها سبحة و هي ثماني ركعات فإن شئت طولت و ان شئت قصرت ثم صل الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة و هي ثماني ركعات إن شئت طولت و ان شئت قصرت ثم صل الظهر «2».

و منها رواية ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- ناس و انا حاضر فقال: إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه إلا سبحتك تطيلها أو تقصرها الحديث

«3».

و منها ذيل رواية إسماعيل الجعفي المتقدمة و هو قوله- عليه السّلام-: و انما جعل الذراع و الذراعان لئلا يكون تطوع في وقت فريضة. «4»

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 3.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس ح- 13.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس ح- 12.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 28.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 90

..........

______________________________

و منها غير ذلك من الروايات الدالة على ان التأخير انما هو بلحاظ حال النافلة و اشتغال المؤمنين بها و لئلا تقع في كبرى التطوع في وقت الفريضة و يؤيده استثناء السفر و يوم الجمعة في رواية سعيد الأعرج المتقدمة فإن الظاهر ان الاستثناء انما هو لأجل سقوط نافلة الظهرين في السفر و جواز التقديم على الزوال في يوم الجمعة كما مر سابقا.

ثم ان المشهور اختصاص مقدار اربع ركعات من أول الوقت بالإتيان بالظهر و من آخر الوقت بالعصر بمعنى ان لكل من الصلاتين وقتين أحدهما اختصاصى و الأخر اشتراكى خلافا للصدوق حيث انه يظهر منه اشتراك الظهرين في دخول وقتهما بمجرد الزوال و امتداده الى الغروب و يكون كل جزء من أجزاء هذه القطعة صالحا لكل واحدة من الصلاتين غاية الأمر لزوم الترتيب بينهما و تظهر الثمرة بين القولين فيما إذا صلى العصر بعد الزوال بلا فصل نسيانا فعلى المشهور تجب عليه الإعادة لوقوعها في غير وقتها لان المفروض وقوعها في الوقت الذي يختص بالظهر، و على قول الصدوق تصح و لا تجب عليه الإعادة لوقوعها في وقتها و الإخلال بالترتيب غير قادح لان شرطيته تختص بحال الذكر كما إذا صلى العصر في الوقت المشترك قبل الظهر نسيانا فإنها صحيحة بلا اشكال.

و

الاخبار الواردة في هذه المسألة على قسمين: قسم ظاهر في الاشتراك و قسم دال على الاختصاص.

اما ما هو ظاهر في الاشتراك فكثيرة جدا و قد مرت جملة منها في بيان الروايات الدالة على دخول الظهر بمجرد الزوال كصحيحة زرارة و رواية عبيد بن زرارة و الروايات الدالة على انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين فراجع و اما ما يدل على الاختصاص فبالاضافة إلى أوّل الوقت لا يكون إلا رواية واحدة و هي ما روى بسند صحيح عن الحسن بن على بن فضال عن داود بن أبي يزيد- و هو داود بن فرقد- عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا زالت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 91

..........

______________________________

الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضى مقدار ما يصلى المصلي أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلى المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتى تغيب الشمس. «1» و بالإضافة إلى آخر الوقت يكون هنا رواية أخرى أيضا و هي رواية الحلبي- في حديث- قال: سألته عن رجل نسي الاولى و العصر جميعا ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس فقال: ان كان في وقت لا يخاف فوت إحديهما فليصل الظهر ثم يصلى العصر، و ان هو خاف ان تفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا و لكن يصلى العصر فيما قد بقي من وقتها ثم ليصل الاولى بعد ذلك على أثرها. «2» و يدل عليه بعض الروايات الأخر أيضا كما سيأتي و قد أورد على

الاستدلال برواية داود بن فرقد بأنها ضعيفة السند لإرسالها فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه.

و أجيب عن هذا الإيراد بوجهين:

الأول: انها و ان كانت مرسلة الا ان ضعفها ينجبر بعمل الأصحاب و استنادهم إليها في الفتوى بالاختصاص و قد قرر في محله ان الشهرة الفتوائية جابرة لضعف سند الرواية مع الاستناد إليها و هو محقق في المقام لانه لا يكون دليل على الاختصاص بالإضافة إلى الظهر غير هذه الرواية فيعلم كونها هي الدليل للمشهور كما لا يخفى.

الثاني: ما حكى عن الشيخ الأعظم الأنصاري- قده- في أوائل كتاب الصلاة من ان الرواية و ان كانت مرسلة الا ان في سندها حسن بن على بن فضال و قد أمرنا بالأخذ بروايات بنى فضال لما ورد من قوله- عليه السّلام-: خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا. فيجب الأخذ برواياته التي منها هذه الرواية و ان كانت مرسلة

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع ح- 7

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع ح- 18

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 92

..........

______________________________

و أورد على هذا الجواب بعض الاعلام في شرح العروة بما حاصله ان بنى فضال ليسوا بأعظم مقاما من أعاظم الرواية و أجلائهم كزرارة و محمد بن مسلم و اضرابهما و من المعلوم عدم حجية روايتهم إذا كانت ضعيفة و لو بالإرسال.

مع ان بنى فضال قبل انحرافهم عن الصواب لا تقبل رواياتهم إذا كانت مرسلة- مثلا- فكيف بما بعد انحرافهم إذ لا مجال لاحتمال ان يكونوا بعد الانحراف بأعظم مقاما عن أنفسهم قبله و عليه فمعنى الأمر بأخذ رواياتهم عدم كون انحرافهم مضرا بوثاقتهم مانعا عن قبول رواياتهم مع ان الرواية الدالة على وجوب الأخذ بما رووا

ضعيفة بابى الحسين بن تمام و عبد اللّٰه الكوفي فلا يمكن الاعتماد عليها أصلا.

و كيف كان فالجواب الأول عن الإيراد يكفي في اعتبار الرواية و حجيتها و ان كانت مرسلة فالمناقشة في دليل الاختصاص من هذه الجهة في غير محلها كما انه لا مجال للمناقشة في اخبار الاشتراك من حيث الصدور مع كثرتها و وجود الصحاح فيها قال المحقق في محكي المعتبر: «و اعترض بعض المتأخرين على قول أصحابنا إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين و زعم ان الحذاق و أصحاب البحث ينكرون هذا اللفظ من حيث ان الظهر يختص بمقدار اربع ركعات فلا يشترك الوقتان الا بعد قدر إيقاع الظهر لانه ما درى انه نص من الأئمة- عليهم السّلام- أو درى و أقدم و قد رواه زرارة و عبيد و الصباح بن سيابة و مالك الجهني و يونس من العبد الصالح- عليه السّلام- و مع تحقق كلامهم يجب الاعتناء بالتأويل لا الاقدام بالطعن» و يظهر من ذلك أيضا ان فتوى المشهور بالاختصاص لا تكون للاعراض عن اخبار الاشتراك حتى يكون اعراضهم قادحا في حجيتها و صدورها بل اما للتصرف فيها و توجيهها بما لا ينافي الاختصاص و اما لما سيجي ء من كون محط النظر فيها امرا آخر و لا تعرض لها لنفى الاختصاص بوجه.

إذا ظهر لك اعتبار كلتا الطائفتين و حجية كلا الخبرين فلا بد من ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 93

..........

______________________________

يكون هناك جمع دلالي في البين و ما قيل في مقام الجمع أو يمكن ان يقال بنحو يقع التصرف في دليل الاشتراك أمور:

أحدها ان رواية داود بن فرقد أظهر في الدالة على الاختصاص من دلالة أخبار الاشتراك

على الاشتراك المطلق بل ليس لها في ذلك الا ظهور بدوي يرفع اليد عنه بسببها لان قوله- عليه السّلام-: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعا الا ان هذه قبل هذه انما يدل على دخول وقت مجموع الصلاتين من حيث المجموع لا وقت كل واحدة منهما و لو سلم ظهوره في ذلك فالاستثناء يوجب رفع اليد عن ظهور الصدر لان الظاهر ان المراد بالقبلية، القبلية بحسب الوقت لان الترتيب بين الصلاتين مما لم يكن محتاجا الى البيان بعد كونه ضروريا عند المسلمين جميعا و- ح- فقوله: الا ان هذه قبل هذه لم يكن مسوقا لبيان اعتبار الترتيب بل المقصود به ان وقت صلاة الظهر يدخل قبل دخول وقت صلاة العصر فتكون هذه الجملة بمنزلة الاستثناء للصدر.

أقول: و يؤيد كون المراد بالقبلية هي القبلية بالإضافة إلى الوقت انه لو كان المراد بيان اعتبار الترتيب لكان المناسب هو التعبير بقوله الا ان هذه بعد هذه لان الترتب انما يكون معتبرا في صحة العصر و لا يعتبر في صحة الظهر ترتب العصر عليها ضرورة انه لو لم يصل العصر رأسا لا يكون ذلك قادحا في صحة الصلاة الاولى فالتعبير بالقبلية يناسب بيان شأن من شئون الظهر و لا يكون ذلك الا اختصاص الوقت بها و عدم وجود الشريكة معها كما لا يخفى.

و يؤيده أيضا انه لو كان المراد بيان اعتبار الترتيب يلزم التفكيك بين المستثنى و المستثنى منه فان اعتبار حصول الزوال في صحة الصلاتين أمر واقعي لا يختص بحال الذكر مع ان اعتبار الترتيب يختص بحال الذكر فلو كان المراد من المستثنى ذلك يلزم التفكيك المذكور بخلاف ما لو كان المراد هي القبلية بحسب

الوقت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 94

..........

______________________________

فان اعتباره أيضا يكون مطلقا لأن وقوع العصر في الوقت الاختصاصى موجب لبطلانها مطلقا.

ثانيها: ما افاده المحقق الحائري- قده- في كتابه في الصلاة من ان مفاد الرواية انه إذا زالت الشمس دخل الوقتان بموجب الاقتضاء الذاتي الا ان قبلية الظهر على العصر أوجبت جعل مقدار من الوقت خاصا له و هذا نظير ما ورد في بعض الاخبار الواردة في النافلة: الا ان بين يديها سبحة و حاصل المعنى ان وقت فضيلة الفريضة أول دخول الوقت ذاتا الا ان ملاحظة الشارع تحقق النافلة أوجبت تأخير وقت فضيلتها بمقدار أداء النافلة و هذا المعنى ليس ببعيد بعد وجود النظير له في اخبار النافلة.

ثالثها: ما هو الظاهر عندي من ان المعارضة بين الطائفتين لا تكون إلا المعارضة بين المطلق و المقيد بعينها فالواجب حملها عليها بمقتضى قاعدة الحمل السارية في باب المطلق و المقيد و ذلك لان دليل الاختصاص لا ينافي مع اخبار الاشتراك في أصل ثبوته بل ينافي معها في شروعه و مبدئه فإن أخبار الاشتراك ظاهرة في ان مجرد الزوال موجب لتحقق الاشتراك مطلقا بعد الزوال و دليل الاختصاص يقيده بما إذا تحقق الزوال و مضى مقدار اربع ركعات فهو يدل على مدخلية قيد المضي في تحقق مبدأ الاشتراك زائدا على اعتبار الزوال و يؤيد ما ذكرنا ان رواية داود بن فرقد بعد دلالتها على الاختصاص تصرح بأنه بعد المضي يدخل وقت الظهر و العصر جميعا فان المراد منه دخول الوقت الاشتراكى و الا فوقت الظهر قد دخل بالزوال كما هو الظاهر.

و بالجملة مقتضى القاعدة حمل اخبار الاشتراك على دليل التخصيص و الحكم بمدخلية قيد

المضي في دخول وقته فلا منافاة بينهما بوجه.

و قد ذكر بعض الاعلام في مقام التصرف في دليل الاختصاص ما ملخصه:

«ان المراد من رواية داود بن فرقد ان وقت العصر ما إذا صلى المكلف بالفعل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 95

..........

______________________________

اربع ركعات و هو عبارة أخرى عن الترتيب المقرر بينهما حيث ان صلاة العصر انما تقع صحيحة فيما إذا اتى المكلف بصلاة الظهر قبلها. لا يقال ان حمل الرواية على هذا المعنى لا يلائم مع ذيلها و هو قوله- عليه السّلام- فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر، فان معنى ذلك ان صلاة الظهر لم يؤت بها في الخارج بعد ضرورة انه لا معنى لدخول وقت الظهر بالنسبة الى من صلاها و اتى بها فلا محيص عن كون المراد ما هو ظاهره من مضى زمان يمكن ان يصلى فيه اربع ركعات.

فإنه يقال ان حمل الرواية على ما هو ظاهرها غير ممكن في نفسه لان المراد بالمقدار الذي يمكن ان يصلى المصلى فيه اربع ركعات اما المقدار الذي يصلى فيه على الوجه المتعارف و اما المقدار الذي يصلى فيه المصلى بحسبه و هو أمر يختلف باختلاف آحاد المصلين فعلى الأول لو صلى أحد مستعجلا و فرغ منها قبل المقدار المتعارف يلزم ان لا يجوز له الإتيان بصلاة العصر بلا فصل مع انه خلاف الضرورة و الإجماع و التقدير الثاني مضافا الى بعده في نفسه لان لازمة اختلاف وقت العصر باختلاف المصلين و الى انه خلاف الاشتراك في التكليف- يأتي فيه نظير الترديد المتقدم لان المراد بصلاة كل شخص اما صلاته المتعارفة المشتملة على الاجزاء الواجبة و جملة من المندوبات و

نحوها و اما الصلاة المشتملة على خصوص الأجزاء الواجبة فعلى الأول لو صلى الظهر مستعجلا و فرغ منها قبل زمان صلوته المتعارفة يلزم ان لا يجوز له الإتيان بالعصر كذلك، و الثاني خلاف ظاهر الرواية لأن ظاهرها ان الاعتبار انما هو بالصلاة على الكيفية المتعارفة مع ان هذا أمر قليل الاتفاق و من الافراد النادرة فلا يمكن حمل الرواية عليه».

و يرد عليه- مضافا الى ان اختلاف وقت العصر باختلاف المصلين مما لا مانع فيه و لا يكون مستبعدا بوجه كاختلافه بالإضافة إلى الحاضر و المسافر بناء على عدم كون مقدار الأربع المذكور في رواية داود بن فرقد له موضوعية بل الملاك مقدار صلاة الظهر بحسب حال المكلف- سفرا و حضرا- و كاختلاف وقت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 96

..........

______________________________

الفريضتين باختلاف الأفق و غير ذلك من الجهات الموجبة للاختلاف- انه بناء على ما افاده يبقى الاشكال المذكور في كلامه بحاله إذ لم يتعرض للجواب عنه بوجه و لا يكون كلامه دالا على توجيهه أصلا بل لا يكون قابلا للتوجيه فان اشتراك الفريضتين في دخول وقتهما بمجرد الزوال لا يجتمع مع دخول وقت وقتهما بعد الإتيان بالظهر و أوضح منه بطلان دخول وقت الظهر بعد ما صلى المصلى صلاة الظهر كما هو ظاهر.

مع انه لو سلمنا ما افاده و أغمضنا عن عدم قابلية صدر الرواية للحمل على ما ذكره فنقول ذيل الرواية الدال على خروج وقت الظهر إبقاء وقت العصر إذا بقي إلى الغروب مقدار اربع ركعات فقط كيف يجتمع مع الاشتراك في جميع الوقت فان لازمة خصوصا مع اعتبار الترتيب في صلاة العصر الإتيان بصلاة الظهر في هذه الصورة و دعوى

سقوط الشرطية فيها مدفوعة بأنها على تقدير تسليمها لا يقتضي تعين العصر بل اللازم ان يكون المصلى مختارا في الإتيان بآية واحدة منهما مع ان ظهور الرواية في تعينها مما لا مجال لإنكاره و الا يلزم ان يكون ذيل الرواية خاليا من الدلالة على اىّ حكم فتدبر.

و التحقيق في هذا الباب ما افاده سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قدس سره- في مجلس درسه و أوردته في تقريراته و حاصله ان وقت الظهر مبائن لوقت العصر عند العامة و كذا وقت المغرب و العشاء فعند بعضهم يكون أول الزوال الى المثل وقتا للظهر ثم يخرج وقتها و يدخل وقت العصر و عند البعض الأخر يكون أول الزوال الى المثلين وقتا للظهر كذلك نعم حكى عن ربيعة القول بدخول الوقتين بمجرد الزوال و لكن هذا القول مرمى عندهم بالشذوذ، و السيرة المستمرة العملية فيهم الى زماننا هذا هو إتيان العصر بعد مدة كثيرة من إتيان الظهر فإنهم يأتون بصلاة الظهر ثم يتفرقون الى ان يصير ظل الشاخص مثله أو مثلية ثم يرجعون لإقامة العصر، و الجمع بين الصلاتين بهذا النحو الشائع عند

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 97

..........

______________________________

الشيعة عملا يكون امرا منكرا عندهم لعدم اجتماعه مع تباين الوقتين و لذلك تعجب أبو امامة من فعل انس فيما رواه البخاري عنه حيث انه قال: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على انس بن مالك فوجدناه يصلى العصر فقلت ما هذه الصلاة فقال: العصر و هذه صلاة رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- التي كنا نصلي معه.

و قد التزموا بعدم اشتراك الوقت حتى في موارد الجمع كما في السفر

و عند المطر و بان وقت الصلاة الاولى يصير مضيقا بسبب الأخر و بالجملة الجمع بين الصلاتين كان من المنكرات عندهم و- ح- لا يبقى الارتياب في ان اخبار الاشتراك انما وردت لإبطال هذه العقيدة و لبيان الحكم الواقعي و انه لا يجب الانتظار للإتيان بصلاة العصر بعد الإتيان بالظهر كما عليه الجمهور بل يجوز الإتيان بهما معا بعد الزوال بلا فصل و لا تكون الروايات بصدد بيان اشتراكهما في كل جزء منه حتى تنافي ما يدل على اختصاص أول الوقت بالظهر، و حيث ان اعتبار الترتيب بين الصلاتين كان امرا بديهيا عند المسلمين حتى ان العامة القائلين بتباين الوقتين المستلزم لوقوع الثانية عقيب الاولى قهرا ذهبوا الى اعتباره في موارد جواز الجمع فلا يبقى مجال لتوهم ان يكون قوله- عليه السّلام-: إذا زالت الشمس دخل الوقتان دالا على دخول الوقتين بمجرد الزوال المستلزم لنفى اعتبار الترتيب فلا يكون موهما لخلاف المقصود بل التعبير بهذا النحو بعد وضوح اعتبار الترتيب و وضوح كون الغرض إبطال القول بتباين الوقتين أحسن تعبير في بيان المرام كما لا يخفى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لا محيص من الأخذ برواية داود بن فرقد و الالتزام باختصاص أول الوقت بالظهر بمقدار أدائها بحسب حاله نعم سيجي ء معنى الاختصاص و انه لا يلزم من القول به الحكم ببطلان صلاة العصر لو وقعت في أول الوقت مطلقا فانتظر هذا كله في اختصاص أول الوقت بالظهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 98

..........

______________________________

و اما اختصاص آخر الوقت بالعصر فلم ينقل من أحد منهم إنكاره حتى ان الصدوق القائل بالاشتراك في أول الوقت ذهب الى الاختصاص في آخره.

و يدل

عليه- مضافا الى ذيل رواية داود بن فرقد و صحيحة الحلبي المتقدمتين- صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا طهرت الحائض قبل العصر صلت الظهر و العصر، فان طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر. «1»

و المناقشة في سند رواية الحلبي باعتبار اشتماله على ابن سنان الظاهر في كونه هو محمد بن سنان لروايته عن ابن مسكان و رواية حسين بن سعيد عنه و هو ضعيف مدفوعة بشهادة جمع بوثاقته كالمفيد في الإرشاد و ابن طاوس في محكي فلاح السائل و العلامة في الخلاصة و المحلبتين و رجح وثاقته صاحب الوسائل.

و قد ذكر بعض الاعلام بعد المناقشة في روايتي داود و الحلبي سندا و دلالة أو سندا فقط بان تعين الإتيان بصلاة العصر فيما لو بقي من الوقت مقدار اربع ركعات و قد تركهما متعمدا انما هو لأجل ان المكلف في هذه الصورة لم يعقل بقاء الأمر بثمان ركعات في حقه لعدم سعة الوقت للصلاتين فلا يخلو اما ان يكون مأمورا بصلاة العصر فقط أو بصلاة الظهر كذلك أو يسقط الأمر بكل واحدة منهما و يحدث أمر جديد بالتخيير و لا يحتمل في حقه سقوط الأمر بالصلاة رأسا لأنه خلاف الضرورة و الإجماع، و الصورتان الأخيرتان مضافا الى أنهما خلاف المتسالم عليه عند الأصحاب تنفيهما الأخبار الدالة على انه إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان الا ان هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس لدلالتها على ان الوظيفة في الصورة المفروضة هي الإتيان بصلاة العصر فقط لدلالتها على ان الوقت مشترك فيه بين الصلاتين بعد الزوال و المكلف في وقت من ثمان ركعات الى ان

تغرب الشمس فإذا ضاق الوقت سقط الأمر بالأربع الاولى لا محالة و كان الوقت مختصا بالأربع الثانية لقوله ان هذه قبل هذه و بالجملة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 99

..........

______________________________

الاخبار ظاهرة في ان الصلاتين منبسطتان على مجموع الوقت الا ان هذه قبل هذه و معه يختص الوقت بالأربع الثانية بالطبع لانه مقتضى الانبساط و التقسيط.

و يرد عليه ان دلالة أخبار الاشتراك على اختصاص مقدار الأربع الباقي بالعصر في الصورة المفروضة ممنوعة جدا سواء كان المراد دلالتها بنفسها مع قطع النظر عن الاستثناء الوارد في بعضها بقوله الا ان هذه قبل هذه أو كان المراد دلالتها بلحاظ اشتمالها على الاستثناء اما على التقدير الأول فلان مفاد اخبار الاشتراك ليس الاشتراك الصلاتين في جميع أجزاء الوقت و عدم اختصاص واحدة منهما بقطعة منها أصلا بحيث لو لا الدليل على اعتبار الترتيب في صلاة العصر لكنا نحكم بجواز الإتيان بها قبل الظهر في أول الوقت و بجواز الإتيان بالظهر بعدها في آخر الوقت لان المفروض صلاحية كل جزء من أجزاء الوقت لكل واحدة من من الصلاتين كما ان اعتبار الترتيب في ركعات كل صلاة أوجب تقدم الركعة الأولى على الثانية و هكذا و الا فبلحاظ الوقت لا يكون فرق بين الركعات أصلا نعم إذا لم يؤت بهما الى ان بقي بمقدار ثمان ركعات يصير الوقت مضيقا و لازمة وجوب المبادرة إلى الإتيان بكلتيهما و اما إذا بقي مقدار اربع ركعات فلا وجه لتعين صلاة العصر بعد فرض الاشتراك، و ظهور الرواية في انبساط الصلاتين على مجموع الوقت ان كان مرجعه الى الظهور في الاختصاص

فممنوع جدا لان الاشتراك في جميع الاجزاء لا يكاد يجتمع مع الاختصاص و ان كان مرجعه الى اعتبار الترتيب فمضافا الى سقوطه في هذه الصورة لعدم القدرة يكون مقتضاه تعين الظهر دون العصر كما هو واضح.

و اما على التقدير الثاني فلان مفاد الجملة المستثناة اما القبلية من حيث الوقت و اما القبلية من جهة الترتيب و الأول يضاد الاشتراك الذي هو مدعى البعض و الثاني لا يقتضي التعين الا للظهر كما عرفت.

تتمة في بيان معنى الاختصاص و ليعلم انه لم يرد في أي دليل لفظ الاختصاص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 100

..........

______________________________

حتى يتكلم في مفاده و ينظر في مدلوله لان عمدة الدليل ما مر من الروايات الثلاثة المتقدمة الخالية عن هذا اللفظ و عليه فلا بد من النظر في مفادها من هذه الجهة فنقول ان المستفاد من رواية داود بن فرقد هو عدم دخول وقت صلاة العصر قبل مضى المقدار المعين و خروج وقت صلاة الظهر لو لم يبق الا ذلك المقدار و عليه فنسبة صلاة العصر الى ذلك المقدار كنسبة الظهر الى ما قبل الزوال و نسبة صلاة الظهر الى ذلك المقدار في آخر الوقت كنسبة العصر الى ما بعد الغروب و عليه فلا يلزم من الاختصاص بالمعنى المذكور عدم صحة سائر الصلوات- سواء كانت مستحبة أو واجبة كقضاء الفرائض الفائتة- إذا وقعت في الوقت المختص أصلا بل يجوز الإتيان بقضاء الشريكة لليوم السابق- مثلا- في ذلك الوقت فيجوز الإتيان بقضاء صلاة العصر في أول الوقت المختص بالعصر كما يجوز الإتيان به في سائر الأوقات و عليه فما حكى عن صاحب الجواهر في رسالة نجاة العباد مما يرجع الى

ان المراد بالاختصاص عدم صحة الشريكة فيه مطلقا أداء و قضاء عمدا و سهوا مما لا وجه له.

ثم الظاهر اختصاص دليل الاختصاص بما إذا لم يأت بصاحبة الوقت فإذا فرض الإتيان بها لا مانع من وقوع الشريكة في الوقت المختص و يتفرع عليه انه لو ظن ضيق الوقت فصلى العصر ثم انكشف بعد الفراغ بقاء الوقت بمقدار صلاة اخرى يلزم عليه الإتيان بصلاة الظهر أداء بل لو سلم الإطلاق في دليله و منع الاختصاص نقول ان ظاهر الروايات الدالة على الاشتراك أقوى من حيث الشمول لهذا الفرض من رواية ابن فرقد و غيرها و ان كانت هي أقوى منها في الدلالة على أصل الاختصاص.

و في هذا الفرع وجوه و احتمالات أخر:

أحدها: وجوب الإتيان بالظهر قضاء لخروج وقت الظهر أخذا بإطلاق دليل الاختصاص الراجع الى خروج وقت الظهر و لو اتى بصاحبة الوقت.

ثانيها ما اختاره صاحب الجواهر مستندا الى ما زعم من معنى الاختصاص مما مر من عدم وجوب اعادة العصر و عدم جواز الإتيان بالظهر في ذلك الوقت لا أداء و لا قضاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 101

..........

______________________________

ثالثها: وجوب اعادة العصر لبطلانها اما من جهة وقوعها في الوقت المختص بالظهر و هو مقدار الأربع الباقي من وقته قبل الوقت المختص بالعصر بحيث يكون لكل واحدة منهما وقتان اختصاصيان أولا و آخرا، و اما من جهة عدم مراعاة الترتيب و مقتضى حديث لا تعاد و ان كان عدم وجوب الإعادة من ناحيته لعدم كونه من الأمور الخمسة المذكورة فيه الا ان من الواضح اختصاصه بغير صورة العمد فاللازم تخصيص الوقت بصلاة العصر.

لكنك عرفت منع الإطلاق في دليل الاختصاص و منع

مبنى صاحب الجواهر و ثبوت الوقتين الاختصاصيين لكل واحدة من الفريضتين لا دليل عليه و الظاهر جريان حديث لا تعاد في مثل المقام الذي لم يقدم العصر عمدا بل انما عمل بظنه الذي انكشف خلافه و في هذا الفرع وجه آخر محكي عن الشهيد- قده- و هو القول بتعارض وقتي الصلاتين و قد أفاد سيدنا العلامة الأستاذ- قدس سره- انه يشبه قول العامة من ان كلا من الظهر و العصر قد يكون ضعيفا للآخر كما إذا اتى بالظهر بعد المثل أو بالعصر قبله و على ذلك حملوا ما ورد من ان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- جمع بين الظهرين من غير علة و لا عذر و كيف كان فالظاهر ما عرفت من لزوم الإتيان بصلاة الظهر أداء.

و يتفرع على ما ذكرنا أيضا انه لو صلى الظهر قبل الزوال بظن دخول الوقت أو تيقنه فدخل الوقت قبل تمامها لا مانع من إتيان العصر بعد الفراغ منها و لا يجب التأخير إلى مضى مقدار اربع ركعات نعم لو اعتقد إتيان الظهر فصلى العصر ثم تبين عدم إتيانه و ان تمام العصر وقع في الوقت المختص بالظهر يكون الظاهر بطلانها لأجل عدم الإتيان بصاحبة الوقت و ظهور دليل الاختصاص فيه مع عدم الإتيان بها، و اما مع الإتيان بها فمقتضى أدلة الاشتراك الصحة، و ما في المستمسك من ان النسبة بين أدلة الاختصاص و أدلة الاشتراك ليست من قبيل النسبة بين الخاص و العام كي يرجع الى أدلة الاشتراك عند عدم صلاحية أدلة الاختصاص للمرجعية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 102

..........

______________________________

بل هما متباينان لورودهما معا في مقام التحديد للوقت فإذا جمع بينهما

بحمل أدلة الاشتراك على ما وافق الاختصاص و فرض قصور أدلة الاختصاص عن شمول المورد كانت أدلة الاشتراك كذلك كان المرجع الأصل، ففيه ما عرفت من ان النسبة بين دليل الاختصاص و أدلة الاشتراك هي النسبة بين دليل المقيد و المطلق فإذا فرض قصور دليل التقييد عن الشمول فلا محالة يكون دليل المطلق مرجعا لا محالة.

بقي الكلام بعد ثبوت أصل الاختصاص في مقداره و انه هل المدار على مقدار اربع ركعات مطلقا- حضرا و سفرا- كما هو مقتضى الجمود على ظاهر لفظة الأربع الواردة في رواية ابن فرقد مطلقا، أو ان المراد على مقدار أداء الظهر بحسب الوظيفة الفعلية للمكلف و لو كان ركعتين أو أقل منهما كما إذا وقعت الظهر ببعض أجزائها في الوقت نظرا الى ان لفظة الأربع الواردة في الرواية واردة مورد الغالب و المراد بها هو الإتيان بالظهر و قد كنى بها عنه و يدل عليه قوله- عليه السّلام- في بعض الروايات: ليس بين الظهر و العصر حد مضافا الى ظهور اخبار الاشتراك في جواز الإتيان بالعصر بمجرد الفراغ عن الظهر و لا ينافي ذلك لزوم رفع اليد عنها بالإضافة إلى أصل الاختصاص فان دليل الاختصاص و ان كان من جهة الدلالة على أصله أقوى الا ان ظهور اخبار الاشتراك فيما ذكرنا أقوى من ظهور رواية الاختصاص في كون الأربع لها موضوعية كما لا يخفى و الظاهر هو هذا الوجه ثم الظاهر ان الملاك هي صلاة المكلف بحسب حاله من جهة البطء و السرعة في القراءة و الحركات و من جهة الاشتمال على المستحبات و عدمه و لا محذور في اختلاف الوقت المختص بالإضافة إلى أفراد المكلفين من هذه الجهة أصلا.

نعم

يقع الكلام في ان المراد هل هو مقدار أداء نفس الصلاة مع قطع النظر عن الشرائط التي يفقدها المكلف كالطهارة عن الحدث و الخبث- مثلا-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 103

..........

______________________________

أو ان المراد مقدار ما يلزمه أداء الفريضة الفعلية على المكلف بما لها من الشرائط كما يظهر من الجواهر و نسبه الى ظاهر النص و الفتوى مع الاعتراف بوقوع التعبير بمقدار أداء أربع ركعات في كلمات الغالب، و الظاهر هو الأول لظهور دليل الاختصاص في كون العبرة على مقدار خصوص الفريضة لا تحصيل مقدماتها أيضا فإن ظاهر قوله- عليه السّلام- في رواية داود بن فرقد: مقدار ما يصلى المصلي أربع ركعات هو كون العبرة بمقدار نفس الصلاة من دون اشعار له بالمقدمات كما ان قوله: الا ان هذه قبل هذه، بناء على دلالته على القبلية من حيث الوقت يكون مفاده وقوع نفس الصلاة الظهر في ظرف خاص به نعم مرسلة الصدوق الواردة في الوقت المختص بالمغرب لا تخلو من ظهور في كون المراد هي الصلاة مع جميع الخصوصيات المعتبرة فيها من الاجزاء و الشرائط و هي قوله: قال الصادق- عليه السّلام- إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار و وجبت الصلاة، و إذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة الى انتصاف الليل. «1»

فان تعليق دخول وقت العشاء على تحقق صلاة المغرب في الخارج مشعر بل له ظهور ما في كون المدار على صلاة المغرب بجميع شرائطها و لكن لا بدّ من حملها على كون المراد هو مقدار أداء صلاة المغرب ضرورة دخول وقت العشاء بذلك و ان لم تتحقق صلاة المغرب خارجا و عليه فلا دلالة لها على ذلك أصلا. هذا

تمام الكلام في وقت فريضة الظهرين من حيث المبدء و اما من حيث المنتهى فالكلام تارة في الظهر و اخرى في العصر اما في الظهر فقد اختلفت الأمة في آخر وقتها و يظهر من العامة أقوال أربعة:

أحدها ان آخر وقت الظهر هي صيرورة ظل كل شي ء مثله.

ثانيها ان آخر وقت الظهر صيرورة الظل مثل الشاخص مع مضى مقدار اربع ركعات بعده.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 104

..........

______________________________

ثالثها ما ذهب إليه أبو حنيفة في الرواية المشهورة و هو ان آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شي ء مثليه.

رابعها امتداد وقت الظهر من حين الزوال الى غروب الشمس.

و اما الإمامية فالمسئلة محل خلاف بينهم أيضا و أقوالهم ربما ترتقي إلى عشرة كما حكاها في مفتاح الكرامة و لكن المهم منها أربعة.

أحدها ما ذهب اليه الشيخ في بعض كتبه من انّ آخر وقت المختار إذا صار ظل كل شي ء مثله.

ثانيها ما ذهب إليه أيضا في بعض كتبه من ان آخره قدمان و في موضع آخر منه أربعة أقدام.

ثالثها ما عن المفيد و ابن أبي عقيل من صيرورة الفي ء بقدر الذراع الذي هو سبعان من الشاخص.

رابعها ما هو المشهور من بقاء وقته الى ان يبقى الى الغروب مقدار العصر اختاره المرتضى و ابن الجنيد و سلار و ابن إدريس و العلامة و غيرهم و عمدة منشأ الاختلاف ان الروايات الدالة على ثبوت الوقتين لكل صلاة و كذا الروايات الدالة على ثبوت وقت مغاير لما تقدم من الروايات الظاهرة في الامتداد الى الغروب هل يكون مفادها اختلاف الوقتين بلحاظ الاجزاء و الفضيلة أو بلحاظ الاختيار و الاضطرار و

سيأتي البحث في هذه الجهة مفصلا إن شاء اللّٰه تعالى و يأتي ان مقتضى التحقيق ما هو الموافق للمشهور من ان الاختلاف انما هو بلحاظ الاجزاء و الفضيلة فانتظر و عليه فلا معارض للروايات المتقدمة الدالة على الامتداد الى الغروب بعد حملها على وقت الإجزاء أصلا و مما ذكرنا ظهر ان آخر وقت العصر هو الغروب و الفرق بينها و بين الظهر انما هو في اختصاص مقدار أداء صلاة العصر من آخر الوقت بالعصر و خروج وقت الظهر بذلك بالمعنى الذي تقدم للاختصاص و عمدة الدليل عليه هي رواية داود بن فرقد المتقدمة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 105

[المقام الثاني في وقت فريضة العشاءين]
[الأمر الأول في وقت فريضة المغرب]

______________________________

المقام الثاني في وقت فريضة العشاءين و يقع الكلام فيه في أمرين:

الأمر الأول في وقت فريضة المغرب و يقع الكلام فيه من جهتين:

الجهة الاولى في وقتها من حيث الابتداء و نقول: اتفقت الأمة الإسلامية و فقهاء المسلمين جميعا على ان أول وقت صلاة المغرب غروب الشمس إنما الاشكال و الخلاف في ان الغروب هل يتحقق باستتار القرص عن النظر أو بذهاب الحمرة المشرقية و زوالها فيه قولان ذهب الى الأول فقهاء غير الإمامية من أهل السنة و الزيدية و غيرهم قاطبة و نسب من أصحابنا إلى الشيخ في المبسوط و الصدوق في العلل و الفقيه و السيد المرتضى و اختاره المحقق في الشرائع و مال اليه صاحب المدارك و الى الثاني مشهور الإمامية و يظهر من المحقق شهرة كلا القولين غاية الأمر ان الثاني أشهر و منشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في الباب.

اما ما يدل على القول الأول فكثيرة جدا و لا بأس بإيراد جملة منها:

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه

السّلام- قال: إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر، و إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة «1» فان الظاهر ان المراد بغيبوبة الشمس هو ما يقابل طلوعها و من الظاهر ان المراد بطلوع الشمس هو طلوع قرصها الذي هي عبارة عن الدائرة النورانية المرئية فالمراد بغروبها هو استتار تلك الدائرة و خفاؤها عن الأفق غاية الأمر ان الطلوع يتحقق بكون جزء من القرص مرئيا و الغروب لا يتحقق الا باختفاء جميع اجزائه.

و بالجملة لو لم يكن في الباب اخبار الاعتبار بذهاب الحمرة لم يكن ريب في كون المراد بالغروب و الغيبوبة و ما يشابههما من العبارات هو اختفاء القرص فلا يكون في مثل الرواية إجمال و لا مجال لان يقال ان معنى غيبوبة الشمس غير معلوم كما لا يخفى.

و مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصادق- عليه السّلام-: إذا غابت الشمس

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 106

..........

______________________________

فقد حل الإفطار و وجبت الصلاة و إذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة. «1»

و رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضى مقدار ما يصلى المصلى ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلى المصلي أربع ركعات، و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الى انتصاف الليل. «2»

و رواية إسماعيل بن مهران قال: كتبت الى الرضا- عليه السّلام-: ذكر أصحابنا انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر

و العصر و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة الا ان هذه قبل هذه في السفر و الحضر و ان وقت المغرب الى ربع الليل. فكتب: كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق. «3»

و رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها. «4»

و رواية زرارة قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك و قد صليت أعدت الصلاة و مضى صومك و تكف عن الطعام ان كنت أصبت منه شيئا. «5»

و مرسلة أخرى للصدوق قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: وقت المغرب إذ غاب القرص «6»

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 2.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 4.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 14.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 16.

(5) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 17.

(6) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 107

..........

______________________________

و رواية على بن الحكم عمن حدثه عن أحدهما- عليهما السّلام- انه سئل عن وقت المغرب فقال: إذا غاب كرسيها قلت: و ما كرسيها؟ قال قرصها فقلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت اليه فلم تره. «1»

و رواية أخرى لعبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: وقت المغرب من حين تغيب الشمس الى ان تشتبك النجوم. «2»

و رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّٰه- عليه السّلام- يصلى المغرب حين تغيب الشمس حيث تغيب حاجبها. «3»

و المراد من قوله-

عليه السّلام-: حيث تغير حاجبها انه حيث ان الشمس في آخر اللحظات من الغروب تظهر كالحاجب فإذا غاب حاجبها فقد سقط القرص و دخل وقت صلاة المغرب.

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: وقت المغرب حين تغيب الشمس. «4»

و رواية عمر بن أبي نصر قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول: في المغرب انا إذا توارى القرص كان وقت الصلاة و أفطر. «5».

و رواية سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: في المغرب انا ربما صلينا و نحن نخاف ان تكون الشمس خلف الجبل أو قد سترنا منها الجبل، قال فقال: ليس عليك صعود الجبل. «6» و دلالتها على ان الاعتبار انما هو بالاستتار واضحة ضرورة ان الشك في أنها غربت أم لم تغرب انما يتصور فيما إذا كان

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 25.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 26.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 27.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 28.

(5) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 30.

(6) الوسائل أبواب المواقيت الباب العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 108

..........

______________________________

المغرب بمعنى استتار القرص لأنه في هذه الحالة إذا غابت عن الحس و النظر و كان في البين جبل و نحوه يحتمل انها استترت خلف الجبل و اما إذا كان المغرب بمعنى تجاوز الحمرة عن قمة الرأس إلى المغرب فبعد تحققه لا معنى للشك و احتمال ان تكون الشمس خلف الجبل لانه على هذا التقدير يعلم بأنه على فرض الصعود الى الجبل لا يرى اثر من الشمس و لا يحتمل رؤية

قرصه أصلا فلا مجال لنفي إيجاب صعود الجبل عليه كما هو ظاهر.

و غير ذلك من الروايات الظاهرة في ان الاعتبار انما هو بالاستتار و غيبوبة القرص.

و اما ما يدل على القول الثاني فكثيرة أيضا و لا بدّ من إيرادها ليعلم انها هل تدل على هذا القول أو لا أم لا و على تقدير دلالتها و تمامية سندها هل تكون قابلة للجمع بينها و بين الطائفة الاولى و ما ذا طريق الجمع ثانيا و على تقدير عدم إمكان الجمع هل اللازم الأخذ بها أو بالطائفة الأولى ثالثا فنقول:

منها رواية بريد بن معاوية التي رواها عنه قاسم بن عروة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعنى من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها. «1» و قد رواها في الوسائل في ثلاثة مواضع من باب واحد و ظاهره كونها روايات متعددة مع انه ليست إلا رواية واحدة رواها بريد و روى عن بريد قاسم المذكور غاية الأمر ثبوت اختلاف يسير في المتن حيث أسقط قوله: من هذا الجانب يعني في إحداها و ذكر بدل قوله: من المشرق: ناحية المشرق في الأخرى كما انها رويت عن أبي جعفر- عليه السّلام- في الاثنتين و عن أحدهما- عليه السّلام- في الثالثة و لكن هذه الاختلافات لا تؤيد تعدد الرواية بوجه بل الظاهر كونها رواية واحدة مروية كذلك.

و قد أورد بعض الاعلام على الاستدلال بها للقول المشهور- مضافا الى ضعف

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 1- 7- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 109

..........

______________________________

السند بالقاسم بن عروة لعدم توثيقه- بضعف الدلالة نظرا الى ان المراد بالمشرق

هي النقطة التي تطلع منها الشمس لا ناحية المشرق في مقابل المغرب الذي هي النقطة التي تدخل فيها الشمس تحت الأفق و يؤيده التعبير عن المشرق بمطلع الشمس في بعض الروايات، و حيث ان المشرق مطل على المغرب لانه مقتضى كرواية الأرض و قد وقع التصريح به في بعض الروايات الآتية فيدل ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق على دخول الشمس تحت الأفق فلا دلالة للرواية على ان ذهاب الحمرة عن قمة الرأس أو عن تمام ناحية المشرق كاشف عن الغروب و انما تدل على ان ارتفاع الحمرة من خصوص النقطة التي خرجت منها الشمس عند الطلوع دليل على غيبوبتها تحت الأفق و الوجه في جعل ذلك أمارة كاشفة مع ان المدار في الأحكام المترتبة على الغروب هو دخول القرص تحت الأفق هو ان مشاهدته غير متيسرة للمكلفين لعدم خلو الأرض من الحواجب من الجبال و الاطلال و نحوهما.

و يدفع هذا الإيراد مضافا الى منع ضعف السند لرواية ابن أبي عمير عن القاسم المذكور في إحديهما و الى منع كون المراد بالمشرق هو خصوص النقطة التي تطلع منها الشمس فان الظاهر منه عرفا هو جانب المشرق و ناحيته كما وقع تفسيرا للجانب في المتن المذكور و فسر بالناحية في غيرها و التعبير عنه بمطلع الشمس لا يؤيد ذلك لان المراد به أيضا جانب المشرق في مقابل المغرب كما يظهر لمن راجع الرواية التي عبر فيها بذلك و على تقديره لا يرتبط بالمقام، و مضافا الى ان كلمة الغيبوبة التي هي في مقابل الظهور لا يلائم إلا مع انتفاء الحمرة رأسا بحيث لم يكن مرئية للناظر في المشرق و اما انفصالها عن نقطة المشرق فلا يناسب التعبير

عنه بالغيبوبة بل المناسب هو التعبير بالانفصال و الانقطاع و الارتفاع و أشباه ذلك كما لا يخفى، ان حمل الرواية على المعنى المذكور موجب لكذبها لان انفصال الحمرة عن نقطة المشرق لا يوجب غروب الشمس عن شرق الأرض و غربها فان المراد من شرق الأرض و غربها و ان كان هو مجموع الأراضي المتساوية مع أرض المصلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 110

..........

______________________________

من حيث الأفق ضرورة انه ليس المراد منها هو مجموع الأرض و نقاطها و نواحيها لوضوح اختلافها من جهة الأفق بل في الليلة و النهارية فلا بد من ان يكون المراد مجموع الأراضي المتساوية في الأفق الا ان ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق في الأرض المصلي لا دلالة له على غروب الشمس في جميع تلك الأراضي ضرورة أن ارتفاع الحمرة عنها ملازم لغيبوبة القرص في خصوص ارض المصلى و من البين عدم تحقق الغيبوبة في سائر الأراضي المتساوية بعد إذا اختلفتا في دقائق متعددة و بالجملة فإن كان المذكور في الرواية بيان التلازم بين ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق و بين غروب الشمس بنحو الإطلاق الظاهر في أرض المصلى لكان للحمل المذكور مجال و اما مع فرض كون أحد الطرفين غروب الشمس من شرق الأرض و غربها فلا يبقى موقع لما أفاده أصلا.

هذا مع انه لو كان المدار على سقوط القرص في أرض المصلي لما كان لجعل الامارة حاجة فإن تشخيص ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق ليس بأهون و أسهل من تشخيص سقوط القرص و استتاره و كما يمكن ابتلائه بحاجب من جبل و طل و نحوهما يمكن ابتلائه به أيضا خصوصا مع ان نقطة المشرق مجهولة عند

الغروب نوعا، و كون المشرق مطلا على المغرب لا يثبت إلا الملازمة المذكورة و لا دلالة له على اسهلية تشخيص ارتفاع الحمرة عن سقوط القرص و بالجملة فتفسير الرواية بالنحو المذكور لا سبيل إليه أصلا بل الرواية ناظرة إلى القول المشهور.

و منها مرسلة على بن احمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، و تدري كيف ذلك؟ قلت لا، قال لان المشرق مطل على المغرب هكذا، و رفع يمينه فوق يساره، فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا. «1»

و لا مجال للإيراد على الاستدلال بها بمثل ما أورد على الرواية السابقة فإنها

______________________________

(1) الوسائل الباب المواقيت الباب السادس عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 111

..........

______________________________

و ان كانت مشتملة على لفظ «المشرق» من دون تعرض للجانب و الناحية و أشباههما الا ان ظهور اللفظ في المشرق العرفي الذي هو الطرف و السمت لا ينبغي إنكاره أصلا فالمراد هو خلو ناحية المشرق من الحمرة و ذهابها عنها و التعليل المذكور في الذيل الراجع إلى كروية الأرض و اشراف المشرق عل المغرب يكون الأنسب به هو ذهاب الحمرة بالمعنى المشهور و الا فالغروب بالمعنى الذي اختاره غيرهم لا يلائم مع الكروية لملاءمته مع غيرها كما لا يخفى. لكن الرواية مرسلة كما عرفت و لا يجوز الاعتماد عليها في نفسها.

و منها مرسلة ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام ان تقوم بحذاء القبلة و تتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية

المغرب فقد وجب الإفطار و سقط القرص «1».

و في سندها سهل بن زياد و قد اشتهر ان الأمر فيه سهل و مع قطع النظر عنه فلا يكون مجال للمناقشة فيه لاعتبار مراسيل ابن أبي عمير و دعوى عدم كونها مرسلة لابن أبي عمير و انما هي مرسلة الراوي الذي نقلها عن ابن أبي عمير و لم يذكر الراوي الأخير نسيانا أو لداع أخر مدفوعة بأن الملاك في اعتبار مراسيله هو انه لا يروى و لا يرسل الا عن ثقة، فكما انه لا يرسل الا عن ثقة كذلك لا يروى إلا عنه قال الشيخ- قده- في محكي كتاب العدة: «ميزت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير و صفوان بن يحيى و احمد بن محمد بن أبي نصر (البزنطي) و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون و لا يرسلون الا عمن يوثق به و بين ما أسنده غيرهم و لذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم».

و اما المناقشة في دلالتها من جهة ان مدلولها غير مطابق لما هو المشاهد

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 112

..........

______________________________

بالوجدان لان من نظر الى المشرق عند الغروب رأى ان الحمرة قد ارتفعت من ناحيته ثم زالت و حدثت حمرة أخرى في ناحية المشرق فالحمرة المشرقية متقدم عند الغروب و تحدث حمرة أخرى مع ان الرواية مصرحة بأن تلك الحمرة باقية سارية من المشرق الى المغرب.

فمدفوعة مضافا الى منع كون الحمرة المغربية حمرة اخرى حادثة بعد انعدام الحمرة المشرقية بعد كون الحمرة مطلقا أثرا تابعا للشمس تذهب تدريجا و تنتفي عقيب سقوطها كذلك بعدم دلالة

الرواية الا على تجاوز الحمرة المشرقية من قمة الرأس إلى ناحية المغرب و لا يستفاد منها بوجه انه بعد التجاوز منها هل يكون هي الباقية الظاهرة في ناحية المغرب أو انها تنعدم و تحدث حمرة أخرى كما لا يخفى.

كما ان المناقشة في دلالتها أيضا بأنه ان أريد بالسقوط في قوله- ع- سقط القرص، سقوطه من الانظار و دخولها تحت الأفق الحسي فلا ترتب بين الأمرين أبدا لأن سقوطه انما يتحقق قبل ذهاب الحمرة المشرقية بعشر دقائق أو اثنتا عشر دقيقة، و ان أريد به معنى أخر كسقوطه عن الأفق الحقيقي فهو أمر مبهم لا طريق لنا الى مشاهدته و لم يدلنا عليه شي ء من الكتاب و السنة.

مدفوعة بأن السقوط عن الأفق الحسي لم يكن يحتاج الى البيان و قد عرفت انه لا حاجة الى جعل ذهاب الحمرة من نقطة المشرق امارة عليه بل المراد هو السقوط بالمعنى الأخر المحتاج الى البيان و قد دلتنا عليه السنة التي منها هذه الرواية فهي من حيث الدلالة تامة.

و منها رواية أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- ع- أي ساعة كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يوتر؟ فقال على مثل مغيب الشمس الى صلاة المغرب «1».

و المناقشة في سندها باعتبار إسماعيل بن أبي سارة مدفوعة بأنه قد روى

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 113

..........

______________________________

عنه عن ابن أبي عمير كما في محكي الوافي و قد مر انه لا يروى إلا عن ثقة كما ان الإيراد على دلالتها بأنه لو كان الوقت مذكورا قبل صلاة المغرب بحيث كانت هكذا: الى وقت صلاة المغرب لدلت

الرواية على وجود فصل زماني بين غروب الشمس و بين وقت صلاة المغرب و لكن الوقت غير مذكور قبلها فغاية مفادها- ح- ان نفس صلاة المغرب و الإتيان بها كان متأخرا عن الاستتار و انه- ص- لم يكن يأتي بها عنده بل يفصل عادة للجماعة و الأذان و الإقامة، قابل للدفع بأنه كما لم يكن الوقت مذكورا في الرواية كذلك لا تعرض لها لفصل النبي- ص- بين الغروب و بين صلاة المغرب بل المذكور فيها هو الفصل بينه و بينها مطلقا و هو لا يتم الا بعد ثبوته بينهما بالإضافة الى كل أحد و لو من أراد الصلاة منفردا و قد حصل المقدمات قبل الوقت كما هو ظاهر فهذه الرواية سليمة من حيث السند و الدلالة.

و منها: صحيحة بكر بن محمد عن أبي عبد اللّٰه- ع- انه سأله سائل عن وقت المغرب فقال: ان اللّٰه يقول في كتابه إبراهيم: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال: هذا ربى، و هذا أول الوقت و آخر ذلك غيبوبة الشفق، و أول وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة و آخر وقتها الى غسق الليل يعنى نصف الليل «1».

و قد أورد على الاستدلال بها بأن الأنجم قد ترى قبل ذهاب الحمرة و تجاوزها عن قمة الرأس بزمان و لا تتوقف رؤية الكوكب على تجاوز الحمرة فهي دالة على تحقق المغرب بسقوط القرص.

و يدفعه- مضافا الى كونه خلاف الوجدان- رواية شهاب بن عبد ربه قال:

قال أبو عبد اللّٰه- ع- يا شهاب انى أحب إذا صليت المغرب ان أرى في السماء كوكبا. «2» فان ظهورها في تأخر رؤية الكوكب عن سقوط القرص و استتاره

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح-

6.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 114

..........

______________________________

لا مجال لإنكاره ضرورة انه بناء على الملازمة بينه و بين السقوط لا وجه للتعبير بكونه محبوبا لعدم جواز التقديم على كلا القولين فهي تدلنا على التأخير عنه و ان كان التعبير عن التأخير بكونه محبوبا لا يدل على كونه امرا لازما حتميا الا انها تصير مبنية للرواية المصرحة بكون الرؤية أول الوقت و اشتمال سند هذه الرواية على محمد بن حكيم لا يقدح بعد رواية ابن أبي عمير و صفوان عنه كما في محكي الوافي و منها ما رواه محمد بن على قال: صحبت الرضا- عليه السّلام- في السفر فرأيته يصلى المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعنى السواد. «1».

و أورد على الاستدلال به- مضافا الى ضعف السند بمحمد بن على لعدم توثيقه و الى ان فعله- عليه السّلام- لا دلالة له على ان الاستتار ليس بوقت لصلاة المغرب لاحتمال انه كان يصلى بعد تحقق وقتها لاستحبابه لاستحباب المس بالمغرب قليلا- بأن الفحمة إنما تقبل بالاستتار كما ان البياضة عند الفجر انما تقبل بطلوع القرص عن تحت الأفق فإن الشمس بمجرد دخولها تحت الأفق يشاهد ان الفحمة أخذت بالارتفاع فتصاعد متدرجا و لا ملازمة بين إقبال الفحمة و زوال الحمرة المشرقية و تجاوزها عن قمة الرأس.

و لكن هذا الإيراد مبنى على كون المراد بالسواد هي الحمرة مع انه يمكن ان يقال ان المراد بالفحمة هو السواد الحاصل بعد ذهاب الحمرة المشرقية فإنه بذهابها و تجاوزها عن قمة الرأس يقبل السواد من المشرق و يتصاعد على التدريج فتدبر.

و منها: رواية عمار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه- عليه

السّلام- قال إنما أمرت أبا الخطاب ان يصلى المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب و كان يصلى حين يغيب الشفق. «2»

و أورد عليها أيضا مضافا الى ضعف السند بعلى بن يعقوب بان اشتمال الرواية

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 8.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 115

..........

______________________________

على لفظة «مطلع الشمس» الظاهرة في خصوص نقطة خروجها يمنع عن الدلالة على مذهب المشهور بل ظاهرها هو ان الاعتبار بارتفاع الحمرة من خصوص نقطة طلوع الشمس و هذا ملازم للاستتار.

و يدفعه ان ذيل الرواية شاهد على انه ليس المراد من هذه اللفظة خصوص النقطة المذكورة بل المراد الناحية و السمت و مفادها انه- عليه السّلام- أمر أبا الخطاب بان يصلى حين زالت الحمرة المشرقية فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب و بعبارة أخرى ظاهر الرواية ان المخالفة مع أمر الإمام انما هو بتبديل الحمرة المشرقية بالمغربية مع انه لو كان المراد هي الحمرة الزائلة عن خصوص نقطة طلوع الشمس لأمكنت المخالفة بطريق آخر كما لا يخفى.

و منها: موثقة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال لي: مسوا بالمغرب قليلا فان الشمس تغيب من عندكم قبل ان تغيب من عندنا. «1»

وجه الدلالة بعد حمل الرواية على صورة توافق البلدين في الأفق لضرورة الفقه و قيامها على ان المدار في طلوع الشمس و غروبها انما هو على الطلوع و الغروب عند كل شخص و بلده و البلد ان الموافقة له في الأفق و الا فمقتضى كرواية الأرض تحقق الغروب و الطلوع في جميع

الآنات في الأمكنة المختلفة ان ظاهر التعليل غيبوبة الشمس واقعا في بلد قبل غيبوبتها كذلك في بلد آخر موافق له في الأفق فلا بد من المس بالمغرب قليلا لتتحقق الغيبوبة في جميع البلاد الموافقة له في الأفق و هذا لا ينطبق الا على القول باعتبار ذهاب الحمرة المشرقية و على ما ذكرنا لا يبقى وجه لحمل التعليل على غروب الشمس عن النظر في بلد لمكان جبل و نحوه كما انه لا وجه لحمل الأمر بالمس على الاستحباب بدعوى ان المس شيئا ما يتحقق بالانتظار إلى رؤية الكوكب المتحققة قبل تجاوز الحمرة عن قمة الرأس فإنه مضافا الى ما عرفت من شهادة بعض الروايات بتأخر الرؤية عن الاستتار و البعض

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 116

..........

______________________________

الأخر قد صرح بأنها هي أول الوقت يرده ان التعليل بذلك لا يلائم مع الاستحباب كما لا يخفى.

و منها موثقة عبد اللّٰه بن وضاح قال: كتبت الى العبد الصالح- ع-: يتوارى القرص و يقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا و تستتر عنا الشمس و يرتفع فوق الجبل حمرة، و يؤذن عندنا المؤذنون أ فأصلي حينئذ و أفطر إن كنت صائما أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب الىّ: أرى لك ان تنتظر تذهب الحمرة و تأخذ بالحائطة لدينك. «1»

و في الرواية احتمالان.

أحدهما ان يكون السؤال عن الغروب الشرعي الذي رتب عليه أحكام في الشريعة بحيث كان السائل مرددا بين ان يكون المراد به هو الاستتار الذي كان هو المدار عند الناس و عليه يقع الأذان و بين ان يكون المراد به هو ذهاب الحمرة المشرقية فالشبهة-

ح- شبهة حكمية مرجعها إلى السؤال عن بيان الغروب في الشرع.

و يبعّد كون المراد ذلك انه بناء عليه لا معنى لإلزام الأخذ بالاحتياط فإن الإرجاع إليه لا يناسب مقام العلم بجميع الأحكام الإلهية الثابت في الأئمة المعصومين- ع- بلا إشكال الا ان يقال المراد هو بيان الحكم الواقعي في قالب الاحتياط لرعاية التقية لكنه انما يتم لو لم يكن للرواية محمل آخر مع ان هذا الاحتمال إنما يبتنى على كون المراد من الحمرة هي الحمرة المشرقية و ليس في الرواية دلالة عليه فان الظاهر ان المراد منها هي الحمرة المحاذية للقرص المرتفعة فوق الجبل الذي يكون في ناحية المغرب الكاشفة عن عدم استتاره و دعوى انه لا شاهد على كون المراد من الجبل هو الواقع في تلك الناحية و من الممكن ان يكون المراد منه هو الجبل الواقع في المشرق و عليه فالمراد بالحمرة هي

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 117

..........

______________________________

الحمرة المشرقية مدفوعة بظهور كون المراد منه هو الجبل الذي استترت الشمس خلفه.

ثانيهما ان يكون مورد السؤال هي الشبهة الموضوعية بحيث كان الاعتبار بالاستتار محرزا عند السائل و انما شكه في تحققه و عدمه و منشأه حيلولة الجبل و استتار القرص خلفه و لكن الحمرة المرتفعة فوق الجبل تكشف ظنا عن عدم استتاره عن الأفق بالمرة و عليه فالأمر بالأخذ بالاحتياط انما هو في مورد الشبهة الموضوعية و منشأه استصحاب بقاء النهار و عدم تحقق الاستتار و الظاهر من الرواية هذا الاحتمال و عليه فلا دلالة لها على مرام المشهور لو لم نقل بدلالتها على الخلاف من جهة ابتناء السؤال على مفروغية

الاعتبار بالاستتار فتدبر.

و منها رواية محمد بن شريح عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال: سألته عن وقت المغرب، فقال: إذا تغيرت الحمرة في الأفق، و ذهبت الصفرة و قبل ان تشتبك النجوم. «1».

و أورد عليها مضافا الى انها ضعيفة السند بعلى بن الحارث- لجهالته- و بكار- لعدم توثيقه- بقصور دلالتها لان تغير الحمرة انما يتحقق عند دخول الشمس تحت الأفق و هو زمان ذهاب الصفرة في قبال اشتباك النجوم و ذهاب الشفق.

أقول و ان لم تكن في الرواية دلالة على كون المراد بالحمرة هي الحمرة المشرقية و عليه فيحتمل بدوا ان يكون المراد بها هي الحمرة المغربية الا ان ظهور السؤال في كونه عن أول الوقت- كما في جميع الروايات المغربية الا ان ظهور السؤال في كونه عن أول الوقت- كما في جميع الروايات التي عبر فيها عن أول الوقت بذلك- قرينة على كون المراد هي الحمرة المشرقية و عليه فالمراد بتغيرها هو تغيرها الى السواد و هو الحاصل بعد الذهاب و التجاوز عن قمة الرأس كما ان المراد من ذهاب الصفرة لا يكون امرا آخر وراء تغير الحمرة بل هو بمعناه.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 118

..........

______________________________

نعم ربما يقال ان ذيل الرواية يكون بصدد بيان آخر الوقت و لكنه يدفعه رواية جارود قال: قال أبو عبد اللّٰه- ع- يا جارود ينصحون فلا يقبلون، و إذا سمعوا بشي ء نادوا به، أو حدثوا بشي ء أذاعوه، قلت لهم: مسوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم فأنا الان أصليها إذا سقط القرص. «1» فان ظاهرها ان النظر في الإتيان بصلاة المغرب قبل اشتباك النجوم انما هو

الى أول وقتها و هو الذي خالفوا فيه الامام- ع- فتركوها قبل الاشتباك فتدبر.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا تمامية أكثر الروايات الدالة على اعتبار ذهاب الحمرة المشرقية من حيث السند و الدلالة و لا بد من الجمع بينها و بين اخبار الاستتار على تقدير إمكانه، و على فرض عدم الإمكان من بيان ان الترجيح مع أيهما فنقول:

قد ذكر للجمع وجوه:

أحدها ما افاده سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قدس سره- مما يرجع الى ان الاحتمالات المتصورة الجارية في اخبار الاستتار أربعة:

الأول: ان يكون المراد هو استتار الشمس و غيبوبتها عن نظر المصلى و لو كان هناك حاجب من الجبل و الطل و نحوهما.

الثاني: ان يكون الاعتبار باستتارها عن أرض المصلى بحيث لا يكاد يراها أحد من الساكنين في أرضه و لو لم يكن حاجب و مانع.

الثالث: ان يكون الاعتبار باستتارها عن أرض المصلى و كذا عن جميع الأراضي الموافقة لها من حيث الأفق.

الرابع: ان يكون المراد استتارها عن الأفق الحقيقي المنصف للكرة.

و كلمة الاستتار و الغيبوبة و ان لم تكن مجملة من حيث المفهوم الا انه يجرى فيها باعتبار المستور عنه هذه الاحتمالات الأربعة و تصير الروايات من هذه الجهة

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 119

..........

______________________________

مجملة و عليه فيمكن ان يقال بان اخبار الحمرة ترفع الإجمال لأن التنافي بين الطائفتين إنما يتوقف على كون المراد من اخبار الاستتار واحدا من الاحتمالين الأولين ضرورة انه لو كان المراد منها واحدا من الأخيرين لا يكون بينهما تعارض أصلا و عليه فلا مانع من الالتزام بان اخبار الحمرة حاكمة عليها و مفسرة للمراد منها و

شارحة لما هو المستور عنه و ناظرة الى ان المراد من الغيبوبة ليس هي الغيبوبة عن نظر المصلى أو أرضه فقط بل الغيبوبة عن جميع الأراضي المتساوية لها في الأفق أو عن جميع نقاط الأفق الحقيقي.

أقول: و ان كان يؤيد هذا الجمع رواية بريد بن معاوية المتقدمة التي تدل على ثبوت الملازمة بين غيبوبة الحمرة من جانب المشرق و غيبوبة الشمس من شرق الأرض و غربها نظرا الى دلالتها على ان الاعتبار ليس بمجرد الغيبوبة بل بالغيبوبة من شرق الأرض و غربها بناء على ما فسرناه من ان المراد من الشرق و الغرب هو جميع الأراضي المتوافقة في الأفق لئلا يلزم الكذب و الى ان غيبوبة الشمس كذلك لا تتحقق الا بذهاب الحمرة من المشرق فالرواية تدل من ناحية على عدم اعتبار مجرد الغيبوبة و من ناحية أخرى على ان الغيبوبة المعتبرة لا تتحقق الا بذهاب الحمرة المشرقية و من هذه الجهة تصير شاهدة للجمع المذكور.

الا انه يأبى عن الجمع بهذه الكيفية بعض اخبار الاستتار كمرسلة على ابن الحكم المتقدمة الدالة على ان غيبوبة القرص انما هو بان تنظر اليه فلم تره و رواية زرارة المتقدمة أيضا المشتملة على قول أبي جعفر- عليه السّلام-: وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيت بعد ذلك و قد صليت أعدت الصلاة .. فإنه لو كان المراد من الغيبوبة هو ما ذكر لامتنع فرض الرؤية بعد ذلك، و رواية ربيع بن سليمان و ابان بن أرقم و غيرهم قالوا: أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلى و نحن ننظر الى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلى و نحن ندعوا عليه حتى صلى ركعة

و نحن ندعوا عليه و نقول: هذا شباب من شباب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 120

..........

______________________________

أهل المدينة فلما أتيناه إذا هو أبو عبد اللّٰه جعفر بن محمد- عليه السّلام- فنزلنا فصلينا معه و قد فاتتنا ركعة فلما قضينا الصلاة قمنا اليه فقلنا: جعلنا فداك هذه الساعة تصلي؟! فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت. «1» فإنه لو كان المراد من غيبوبة الشمس هو استتارها من جميع الأراضي المتساوية في الأفق لما كان وجه لاعتراضهم عليه- عليه السلام- و لما كان وجه لبقاء شعاع الشمس و نظرهم إليه فإنه مع ذهاب الحمرة المشرقية لا يبقى لشعاع الشمس اثر فلا محيص عن ان يكون المراد هو استتار القرص عن أرض المصلى و نظره و لا منافاة بينه و بين بقاء الشعاع و النظر إليه لإمكان ان يكون الشعاع خلف الجبل إلى ناحية المغرب و قد رآه الجماعة من أعلى الجبل كما قد حكى ذلك عن الشيخ- قده- و ان كان يبعده قلة الفاصلة بين ثبوت النظر الى الشعاع و درك الصلاة معه- ع- بحيث لم تفت إلا ركعة واحدة فقط فتدبر و كيف كان فالرواية آبية عن الجمع المذكور.

ثانيها: ما أفيد من حمل أخبار الحمرة على إرادة ان زوال الحمرة طريق قطعي إلى غياب الشمس عن دائرة الأفق بحيث لا يبقى احتمال كونها محجوبة بحائل من جبل أو غيره و لا سيما و ان تصرف الشارع الأقدس في الغروب و في الليل و نحوهما مما جعل مبدأ الوقت لو كان ثابتا لاشتهر النقل عنه لتوفر الدواعي اليه للابتلاء به في كل يوم فحمل لزوم الانتظار على كونه حكما ظاهريا عند الشك اولى

من حمله على كونه حكما واقعيا لتصرف الشارع الأقدس في مفهوم الغروب و يشير اليه اختلاف اخبار الذهاب في التعبير عنه تارة بزوال الحمرة و اخرى بتغيرها و ثالثة بالتأخير قليلا كما في رواية يعقوب بن شعيب المتقدمة و ملاحظة التعليلات الواردة فيها.

و يرد عليه عدم دلالة شي ء من اخبار الحمرة بل و عدم إشعاره بكونه

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 23.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 121

..........

______________________________

حكما ظاهريا مجعولا لخصوص الشاك في الاستتار بل ظاهرها كونه حكما واقعيا مجعولا للجميع فالتصرف فيها بالحمل على الحكم الظاهري تصرف بلا قرينة.

مضافا الى ان لازمة جعل الانفصال- اى انفصال الحمرة عن المشرق امارة للشاك لملازمة سقوط القرص مع انفصالها عن نقطة المشرق فلا وجه لجعل الامارة زوالها عن قمة الرأس المستلزم لتأخير صلاة المغرب عن أول وقتها بما يتجاوز عن عشر دقائق مع شدة العناية بوقوعها في أول وقتها بحيث ورد فيها التبري و اللعن على من أخرها طلبا لفضلها و ان كان يمكن تنزيله على أمر آخر و كيف كان فهذا الحمل و الجمع مما لا سبيل إليه أصلا.

ثالثها: حمل أخبار الحمرة على ان المراد بزوالها هو انفصالها عن نقطة المشرق و لو بقدر أصابع و ان لم يصل الى قمة الرأس فضلا عن التجاوز عنها لان زوال الحمرة بهذا المعنى مقارن لاستتار القرص عن النظر.

و يدفعه- مضافا الى ظهور بعضها بل صراحية في اعتبار التجاوز عن قمة الرأس كما عرفت في مرسلة ابن أبي عمير و ظهور أكثرها في زوالها عن ناحية المشرق بالكلية بحيث لا يرى الناظر حمرة في تلك الناحية أصلا- انه لو كان المراد من

اخبار الحمرة هو ما يدل عليه اخبار الاستتار و لم يكن فتوى أئمتنا المعصومين- صلوات اللّٰه عليهم أجمعين- مخالفة لفتوى فقهاء سائر المسلمين لما كان وجه لإلقاء هذه الكلمة الموهمة للخلاف بين شيعتهم مع عدم ترتب فائدة عليه الا التعرض للخطر و المهلكة خصوصا مع كون غرضهم- عليه السّلام- مراعاة الاتحاد و عدم الاختلاف مهما أمكن فهذا الجمع أيضا لا سبيل اليه بوجه.

رابعها: حمل أخبار الحمرة على الاستحباب و الفضيلة.

و يدفعه ان هذا تصرف في ظواهر تلك الاخبار من غير دلالة مع انه لا يناسب فضيلة أول الوقت و شدة العناية بالإتيان بجميع الصلوات في أول أوقاتها خصوصا صلاة المغرب على ما عرفت، و مع وقوع أكثرها في مورد السؤال عن أول وقت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 122

..........

______________________________

المغرب و عدم وقوعها بلسان الأمر الذي يسهل حمله على الاستحباب بل بلسان أخر لا يلائم مع هذا الحمل أصلا فراجع.

ثم انه لو لم يمكن الجمع بين الاخبار بحيث يخرجها عن موضوع المتعارضين و وصلت النوبة إلى إعمال قواعد التعارض فنقول موافقة اخبار الحمرة مع الشهرة الفتوائية المحققة ترجحها على اخبار الاستتار و الظاهر عدم ثبوت الشهرة للفتوى بالاستتار و ان عرفت ان تعبير المحقق- قده- يشعر بثبوتها و ذلك لعدم ثبوت الشهرة بمجرد فتوى جماعة قليلة خصوصا مع دعوى الإجماع على خلافها كثيرا و مع كونه شعارا للشيعة و مزية لهم لم يعرفها المخالف و المؤلف.

و لو أبيت إلا عن وجود الشهرة في كلا الطرفين غاية الأمر اشهرية أحد القولين فنقول مخالفة أخبار الحمرة للعامة و موافقة اخبار الاستتار لهم توجب الأخذ بالأولى و طرح الثانية خصوصا في مثل هذه المسألة

التي كانت ضرورية عند سائر الفرق و كان اعتقادهم ان ذلك مأثورا عن النبي- ص- و ان عمله كان كذلك دائما و عليه فلا مجال الا لحمل اخبار الاستتار على التقية.

ثم انه حكى عن المحقق الوحيد البهبهاني- قده- انه استدل على عدم اشتراط ذهاب الحمرة و ان الاعتبار انما هو بالاستتار بأنه لو اعتبرت الحمرة المشرقية من حيث دلالتها على تحقق الغروب، لاعتبرت الحمرة المغربية من حيث دلالتها على الطلوع بالنسبة إلى صلاة الصبح و- ح- يلزم ان يكون الإتيان بصلاة الصبح بعد ظهور الحمرة في ناحية المغرب و قبل ظهور القرص من ناحية المشرق إتيانا بها في غير وقتها مع ان المعلوم خلاف ذلك للاتفاق على وقوعها في وقتها لو اتى بها كذلك.

و أجاب عنه في الجواهر بوجوه أربعة:

الأول: انه قد التزم بذلك في ناحية الطلوع بعض الأصحاب كالشهيد الثاني- قده- في المقاصد العلية و صاحب كشف اللثام و يدل عليه رواية دعائم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 123

..........

______________________________

الإسلام عن الصادق- عليه السّلام-: ان آخر الوقت ان يحمر أفق المغرب، و كذلك عبارة فقه الرضا حيث قال: آخر وقت الفجر ان تبدو الحمرة في أفق المغرب.

الثاني: إمكان الفرق بين الحمرتين خصوصا بعد قوله- ع- في بعض الروايات المتقدمة: ان المشرق مطل على المغرب اى مشرف عليه فان ظاهره اشراف المشرق و ارتفاعه بالنسبة اليه و- ح- فظهور الحمرة في جانب المغرب لا يدل على طلوع الشمس بخلاف زوالها في ناحية المشرق فإنه يدل على الغروب.

الثالث: ان هذا اجتهاد في مقابل النص فلعل الشارع اعتبر ذلك في الغروب دون الطلوع و يؤيده عدم تعرض الأصحاب له و هو ظاهر بل

صريح في عدم اعتباره فيه.

الرابع: ان هذا قياس مع الفارق إذ وقت المغرب مسبوق بوقت صلاة العصر و هذا بخلاف صلاة الفجر فان استصحاب بقاء وقته يقتضي عدم انقطاعه الا بيقين على الخلاف و هو لا يحصل الا بظهور قرص الشمس. و بعبارة أخرى:

ذهاب الحمرة المشرقية علامة على تيقن الغروب الذي هو المعيار في صحة صلاة المغرب و انقطاع استصحاب عدمه بخلاف الحمرة المغربية فان أقصاها حصول الشك بذلك و هو لا ينقض اليقين بالوقت.

و لكنه استشكل هو في هذا الوجه الأخير بأن هذا الجواب جيد لو لا ظهور النصوص و الفتاوى في خلافه فان ظاهرها كون زوال الحمرة علامة للغروب نفسه لا لتيقنه.

و أجاب عن البهبهاني- قده- سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قده- بوجهين آخرين:

أحدهما ان الاعتبار في صلاة المغرب و ان كان بالغروب و في آخر وقت صلاة الصبح بالطلوع و لكنه لما كان العلم بتحققهما غالبا غير ميسر مضافا الى كون عدمهما موردا للاستصحاب فلا محالة حكم الشارع في ناحية صلاة المغرب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 124

..........

______________________________

بلزوم تأخيرها الى ان تزول الحمرة المشرقية تحفظا لها عن الوقوع في غير الوقت من دون دليل و حجة على دخوله، و حكم في ناحية صلاة الصبح بجواز الإتيان بها الى طلوع الشمس من جهة دلالة الأصل العقلائي و هو الاستصحاب على بقائه و بالجملة فقد حكم الشارع في الطرفين على طبق الأصل العقلائي بالحكم الواقعي لا انه أمر بالعمل بالاستصحاب بل لاحظ في حكمه الواقعي الاستصحاب العقلائي و حكم على طبقه.

و يرد عليه- مضافا الى انه لا معنى لان يكون الحكم الظاهري مبنى للحكم الواقعي فإن المجعول وظيفة للجاهل كيف

يصير مبنى للحكم الواقعي الذي لا يختص بالجاهل- انه لو كان الوقت الواقعي متوقفا دخوله على زوال الحمرة المشرقية فلا مجال لدعوى ان لزوم التأخير إليها انما هو لأجل التحفظ عن الوقوع في غير الوقت و لو لم يكن متوقفا على دخوله لما كان وجه للزوم التأخير بالإضافة إلى العالم بدخوله و لو لم يتحقق زوالها.

ثانيهما: ان صلاة المغرب من الصلوات الليلية بمعنى ان الاعتبار في طرف المغرب انما هو بدخول الليل لا بتحقق الغروب و التعبير بالغروب كما في الاخبار انما هو لملاحظة ما عليه المسلمون غير الإمامية و لا يكون ذلك مضرا بالمطلوب بعد تفسيره بما ينطبق على دخول الليل و من المعلوم ان دخول الليل لا يتحقق إلا بغيبوبة الشمس مع جميع توابعها التي أخرها الحمرة المشرقية و هذا بخلاف صلاة الفجر فإنها من الصلوات اليومية و يمكن ان يكون الاعتبار فيها من جهة انتهاء وقتها و انقضاء أجلها بحسب مقام الثبوت بنفس الطلوع و يؤيد ما ذكر من كون العبرة في صلاة المغرب بدخول الليل و انها من الصلوات الليلية بعض الروايات الواردة في الباب كصحيحة بكر بن محمد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سأله سائل عن وقت المغرب فقال ان اللّٰه تعالى يقول في كتابه لإبراهيم فَلَمّٰا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأىٰ كَوْكَباً قٰالَ هٰذٰا رَبِّي، و هذا أول الوقت و آخر ذلك غيبوبة الشفق .. و يشهد له

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 125

..........

______________________________

أيضا قوله تعالى ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ فان وقت الإفطار و صلاة المغرب واحد كما هو ظاهر. هذا تمام الكلام في ابتداء وقت المغرب.

الجهة الثانية: في آخر وقت فريضة

المغرب و نقول:

قد اختلفت الآراء في هذه الجهة فصارت الأقوال متكثرة. أما العامة فمحصل أقوالهم باعتبار الاختلاف في معنى الشفق أيضا يرجع الى أربعة:

أحدها: القول بامتداده الى زمان غيبوبة الشفق و هو الحمرة و هو مذهب من عدي أبي حنيفة من القائلين بالامتداد الى الشفق و ثانيها: هذا القول و لكن المراد بالشفق هو البياض الغربي اختاره أبو حنيفة. و ثالثها ضيق وقت المغرب قاله الشافعي حيث ذكر ان وقت المغرب وقت واحد و هو إذا غابت الشمس و تطهر و ستر العورة و اذن و اقام فإنه يبتدئ بالصلاة في هذا الوقت فإن أخر عنه فاته و رابعها امتداد وقت المغرب الى طلوع الفجر الثاني ذهب اليه مالك.

و اما أصحابنا الإمامية فقد ذكر في الحدائق ان المشهور انه يمتد الى ان يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء و هو اختيار السيد المرتضى في الجمل و ابن الجنيد و ابن زهرة و ابن إدريس و المحقق و ابن عمه نجيب الدين و سائر المتأخرين.

و قال الشيخ في أكثر كتبه: أخره غيبوبة الشفق المغربي للمختار و ربع الليل مع الاضطرار و به قال ابن حمزة و أبو الصلاح. و قال في الخلاف: آخره غيبوبة الشفق و أطلق و به قال ابن البراج.

و حكى الشيخ في الخلاف القول بالامتداد الى طلوع الفجر عن بعض أصحابنا و صرح المحقق في محكي المعتبر بامتداد العشاءين الى طلوع الفجر للمضطر و تبعه صاحب المدارك و شيده و تبعه جملة ممن تأخر عنه.

و منشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب فنقول: انها على خمس طوائف:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 126

..........

______________________________

الطائفة الأولى ما ظاهره التضيق كرواية

زيد الشحام قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن وقت المغرب فقال: ان جبرئيل اتى النبي- ص- لكل صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فان وقتها واحد و ان وقتها وجوبها. «1»

و رواية أديم بن الحر قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول ان جبرئيل أمر رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- بالصلوات كلها فجعل لكل صلاة وقتين الا المغرب فإنه جعل لها وقتا واحدا. «2»

و لكن هذه الطائفة مضافا الى معارضتها لبعض الروايات الدالة على ثبوت الوقتين لصلاة المغرب أيضا و سيأتي التعرض له و لما هو المقصود من ثبوت الوقتين لكل صلاة إن شاء اللّٰه تعالى لا دلالة لها على التضييق بمثل ما قال به الشافعي لبعض الروايات الآتية الواردة في ان أخر الوقت سقوط الشفق المصرحة بثبوت الوقت الواحد للمغرب و بان وقت فوتها سقوط الشفق أيضا فيعلم من ذلك ان ثبوت الوقت الواحد لا يستلزم التضيق بوجه، و يؤيده أيضا التعبير بالضيق في وقت المغرب مع التصريح بان آخر وقتها ذهاب الحمرة في رواية إسماعيل بن مهران الآتية فهذه الطائفة لا تدل على الضيق الاصطلاحي أصلا مع انه لا قائل به بين الإمامية كما عرفت.

الطائفة الثانية ما تدل على ان آخر وقتها زوال الشفق أو الحمرة:

كصحيحة زرارة و الفضيل قالا قال أبو جعفر- عليه السّلام- ان لكل صلاة وقتين غير المغرب فان وقتها واحد و وقتها وجوبها، و وقت فوتها سقوط الشفق. «3»

و رواية إسماعيل بن مهران قال: كتبت الى الرضا- عليه السّلام-: ذكر أصحابنا انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر و إذا غربت دخل وقت المغرب

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن عشر ح-

1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن عشر ح- 11.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 127

..........

______________________________

و العشاء الآخرة الا ان هذه قبل هذه في السفر و الحضر و ان وقت المغرب الى ربع الليل فكتب: كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق و آخر وقتها ذهاب الحمرة و مصيرها الى البياض في أفق المغرب. «1»

و رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال: سألته عن وقت المغرب قال: ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق. «2»

و صحيحة بكر بن محمد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- المتقدمة المصرحة بان آخر ذلك غيبوبة الشفق. «3»

و الطائفة الثالثة ما تدل على الامتداد الى ربع الليل و الظاهر انها لا تكون إلا رواية واحدة رواها عمر بن يزيد غاية الأمر أنها رويت بصور متعددة و قد جعلها في الوسائل روايات متعددة مع ان الظاهر عدم كونها إلا رواية واحدة فروى في الباب التاسع عشر من أبواب المواقيت:

الحديث الأول هكذا: عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد اللّٰه- ع- وقت المغرب في السفر الى ثلث الليل.

و الحديث الثاني: عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال: وقت المغرب في السفر الى ربع الليل.

و الحديث الثالث: قال الكليني: و روى أيضا الى نصف الليل. و ظاهره انه رويت هذه الرواية أيضا الى نصفه.

و الحديث الخامس: عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد اللّٰه- ع- وقت المغرب في السفر الى ربع الليل ثم قال، و رواه الكليني كما مر.

______________________________

(1) أورد صدره في الوسائل في الباب السابع عشر من أبواب المواقيت ح- 14 و ذيله في الباب الثامن

عشر من تلك الأبواب ح- 4

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن عشر ح- 14.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 128

..........

______________________________

و الحديث الثامن: عمر بن يزيد قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن وقت المغرب فقال: إذا كان ارفق بك و أمكن لك في صلوتك و كنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل فقال: قال لي هذا و هو شاهد في بلده.

و الحديث الحادي عشر: عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- ع- أكون مع هؤلاء و انصرف من عندهم عند المغرب فأمر بالمساجد فأقيمت الصلاة فإن أنا نزلت أصلي معهم لم استمكن (أتمكن- خ ل) من الأذان و الإقامة و افتتاح الصلاة فقال: ائت منزلك و انزع ثيابك و ان أردت أن تتوضأ فتوضأ وصل فإنك في وقت الى ربع الليل.

و الحديث الرابع عشر: عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّٰه- ع- أكون في جانب المصر فتحضر المغرب و انا أريد المنزل فإن أخرت الصلاة حتى أصلي في المنزل كان أمكن لي و أدركني المساء أنا أصلي في بعض المساجد؟ فقال: صل في منزلك.

و من الواضح ان هذه الأحاديث الستة لا يكون الا حديثا واحدا مرويا بعبارات مختلفة و لا يكون روايات متعددة و- ح- فلا يعلم ان المروي هل هو ربع الليل أو ثلثه أو نصفه و انه هل كان في خصوص السفر أو مطلق الحاجة أو الامكنية أو مطلقا و لم تكن هناك حاجة أو امكنية و عليه فلا يجوز الاستناد بالرواية أصلا لعدم تعين صورتها و عدم وضوح ما هو الصادر أصلا نعم القدر المتيقن

هو الامتداد الى النصف.

و الطائفة الرابعة ما يدل على الامتداد الى انتصاف الليل و هي:

رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- ع-: قال إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضى مقدار ما يصلى المصلى ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلى المصلي أربع ركعات، و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 129

..........

______________________________

المغرب و بقي وقت العشاء الى انتصاف الليل. «1»

و رواية عبيد بن زرارة- على ما رواه الشيخ- قده- عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل الا ان هذه قبل هذه. «2».

و مرسلة الكليني المتقدمة. «3».

و الطائفة الخامسة ما يدل على الامتداد الى طلوع الفجر اما مطلقا أو في موارد النوم و النسيان و الحيض و هي:

رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر و لا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس. «4»

و رواها الصدوق بالإرسال المعتبر قال: قال الصادق- عليه السّلام- لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتى تغرب الشمس و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر، و ذلك للمضطر و العليل و الناسي. «5»

و الظاهر انه لا مجال للمناقشة فيها من حيث السند كما ان الظاهر ان المراد من صلاة الليل هي الصلوات الليلية التي هي المغرب و العشاء في قبال صلاة النهار و صلاة الفجر. و التخصيص

بالمضطر و العليل و الناسي في ذيل رواية الصدوق لا يكون جزء للرواية و تتمة لها بل هو من اجتهاد الصدوق أورده في ذيل الرواية كما هو دأبه.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 4.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 11.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب التاسع عشر ح- 3.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 9.

(5) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 130

..........

______________________________

نعم يمكن ان يقال بعدم ثبوت الإطلاق للرواية مع عدم الذيل أيضا خصوصا مع التعبير بعدم الفوت الظاهر في عدم كون التأخير اختيارا و ان كانت قرينة السياق تقتضي جواز التأخير اختيارا كما في الظهرين و فريضة الصبح و بالجملة لم يثبت للرواية من حيث هي إطلاق يقتضي امتداد الوقت الى طلوع الفجر و لو في حال الاختيار فتدبر.

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: ان نام رجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما و ان خشي ان تفوته إحديهما فليبدأ بالعشاء الآخرة و ان استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، فان خاف ان تطلع الشمس فتفوته احدى الصلاتين فليصل المغرب و يدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها ثم ليصلّها. «1»

و رواية ابن مسكان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال ان نام رجل أو نسي ان يصلى المغرب و العشاء الآخرة فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما، و ان خاف ان تفوته إحديهما فليبدأ بالعشاء الآخرة و ان استيقظ

بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس. «2»

و رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب و العشاء، و ان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت الظهر و العصر. «3»

و رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر و العصر و ان طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و الستون ح- 3

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و الستون ح- 4

(3) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 131

..........

______________________________

و العشاء. «1»

و رواية داود الزجاجي عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر و العصر و ان طهرت من آخر الليل صلت المغرب و العشاء الآخرة. «2»

و رواية عمر بن حنظلة عن الشيخ- ع- قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب و العشاء و ان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت الظهر و العصر. «3» و الاحتمالات الجارية في خصوص الاخبار الواردة في الحائض ثلاثة:

أحدها: ان تكون محمولة على الاستحباب كما حكى عن الشيخ- قده- ثانيها: ان تحمل على الوجوب و يكون المراد إتيانها إلى طلوع الفجر قضاء فتكون هذه الاخبار مخصصة للأخبار الدالة على عدم وجوب القضاء على الحائض إذا طهرت بعد انقضاء الوقت.

ثالثها: الحمل على الوجوب و كون المراد إتيانها اليه أداء لامتداد وقت العشاءين الى طلوع الفجر و الظاهر هو الاحتمال الأخير لظهورها في الوجوب و كون الإتيان

قبل طلوع الفجر انما هو بعنوان الأداء.

و لكنه ذكر المحقق الحائري- قده- في كتابه في الصلاة ان دليل وجوب الصلاة على الحائض إذا طهرت قبل الفجر بضميمة الأدلة الدالة على عدم ثبوت القضاء عليها إلا إذا طهرت في الوقت يقتضي ان يكون ما قبل طلوع الفجر وقتا لصلاة الليل.

و مرجعه الى عدم الاقتضاء مع عدم الضميمة و مبناه على ترجيح التخصص على التخصيص فيما إذا دار الأمر بينهما مع ان الظاهر ان مورد الترجيح ما إذا كان

______________________________

(1) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 10.

(2) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 11.

(3) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 132

..........

______________________________

مراد المتكلم مجهولا حيث انه بسبب أصالة العموم النافية للتخصيص يستكشف المراد و اما في مثل المقام مما إذا كان المراد معلوما لان المفروض ثبوت الوجوب بالنسبة إلى الحائض بعد الانتصاف سواء كان من باب التخصيص أو التخصص فلا مجال- ح- للتمسك بأصالة العموم و لكنك عرفت ظهورها في نفسها في ان الإتيان انما بنحو الأداء.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان التعارض المتراءى انما هو بين ثلاث طوائف من الطوائف المتقدمة و هي الأخبار الدالة على الشفق و اخبار الانتصاف و اخبار طلوع الفجر و- ح- نقول لا ينبغي الإشكال في ترجيح اخبار الانتصاف على اخبار الشفق لظهور الثانية في عدم جواز التأخير عن الشفق و صراحة الاولى في جواز التأخير عنه فتحمل اخبار الشفق على كونها بصدد بيان وقت الفضيلة بناء على كون اختلاف الوقتين انما هو بالفضيلة و الاجزاء كما هو الحق على ما سيأتي إن شاء

اللّٰه تعالى.

و اما اخبار الفجر فان كان مفادها الامتداد الى طلوع الفجر و لو في حال الاختيار اما بناء على دلالة رواية عبيد بن زرارة على الإطلاق و اما بناء على إلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في النائم و الناسي و الحائض فمضافا الى معارضتها للأخبار المتقدمة تكون مخالفة لظاهر الكتاب و هو قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ بناء على كون المراد بالفسق انتصاف الليل كما هو كذلك بحسب اللغة و الروايات المفسرة للاية التي تقدم بعضها، وجه المخالفة ان ظاهر الآية هو امتداد وقت المجموع الى الانتصاف و عدم جواز التأخير عنه فكيف يجتمع معه الامتداد الى طلوع الفجر اختيارا كما يدل عليه اخبار الفجر على ما هو المفروض نعم لا تنافي الآية الروايات الدالة على الامتداد الى الشفق لان مفادها شروع وقت المجموع بالزوال و انتهائه بالانتصاف و لازمة جواز الدخول في الصلاة الاولى بمجرد تحقق الزوال كما ان لازمة عدم امتداد وقت الآخرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 133

..........

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، در يك جلد، مؤلف، قم - ايران، اول، 1408 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة؛ ص: 133

______________________________

و عدم بقائه بعد الانتصاف و اما كون وقت الثالثة أيضا مستمرة إلى الانتصاف فلا دلالة للاية عليه فمن الممكن استمراره الى زوال الشفق كما انه لا دلالة للاية على جواز الشروع في الثانية بمجرد الزوال نعم يستفاد منها عدم جواز الشروع فبها قبل الزوال كما انه يستفاد منها عدم استمرار وقت الثالثة الى ما بعد الانتصاف و اما استمراره اليه فلا و

على ما ذكرنا فالاية انما تنفى اخبار الفجر فقط على خلاف ما صرح به بعض الاعلام من جعل الآية قرينة على التصرف في اخبار الشفق أيضا مع انه عرفت عدم ثبوت المنافاة بوجه.

و بالجملة لا محيص بملاحظة الآية من التصرف في اخبار الفجر بالحمل على موارد الاضطرار أو رفع اليد عنها لم يمكن الالتزام بالحمل المذكور.

و اما لو كان مفاد اخبار الفجر هو الامتداد إليه في الجملة و لو في خصوص مواردها من النائم و الناسي و الحائض فلا بد من ملاحظة أنها هل تكون معرضا عنها عند المشهور و لازمة سقوطها عن الحجية و لو بالنسبة إلى المضطر أم لا؟ قد يقال بعدم ثبوت الاعراض لانه مضافا الى ذهاب من تقدم الى القول بالامتداد الى الفجر يظهر من الشيخ- قده- في موضع آخر من محكي الخلاف عدم الخلاف في ذلك حيث قال: «إذا أدرك بمقدار يصلى فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف و ان لحق أقل من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا و كذلك القول في المغرب و العشاء الآخرة قبل طلوع الفجر» فان ظاهره عدم انقضاء الوقت الا بطلوع الفجر و ان ذلك محل اتفاق بين المسلمين من العامة و الخاصة و- ح- كيف يمكن دعوى الاعراض و ثبوت الشهرة على خلاف اخبار الفجر و يؤيدها الأخبار الكثيرة الدالة على حرمة تأخير العشاء عن انتصاف الليل و كذا ما دل على ثبوت كفارة صوم يوم على من أخر العشاء عنه و ان كان يجرى فيهما احتمال كون الحرمة و كذا الكفارة ليس لأجل خروج وقتها بذلك بل نفس الحكم بالحرمة ربما يشعر بعدم انقضاء الوقت فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الصلاة، ص: 134

..........

______________________________

و كيف كان فعلى تقدير عدم ثبوت الاعراض يكون مقتضى الجمع بين اخبار الفجر و بين الآية و روايات الانتصاف هو حملهما على بيان وقت المختار و حملها على موارد الاضطرار و لا مجال لحملها على التقية بعد كون الحمل عليها انما هو في مورد عدم إمكان الجمع من حيث الدلالة مضافا الى ان المشهور بين العامة غير ذلك فإن القائل بالامتداد الى الفجر منهم انما هو مالك على ما تقدم و الفتوى المشهورة هو الامتداد الى الشفق. و ما تقدم من عبارة الخلاف لا دلالة له على كون الامتداد الى الفجر مما لا خلاف فيه بينهم لان الجمع بين الصلاتين عندهم يختلف وجهه مع ما هو الوجه فيه عند الإمامية فإن الوجه فيه عندنا هو ثبوت الوقتين لكلتا الصلاتين فإذا التي بالظهرين بعد الزوال بلا فصل فهو جاز عندنا من حيث دخول وقت العصر بمجرد الفراغ عن الظهر كما انه لو اتى بهما في آخر الوقت يكون وجه جوازه بقاء وقت الظهر و عدم خروجه بعد و اما الجمع عندهم فهو عبارة عن وقوع احدى الصلاتين في الوقت المختص بالأخرى كان احدى الصلاتين تضيف الأخرى في وقتها و لذا يكون جوازه متوقفا على الدليل و لا يجوز إلا في موارد مخصوصة.

و كيف كان فحمل اخبار الفجر على التقية لا وجه له أصلا فاللازم الالتزام بالامتداد الى طلوع الفجر بالإضافة إلى المضطر و الأحوط عدم قصد الأداء و القضاء بل يأتي بها بقصد ما في الذمة.

بقي الكلام فيما يعرف به انتصاف الليل و ما هو المناط فيه فالمنسوب الى أكثر أهل اللغة و المفسرين و الفقهاء و المحدثين و الحكماء

الإلهيين و الرياضيين ان المناط نصف ما بين غروب الشمس و طلوع الفجر الثاني و ان ما بين الطلوعين يكون من النهار و نسب إلى جماعة قليلين كظاهر محكي الكفاية و ظاهر الذكرى و المفاتيح و شرحها ان المناط نصف ما بين غروب الشمس و طلوعها و ان ما بين الطلوعين يكون من الليل و احتمل ان يكون ما بين الطلوعين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 135

..........

______________________________

خارجا من الليل و النهار معا و عليه فالمراد من النصف أيضا ما في الاحتمال الأول.

هذا و قد أصرّ بعض الاعلام على ترجيح الاحتمال الثاني و حاصل ما يستفاد من كلامه في وجه تعينه أمور:

الأول قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ نظرا الى ان الغسق بحسب اللغة اما بمعنى ظلمة أول الليل أو بمعنى شدة ظلمة الليل و غايتها و مقتضى الأخبار الواردة في تفسير الغسق ارادة المعنى الثاني حيث فسر فيها بانتصاف الليل فيستفاد منها ان انتصاف الليل انما هو زمان شدة ظلمته و نهايتها و الا فليس الغسق بمعنى الانتصاف كما هو واضح ثم ان من المعلوم ان اشتداد الظلمة و نهايتها انما هو في النصف فيما بين غروب الشمس و طلوعها و سرّه ان ان أضاءة أية نقطة من الكرة الأرضية و تنورها انما تستند ان الى الشمس لا محالة فكلما قربت الشمس من نقطة من الأرض أخذت تلك النقطة بالاستضائة و التنور حتى يطلع الفجر فتصير تلك النقطة مضيئة و متنورة بمقدار ضئيل ثم تزداد تنورها و استضاءتها الى ان تطلع الشمس و تخرج عن تحت الأفق فتأخذ بالاشتداد شيئا فشيئا الى ان تبلغ دائرة نصف النهار

و هو نهاية ضيائها و تنورها لأنه نهاية اقتراب الشمس من الأرض فإن الشمس بعد ما بلغت الى تلك الدائرة تأخذ في الابتعاد و به تضعف استضاءة تلك النقطة و ينقص نورها حتى تغرب الشمس و تظلم تلك النقطة بمقدار قليل و كلما أخذت الشمس في الابتعاد عنها أخذت الظلمة فيها بالاشتداد الى ان تصل الشمس مقابل دائرة نصف النهار من تحت الأرض و لنعبر عنه بدائرة منتصف الليل و هذه نهاية الظلمة في تلك النقطة لانه غاية ابتعاد الشمس عنها فالمراد بالغسق شدة الظلام و هي انما تكون فيما إذا وصلت الشمس مقابل دائرة نصف النهار و هو الذي يسمى بمنتصف الليل فهو إذا عبارة عن منتصف ما بين غروب الشمس و طلوعها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 136

..........

______________________________

أقول هذا عمدة دليله و يمكن الإيراد عليه بان مقتضى ما افاده ان يكون مقدار الظلمة في الساعة التي ابتعدت الشمس عن الأرض بغروبها مساوية مع مقدارها في مثل تلك الساعة مما قربت الشمس إلى الأرض بطلوعها فيلزم ان يكون مقدار الظلمة في نصف ساعة إلى الطلوع مثلا مساويا لمقدارها في نصفها بعد الغروب مع انه من المحسوس بالوجدان تحقق الظلمة في أول الليل سريعا و ارتفاعها بين الطلوعين بطيئا و لا تكون الظلمتان متساويتين من حيث المقدار بوجه نعم ما افاده صحيح على تقدير ان يكون هناك مثلا دائرة حقيقية تدور عليها الشمس و فرضنا وقوع الأرض في وسطها الحقيقي مع انه لا يكون كذلك و قد مر في بعض الروايات السابقة و في الفرق بين الحمرة المشرقية في ناحية الغروب و الحمرة المغربية في ناحية الطلوع ثبوت الفرق بين المشرق

و المغرب و ان الأول مطل و مشرف على الثاني و عليه فيمكن تحقق اشتداد الظلمة و نهايتها قبل وصول الشمس إلى النقطة المقابلة لنقطة نصف النهار بحيث لم يكن بلوغها إلى المرتبة الشديدة من الظلمة متوقفا على مضى اثنتي عشرة ساعة من زوال الشمس بل متحققا قبل ذلك بأقل من ساعة كما يقول به المشهور و بالجملة فكون الغسق بمعنى شدة الظلمة لا يقتضي ما أفاده أصلا.

الثاني قوله عز من قائل أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ .. فإنه قد فسر طرفي النهار بالمغرب و الغداة و عليه فتدل الآية المباركة على ان الغداة طرف النهار لا من النهار كما هو كذلك في المغرب، و دعوى ان الطرف قد يطلق و يراد به مبدأ الشي ء و منتهاه من الداخل دون الخارج و المقام من هذا القبيل مندفعة بأن الطرف و ان كان كذلك الا انه حيث يكون أحد الطرفين في الآية المباركة هو المغرب على ما دلت عليه صحيحة زرارة و لا شبهة في انه طرف خارجي فبمقتضى المقابلة لا بدّ من ان يكون الطرف الأخر أيضا طرفا خارجيا فتدل الآية على ان الغداة كالمغرب خارجة عن النهار.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 137

..........

______________________________

و الجواب ان ظهور هذه الفقرة من الصحيحة في خروج الغداة عن النهار كالمغرب و ان كان لا ينبغي ان ينكر الا ان ذيل الصحيحة يدل بالصراحة على دخول الغداة في النهار و ان إطلاق الصلاة الوسطى على صلاة الظهر انما هو بلحاظ وقوعها وسطا بين صلوتين بالنهار و من الواضح كون النص أو الأظهر قرينة على التصرف في الظاهر دون العكس و عليه فلا مانع من ان يكون

المراد بأحد الطرفين هو الطرف الداخلي و بالآخر هو الطرف الخارجي و لعل الوجه في التفكيك عدم ثبوت الطرف الخارجي قبل الغداة لعدم ثبوت صلاة مفروضة قبل طلوع الفجر لانتهاء العشاءين بانتصاف الليل الذي هو معنى غسق الليل كما عرفت بخلاف المغرب الذي يكون الصلاة الواجبة فيه متصلة بالنهار و بالجملة لا مجال للمناقشة في كون الذيل قرينة على التصرف في الصدر و سيأتي التعرض لمفاد الصحيحة في الجواب عن الوجه الثالث فانتظر.

الثالث الروايات الدالة على تسمية الزوال نصف النهار كصحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على قوله- عليه السّلام-: و قال تعالى حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ و هي صلاة الظهر و هي أول صلاة صلاها رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- و هي وسط النهار و وسط صلوتين بالنهار .. «1» و تقريب الاستدلال بها ان من الظاهر ان نصف النهار يحسب من طلوع الشمس لا من طلوع الفجر و الا لم يكن الزوال نصف النهار بل كان متأخرا عنه بثلاثة أرباع الساعة نعم قوله- عليه السّلام- و وسط صلوتين بالنهار لا يخلو عن إجمال و غموض لدلالته على كون صلاة الغداة صلاة نهارية و هذا ينافيه التصريح بان وقت صلاة الظهر وسط النهار ففي الصحيحة تناقض ظاهر و لا بدّ من ارتكاب التأويل فيها بوجه بان يقال: ان صلاة الغداة إنما أطلقت عليها صلاة النهار نظرا الى امتداد وقتها الى طلوع الشمس و إشرافه عليه و جواز الإتيان بها قبل الطلوع بزمان قليل و ان لم يكن من الصلوات النهارية حقيقة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الباب الثاني ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 138

..........

______________________________

و مما

دل على تسمية الزوال نصف النهار روايات كثيرة واردة في الصائم الذي يريد السفر كصحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه سئل عن الرجل يخرج من بيته و هو يريد السفر و هو صائم قال: فقال: ان خرج من قبل ان ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم و ان خرج بعد الزوال فليتم يومه. «1»

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم .. «2»

أقول: اما الروايات الواردة في الصائم فغاية مفادها ان النهار انما يكون ابتدائه من أول طلوع الشمس دون طلوع الفجر و المدعى هو كون الطلوع- اى طلوع الشمس- آخر الليل و ان ما بين الطلوعين يكون من الليل و من الواضح عدم نهوض هذه الروايات لإثبات المدعى لانه يحتمل ان يكون ما بين الطلوعين خارجا من الليل و النهار معا و ضعف الدليل الدال عليه على ما افاده لا ينفى أصل الاحتمال بل غاية الأمر عدم إمكان إثباته بدليل و الا فاصل الاحتمال باق بحاله و بالجملة روايات الصوم لا تصلح لإثبات ما رامه كما هو ظاهر.

و اما الصحيحة فقوله- عليه السّلام- فيها: و هي وسط النهار و ان كان له ظهور في ان وقت صلاة الظهر و هو الزوال يكون وسط النهار بناء على تسليم ظهوره في كون المراد بالضمير هو وقت صلاة الظهر لا نفسها ضرورة ان نفس الصلاة لا تكون وسط النهار و من المحتمل إبقاء الضمير على حاله و ان المراد من وسط النهار هو وسط صلوتين بالنهار كما تدل عليه الجملة الواقعة بعده

و عليه فمفاد الجملتين واحد الا انه لا ينبغي الإشكال في تقدم ظهور الجملة الواقعة بعده على ظهور هذه الجملة لما عرفت من كون النص أو الأظهر قرينة على التصرف في الظاهر دون العكس و عليه فالمراد بوقوع صلاة الظهر وسط النهار هو وقوعها

______________________________

(1) الوسائل أبواب من يصح منه الصوم الباب الخامس ح- 2.

(2) الوسائل أبواب من يصح منه الصوم الباب الخامس ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 139

..........

______________________________

في الوسط التقريبي كما لا يخفى.

الرابع ما جعله مؤيدا لمرامه من الروايتين:

إحديهما رواية عمر بن حنظلة انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- فقال له: زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال: لليل زوال كزوال الشمس، قال:

فبأي شي ء نعرفه؟ قال بالنجوم إذا انحدرت. «1» نظرا إلى أنه لا بدّ من ان يراد بالنجوم النجوم التي تطلع في أول الليل و عند الغروب لأنها إذا أخذت بالانحدار بعد صعودها و ارتفاعها دل ذلك على انتصاف الليل لا محالة و اما النجوم الطالعة قبل الغروب فلا يكون انحدارها قرينة على الانتصاف لانحدارها قبله كما ان النجوم الطالعة بعد الغروب تنحدر بعد الانتصاف. و لا بدّ من ان يراد بها أيضا هي التي تدور في مدارات الشمس حيث ان لها مدارات مختلفة و إذا كان النجم موافقا مع الشمس في مداراتها يكون انحداره كانحدارها علامة للانتصاف و الزوال بخلاف صورة الاختلاف و الوجه في كون الرواية مؤيدة لا دليلا هو ضعف السند بعمر بن حنظلة لعدم توثيقه في الرجال.

ثانيتهما رواية أبي بصير عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال دلوك الشمس زوالها و غسق الليل بمنزلة الزوال من النهار. «2» و هي أيضا ضعيفة

بأحمد بن عبد اللّٰه القروي و جهالة ابن إدريس الى كتاب محمد بن على بن محبوب فلا تكون الرواية إلا صالحة للتأييد.

و يرد عليه- مضافا الى ان المحكي عن الشهيد انه وثق عمر بن حنظلة في شرح الدراية و روى في الكافي و التهذيب حديثان دالان على صدقه و ان كان فيهما مناقشة- ان الجواب عن السؤال الأول في الرواية الأولى مضطرب لان مرجع السؤال إلى مفروغية ثبوت الزوال الليل و ان محط نظر السائل هو طريق

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الخمسون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الخمسون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 140

..........

______________________________

معرفته و انه بأي شي ء يمكن تشخيصه و عليه فالجواب بثبوت الزوال لليل كثبوته للشمس مما لا يكاد ينطبق عليه. و اما حمل النجوم في الجواب الثاني على ما كانت فيه الخصوصيتان المذكورتان فمضافا إلى انه لا شاهد لهذا التقييد ان تشخيص النجوم الكذائية في غاية الإشكال فكيف يتيسر تشخيص النجوم الطالعة عند الغروب الدائرة في مدارات الشمس و عليه فلا بد اما من حمل الرواية على بيان الوقت التقريبي خصوصا مع كون منظور السائل هو تشخيص وقت صلاة الليل الداخل بالانتصاف كما لا يخفى و اما من إرجاعها إلى اهله و رده إليهم لعدم وضوح مراده خصوصا مع اضطراب الجواب عن السؤال الأول كما عرفت و اما رواية أبي بصير فغاية مفادها ان غسق الليل انما هو نصفه كما ان زوال الشمس نصف النهار و اما كون المناط في نصف الليل هو النصف من غروب الشمس الى طلوعها فلأدلة لها عليه أصلا كما لا يخفى.

و قد ظهر من جميع

ما ذكرنا انه لا شاهد لهذا القول الذي يرجع الى كون نصف الليل هي الساعة الثانية عشرة بعد زوال الشمس بل مقتضى الدليل هو ما ذهب اليه المشهور و ذكر صاحب الجواهر: «انه لا ينبغي ان يستريب عارف بلسان الشرع و العرف و اللغة ان المنساق من إطلاق اليوم و النهار و الليل في الصوم و الصلاة و مواقف الحج و القسم بين الزوجات و أيام الاعتكاف و جميع الأبواب ان المراد بالأولين من طلوع الفجر الثاني إلى الغروب و منه الى طلوعه بالثالث كما قد نص عليه غير واحد من الفقهاء و المفسرين و اللغويين فيما حكى عن بعضهم» ثم شرع في نقل أقوال جمع من المفسرين في الموارد المختلفة ثم استدل هو بآيات كثيرة مثل قوله تعالى سَلٰامٌ هِيَ حَتّٰى مَطْلَعِ الْفَجْرِ و قوله تعالى وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَ الصُّبْحِ إِذٰا أَسْفَرَ و قوله تعالى قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتٰاكُمْ عَذٰابُهُ بَيٰاتاً أَوْ نَهٰاراً و قوله تعالى أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ* أو فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ* و قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ و قوله تعالى فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ و قوله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 141

..........

______________________________

تعالى قُمِ اللَّيْلَ إِلّٰا قَلِيلًا و قوله فٰالِقُ الْإِصْبٰاحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً و قوله تعالى وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبٰارَ السُّجُودِ و غير ذلك من الآيات التي استدل بها و بين وجه دلالتها ثم ذكر ان المجلسي في البحار قد جمع شطرا من النصوص الدالة أو المشعرة بذلك و ربما يقرب الى

المائة من كتب متفرقة كالكافي و التهذيب و الفقيه و فقه الرضا و ..

و لا يخفى ان بلوغ الرواية في الكثرة إلى مثل هذا الحد يغنينا عن ملاحظة السند و انه معتبر أم لا و ذلك لثبوت التواتر الإجمالي فيها و مرجعه الى العلم الإجمالي بصدور بعضها و لو واحدا و هو يكفي في مقام الاستدلال مع ان استناد المشهور إليها و موافقتها للآيات الظاهرة في ذلك مما يجبر الضعف على تقديره فالمناقشة فيها من حيث السند لا مجال لها أصلا.

كما ان احتمال كون الاستعمال في الروايات البالغة ذلك الحد استعمالا مجازيا مبنيا على المسامحة و رعاية العلاقة مما لا يعتنى به عند العقلاء و كيف يمكن حمل الاستعمال في مائة رواية على المجاز خصوصا مع كون الاستعمال في معناه الحقيقي- على هذا الفرض- في غاية الندرة، فالإنصاف ان الاستدلال بالكتاب و السنة خال عن المناقشة و لا بأس بإيراد بعض الروايات فنقول:

منها ما رواه الصدوق بإسناده عن يحيى بن أكثم القاضي أنه سئل أبا الحسن الأول عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلوات النهار و انما يجهر في صلاة الليل فقال: لأن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يغلس بها فقربها من الليل «1» و منها رواية إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر قال: مع طلوع الفجر ان اللّٰه تعالى يقول إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً يعنى صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار فإذا صلى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر اثبت له مرتين تثبته ملائكة الليل

______________________________

(1) الوسائل الباب القراءة الباب الخامس و العشرون ح-

3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 142

..........

______________________________

و ملائكة النهار. «1»

و مثلها رواية زريق عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه كان يصلى الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو قبل ان يستعرض و كان يقول: و قرآن الفجر إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً، ان ملائكة الليل تصعد و ملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر فأنا أحب ان تشهد ملائكة الليل و ملائكة النهار صلاتي و كان يصلى المغرب عند سقوط القرص قبل ان تظهر النجوم. «2»

و أورد على الأخيرتين بعض الاعلام بما حاصله انه من البعيد جدا بل يمتنع عادة الإتيان بصلاة الغداة حين طلوع الفجر و مقارنا له أي في الان الأول منه لاختصاص العلم بأن الان هو الان الأول من الطلوع بالمعصومين- عليه السّلام- على ان الصلاة تتوقف على مقدمات و لا سيما فيما إذا كانت جماعة و لا أقل من ان يؤذن و يقام لها و هي تستلزم تأخر صلاة الفجر عن الان الأول فكيف تشهدها ملائكة الليل- ح- فلا مناص معه اما من ان تتقدم ملائكة النهار و اما من ان تتأخر ملائكة الليل حتى تشهدها الطائفتان و لا ترجيح للثاني.

أقول بطلان هذا الإيراد واضح فإنه كيف يمكن مقايسة تأخر الملائكة اى ملائكة الليل بدقائق لا تتجاوز عن مثل عشرة بتقدم ملائكة النهار ساعة و نصف ساعة الذي هو زمان بين الطلوعين نوعا كما هو ظاهر.

ثم انه قد استدل بروايتين على كون ما بين الطلوعين لا من الليل و النهار:

إحديهما رواية أبي هاشم الخادم قال: قلت لأبي الحسن الماضي- عليه السّلام- لم جعلت صلاة الفريضة و السنة خمسين ركعة لا يزاد فيها و لا ينقص

منها؟ قال لان ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة و فيما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ساعة و ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجعل اللّٰه لكل ساعة ركعتين، و ما بين غروب

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و العشرون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و العشرون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 143

..........

______________________________

الشمس الى سقوط الشفق غسق فجعل للغسق ركعة. «1»

ثانيتهما رواية عمر بن أبان الثقفي قال سئل النصراني الشامي الباقر- عليه السّلام- عن ساعة ما هي من الليل و لا هي من النهار أي ساعة هي قال أبو جعفر- عليه السّلام- ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس، قال النصراني: إذا لم يكن من ساعات الليل و لا من ساعات النهار فمن اى الساعات هي فقال أبو جعفر- عليه السّلام- من ساعات الجنة و فيها يفيق مرضانا فقال النصراني: أصبت «2» أقول مع ان الروايتين لا تنافيان ما نحن بصدده من كون منتهى الليل طلوع الفجر بل تدلان عليه يرد عليهما مضافا الى ضعف السند ان الرواية الأولى مضطربة و مجملة لدلالتها على كون مجموع الفريضة و السنة خمسين لا يزاد فيها و لا ينقص منها امرا مسلما لا ارتياب فيه مع انها في مقام الحساب يبلغ عدد المجموع بلحاظ الركعة المجعولة للغسق زائدا على المذكور بواحدة و كون الواحدة بدلا عن صلاة الوتر كما عرفت سابقا لا يجتمع مع دلالتها على انها مجعولة للغسق الذي هي ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق مع ان جعل المجموع خمسة و عشرين ساعة غير معهود مع ان جعل ما بين الطلوعين ساعة من خمسة و عشرين لا

يظهر وجهه لكونه ساعة و نصفا من اربع و عشرين ساعة على ما هو المتداول فالرواية غير صالحة للاستدلال بها.

و اما الرواية الثانية فيخطر بالبال ان جواب الامام- عليه السّلام- فيها كان مطابقا لما هو معتقد النصراني و لا يكون من موارد التقرير الذي يكون حجة كما لا يخفى و كون ما بين الطلوعين من ساعات الجنة بحيث يفيق فيه المرضى لا ينافي كونه من ساعات النهار واقعا فتدبر.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان الظاهر كون ما بين الطلوعين من ساعات

______________________________

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض الباب الثالث عشر ح- 30.

(2) مستدرك الوسائل أبواب المواقيت الباب التاسع و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 144

[الأمر الثاني في وقت فريضة العشاء]

______________________________

النهار و ان الليل ينتهى بطلوع الفجر و ان منتصفه قبل ساعة الثانية عشرة بعد الزوال بنصف ساعة و ربع تقريبا.

الأمر الثاني في وقت فريضة العشاء و الكلام فيه يقع من جهتين أيضا:

الجهة الاولى في ابتداء وقتها فنقول: لا خلاف بين الفقهاء من العامة في ان أول وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق و انما اختلفوا في ماهية الشفق فذهب بعضهم كالشافعي و مالك إلى أنه الحمرة فإذا غابت بأجمعها فقد دخل وقت العشاء و بعضهم إلى انه هو البياض كأبي حنيفة.

و اما علمائنا الإمامية فالمسئلة محل خلاف بينهم فاختار جمع كثير منهم السيد المرتضى و ابن الجنيد و أبو الصلاح و ابن البراج و ابن زهرة و ابن إدريس دخول وقتها بغيبوبة الشمس و غروبها و قد صار هذا القول من زمان العلامة- قده- الى هذه الأزمنة امرأ مسلما مقطوعا به و ذهب الشيخ في أكثر كتبه و المفيد و سلار و

الصدوق في النهاية إلى ان أول وقتها غيبوبة الشفق بمعنى الحمرة بل وصف هذا القول الشيخ في الخلاف بأنه الأظهر من مذهب أصحابنا و من رواياتهم و بالجملة فالمسئلة مختلف فيها بينهم.

و منشأ اتفاق العامة هو استمرار عمل النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- على التفريق و الإتيان بالعشاء بعد زوال الشفق مع ان التفريق و الإتيان بالثانية في وقت واحد معين انما هو لمراعات الفضيلة و كذا مراعاة المأمومين ليجتمعوا في وقت واحد و يدركوا فضيلة الجماعة و قد روى ابن عباس ان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- جمع بين الصلاتين من غير عذر و لا علة و لا وجه لطرح هذه الرواية من روايات ابن عباس بعد كونها واجدة لشرائط الحجية.

و اما اختلاف علمائنا فمنشؤه اختلاف الروايات الواردة في الباب و ما يدل منها على جواز الإتيان بها قبل سقوط الشفق فكثيرة:

كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في قوله تعالى:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 145

..........

______________________________

أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ، قال ان اللّٰه افترض اربع صلوات أول وقتها زوال الشمس الى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس الى غروب الشمس الا ان هذه قبل هذه و منها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل الا ان هذه قبل هذه. «1»

و رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر، و إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة. «2»

و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق- عليه السّلام- إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار و وجبت الصلاة و إذا صليت

المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة الى انتصاف الليل. «3»

و رواية داود بن أبي يزيد- و هو داود بن فرقد- عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضى مقدار ما يصلى المصلى ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلى المصلي أربع ركعات و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الى انتصاف الليل «4» و رواية أخرى لعبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين الا ان هذه قبل هذه. «5»

و رواية إسماعيل بن مهران قال: كتبت الى الرضا- عليه السّلام-: ذكر أصحابنا انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر، و إذا غربت دخل وقت المغرب

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 4.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 1.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 2.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 4.

(5) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 146

..........

______________________________

و العشاء الآخرة الا ان هذه قبل هذه في السفر و الحضر و ان وقت المغرب الى ربع الليل فكتب: كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق .. «1»

و رواية أخرى لزرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: صلى رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- بالناس المغرب و العشاء الآخرة قبل الشفق من غير علة في جماعة و انما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته. «2»

و رواية ثالثة

لزرارة قال: سألت أبا جعفر و أبا عبد اللّٰه- عليهما السّلام- عن الرجل يصلى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق، فقالا: لا بأس به. «3»

و رواية عبيد اللّٰه و عمران ابني على الحلبيين قالا: كنا نختصم في الطريق في الصلاة، صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق و كان منا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقال: لا بأس بذلك، قلنا: و أي شي ء الشفق؟ فقال: الحمرة. «4»

و رواية إسحاق البطيخي قال: رأيت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- صلى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ثم ارتحل. «5»

و رواية إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يجمع بين المغرب و العشاء في الحضر قبل ان يغيب الشفق من غير علة؟ قال: لا بأس. «6» و غير ذلك من الروايات الدالة على هذا المعنى.

و بإزائها روايات ظاهرة في توقف دخول وقت العشاء الآخرة على سقوط الشفق و هي ثلاث. و ربما يظهر للمتتبع أكثر منها.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 14.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح- 2.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح- 5.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح- 6.

(5) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح- 7.

(6) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 147

..........

______________________________

الأولى: رواية عمران بن على الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- متى تجب العتمة؟ قال: إذا غاب الشفق، و الشفق الحمرة فقال عبيد اللّٰه: أصلحك اللّٰه انه يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض

فقال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- ان الشفق انما هو الحمرة. «1»

الثانية رواية بكر بن محمد- المروية في قرب الاسناد- عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته عن وقت صلاة المغرب فقال: إذا غاب القرص ثم سألته عن وقت العشاء الآخرة فقال: إذا غاب الشفق، قال و أية الشفق الحمرة ثم قال بيده هكذا أقول. «2».

الثالثة: رواية أخرى صحيحة لبكر بن محمد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه سأله سائل عن وقت المغرب فقال: ان اللّٰه يقول في كتابه لإبراهيم فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى و هذا أول الوقت و آخر ذلك غيبوبة الشفق، و أول وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة و آخر وقتها الى غسق الليل يعنى نصف الليل. «3»

و الجمع بين الطائفتين يحصل بأحد وجوه ثلاثة:

أحدها: حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة و الطائفة الأولى على بيان وقت الاجزاء بناء على ان اختلاف الوقتين الثابتين لكل صلاة انما هو بالفضيلة و الاجزاء.

ثانيها: حمل هذه الطائفة على بيان الوقت للمختار و الطائفة الأولى على بيانه للمضطر بناء على ان اختلاف الوقتين المذكورين انما هو بذلك اى بالاختيارية و الاضطرارية.

ثالثها: ما قواه سيدنا العلامة الأستاذ- قدس سره- من حمل هذه الطائفة على التقية لاتفاق العامة على عدم جواز الإتيان بالعشاء قبل زوال الشفق كما عرفت

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و العشرون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و العشرون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 148

..........

______________________________

و استبعد الوجهين الأولين نظرا الى الروايات الدالة على ان لكل صلاة وقتين سواء كان المراد بهما

الاختياري و الاضطراري أو الفضيلة و الاجزاء لان مقتضاها ان هذا شأن جميع الصلوات بلا فرق بينهما مع ان لازم هذين الوجهين كون العشاء له أوقات ثلاثة، و أيد الأخير بما رواه الفريقان عن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- من انه قال: لو لا أن أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل أو نصفه- على الاختلاف- فان المستفاد منه ان الإتيان بالعشاء في آخر وقته أفضل فلا يجوز جعل زوال الحمرة وقت الفضيلة.

أقول: و يمكن الإيراد عليه بان الجمع بأحد الوجهين الأولين يخرج الطائفتين عن عنوان المتعارضين لان الجمع الدلالي مرجعه إلى إمكان الجمع و ثبوت التوافق فلا يبقى موضوع التعارض و هذا بخلاف الحمل على التقية فإنه من احكام التعارض و متفرع على عدم إمكان الجمع و بعبارة أخرى لا يبقى مجال بعد إمكان الجمع الدلالي بأحد الأولين للحمل على التقية الذي مورده ثبوت التعارض و عدم إمكان الجمع و عليه فلا وجه لترجيح الوجه الثالث عليهما بل المتعين الالتزام بأحد الأولين فتدبر.

و يمكن دفع الإيراد بأن التأمل في الطائفة الثانية يقضى بعدم إمكان حملها على بيان وقت الفضيلة فإنه كيف يمكن حمل السؤال في رواية عمران بن على الحلبي بقوله: متى تجب العتمة، الظاهر في وقت ثبوت التكليف بالعشاء على كون المراد وقت الفضيلة إذ ليس المذكور هي كلمة «الوقت» حتى تحمل على كون المراد وقت الفضيلة بل السؤال انما هو عن زمان مجي ء التكليف بهذه الفريضة الإلهية، كما ان السؤال في رواية بكر بلحاظ كونه مسبوقا بالسؤال عن وقت صلاة المغرب و الجواب بأنه إذا غاب القرص لا يمكن حمله على وقت الفضيلة بل الجواب عن السؤال الأول بغيبوبة القرص

ربما يشهد على صدوره تقية كما ان صحيحة بكر قرائن التقية فيها واضحة و حملها على وقت الفضيلة لا يجتمع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 149

..........

______________________________

مع كونه مسبوقا بالسؤال عن وقت المغرب و الجواب عنه نعم نفس ذلك الجواب بلحاظ الاستشهاد بقوله تعالى و عدم بيان ابتداء الوقت بنحو الوضوح ظاهرة في الصدور تقية و ان كان يبعد الحمل على التقية تعرض الامام- عليه السّلام- لبيان وقت العشاء الآخرة أولا و آخرا مع كون مورد السؤال هو وقت المغرب فقط الا ان يقال ان خصوصية الموقعية لعلها كانت مقتضية لشدة التقية و التعرض لبيان ما لم يكن موردا للسؤال أيضا، و كيف كان فالظاهر ان حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة لا يجتمع مع تعبيراتها و الخصوصيات الواقعة فيها كما ان حمل الطائفة الأولى على بيان وقت المضطر مما لا وجه له مع كثرتها و ملاحظة سياقها كما لا يخفى و عليه فيتعين الوجه الأخير الذي قواه الأستاذ- قده- و مرجعه الى ان أول الوقت مطلقا هو غروب الشمس و مضى مقدار صلاة المغرب و اما وقت الفضيلة فسيأتي التعرض له إن شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الثانية: في آخر وقت العشاء و أقوال علماء العامة فيه أربعة:

ربع الليل مطلقا و اختاره إبراهيم النخعي و التفصيل بين النصف للمختار و طلوع الفجر لغيره و اختاره أبو حنيفة و جماعة، و الامتداد الى الفجر مطلقا على ما حكى عن ابن عباس و عطاء و طاوس و مالك و عكرمة، و الامتداد الى الثلث للمختار و الفجر للمضطر ذهب إليه الشافعي في القديم.

و اما علمائنا الإمامية- رضوان اللّٰه عليهم أجمعين- فاقوالهم خمسة ظاهرا:

الامتداد

الى النصف مطلقا و اختاره السيد و ابن إدريس و الحلبي و جماعة و الى الثلث كذلك على ما حكى عن المفيد و الشيخ في أكثر كتبه، و الى الثلث للمختار و النصف للمضطر على ما صرح به جماعة و الى الربع مطلقا على ما حكى عن ابن أبي عقيل و الى الفجر لخصوص المضطر على ما اختاره المحقق في المعتبر و يظهر من الفقيه و حكاه الشيخ عن بعض أصحابنا و منشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 150

..........

______________________________

في الباب و لكنه لا بدّ قبل ملاحظتها من النظر الى الآية الشريفة و مقدار مفادها و هي قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ، بعد كون المراد من الغسق هو الانتصاف بلحاظ كونه زمان شدة ظلمة الليل كما عرفت فنقول الآية ظاهرة بل صريحة في امتداد وقت العشاء لكونها آخر الصلوات الأربعة التي تكون الآية بصدد بيان أوقاتها كما دلت عليه الرواية المعتبرة الى نصف الليل و عليه فلو كان هناك رواية دالة على امتداد وقتها الى الفجر مطلقا لا يجوز الأخذ بها لكونها مخالفة للقرآن و لا يمكن الجمع بينهما بوجه يكون إطلاقها محفوظا كما انه لو كان هناك رواية دالة على الامتداد الى الثلث مطلقا أو الى الربع كذلك لا يجوز الأخذ بها لما ذكرنا من عدم إمكان التوفيق بينها و بين الآية كما انه لو كان مفاد الرواية الامتداد إلى أحدهما لخصوص المختار لا يسعنا أيضا الأخذ بها لعدم إمكان حمل الآية الواردة لإفادة أمر عام كلى على كون موردها للمضطر و منه يظهر انه لا يمكن الجمع بين مثل الرواية و

الآية بحمل الاولى على المختار و الثانية على المضطر نعم لو كان هناك رواية دالة على الامتداد الى الفجر المضطر لا تكون تلك الرواية مخالفة الا لإطلاق الآية و يمكن تقييدها بالمختار و لا مانع من اختصاص موردها به كما انه لو كان مفاد الرواية الامتداد الى الفجر مطلقا لأمكن الجمع بينها و بين الآية بحمل الاولى على صورة الاضطرار و الثانية على الاختيار كما هو واضح.

و كيف كان فالاية في نفسها دليل للقول بالانتصاف و يشهد له أيضا روايات متكثرة:

كمرسلة الصدوق قال: قال الصادق- ع-: إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار و وجبت الصلاة و إذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة الى انتصاف الليل. «1»

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 151

..........

______________________________

و المراد من قوله- عليه السّلام-: إذا صليت المغرب هو مضى مقدار أداء صلاة المغرب لا الإتيان بها خارجا بقرينة الرواية الآتية.

و مرسلة داود بن أبي يزيد- و هو داود بن فرقد- عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضى مقدار ما يصلى المصلى ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلى المصلي أربع ركعات، و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الى انتصاف الليل. «1»

و رواية بكر بن محمد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- المشتملة على قوله- عليه السّلام- و أول وقت العشاء ذهاب الحمرة و آخر وقتها الى غسق الليل نصف الليل. «2»

و رواية أبي بصير عن أبي

جعفر- ع- قال قال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- لو لا انى أخاف ان أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل و أنت في رخصة الى نصف الليل و هو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه. «3»

و رواية معلى بن خنيس عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال: آخر وقت العتمة نصف الليل. «4».

و رواية الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال العتمة إلى ثلث الليل أو الى نصف الليل و ذلك التضييع. «5»

و رواية عبيد بن زرارة- على نقل الشيخ- قده- عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال: إذا

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 4.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 6.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 7.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 7.

(5) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 152

..........

______________________________

غربت الشمس دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل. «1»

و اما ما يدل على الربع فهو ما ورد في فقه الرضا من قوله: و وقت العشاء الآخرة الفراغ من المغرب ثم الى ربع الليل، و قد رخص للعليل و المسافر فيهما الى انتصاف الليل و للمضطر الى قبل طلوع الفجر. و لكن عرفت ان مثلها مخالف للاية و لا يجوز الأخذ بها لعدم إمكان حمل الآية على كون موردها العليل و المسافر في مقابل المختار و المضطر، مع انه لم تثبت كونه رواية و لم تثبت حجية فقه الرضا بوجه.

و اما ما يدل على الثلث فمنها ما رواه الصدوق بإسناده عن معاوية بن

عمار في رواية ان وقت العشاء الآخرة الى ثلث الليل. قال الصدوق: و كان الثلث هو الأوسط و النصف هو آخر الوقت. «2»

و منها رواية معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال اتى جبرئيل رسول اللّٰه- ص- بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح ثم قال: ما بينهما وقت. «3»

و منها غير ذلك مما يظهر للمتتبع.

أقول و لا محيص عن حمل روايات الثلث على بيان آخر وقت الفضيلة لأن

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح 11.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و العشرون ح- 4.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 153

..........

______________________________

الأخذ بإطلاقها و الحكم بكونه آخر الوقت للمختار و المضطر لا يجتمع مع الآية الشريفة الدالة على الامتداد الى الانتصاف كما ان حملها على بيان وقت المختار موجب لحمل الآية على مورد الاضطرار و هو لا يصح فكيف يمكن حمل الآية الدالة على تشريع الصلاة و بيان مواقيتها على كون محيط النظر فيها هي صورة الاضطرار فينحصر الطريق بحمل روايات الثلث على بيان آخر وقت الفضيلة و لا

تنافي الآية- ح- لظهورها في آخر وقت الاجزاء.

و اما الاخبار الدالة على الامتداد الى الفجر- المتقدمة في آخر وقت المغرب- فان أريد استفادة الإطلاق منها اما بدعوى دلالة بعضها عليه و اما بدعوى إلغاء الخصوصية عن مواردها و هي النائم و الناسي و الحائض فهو لا يجتمع مع الآية الدالة على ان آخر وقت العشاء هو الانتصاف و لا يمكن حمل الآية على بيان وقت الفضيلة نعم لو كان في مقابلها اخبار الانتصاف فقط لأمكن ذلك، و ان أريد استفادة جواز التأخير بالإضافة إلى خصوص مواردها أو أعم منه مما لا يخرج عن عنوان الاضطرار فالجمع بينها و بين الآية و اخبار الانتصاف مما لا مانع منه بحمل الآية و كذا تلك الاخبار على مورد الاختيار و القول بالتفصيل بينه و بين الاضطرار كما افتى به المحقق في المعتبر على ما مر.

نعم يبقى على الالتزام باخبار الفجر أمران:

الأول أنها معرض عنها للمشهور و من المقرر في محله ان اعراض المشهور قادح في حجية الرواية و اعتبارها و لو بلغت من الصحة ما بلغت.

الثاني انها محمولة على التقية لاتفاقهم الا من شذ على الامتداد الى الطلوع للفجر و ان اختلفوا في انه هل مطلق أو مقيد بصورة الاضطرار و ان آخر وقت المختار هل هو الثلث أو النصف.

و يدفع الأول ما عرفت في آخر وقت المغرب من عدم ثبوت الاعراض بعد ادعاء الشيخ في موضع من الخلاف نفى الخلاف في لزوم الإتيان بالعشائين إذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 154

..........

______________________________

أدرك مقدار خمس ركعات قبل طلوع الفجر مضافا الى فتوى المحقق به في المعتبر و ظهور عبارة الصدوق في ذلك و اختيار

جمع من المتأخرين له.

و يدفع الثاني انه لا وجه للحمل على التقية لأنه مضافا الى وجود القول بالخلاف بينهم أيضا ان الحمل على التقية كما ذكرنا انما هو في مورد ثبوت التعارض و عدم إمكان الجمع بين المتعارضين بالجمع الدلالي الذي يخرجهما عن هذا العنوان و قد مر ان الجمع بين اخبار الفجر و بين الآية و اخبار الانتصاف بمكان من الإمكان فلا تصل النوبة إلى رعاية قواعد التعارض التي منها الحمل على التقية.

مع ان اشتمال هذه الاخبار على امتداد المغرب أيضا الى الطلوع و لا يقولون به نعم التأمل به هو مالك وحده يمنع عن الحمل على التقية كما ان ظهور بعضها في اشتراك الوقتين مع أنهم قائلون بالتباين مطلقا كما عرفت يمنع أيضا عن ذلك فالإنصاف انه لا محيص عن الالتزام باخبار الفجر في مثل مواردها و هو المضطر نعم الأحوط له الإتيان بالعشاء بعد الانتصاف لا بنية الأداء و القضاء بل بنية ما في الذمة كما عرفت في آخر صلاة المغرب.

و اما العامد فلا وجه للحكم بالامتداد الى الفجر فيه أصلا بعد صراحة الآية في ان آخر الوقت و لو بالنسبة إليه فقط هو الانتصاف فدعوى امتداد وقته أيضا إليه كما قواه السيد في العروة و ان حكم بثبوت الإثم له مما لا وجه له كما ان الحكم بثبوت الاحتياط المذكور في العامد أيضا كما في المتن أيضا لا وجه له لانه لا يبقى بعد ملاحظة الآية ترديد و لو في مورد العامد ليحكم بثبوت الاحتياط و لا يجوز قطع النظر عن الآية نعم لو لم يكن في مقابل اخبار الفجر إلا أخبار الانتصاف لأمكن دعوى ذلك و لكنه مع ثبوت الآية

و وضوح دلالتها لا يبقى لها مجال فتأمل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 155

[المقام الثالث: في وقت فريضة الصبح]

______________________________

المقام الثالث: في وقت فريضة الصبح و يقع الكلام فيه من جهتين أيضا:

الجهة الاولى: في وقتها من حيث الابتداء و الظاهر اتفاق علماء المسلمين من العامة و الخاصة على ان أول وقتها هو طلوع الفجر الصادق و ما حكى من اعتبار عوامهم بالفجر الكاذب و اعتنائهم عليه فهو على تقدير صحة الحكاية مخالف لفتاويهم نعم حكى عن أعمش ان أول وقت الصوم هو طلوع الشمس و هو مع انه لا يرتبط بصلاة الفجر مردود بالإجماع على خلافه.

و يدل على دخول وقت فريضة الصبح بطلوع الفجر قوله تعالى وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ «1» و ذكر في مجمع البيان في شأن نزول الآية انه روى على بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه رفعه الى أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال كان الأكل محرما في شهر رمضان بالليل بعد النوم و كان النكاح حراما بالليل و النهار في شهر رمضان و كان رجل من أصحاب رسول اللّٰه- ص- يقال له مطعم بن جبير أخو عبد اللّٰه بن جبير الذي كان رسول اللّٰه و كله بفم الشعب يوم أحد في خمسين من الرقاة و فارقه أصحابه و بقي في اثنى عشر رجلا فقتل على باب الشعب و كان اخوه هذا مطعم بن جبير شيخا ضعيفا و كان صائما فأبطأت عليه اهله بالطعام فنام قبل ان يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم على الأكل في هذه الليلة فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه فرءاه رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و

آله- فرق له و كان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فانزل اللّٰه هذه الآية فأحل النكاح بالليل في شهر رمضان و الأكل بعد النوم الى طلوع الفجر.

و حكى فيه أيضا في تفسير الخيطين انه روى ان عدي بن حاتم قال للنبي- ص- انى وضعت خيطين من شعر أبيض و اسود فكنت انظر فيهما فلا يتبين لي فضحك رسول اللّٰه حتى رؤيت نواجذه ثم قال يا ابن حاتم انما ذلك بياض النهار و سواد الليل.

______________________________

(1) سورة البقرة 186

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 156

..........

______________________________

و يحتمل ان يكون المراد بالخيط الأبيض هو النهار و بالخيط الأسود الليل اى يتبين لكم النهار من الليل و لكن هذا الاحتمال بعيد لان تشبيه النهار بالخيط الأبيض مع ان الخصوصية الممتازة في الخيط هو دقته مما لا وجه له كما ان تشبيه الليل بالخيط الأسود أيضا كذلك.

فالظاهر ان المراد بالخيط الأبيض هو البياض الدقيق الحاصل في أول الفجر و هو شبيه بالخيط من حيث الدقة و التعبير عن ظلمة الليل المحيطة في ذلك الوقت لجميع الأفق انما هو للمشاكلة التي هي أحد المحسنات البديعية المذكورة في محلها.

و اما لفظة «من» في قوله مِنَ الْفَجْرِ يحتمل ان تكون للتبعيض نظرا الى ان الخيط الأبيض بعض الفجر و أول شروعه و تحققه، و يحتمل ان تكون نشوية و مرجعه الى ان التبين الكذائي إنما ينشأ من الفجر و تحققه، و يحتمل ان تكون للتبيين و عليه يمكن ان يكون بيانا لنفس الخيط الأبيض و عليه فالمعنى حتى يتبين لكم الخيط الأبيض الذي هو الفجر، و يمكن ان يكون بيانا لنفس التبين و عليه فالمعنى ان

تبين الخيطين انما هو الفجر و الغاية لجواز الأكل و الشرب انما هو الفجر الذي يكون عبارة أخرى عن تبين الخيطين و امتيازهما بخلاف الاحتمال السابق الذي تكون الغاية بناء عليه هو تبين الفجر الذي هو عبارة عن الخيط الأبيض و يظهر الاحتمال الأخير من الماتن- دام ظله- في رسالة صنفها في تعيين الفجر بنحو الاختصار و لكنه خلاف الظاهر لانه مضافا الى انه لم يظهر جواز كون لفظة «من» بيانا للجملة هو خلاف ما هو المتفاهم عند العرف من ظاهر الآية الشريفة كما لا يخفى و يترتب عليه ثمرة مهمة تأتى إن شاء اللّٰه تعالى.

ثم انه لا يظهر من نفس هذا التعبير ان المراد بالفجر هو الفجر الصادق الذي له ثلاث مزيات بالإضافة الى الفجر الكاذب و هو اتصاله بالأفق و كونه افقيا و انتشاره قليلا قليلا و اشتداد ضوئه تدريجا بخلاف الفجر الكاذب الذي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 157

..........

______________________________

يكون منفصلا عن الأفق و يكون عموديا عليه و يكون عند حدوثه أشدّ ضوء لزواله تدريجا.

بل يمكن استفادة الفجر الصادق بضميمة صدور الآية الدالة على علية الرفث ليلة الصيام و ذيلها الظاهرة في وجوب إتمام الصيام الى الليل فان المستفاد منهما ان ظرف وجوب الصيام انما هو مجموع النهار و من الواضح انه لم يقل أحد بدخوله بالفجر الكاذب بل هو كما عرفت مردد بين تحققه بدخول الفجر الصادق و بين توقفه على طلوع الشمس و قد استظهرنا الاحتمال الأول وفاقا للمشهور و عليه فالمستفاد من مجموع الآية هو الفجر الصادق مضافا الى تفسيره به في بعض الروايات الآتية.

ثم انه هل المعتبر في اعتراض الفجر و تبينه هو الاعتراض

و التبين الفعلي أو الأعم منه و من التقديري نظير الاحتمالين في باب تغير الماء في بحث المياه ربما يقال بالأول كما عن المحقق الهمداني- قده- نظرا الى ان الظاهر من التبين و التميز هو التميز الفعلي الحقيقي كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في العقود و القضايا المشتملة على بيان الاحكام و ترتبها عليها و قد اختاره الماتن- دام ظله- في رسالته المذكورة نظرا الى ان ظاهر الآية الشريفة هو ان تبين الخيطين و امتيازهما هو الفجر واقعا لا ان الفجر شي ء و التبين شي ء آخر نعم يكون العلم امارة لهذا التبين و الامتياز النفس الأمري فإذا كان نور القمر قاهرا لا يظهر البياض فلا يتميز الخيطان حتى يظهر ضياء الشمس و يقهر على نور القمر و هذا بخلاف ما إذا كان هناك غيم في السماء فان الفرق بين ضوء القمر الذي هو مانع عن تحقق البياض رأسا مع الغيم الذي هو كحجاب عارضي مانع عن الرؤية واضح و عليه فيكون الفجر في الليال المقمرة من الليلة الثالثة عشر إلى أواخر الشهر متأخرا عن غيرها قريب عشر دقائق أو أقل أو أكثر حسب اختلاف ضياء القمر و قربه من الأفق الشرقي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 158

..........

______________________________

أقول الظاهر ان المستفاد من الآية الشريفة أن التبين أمر و الفجر أمر آخر لما عرفت من ظهورها في كون كلمة «من» للتبيين و انه بيان لا للتبين بل لنفس الخيط الأبيض و عليه فمفادها ان الفجر الذي قد يكون متبينا و قد لا يكون كذلك لأنه عبارة عن البياض المعترض تكون غاية جواز الأكل و الشرب هي تبينه و الظاهر- ح- ان

التبين المأخوذ لا يكون الا طريقا لعدم كونه عبارة أخرى عن حقيقة الفجر فان مثل التبين و العلم من العناوين المأخوذة يغاير سائر العناوين الظاهرة في الموضوعية كعنوان التغير المذكور لان ظاهر التغير المأخوذ في دليل النجاسة وصفا للماء هو التغير الفعلي الحسي المدرك بأحد الحواس فوجود المانع عن التغير يوجب عدم تحقق الوصف فلا يثبت الحكم و اما عنوان التبين فهو كالعلم المأخوذ في قوله كل شي ء طاهر حتى تعلم انه قذر فإذا علمت فقد قذر لا يكون الا طريقا لثبوت القذارة و يمكن قيام مثل البينة و الاستصحاب و اخبار ذي اليد مقامه و عليه فظاهر الآية الشريفة هو مدخلية الفجر في ارتفاع جواز الأكل و الشرب و التبين طريق الى ثبوته فإذا تحقق الخيط الأبيض الذي هو الفجر بمقتضى الموازين العلمية و لو لم يتحقق لأجل مقهوريته لضوء القمر و نوره تتحقق الغاية و لا يكون- ح- فرق بين الليالي المقمرة و الليالي المغيمة و سائر الليالي أصلا.

و يؤيد ما ذكرنا بعض الروايات كرواية على بن مهزيار قال: كتب أبو الحسن بن الحصين الى أبي جعفر الثاني- عليه السّلام- معى: جعلت فداك قد اختلف موالوك (مواليك) في صلاة الفجر فمنهم من يصلى إذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء، و منهم من يصلى إذا اعترض في أسفل الأفق و استبان و لست أعرف أفضل الوقتين فأصلي فيه، فان رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين و تحده لي، و كيف اصنع مع القمر و الفجر لا يتبين (تبين) معه حتى يحمر و يصبح، و كيف اصنع مع الغيم و ما حد ذلك في السفر و الحضر فعلت ان شاء اللّٰه، فكتب- عليه السّلام- بخطه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 159

..........

______________________________

و قرأته: الفجر يرحمك اللّٰه هو الخيط الأبيض المعترض، و ليس هو الأبيض صعدا فلا تصل في سفر و لا حضر حتى تبينه، فان اللّٰه تبارك و تعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال: و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل و الشرب في الصوم و كذلك هو الذي يوجب به الصلاة. «1» و دلالتها على كون الفجر غير التبين و انه هو نفس الخيط الأبيض المعترض واضحة كما ان دلالة ذيلها على ان الموضوع لحرمة الأكل و الشرب و وجوب الصلاة هو نفس الخيط الأبيض الذي هو الفجر أيضا كذلك و عليه فالتبين لا يكون إلا مأخوذا بنحو الطريقية مع ان اشتمال السؤال على انه كيف يصنع مع القمر و كيف يصنع مع الغيم و الاقتصار في الجواب على بيان معنى الفجر و انه هو الخيط الأبيض المعترض ربما يدل على تساويهما في الحكم و دعوى وضوح الفرق بينهما كما عرفتها في كلام الماتن- دام ظله- لا تتم أصلا و كيف يمكن ادعاء ان السائل قد فهم من الجواب الفرق بين المسألتين فالإنصاف ان الرواية ظاهرة في التساوي و عدم الفرق و انه في كليهما إذا تحقق الفجر الواقعي و هو الخيط الأبيض المعترض يرتفع جواز الأكل و الشرب و يجوز الدخول في الصلاة.

و قد ظهر بما ذكرنا ان الفجر بمقتضى الآية هو نفس الخيط الأبيض و لا يكون عبارة عن التبين كما انه لا يكون عبارة عن وصول شعاع الشمس الى حد من الأفق تكون الفاصلة

بينها و بين الطلوع هو مقدار ما بين الطلوعين و الظاهر انه أيضا بالمعنى اللغوي عبارة عما ذكرنا فتدبر كما انه ظهر مما ذكرنا انه لا فرق بين الليالي من هذه الجهة أصلا و لا يكون الفجر في الليالي المقمرة متأخرا عن غيرها.

ثم انك عرفت ان دلالة الآية الشريفة ظاهرة و لا حاجة الى التمسك بالروايات

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 160

..........

______________________________

و لكنه لا بأس بإيراد طائفة منها فنقول:

منها: رواية أبي بصير ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- فقلت متى يحرم الطعام و الشراب على الصائم و تحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال: إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام على الصائم و تحل الصلاة صلاة الفجر قلت: أ فلسنا في وقت الى ان يطلع شعاع الشمس؟ قال: هيهات اين يذهب بك، تلك صلاة الصبيان. «1» قال في الوافي: القبطية بضم القاف و إمكان الموحدة و تشديد الياء منسوبة إلى القبط بالكسر على خلاف القياس ثياب رقيقة تتخذ بمصر و يجمع على قباطي بالفتح و القبط بالكسر يقال لأهل مصر و بنكها- بمعنى الأصل- و التغيير في النسبة هنا للاختصاص كالدهرى بالضم في النسبة إلى الدهر بالفتح و يختص بالثياب دون الناس فيقال رجل قبطى و جماعة قبطية بالكسر فيهما.

و منها رواية على بن عطية عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه قال: الصبح (الفجر) هو الذي إذا رأيته كان معترضا كان بياض نهر سوراء. «2» و نقله في الوافي هكذا:

كأنه نباض سورى ثم قال في بيانه: «النباض بالنون و الباء الموحدة من نبض الماء إذا سال

و ربما قرء بالموحدة ثم الياء المثناة من تحت، و سورى على وزن بشرى موضع بالعراق و المراد بنباضها أو بياضها نهرها» و التشبيه على نقل الوسائل انما هو في شدة البياض و وضوحه بحيث كلما زدت اليه نظرا يظهر لك شدة بياضه لما عرفت من اشتداد ضوء الفجر الصادق تدريجا بخلاف الفجر الكاذب الذي يكون حين طلوعه أشد نورا، و على نقل الوافي انما هو في ثبوت الأمر و واقعيته بحيث تكون واقعية الفجر و وضوحه كواقعية سيلان نهر سورى و جريانه و حركته.

و منها رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله-

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و العشرون ح- 1

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 161

..........

______________________________

يصلى ركعتي الصبح و هي الفجر إذا اعترض الفجر و أضاء حسنا. «1» و أورد بعض الاعلام على الاستدلال بها بقصور دلالتها على عدم جواز الإتيان بصلاة الفجر قبل اعتراض الفجر و إضاءته لانه من الجائز ان يكون استمراره عمله- صلّى اللّٰه عليه و آله- على الإتيان بها عند الاعتراض مستندا الى سبب أخر لا الى عدم جواز الإتيان بها قبله.

و يدفعه ما عرفت مرارا من انه حيث يكون الحاكي لفعل الرسول هو الامام و كان غرضه من الحكاية بيان الحكم غاية الأمر بهذه الصورة لا يبقى مجال لمثل هذا الاحتمال أصلا.

و منها رواية هشام بن الهذيل عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال سألته عن وقت صلاة الفجر فقال حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء. «2»

و منها: مرسلة الصدوق قال: و روى ان وقت

الغداة إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا و اما الفجر الذي يشبه ذنب السرحان فذاك الفجر الكاذب، و الفجر الصادق هو المعترض كالقباطي. «3» و التشبيه بذنب السرحان و هو الذئب انما هو لدقته و استطالته.

الجهة الثانية في آخر وقت فريضة الصبح و لا خلاف بين المسلمين في امتداده الى طلوع الشمس إجمالا و ان وقع الخلاف بينهم في كونه آخر وقت الاجزاء أو آخر الوقت للمضطر و ان آخره للمختار هو طلوع الحمرة المشرقية فذهب إلى الأول أبو حنيفة و هو المعرف بين الأصحاب و حكى الثاني عن الشيخ و جماعة بناء على ما اختاروا من ان الفرق بين الوقتين الثابتين لكل صلاة انما هو بالاختيارية و الاضطرارية و به قال الشافعي و احمد و النصوص الكثيرة الواردة في المسألة مختلفة:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: وقت الفجر حين ينشق

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و العشرون ح- 5

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و العشرون ح- 6.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و العشرون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 162

..........

______________________________

الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا و لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام. «1»

و ربما يستدل بها على قول الشيخ- ره- نظرا الى ان كلمة لا ينبغي بمعنى لا يتيسر و لا يجوز فالرواية تدل على عدم جواز التأخير عن تجلل السماء بسبب الصبح عمدا و لكن دلالتها على ان الشغل أيضا يكون موجبا لجواز التأخير لا تناسب مع تعين الوقت الأول للإجزاء إذ مع تعينه يجب رفع اليد عن جميع المشاغل و الإتيان بالفريضة و

ليس الشغل كالنسيان و النوم امرا اضطراريا و عليه فيصير ذلك قرينة ظاهرة على انه ليس المراد بكلمة «لا ينبغي» عدم الجواز لو سلم ظهورها في نفسها فيه كما انه يصير قرينة على ان امتداد وقت الفجر الى زمان التجلل انما هو بلحاظ الفضيلة دون الاجزاء فالرواية من أدلة القول المشهور.

و منها: رواية يزيد بن خليفة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: وقت الفجر حين يبدو حتى يضي ء. «2» و دلالتها على قول الشيخ- ره- و ان كانت ظاهرة الا انها ضعيفة السند لأجل يزيد بن خليفة.

و منها: صحيحة ابن سنان يعنى عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: لكل صلاة وقتان و أول الوقتين أفضلهما و وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء، و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا و لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام، و وقت المغرب حين تجب الشمس الى ان تشتبك النجوم، و ليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا الا من عذر أو علة. «3» و هذه الرواية أيضا يمكن الاستدلال بها لكل من الفريقين نظرا الى ظهورها في عدم جواز التأخير

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و العشرون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و العشرون ح- 2.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و العشرون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 163

..........

______________________________

عمدا لما مر من ان كلمة «لا ينبغي» بمعنى انه لا يجوز و لا يتصير و يدل عليه ذيل الرواية الظاهر في انه لا يجوز لأحد من غير عذر أو علة أن يجعل آخر الوقتين وقتا و يؤخر صلوته

الى آخر الوقت عمدا و بذلك يظهر ان المراد من ثبوت الوقتين لكل صلاة كما هو ظاهر صدر الرواية انما هو ثبوت الوقت الاختياري و الوقت الاضطراري فاختلاف الوقتين و افتراقهما انما هو بذلك لا بالاجزاء و الفضيلة.

هذا و لكن الظاهر دلالة الرواية على خلاف قول الشيخ- قده- من جهة ظهور صدرها في ان اختلاف الوقتين انما هو بالفضيلة و الاجزاء لقوله- عليه السّلام- و أول الوقتين أفضلهما و من جهة تجويز التأخير لمن له شغل و هو لا يكون اضطراريا و لا يناسب تجويز التأخير معه مع تعين الوقت الأول للاجزاء كما عرفت في صحيحة الحلبي نعم يبقى ذيل الرواية الظاهر في غيره و لكنه مضافا الى اشتماله على كلمة «العذر» الشاملة للشغل قطعا لا دلالة له على الخلاف لان مفادها ان جعل آخر الوقت وقتا استمراريا للصلاة بحيث لا يرى لها وقت غير ذلك لا يجوز و هذا لا يلازم عدم جواز التأخير اختيارا أحيانا مع رؤية وقتين لها و بعبارة أخرى لو كان التعبير في الذيل هكذا: لا يجوز لأحد ان يؤخر صلوته الى آخر الوقت الا من عذر أو علة لكانت دلالته على ما ذكر غير بعيدة و اما التعبير الوارد في الرواية فمغاير للتعبير الذي ذكرنا و مرجعه الى فرض الوقت الأول كالعدم و عدم رؤية وقتين للصلاة و لو عملا بوجه فتدبر فالرواية من أدلة المشهور.

و منها رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس. «1» و دلالتها على مذهب المشهور ظاهرة الا انها ضعيفة السند بموسى بن بكر لعدم توثيقه.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و العشرون ح-

6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 164

..........

______________________________

و منها: موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمران يصلى المكتوبة من الفجر ما بين ان يطلع الفجر الى ان تطلع الشمس و ذلك في المكتوبة خاصة .. «1» و هي باعتبار دلالتها على الامتداد الى طلوع الشمس بالإضافة الى الرجل الذي عاقه أمر تدل على مذهب المشهور لانه ليس المراد بالأمر إلا أمرا من الأمور العادية الاختيارية فهو عبارة أخرى عن الشغل المذكور في الروايتين المتقدمتين و قد عرفت ان تجويز التأخير معه لا يناسب الا مع امتداد الوقت اى وقت الاجزاء كما لا يخفى.

و منها ما رواه الصدوق بإسناده عن عاصم بن حميد عن أبي بصير ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- فقلت متى يحرم الطعام و الشراب على الصائم و تحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام على الصائم و تحل الصلاة صلاة الفجر قلت أ فلسنا في وقت الى ان يطلع شعاع الشمس؟ قال: هيهات اين يذهب بك تلك صلاة الصبيان. «2» فان عدها من فعل الصبيان دليل على المرجوحية و عدم الالتفات الى فوت الفضيلة المهمة و لا يناسب ذلك مع تمامية الوقت الاختياري بوجه.

و مثلها ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر عن عاصم بن حميد عن أبي بصير المكفوف قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الصائم متى يحرم عليه الطعام فقال إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء قلت فمتى تحل الصلاة فقال إذا كان كذلك فقلت الست في وقت من تلك الساعة الى

ان تطلع الشمس فقال لا انما تعدها صلاة الصبيان ثم قال: انه لم يكن يحمد الرجل ان يصلى في المسجد ثم يرجع فينبه اهله و صبيانه. «3»

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و العشرون ح- 7.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع و العشرون ح- 1.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن و العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 165

..........

______________________________

و الظاهر اتحادها مع الرواية السابقة و عدم كونهما روايتين و لذا حكى عن الحدائق انه نقل عن صاحب المنتقى المناقشة في سند الرواية بأن الشيخ رواها عن أبي بصير و قيده بالمكفوف و الصدوق رواها عنه و قيده بليث المرادي و الكليني رواها عنه و أطلقه و حيث ان الراوي أحدهما و هو مردد بين الثقة و الضعيف- لضعف المكفوف- فلا يمكن الاستدلال بها بوجه و لكنه رجح في الحدائق ان يكون المراد به هو المرادي لغلبة رواية عاصم بن حميد عنه.

و منها رواية معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- الدالة على إتيان جبرئيل بمواقيت الصلاة المشتملة على قوله ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح الى قوله: ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح ثم قال ما بينهما وقت. «1»

و منها رواية ذريح عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- الدالة على ذلك المشتملة على قوله- عليه السّلام- فقال صل الفجر حين ينشق الفجر الى قوله ثم أتاه من الغد فقال اسفر بالفجر .. «2»

و منها: رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتى يطلع

الفجر، و لا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس. «3» و نوقش في سندها لأجل على بن يعقوب الهاشمي نظرا إلى انه لم يوثق في كتب الرجال.

و قد ظهر مما ذكرنا ان أكثر الروايات الواردة في الباب يدل على قول المشهور و امتداد وقت الاجزاء الى طلوع الشمس و هي قرينة على التصرف في الروايات الأخر بالحمل على امتداد وقت الفضيلة الى ان يتجلل الصبح السماء

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 5.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 8.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 166

[المقام الرابع في أوقات فضيلة الصلوات الخمس المفروضة]
اشارة

______________________________

و يتحقق الاسفار و التنور و لو أبيت إلا عن ثبوت المعارضة فاللازم طرح الطائفة المخالفة للمشهور لأن أول المرجحات هي الشهرة الفتوائية- كما قد قرر في محله- فالمتحصل ان الأقوى ما عليه المشهور على اىّ حال.

المقام الرابع في أوقات فضيلة الصلوات الخمس المفروضة و لا بدّ قبل بيانها من التعرض لمسألة مشهورة بينهم و هي ان لكل صلاة وقتين كما تدل عليه الروايات المتعددة و قد اختلفوا في المراد من ذلك على قولين:

أحدهما ان الوقت الأول اختياري و الثاني اضطراري بمعنى انه لا يجوز التأخير اليه الا لذوي الأعذار.

ثانيهما ان الوقت الأول وقت الاجزاء و الثاني وقت الفضيلة و أكثر القدماء كالشيخين و ابن أبي عقيل و غيرهم على الأول، و السيد و ابن الجنيد و جماعة على الثاني و تبعهم المتأخرون قاطبة و قد أصر صاحب الحدائق على إثبات قول الشيخين خصوصا بالإضافة إلى الظهرين.

و منشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في الباب فكثيرة منها ظاهرة في كون الافتراق انما هو بالفضيلة و الاجزاء و استدل

ببعضها على خلافه و لا بدّ من التعرض لهذه الطائفة و ملاحظة تماميتها من حيث السند و الدلالة أو عدمها و ان كان لا يترتب على هذا البحث كثير فائدة لأن الظاهر ان مراد القائل بعدم جواز التأخير عن الوقت الاختياري هو عدم الجواز التكليفي و ترتب العصيان فقط من دون ان يكون وقت الصلاة خارجا بالتأخير بحيث يصير قضاء بذلك كما هو مقتضى الحرمة الوضعية فمراده هو ثبوت العصيان مع عدم ثبوت العقاب و عدم ترتبه كما نطقت به الاخبار الدالة على ان آخر الوقت عفو اللّٰه فالتأخير في المقام انما يكون مشابها لنية المعصية التي هي معصية معفو عنها و عليه فلا يترتب على هذا البحث ثمرة مهمة فقهية و لكنه مع ذلك لا يخلو عن نتائج علمية فنقول:

من جملة الروايات التي استدل بها على ذلك صحيحة عبد اللّٰه بن سنان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 167

..........

______________________________

عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في ما رواه الكليني قال: سمعته يقول لكل صلاة وقتان و أول الوقت أفضله و ليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في عذر من غير علة. «1» بتقريب انها تدل على ان لكل صلاة وقتين، و لكل من الوقتين أول و آخر و أولهما أفضلهما و ليس للمكلف ان يجعل الوقت الثاني وقتا للصلاة الا من علة تقتضيه فذيل الرواية ظاهر بل صريح في انه ليس للمكلف أن يؤخر الصلاة إلى الوقت الثاني الا من علة فالواجب على المختار ان يأتي بها في الوقت الأول الشامل لأوله الذي هو أفضل و آخره الذي لا يكون كذلك.

و يدفعه ان دلالة الرواية على خلاف مطلوبه أظهر

لأن الظاهر ان المراد من قوله: و أول الوقت أفضل هو أفضلية الأول بالإضافة إلى الأخر الذي يكون هو الوقت الأخر الذي دل على كليهما قوله- عليه السّلام-: لكل صلاة وقتان فمفاد الرواية ان لنا وقتين يكون أحدهما و هو الأول أفضل من الأخر و هو الأخر و يؤيد ذلك مضافا الى كونه هو المتفاهم منه عرفا انه فيما رواه الكليني عن معاوية بن عمار أو ابن وهب انه قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- لكل صلاة وقتان و أول الوقت أفضلهما. «2» فان تثنية الضمير الراجع الى الوقتين و اضافة الأفضل اليه ظاهرة في كون الطرف الأخر هو الوقت الأخر.

مع ان نفس هذه الرواية المستدل بها رواها الشيخ عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- هكذا: قال: لكل صلاة وقتان و أول الوقتين أفضلهما .. «3»

و مع هذا النقل لا يبقى مجال للترديد في كون المراد بيان وقت الفضيلة في مقابل وقت الاجزاء و ان افتراق الوقتين انما هو بذلك.

و اما قوله: و ليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا .. فقد عرفت ان

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث ح- 13.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث ح- 11.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 168

..........

______________________________

الظاهر ان المراد به هو جعل الوقت الأخر وقتا استمراريا للصلاة بحيث لا يرى لها وقت و لو عملا الا آخر الوقت و من الواضح ان ذلك اعراض عن السنة و تهاون خارج عما هو محل البحث في المقام من التأخير العمدي لا بهذا الداعي بل بغيره.

و يحتمل ان يكون المراد به ما افاده سيدنا

العلامة الأستاذ- قدس سره- و هو ترغيب الناس و تحريصهم إلى الإتيان بالصلوات في أوائل أوقاتها و نظير ذلك كثير في الاخبار التي سيقت لبيان المستحبات إذا كان المقصود الترغيب إلى الإتيان بمستحب مؤكد كما في المقام حيث ورد فيه ان فضل الوقت الأول على الأخر كفضل الآخرة على الدنيا و نظيره من التعبيرات الواردة في الاخبار.

مع ان اشتمال نقل الشيخ على تجويز التأخير لمن كان له شغل في عداد النوم و السهو و النسيان يؤيد ما ذكرنا من عدم كون التأخير دائرا مدار الاضطرار لان الاشتغال بأحد المشاغل كيف يجوز التأخير و ترك الصلاة في الوقت الاختياري المقرر له كما هو ظاهر.

منها مرسلة الصدوق قال: قال الصادق- عليه السّلام-: اوله رضوان اللّٰه و آخره عفو اللّٰه و العفو لا يكون الا عن ذنب. «1»

و فيه ان هذا القسم من المرسلات و ان كان معتبرا كما عرفت مرارا الا ان الظاهر ان قوله: و العفو .. لا يكون جزء من الرواية لأنه مضافا الى انه من دأب الصدوق مثل ذلك الإضافة إلى الرواية و جعل ما استنبطه و اجتهده أو ما يكون مربوطا برواية أخرى ضميمة إليها لا يكون هذا الكلام مسانخا لكلام الامام- عليه السّلام- لانه يشبه امرا استنباطيا مأخوذا من شي ء آخر و الاستنباط من الامام- عليه السّلام- بالإضافة إلى الكتاب أو كلام الرسول أو كلام الامام المتقدم و ان كان مما لا مانع منه الا انه لا وجه للاستنباط من كلام نفسه كما لا يخفى.

و كيف كان فلم يثبت كون هذا ذيلا للرواية و تتمة لها حتى يستفاد من

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث ح- 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الصلاة، ص: 169

..........

______________________________

عنوان الذنب عدم جواز التأخير في حال الاختيار و معه يصير معنى الرواية ان آخر الوقت عفو اللّٰه و هذا لا يلازم ثبوت الذنب لان معناه ان الصلاة في أول الوقت رضوان اللّٰه الذي وصفه اللّٰه في كتابه بأنه أكبر و آخر الوقت موجب للعفو عن سائر المعاصي و السيئات و هذه فضيلة و لكنها لا تقاس بفضيلة أول الوقت و عليه فتكون هذه الرواية أيضا دليلا على امتداد وقت الاجزاء مطلقا.

و منها رواية ربعي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: انا لنقدم و نؤخر و ليس كما يقال من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك و انما الرخصة للناسي و المريض و المدنف و المسافر و النائم في تأخيرها. «1»

و الاستدلال بها مبنى على ان يكون قوله: من أخطأ .. كلام الامام الصادر لبيان الحكم و توضيحا للتقدم و التأخر المذكورين في الصدر مع ان الظاهر كونه الى آخر الرواية مقولا ليقال الذي نفاه الامام- عليه السّلام- بكلمة «ليس» و يدل عليه- مضافا الى انه على مبنى الاستدلال يلزم ان يكون بلا مقول و هو خلاف الظاهر- ان من الواضح ظهور الصدر في كون التقديم و التأخير انما هو في حال واحد و هي حالة الاختيار و على مبنى الاستدلال يلزم التفكيك بان يكون المراد هو التقديم في حال الاختيار و التأخير في حال الاضطرار و هو خلاف الظاهر جدا فالرواية تنفى التفصيل بين حالتي الاختيار و الاضطرار لا انها تثبته فتدبر مع ان في سند الرواية إسماعيل بن سهل الذي ضعفه أصحابنا على ما حكى عن النجاشي.

و منها رواية إبراهيم الكرخي قال: سألت أبا الحسن موسى- عليه السلام- متى

يدخل وقت الظهر؟ قال: إذا زالت الشمس، فقلت متى يخرج وقتها؟ فقال من بعد ما يمضى من زوالها أربعة أقدام ان وقت الظهر ضيق ليس كغيره قلت فمتى يدخل وقت العصر فقال: ان آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 170

..........

______________________________

فقلت: فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال وقت العصر الى ان تغرب الشمس و ذلك من علة و هو تضييع، فقلت له لو ان رجلا صلى الظهر بعد ما يمضى من زوال الشمس أربعة أقدام أ كان عندك غير مؤد لها فقال: ان كان تعمد ذلك ليخالف السنة و الوقت لم يقبل منه، كما لو ان رجلا أخر العصر الى قرب ان تغرب الشمس متعمدا من غير علة لم يقبل منه ان رسول اللّٰه- ص- قد وقت للصلاة المفروضات أوقاتا و حد لها حدودا في سنته للناس فمن رغب عن سنة من سنته الموجبات كان مثل من غرب عن فرائض اللّٰه. «1»

و أجيب عنها مضافا الى انها ضعيفة السند بإبراهيم الكرخي لعدم توثيقه بأن غاية مفادها هي حرمة التأخير إلى الوقت الثاني إذا كان بصورة الاعراض عن السنة و التهاون بها و بتعبير الرواية إذا تعمد ليخالف السنة و الوقت و لا دلالة لها على الحرمة فيما هو محل البحث أصلا.

و منها رواية داود بن فرقد قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قوله تعالى إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً، قال: كتابا ثابتا و ليس ان عجلت قليلا أو أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضيع تلك الإضاعة فإن اللّٰه عز و جل يقول لقوم:

أَضٰاعُوا الصَّلٰاةَ

وَ اتَّبَعُوا الشَّهَوٰاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا «2».

و الاستدلال بها مبنى على ان يكون التعجيل و التأخير راجعين الى الوقت الاختياري و الإضاعة راجعة إلى الوقت الاضطراري بحيث أخر الصلاة إليه من غير عذر و ضرورة.

و أورد عليه بأنه دعوى لا مثبت لها لان التعجيل و التأخير سواء ارجعا الى الوقت الأول أو الثاني لم يدل دليل على ان الإضاعة بالمعنى المذكور لاحتياجه إلى قرينة و هي مفقودة في الرواية و انما تدل على انه أشار بالاضاعة الى إضاعة

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 32.

(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض الباب السابع ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 171

..........

______________________________

خاصة و لعلها كانت معهودة بينه و بين السائل.

أقول الظاهر انه حيث كان السؤال عن تفسير قوله تعالى الظاهر في ثبوت الوقت للصلاة و أجاب الإمام- عليه السّلام- بأنه ليس المراد بالموقوت هو بيان الوقت بل المراد به هو الثبوت و عدم التغير للإشارة إلى الفرق بين الصلاة و بين الصوم اللذين يشتركان في انهما قد كتبا على الناس بان الصلاة كتاب ثابت لا يجوز تركها بوجه فقد وقع من هذه الجهة شبهة في ذهن السائل من جهة عدم الاهتمام بالوقت و أجاب الإمام- عليه السّلام- بأنه ليس الوقت في الأهمية مثل أصل الصلاة فالتعجيل و التأخير قليلا لا يوجب تحقق الضرر بل المضر هي الإضاعة المتحققة بترك الصلاة رأسا و عدم الاعتناء بشأنها كذلك فالرواية على هذا التقدير انما تكون في مقام مقايسة الوقت مع أصل الصلاة و انه ليس الوقت من جهة الأهمية كأصل الصلاة و عليه لا ارتباط لها بالمقام أصلا.

و منها رواية أبي بصير قال: قال أبو عبد

اللّٰه- عليه السّلام- ان الموتور اهله و ماله من ضيع صلاة العصر قلت: و ما الموتور؟ قال لا يكون له أهل و لا مال في الجنة قلت: و ما تضييعها؟ قال يدعها حتى تصفر و تغيب. «1»

و رواه في الوسائل عن الصدوق أيضا مع زيادة في صدره و ذكر «أو» مكان «الواو» في قوله حتى تصفر و تغيب. «2»

و الاستدلال بها مبنى على ان يكون العطف بأو مع انه لم يثبت كما عرفت مضافا الى ان العطف بأو في مثل المقام مما يكون الأمر الأول متحققا قبل الأمر الثاني دائما مما لا وجه له لعدم المعقولية.

مع انه على تقدير تسليم ذلك لا دلالة للرواية على حرمة التأخير و استحقاق العقوبة بسببه غاية الأمر ان التأخير يوجب تحقق الموتورية و فقدان الأهل

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب التاسع ح- 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب التاسع ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 172

..........

______________________________

و المال في الجنة و كونه كلا على أهلها و هذه منقصة يمكن ان تكون ناشئة من ترك الصلاة في وقت الفضيلة و عدم رعايته فلا دلالة للرواية على مدعاه مع ان الظاهر من قوله: يدعها هو استمرار الترك الناشئ من البناء العملي على التأخير و قد عرفت خروج مثل هذا الفرض مما يكون التأخير بداع الاعراض عن السنة و التهاون بها و عدم الاعتناء بشأنها عن محل الكلام و يؤيده توصيفه بالتعمد في بعض الروايات. «1»

و منها صحيحة أبان بن تغلب قال: كنت صليت خلف أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- بالمزدلفة فلما انصرف التفت الى فقال: يا ابان الصلوات الخمس المفروضات من اقام حدودهن و حافظ على مواقيتهن لقي

اللّٰه يوم القيامة و له عنده عهد يدخله به الجنة، و من لم يقم حدودهن و لم يحافظ على مواقيتهن لقي اللّٰه و لا عهد له، ان شاء عذبه و ان شاء غفر له. «2».

و أجيب عن الاستدلال بها انها نظير ما دل على ان أول الوقت رضوان اللّٰه و آخره عفو اللّٰه فمفادها ان من صلاها في أوقات الفضيلة فقد وعده اللّٰه ان يدخله الجنة بذلك و من صلاها في غير تلك الأوقات فليس له وعد من اللّٰه سبحانه بل له ان يدخله الجنة و له ان لا يدخلها.

و الحق ان المراد بالمواقيت في الرواية هي مواقيت الاجزاء و مفادها ان عدم رعايتها و عدم المحافظة عليها يوجب استحقاق العذاب و ان كان غير تارك لأصل الصلاة غاية الأمر ان تحقق العذاب متوقف على مشية اللّٰه و الشاهد لما ذكرنا جعل عدم المحافظة في عداد عدم اقامة حدود الصلوات الظاهر في عدم الاهتمام بشرائطها و خصوصياتها المعتبرة فيها و عليه فمراد الرواية ان إتيان الصلاة في الوقت مع جميع الخصوصيات موجب لثبوت العهد المذكور و الإخلال

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب التاسع ح- 9.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الأول ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 173

..........

______________________________

بالوقت أو بالحدود مع عدم الترك رأسا موجب لاستحقاق العذاب و عليه فلا تكون الرواية نظير الرواية المذكورة في الجواب فتدبر.

و منها موثقة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال اتى جبرئيل رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت

الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح. ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح ثم قال: ما بينهما وقت. «1»

و الاستدلال بها مبنى على دعوى ظهور الرواية في اختصاص الوقت بما بين الزمانين المختلفين الذين جاء فيهما جبرئيل في يومين.

و الجواب مضافا الى ان ظاهر الرواية هو ثبوت وقت بينهما و اما ان الوقت هو الوقت الاختياري كما يقول به المستدل أو وقت الفضيلة كما يقول به غيره فلا دلالة للرواية عليه و بعبارة أخرى لا بدّ من اشتمال الوقت المذكور على خصوصية و لا دلالة للرواية على بيانها أصلا، ان الوقت الاختياري لو كان منحصرا بما بين الحدين فكيف صلى النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- الظهر في المرة الثانية بعد الحد الثاني مع ظهور التحديد في لزوم وقوعها فيما بين الحدين و ظهور عدم عروض الاضطرار فيها فاللازم الحمل على وقت الفضيلة كما لا يخفى.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا صليت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك. «2» و تقريب الاستدلال بها ان الضرورة

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 5.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث عشر ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 174

..........

______________________________

قاضية بعدم جواز الإتيان بالفرائض في غير أوقاتها المعينة بلا فرق

في ذلك بين السفر و الحضر فلا بد من ان يكون المراد بالوقت فيها هو الوقت الاختياري الذي لا يجوز التأخير عنه الا عند الاضطرار و السفر أيضا من جملة الاعذار ففي الحقيقة تكون الرواية مسوقة لبيان ذلك و ان السفر أيضا مجوز للتأخير عن الوقت الاختياري فلا يتحقق الضرر فيه و مفهومه ان التأخير يضر في غير السفر.

و أجاب عنها بعض الأعلام أولا بأن قوله- عليه السّلام- شيئا .. نكرة في سياق الإثبات و هي لا تدل على العموم بل يلائم مع البعض فالرواية تدل على ان بعض الصلوات كذلك و ليكن هو النوافل لجواز الإتيان ببعضها في غير أوقاتها في خصوص السفر.

و ثانيا بأن الصلاة في غير وقتها أعم من تأخيرها عن وقتها لشموله لتقديمها على وقتها أيضا و من الواضح عدم انطباق ذلك الا على النوافل لوضوح ان الفرائض لا يجوز تقديمها على أوقاتها في شي ء من الموارد بخلاف النوافل كصلاة الليل حيث يجوز تقديمها على الانتصاف للمسافر اختيارا.

و ثالثا بأنه لو سلم ما ذكر لا يكون للرواية مفهوم أصلا لأن مفهومها إذا لم تصل في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك و هو من السالبة بانتفاء الموضوع لانه مع عدم الإتيان بالصلاة لا موضوع حتى يؤتى به في وقته أو في غير وقته، نعم تقييد الموضوع بقيد في الكلام يدل على ان الحكم غير مترتب على المطلق بل على حصة خاصة منه و الا تلزم لغوية التقييد و عليه فلا بد من القول بان السفر له خصوصية في الحكم بعدم الضرر و هذا لا يكفي في دلالة الرواية على المدعى لانه يكفي في تلك الخصوصية وجود الحزازة في

التأخير عن وقت الفضيلة في الحضر و انتفائها في السفر.

و يرد على الجواب الأول وضوح ثبوت الإطلاق لكلمة «شيئا» و ان الاختيار انما هو بيد المصلى و الغرض نفى الإتيان بجميع الصلوات في غير أوقاتها و عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 175

..........

______________________________

فمقتضى الإطلاق الشمول للنوافل كإطلاق الرجل في قوله أكرم رجلا الشامل لغير العالم أيضا.

و على الجواب الثاني ان إطلاق قوله: في غير وقتها و ان كان شاملا للتقديم على الوقت أيضا الا ان عموم قوله: الصلوات شامل للصلوات المفروضات أيضا و لا ترجيح للإطلاق على العموم لو لم نقل بالعكس من جهة توقف الإطلاق على عدم البيان و العام يصلح لان يكون بيانا و ان شئت قلت ان هنا إطلاقين أحدهما الإطلاق المذكور و الثاني إطلاق قوله: شيئا و لا ترجيح للأول على الثاني كما لا يخفى.

و اما الجواب الثالث فهو صحيح بعد انه لا مفهوم للقضية الشرطية أصلا كما قد قرر في محله.

و منها رواية أبي بصير عن أبي جعفر- عليه السّلام- في حديث ان الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت الى صاحبها و هي بيضاء مشرقة ما تقول: حفظتني حفظك اللّٰه، و إذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت الى صاحبها و هي سوداء مظلمة تقول: ضيعتني ضيعك اللّٰه. «1» و الرواية على نسخة الكافي- على ما حكى- مشتملة على لفظ «أول» فهي هكذا إذا ارتفعت في أول وقتها. و على هذه النسخة لا يجوز الاستدلال بها لوضوح عدم وجوب الإتيان بالصلاة في أول وقتها و لا قائل بوجوب إيقاعها في أول الوقت الأول و لا يلتزم به حتى صاحب الحدائق.

نعم على نسخة غيره قابلة

للاستدلال بها لو لم يكن الارتفاع في غير الوقت مقيدا بغير الحدود و اما مع هذا التقييد كما في الرواية يكون مفادها ان رجوعها الى صاحبها سوداء مظلمة إذا اتى بها في غير الوقت الأول فيما إذا كانت حدودها غير مرعية و لم يهتم بشأنها و هذا خارج عما هو محل الكلام.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الأول ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 176

[مسائل]
[المسألة الأولى: في وقت فضيلة الظهرين]

______________________________

و منها بعض الروايات الأخر الذي يظهر الاستدلال به و الجواب عنه مما ذكرنا في هذه الروايات و لا نطيل بإيراده على التفصيل. إذا عرفت ما ذكرنا من ان اختلاف الوقتين انما هو بالفضيلة و الاجزاء دون الاختيارية و الاضطرارية يقع الكلام في أوقات الفضيلة في ضمن مسائل:

المسألة الاولى: في وقت فضيلة الظهرين و الكلام فيه تارة من حيث المبدء و اخرى من حيث المنتهى.

اما من حيث المبدء فالمعروف بين الأصحاب- رض- ان مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر هو الزوال الى ان يبلغ الظل الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص و وقت فضيلة العصر من المثل الى المثلين و نفى السيد في العروة البعد عن ان يكون مبدأ وقت فضيلة صلاة العصر أيضا هو الزوال و منتهاه هو المثلان.

و يمكن الاستدلال لكون مبدأ وقت الفضيلة في صلاة الظهر هو الزوال بالأخبار الكثيرة المتقدمة الدالة على انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين بضميمة الأخبار الدالة على فضيلة أول الوقت و انه رضوان اللّٰه و ان فضله على آخر الوقت كفضل الآخرة على الدنيا و أشباه ذلك من التعبيرات الواردة في الروايات.

كما انه يدل على ما ذكره المشهور موثقة معاوية بن وهب المتقدمة عن

أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: اتى جبرئيل رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر ..

ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد في ظل قامتان فأمره فصلى العصر .. ثم قال ما بينهما وقت. «1» لدلالتها على ان ما بين الزوال و صيرورة الظل قامة وقت لصلاة الظهر كما ان ما بين القامة و القامتين وقت للعصر و قد مر ان المراد من الوقت الأول هو وقت الفضيلة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 177

..........

______________________________

و قد ذكر بعض الاعلام ان الاخبار الواردة في المقام على طوائف ثلاث:

الاولى: ما دل على ان مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر بلوغ الظل قدما بعد الزوال و لصلاة العصر قدمين و هي جملة من الاخبار:

منها: صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن وقت الظهر فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في يوم الجمعة أو في السفر فان وقتها حين تزول. «1»

و منها موثقة سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته عن وقت الظهر أ هو إذا زالت الشمس؟ فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت. «2»

و منها موثقة ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال: سئل أبا عبد اللّٰه أناس و انا حاضر .. فقال بعض القوم: انا نصلي الأولى إذا كانت على قدمين، و العصر على أربعة أقدام فقال أبو

عبد اللّٰه- ع-: النصف من ذلك أحب الى. «3» و النصف منهما هو القدم و القدمان.

أقول: لم يظهر لي وجه دلالة هذه الطائفة على كون مبدأ وقت الفضيلة بلوغ الظل قدما أو قدمين فان ظاهرها ان ذلك مبدأ وقت الاجزاء لظهور الوقت فيه أو لا فهذه الطائفة لا دلالة لها في نفسها على ذلك لظهورها في كون ذلك وقت الاجزاء نعم لو لوحظت مع الروايات الكثيرة المتقدمة الدالة على ان مبدأ وقت الاجزاء هو الزوال لأمكن حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة و لكنه لا شاهد لهذا الحمل لإمكان حملها على كون التأخير انما هو لرعاية النافلة و مكانها كما وقع التصريح بذلك في بعض روايات الطائفة الآتية و ليس التأخير

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 11.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 17.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 22

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 178

..........

______________________________

لأجل ذلك ملازما لعدم كون أول الوقت وقت الفضيلة حتى بالإضافة الى من يأتي بالنافلة فإن الترك في أول الوقت يمكن ان يكون لأجل مزاحمة ما هو أهم و أفضل و كيف كان فلم تظهر دلالة هذه الطائفة على كون ما ذكر فيها مبدأ لوقت الفضيلة.

الطائفة الثانية: ما دلت على ان وقت الفضيلة لصلاة الظهر ما إذا بلغ الظل قدمين و لصلاة العصر ما إذا بلغ أربعة أقدام و قد يعبر عنهما بالذراع و الذراعين و ذكر ان الاخبار في ذلك كثيرة و لا يبعد دعوى تواترها إجمالا مضافا الى اشتمالها على جملة من الصحاح و الاخبار المعتبرة:

منها صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و بكير و بريد بن معاوية العجلي عن

أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه- عليهما السلام- انهما قالا: وقت الظهر بعد الزوال قدمان و وقت العصر بعد ذلك قدمان. «1» و رواه الشيخ عن الفضيل و الجماعة المذكورين مثله، و زاد: و هذا أول وقت الى ان تمضى أربعة أقدام للعصر. «2»

و منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر- ع- قال: سألته عن وقت الظهر فقال: ذراع من زوال الشمس و وقت العصر ذراعان (ع) من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس ثم قال: ان حائط مسجد رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان قامة و كان إذا مضى منه ذراع صلى الظهر و إذا مضى منه ذراعان صلّى العصر .. «3».

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- ع- في حديث قال: كان حائط مسجد رسول اللّٰه- ص- قبل ان يظل قامة و كان إذا كان ألفي ذراعا و هو قدر مربض عنز

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 2.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 179

..........

______________________________

صلى الظهر فإذا كان ضعف ذلك صلى العصر. «1»

و منها صحيحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- إذا كان الفي ء في الجدار ذراعا صلى الظهر و إذا كان ذراعين صلى العصر قلت الجداران تختلف منها قصير و منها طويل، قال ان جدار مسجد رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يومئذ قامة و انما جعل الذراع و الذراعان لئلا يكون تطوع في وقت فريضة. «2»

أقول: اشتمال رواية زرارة على تعليل التأخير إلى

الذراع بمكان النافلة و رعايتها ظاهر في ان الذراع و الذراعين لا يكونان مبدئين لوقت الفضيلة و الا لكان المناسب التعليل بذلك خصوصا مع اشتمال كثير من روايات هذه الطائفة على حكاية عمل رسول اللّٰه- ص- و انه كان يؤخر إلى الوقتين فإنه لو كان الوقتان مبدئين للفضيلة لا يكون وجه لبيان أن النكتة فيه رعاية النافلة و لحاظ المتنفلين المشتغلين بالنافلة بعد الزوال كما لا يخفى فهذه الطائفة أيضا لا دلالة لها على خلاف ما عليه المشهور أصلا.

الطائفة الثالثة: ما استدل به على مذهب المشهور و هي أيضا عدة روايات:

منها: رواية يزيد بن خليفة قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- ان عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام-: إذا لا يكذب علينا، قلت ذكر انك قلت ان أول صلاة اقترضها اللّٰه على نبيه الظهر و هو قول اللّٰه عز و جل أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ فإذا زالت الشمس لم يمنعك الا سبحتك ثم لا تزال في وقت الى ان يصير الظل قامة و هو آخر الوقت فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين و ذلك المساء، قال: صدق. «3» و ناقش

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 7.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 28.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 180

..........

______________________________

فيها بضعف السند لعدم توثيق يزيد بن خليفة.

و منها رواية محمد بن حكيم قال سمعت العبد الصالح- ع- و هو يقول ان أول وقت الظهر زوال الشمس و آخر وقتها قامة من الزوال و أول وقت العصر

قامة و آخر وقتها قامتان، قلت في الشتاء و الصيف سواء قال. نعم. «1» و ناقش فيها أيضا بضعف السند لعدم توثيق محمد بن حكيم.

و منها: صحيحة أحمد بن عمر عن أبي الحسن- ع- قال سألته عن وقت الظهر و العصر فقال: وقت الظهر إذا زاغت الشمس الى ان يذهب الظل قامة و وقت العصر قامة و نصف الى قامتين «2» و ناقش فيها من حيث الدلالة لعدم إمكان إرادة ان وقت الفضيلة أو الوقت الأول انما هو بعد القامة الى قامة و نصف الى قامتين لانه مما لا قائل به فلا مناص من ان تكون ناظرة إلى بيان منتهى وقت الفضيلة أو الوقت الأول و انه ينتهى إلى قامة و نصف من الزوال الى قامتين حسب اختلافهما في الفضيلة و بذلك تسقط عن الدلالة على مذهب المشهور.

و منها: صحيحة ابن أبي نصر البزنطي قال: سألته عن وقت صلاة الظهر و العصر فكتب قامة للظهر و قامة للعصر. «3» و قد ذكر ان دلالتها على مذهب المشهور تبتنى على ان تكون الرواية ناظرة إلى بيان المبدء و المنتهى معا بان يراد منها ان مبدأ وقت فضيلة الظهر أول الزوال و منتهاه قامة و وقت فضيلة صلاة العصر من القامة الاولى الى الثانية، و من البعيد كون الصحيحة ناظرة الى ذلك لبعد ان يكون مثل ابن أبي نصر البزنطي جاهلا بأول وقت الفضيلة و غير عالم بمبدئه و الظاهر ان سؤاله انما هو عن منتهى الوقتين و المبدء بحسب ما ارتكز في ذهنه هو أول الزوال و عليه فلا يمكن الاستدلال بها للمشهور لأنهم ذهبوا الى ان مبدأ

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 29

(2)

الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 9.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 181

..........

______________________________

وقت فضيلة العصر بعد القامة الاولى لا الزوال.

أقول و هذا الكلام عجيب جدا أما أولا فلأنه كيف يكون جهل مثل ابن أبي نصر بأول وقت الفضيلة بعيدا و لا يكون جهله بآخره كذلك و اما ثانيا فلانه كيف ارتكز في ذهنه ان مبدأ وقتي الفضيلة هو الزوال مع انه خلاف ما عليه المشهور و خلاف ما يقول به أنتم أيضا و هل ارتكز في ذهنه ما ليس بواقع و من الممكن ان يكون المرتكز في ذهنه ان مبدأ وقت فضيلة الظهر الزوال و العصر القامة نعم لا دليل على إثبات هذا الارتكاز كما لا يخفى.

و منها: موثقة زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن وقت صلاة الظهر في القيظ (اشتداد الحرارة) فلم يجبني فلما ان كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال ان زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فخرجت (فحرجت) من ذلك فاقرأه مني السلام و قل له: إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر و إذا كان ظلك مثليك فصل العصر. «1»

و ذكر انه لا يمكن ان يستدل بها للمشهور لأنها انما تدل على ان مبدأ وقت فضيلة الظهر بلوغ الظل مثل الشاخص و العصر بلوغه مثلين و المشهور قائلون بأنهما منتهى وقت الفضيلة للصلاتين فلا بد من حملها على معنى آخر و هو التوسعة في الوقت لمراعاة التبريد عند اشتداد الحرارة.

و منها رواية المجالس و قد ورد فيها: أتاني جبرئيل- عليه السّلام- فأراني وقت الظهر (الصلاة) حين زالت الشمس فكانت على حاجبه

الأيمن ثم أراني وقت العصر و كان ظل كل شي ء مثله. «2» قال: و هي ضعيفة السند لاشتماله على عدة من المجاهيل.

ثم ذكر انه لم تبق رواية للمشهور إلا رواية واحدة و هي رواية معاوية بن

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 11 و 27

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب و العاشر ح- 12

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 182

..........

______________________________

وهب المتقدمة و هي لا تصلح للاستدلال بها لانه بعد دلالة جملة كثيرة من الروايات فيها صحاح بل لا يبعد دعوى تواترها الإجمالي على خلاف مفادها و ان مبدأ وقت الفضيلة هو القدم أو القدمان فلا محالة تكون الموثقة من الروايات الشاذة النادرة و المخالفة للسنة القطعية و الاخبار المشهورة الواضحة فلا مناص من طرحها مع انها موافقة للعامة أيضا فأول وقت الفضيلة هو القدم و القدمان في الظهر أو القدمان أو أربعة اقدام في العصر حسب الاختلاف في الفضيلة.

أقول قد عرفت ان الطائفتين الأوليين لا دلالة لهما على مبدأ وقت الفضيلة و ان التحديد الواقع فيهما انما هو بلحاظ النافلة و مكانها فلا يتحقق التعارض بينهما و بين الموثقة حتى تكون من الروايات الشاذة النادرة لدلالتها على مبدأ وقت الفضيلة دونهما مع ان الضعف في جملة من روايات الطائفة الأخيرة مجبور بالشهرة و استناد المشهور مع ان أول المرجحات على تقدير ثبوت التعارض هي الشهرة الفتوائية المطابقة مع الموثقة اذن فلا محيص عن الأخذ بها خصوصا مع موافقتها للآيات الآمرة بالاستباق الى الخيرات و المسارعة إلى مغفرة من الرب لوضوح أن الصلاة من أعظم الخيرات و أهم أسباب المغفرة و مع موافقتها للروايات الدالة على ان أول الوقت أفضل و الاخبار

الآمرة بالتعجيل في الإتيان بالنوافل و التخفيف ما استطاع المكلف.

و يؤيد عدم كون التحديد الواقع في الطائفتين الأوليين ناظرا الى بيان مبدأ وقت الفضيلة صحيحة محمد بن احمد بن يحيى: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين و بين يديها سبحة و هي ثماني ركعات فإن شئت طولت و ان شئت قصرت. «1»

و في موثقة ذريح المحاربي: إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه الا

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس عشر ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 183

..........

______________________________

سبحتك تطيلها أو تقصرها. «1»

و قد انقدح مما ذكرنا ان مبدأ وقت الفضيلة في صلاة الظهر هو الزوال و لا فرق فيه بين المتنفل و غيره غاية الأمر ان النافلة تزاحم الفريضة الى ان يبلغ الظل الذراع من دون ان يكون أصل الفضيلة منتفيا و كان التأخير مستحبا في نفسه و غير المتنفل يكون وقت الفضيلة له بعد الزوال أيضا بلا مزاحم.

نعم يمكن الاستشهاد لاستحباب التأخير مطلقا كما حكى عن الفيض في الوافي و صاحب المنتقى بروايات:

منها رواية زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- أصوم فلا أقيل حتى تزول الشمس فإذا زالت الشمس صليت نوافلي ثم صليت الظهر ثم صليت نوافلي ثم صليت العصر ثم نمت و ذلك قبل ان يصلى الناس فقال يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت و لكني أكره لك ان تتخذه وقتا دائما. «2»

و لكن الظاهر ان الكراهة ليس لأجل استحباب التأخير بل لأجل أن اتخاذه وقتا دائما موجب لمعروفية زرارة بذلك و هو ينافي مقام التقية و يؤيده تخصيص الكراهة بزرارة بقوله: اكره لك فالرواية لا دلالة لها على استحباب التأخير ذاتا.

و

منها ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- انه قال في كتاب كتبه إلى أمراء البلاد: اما بعد فصلوا بالناس الظهر حتى تفي ء الشمس مثل مربض الغنز .. «3»

و لكن الظاهر ان الأمر بذلك انما هو لملاحظة حال الناس من جهة التهيؤ للصلاة بعد الزوال و الاشتغال بالنافلة أحيانا و درك فضيلة الجماعة و لا دلالة له على

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس ح- 12.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس ح- 10.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 184

..........

______________________________

استحباب التأخير من حيث هو فالأمر بذلك انما هو لملاحظة ما هو أهم من حيث الفضيلة من فضيلة أول الوقت و هي النافلة أحيانا و الجماعة كما لا يخفى.

و منها مكاتبة محمد بن الفرج قال كتبت اسئله عن أوقات الصلاة فأجاب إذا زالت الشمس فصل سبحتك و أحب ان يكون فراغك من الفريضة و الشمس على قدمين .. «1»

و دلالتها ظاهرة و لكنها مكاتبة أولا و مضمرة ثانيا.

و منها موثقة عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن أفضل وقت الظهر قال ذراع بعد الزوال قال قلت في الشتاء و الصيف سواء؟ قال: نعم. «2»

هذا و لكن الظاهر انها لا تصلح لمعارضة ما تقدم مما يدل على ان أول الوقت أفضل من حيث هو و انه لا خصوصية للذراع الا من جهة مزاحمة النافلة للفريضة الى هذا الحد فانظر الى مثل رواية الحارث بن المغيرة و عمر بن حنظلة و منصور بن حازم جميعا قالوا: كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع فقال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- الا أنبئكم بابين من هذا

إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر الا ان بين يديها سبحة و ذلك إليك ان شئت طولت و ان شئت قصرت. «3» و في طريق آخر: ذلك إليك فإن أنت خففت سبحتك فحين تفرغ من سبحتك و ان طولت فحين تفرغ من سبحتك. «4»

و بملاحظتها لا يبقى ارتياب في انه لا موضوعية للذراع و ان الملاك هو الإتيان بالنافلة و الاشتغال بالفريضة بعده فالتأخير لا فضيلة فيه من حيث هو أصلا هذا كله في أول وقت فضيلة الظهر.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 31.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 25.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس ح- 1.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 185

..........

______________________________

و اما مبدأ وقت فضيلة العصر فقد عرفت ان المشهور انه هو المثل و عمدة الدليل عليه موثقة معاوية بن وهب المتقدمة الواردة في إتيان جبرئيل بمواقيت الصلاة المشتملة على قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر.، ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر .. ثم قال ما بينهما وقت. «1» فان ظهورها في ان مبدأ الوقت- الذي عرفت ان المراد به هو وقت الفضيلة- هي زيادة الظل قامة مما لا ينبغي ان ينكر.

و الظاهر انه لا يمكن موافقة المشهور في هذه الجهة لدلالة روايات متكثرة- قد مر بعضها- على ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يصلى العصر إذا مضى من الظل ذراعان كما انه يصلى الظهر إذا مضى منه ذراع و تأخير الظهر الى الذراع قد عرفت وجهه اما تعجيل العصر قبل المثل إذا

كان هو مبدأ وقت الفضيلة فلا يمكن توجيهه بشي ء أصلا مع انها ظاهرة في استمرار عمل النبي على ذلك و هل يمكن الالتزام باستمرار عمله على ترك فضيلة وقت العصر و الإتيان بصلاتها قبل المثل و ليس ذلك إلا لأجل عدم كون المثل مبدأ وقت الفضيلة.

هذا مضافا الى الروايات الدالة على الإتيان بها بعد نافلة الظهر و فريضتها و نافلة العصر بلا فصل و من الواضح ظهورها في ان الإتيان بها بعدها موجب لوقوعها في وقت الفضيلة و من هنا يظهر ان مبدأ وقتها ليس هو الذراعين أيضا بل هو مشترك مع الظهر في هذه الجهة غاية الأمر انه بعد مقدار أداء الظهر كما عرفت و لا ينافيه تأخير النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- الى الذراعين لان وجه التأخير ما عرفت من مكان النافلة و مزاحمتها فلا بد من حمل موثقة معاوية على اختلاف مرتبتي الفضيلة و ان مرتبتها الكاملة من الزوال و الناقصة من المثل فتدبر. هذا كله من حيث المبدء.

و اما من حيث المنتهى فالموثقة ظاهرة في امتداد الظهر الى المثل و العصر الى

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 186

[المسألة الثانية: في وقت فضيلة العشاءين]

______________________________

المثلين و كذا صحيحة البزنطي المتقدمة الدالة على ان الوقت قامة للظهر و قامة للعصر و كذا بعض الروايات الأخر.

نعم قد يتوهم ان منتهى وقت فضيلة صلاة العصر ثمانية اقدام اى قامة و سبع قامة و يستدل عليه بصحيحة الفضلاء المتقدمة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه- عليهما السّلام- على نقل الشيخ انهما قالا: وقت الظهر بعد الزوال قدمان و وقت العصر بعد ذلك قدمان و هذا أول وقت

الى ان تمضى أربعة أقدام للعصر. «1» نظرا الى ان المشار اليه بقوله:

و هذا أول .. هو أربعة أقدام فيصير المعنى ان أربعة أقدام من الزوال أول وقت العصر و يمتد ذلك الى ان تمضى أربعة أقدام أيضا فيصير المجموع ثمانية أقدام.

و لكن الظاهر ان الجملة الأخيرة تأكيد للجملة الثانية و المشار اليه بقوله:

و هذا هو القدمان الذي هو آخر وقت نافلة الظهر من جهة المزاحمة للفريضة فالمراد ان مزاحمة نافلة العصر تمتد الى ان تمضى أربعة أقدام للعصر و بعد مضيهما و حصول الذراعين ترتفع المزاحمة فالمراد بأربعة اقدام هي أربعة أقدام من الزوال كما في القدمين و على ما ذكرنا فلا معارض للروايات الدالة على مذهب المشهور من حيث المنتهى أصلا.

المسألة الثانية: في وقت فضيلة العشاءين و الكلام فيها تارة في المغرب و اخرى في العشاء.

اما المغرب فوقت فضيلتها من المغرب الى ذهاب الشفق و هي الحمرة المغربية و يدل عليه مضافا الى بعض الروايات الآتية في العشاء ما عرفت من ان الجمع بين الطوائف المختلفية من الروايات الواردة في أصل وقت فريضة المغرب يقتضي حمل ما يدل منها على ان آخر الوقت سقوط الشفق على انه آخر وقت الفضيلة بناء على ما مر تحقيقه من كون اختلاف الوقتين بالفضيلة و الاجزاء و اما مبدأ وقت الفضيلة فهو الغروب لما يدل على ان أول الوقت أفضله و على ما ذكرنا فلا

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 187

..........

______________________________

حاجة الى دليل خاص لبيان وقت الفضيلة أولا و آخرا.

و اما العشاء فوقت فضيلتها من ذهاب الشفق الى ثلث الليل و لا بدّ في إثبات

ذلك من وجود دليل خاص لأنك عرفت ان الروايات الواردة فيها الدالة على دخول وقتها بذهاب الشفق و ان كان يمكن حملها على بيان أول وقت الفضيلة الا ان اشتمالها على بعض الخصوصيات يوجب حملها على التقية مع أنها خالية عن التعرض لبيان المنتهى و عليه فالدليل على ذلك جملة من الروايات:

منها: موثقة ذريح عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: اتى جبرئيل رسول اللّٰه- ص- فأعلمه مواقيت الصلاة فقال: صل الفجر حين ينشق الفجر و صل الأولى إذا زالت الشمس و صل العصر بعيدها و صل المغرب إذا سقط القرص وصل العتمة إذا غاب الشفق، ثم أتاه من الغد فقال: اسفر بالفجر فأسفر ثم أخر الظهر حين كان الوقت الذي صلى فيه العصر و صلى العصر بعيدها و صلى المغرب قبل سقوط الشفق و صلى العتمة حين ذهب ثلث الليل، ثم قال: ما بين هذين الوقتين وقت. «1»

و رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول كان رسول اللّٰه- ص- لا يصلى من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زالت قدر نصف إصبع صلى ثماني ركعات .. و صلى المغرب حتى تغيب الشمس (و في محكي الحدائق: حين تغيب الشمس و هو الظاهر) فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، و آخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء و آخر وقت العشاء ثلث الليل .. «2»

هذا و لكنه ورد في جملة من الروايات ما يظهر منه ان الأفضل الاولى ان تؤخر العشاء الى ثلث الليل مثل:

موثقة ذريح عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث ان رسول اللّٰه- ص- قال: لو لا

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 8.

(2)

الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 188

..........

______________________________

انى اكره أن أشق على أمتي لأخرتها يعني العتمة إلى ثلث الليل. «1»

و رواية أبي بصير عن أبي جعفر (أبي عبد اللّٰه)- عليه السّلام- قال قال رسول اللّٰه- ص- لو لا انى أخاف ان أشق على أمتي لأخرت العشاء الى ثلث الليل و أنت في رخصة الى نصف الليل و هو غسق الليل .. «2».

و رواية أخرى لأبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال قال رسول اللّٰه- ص- لو لا نوم الصبي و غلبة (علة) الضعيف لأخرت العتمة إلى ثلث الليل. «3»

و هنا رواية ثالثة له تدل على النصف و هي ما رواه عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- لو لا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء الى نصف الليل. «4»

و لكن الظاهر عدم تعدد رواية أبي بصير عن امام واحد غاية الأمر ان التعدد انما هو بلحاظ من روى عنه و عليه فيتردد ما رواه عن أبي جعفر- عليه السّلام- بناء على كون روايته الاولى عنه بين ان يكون الصادر عنه- عليه السّلام- هو الثلث أو النصف و لا مجال لإعمال قواعد باب التعارض في مثله.

و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام بعد زعم المعارضة بين هذه الطائفة و بين ما تقدم مما يدل على ان الأفضل تقديم العشاء الآخرة على الثلث ان الجواب عن ذلك ان غاية ما تقتضيه هذه الطائفة ان المقتضى للتأخير إلى الثلث موجود في صلاة العشاء و لكنها لم تؤخر لمانع و هو خوف استلزامه المشقة على الأمة لأنه ليس المراد من قوله-

ص- لأخرت العتمة هو تأخيره- ص- عملا صلاة نفسه بل المراد هو الأمر بالتأخير فعدم الأمر به انما هو لابتلائه بالمانع و قد أمر بالإتيان بها مقدمة على الثلث لمراعاة تلك المصلحة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 10.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و العشرون ح- 2.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و العشرون ح- 6.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 189

[المسألة الثالثة: في وقت فضيلة صلاة الفجر]

______________________________

أقول الظاهر ان هذه الطائفة لا دلالة لها على التأخير عن الثلث فإن التأخير إلى الثلث يغاير التأخير عن الثلث و مفاد العبارة الاولى هو التأخير إلى زمان قريب من الثلث و يشهد له مضافا الى ظهور نفس العبارة فيما ذكرنا ان ما دل على التأخير إلى النصف هل يمكن ان يتوهم كون مفاده هو التأخير عن النصف مع ان التعبير فيه و في الثلث واحد فغاية مفاد هذه الطائفة ان آخر وقت فضيلة العشاء أفضل من أول وقت فضيلتها و هذا لا ينافيه شي ء من الروايات حتى ما يدل على ان أول الوقت أفضل لأنه قد خصص بالعشاء جزما لان مبدأ وقت فضيلتها هو سقوط الشفق و هو يغاير أول وقت الاجزاء الذي هو بعد مضى مقدار ثلث ركعات من الغروب المسألة الثالثة: في وقت فضيلة صلاة الفجر و المشهور بين الأصحاب- رض- ان وقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر الى حدوث الحمرة في المشرق و قد أورد عليهم بأنه ليس من حدوث الحمرة و ظهورها في الروايات التي بأيدينا عين و لا أثر فان العناوين الواردة فيها و ان كانت متعددة الا انه ليس حدوث الحمرة

منها فان منها:

عنوان الاسفار الوارد في موثقة ذريح المتقدمة في المسألة السابقة حيث قال فيها: اسفر بالفجر فأسفر. «1»

و منها عنوان التنوير الوارد في موثقة معاوية بن وهب المشتملة على نزول جبرئيل على النبي و اعلامه بالوقت أيضا الوارد فيها قوله: ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح. «2»

و منها عنوان الإضاءة الوارد في رواية يزيد بن خليفة عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال، وقت الفجر حين يبدو حتى يضي ء. «3»

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 8

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب العاشر ح- 5

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 190

..........

______________________________

و منها عنوان التجلل الوارد في روايتين صحيحتين:

الأولى: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال: وقت الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء .. «1»

الثانية: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: لكل صلاة وقتان و أول الوقتين أفضلهما و وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء .. «2» بعد حملهما على كون المراد آخر وقت الفضيلة كما مر في بحث وقت الاجزاء و ليس عنوان ظهور الحمرة مذكورا في رواية أصلا و الظاهر عدم التلازم بينه و بين العناوين المتقدمة التي يكون المراد منها امرا واحدا لأن الحمرة تبدو متأخرة عن التجلل و غيره من العناوين فكيف جعل المشهور آخر وقت الفضيلة هو حدوث الحمرة المشرقية؟! و قد ذكر سيدنا العلامة الأستاذ- قدس سره- ان الشهرة تكشف عن وجود نص دال على ذلك غاية الأمر انه لم يصل إلينا إذ ليست الروايات الواصلة إلينا مجموع الروايات الصادرة عنهم

المنقولة في الجوامع و الكتب كما هو ظاهر.

هذا و يظهر من رواية ان ظهور الحمرة مساوق للأسفار و انهما متحققان في زمان واحد و هي صحيحة على بن يقطين قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الرجل لا يصلى الغداة حتى يسفر و تظهر الحمرة و لم يركع ركعتي الفجر أ يركعهما أو يؤخرهما؟ قال: يؤخرهما. «3» فإن الظاهر كون العطف في كلام السائل عطف بيان و تفسير لا بمعنى اتحاد المفهومين و كون الاسفار معناه ظهور الحمرة بل بمعنى عدم الفصل الزماني بينهما و الدليل عليه مضافا الى ظهوره فيه في نفسه انه على تقدير ثبوت الفصل و تأخر ظهور الحمرة عن الاسفار يكون ذكر الاسفار

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و العشرون ح- 1

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب السادس و العشرون ح- 5

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و الخمسون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 191

[مسألة 7- المراد باختصاص الوقت عدم صحة الشريكة فيه مع عدم أداء صاحبتها بوجه صحيح]

مسألة 7- المراد باختصاص الوقت عدم صحة الشريكة فيه مع عدم أداء صاحبتها بوجه صحيح فلا مانع من إتيان غير الشريكة فيه كصلاة القضاء من ذلك اليوم أو غيره، و كذا لا مانع من إتيان الشريكة فيه إذا حصل فراغ الذمة من صاحبة الوقت فإذا قدم العصر سهوا على الظهر و بقي من الوقت مقدار اربع ركعات يصح إتيان الظهر في ذلك الوقت أداء، و كذا لو صلى الظهر قبل الزوال بظن دخول الوقت فدخل الوقت قبل تمامها لا مانع من إتيان العصر بعد الفراغ منها و لا يجب التأخير إلى مضى مقدار اربع ركعات،

______________________________

لغوا لا يترتب عليه فائدة أصلا لأن الملاك هو ظهور الحمرة و هو متأخر عن الأسفار

دائما فلا وجه لذكر الاسفار.

و لكنه أورد عليها بعض الأعلام بإشعارها بأن السائل قد ارتكز في ذهنه ان تقدم النافلة على الفريضة انما هو فيما إذا اتى بها قبل ظهور الحمرة و الامام قرره على هذا و عليه فتدل الصحيحة على جواز الإتيان بالنافلة قبل فريضة الفجر الى ظهور الحمرة و معنى ذلك جواز التنفل و التطوع في وقت فضيلة الفريضة و جواز تقديمها عليها عند المزاحمة و هذا مما لا يمكن الالتزام به لان المستفاد من الروايات الواردة في الظهرين و نافلتهما عدم جواز الإتيان بالنوافل المرتبة في وقت الفريضة و قد ورد في بعضها: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان قلت لم جعل ذلك قال لمكان النافلة و لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يمضي زراع فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة.

و يدفعه وضوح تحقق المزاحمة في وقت الفضيلة حتى في الظهرين لان مبدأ وقت الفضيلة فيهما هو الزوال و كذا مضى مقدار أداء الظهر و ان أريد المزاحمة في آخر وقت الفضيلة فمع عدم إشعار الرواية بها نقول لا مانع منها أيضا غاية الأمر دوران الأمر بين درك فضيلة النافلة و درك فضيلة الوقت و لا دليل على تعين الثاني و الرواية المذكورة لا يستفاد منها هذه الجهة أصلا فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 192

بل لو وقع تمام العصر في وقت الظهر صح على الأقوى كما لو اعتقد إتيان الظهر فصلى العصر ثم تبين عدم إتيانه و ان تمام العصر وقع في الوقت المختص بالظهر لكن لا يترك الاحتياط فيما لم يدرك جزءا من الوقت المشترك. (1)

[مسألة 8- لو قدم العصر على الظهر أو العشاء على المغرب عمدا بطل ما قدمه]

مسألة 8-

لو قدم العصر على الظهر أو العشاء على المغرب عمدا بطل ما قدمه سواء كان في الوقت المختص أو المشترك، و لو قدم سهوا و تذكر بعد الفراغ صح ما قدمه و يأتي بالأولى بعده، و ان تذكر في الأثناء عدل بنيته إلى السابقة إلا إذا لم يبق محل العدول كما إذا قدم العشاء و تذكر بعد الدخول في ركوع الرابعة، و الأحوط- ح- الإتمام ثم الإتيان بالمغرب ثم العشاء بل بطلان العشاء لا يخلو من قوة. (2)

______________________________

(1) قد تقدم البحث في هذه المسألة في ذيل البحث عن وقت فريضة الظهرين في المسألة السادسة المتقدمة و ظهر ان الفروع المذكورة فيها يكون حكمها مطابقا لما في المتن الا الفرع الأخير و هو ما لو وقع تمام العصر في وقت الظهر فان الظاهر فيه البطلان كما مر و سيأتي البحث عنه أيضا في ضمن المسألة الثامنة فانتظر.

(2) في هذه المسألة فروع:

الأول ما إذا قدم العصر على الظهر عمدا و العشاء على المغرب كذلك و الحكم فيه البطلان من دون فرق بين ان يكون في الوقت المختص أو المشترك لانه مقتضى اعتبار الترتيب في الصلاة اللاحقة الذي يدل عليه مضافا الى وضوحه و عدم الخلاف فيه كثير من الاخبار الواردة في العدول التي سيأتي نقلها و ان كان ظاهرهم ان عمدة الدليل على الترتيب قوله- عليه السّلام-: الا ان هذه قبل هذه و قد مر الإشكال في دلالة هذا القول على اعتبار الترتيب فراجع و كيف كان فمقتضى اشتراط الترتيب ان التقديم العمدي يوجب البطلان.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 193

..........

______________________________

الثاني ما إذا قدم العصر على الظهر أو العشاء على المغرب سهوا و

تذكر بعد الفراغ و هو قد يكون في الوقت المشترك و قد يكون في الوقت المختص.

اما التقديم كذلك في الوقت المشترك فلا إشكال في صحة ما اتى به لان اعتبار الترتيب يختص بحال الذكر و لا يوجب الإخلال به سهوا بطلان الصلاة و ذلك لاقتضاء حديث لا تعاد الصحة في غير الأمور الخمسة المستثناة فيه مضافا الى الاخبار الخاصة الدالة على ذلك فاصل صحة المأتي به مما لا اشكال فيه انما الإشكال في انه هل يكون صحيحا بالعنوان الذي وقع عليه و هي العصرية و عليه فلا بد من الإتيان بالصلاة اللاحقة بعنوان انها صلاة الظهر أو انه يكون صحيحا بعنوان الظهرية الحاصل لها بعدها بالنية و الجعل و الاحتساب و لا يخفى اختصاص هذا الاشكال بالظهرين و عدم جريانه في العشاءين لانه مضافا الى ورود الدليل في خصوص الظهرين لا يمكن ذلك في العشاءين لانه لا يعقل احتساب العشاء الذي هو اربع ركعات بعنوان صلاة المغرب.

و منشأ الاشكال وجود روايتين:

إحديهما: صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- الطويلة المشتملة على قوله- عليه السّلام-: إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان اربع. «1»

ثانيتهما: رواية الحلبي المضمرة قال: سألته عن رجل نسي ان يصلى الاولى حتى صلى العصر قال: فليجعل صلاته التي صلى الاولى ثم ليستأنف العصر .. «2»

هذا و لكن اعراض المشهور عن الروايتين و الفتوى بخلافهما مع كونهما بمرئي و مسمع منهم خصوصا مع الفتوى على طبق سائر فقرأت الرواية الاولى بل هذه الفقرة بالإضافة إلى التذكر في الأثناء يوجب الوهن فيهما و يسقطهما

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت

الباب الثالث و الستون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و الستون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 194

..........

______________________________

عن الحجية كما قد حقق في محله.

و اما التقديم كذلك في الوقت المختص بحيث وقع تمام الصلاة اللاحقة في الوقت المختص بالسابقة و بعبارة أخرى صار جميع أجزاء الوقت المختص بها ظرفا لتمام اللاحقة أو بعضها فالظاهر انه يوجب البطلان بناء على ما ذكرنا في معنى اختصاص الوقت من ان مرجعه الى بطلان الشريكة إذا وقعت فيه مع عدم أداء صاحبتها كما هو المفروض من عدم الإتيان بالسابقة بعد، نعم بناء على القول برجوع الاختصاص الى اعتبار الترتيب و انه لا معنى للاختصاص غيره فاللازم الحكم بالصحة لاقتضاء حديث لا تعاد اختصاص شرطية الترتيب بحال الذكر و لكن قد عرفت بطلان هذا المعنى فراجع.

الثالث الصورة المفروضة مع كون التذكر في الأثناء و فيه صور فإنه تارة يكون التذكر في أثناء اللاحقة مع عدم التمكن من العدول لتجاوزه عن محله و اخرى يكون مع التمكن منه و على كلا التقديرين تارة يكون في الوقت الاختصاصى و اخرى في الوقت المشترك.

الصورة الأولى ما إذا تذكر في أثناء اللاحقة في الوقت المشترك مع التمكن من العدول كما في العصر بالإضافة إلى الظهر و في العشاء بالنسبة إلى المغرب فيما إذا لم يدخل في ركوع الركعة الرابعة و المعروف في هذه الصورة لزوم العدول إلى السابقة و إتمام ما بيده ظهرا أو مغربا ثم استيناف اللاحقة عصرا أو عشاء و تدل عليه روايات عمدتها صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على قوله- عليه السّلام- إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد

فراغك فانوها الاولى ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان اربع و ان ذكرت انك لم تصل الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صليت منها ركعتين فانوها الاولى ثم صل الركعتين الباقيتين و قم فصل العصر .. فان كنت قد صليت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصل المغرب و ان كنت ذكرتها و قد صليت من العشاء الآخرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 195

..........

______________________________

ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلّم ثم قم فصل العشاء الآخرة .. «1»

و مقتضى الصحيحة انه لا فرق في ذلك بين الظهرين و بين العشاءين كما قد وقع التصريح به فيها و لكن ورد التفصيل بينهما في رواية حسن بن زياد الصيقل قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل نسي الأولى حتى صلى ركعتين من العصر قال: فليجعلها الاولى و ليستأنف العصر قلت فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثم ذكر قال فليتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب قال: قلت له جعلت فداك قلت حين نسي الظهر ثم ذكر و هو في العصر يجعلها الاولى ثم يستأنف و قلت لهذا يتم صلوته بعد المغرب «2» فقال ليس هذا مثل هذا ان العصر ليس بعدها صلاة و العشاء بعدها صلاة. «3» بناء على كون المراد من قوله: فليتم صلوته في الجواب عن السؤال الثاني هو إتمامها عشاء بإضافة الركعتين الأخيرتين إليهما و بعبارة أخرى إتمامها بالنية التي صلى الركعتين بها و هي نية العشاء و عليه فيكون مفعول قوله ثم ليقض هو المغرب المذكور بعده و كلمة «بعد» مبنية على الضم و المضاف اليه محذوف فمعنى الرواية انه

يجب عليه إتمام الصلاة التي شرع فيها بنية العشاء عشاء ثم قضاء المغرب بعد العشاء و معنى القضاء هو الإتيان كما يستعمل فيه في الروايات كثيرا لا القضاء المصطلح و ان كان يمكن توجيهه أيضا كما افاده سيدنا العلامة الأستاذ- قدس سره- من ان التعبير بالقضاء انما هو لان المعروف بين المسلمين تباين وقتي المغرب و العشاء و كذا الظهر و العصر لا كما يقول به الإمامية من الاشتراك و لكن هذا التوجيه بعيد و كيف

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و الستون ح- 1.

(2) هكذا في الطبع الجديد من الوسائل و لكن الظاهر عدم صحته لانه لم يحكم الامام- ع- بوجوب إتمام صلوته بعد المغرب بل بوجوب إتمامها و قضاء المغرب بعدها و الصحيح ما في الطبع المعروف به أمير بهادر و هو: يتم صلوته ثم ليقض بعد المغرب، كما في جواب الامام- ع.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و الستون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 196

..........

______________________________

كان فمرجع اعتراض السائل- ح- إلى انه ما الفرق بين المسألتين حيث حكم في الأولى بالعدول و في الثانية بإتمامها عشاء و الإتيان بالمغرب بعدها و المراد من الجواب ثبوت الفرق بينهما و هو انه لا تجوز الصلاة بعد العصر اما على طريق الكراهة و اما على نحو الحرمة بخلاف العشاء فيرجع الى ان القضاء بعد العصر انما تكون مثل النافلة بعدها في الحرمة أو الكراهة بخلاف القضاء بعد العشاء و ان كان يمكن المناقشة في هذا الفرق بان لازمة عدم احتساب اللاحقة عصرا و لو تذكر بعد الفراغ لان لازمة وقوع صلاة بعد العصر كما لا يخفى.

و بالجملة فالظاهر دلالة

الرواية على التفصيل و انه لا مجال للعدول في صلاة العشاء و توهم كون المراد من قوله: فليتم صلوته هو إتمامها مغربا بإضافة ركعة إليهما و بوجوب القضاء هو قضاء العشاء بعد المغرب بحيث كانت كلمة «بعد» مضافة الى المغرب فلا تكون الرواية منافية لصحيحة زرارة الدالة على العدول من العشاء الى المغرب أيضا مدفوع- مضافا الى كونه خلاف الظاهر في نفسه- بأنه لا يبقى وجه- ح- لاعتراض السائل على الامام- عليه السّلام- بأنه ما الفرق بين المسألتين و توجيهه بكون الاعتراض انما هو من جهة الفرق في التعبير بالاستيناف في الاولى و بالقضاء في الثانية واضح الفساد فالرواية منافية للرواية المتقدمة المصرحة بعدم الفرق.

و لكنها لا يمكن الاعتماد عليها لعدم توثيق حسن بن زياد الصيقل أولا لا بالتوثيق الخاص و لا بالتوثيق العام كالوقوع في سند مثل كتاب كامل الزيارات و انما ورد فيه بعض المدائح غير البالغ حد الوثاقة، و عدم صلاحيتها للمعارضة مع الرواية المتقدمة ثانيا لموافقتها لفتوى المشهور و هو أول المرجحات على ما قرر في محله فلا فرق بين المسألتين في العدول عن اللاحقة إلى السابقة و إتمام ما بيده بنية السابقة ثم استيناف اللاحقة.

ثم انه ذكر في الوسائل ان رواية الحسن محمولة على تضييق وقت العشاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 197

..........

______________________________

دون العصر. و الظاهر بعد هذا الحمل لانه مضافا الى كون الحكمين واقعين في مقام الجواب عن سؤال و السؤال فيهما انما هو بنحو واحد و عدم إشعار الثاني بكون المفروض وقت تضيق العشاء يرد عليه انه على هذا التقدير لا يبقى مجال لاعتراض السائل و على تقديره لا بدّ و ان يكون

النكتة في الفرق هو التضيق و عدمه لا كون صلاة العشاء بعدها صلاة دون العصر كما لا يخفى.

الصورة الثانية ما إذا تذكر في الأثناء في الوقت المشترك مع تجاوز محل العدول و عدم التمكن منه كما إذا تذكر في ركوع الركعة الرابعة من العشاء أو بعده انه لم يأت بالمغرب و من الواضح انه لا مجال فيها للبحث عن العدول بعد عدم إمكانه و لا للبحث عن شمول اخبار العدول و عدمه بل البحث انما هو في صحتها بالنية التي شرع فيها و بطلانها و المحكي عن صاحب الجواهر- قدس سره- في رسالة نجاة العباد وجوب الإتمام عشاء و الإتيان بالمغرب بعدها و ذهب السيد في العروة إلى البطلان و ان الاحتياط بالإتمام و الإعادة بعد الإتيان بالمغرب و لا مجال لدعوى الشهرة عليه بل المسألة مختلف فيها من دون ثبوت شهرة على أحد الطرفين و قد استدل القائل بالصحة بان حديث لا تعاد لا يختص جريانه بما بعد العمل بل يجرى فيما إذا كان التذكر في أثناء العمل كما إذا تذكر في الأثناء انه لم يكن متسترا في الركعة الأولى أو لم يقرأ فاتحة الكتاب فيها فان مقتضى حديث لا تعاد الصحة في الفرضين.

و لا ينافيه التعبير بالإعادة لعدم اختصاصه بما إذا فرغ من العمل بل كثيرا ما يستعمل في لسان العرف و الاخبار في أثناء العمل أيضا و عليه فلا يكون الحديث قاصرا عن شمول المقام و الحكم بصحة ما وقع بعنوان العشاء و ان كان فاقدا للترتيب المعتبر في صحتها كما لا يخفى.

و يرد عليه ان الحديث و ان كان شموله بالإضافة إلى الأثناء مما لا ينبغي المناقشة فيه لما ذكر الا

ان دائرة شموله لا تتجاوز عن العمل المتقدم و الماضي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 198

..........

______________________________

الذي كان فاقدا لبعض ما اعتبر فيه نسيانا و لا دلالة للحديث على تصحيح العمل المتأخر مع فقدانه لما اعتبر فيه و عدم ثبوت مانع من السهو و النسيان فإذا التفت في أثناء الصلاة الى عدم اشتمالها من حين الشروع على ستر العورة فالحديث لا يقتضي إلا تصحيح الاجزاء المأتي بها الفاقدة للشرط مع الغفلة و عدم الالتفات و لا يوجب سلب شرطية الستر بالإضافة الى الاجزاء اللاحقة و ان لم يكن غير قادر على تحصيله في الأثناء بوجه. و في المقام مقتضى شمول الحديث صحة الأجزاء السابقة و ان كانت فاقدة للترتيب و لا دلالة له على نفى اعتباره بالإضافة الى الاجزاء اللاحقة مع زوال السهو و ارتفاع النسيان فاللازم مراعاة للشرط الإتيان بالمغرب ثم استيناف العشاء.

اللهم الا ان يقال بان الترتيب لا يكون كسائر الشرائط معتبرا في كل جزء من أجزاء الصلاة بل الترتيب انما يعتبر في المجموع من حيث المجموع من الصلاة اللاحقة فإذا اقتضى الحديث رفع الشرطية و الحكم بصحة الأجزاء السابقة بعنوان العشاء فلا يبقى مجال لبطلانها بل يتمها كذلك.

و لكن الظاهر عدم صحة هذا القول بل الترتيب انما هو كسائر الشرائط معتبر في كل جزء من أجزاء الصلاة اللاحقة و يؤيده بل يدل عليه اخبار العدول الدالة على العدول مع التمكن منه و عدم تجاوزه فان مقتضاها اعتبار الترتيب في كل جزء مستقلا و الا لم يكن وجه للعدول بعد سقوط شرطية الترتيب بالغفلة و عدم الالتفات كما هو المفروض.

فالاتصاف ان مقتضى القواعد الحكم بالبطلان و ان كان الاحتياط

بالإتمام ثم الإتيان بها بعد المغرب مما لا ينبغي تركه. و يؤيد البطلان ما يمكن ان يقال من ان الأدلة الدالة على شرطية الترتيب مطلقة و القدر المتيقن من التقييد الذي يدل عليه حديث لا تعاد انما هو فيما إذا تذكر بعد الفراغ و اما لو علم في الأثناء فلم يعلم من الحديث تقييدها به أيضا فاللازم الرجوع إليها فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 199

..........

______________________________

الصورة الثالثة: ما إذا تذكر في الأثناء في الوقت المختص بالسابقة كما إذا شرع في العصر في الان الأول بعد الزوال و التفت بعد ما صلى ركعتين منها انه لم يصل الظهر بعد فبناء على انتفاء الوقت المختص و ثبوت الاشتراك في جميع الوقت من أوله الى آخره كما يقول به الصدوقان و من تبعهما فلا إشكال في ان حكمه حكم ما إذا تذكر في الأثناء في الوقت المشترك من العدول إلى السابقة و اما بناء على المشهور من اختصاص أول الوقت بالسابقة و كون نسبته إلى اللاحقة كنسبة ما قبل الزوال- مثلا- الى الظهر فقد وقع الإشكال في جواز العدول في هذه الصورة و منشأه عدم دلالة أخبار العدول عليه فيها و تقريب عدم الدلالة أحد أمور:

الأول ان مورد أكثر أخبار العدول هو الوقت المشترك لورودها في رجل أمّ قوما في العصر فذكر و هو يصلى بهم انه لم يكن صلى الأولى أو في رجل دخل مع قوم و لم يكن صلى هو الظهر و القوم يصلون العصر يصلى معهم أو في رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة اخرى نعم ظاهر صحيحة زرارة و رواية حسن بن زياد الصيقل المتقدمتين الإطلاق و لكنه حيث

يكون الفرض من الفروض النادرة خصوصا مع كون المعروف بين المسلمين في وقت صلاة العصر هو الإتيان بها في أواسط الوقت يكون التمسك بالإطلاق في غاية الضعف.

الثاني: ان مقتضى الاخبار ان العدول إلى اللاحقة انما يصح خصوصية الترتيب المعتبر في صحة الصلاة اللاحقة و مدلولها انه مع التذكر في الأثناء يمكن مراعاة هذا الشرط بجعلها الصلاة السابقة ثم الإتيان باللاحقة فالعدول انما يؤثر في تحقق هذا القيد فقط و اما لو فرض كون الصلاة اللاحقة فاقدة لبعض الشرائط الأخر أيضا فلا يؤثر العدول أصلا و ذلك كما إذا كانت فاقدة للطهارة أو للقبلة أو لغيرهما من الشرائط و المفروض في المقام وقوع اللاحقة في غير وقتها أيضا فهي ناقصة من جهتين الترتيب و الوقت و أدلة العدول لا تصلح لتصحيح الجهة الثانية لأن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 200

..........

______________________________

مفادها تصحيح الجهة الأولى فقط.

الثالث: ان ظاهر أدلة العدول انه لو لا التذكر في الأثناء المجوز للعدول لوقعت المعدول عنها صحيحة و ذلك يقتضي كونها واجدة للشرائط المعتبرة فيها مطلقا أي في حالتي الذكر و النسيان معا و الوقت من جملتها و ان شئت قلت ان الأدلة متضمنة لجواز العدول من العصر الى الظهر- مثلا- فاللازم ان تكون الصلاة صلاة العصر حتى يجوز العدول عنها الى الظهر و من المعلوم ان مجرد نية العصر لا تؤثر ما لم تكن واجدة لسائر الشرائط التي من جملتها الوقت الأبناء على قول الأعمى كما لا يخفى.

هذا و لكنه اختار سيدنا العلامة الأستاذ- قدس سره- جواز العدول في هذه الصورة أيضا نظرا الى ان الصلاة المعدول عنها قد تكون فاقدة لما يعتبر في طبيعة الصلاة و

جميع أنواعها بحيث لو كانت فاقدة له لا تتحقق الطبيعة أصلا و ذلك كالطهارة و القبلة و الركوع و السجود و قد تكون فاقدة لما يعتبر في خصوص هذا النوع من طبيعة الصلاة كوقوعها في غير وقتها.

و في الأول لا إشكال في عدم جواز العدول و بطلان المعدول عنها و في الثاني الذي هو مورد النزاع يكون الظاهر الصحة و جواز العدول فان الوقوع في غير وقتها يؤثر في البطلان لو لم يعدل عنها الى الظهر و اما مع العدول الذي مرجعها إلى صيرورة الصلاة من أولها إلى آخرها الصلاة الاولى فلا وجه للبطلان.

و مرجع كلامه- قده- الى ان النقيصة المتحققة في المعدول عنها ان كانت قابلة للرفع بسبب العدول فالعدول يؤثر في ارتفاعها من دون فرق بين ان تكون هي الترتيب أو الوقت و ان لم تكن قابلة للرفع بسبب العدول فلا معنى للعدول كما في الطهارة و القبلة و أشباههما و لا وجه لدعوي الاختصاص بخصوص الترتيب أصلا.

و يمكن الإيراد عليه بان ما افاده و ان كان تاما في نفسه الا انه لا يجدي في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 201

[مسألة 9- ان بقي للحاضر مقدار خمس ركعات الى الغروب و للمسافر ثلاث قدم الظهر]

مسألة 9- ان بقي للحاضر مقدار خمس ركعات الى الغروب و للمسافر ثلاث قدم الظهر و ان وقع بعض العصر في خارج الوقت، و ان بقي للحاضر اربع ركعات أو أقل و للمسافر ركعتان أو أقل صلى العصر. و ان بقي للحاضر الى نصف الليل خمس ركعات أو أكثر و للمسافر اربع ركعات أو أكثر قدم المغرب، و ان بقي للحاضر و المسافر إليه أقل مما ذكر قدم العشاء و يجب المبادرة إلى إتيان المغرب بعده ان

بقي مقدار ركعة أو أزيد، و الظاهر كونه أداء و ان كان الأحوط عدم نية الأداء و القضاء. (1)

______________________________

إثبات جواز العدول في الصورة المفروضة بعد كون العدول مفتقرا الى قيام الدليل على جوازه لكونه على خلاف القاعدة بحيث لو لم يكن اخبار العدول لما قلنا بجوازه أصلا و الوجه في ذلك ان مقتضى العدول صيرورة المعدول عنها من أولها إلى آخرها هي المعدول إليها و كيف ينقلب الشي ء عما وقع عليه و كيف تصير الأجزاء الواقعة بعنوان صلاة العصر- مثلا- أجزاء لصلاة الظهر و عليه فالحكم المخالف للقاعدة يحتاج الى دليل قوى و قد عرفت ان أكثر روايات الباب لا تشمل المقام و ليس الإطلاق في الروايتين بحيث يمكن إثبات هذا الحكم المخالف للقاعدة بسببه فالإنصاف ان الحكم بالبطلان في هذه الصورة أقرب و الاحتياط بالعدول و الإتمام ثم استيناف السابقة و الإتيان باللاحقة بعدها لا ينبغي ان يترك

(1) حيث ان عمدة الدليل في هذه المسألة هي قاعدة «من أدرك» فينبغي أولا التعرض لها سندا و دلالة فنقول:

هذه القاعدة- على ما افاده سيدنا العلامة الأستاذ- قدس سره- مما اتفقت عليه العامة و الخاصة و لم يظهر منهم مخالف الا نادرا و رواها أصحاب الصحاح في جوامعهم فروى البخاري عن أبي هريرة عن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- قال: من أدرك من الصبح ركعة قبل ان تطلع الشمس فقد أدرك الصبح و من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 202

..........

______________________________

و روى أبو داود في سننه عن ابن طاوس عن ابن عباس عن أبي هريرة مثله.

و روى أيضا ابن ماجة القزويني

عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- مثله.

و روى أيضا أبو هريرة عن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- انه قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.

و هذه الروايات كما ترى ليس فيها رواية عامة شاملة للصلوات الخمس عدي الرواية الأخيرة المحتملة- بعد عدم كون المراد ظاهرها الذي يقتضي جواز الاقتصار من الصلاة على ركعة واحدة فقط كما لا يخفى- لان يكون المراد صلاة الجماعة لأنه بعد لزوم الالتزام بالحذف يحتمل ان يكون المحذوف هو الوقت المضاف إلى الصلاة و يحتمل ان يكون هي صفة الجماعة الموصوفة بها الصلاة و لا دليل على ترجيح الاحتمال الأول نعم في إلغاء الخصوصية عن العصر و الغداة كلام يأتي.

و اما ما ورد من طرق الإمامية فمنها رواية أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة. «1»

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، در يك جلد، مؤلف، قم - ايران، اول، 1408 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة؛ ص: 202

و منها موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم الصلاة و قد جازت صلوته، و ان طلعت الشمس قبل ان يصلى ركعة فليقطع الصلاة و لا يصلى حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها. «2»

و منها: مرسلة الشهيد في محكي الذكرى قال: و عنه- ص- من أدرك ركعة من العصر قبل ان يغرب الشمس فقد أدرك الشمس. «3»

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثلاثون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب

المواقيت الباب الثلاثون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثلاثون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 203

..........

______________________________

و منها: مرسلته الأخرى قال: روى عن النبي- ص- انه قال: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. «1» و يجري في هذه المرسلة المناقشة المتقدمة في رواية أبي هريرة العامة المتقدمة.

و منها: مرسلة المحقق في محكي المعتبر و هو قوله- ع-: من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت.

و اشتهار هذه الاخبار و ثبوتها بين الأصحاب يغني عن البحث في سندها و الخدشة فيه بالإرسال أو الضعف أو غيرهما فلا مجال للإشكال في القاعدة من حيث السند أصلا.

و اما بالنظر الى الدلالة فالكلام يقع من جهات:

الاولى في انه هل تكون القاعدة ناظرة إلى توسعة الوقت و لازمها كون الصلاة الواقعة ركعة منها في الوقت أدائية بتمامها كما هو المشهور ظاهرا أو انها لا تكون ناظرة الى هذه الحيثية و هي كونها أداء بل غاية مفادها صحة الصلاة المفروضة و عدم وجوب إعادتها كما ربما يقال؟ و على التقدير الثاني هل تكون الصلاة المفروضة قضاء بأجمعها كما حكى عن السيد المرتضى- قده- أو ملفقة من الأدائية و القضائية كما ربما يحتمل؟

و الظاهر هو الاحتمال الأول الموافق للمشهور لان ظاهر مرسلة المعتبر ان من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك ما يترقبه من الوقت و من الواضح ان ما يترقب منه هو وقوع صلاة متصفة بكونها أداء فظاهرها توسعة الوقت و مرجعها إلى الحكومة على أدلة الوقت الظاهرة في عدم الاتصاف بعنوان الأداء إذا لم يبق منه بمقدار الصلاة و لا تنافي المرسلة، موثقة عمار المتقدمة لأن غاية ما يمكن ان يقال فيها باعتبار

وقوع قوله- ع- فليتم صلوته في الفقرة الاولى في مقابل قوله- ع- فليقطع صلوته في الفقرة الثانية فلا دلالة له الأعلى وجوب الإتمام من دون تعرض

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثلاثون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 204

..........

______________________________

لكونها أداء و لا كونها قضاء، و من المعلوم ان عدم التعرض لا ينافي المرسلة الظاهرة في كونها أداء مع- ان قوله- ع- فليتم أيضا ظاهر في الأدائية لظهوره في الإتمام بالنحو الذي شرع في الصلاة بذلك النحو كما ان المراد من قوله- ع- و جازت صلوته هي جوازها كجواز الصلاة التي وقعت بتمامها في الوقت.

و عليه فلا مجال لدعوى كونها قضاء بأجمعها نظرا الى ان الركعة الواقعة في الوقت أيضا قضائية لأن ذلك الوقت كان وقتا للركعة الأخيرة من الصلاة لا الركعة الأولى منها فهي أيضا واقعة في غير وقتها. و كذا لا وجه لدعوى التلفيق بعد ظهور القاعدة في التوسعة و ان إدراك الركعة بمنزلة إدراك جميع الوقت كما ذكرنا.

الثانية: انه قد يقال بان دليل القاعدة و هي موثقة عمار تدل على صحة صلاة خصوص من انكشف له في الأثناء أو بعدها وقوع ركعة منها في الوقت بان شرع فيها غافلا أو معتقدا لإدراك الجميع و لا تدل على جواز الدخول في الصلاة مع العلم بعدم إدراكه إلا ركعة منها كما فيما إذا نسي الإتيان بها ثم تذكر و قد بقي من الوقت مقدار ركعة فإنه لا دلالة لها على جواز الدخول فيها في هذه الصورة فضلا عما لو تعمد الترك و أراد الإتيان بها في ذلك الوقت الذي لا يسع إلا للركعة فقط.

و يرد عليه مضافا الى عدم اختصاص

الدليل بالموثقة فإن قوله- ع-: من أدرك من الغداة .. في رواية أصبغ و كذا قوله- عليه السّلام-: من أدرك ركعة من الوقت .. في مرسلة المعتبر عام شامل لصورة النسيان بل صورة العمد أيضا فإنه يصدق على المتعمد للترك إذا أراد الإتيان بالصلاة في ذلك الوقت انه لا يدرك من الوقت إلا ركعة واحدة كما هو ظاهر- ان دلالة الموثقة على اختصاص الصحة بخصوص الصورة المذكورة ممنوعة فإن التأمل يقضى- خصوصا بقرينة الفقرة اللاحقة- ان وجوب الإتمام و جواز الصلاة انما يكون الملاك فيه إدراك الركعة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 205

..........

______________________________

و وقوعها في الوقت الأصلي لا كون الشروع مع الغفلة أو الاعتقاد فإنه لا مدخلية فيه لا بنحو الاستقلال و لا بطريق الجزئية و يؤيد ما ذكرنا فهم الأصحاب- رضوان اللّٰه عليهم أجمعين- فإن ظاهرهم الإطلاق و الشمول حتى للعامد.

الثالثة: يمكن ان يقال بان مورد الروايات هي صلاة الغداة و العصر كما في روايات الفريقين و مرسلة المعتبر و ان كان عامة شاملة لجميع الصلوات و لكنها لم تثبت و يحتمل قويا ان تكون مأخوذة من الروايات غاية الأمر إلغاء الخصوصية عن موردها و هو انما يجوز فيما إذا علم عدم مدخلية الخصوصية في الحكم المذكور في القضية و لم يعلم ذلك في المقام.

و يرد عليه مضافا الى ضعف احتمال كون المرسلة مأخوذة من الروايات فان ظاهر الإسناد إلى قول الامام- ع- كونه مقولا له لا انه مأخوذ منه و قد مر جبران نقصها بالفتوى بل التسلم بينهم- ان إلغاء الخصوصية عن غيرها من الروايات مما يساعده العرف الذي هو المتبع في فهم مفاد الألفاظ و مدلولها فالحكم

عام لجميع الصلوات و يؤيده إطلاق الفتاوى و عدم اختصاصها بالصلوتين.

الرابعة: الظاهر ان المراد بالركعة في القاعدة ليس هي الركعة بمعناها اللغوي الذي يرجع الى ركوع واحد بحيث كان إدراك ركوع واحد كافيا في إدراك الوقت بأجمعه بل المراد بها هي الركعة المصطلحة التي يتوقف تحققها على الإتيان بالسجدتين بل بالذكر في السجدة الثانية أيضا لأنها هي المنساقة من هذه اللفظة في باب الصلاة المشتملة على ركعتين أو أزيد فالمراد هو إدراك هذه الركعة.

الخامسة: الظاهر أيضا ان المراد بإدراك الركعة هو إدراك الركعة مع شرائطها مخففة لا إدراكها بالكيفية المتعارفة المشتملة على رعاية المستحبات كلا أو بعضا في الصلاة و في مقدماتها كالوضوء و نحوه فإذا كانت الركعة المتعارفة مع تحصيل الطهارة كذلك تقع في خمس دقائق و لكنه يقدر على إيجادها في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 206

..........

______________________________

ثلث دقائق مع حذف المستحبات و التعجيل في الإتيان بالخصوصية فالملاك هي الأخيرة لصدق إدراك الركعة بذلك كما هو ظاهر.

السادسة: ان الموضوع للقاعدة هل هو المدرك للركعة الاختيارية بحسب حاله مع قطع النظر عن ضيق الوقت أو هو أعم منه و ممن أدرك الركعة بملاحظة الاضطرار الناشئ عن ضيق الوقت فإذا كانت وظيفته الصلاة مع الطهارة المائية و لكنه إذا أراد تحصيلها لا يقدر على الإتيان بالركعة في الوقت و لكنه إذا تيمم مكان الوضوء أو الغسل يدرك ركعة من الوقت فعلى الأول لا تشمله القاعدة لأن الموضوع هو المدرك للركعة الاختيارية مع قطع النظر عن ضيق الوقت و على الثاني تشمله لانه يصدق عليه إدراك الركعة و لو بملاحظة الاضطرار الناشئ عن ضيق الوقت و التيمم بدل الوضوء أو الغسل فيه

وجهان.

و الظاهر هو الوجه الأول و ذلك لان الموضوع للقاعدة هو المدرك للركعة و من الواضح ان المراد من الركعة المدركة هي الركعة المشروعة الصحيحة الجامعة للاجزاء و الشرائط عدي الوقت الذي بلحاظه وضعت القاعدة فلا بد من ان تكون المشروعية محرزة مع قطع النظر عن القاعدة و لا مجال لإثبات المشروعية بنفس القاعدة لاستلزامه الدور و من المعلوم انه لا دليل على مشروعية الركعة مع التيمم في الصورة المفروضة و أدلة ضيق الوقت الدالة على كونه من مسوغات التيمم موردها ما إذا كان الانتقال الى البدل يوجب وقوع جميع الصلاة في الوقت و لذا فيما إذا دار الأمر بين الإتيان بجميع ركعات الصلاة مع التيمم و الإتيان ببعضها مع الوضوء لا محيص عن الأول لدلالة تلك الأدلة على صحتها و مشروعيتها و لا دليل على مشروعية الثاني في هذه الصورة فلا بد في جريان القاعدة من إحراز المشروعية مع قطع النظر عنها كما لا يخفى.

فظهر مما ذكرنا انه لا تجري القاعدة في الصورة المفروضة و ان الحكم فيها قضاء الصلاة خارج الوقت.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 207

..........

______________________________

السابعة: إذا بقي إلى الغروب مقدار خمس ركعات للحاضر أو ثلث ركعات للمسافر فقد نفى الاشكال عن انه يجب عليه الإتيان بالصلوتين نظرا الى جريان القاعدة بالإضافة إلى كلتيهما فشمولها للظهر باعتبار إدراك ركعة من وقتها يقتضي صحتها و وقوعها بأجمعها أداء و كذا شمولها للعصر بهذا الاعتبار لان المفروض وقوع ركعة منها في وقتها يقتضي صحتها أيضا و وقوعها في الوقت جميعا فهو قادر على الإتيان بهما في وقتهما الذي ثبتت توسعته بالقاعدة مع رعاية الترتيب المعتبر بينهما.

و كذلك إذا بقي إلى

انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاضر أو أربع ركعات للمسافر فإنه يجب عليه أيضا الجمع بين الصلاتين و الإتيان بهما معا بلا اشكال و لا خلاف بين الأصحاب كما ادعاه الشيخ- قده- في محكي الخلاف.

و لكن يظهر من المحقق الحائري- قده- في كتابه في الصلاة الاستشكال في المسألة و يمكن تقرير الاشكال بوجوه ثلاثة.

الأول: ان يقال ان معنى اختصاص الوقت بالعصر- مثلا- هو عدم صحة وقوع شريكتها فيه أصلا لا أداء و لا قضاءا، لا كلا و لا بعضا و- ح- فلا مجال للإتيان بصلاة الظهر إلا إذا بقي إلى الغروب مقدار ثمان ركعات و حيث ان مفروض المسألة تقع ثلاث ركعات من الظهر في الوقت المختص بالعصر فلا تصح.

و الجواب انه لم يرد في آية و لا رواية لفظ الاختصاص حتى نتمسك بإطلاقه و يكون مقتضاه- ح- عدم صحة الشريكة مطلقا لا أداء و لا قضاء، لا كلا و لا بعضا غاية ما تدل عليه رواية ابن فرقد المتقدمة ان مقدار اربع ركعات من أول الزوال مختص بالظهر و تكون نسبته الى العصر كنسبة قبل الزوال الى الظهر و هكذا يكون مقدار اربع ركعات من آخر الوقت مختصا بالعصر و نسبته الى الظهر كنسبة ما بعد الغروب الى العصر و لا دلالة فيها على عدم صحة وقوع الشريكة فيه و لو بعضا الثاني: ان مفاد قاعدة من أدرك ليس توسعة الوقت بحيث كان تأخير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 208

..........

______________________________

الصلاة عمدا الى ان يبقي من الوقت مقدار ركعة جائز الوضوح عدم جواز التأخير عمدا و وقوعه عصيانا بل مفادها ليس الا مجرد التنزيل الحكمي من جهة الأدائية و ثبوت

وجوب التعجيل بحاله و- ح- فإطلاق من إدراك بالنسبة إلى الظهر يعارض دليل وجوب التعجيل الثابت بالنسبة إلى العصر فإن أدرك الظهر بأجمعها يوجب وقوع ثلاث ركعات من العصر خارج الوقت و- ح- يقع التزاحم بينهما و لا مرجح للأول على الثاني أصلا.

و الجواب ان الظاهر ان قاعدة من أدرك تكون حاكمة على الأدلة الأولية الواردة في الأوقات الظاهرة في توقف تحقق عنوان الأداء و اتصاف الصلاة به على وقوع جميع أجزائها في الوقت المقرر لها و مفادها ان تحقق هذا الاتصاف لا يتوقف على ما ذكر بل يصدق بوقوع ركعة منها في ذلك الوقت المقرر له لان الوقت بالإضافة إلى مدرك الركعة يكون متسعا فإذا قيل بشمول القاعدة للعامد كما هو المفروض يكون مقتضاها توسعة الوقت حقيقة في حقه أيضا و عليه فلا موجب للزوم التعجيل عليه و عدم جواز التأخير لصيرورة المسألة- ح- نظير ما إذا كان مدركا لثمان ركعات من الوقت الأصلي مع قطع النظر عن القاعدة مع انه لو أغمض النظر عن ذلك و وصلت النوبة إلى وقوع المزاحمة و ملاحظة المرجح نقول ان دليل شرطية الترتيب في صلاة العصر و لزوم رعايته فيها مع الإمكان يكون مرجحا للقاعدة و موجبا لتعين الإتيان بالظهر قبل العصر و في الحقيقة الأمر دائر بين رعاية دليل وجوب التعجيل بالإضافة إلى العصر و بين الأخذ بالقاعدة و رعاية دليل الشرطية و من الواضح ان الترجيح مع الثاني كما لا يخفى.

الثالث ان مورد الروايات كما عرفت هي صلاة الغداة و العصر و التعدي عنه يتوقف على إلغاء الخصوصية و هو انما يجوز فيما إذا علم عدم مدخلية الخصوصية في الحكم المذكور في القضية و في

المقام يمكن دعوى ذلك بالنسبة إلى صلاة العشاء و لكن لا يمكن بالإضافة إلى الظهر و المغرب لمزاحمتهما للعصر و العشاء فلا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 209

..........

______________________________

يجوز إلغاء الخصوصية بالنسبة إليهما بعد افتراقهما عن مورد الروايات و مثله مما لا يكون فيه مزاحمة أصلا نعم في الظهر و المغرب أيضا إذا لم يتحقق فيهما مزاحمة لا مانع من جريان القاعدة بالنسبة إليهما كما فيما إذا صلى العصر و العشاء قبلا بتخيل الإتيان بالفريضة السابقة ثم انكشف عدم الإتيان بها و انه لا يمكن الا وقوع ركعة منها في الوقت فإنه تجري القاعدة و تقضى بلزوم المبادرة إليها كما سيجي ء و اما في المقام فلا مجال لجريانها بعد ثبوت مزاحمتهما للفريضة اللاحقة و عليه فوجه الاشكال قصور دليل القاعدة عن الشمول لعدم جواز إلغاء الخصوصية كما عرفت.

و الجواب- مضافا الى ما عرفت من إطلاق مرسلة المعتبر و كونها حجة و الى ان مقتضى فهم العرف و كذا علماء الفريقين انه لا فرق بين الصلوات أصلا- ان عدم إحراز إلغاء الخصوصية انما هو لما ذكر من مزاحمتهما للعصر و العشاء مع ان المزاحمة انما تكون على تقدير رجوع مفاد القاعدة إلى التنزيل الحكمي بالنسبة إلى الأدائية و اما لو كان مفادها هي توسعة الوقت حقيقة بالإضافة الى من أدرك ركعة فلا يكون هناك مزاحمة أصلا فإن شمول القاعدة للظهر لا يزاحم العصر بعد وقوع ركعة منها في الوقت الأصلي و دلالة القاعدة على توسعة وقتها فلا مانع من شمولها لها أصلا.

و قد ظهر مما ذكرنا وجوب الإتيان بصلاتى الظهر و العصر في مفروض المسألة مقدما للأولى على الثانية و هكذا فيما

إذا بقي إلى انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاضر و اربع ركعات للمسافر فإنه يجب الإتيان بالصلوتين مقدما للمغرب على العشاء.

و ان بقي في المسألتين أقل مما ذكر كما إذا بقي إلى الغروب مقدار اربع ركعات و نصف ركعة للحاضر فاللازم الإتيان بالفريضة اللاحقة لعدم شمول القاعدة للفريضة السابقة بعد فرض عدم إدراك ركعة منها و اختصاص مقدار اربع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 210

[مسألة 10- يجوز العدول من اللاحقة إلى السابقة بخلاف العكس]

مسألة 10- يجوز العدول من اللاحقة إلى السابقة بخلاف العكس فلو دخل في الظهر أو المغرب فتبين في الأثناء أنه صلاهما لا يجوز العدول إلى اللاحقة بخلاف ما إذا دخل في الثانية بتخيل انه صلى الاولى فتبين في

______________________________

ركعات بصلاة العصر و المفروض ان الإتيان بصلاة الظهر يوجب عدم وقوع ركعة من العصر في وقتها أيضا فلا محيص من تقديم العصر بمقتضى اختصاص الوقت و سقوط شرطية الترتيب في الوقت الاختصاصى و هكذا بالنسبة إلى المغرب و العشاء.

ثم انه بعد الإتيان بالفريضة اللاحقة لو لم يبق من الوقت مقدار ركعة كما كان اعتقاده كذلك لا يجب عليه الإتيان بالسابقة بل اللازم الإتيان بها قضاء بعد خروج الوقت و اما لو انكشف بقاء مقدار ركعة على خلاف ما اعتقده حين الشروع في اللاحقة فاللازم المبادرة إلى الإتيان بالسابقة و ان فات الترتيب لأنك عرفت ان الترتيب انما يكون معتبرا في اللاحقة و المفروض سقوط اعتباره بسبب اعتقاد عدم بقاء الوقت بحيث يدرك ركعة من السابقة فهي واقعة صحيحة و ان كانت فاقدة للترتيب فلم يبق الإبقاء مقدار ركعة من الوقت موجب لإمكان إدراك الجميع بمقتضى القاعدة و اختصاص آخر الوقت بالعصر انما يؤثر في البطلان مع عدم

الإتيان بها صحيحة و المفروض كذلك، و اعتقاد عدم بقاء الوقت بمقدار ركعة من السابقة مع كون الواقع كذلك لا يوجب الخلل في صحة اللاحقة فهو في هذا الظرف قد اتى بها صحيحة و الوقت باق بمقدار ركعة فلا بد من صرفه في السابقة بمقتضى القاعدة فهو كمن صلى العصر بتخيل انه صلى الظهر في أواسط الوقت مثلا ثم انكشف له عدم الإتيان بها و قد بقي من الوقت مقدار ركعة فإنه لا محيص عن المبادرة إلى الإتيان بالظهر و الظاهر بمقتضى ما ذكرنا نية الأداء لأن مفاد القاعدة في موارد جريانها توسعة الوقت و كون الصلاة متصفة بوصف الأداء حقيقة نعم الأحوط عدم نية الأداء و القضاء كما في المتن.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 211

الأثناء خلافه فإنه يعدل إلى الأولى إذا بقي محل العدول كما تقدم. (1)

[مسألة 11- لو كان مسافرا و بقي من الوقت مقدار اربع ركعات فشرع في الظهر- مثلا- ثم نوى الإقامة في الأثناء]

مسألة 11- لو كان مسافرا و بقي من الوقت مقدار اربع ركعات فشرع في الظهر- مثلا- ثم نوى الإقامة في الأثناء بطلت صلوته و لا يجوز له العدول إلى اللاحقة فيقطعها و يشرع فيها. كما انه إذا كان في الفرض ناويا للإقامة فشرع في اللاحقة ثم عدل عن نية الإقامة يكون العدول إلى الأولى مشكلا. (2)

______________________________

(1) اما جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة فقد تقدم وجهه في المسألة الثامنة مفصلا فراجع و اما عدم جواز العدول من السابقة إلى اللاحقة كما في المثالين المذكورين في المتن فلان العدول انما هو على خلاف القاعدة لأن مرجعه الى جعل الأجزاء المأتي بها بنية المعدول عنه أجزاء للمعدول اليه و كيف يمكن ان يؤثر الشي ء الحادث فيما يكون ثابتا قبل حدوثه فجواز العدول يحتاج الى

تعبد خاص و لو لم يكن اخبار العدول لما قلنا به في مورد أصلا و من المعلوم ان مورد اخبار العدول هو العدول من اللاحقة إلى السابقة و لا بدّ في الحكم المخالف للقاعدة من الاقتصار على خصوص مورده الذي هو القدر المتيقن و لا وجه للتعميم و التسرية إلى غيره كما لا يخفى.

(2) في هذه المسألة فرضان:

الأول: ما إذا كان مسافرا و بقي من الوقت مقدار اربع ركعات في الظهرين فشرع في الصلاة بنية الظهر ثم نوى الإقامة قبل إتمامها و قد حكم في المتن ببطلان صلوته و عدم جواز العدول إلى اللاحقة أيضا.

اما البطلان فلانه مع نية الإقامة تكون وظيفته الصلاة إتماما و معه يكون الوقت الاختصاصى للعصر هو مقدار اربع ركعات و لا مجال لوقوع الظهر فيه و عليه فلا يمكن إتمام ما بيده بعنوان الظهرية لاختصاص هذا الوقت بالعصر و كون الشروع في الظهر قبل نية الإقامة لا يوجب اختصاص مقدار ركعتين بالعصر كما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 212

..........

______________________________

في السفر بل الوقت الاختصاصى هو مقدار اربع ركعات فصلاة الظهر فيه باطلة.

و اما عدم جواز العدول إلى اللاحقة فلما عرفت في المسألة المتقدمة من ان مورد اخبار العدول هو العدول من اللاحقة إلى السابقة و لا يجوز العكس فاللازم قطع هذه الصلاة و الشروع في اللاحقة بمقتضى قاعدة من أدرك المتقدمة ثم قضاء السابقة.

الثاني: ما إذا نوى المسافر الإقامة ثم أراد صلاة الظهرين و لم يبق من الوقت الا مقدار اربع ركعات و من المعلوم ان وظيفته- ح- هو الاقتصار على اللاحقة فشرع فيها و قبل إتمامها عدل عن نية الإقامة و حيث ان العدول قبل

الإتيان بصلاة واحدة تماما يكون مؤثرا في ثبوت حكم السفر فالوظيفة بعدها هو القصر و من المعلوم- ح- إمكان وقوع كلتا الصلاتين في وقتهما الأصلي لأن المفروض بقاء مقدار اربع ركعات فاللازم ان تكون الصلاة الأولى هي صلاة الظهر مع ان المفروض هو الشروع فيها بنية العصر فهل يجوز العدول من العصر الى الظهر كما استظهره السيدان في العروة و الوسيلة أم لا؟ الظاهر هو العدم لان مورد اخبار العدول و ان كان هو العدول من اللاحقة إلى السابقة و في المقام أيضا كذلك الا انه فرق بين ما هنا و بين مورد اخبار العدول فان المفروض هناك ان الوظيفة الواقعية للمكلف هو الإتيان بالصلاة السابقة أو لا غاية الأمر انه حيث كان اعتقاد المصلى الإتيان بها يشرع في الصلاة اللاحقة و يتذكر في أثنائها انه لم يأت بما هي وظيفته الواقعية فيعدل بالنية عنها إليها و اما في المقام فالمفروض أن اللاحقة التي شرع فيها أولا هي وظيفته الواقعية لثبوت نية الإقامة قبل الشروع فيها و عدم بقاء أزيد من مقدار اربع ركعات من الوقت فاللاحقة هي الوظيفة و في مثله لا يعلم دلالة أخبار العدول على جوازه بعد ما عرفت من لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على القدر المتيقن من مورد الدليل فالعدول عنها إلى السابقة في غاية الإشكال.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 213

[مسألة 12- يجب على الأحوط لذوي الأعذار تأخير الصلاة عن أول وقتها مع رجاء زوالها في الوقت]

مسألة 12- يجب على الأحوط لذوي الأعذار تأخير الصلاة عن أول وقتها مع رجاء زوالها في الوقت إلا في التيمم فإنه يجوز فيه البدار الا مع العلم بارتفاع العذر فيه كما مر في بابه. (1)

[مسألة 13- الأقوى جواز التطوع في وقت الفريضة ما لم تتضيق]

مسألة 13- الأقوى جواز التطوع في وقت الفريضة ما لم تتضيق و

______________________________

(1) اما في التيمم فقد تقدم ورود النص فيه و انه لا بدّ من استفادة حكمه منه سواء كان مخالفا للقاعدة أم لا فراجع.

و اما في سائر ذوي الأعذار فربما يقال فيهم بوجوب التأخير و الانتظار مع عدم العلم ببقاء العذر الى آخر الوقت نظرا الى ان العذر المسوغ للصلاة العذرية هو الذي كان مستوعبا لجميع الوقت فإن المأمور به أولا هو الطبيعي الواقع فيما بين المبدء و المنتهى من الوقت الموسع فإذا كان متمكنا من الإتيان به في أي جزء من أجزاء الوقت فلا يكون معذورا مشروعا في حقه الصلاة العذرية و الا تلزم مشروعيتها في حق أكثر المكلفين لثبوت العذر لهم نوعا في بعض الوقت فالملاك في المعذورية هي المعذورية في جميع الوقت، و مع عدم إحراز المكلف العجز الى آخر الوقت لا يجوز له الإتيان بالصلاة العذرية في أول الوقت أو وسطه لاحتمال ارتفاع العذر قبل انقضاء الوقت نعم مع العلم بالبقاء لا مانع من البدار لفرض العلم بمشروعية الصلاة العذرية في حقه.

هذا و يمكن ان يقال بأنه يمكن إحراز بقاء العذر و استمراره الى آخر الوقت من طريق الاستصحاب لانه متيقن الحدوث و مشكوك البقاء و لا مانع من جريانه في الأمور المستقبلة إذا ترتب عليها أثر شرعي فعلى الا ان يخدش في المقام بان موضوع الأثر هو مجموع المتيقن و المشكوك فجزء الموضوع محرز

بالوجدان و الأخر بالاستصحاب و هو في مثله لا يخلو عن ثبوت المثبتية فالأحوط التأخير فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 214

كذا لمن عليه قضاء الفريضة. (1)

______________________________

(1) اختلف الأصحاب- قديما و حديثا- في جواز التطوع في وقت الفريضة فعن الشيخين و كثير من القدماء القول بالمنع و عدم الجواز كما في باب الصوم حيث انه لا يجوز الصوم المندوب لمن عليه صوم واجب أداء أو قضاء من غير كلام بل عن المحقق في المعتبر التصريح بعدم الجواز و الإسناد إلى علمائنا و لكن ذهب جماعة منهم الشهيدان- قدهما- الى الجواز بل عن الدروس انه الأشهر و عليه فالمسئلة مختلف فيها و القائل بكل من القولين ممن يعتنى به كيفا و كما فاللازم ملاحظة الدليل فنقول:

منشأ الخلاف، اختلاف الأخبار الواردة في الباب و قبل الورود فيها لا بدّ من التنبيه على أمر و هو ان المراد بالتطوع في محل النزاع ليس مطلق النافلة حتى يشمل النوافل اليومية لقيام الإجماع و تواتر الاخبار على جواز الإتيان بالرواتب في الأوقات المقررة لها التي تكون مزاحمة للفريضة فيها نوعا كالاتيان بنافلة الظهرين الى الذراع و الذراعين على ما مر تفصيله فالمراد بالتطوع هي النافلة المبتدئة أو التي تكون قضاء عن الراتبة كما ان المراد من الفريضة في محل البحث أعم من الفريضة الأدائية و القضائية فالكلام يقع في مقامين:

الأول: الفريضة الأدائية و الاخبار الواردة فيها على طائفتين:

الطائفة الأولى ما تدل على المنع و هي كثيرة:

منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال: قبل الفجر انهما من صلاة الليل، ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أ

تريد ان تقايس لو كان عليك من شهر رمضان، أ كنت تطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة. «1»

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخمسون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 215

..........

______________________________

و المراد بقوله- عليه السّلام-: أ تريد ان تقايس .. يمكن ان يكون تعليم زرارة و إفهامه كيفية المناظرة مع علماء العامة القائلين بأفضلية نافلة الفجر قبل الفريضة و النقض عليهم بالصوم المندوب على ما عرفت و يمكن ان يكون المراد بالقياس هو التشبيه و التنظير دون القياس المصطلح المحظور في فقه الإمامية و يؤيد الاحتمال الثاني الرواية الآتية.

و كيف كان يرد على الاستدلال بالرواية للمنع في المقام بان موردها نافلة الفجر و قد عرفت خروج النوافل اليومية عن محل البحث في المقام، و المنع فيها و ان كان دليلا على المنع في غيرها بطريق أولى الا انه لا يمكن الالتزام به في نافلة الفجر لدلالة الروايات المعتبرة المتقدمة على انه يدخل وقتها بطلوع الفجر و انها عنوان مستقل في مقابل صلاة الليل غاية الأمر جواز الأحشاء به فيها و الإتيان بها عقيبها قبل الفجر و الا فحكمه الاولى عدم جواز الإتيان بها قبله و عليه فلا يمكن الالتزام بمفاد الرواية من ممنوعية الإتيان بها بعده قبل الفريضة، و لو حمل المنع فيها على المرجوحية فمضافا الى عدم صحة هذا الحمل أيضا لأنه لا مرجوحية في الإتيان بها بعد الفجر قبل الفريضة لا دلالة لها على المنع في غيرها كما لا يخفى.

و منها ما رواه الشهيد- قده- في الذكرى في المسألة الثانية من الفصل الرابع من المواقيت عن زرارة مع توصيفها بالصحة قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- أصلي

نافلة و على فريضة أو في وقت فريضة؟ قال: لا انه لا تصلى النافلة في وقت فريضة أ رأيت لو كان عليك من شهر رمضان أ كان لك ان تتطوع حتى تقضيه؟ قال:

قلت لا قال فكذلك الصلاة قال فقايسني و ما كان يقايسني. و رواه الشهيد الثاني في الروض و الظاهر انه أخذه من الشهيد الأول و ان كان ظاهر الحدائق ان المتأخرين إنما أخذوه من الشهيد الثاني و هو أول من نقل هذه الرواية و لكن الأمر ليس كذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 216

..........

______________________________

و أورد على سندها بأنه لم يصل إلينا طريقها فهي في حكم المرسلة و ان وصفها هو- قدس سره- بالصحة لكنه يمكن ان تكون صحيحة بحسب اجتهاده و نظره بحيث لو وصل إلينا لناقشنا في الصحة.

و لكن الظاهر اندفاع الإيراد بأن توصيف مثل الشهيد الرواية بالصحة يكفي في اعتبارها مع عدم العلم بالخلاف و عدم الاطلاع على المعارض و ان لم يكن شخص الراوي مبينا لعدم الفرق بينه و بين العلم بالشخص و ثبوت التوثيق و عدم العلم بالخلاف و إمكان المناقشة على تقدير العلم بالشخص لا يقدح في الاعتبار لإمكان وجود المعارض و عدم الوصول إليه في تلك الصورة أيضا و بالجملة لا يرى فرق بين الصورتين فالرواية معتبرة.

و يمكن ان يقال بأنه لا دليل على ان الشهيد الثاني قد أخذ الرواية من الشهيد الأول بل الظاهر عدم الأخذ لأن توصيفه أيضا بالصحة ظاهر في كون السند صحيحا عنده و الا كان اللازم نسبة الصحة إلى الشهيد الأول و حكايتها عنه كما لا يخفى و عليه فالسند محكوم بالصحة من ناحيتين مستقلتين و هذا يزيد

في اعتبار الرواية هذا من جهة السند.

و اما من جهة الدلالة فالظاهر تماميتها باعتبار كون السؤال عن مطلق صلاة النافلة من دون ظهور في خصوص الرواتب و الترديد في السؤال يمكن ان يكون مستندا الى من روى عن زرارة و كان السؤال واحدا منهما و يمكن ان يكون من السائل و عليه فالمراد بقوله: على فريضة هي الفريضة القضائية و بقوله في وقت فريضة هي الفريضة الأدائية و على كلا التقديرين تتم دلالتها على المطلوب كما هو ظاهر.

و منها ما رواه الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال قال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة .. «1»

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و الستون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 217

..........

______________________________

و تظهر المناقشة في سند الرواية و الجواب عنها مما ذكرنا في الرواية السابقة.

و منها رواية زياد أبي عتاب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا تضرك ان تترك ما قبلها من النافلة. «1»

و الراوي مردد بين ان يكون زياد أبا عتاب و ان يكون زياد بن أبي عتاب و ان يكون زياد بن أبي غياث و على الأولين لم يوثق في كلماتهم و على الأخير قد وثقه النجاشي و منشأ الترديد ان المذكور في الاستبصار- على ما حكى- هو الأخير و في التهذيب أيضا كذلك الا انه كتب فوقه زياد بن أبي عتاب نقلا عن بعض النسخ و في غيرهما أحد الأولين و لكن الظاهر هو الأخير بلحاظ الاستبصار و التهذيب مع عدم

التعرض لهما في الكتب الرجالية و مع كون الراوي عنه هو ثابت بن شريح الذي ذكر في شأنه انه يروى عن زياد بن أبي غياث فالرواية من جهة السند معتبرة.

و اما من جهة الدلالة فربما يقال بدلالتها على المنع من جهة ظهور الأمر بالبدأة بالفريضة إذا حضرت في وجوبها و عدم جواز الإتيان بالنافلة في ذلك الوقت.

و لكن الظاهر ورود هذا الأمر في مقام توهم الحظر و الشاهد عليه ذيل الرواية الواقع تفريعا على الصدر فان مفاده يرجع الى ان ترك النافلة و الاشتغال بالفريضة غير مضر فهو يدل على ان السائل انما كان يتوهم لزوم البدأة بالنافلة قبل الفريضة و عدم جواز الاشتغال بالثانية قبل الاولى و لعل منشأ التوهم تقيد المسلمين عملا بالإتيان بالنافلة قبل الفريضة و استمرار فعلهم على ذلك و عليه فالأمر بالبدأة بالفريضة انما يكون ناظرا الى رفع هذا التوهم و مرجعه الى جوازها و عدم كون ترك النافلة قبل الفريضة بمضر مع ان تقييد النافلة بكونها قبل الفريضة ظاهر في النافلة الموقتة و هي النوافل الرواتب التي يكون وقتها قبل الفريضة و محل البحث كما عرفت هي النوافل المبتدئة و مثلها من قضاء تلك النوافل

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الثلاثون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 218

..........

______________________________

فالرواية لا دلالة لها على المنع في المقام بوجه.

و منها: رواية نجية بالنون و الجيم و الياء مشددة أو بدونه أو بخية بالباء و الخاء أو بحية بالباء و الخاء أو نجبة بالنون و الجيم و الباء قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- تدركني الصلاة و يدخل وقتها فابدأ بالنافلة؟ قال فقال أبو جعفر- عليه

السّلام- لا و لكن ابدأ بالمكتوبة و اقض النافلة. «1»

و لكن التعبير بقضاء النافلة ظاهر في النافلة المشروعة الموقتة و الكلام كما عرفت انما هو في غيرها و لا بدّ من حمل الرواية على ما إذا انقضى الوقت المعين للنافلة الذي يجوز ان تكون فيه مزاحمة للفريضة كالذراع و الذراعين في نافلتي الظهرين على ما تقدم و سيأتي الكلام أيضا في المراد من وقت الفريضة المذكور في مثل الرواية و كيف كان فهي لا ترتبط بالمقام أصلا.

و منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- انه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها قال: يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار قال فإذا دخل وقت الصلاة و لم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف ان يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت و هذه أحق بوقتها فليصلها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى و لا يتطوع بركعة حتى يقضى الفريضة كلها. «2»

و المراد من قوله- عليه السّلام- يقضيها إذا ذكرها .. يحتمل ان يكون وجوب القضاء بنحو الفورية مع التذكر كما يقول به القائل بالمضايقة و يحتمل ان يكون صحة القضاء و عدم محدوديته بوقت خاص و انه يجوز الإتيان به في أية ساعة من ساعات الليل و النهار و عليه فلا دلالة له على لزوم الفورية و المضايقة و لكن الظاهر هو الاحتمال الأول و عليه يتفرع قوله: فإذا دخل و مراده انه مع دخول وقت

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الثلاثون ح- 5

(2) الوسائل أبواب قضاء الصلوات الباب الثاني ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الصلاة، ص: 219

..........

______________________________

الصلاة الأدائية و عدم إتمام ما قد فاته من الصلوات يجب عليه الاستمرار على الإتيان بالقضاء ما لم يتخوف ان يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت فإنها أحق بوقتها و الظاهر ان المراد من الوقت الذي يتخوف ذهابه هو وقت الفضيلة لا الاجزاء لظهور قوله: فإذا قضاها فليصل .. في وقوع الصلوات الفائتة البعدية في وقت أجزاء الحاضرة و الا لم يكن لذكر هذه الجملة فائدة إلا التأكيد و هو خلاف الظاهر فتدبر.

و اما قوله- عليه السّلام-: و لا يتطوع بركعة .. فيحتمل فيه أمران:

أحدهما: ان لا يكون مفاده حكما جديدا مستقلا في الصلوات الفائتة بل متفرعا على المضايقة في القضاء و مرجعه إلى انه حيث كان القضاء مبنيا على الفورية و المضايقة فاللازم ان لا يشتغل بغيرها حتى النافلة و لو بركعة إذ ليس حالها حال الفريضة الحاضرة في تقدمها على الفائتة مع تخوف ذهاب وقتها بل يكون الأمر بالعكس لعدم محذور في تفويت النافلة و لو من دون مزاحم فضلا عما إذا كان لها مزاحم أقوى و هو القضاء الواجب المبنى على المضايقة.

ثانيهما: ان يكون مفاده حكما جديدا مستقلا في باب القضاء و انه كما يكون محكوما بوجوب الفورية و المضايقة كذلك يترتب عليه النهى عن التطوع و لو بركعة ما دام لم يتحقق الفراغ عنها و لم يقض الفريضة كلها و مرجعه الى ان النافلة لأجل كونها كذلك لا تصلح لان تزاحم القضاء الواجب و لو مع قطع النظر عن لزوم الفورية فيه كما هو الشأن في الحكمين المستقلين في مورد واحد و من المعلوم ان صلاحية الرواية للاستدلال بها في المقام انما هي على تقدير كون

المراد من الجملة الأخيرة هو الاحتمال الثاني ضرورة انه على تقدير كون المراد منها هو الاحتمال الأول لا ترتبط بمسألة التطوع في وقت الفريضة لأن محل النزاع فيها ما إذا لم يكن هناك تضيق أصلا.

هذا و الظاهر هو الاحتمال الثاني لأن لازم الاحتمال الأول ان لا يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 220

..........

______________________________

الموضوع المنهي عنه هو خصوص التطوع و التنفل بل كل ما يوجب الإخلال بالإتيان بالفوائت بل الموضوع بناء عليه ترك الاشتغال بها مع ان الظاهر مدخلية عنوان التطوع و التنفل في تعلق النهى كما لا يخفى كما ان الظاهر كون النهى نهيا ذاتيا يترتب عليه احكامه و آثاره و لازم الاحتمال الأول كونه نهيا عرضيا لا يترتب عليه أثر ضرورة ان التنفل بناء عليه لا يكون مخالفة للزوم الفورية و النهى عنه معا بحيث يكون هناك مخالفة تكليفين بل لا يكون إلا مخالفة تكليف واحد و هو وجوب الفورية مع ان ظاهر النهى هو الذاتي الاستقلالي لا العرضي و عليه فيتم الاستدلال بها للمقام نعم ربما يقال بان مورده الصلاة الفائتة فكيف يمكن الاستدلال بها للفريضة الأدائية و دعوى شمولها لها تحتاج الى القطع بالملازمة بين الأداء و القضاء و لكنه مدفوع بأنه لا خفاء في جواز إلغاء الخصوصية من الفريضة الفائتة لأن المستفاد من هذه الجملة كما عرفت ان عدم جواز مزاحمة النافلة للفائتة انما هو لانه لا محذور في تفويتها دونها و من المعلوم ثبوت هذا الملاك في الأدائية لو لم يكن بطريق اولى كما لا يخفى.

و منها ما رواه محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب حريز بن عبد اللّٰه عن زرارة عن

أبي جعفر- عليه السلام- قال: لا تصل من النافلة شيئا في وقت الفريضة فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة فإذا دخل وقت فريضة فابدأ بالفريضة. «1»

و أورد على سندها بأن الحلي- قده- لم يروها عن كتاب حريز من دون واسطة للفصل الكثير بين العصرين فكيف يمكن له النقل عنه أو عن كتابه من دون واسطة و حيث انها غير معلومة فالرواية ساقطة عن الاعتبار.

و أجيب عن الإيراد بأنه حيث ان الحلي ممن لا يعتمد على الخبر الواحد و انما يعمل بالمتواترات أو ما قامت القرينة القطعية على صحته فنقله عن كتاب

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الثلاثون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 221

..........

______________________________

حريز دليل على وصوله اليه بطريق قطعي قابل للاعتماد عليه و بعبارة أخرى يدعى الحلي القطع بكون الرواية موجودة في كتاب حريز و بهذا تكون الرواية قريبة من الحس فتشملها الأدلة القائمة على حجية الخبر الواحد.

و في هذا الجواب نظر لان عدم اعتماده على الخبر الواحد لا يكون دليلا على وصول كتاب حريز اليه بطريق قطعي كيف و نفس الكتاب انما يكون الناقل بالإضافة إلى الروايات المنقولة فيه هو حريز و لا يكون الا واحدا خصوصا في مثل هذه الرواية حيث ينقلها عن الامام مع الواسطة كزرارة مع ان قطعه لا يكون حجة بالإضافة إلينا لاحتمال الخطاء و الاشتباه في مستند القطع مع ان نقل الخبر الواحد لا يكون فيه اى محذور ممن لا يعتمد عليه كيف و نقل اخبار الضعاف كثير مع عدم اعتماد الناقل عليها و بالجملة فالرواية من حيث السند مخدوشة.

و اما من حيث الدلالة فمقتضى إطلاق النافلة فيها الشامل للنوافل

المبتدئة و ما يشابهها و ظهور كون الوقت هو وقت الاجزاء لا الفضيلة ثبوت النهى عن التطوع فيما هو محل البحث في المقام.

و منها رواية أبي بكر عن جعفر بن محمد- عليهما السّلام- قال: إذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوع. «1» و الراوي ممن ورد فيه التوثيق العام لوقوعه في أسانيد كتاب كامل الزيارات و دلالتها كالرواية السابقة.

و منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال لي رجل من أهل المدينة يا أبا جعفر مالي لا أراك تتطوع بين الأذان و الإقامة كما يصنع الناس؟

فقلت انا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة فإذا دخلت الفريضة فلا تطوع. «2»

و أورد عليها بأنها بالدلالة على الجواز اولى من الدلالة على المنع لأن

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الثلاثون ح- 7.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الثلاثون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 222

..........

______________________________

مفادها انه- عليه السّلام- انما كان لا يتطوع بين الأذان و الإقامة و اما قبلهما فلا و بعبارة اخرى ان ما لم يكن يأت به الامام- عليه السّلام- انما هو خصوص التطوع بينهما لا مطلقا و لو بعد دخول الوقت و قبلهما.

و يدفعه وضوح ان الجواب لا يكون مفاده مجرد عدم التطوع بين الأذان و الإقامة بل بيان قاعدة كلية و هو كون تطوعهم- عليه السّلام- في غير وقت فريضة نعم يمكن المناقشة في كون المراد من الوقت هو وقت الاجزاء و لكن الإيراد لا يكون مبنيا على هذه المناقشة.

نعم ذكر سيدنا العلامة الأستاذ- قدس سره- ان الاستدلال بهذه الرواية مشكل لأنها تتضمن قضية في واقعة شخصية و

لا يعلم المراد من الصلاة التي كان بناء الناس على الإتيان بها بين الأذان و الإقامة و- ح- فمن المحتمل ان يكون اعتقادهم على استحباب ركعتين مخصوصتين بين الأذان و الإقامة في قبال سائر النوافل غير مشروعتين عندنا و حيث لم يكن للإمام رد السائل لكون ذلك المعنى امرا مركوزا عند الناس فأجاب بما يوافق مذهبهم تورية لأنهم رووا عن أبي هريرة انه إذا دخل الوقت فلا صلاة إلا المكتوبة مضافا الى انه لو سلم كون الركعتين من النوافل اليومية فيمكن ان يقال بعدم دلالة الرواية على المنع لأن غاية مدلولها إن بناءهم- عليه السّلام- على الإتيان بالنافلة قبلا فلا يستفاد منها المنع و لكن ظاهر الذيل ينافي ذلك.

هذه هي الروايات الدالة على المنع و قد أفاد الأستاذ- قده-: «ان المراد بوقت الفريضة يحتمل ان يكون جميع الوقت الوسيع من أوله الى آخره و يحتمل ان يكون المراد به الوقت الذي لا تكون النافلة فيه مزاحمة للفريضة كالذراع و الذراعين في الظهرين و سقوط الشفق في العشاء و يحتمل ان يكون المراد به الوقت الذي تنعقد فيه الجماعة لأجل المكتوبة كما ان هنا احتمالا رابعا و هو ان يكون المراد به الوقت الذي يتعين فيه الإتيان بالفريضة لصيرورتها قضاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 223

..........

______________________________

لو أخرت عنه، و لا إشكال في عدم كون المراد به هو الاحتمال الأخير لكون الروايات آبية عن الحمل عليه بل صريحة في خلافه كما ان الظاهر بطلان الاحتمال الأول أيضا لأن أكثر روايات المنع قد وردت في خصوص الرواتب اليومية أو الأعم منها و لا يمكن حملها على خصوص النافلة المبتدئة و- ح- بعد ما

استقر عمل النبي- ص- و الأئمة المعصومين- عليهم السّلام- و كذا الصحابة بل أكثر الناس على الإتيان بالرواتب قبل الفريضة في نافلة الظهرين و قبل سقوط الشفق في نافلة المغرب و قبل طلوع الحمرة المشرقية في نافلة الصبح لا يبقى شك و ارتياب في استحباب الإتيان بالنافلة الراتبة في أول الزوال- مثلا- و كون جواز ذلك بل أفضليته من الأمور المرتكزة عند الناس و- ح- إذا القى إليهم هذه العبارات الدالة على عدم جواز الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة لا يفهمون منه عدم الجواز في وقت يصح فيه الإتيان بالفريضة بل لا يتبادر إلى أذهانهم إلا أول أوقات الفضيلة للفريضة التي تكون خاتمة الأوقات المضروبة للنوافل التي تزاحم فيها مع الفريضة و- ح- يكون مدلول الروايات أخص من مدعى المانعين لان مدعاهم المنع في جميع الوقت الوسيع الذي يصح فيه الإتيان بالفريضة فلا بد من التزامهم بالتخصيص فيها لخروج الرواتب عن هذا الحكم قطعا و اما بناء على ما ذكرنا يكون خروج الرواتب بنحو التخصص إذ لا تعرض في الروايات لما قبل الذراع و الذراعين- مثلا- فلا دليل على المنع في غير الرواتب أيضا و بالجملة استقرار عمل النبي- ص- و من بعده قرينة متصلة على ان المراد بوقت الفريضة ليس مجموع الوقت الوسيع من أوله الى آخره نعم يستفاد من روايات المنع، منع الإتيان بالرواتب بعد دخول وقت الفضيلة للفريضة فيكون غيرها اولى بعدم الجواز».

و ذكر أيضا في تأييد الاحتمال الثالث و هو ان يكون المراد بالوقت هو وقت انعقاد الجماعة للفريضة ما حاصله: «ان التتبع في الاخبار يعطي ان المراد بالوقت في لسان الاخبار ليس خصوص ما هو المتبادر منه عند أذهاننا و

يؤيد ذلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 224

..........

______________________________

ما رواه العامة عن أبي هريرة عن النبي- ص- انه قال: إذا دخل الوقت فلا صلاة إلا المكتوبة و الظاهر انه ليس لهم في المسألة الا هذه الرواية و لعلها هي التي أشار إليها عمر بن يزيد فيما رواه الصدوق بإسناده انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرواية التي يروون انه لا يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت قال: إذا أخذ المقيم في الإقامة فقال له: ان الناس يختلفون في الإقامة فقال: المقيم الذي يصلى معه. «1»»

أقول: و يؤيد ما أفاده في ترجيح الاحتمال الثاني و هو كون المراد وقت الفضيلة التعليل الوارد في بعض روايات نافلتي الظهرين الدالة على بقاء مزاحمتهما الى الذراع و الذراعين و هو قوله- ع-: و انما جعل الذراع و الذراعان لئلا يكون تطوع في وقت فريضة. «2» مع ان من المعلوم دخول وقت الاجزاء بالزوال و وقوع النافلة في أول هذا الوقت فالمراد هو وقت الفضيلة الذي لا تكون النافلة فيه مزاحمة للفريضة.

و لكن يبعده خلو بعض الروايات الناهية عن كلمة «الوقت» حتى تقبل الحمل على وقت الفضيلة كصحيحة زرارة المتقدمة الواردة في بيان وجوب القضاء المشتملة على قوله- عليه السّلام-: و لا يتطوع بركعة حتى يقضى الفريضة كلها، بناء على ما رجحناه من كونه حكما مستقلا غير متفرع على المضايقة و جاريا في الفريضة الأدائية بالأولوية أو بإلغاء الخصوصية فإنها ظاهرة في النهي عن التطوع ما دام كون الذمة مشغولة بفريضة.

ثم ان الظاهر انه لا مغايرة بين الاحتمالين: الثاني و الثالث لان وقت الفضيلة كان هو وقت انعقاد الجماعة و قد

مرت جملة من الروايات الدالة على ان جدار مسجد رسول اللّٰه- ص- كان قامة و إذا مضى منه ذراع صلى الظهر و إذا مضى منه

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و العشرون ح- 9.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 28.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 225

..........

______________________________

ذراعان صلى العصر و مرّ أيضا ان الذراع و الذراعين هما منتهى وقت يزاحم فيه النافلة الفريضة و عليه فيمكن ان يكون تفسير الوقت بذلك اى بوقت انعقاد الجماعة كما في رواية عمر بن يزيد المتقدمة لأجل كونه هو وقت الفضيلة فلا معارضة بينها و بين الروايات الناظرة الى هذا الوقت.

نعم يظهر من موثقة إسحاق بن عمار ان انعقاد الجماعة و لو في وقت الفضيلة له مدخلية في ترك التطوع و انه ما لم تنعقد في ذلك الوقت لا مانع من الإتيان بالنافلة حيث قال: قلت أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال نعم في أول الوقت إذا كنت مع امام تقتدى به فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة. «1» فإن ظاهرها انه مع انتظار الجماعة في وقت الفضيلة لا مانع من التطوع بخلاف المنفرد الذي لا يكون منتظرا لها فإنه يبدأ بالمكتوبة بمجرد دخول وقت الفضيلة و عليه فالنهي عن التطوع انما هو لرعاية وقت الفضيلة بالإضافة إلى المنفرد أو هو مع الجماعة بالإضافة الى من يكون منتظرا للجماعة.

ثم انه ظهر مما ذكرنا ان النهى عن التطوع في وقت فضيلة الفريضة انما هو للإرشاد الى ان الأفضل- ح- البدأة بالمكتوبة بمعنى انه حيث كانت ذمة المكلف مشغولة بما هو أهم و أكمل فالأحرى تقديم الأهم و عدم تأخيره فالنهي انما هو لمراعاة فضل المبادرة الى

الفريضة.

و اما احتمال ان يكون النهى فيها للتحريم بسبب انطباق عنوان محرم على النافلة في ذلك الوقت مطلقا راتبة كانت أو غيرها أو ان يكون النهى فيها للإرشاد إلى فساد النافلة في ذلك الوقت أو يكون النهى نهيا تنزيهيا بسبب انطباق عنوان ذي حزازة و منقصة على النافلة فيه أو يكون للإرشاد إلى أقلية الثواب و ان النافلة المأتي بها في ذلك الوقت تكون أقل ثوابا بالنسبة الى ما اتى بها في غير هذا الوقت فكلها مخالف للظاهر و لفهم العرف بل الظاهر انه للإرشاد الى

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 226

..........

______________________________

درك فضيلة الوقت أو هي مع الجماعة كما عرفت.

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا ان الروايات الدالة على المنع أكثرها بل كلها الا القليل واردة في النافلة الراتبة التي يراد إتيانها في وقت الفضيلة و ان النهى فيها انما هو للإرشاد من دون ان يكون هنا تحريم تكليفي أو وضعي أو كراهة و حزازة فلا دلالة لشي ء منها على النهى فيما هو محل الكلام و هي النافلة المبتدئة أو مثلها في مطلق وقت الاجزاء قبل الإتيان بالفريضة نعم بقي مثل صحيحة زرارة المتقدمة الظاهرة في النهي عن التطوع و لو بركعة حتى يقضى الفريضة كلها هذا تمام الكلام في الطائفة الدالة على المنع.

الطائفة الثانية: الروايات الدالة على الجواز و قد مرت جملة منها في ضمن البحث في الطائفة الأولى كرواية إسحاق بن عمار و رواية عمر بن يزيد المتقدمتين و عمدة هذه الطائفة موثقة سماعة قال: سألته (سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام-) عن الرجل يأتي المسجد و قد

صلى اهله أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال:

ان كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة، و ان كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة و هو حق اللّٰه ثم ليتطوع ما شاء الا هو (الأمر) موسع ان يصلى الإنسان في أول دخول وقت الفريضة النوافل الا ان يخاف فوت الفريضة، الفضل إذا صلى الإنسان وحده ان يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة و ليس بمحظور عليه ان يصلى النوافل من أول الوقت الى قريب من آخر الوقت. «1» و هذه الرواية صريحة في جواز التطوع، ما دام لم يتضيق وقت الفريضة و احتمال ان يكون المراد من النوافل هي الرواتب سخيف جدا لوضوح حالها عند كل أحد لأنه يعرف كل عامي انه يستحب الإتيان بها قبل الفريضة إلى أوقات معينة كما عرفت.

و اما ما ذكره صاحب الحدائق في تفسير الرواية من ان الأمر موسع ان

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 227

..........

______________________________

يصلى الإنسان في أول دخول وقت الفريضة أي أول دخول وقت الاجزاء كالزوال في الظهرين بناء على ان وقت فضيلتهما بعد الذراع أو الذراعين و نحوهما الا ان يخاف فوت الفريضة فيترك النافلة و لكن الفضل إذا صلى الإنسان وحده ان يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة و ليس بمحظور عليه ان يصلى النوافل من أول الوقت الى آخر الوقت اى الوقت الذي يدخل بعده وقت الفضيلة للفريضة. فمخالف لظاهر الرواية بل صريحها فان حمل قوله: آخر الوقت على آخر الوقت الذي يدخل بعده وقت الفضيلة مما

لا وجه له أصلا.

و الجمع بين الروايات الدالة على الجواز و مثل صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على المنع هو الحمل على الكراهة لو لم نقل بعدم ثبوت كراهة أيضا بل النهى انما هو للإرشاد إلى الأخذ بما هو أولى بالمراعاة من النافلة و هي الفريضة و انه ينبغي لمن تكون ذمته مشغولة ان يسعى أولا في حصول الفراغ لها ثم الإتيان بالنافلة فتدبر.

المقام الثاني في التطوع لمن عليه قضاء الفريضة و قد نسب إلى الأكثر الجواز و ان ذكر صاحب الحدائق ان المعروف هو المنع و كيف كان فقد ذهب جماعة إلى المنع كالعلامة و جمع من المتأخرين و اختاره صاحب الحدائق و على تقدير القول بالجواز في المقام المتقدم يكون الجواز هنا بطريق اولى نعم يمكن التفكيك بين المقامين بالقول بالجواز هنا و بعدمه في المقام المتقدم و عليه فلا تبقى لنا حاجة الى البحث في هذا المقام و لكنه لا بأس بالإشارة الى بعض ما استدل به للمنع من الوجوه و الجواب عنه فنقول:

منها قوله- عليه السّلام-: لا صلاة لمن عليه صلاة فان ظاهره نفى صحة الصلاة ممن تكون ذمته مشغولة بصلاة فالنافلة لمن عليه قضاء غير مشروعة و حمله على نفى الكمال خلاف الظاهر لا يصار اليه الا مع قيام دليل كما في قوله- عليه السّلام- لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 228

..........

______________________________

و منها الروايات الدالة على ترتب الحاضرة على الفائتة و ان فراغ الذمة عن القضاء معتبر في صحة الأدائية إلا مع ضيق وقتها بدعوى أن الفائتة إذا كانت متقدمة على الحاضرة لكانت نوافل الحاضرة أيضا مترتبة على الفائتة بطريق أولى

لأنها من توابع الفريضة و اولى من النوافل الراتبة غيرها من النوافل المبتدئة لكونها أهم منها فإذا كانت الفائتة متقدمة عليها فغيرها اولى بذلك.

و جوابه واضح لان ترتب الحاضرة على الفائتة لا يكون مستلزما لترتب النافلة عليها و عدم جواز تقديمها بوجه لكون النافلة صلاة مستقلة تدور مدار دليلها و لذا نرى عدم اعتبار بعض شرائط الفريضة فيها كالاستقبال و الطمأنينة و نحوهما و لم يعلم ان الوجه في ترتب الحاضرة على الفائتة هو ثبوت التزاحم و أهمية الثاني لأن الترتب بمجرده لا يلازم ذلك فان العصر مترتبة على الظاهر و ليس مرجعها الى ذلك أصلا.

و منها: ان القضاء واجب مضيق فلا بد من الإتيان به فورا ففورا و التنفل يستلزم التأخير و هو غير جائز.

و الجواب ان مورد البحث في مسألة التطوع في وقت الفريضة هو وقوع التطوع بما هو تطوع في مقابل الفريضة بما هي كذلك و اما إذا اقترنت الفريضة بخصوصية اخرى موجبة لصرف الوقت في الإتيان بها كما إذا صارت مضيقة أو كانت من الأول كذلك فهو خارج عن محل البحث لان عدم جواز التطوع- ح- ليس لأجل كونه تطوعا بل لأجل استلزامه الإخلال بالوقت المضيق و لذا يكون غير النافلة أيضا على هذا الحكم فهذا الدليل خارج عن محل الكلام.

و منها: صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أ يصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال: يصلى حين يستيقظ، قلت: يوتر أو يصلى الركعتين؟ قال:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 229

..........

______________________________

بل يبدأ بالفريضة. «1»

و الجواب انها معارضة في نفس موردها بموثقة

أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس فقال: يصلى ركعتين ثم يصلى الغداة. «2» و حمل الموثقة على صورة انتظار الجماعة اعنى من يريد ان يصلى بقوم و ينتظر اجتماعهم و حمل الصحيحة على من يصلى بالانفراد كما عن الشيخ- قده- فهو مما لا شاهد له أصلا، كما ان احتمال كون الصحيحة مقيدة لإطلاق الموثقة نظرا الى ان مورد السؤال فيها هو النوم عن الغداة حتى طلعت الشمس و هو أعم من الانبساط و عليه فالحكم قبل ان تنبسط الشمس هو الابتداء بالفريضة و بعد الانبساط الابتداء بالنافلة و يؤيده كراهة النافلة المبتدئة بعد الطلوع و قبل الانبساط مطلقا مدفوع بان ظاهر الصحيحة ان لزوم البدأة بالفريضة انما هو لأجل كونها فريضة لا لتحقق الانبساط و عليه فالموثقة دليل على العدم فيتحقق بينهما التعارض كما هو ظاهر.

و منها و هو العمدة صحيحة زرارة المتقدمة الواردة في باب القضاء المشتملة على قوله- عليه السّلام-: و لا يتطوع بركعة حتى يقضى الفريضة كلها. «3»

و فيه مضافا الى كونها معارضة بما تقدم في المقام الأول من الدليل على الجواز معارضة بما رواه الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال قال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة (عيينة) و أصحابه فقبلوا ذلك منى فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر- عليه السّلام- فحدثني ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- عرس- نزل للاستراحة- في بعض أسفاره و قال من

______________________________

(1) الوسائل أبواب

المواقيت الباب الواحد و الستون ح- 4.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و الستون ح- 2.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و الخمسون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 230

..........

______________________________

يكلؤنا؟ فقال بلال انا فنام بلال و ناموا حتى طلعت الشمس فقال يا بلال ما أرقدك؟

فقال يا رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم فقال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- قوموا فحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة و قال يا بلال: أذن فأذن فصلى رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- ركعتي الفجر و أمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح و قال: من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها فان اللّٰه عز و جل يقول وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِذِكْرِي قال زرارة فحملت الحديث الى الحكم و أصحابه فقالوا: نقضت حديثك الأول فقدمت على أبي جعفر- عليه السّلام- فأخبرته بما قال القوم فقال يا زرارة إلا أخبرتهم انه قد فات الوقتان جميعا و ان ذلك كان قضاء من رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله. «1» و قد مرّ ان توصيف الشهيد- قده- الرواية بالصحة يكفي في الاعتبار و الحجية فلا إشكال في السند و اما من جهة الدلالة فمفادها التفصيل بين الحاضرة و الفائتة و انه لا يجوز التطوع في وقت الاولى دون الثانية و احتمال كون الجواز في الثانية انما هو لأجل انتظار الجماعة مدفوع بأن أمر الجماعة في مورد الرواية كان بيد النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- و لو لم يكن التقديم جائزا لقدم الجماعة في الفائتة على التطوع و التنفل.

و لكن الذي يوهن الرواية

مخالفتها لأصول المذهب و دلالتها على القدح في مقامه- صلّى اللّٰه عليه و آله- و عصمته فإنه كيف يمكن ان يغلبه النوم و يمنعه عن الإتيان بالفريضة الإلهية و التفكيك في مفادها من جهة عدم قبولها في الدلالة على نومه- صلّى اللّٰه عليه و آله- و قبولها في الدلالة على تقديم النافلة على الفريضة القضائية واضح البطلان لعدم اشتمالها على دلالتين بل لها دلالة واحدة فقط و هي وقوع ذلك العمل من رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- فإذا لم يمكن الالتزام بنومه حتى يجب عليه القضاء فكيف يمكن الالتزام بتطوعه قبل الفائتة كما لا يخفى و عليه فما يعارض الرواية انما هو ما تقدم في الأمر الأول.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و الخمسون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 231

[مسألة- 14 لو تيقن بدخول الوقت فصلى أو عول على أمارة معتبرة]

مسألة- 14 لو تيقن بدخول الوقت فصلى أو عول على أمارة معتبرة كشهادة العدلين فان وقع تمام الصلاة قبل الوقت بطلت، و ان وقع بعضها فيه و لو قليلا منها صحت. (1)

______________________________

و مما ذكرنا يظهر الجواب عن سائر ما استدل به على المنع في هذا المقام فتدبر جيدا.

(1) اما البطلان في الفرض الأول و هو وقوع تمام الصلاة قبل الوقت فللاخلال بما هو شرط الصلاة على ما تقتضيه أدلة شرطية الوقت و لا مجال لتوهم اقتضاء الأمر القطعي الذي انكشف خلافه للاجزاء لعدم كون المأتي به مأمورا به و عدم كون المأمور به متحققا في الخارج و كذا الأمر الظني الذي هو مقتضى اعتبار الامارة و حجيتها لما قد تحقق في محله من ان حجية الأمارات انما هي على نحو الطريقية و هي على هذا النحو لا

تقتضي الإجزاء بوجه.

هذا مضافا الى ان مقتضى قاعدة لا تعاد وجوب الإعادة في الفرض لكون الوقت من جملة الأمور الخمسة المستثناة فيه من عدم الإعادة مع دلالة بعض النصوص على البطلان و وجوب الإعادة:

كصحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك و قد صليت أعدت الصلاة. «1» و اشتمال الرواية على ان الملاك في الغروب هي غيبوبة القرص مع انه كما عرفت هو ذهاب الحمرة المشرقية و تجاوزها عن قمة الرأس لا يقدح في الاستدلال بذيلها الدال على بطلان الصلاة الواقعة بتمامها قبل الوقت لانه حكم مستقل لا يكون متفرعا على الصدر و لذا يستفاد من الرواية حكم جميع الصلوات من غير ان يختص بصلاة المغرب.

و صحيحة أخرى لزرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- في رجل صلى الغداة بليل غره من ذلك القمر و نام حتى طلعت الشمس فأخبر انه صلى بليل قال يعيد

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 232

..........

______________________________

صلوته. «1» فالبطلان في هذا الفرض واضح.

و اما الصحة في الفرض الثاني ففيها خلاف فالأشهر بل المشهور كما في الجواهر الصحة و عن المرتضى و الإسكافي و العماني و جمع من المتأخرين كالعلامة في أول كلامه في المختلف و ابن فهد و الصيمري و الأردبيلي البطلان بل نسبه المرتضى إلى محققي أصحابنا و محصليهم.

و الدليل الوحيد على الصحة ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن على بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن إسماعيل بن رياح عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا صليت و أنت ترى أنك في

وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك. و بإسناده عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن عمير مثله. و رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد .. و رواه الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن رياح. «2»

و عن جماعة تضعيف الرواية باعتبار جهالة إسماعيل و لكن حيث ان الراوي عنه هو ابن أبي عمير الذي اشتهر فيه انه لا يروى إلا عن ثقة مع وقوع احمد بن محمد بن عيسى في بعض أسانيده و هو معروف بكثرة التثبت و ان جميع أسانيده مشتملة على الأجلاء و الأعيان مضافا الى استناد المشهور إلى الرواية مع كون الحكم فيها على خلاف القاعدة فلا مجال للخدشة في السند.

و اما من جهة الدلالة فهي ظاهرة في الاجزاء و عدم وجوب الإعادة فيما إذا صلى و هو يرى انه في وقت و دخل الوقت و هو في الصلاة و الظاهر ان المراد من قوله- عليه السّلام-: و أنت ترى صورة الاعتقاد الجازم و اليقين بدخول الوقت فإلحاق صورة التعويل على الامارة المعتبرة بها يتوقف على ان تكون الامارة المعتبرة صالحة للقيام مقام القطع المأخوذ موضوعا للأثر إذا كان المراد أخذه

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث عشر ح- 5.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 233

[مسألة- 15- لو مضى من أول الوقت مقدار أداء الصلاة و تحصيل مقدماتها]

مسألة- 15- لو مضى من أول الوقت مقدار أداء الصلاة و تحصيل مقدماتها كالطهارة المائية أو الترابية و غيرهما على حسب حاله ثم حصل أحد الأعذار كالجنون و الحيض وجب عليه القضاء و الا لم يجب نعم لو

كانت المقدمات حاصلة أول الوقت كفى فيه مقدار أدائها حسب حاله و تكليفه الفعلي. و ان ارتفع العذر في آخر الوقت فان وسع الطهارة و الصلاتين وجبتا أو الطهارة و صلاة واحدة وجبت صاحبة الوقت و كذا الحال في إدراك ركعة مع الطهور فإن بقي مقدار تحصيل الطهور و إدراك ركعة أتى بالثانية و ان زاد عليها بمقدار ركعة مع تحصيل الطهور وجبتا معا. (1)

______________________________

على نحو الطريقية لا على انه صفة خاصة و منه يظهر اختصاص الحكم بالأمارة المعتبرة لعدم الدليل على تنزيلها إذا لم تكن كذلك منزلة العلم فلا يبقى وجه للإلحاق و دعوى شمول قاعدة لا تعاد بالإضافة إليه لأن الوقت و ان كان من جملة الأمور الخمسة المستثناة فيها الا ان الظاهر كون المراد به ما إذا وقع مجموع الصلاة فاقدة لهذا الشرط دون ما إذا وقع البعض كذلك مدفوعة بوضوح ان المراد منها رعاية تلك الأمور الخمسة بالنحو المذكور في دليل اعتبارها و من المعلوم ان مقتضى دليل شرطية الوقت لزوم رعايته في جميع الاجزاء فمقتضى القاعدة البطلان ثم ان إطلاق قوله- عليه السّلام-: و أنت في الصلاة يشمل ما لو كان في أي جزء من أجزاء الصلاة و ان كان قبل التسليم أو فيه قبل تمامه لأنه أيضا من أجزاء الصلاة فما لم يتحقق بتمامه لم يتحقق الفراغ من الصلاة كما هو ظاهر.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

المقام الأول: في حصول العذر بعد دخول الوقت و فيه فروع ثلاثة:

الأول: ما إذا مضى من أول الوقت مقدار أداء الصلاة و تحصيل المقدمات بحسب حاله و تكليفه الفعلي من القصر و الإتمام و الوضوء و الغسل و التيمم و غيرها

من الشرائط أو مقدار أداء الصلاة مع كون المقدمات حاصلة أول الوقت.

الثاني: ما إذا مضى من الوقت مقدار أداء الصلاة الاضطرارية كالصلاة مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 234

..........

______________________________

الطهارة الترابية أو جالسا بحيث لو كان عالما بطرو العذر حين الدخول لكان الواجب عليه الإتيان بها بتلك الكيفية لعدم سعة الوقت لا زيد منها.

الثالث: ما إذا مضى من أول الوقت مقدار لا يسع للإتيان بالصلاة بتلك الكيفية أيضا.

و ينبغي قبل التعرض للروايات الخاصة الواردة في المسألة ملاحظة أدلة القضاء العامة و كذا ملاحظة الروايات الدالة على انه لا تقضى الحائض الصلاة فنقول:

و اما أدلة القضاء العامة فيظهر من بعضها ان وجوب القضاء معلق على عنوان الفوت و من بعضها وجوبه فيما إذا ترك المكلف ما كانت مكتوبة عليه في الوقت من الفريضة كصحيحة زرارة المتقدمة في مسألة التطوع في وقت الفريضة المشتملة على قوله: و لا يتطوع بركعة حتى يقضى الفريضة كلها.

اما ما علق فيه الوجوب على عنوان الفوت فالظاهر ان الفوت ليس معناه مجرد عدم الإتيان مطلقا ضرورة ان ترك الصلاة للحائض في جميع الوقت لا يوجب تحقق عنوان الفوت فإن حرمة الصلاة لا تكاد تجتمع مع عنوان الفوت فان المتفاهم عرفا من هذا العنوان هو ذهاب شي ء مرغوب فيه عن يد المكلف سواء كان لازما أو راجحا فإذا كان العمل ذا مفسدة أو غير راجح عقلا و شرعا فلا ينطبق على تركه عنوان الفوت نعم لا يكون صدقه متوقفا على ثبوت التكليف بالأداء فإنه قد يتحقق مع عدم ثبوت هذا التكليف أيضا كما في النائم و الناسي و من اكره على ترك الصلاة بحيث صار اللازم على المكلف تركها

فان صدق الفوت فيهم انما هو لأجل ذهاب مثوبة الصلاة و مصلحتها من يدها و الإكراه لا يوجب صيرورة الترك واجبا و الفعل حراما حتى يصير كصلاة الحائض ضرورة ان المحرم في باب الإكراه هو إيقاع المكلف نفسها في التهلكة و نحوها و هو لا يوجب حرمة الصلاة بعنوانها و لذا لو اتى بها مع الإكراه تكون صحيحة غير فاسدة بخلاف صلاة الحائض.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 235

..........

______________________________

ثم ان صدق الفوت في الفرع الأول من الفروع الثلاثة المذكورة مما لا ينبغي الارتياب فيه بل و كذا الفرع الثاني فإن وظيفته على تقدير العلم بطرو العذر كذلك هو الإتيان بالصلاة الاضطرارية غاية الأمر انه حيث لم يكن عالما به يكون معذورا في مخالفة التكليف الادائى فإنه قد ذهب من يده أمر مرغوب فيه و كان بحسب الشرع لازما فصدق عنوان الفوت ظاهر.

و اما الفرع الثالث فالظاهر عدم تحقق عنوان الفوت فيه و ان كان يظهر من المحقق الحائري- قدس سره- في كتابه في الصلاة الصدق فيه أيضا نظرا إلى انه يتوقف على ثبوت المقتضى و ان لم يكلف بالعمل لمانع و ان طريق إحراز ثبوت المقتضى للعمل الخطابات اللفظية بمعنى ان كل قيد أخذ في الخطاب اللفظي قيدا للحكم يحكم بان له دخلا في اقتضاء الفعل و كل قيد لم يؤخذ في الدليل يحكم بمقتضى أصالة الإطلاق ان تمت شرائطها بعدم دخله فيه و ان كان مما يعتبر في الحكم عقلا كالقدرة مثلا فإذا لم يمكن لها الأداء بنحو لعدم الوقت لها أو لعدم القدرة على ما هو شرط مطلقا لا يتوجه اليه التكليف الادائى و لكن يجب القضاء.

فإنه يرد عليه

ان الوقت قيد للحكم و له دخل في اقتضاء الفعل و ليس المراد منه حدوثه و لو لحظة بل دخوله بمقدار يمكن فيه الإتيان بالواجب و لو بكيفية اضطرارية فإذا لم يسع لهذا المقدار أيضا لا يكون المقتضى ثابتا فلا يتحقق عنوان الفوت.

هذا بالنسبة الى ما علق فيه الوجوب على الفوت و اما مثل صحيحة زرارة المتقدمة الواردة في رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها فلا دلالة لها أيضا على وجوب القضاء فيما إذا كان تركها في الوقت لأجل عدم المشروعية فضلا عما إذا كانت محرمة فالمتحصل ان كل مورد لو اطلع المكلف على حصول العذر بعد دخول الوقت كان الواجب عليه إتيان الصلاة و لو بنحو الاضطرار يجب عليه القضاء مع الترك لعدم الاطلاع كما لا يخفى و لا يتحقق ذلك في الفرع الأخير.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 236

..........

______________________________

و اما ما دل على ان الحائض لا تقضى الصلاة من الاخبار الكثيرة فلا إشكال في دلالته على عدم القضاء فيما إذا كان الحيض مستوعبا لجميع الوقت الوسيع من أوله الى آخره كما انه لا ينبغي الإشكال في عدم افادته نفى القضاء فيما لو حاضت قبل تمام الوقت بمقدار يسع الصلاة و لم تصل قبله فان الترك- ح- و ان كان مستندا الى الحيض في الجملة لا يكفي في عدم وجوب القضاء لان ظاهر تلك الاخبار هو ما لو كان الاستناد الى الحيض فقط و المراد انه لو كان الفوت ناشيا عن الحيض و لم يكن مستندا إلى شي ء آخر فلا يجب القضاء.

و من هنا يظهر افادتها لعدم وجوب القضاء في الفرع الثالث من الفروع

المتقدمة لأن الحيض و ان عرض بعد الزوال الا انه حيث لا يكون الوقت صالحا للصلاة الاضطرارية أيضا فيصدق ان الترك انما يستند الى الحيض لعدم مدخلية شي ء آخر في حصوله فلا يجب عليها القضاء و اما الفرع الثاني فالظاهر ان الفوت فيه لا يكون مستندا الى الحيض بل الى جهلها بطروه في حال حصوله ضرورة انه لو كانت عالمة به لم يتحقق منها الترك بل كانت تأتى بما هو وظيفتها في هذا الحال و هي الصلاة الاضطرارية فترك الطبيعة و فوتها مستند الى عدم علمها لا الى الحيض.

و لكن ذكر سيدنا العلامة الأستاذ الماتن- دام ظله- في رسالة الدماء الثلاثة ان الظاهر من تلك الاخبار هو ما كان ترك الصلاة المتعارفة لها مع قطع النظر عن عروض الحيض أي الصلاة التي كانت تأتى به معه بحسب حالها المتعارف المشتملة على جملة من المستحبات مستندا الى الحيض فإذا كانت تقدر على الصلاة مع أقل الواجب فلا يجب عليها القضاء و اولى منه ما إذا كانت تقدر على الصلاة الاضطرارية فلا يجب القضاء بمقتضى تلك الاخبار في شي ء من الصور المذكورة و ذكر ان الارتكاز العرفي و التفاهم العقلائي من الروايات ما افاده قال فهل ترى من نفسك ان المرأة إذا سمعت فقيها يقول: إذا تركت صلوتك لأجل عروض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 237

..........

______________________________

الحيض ليس عليك قضاء فاشتغلت في أول الوقت بالطهور و الصلاة فعرض لها الطمث في الركعة الثالثة تشك في كونها مشمولة للفتوى باحتمال لزوم تقدير نفسها مقام المضطر الفاقد للماء المضيق عليه الوقت أم لا ينقدح في ذهنها الا صلوتها المتعارفة بحسب حالها مع قطع النظر عن

عروض الحيض.

و ما أبعد ما بينه و بين ما افاده شيخه المحقق الحائري- قده- من دعوى وضوح خلافه و ان الفوت ينسب إلى الصلاة و هي تختلف باختلاف الأحوال فتارة شرطها الطهارة المائية و اخرى الترابية و كذا تارة يشترط فيها الستر و اخرى يسقط عنها و بعد ما فرض ان المجعول في حقها بواسطة الحيض الصلاة مع التيمم أو مع عدم الستر أو اللباس النجس ففوت الصلاة منها ليس مستندا الى الحيض.

و مما ذكرنا ظهر حال الفرع الأول و ان الظاهر استناد الفوت لا الى الحيض بل الى جهلها بطروه في حال حصوله فلا دلالة لتلك الاخبار على عدم وجوب القضاء فيه.

و اما الروايات الخاصة الواردة في المسألة:

فمنها: موثقة يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال في امرأة دخل عليها وقت الصلاة و هي طاهر فأخرت الصلاة حتى حاضت قال: تقضى إذا طهرت «1» و ظهورها في سعة الوقت للصلاة الاختيارية و تأخيرها حتى طمثت لا خفاء فيه و عليه فلا يستفاد من الرواية حكم غيره من الصور نفيا أو إثباتا و دعوى انه يستفاد منها اختصاص وجوب القضاء بما إذا اتسع الوقت بمقدار الصلاة الاختيارية لظهور قوله فأخرت .. في مضى الوقت بمقدار الصلاة كذلك و الامام- ع- قد قرر السائل في هذا التقييد و لولاه لزم التنبيه على انه لا فرق في لزوم القضاء بين التأخير بهذا المقدار أو بمقدار الصلاة الاضطرارية ممنوعة جدا لان القيد الواقع في كلام السائل لا يؤثر إلا في اختصاص صورة المسألة بصورة خاصة و الجواب لا دلالة له على مدخلية

______________________________

(1) الوسائل أبواب الحيض الباب الثامن و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الصلاة، ص: 238

..........

______________________________

القيد في الحكم بوجه و لا يلزم التنبيه على عدم مدخلية القيد فان الغرض استفادة حكم المورد الذي ابتلى به أو أراد معرفة حكمه فالإنصاف انه لا دلالة للرواية على عدم وجوب القضاء في غير موردها.

و منها: رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس و لم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال: نعم. «1»

و أورد على سندها بان فيه شاذان بن الخليل مع انه ضعيف أو لم يثبت وثاقته و لكن الظاهر اندفاع الإيراد بأن الكشي- على ما حكى عنه- ذكر في حقه انه من العدول الثقات فالرواية معتبرة.

و اما دلالتها فان كان قوله: و لم تصل الظهر عطفا على قوله: تزول الشمس بحيث كان الطمث بعد الزوال و عدم الإتيان بصلاة الظهر فظاهرها- ح- انها كانت تقدر على الإتيان بها كسائر الأيام واجدة للشرائط الاختيارية غاية الأمر أنه تركها بتخيل سعة الوقت فلا إطلاق للرواية بناء عليه. و ان كان ذلك القول عطفا على قوله: تطمث بحيث كان الطمث و ترك الصلاة متقارنين و اشتراكهما انما هو في حدوثهما بعد الزوال فالرواية- ح- مطلقة و مقتضى إطلاقها ثبوت القضاء في جميع الفروع المتقدمة و لكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر كما لا يخفى.

و منها موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن امرأة صلت من الظهر ركعتين ثم انها طمثت و هي جالسة فقال: تقوم عن مكانها (مسجدها) و لا تقضى الركعتين. «2».

و المراد بعدم قضائها الركعتين هو عدم وجوب الإتيان ببقية الصلاة لعروض الحيض المانع عنها و عليه فالمراد بالقضاء هو القضاء بالمعنى اللغوي و لا تكون الرواية-

ح- متعرضة للقضاء الاصطلاحي حتى يقال ان المراد بصلاة الركعتين

______________________________

(1) الوسائل أبواب الحيض الباب الثامن و الأربعون ح- 5.

(2) الوسائل أبواب الحيض الباب الثامن و الأربعون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 239

..........

______________________________

اللتين أتت بهما هو إتيانهما على حسب ما تأتى بهما في سائر الأيام من الاستجماع لجميع الشرائط و هو بحسب الغالب ملازم لمضي مقدار الصلاة الاضطرارية فتستفاد من الرواية عدم وجوب القضاء فيه أيضا.

و يحتمل ان يكون المراد بالقضاء هو القضاء بالمعنى الاصطلاحي و عليه فالمراد بالركعتين هما الركعتان اللتان صلتهما و مفهومه- ح- وجوب قضاء البقية فوقع التفكيك في صلاة واحدة من جهة القضاء و عدمه و هذا الاحتمال و ان كان بعيدا في نفسه الا انه يعينه رواية أبي الورد قال سألت أبا جعفر- ع- عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر و قد صلت ركعتين ثم ترى الدم قال: تقوم من مسجدها و لا تقضى الركعتين، و ان كانت رأت الدم و هي في صلاة المغرب و قد صلت ركعتين فلتقم من مسجدها فإذا تطهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب. «1» و لا بدّ من رد علمها- ح- إلى أهله أو توجيهها بما لا ينافي النص و الفتوى.

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا انه لا ينبغي الإشكال في وجوب القضاء في الفرع الأول سواء كان الوقت متسعا للإتيان بالصلاة المتعارفة المشتملة على بعض المندوبات المقرونة ببعض التسامحات و التوانيات أو كان متسعا لخصوص أقل الواجب مع عدم التواني كما انه لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب القضاء في الفرع الأخير لاستناد الترك الى الحيض فقط و اما الفرع الوسط فالحكم فيه محل

إشكال لدلالة أدلة القضاء العامة على الوجوب و عدم وجود ما يدل على العدم كما عرفت و ان كان المشهور بل المدعى عليه الإجماع العدم.

المقام الثاني: في ارتفاع العذر في آخر الوقت و قد ذكر في المتن انه ان وسع الطهارة و الصلاتين وجبتا و ظاهره ان المراد بالطهارة هي الطهارة المائية و عليه فوجوب الصلاتين انما هو مع سعة الوقت لها فلو ضاق الوقت إلا

______________________________

(1) الوسائل أبواب الحيض الباب الثامن و الأربعون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 240

..........

______________________________

عن الصلاتين مع الطهارة الترابية فلا تكونان واجبتين أداء و في الجواهر انه مجمع عليه هنا بحسب الظاهر و لا بدّ من ملاحظة روايات المسألة فنقول: انها على طوائف:

الأولى ما ورد في حصول الطهر لها قبل الغروب أو قبل الفجر و انه تجب عليها الصلاتان. الظهران في الاولى و العشاءان في الثانية.

منها: رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب و العشاء و ان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت الظهر و العصر. «1»

و مثلها: رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر و العصر و ان طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب و العشاء. «2».

و كذا رواية داود الزجاجي عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر و العصر، و ان طهرت من آخر الليل صلت المغرب و العشاء الآخرة. «3»

و رواية عمر بن حنظلة عن الشيخ- عليه السّلام- قال: إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب

و العشاء و ان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت الظهر و العصر. «4»

و حصول الطهر لها قبل الغروب أو الطلوع و ان كان مطلقا شاملا لما إذا حصل قبلهما و لو بلحظة الا ان الحكم في الجزاء بوجوب الصلاتين عليهما قرينة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 7

(2) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 10

(3) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 11

(4) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 241

..........

______________________________

على اختصاص مورد الشرط بما إذا وضع الوقت لهما لان الظاهر هو الإتيان بهما بصورة الأداء كما ان الظاهر هو الإتيان بهما مع الشرائط الاختيارية التي منها الطهارة المائية فالمفروض في هذه الطائفة صورة سعة الوقت لهما كذلك و عليه فلا دلالة لها على نفى الوجوب فيما إذا ضاق الوقت الا عن الصلاتين مع الطهارة الترابية الا ان يقال- كما لا يبعد- ان التقييد المستفاد من الجزاء ظاهر في ان الملاك في وجوبهما هو إدراكهما كذلك فلا يتحقق الوجوب في غير هذه الصورة، الثانية: ما تدل على التفصيل بين ما إذا حصل الطهر قبل العصر و غيره كرواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: إذا طهرت الحائض قبل العصر صلت الظهر و العصر، فان طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر. «1»

و الظاهر ان المراد بقبل العصر هو قبل الوقت الاختصاصى للعصر و الحكم بوجوب الصلاتين عليها في هذه الصورة قرينة على كون المفروض كما في الروايات المتقدمة ما إذا وسع الوقت لهما مع الطهارة المائية و المراد بآخر وقت العصر هو الوقت

المختص بها و الحكم بوجوبها عليها في هذا الفرض أيضا قرينة على كون المفروض سعة الوقت للطهارة المائية و الإتيان بصلاة واحدة و لو أخذ بالإطلاق لكان مقتضاه عدم سعة الوقت للطهارة الترابية أيضا و كيف كان فظاهرها عدم وجوب صلاة الظهر في هذا الفرض لا أداء و لا قضاءا.

لكن صحيحة أبي همام عن أبي الحسن- عليه السّلام- في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر تصلى العصر ثم تصلى الظهر. «2» ربما تشعر بخلافه و انه تجب صلاة الظهر أيضا و لكن حملها الشيخ- قده- على انها طهرت وقت الظهر و أخرت الغسل حتى ضاق وقت العصر و استحسنه صاحب المنتقى و يؤيده ظهور الرواية في ان الاغتسال كان في وقت العصر لا حصول الطهر فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 6.

(2) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 242

..........

______________________________

الثالثة ما وردت في القضاء كصحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال:

قال: أيما امرأة رأت الطهر و هي قادرة على ان تغتسل في وقت صلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها، و ان رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة و دخل وقت صلاة اخرى فليس عليها قضاء و تصلى الصلاة التي دخل وقتها. «1»

و الظاهر ان المراد من الفرض الثاني في الرواية ما إذا طهرت المرأة فقامت لإتيان الغسل و تهيئة أسبابه فجاز وقت الصلاة مع اعتقادها خلافه أو غفلتها عن ان القيام في ذلك يوجب فوت الوقت و لكنه استدل بها لفتوى المشهور

بل المجمع عليه كما عرفت من الجواهر و هو اعتبار سعة الوقت للطهارة المائية و انه مع عدمها لا يجب الأداء فضلا عن القضاء نظرا الى ثبوت الإطلاق لها من حيث العمد و عدمه و الالتفات و غيره و انه تدل على عدم وجوب الصلاة مع الطهارة الترابية و لو علمت بضيق الوقت و عدم سعته الا لها.

و موثقة عبيد اللّٰه الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في المرأة تقوم في وقت الصلاة فلا تقضى ظهرها (طهرها- ظ) حتى تفوتها الصلاة و يخرج الوقت، أ تقضى الصلاة التي فاتتها؟ قال: ان كانت توانت قضتها، و ان كانت دائبة في غسلها فلا تقضى. «2» و الكلام فيها ما في الرواية السابقة.

و موثقة محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: قلت المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر قال: تصلى العصر وحدها فان ضيقت (ضيعت) فعليها صلاتان. «3»

و الظاهر ان المراد بوقت العصر هو الوقت الاختصاصى للعصر و المراد انه

______________________________

(1) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 8.

(3) الوسائل أبواب الحيض الباب التاسع و الأربعون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 243

[مسألة- 16 يعتبر لغير ذي العذر العلم بدخول الوقت حين الشروع في الصلاة]

مسألة- 16 يعتبر لغير ذي العذر العلم بدخول الوقت حين الشروع في الصلاة، و يقوم مقامه شهادة العدلين إذا كانت شهادتهما عن حس كالشهادة بزيادة الظل بعد نقصه، و لا يكفي الأذان و لو كان المؤذن عدلا عارفا بالوقت على الأحوط، و اما ذو العذر ففي مثل الغيم و نحوه من الأعذار العامة يجوز له التعويل على الظن به، و اما ذو

العذر الخاص كالأعمى و المحبوس فلا يترك

______________________________

إذا اشتغلت في شأنها من دون توان و تضييق فدخل وقت العصر فلا يجب عليها الا صلاة العصر لا أداء و لا قضاء و عليه فالمراد برؤية الطهر عند الظهر هي رؤيتها قبل ذلك الوقت المختص لا أول الظهر و المراد بقوله فان ضيقت انه ان كانت هي الموجبة لثبوت الضيق بمعنى انه كان الضيق مستندا إليها لا الى قصور الوقت فيجب عليها في الصورة المفروضة صلاتان إحديهما أداء صلاة العصر و الأخرى قضاء صلاة الظهر و هكذا لو كانت الكلمة: «ضيعت» و ليس المراد بالتضييع هو تضييع صلاة العصر الواجبة فقط لانه لا يقتضي وجوب صلوتين بعنوان القضاء فالفاء في قوله: «فان» تفريع على أصل المسألة و بيان لصورة أخرى لها لا على إيجاب صلاة العصر وحدها فتدبر و كيف كان فالظاهر من الرواية أيضا ان اشتغالها في شأنها الذي هو كناية عن الغسل و مقدماته انما هو مع عدم العلم و الالتفات إلى اقتضائه لخروج وقت صلاة الظهر و استفادة الإطلاق منها مشكلة جدا.

و قد تحصل مما ذكرنا ان مستند الأصحاب لا بدّ و ان يكون اما ثبوت الإطلاق لهذه الطائفة و اما استفادة الملاك من الطائفة الأولى كما مر و على تقدير المناقشة في كليهما لا يبقى لهم دليل في ذلك بل مقتضى القاعدة لزوم الصلاتين مع الطهارة الترابية لو لم يكن الوقت متسعا الا له. ثم انه بملاحظة ما ذكر هنا و في المباحث المتقدمة يظهر وجه سائر الفروض المذكورة في المتن في هذا المقام و لا حاجة الى التفصيل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 244

الاحتياط بالتأخير الى ان يحصل له

العلم بدخوله، (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأول في غير ذي العذر- عاما كان أو خاصا- و يعتبر فيه العلم بدخول الوقت حين الشروع في الصلاة و لا يكفى فيه مجرد الظن لان مقتضى القاعدة في كل موضوع رتب عليه حكم عدم الاكتفاء في تشخيصه بغير العلم نعم لو قام الدليل على اعتبار شي ء و قيامه مقام العلم يحكم بترتب الحكم عند تحققه و بدونه لا يقوم مقامه أصلا.

و يدل على ذلك مضافا الى ما ذكر روايات متعددة:

منها: رواية عبد اللّٰه بن عجلان قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- إذا كنت شاكا في الزوال فصلّ ركعتين فإذا استيقنت انها قد زالت بدأت بالفريضة. «1» و المراد انه مع الشك في الزوال لا يصلح الوقت لغير الإتيان بالنافلة و لا يجوز الشروع في الفريضة.

و منها رواية على بن مهزيار عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال الفجر هو الخيط الأبيض المعترض فلا تصل في سفر و لا حضر حتى تتبينه فان اللّٰه سبحانه لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. «2»

و منها رواية على بن جعفر عن أخيه موسى- عليه السّلام- في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر و لا يدرى طلع أم لا غير انه يظن لمكان الأذان أنه طلع قال:

لا يجزيه حتى يعلم انه قد طلع. «3»

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن و الخمسون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن و الخمسون ح- 3.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن و الخمسون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 245

..........

______________________________

و حكى عن ظاهر

الشيخين في المقنعة و النهاية الاكتفاء بالظن مطلقا و عن الحدائق اختياره لرواية إسماعيل بن رياح المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- إذا صليت و أنت ترى أنك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك. «1» بملاحظة ان كلمة «ترى» معناها تظن فالرواية تدل على جواز الاعتماد على الظن في دخول الوقت و الشروع في الصلاة و لكن الظاهر ان هذه الكلمة معناها هو الاعتقاد الجازم و ليست بمعنى المظنة و لو سلم فلا إطلاق لها لكون الرواية في مقام بيان حكم أخر و هي صحة الصلاة مع وقوع جزء منها في الوقت.

ثم ان هنا أمورا يقوم مقام العلم أو قيل بقيامه كذلك:

الأول: البينة و قد تكلمنا في حجيتها سابقا و ذكرنا ان المستفاد من النص هي حجيتها في الموضوعات المترتبة عليها أحكام في الشريعة و منها الوقت في المقام و لا ينافيها دلالة الروايات المتقدمة على اعتبار العلم لان الظاهر ان أخذه في الموضوع انما هو بنحو الطريقية لا الصفتية و قد تقرر في محله قيام الأمارات المعتبرة الشرعية مقام العلم بهذه الكيفية فالبينة صالحة للاتكال عليها في دخول الوقت.

الثاني: اخبار العدل الواحد بل الثقة كذلك و عمدة الدليل على حجيته استمرار السيرة العقلائية على ترتيب الأثر عليه و الاعتبار به و لكن ذكرنا سابقا أيضا ان أدلة حجية البينة رادعة عن هذه السيرة لأن مرجع جعل الحجية للبينة الى مدخلية وصف التعدد و العدالة في ثبوت الحجية و لا يكون الوصفان كالحجر في جنب الإنسان و لا يجتمع الحكم بحجية البينة مع الحكم بحجية خبر الثقة الواحد الفاقد للوصفين نعم لو لم يكن خبره

من سنخ البينة بل كان مغايرا لها سنخا لم يكن الحكم بالحجية لها منافيا لثبوتها فيه أصلا كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الخامس و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 246

..........

______________________________

و بالجملة لا مجال لدعوى حجية خبر العادل الواحد فضلا عن الثقة في جميع الموارد التي تكون البينة حجة فيها نعم لا مانع من جعل الحجية له في بعض الموارد تسهيلا أو لمصلحة أخرى كما إذا فرض حجية خبر العدل بل الثقة في الإعلام بدخول الوقت مثلا و لكنه يحتاج الى قيام الدليل عليه و ما يمكن ان يستدل به في المقام هي الأخبار الآتية الدالة على جواز الاعتماد على أذان المؤذن نظرا الى ان اعتبار الأذان انما هو من باب الطريقية و كاشفيته عن الوقت بلحاظ كونه اخبارا فعليا فاخباره بالقول صريحا اولى بالاعتبار و يدفعه مضافا الى وقوع الكلام في جواز الاعتماد على أذان المؤذن و انه على تقديره هل يكون بنحو الإطلاق أو مقيدا ببعض القيود كما سيجي ء ان الأذان عبادة مبنية على الإعلان غالبا و يتحقق الاستظهار فيه كذلك بنحو لا يحصل في الاخبار بالوقت فاعتباره على تقديره لا دلالة له على اعتبار القول و الاخبار أصلا و بعبارة أخرى اعتبار الأذان ظاهر في مدخليته في الحكم به و ليس من جهة كونه اخبارا فعليا.

نعم يمكن ان يقال كما قيل بان التعليل الوارد في بعض الاخبار عن الصادق- عليه السّلام- في جواز صلاة الجمعة بأذان العامة بأنهم أشد شي ء مواظبة على الوقت يظهر منه ان المناط مجرد اعلام من يوثق به و ان كان بغير أذانه و يدفعه مضافا الى ان مقتضاه جواز

الاعتماد على صلاة من يوثق به أيضا مع ان الظاهر عدم التزامهم به ان مقتضى التعليل هو كونهم في مسألة الأذان أشد شي ء مراقبة للوقت و ان المراقبة المنظورة فيها مراقبة خاصة فلا يستفاد منه جواز الاعتماد على مجرد اخبار من يوثق به فضلا عن صلوته. نعم هنا روايتان يمكن الاستدلال بهما للمقام:

إحديهما: صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- في رجل صلى الغداة بليل غره من ذلك القمر و نام حتى طلعت الشمس فأخبر انه صلى بليل. قال:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 247

..........

______________________________

يعيد صلوته «1». نظرا الى ظهوره في ان الحكم بالإعادة انما هو لاعتبار اخبار من أخبره بصلاته بالليل و مقتضى ترك الاستفصال انه لا فرق بين كونه واحدا أو متعددا، عادلا أو غيره. و يرد عليه مضافا الى ظهور السؤال في مفروغية الاعتبار لأجل حصول العلم منه أو للتعدد مع العدالة و لا يكون ترك الاستفصال دليلا على الإطلاق ان مورد الرواية هو الاخبار بالليل الى الاخبار بعدم دخول الوقت و عدم تحقق الفجر و حجيته لا تستلزم حجية الأخبار بالوقت بعد كون الأول موافقا للاستصحاب و الثاني مخالفا له كما لا يخفى.

ثانيتهما: رواية أحمد بن عبد اللّٰه القزويني (القروي) عن أبيه قال: دخلت على الفضل بن الربيع و هو جالس على سطح فقال لي: ادن منى فدنوت منه حتى حاذيته ثم قال لي: أشرف الى البيت في الدار فأشرفت فقال لي ما ترى في البيت قلت ثوبا مطروحا فقال: انظر حسنا فتأملته و نظرت فتيقنت فقلت: رجل ساجد الى ان قال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام- انى أتفقده الليل و النهار فلم أجده

في وقت من الأوقات الأعلى الحالة التي أخبرك بها: انه يصلى الفجر فيعقب ساعة في دبر صلوته الى ان تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس و قد وكل من يترصد له الزوال فلست أدرى متى يقول له الغلام قد زالت الشمس إذ وثب فيبتدئ الصلاة من غير ان يحدث وضوءا فاعلم انه لم ينم في سجوده و لا اغفا و لا يزال الى ان يفرغ من صلاة العصر ثم إذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الى ان تغيب الشمس فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فيصلى المغرب من غير ان يحدث حدثا و لا يزال في صلوته و تعقيبه الى ان يصلى العتمة فإذا صلى العتمة أفطر على شواء يؤتى به ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ثم يقوم فيجدد الوضوء ثم يقوم فلا يزال يصلى في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست أدرى متى يقول الغلام ان الفجر

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب التاسع و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 248

..........

______________________________

قد طلع إذ وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حول الى الحديث. «1» و عدم دلالتها على المطلوب واضح.

الثالث: الأذان قال المحقق في المعتبر: لو سمع الأذان من ثقة يعلم منه الاستظهار قلده لقوله- عليه السّلام-: المؤذن مؤتمن، و لأن الأذان مشروع للاعلام بالوقت فلو لم يجز تقليده لما حصل الغرض به و عن الذخيرة الميل اليه و لكن المشهور خلافه بل نقل الإجماع على عدم جواز التعويل على غير العلم للمتمكن و الجمع بين هذا الإجماع و بين اعتبار البينة كما عن جماعة

بل عن الذخيرة عليه الأكثر يقتضي ان يكون النظر في معقد الإجماع إلى القاعدة الأولية المستفادة من حكم العقل و الروايات المتقدمة، المقتضية لإحراز الوقت بنحو اليقين و لا ينافي قيام أمارة معتبرة شرعية مقامه و عليه فلا دلالة لذلك على عدم حجية الأذان عندهم الا ان يقال انه لو كان الأذان مطلقا أو في الجملة معتبرا لديهم لكان اللازم التصريح به لشدة الابتلاء به و ورود روايات كثيرة في مورده فعدم التعرض يكشف عن عدم الاعتبار و عدم اعتنائهم بتلك الروايات أو حملها على ما لا ينافي القاعدة المذكورة.

و كيف كان فقد ورد أخبار مستفيضة ظاهرة في حجية أذان المؤذن في الجملة:

كصحيحة ذريح المحاربي قال: قال لي أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام-: صل الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشد شي ء مواظبة على الوقت «2».

و الظاهر ان المراد من هؤلاء المخالفون و التعليل المذكور في الرواية يحتمل ان يكون نكتة لجعل الحجية و الاعتبار الشرعي بأن يكون المراد ان النكتة في حجية الأذان شرعا هو وثاقتهم و كونهم أشد شي ء مواظبة للوقت

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت التاسع و الخمسون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 249

..........

______________________________

و يحتمل ان يكون إرشادا الى ما هو المرتكز في أذهان العقلاء من الاعتماد على الثقة في قوله و عمله و عليه لا تكون الرواية بصدد التعبد بل إرشاد إلى حكم العقلاء و إمضاء له في مورد الأذان فلا بد من الاقتصار على خصوص مورد ثبوت حكم العقلاء.

و خبر عيسى بن عبد اللّٰه الهاشمي عن أبيه عن جده عن على- عليه السّلام- قال: المؤذن مؤتمن و الامام ضامن. «1»

و هي أوسع روايات الباب لان الموضوع فيه هو مطلق المؤذن و الظاهر ان المراد من قوله مؤتمن هو جعل الايتمان الشرعي له و انه في محيط الشريعة مؤتمن لا إرشاد إلى انه ينبغي بمقتضى الارتكاز العقلائي ان يكون مؤتمنا و الشاهد لما ذكر جعل العهدة و الضمان على الإمام لأنه يتحمل القراءة عن المأموم فهو ضامن لها إذا لم يتحقق منه القراءة الصحيحة فكما ان الضمان شرعي يكون الايتمان كذلك.

و رواية محمد بن خالد القسري قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- ع-: أخاف ان تصلى يوم الجمعة قبل ان تزول الشمس فقال انما ذلك على المؤذنين. «2» و الظاهر ان المراد من الصلاة التي أراد الإتيان بها هي صلاة الجمعة و الا لما كان للتقييد بيوم الجمعة وجه و عليه فلا يبقى مجال للخوف لان الصلاة التي لا بدّ و ان يؤتى بها جماعة في عدد مخصوص كيف يخاف من وقوعها قبل الزوال خصوصا مع اهميتها بمثابة لا يشابهها صلاة فمثل هذا السؤال لا يقع عادة إلا ممن يكون في قلبه مرض الوسواس و على ذلك فلا يطمئن بصدور الجواب لبيان الحكم الواقعي الذي يؤخذ به في جميع الموارد بل الغرض هو رفع الوسوسة عنه بان ذلك و هو الوقوع قبل الزوال أمر على عهدة المؤذن الا ان يقال ان التعبير بذلك في مقام الجواب لو لم يكن حكما واقعيا يلزم الإغراء بالجهل و وقوع السائل

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثاني ح- 2

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثاني ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 250

..........

______________________________

في خلاف الحكم الواقعي بلا وجه فالظاهر كون الجواب مسوقا لبيان

الحكم الواقعي.

و رواية على بن جعفر عن أخيه- ع- قال سألته عن رجل صلى الفجر في يوم غيم أو في بيت و اذن المؤذن و قعد و أطال الجلوس حتى شك فلم يدر هل طلع الفجر أم لا فظن ان المؤذن لا يؤذن حتى يطلع الفجر، قال أجزأ أذانهم (أذانه)، «1» و الظاهر بملاحظة طرد الشك ثم الظن بعد الصلاة و الجلوس الطويل ان صلوته عقيب الأذان كانت لأجل حصول العلم له من ناحية الأذان و عليه فلا تكون الرواية من روايات المقام.

و مرسلة الصدوق قال: قال أبو جعفر- عليه السلام- في حديث: المؤذن له من كل من يصلى بصوته حسنة. «2» و لا إطلاق لها من جهة جواز الاعتماد على أذانه و الصلاة بصوته لأنها في مقام بيان مطلب آخر و هو ثبوت الحسنة للمؤذن من كل من يصلى بصلاته كما لا يخفى.

و مرسلته الأخرى قال: قال الصادق- عليه السّلام- في المؤذنين إنهم الأمناء «3» و المناقشة في السند مدفوعة بما مر مرارا من حجية هذا القسم من مرسلات الصدوق الذي ينقل عن الامام من دون واسطة و يسند اليه كذلك كما ان الظاهر دلالتها على ان كل مؤذن مؤتمن شرعا و يكون أذانه حجة و امارة معتبرة شرعية نظير رواية الهاشمي المتقدمة.

و رواية بلال في حديث قال: سمعت رسول اللّٰه- ص- يقول المؤذنون أمناء المؤمنين على صلوتهم و صومهم و لحومهم و دمائهم لا يسألون اللّٰه عز و جل شيئا إلا أعطاهم و لا يشفعون في شي ء إلا شفعوا. «4» و الظاهر ان المراد كونهم أمناء من

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثالث ح- 4.

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب

الثالث ح- 5.

(3) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثالث ح- 6.

(4) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثالث ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 251

..........

______________________________

قبل الشارع للمؤمنين في صلوتهم و صومهم و حلية لحومهم و حفظ دمائهم لأن الأذان يكشف عن كون البلد بلد المسلمين و السوق سوقهم فيحل اللحم و يكون الدم غير مهدور.

و مرسلة المفيد قال: روى عن الصادقين- عليهم السّلام- قالوا قال رسول اللّٰه- ص- يغفر للمؤذن مد صوته و بصره و يصدقه كل رطب و يابس و له من كل من يصلى بأذانه حسنة. «1» و الكلام فيه هو الكلام في مرسلة الصدوق الأولى المتقدمة.

و رواية سعيد الأعرج قال: دخلت على أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- و هو مغضب و عنده جماعة من أصحابنا و هو يقول: تصلون قبل ان تزول الشمس قال: و هم سكوت، قال فقلت أصلحك اللّٰه نصلي حتى يؤذن مؤذن مكة قال: فلا بأس اما انه إذا أذن فقد زالت الشمس الحديث. «2» و يحتمل ان يكون لمؤذن مكة خصوصية موجبة لاعتبار أذانه فلا يستفاد منها الأمارية لمطلق الأذان فتدبر.

و صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: فقال النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- ان ابن مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتى تسمعوا أذان بلال. «3» و دعوى اختصاصها بالصوم ممنوعة جدا خصوصا مع تعليل الفرق بان ابن أم مكتوم انما يؤذن بليل كما لا يخفى.

و في مقابل هذه الروايات رواية على بن جعفر عن أخيه موسى- عليه السّلام- المتقدمة في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر و لا يدرى طلع أم

لا غير انه يظن لمكان الأذان أنه طلع قال: لا يجزيه حتى يعلم انه قد طلع. «4»

و الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة بعد حمل مطلقها على مقيدها و قصر

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثالث ح- 8.

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثالث ح- 9.

(3) الوسائل أبواب ما يمسك عنه الصائم الباب الثاني و الأربعون ح- 3.

(4) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثامن و الخمسون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 252

..........

______________________________

الحكم على مورد التعليل الوارد في بعضها المقتضى لاختصاص الحكم بالاعتبار بأذان الثقة العارف كما سيجي ء يقتضي حمل رواية على بن جعفر على عدم كون المؤذن كذلك لو لم نقل بظهورها في نفسها في ذلك لان موردها صورة سماع الأذان فقط من دون ان يكون خصوصية المؤذن من جهة الوثاقة و المعرفة بالوقت معلومة و حصول الظن من الأذان كما هو المفروض في الرواية لا ينافي ذلك لظهورها في حصوله من ناحية نفس الأذان لا من جهة وصف المؤذن ففي الحقيقة مورد هذه الرواية الاعتماد على نفس الأذان بما هو أذان و مفاد تلك الروايات اعتباره مع خصوصية في المؤذن فلا منافاة و الحكم بعدم الاجزاء في هذه الرواية الى ان يعلم لا دلالة له على عدم اعتبار الأذان مطلقا لان المراد من العلم هو الأعم منه و من العلمي و لذا لا دلالة لها على عدم حجية البينة في مسألة الوقت بحيث تكون الرواية مخصصة لعمومات حجية البينة كما هو ظاهر و قد يجمع بينها و بين الروايات باختصاص هذه بصلاة الصبح و لعل وجه الخصوصية عدم موافقة العامة معنا في وقت الصبح فلا يكون

أذانهم امارة لدخول الوقت فيه و كيف كان فالجمع الدلالي بين رواية على بن جعفر و بين تلك الروايات في كمال الظهور الا ان الذي يوهن الأساس ما عرفت من عدم تعرض الأصحاب لاعتبار الأذان بوجه و هو يكشف عن عدم حجيته عندهم لكونه من المسائل التي تعم بها البلوى و قد وردت فيها روايات متكثرة و عليه فيقع الكلام في وجه عدم اعتمادهم على هذه الروايات و انه هل كان ذلك لثبوت المعارض لها و قد عرفت إمكان الجمع بينه و بينها بل وضوحه أو كان لثبوت الخلل فيها للقرائن الموجودة عندهم الدالة على عدم صدورها لبيان الحكم الواقعي بل صدرت تقية أو مثلها و لأجله ذكر الماتن- دام ظله- ان الأحوط عدم الكفاية و على ما ذكرنا فالحكم في المسألة مشكل و للتوقف فيها مجال.

ثم انك عرفت انه على تقدير اعتبار الروايات المتقدمة يكون مقتضى الجمع بينها هو اعتبار الأذان إذا كان المؤذن ثقة عارفا بالوقت لان بعضها و ان كان ظاهرا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 253

..........

______________________________

في حجية الأذان مطلقا كإحدى مرسلتي الصدوق الا ان التعليل الوارد في صحيحة ذريح المحاربي بقوله- عليه السّلام-: أنهم أشد شي ء مواظبة على الوقت يقتضي قصر الحكم على ما إذا كان المؤذن ثقة و كان عارفا بالوقت لان شدة المواظبة على الوقت تقتضي ذلك كما انه حيث يكون موردها و مورد بعض الروايات الأخر بل كثيرها أذان المخالفين فاللازم عدم اعتبار العدالة التي لا تكاد تجتمع مع عدم الايمان كما هو ظاهر.

و هل يعتبر افادة أذانه للظن الفعلي بحيث يكون الحكم بالاعتبار دائرا مداره الظاهر العدم لعدم الدليل على اعتباره نعم

لو قلنا بأن صحيحة ذريح انما تكون في مقام الإرشاد الى ما هو مستمر عند العقلاء و قلنا باختصاص مورد السيرة بما إذا حصل الظن الفعلي بل الاطمئنان لكان اللازم الحكم باعتباره و لكن كل واحد من الأمرين خلاف الظاهر فتدبر.

و مما ذكرنا من عدم دوران الحكم بالاعتبار مدار الظن يستفاد بطلان استشهاد صاحب الحدائق بهذه الأخبار لكفاية الظن بدخول الوقت نظرا الى ان غاية ما يفيد أذان المؤذن هو الظن و ان تفاوتت مراتبه شدة و ضعفا باعتبار المؤذنين و ما هم عليه من زيادة الوثاقة و الضبط في معرفة الأوقات و عدمها.

وجه البطلان ان الحكم بكون الملاك في اعتبار أذان المؤذن الذي هو مفاد تلك الاخبار هو افادته للظن مما لا يساعده دليل بل هو من مقولة قياس مستنبط العلة الذي لا اعتبار به عندنا بوجه فان جعل الأذان حجة لا دلالة له على جعل الظن كذلك و قد عرفت انه لا دلالة على حجية الخبر القولي الصريح أيضا لأنه لم يعلم ان الأذان انما جعل حجة لأجل كونه خبرا بل الظاهر خلافه.

ثم الظاهر ان حجية البينة و كذا أذان الثقة و اخباره على تقدير اعتبارهما انما هو فيما إذا كان المخبر به حسيا لا يتطرق فيه احتمال الخطاء احتمالا عقلائيا كالاخبار في المقام ببلوغ الفي ء موضع كذا أو زيادة الظل بعد نقصانه أو ذهاب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 254

..........

______________________________

الحمرة المشرقية و تجاوزها عن قمة الرأس أو حدسيا كذلك كقيام البينة على العدالة أو الاجتهاد أو ما يشابههما من الملكات المستكشفة من آثارها و اما في غير هذه الصورة كما إذا اعتمد في زماننا على هذا على

مثل الساعة فالظاهر عدم شمول أدلة الحجية لها كما لا يخفى.

المقام الثاني: في ذي العذر العام و قد أفتى في المتن بجواز التعويل على الظن فيه و هو المشهور بل عن التنقيح و غيره دعوى الإجماع عليه خلافا لابن الجنيد فقال- على ما حكى عنه- ليس للشاك يوم الغيم و لا غيره ان يصلى الا عند تيقنه الوقت و مال اليه صاحب المدارك.

و مستند المشهور روايات يستفاد منها ذلك عمدتها:

رواية أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن رجل صام ثم ظن ان الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب فقال: قد تم صومه و لا يقضيه. «1»

و نوقش فيها بضعف السند من جهة الراوي عن أبي الصباح و هو محمد بن الفضيل بن الكثير الضعيف و لكن يدفعها- مضافا الى ان استناد المشهور إليها سيما في الحكم الذي يكون مخالفا للقاعدة لما عرفت من ان مقتضاها عدم جواز الاعتماد على غير العلم يكفي في انجبار الضعف- ان مضمون هذه الرواية قد ورد في روايات معتبرة معمول بها عند الأصحاب كما يظهر بمراجعة الوسائل.

و اما من حيث الدلالة فالظاهر ان المراد من الظن هو معناه العرفي المقابل للشك و الوهم و اليقين و استعماله أحيانا بمعنى اليقين في الكتاب و السنة كما في قوله تعالى الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلٰاقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ. «2» لا يوجب الحمل على خلاف ما هو ظاهر فيه مع عدم قرينة خصوصا مع ان استعماله فيهما في مقابل

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يمسك عنه الصائم الباب الواحد و الخمسون ح- 3.

(2) سورة البقرة آية 46.

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 255

..........

______________________________

العلم كثير جدا كما يظهر للمتتبع فالمراد ما هو معناه الظاهر و اما ورود الرواية في باب الصوم فلا دلالة له على الاختصاص لا لأجل عدم القول بالفرق بل لأجل ان المستفاد من الرواية ان الوظيفة في ما إذا كان هناك غيم هو الاعتماد على الظن و انه طريق شرعي معتبر في هذه الصورة و لا فرق فيه بين أسباب حصوله و مقدمات تحققه نعم لا ينبغي الارتياب في عدم اختصاص ذلك بخصوص ما إذا كان المانع العام هو الغيم بل يجرى الحكم في جميع الأعذار العامة كالرياح المظلمة و نحوها و دعوى ان المستفاد من مثل الرواية هو اعتبار الظن مطلقا و لو مع عدم ثبوت المانع أصلا لأن وروده في الغيم لا يقتضي الاختصاص كما عن صاحب المستند مدفوعة بعدم جواز التعدي عن مورد الرواية خصوصا مع ملاحظة ما ذكرنا من كون الحكم على خلاف القاعدة نعم قد عرفت عدم كون خصوصية الغيم من بين الأعذار العامة دخيلة في الحكم على ما هو المتفاهم عند العرف و اما إلغاء خصوصية العذر مطلقا فلا شاهد عليه أصلا فالرواية على ذلك تامة من حيث السند و الدلالة.

و ما رواه الصدوق بإسناده عن سماعة بن مهران انه سأله عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم تر الشمس و القمر و لا النجوم فقال: تجهد رأيك و تعتمد (تعمد) القبلة بجهدك. «1» و الظاهر ان السؤال مسوق لبيان اشتباه الأوقات للصلوات المجعولة في الليل و النهار مع عدم رؤية الشمس و القمر و النجوم و لكنه استظهر في محكي الحدائق ان يكون المراد هو الاجتهاد في القبلة و ان العطف يكون

تفسيريا فلا تكون الرواية من المسألة في شي ء.

أقول: و يبعد ما استظهره ان المنساق من السؤال ليس الا ما ذكرنا من اشتباه الأوقات عند عدم رؤية مثل الشمس و الحمل على اشتباه القبلة يقتضي التخصيص بالسفر لان تشخيص القبلة في الحضر لا يكون بسبب رؤية الشمس و نحوها لان تشخيصها انما يكون غالبا بغيرها و لا يختلف فيه الرؤية و عدمها و حمل مورد

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب السادس ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 256

..........

______________________________

السؤال على خصوص السفر في غاية البعد مع ان الظاهر ان مفروض السائل ان ما كان معرفا له من العلامات مفقودة و جواب الامام- عليه السّلام- على تقدير كون المراد اشتباه القبلة لا يناسب ذلك لعدم كون الأمور المذكورة علامة لتشخيصها نعم يبقى الكلام في قوله- عليه السّلام-: و تعمد القبلة بجهدك و الظاهر ان المراد ان تحصيل الرأي للوقت ينبغي ان يكون بالتوجه الى جانب القبلة لكون الشمس واقعة في جانبها و الموانع عامة جائية من قبلها نوعا كالغيم و نحوه كما لا يخفى مع ان الالتزام بكونه ناظرا الى بيان حكم اشتباه القبلة الذي لم يكن مورد السؤال لا ينافي دلالة الرواية على بيان حكم اشتباه الوقت.

و يدل على ما ذكرنا من كون محط نظر السائل خصوص اشتباه الوقت وقوع هذا السؤال بعينه في رواية سماعة مع صراحة الجواب في كون المراد منه هو اشتباه الوقت و هي ما رواه قال: سألته عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم تر الشمس و لا القمر فقال: تعرف هذه الطيور التي عندكم بالعراق يقال لها الديكة؟ قال:

نعم قال إذا ارتفعت أصواتها و تجاوبت فقد

زالت الشمس أو قال: فصله. «1»

و يستفاد من هذه الرواية ان ارتفاع أصوات الديكة و تجاوبها علامة لزوال الشمس و امارة شرعية على تحققه و يدل عليه أيضا رواية الحسين بن المختار قال:

قلت للصادق- عليه السّلام- انى مؤذن فإذا كان يوم غيم لم اعرف الوقت فقال: إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس و دخل وقت الصلاة. «2» و التخصيص بالزوال ليس لأجل اختصاص الحكم به فان الظاهر عمومية الحكم و ان ارتفاع أصواتها علامة لدخول الوقت مطلقا كما يدل عليه مرسلة الصدوق قال:

قال الصادق- عليه السّلام- تعلموا من الديك خمس خصال محافظته على أوقات الصلاة و الغيرة و السخاء و الشجاعة و كثرة الطروقة. «3»

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 1.

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 2.

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 257

..........

______________________________

و المستفاد من مجموع الروايات الواردة في هذا المقام انه مع ثبوت العذر العام يكون صياح الديك و ارتفاع أصواتها أمارة شرعية على دخول الوقت و الظاهر انه لا فرق فيها بين حصول الظن منها و عدمه كما ان مطلق الظن من اى طريق حصل يكون كذلك نعم رواية مهر إن الدالة على وجوب الاجتهاد في تحصيل الوقت ظاهرة في تحصيل المراتب العالية مع إمكانها لأنه معنى الجهد و الاجتهاد فاللازم- ح- الاقتصار على الظن القوي ان أمكن و الا فما دونه.

المقام الثالث: في ذي العذر الخاص كالمحبوس و الأعمى و نحوهما و الظاهر انه لا دليل فيه على جواز الاقتصار على الظن لان مورد الروايات المتقدمة هو العذر العام و إلغاء الخصوصية بدعوى

كون المراد مطلق العذر لم يقم عليه دليل و لا يساعده فهم العرف بعد كون الحكم على خلاف القاعدة المقتضية للزوم تحصيل العلم بدخول الوقت و إحراز الشرط فلا يجوز له ترك الاحتياط بالتأخير الى ان يحصل له العلم بدخول الوقت هذا تمام الكلام في مبحث الأوقات.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 258

[المقدمة الثالثة في الستر و الساتر]

[يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلي أمور]
[الثالث: أن يكون مذكى من مأكول اللحم]
في اللباس المشكوك

______________________________

قال الماتن- دام ظله العالي- نعم لو شك في اللباس أو فيما عليه في انه من المأكول أو غيره أو من الحيوان أو غيره صحت الصلاة فيه بخلاف ما لو شك فيما تحله الحياة من الحيوان انه مذكى أو ميتة فإنه لا يصلى فيه حتى يحرز التذكية نعم ما يؤخذ من يد المسلم أو سوق المسلمين مع عدم العلم بسبق يد الكافر عليه أو مع سبق يده مع احتمال ان المسلم الذي بيده تفحص عن حاله بشرط معاملته معه معاملة المذكى على الأحوط محكوم بالتذكية فتجوز الصلاة فيه. (1)

(1) أقول تقدم البحث في مشكوك التذكية في ذيل البحث عن اعتبارها و كذا تقدم الكلام في اعتبار يد المسلم و سوق المسلمين هناك فالمهم الان هو البحث عن المشكوك في انه من غير المأكول الذي اشتهر التعبير عنه باللباس المشكوك و قد صار معركة للبحث و النظر و الف فيه الرسائل و الكتب لشدة الابتلاء به من جهة تداول الألبسة المصنوعة في البلاد غير الإسلامية المحمولة منها الى البلاد الإسلامية فاللازم هو البحث فيه تفصيلا اقتداء بهم و اقتفاء لأثرهم و لاشتماله على المباحث العلمية المتكثرة فنقول و على اللّٰه الاتكال: ينبغي قبل بيان الأدلة و النظر فيها تقديم أمور:

الأول: انه لم يرد في هذه المسألة نص بالخصوص عن

الأئمة- عليهم السّلام- و

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 259

..........

______________________________

فتاوى الأصحاب ليس على نحو يكشف عن وجوده لأن أكثر المتقدمين لم يتعرضوا لها في كتبهم على الظاهر و على تقدير التعرض فقد ذكرت في الكتب الموضوعة لا يراد المسائل التفريقية لا الكتب المعدة لنقل فتاويهم- عليه السّلام- بعين الألفاظ الصادرة عنهم حتى يكون ذكرها فيها كاشفا عن وجود النص كما هو الشأن في المسائل المذكورة فيها و يؤيد ما ذكر انه لم يتخيل أحد من أصحاب الأقوال وجود النص فيها حتى يجعله دليلا لمذهبه أو يرد به دليل خصمه فالمستند في المسألة انما هو الأصول و القواعد الشرعية.

الثاني: انه لا اختصاص لمورد النزاع بما يشك كونه من أجزاء الحيوان المأكول أو من أجزاء غيره بل يعم ما إذا احتمل كونه من غير أجزاء الحيوان بل من القطن و الكتان لان ما هو محط البحث انما هو احتمال كونه من أجزاء غير المأكول و سيأتي في نقل الأقوال قول بالتفصيل بين الفرضين.

الثالث: الظاهر انه لا اختصاص لمورد البحث أيضا بما إذا شك في ثبوت هذا المانع بل يعم ما إذا شك في ثبوت سائر الموانع ككونه حريرا محضا للرجال أو ذهبا خالصا لهم أو غيرهما من الموانع، نعم في خصوص الميتة و الشك فيها حكم تقدم تفصيله.

الرابع: ان المراد من جواز الصلاة في اللباس المشكوك و عدمه هو الجواز الذي يكون حكما ظاهريا ثابتا في مورد الشبهة و الشك في الحكم الواقعي كما في سائر الشبهات الموضوعية التي تكون أحكامها الواقعية الثابتة لموضوعاتها متيقنة غير مشكوكة فالبحث في المقام انما هو بعد الفراغ عن ثبوت المانعية لاجزاء غير المأكول واقعا و

ان لم يعلم بكونها أجزاء له فالاستدلال للجواز بعدم دلالة أدلة المانعية على ثبوتها في صورة الشك لظهورها أو انصرافها الى خصوص صورة العلم بحيث كان العلم بالموضوع دخيلا في ثبوت الحكم الواقعي خارج عما هو محط البحث فالمراد من الحكم في المقام هو الحكم الظاهري الثابت في موارد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 260

..........

______________________________

الشبهة بحيث لو قلنا بالجواز ثم انكشف الخلاف لكان الاجزاء و عدمه مبتنيا على مسألة اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء كما لا يخفى.

و أيضا المراد بالجواز في المقام هو الجواز بالمعنى الوضعي المساوق للصحة و الاكتفاء به في مقام الامتثال لا الجواز بمعنى الحلية في مقابل الحرمة كما ان المراد بعدم الجواز هو عدمه بالمعنى المساوق للبطلان و عدم الاكتفاء به في مقام الامتثال.

الخامس: المشهور بين الأصحاب إلى زمان المقدس الورع الأردبيلي- قده- هو البطلان و أول من تأمل فيه المقدس المذكور في شرح الإرشاد و تبعه على ذلك تلميذه السيد صاحب المدارك و قد اختار الصحة المحقق القمي و الفاضل النراقي و شيخنا البهائي و المحدث المجلسي و المحقق الخوانساري و الفاضل السبزواري الى ان انتهى الأمر إلى السيد المجدّد الشيرازي- قده- فاختار الصحة في أواخر عمره و شيّد أركانها و انقلبت الشهرة إليها.

و فصّل في الجواهر بين اللباس و بين ما عليه من الفضلات و الشعرات الملقاة و المحمول فحكم بالمنع في الأول دون الثاني بعد كون مختاره بالنظر الى الحكم الواقعي هو عموم المنع و عدم الاختصاص باللباس و اختاره في نجاة العباد أيضا.

و هنا تفصيل آخر محكي عن جماعة من المتأخرين عنه و هو المنع فيما إذا كان من أجزاء الحيوان و تردد

بين المأكول و غيره و الجواز فيما إذا احتمل كونه من غير أجزاء الحيوان أيضا كما إذا احتمل كونه من القطن و الكتان و قد أشرنا الى هذا التفصيل في الأمر الثاني، فالأقوال في المسألة أربعة على ما عرفت.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه يظهر من صاحب الجواهر- قده- ابتناء القول بالجواز في المسألة على مانعية غير المأكول و القول بالعدم على شرطية المأكول و الأصل في هذا الأمر ما ذكره العلامة في محكي المنتهى من انه لو شك في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه لأنها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 261

..........

______________________________

مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه و الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط.

و قد أورد عليه صاحب المدارك بما حاصله ان المستفاد من الأدلة هو مانعية غير المأكول لا شرطية المأكول.

و أجاب عن هذا الإيراد الوحيد البهبهاني- قده- في حاشية المدارك بما يرجع الى انه لا فرق بين الشرطية و المانعية في المقام من جهة اقتضاء البطلان لانه كما ان وجود الأول يحتاج إلى الإحراز فكذا عدم الثاني لأنه مع الشك فيه لا يتحقق القطع بالفراغ بعد القطع بالاشتغال.

و أورد على هذا الجواب صاحب الجواهر- قده- بان عدم المانع يمكن إحرازه بالأصل و لو لم يكن له حالة سابقة. و الظاهر ان مراده ان أصالة العدم أصل عقلائي مستقل في مقابل الاستصحاب و لا يحتاج الى حالة سابقة متيقنة.

ثم اختار نفسه ان المستفاد من الأدلة ثبوت كلا الأمرين في المقام المانعية و الشرطية معا غاية الأمر اختصاص الشرطية بخصوص اللباس و عمومية دائرة المانعية لما على اللباس و المحمول أيضا

فاللباس محل اجتماع الشرطية و المانعية معا و لذا اختار فيه عدم الجواز في صورة الشك و اما غيره فحكم فيه بالجواز لثبوت المانعية فقط و عدم المانع محرز بالأصل.

و التحقيق في هذا الباب يقتضي البحث من جهات:

الجهة الاولى في ان المستفاد من الأدلة المانعة عن الصلاة في غير المأكول هل هي المانعية أو الشرطية أو هما معا فنقول: اما ما يستفاد منه المانعية فعدة تعبيرات واقعة في تلك الأدلة.

منها: التعبير بفساد الصلاة في أجزاء غير المأكول كما في موثقة ابن بكير حيث انه وقع التعبير فيها في كلام النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- بقوله: فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد و في كلام الامام- عليه السّلام- بقوله: و ان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله و حرم عليك اكله فالصلاة في كل شي ء منه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 262

..........

______________________________

فاسد .. فان معنى الفساد يرجع الى عدم تحقق المأمور به و عدم انطباقه على ما اتى به بقصد حصوله و ترتب الأثر المترقب منه فهو أمر عدمي مستند إلى أمر وجودي و هي ظرفية أجزاء غير المأكول للصلاة ضرورة أن الظرفية أمر متحقق و من الواضح ان استناد العدم إلى أمر وجودي لا ينطبق الأعلى المانع لانه هو الذي بوجوده يمنع عن تحقق المأمور به فالتعبير بالفساد مستندا إلى الظرفية التي هي أمر وجودي لا يجتمع الا مع المانعية.

و منها: التعبير بعدم جواز الصلاة فيه كما في مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني قال كتبت اليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر مما لا يؤكل لحمه من

غير تقية و لا ضرورة فكتب: لا تجوز الصلاة فيه. «1» فان معنى عدم الجواز- بعد كون المراد منه هو عدم الجواز وضعا لا تكليفا- هو عدم الصحة و من الظاهر ان المؤثر فيه هو ثبوت الظرفية للصلاة بالإضافة الى غير المأكول فالأمر الوجودي صار موجبا للعدم و هو شأن المانع كما عرفت.

و منها: التعبير بالنهي عن الصلاة فيه كما فيما رواه الصدوق بإسناده عن حماد بن عمرو و انس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه- عليهم السّلام- في وصية النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- لعليّ- عليه السّلام- قال: يا على لا تصل في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه. «2» فإن النهي في مثله انما هو للإرشاد إلى المانعية كما ان الأمر فيه للإرشاد إلى الجزئية و الشرطية و السر أن النهى انما هو للزجر عن الوجود و هو لا يجتمع الا مع المانعية و الأمر انما هو للبعث إلى الإيجاد و هو لا يلائم إلا مع الشرطية أو الجزئية.

فانقدح ظهور هذه التعبيرات في المانعية كما هو ظاهر المشهور في هذا المقام.

و اما ما استند اليه للشرطية فروايات أظهرها روايتان:

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني ح- 4.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 263

..........

______________________________

إحديهما موثقة ابن بكير بلحاظ قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- فيها: لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل اللّٰه اكله لظهوره في إناطة القبول الذي هو بمعنى الصحة بوقوع ظرفية وجوده الصلاة فيما أحل اللّٰه اكله و من المعلوم ان تعليق الصحة على أمر وجودي ظاهر في

شرطية ذلك الأمر الوجودي و أظهر منه التعليق الواقع في كلام الامام- عليه السلام- تفريعا على كلام النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- بقوله- عليه السّلام- فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي و قد ذكاه الذبح .. فان تعليق الجواز المساوق للصحة على تحقق الظرفية الوجودية و وقوع الصلاة في أجزاء المأكول بصورة القضية الشرطية ظاهر جدا في مدخلية الشرط في ترتب الجزاء و شرطية تلك الظرفية للجواز و الصحة كما لا يخفى فالموثقة بلحاظ التعبيرين ظاهرة الدلالة على الشرطية.

و قد نوقش في هذا الاستدلال بوجهين:

أحدهما: ما أفاده في المستمسك من ان الظاهر من قوله: لا تقبل تلك ..

انه خبر للصلاة بعد خبر و يكون بيانا لمضمون الخبر الأول أعني قوله- عليه السّلام-:

فاسدة بقرينة كون موضوعه اسم الإشارة الراجع إلى الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فكأنه قال- عليه السلام-: الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فاسدة غير مقبولة و اين هو من الدلالة على الشرطية و انما تتم الدلالة لو قيل ابتداء: لا تقبل الصلاة إلا فيما يؤكل لحمه و- ح- يكون الظاهر من قوله- عليه السّلام- حتى يصلى في غيره ان الوجه في القبول انتفاء المانع. و اما قول الامام- عليه السّلام- في الذيل: فان كان مما يؤكل لحمه .. فالظاهر انه انما سيق تمهيدا لبيان اعتبار التذكية و اناطة الجواز بها فيكون شرطا لإناطة الجواز بالتذكية لا شرطا للجواز كالتذكية فيكون مقيدا للإطلاق المستفاد من قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- حتى يصلى في غيره فهو أجنبي عن الدلالة على الشرطية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الصلاة، ص: 264

..........

______________________________

أقول اما افاده بالإضافة إلى الذيل المشتمل على كلام الامام- عليه السّلام- فهو تام لا خدشة فيه لظهوره في انه لم يكن غرض الامام- عليه السّلام- مجرد تكرار كلام النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- أو توضيحه بأمر لا حاجة الى التوضيح به بل غرضه بيان الحكم و تفسير مراد النبي و ان الحكم بالجواز فيما يحل له قيد آخر هو التذكية و الحكم بعدم الجواز فيما لا يحل عام ثابت لصورة التذكية و عدمها فالذيل انما هو مسوق لإفادة إناطة الجواز بالتذكية التي لا يستفاد من كلام النبي لإطلاقه كما انه مسوق لإثبات الإطلاق في ناحية غير المأكول.

و اما ما أفاده بالإضافة إلى الصدر فيمكن المناقشة فيه بان جعل الغاية هي الصلاة في غيره مع التصريح بقوله مما أحل اللّٰه اكله ظاهر في الشرطية ضرورة انه لم تكن حاجة الى التصريح بهذا القول خصوصا مع كونه موهما للخلاف و اما كون الموضوع اسم الإشارة الراجع إلى الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فلا دلالة له على المانعية ضرورة ان تلك الصلاة مع وصف كونها واقعة فيما لا يؤكل لا يمكن ان تقع صحيحة من دون فرق بين المانعية و الشرطية فاللازم الالتزام بكون مرجع الضمير هي الصلاة التي أراد المكلف إتيانها في الخارج امتثالا للأمر المتعلق بها و عليه فلا فرق بين هذا التعبير و بين التعبير الذي اعترف بدلالته على الشرطية فتدبر.

ثانيهما: ما افاده المحقق النائيني- قده- على ما في تقريرات بحث صلوته من ان قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- في الموثقة: لا تقبل تلك الصلاة .. مسوق لبيان حكم تأسيسى و هو عدم الاجزاء إذا وقعت الصلاة

في غير المأكول نسيانا أو جهلا نظرا الى ان المشهور أفتوا بذلك في النسيان مع ان حديث لا تعاد يقتضي الصحة و ليس لهم دليل ظاهر الا هذا القول في الموثقة و وجه دلالته عليه مضافا الى ان التأسيس خير من التأكيد كلمة «تلك» الواقعة فيه لان الظاهر كونها إشارة إلى الصلاة الواقعة في الخارج في غير المأكول خصوصا بقرينة قوله: حتى يصلى في غيره بل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 265

..........

______________________________

إذ لو لم تكن صلاة في الخارج لما كان التعبير بالإشارة وجه و لما كان الحكم بعدم القبول مغيى بوقوعها في غير المأكول بل الحكم بعدم القبول أبدى ما لم ينسخ فالتعبير ب «تلك» و جعل الوقوع في غير المأكول غاية لعدم القبول قرينتان على انه في مقام بيان حكم آخر و هو عدم أجزاء ما وقع في غير المأكول فالعموم المستفاد من حديث لا تعاد مخصص بصورة النسيان في المقام.

و يرد عليه- مضافا الى ان تفسير الرواية بذلك مخالف لما هو ظاهرها- ان فرض وقوع الصلاة في أجزاء غير المأكول نسيانا أو جهلا انما يصح لو كان دليل المانعية واقعا قبل ذلك بحيث كانت المانعية معلومة للمكلف مبنية في برهة من الزمان و قد وقع التخلف بعده للنسيان أو الجهل اما لو كان دليل المانعية متصلا بهذا و لم يقع بينهما فصل زماني لا مجال لهذا الفرض أصلا كما لا يخفى مع ان الصلاة في المأكول لا تصح ان تجعل غاية لعدم القبول للصلاة في غيره لأنها على هذا التقدير فاسدة مطلقا سواء اتى بصلاة صحيحة أم لا فالإنصاف ان هذا التفسير مما لا يمكن الالتزام به بل

الظاهر ان هذا القول بيان للخبر الأول غاية الأمر ان تفسير الصلاة في الغير بالصلاة فيما أحل اللّٰه اكله مشعر بل ظاهر في الشرطية كما عرفت.

ثانيتهما: رواية على بن أبي حمزة قال سألت أبا عبد اللّٰه و أبا الحسن- عليهما السّلام- عن لباس الفراء و الصلاة فيها فقال: لا تصل فيها الا ما كان منه ذكيا، قلت أو ليس الذكي مما (ما- ظ) ذكى بالحديد؟ قال بلى إذا كان مما يؤكل لحمه، قلت و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم، و ليس هو مما نهى عنه رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- إذ نهى عن كل ذي ناب و مخلب. «1»

و تقريب دلالتها على الشرطية بوجهين:

أحدهما: ان يقال: ان قوله- عليه السّلام- في ذيل الجواب الثاني: إذا كان

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 266

..........

______________________________

مما يؤكل لحمه راجع الى الجواب الأول و يكون تتمة له حقيقة غاية الأمر أن مبادرة الراوي إلى السؤال الثاني و عدم إمهاله الإمام- عليه السّلام- لإتمام الجواب الأول أوجب وقوعه عقيب الجواب الثاني الذي هي كلمة «بلى» فقط و عليه فكما ان الجواب الأول ظاهر في اشتراط التذكية التي هي أمر وجودي كذلك ظاهر في اشتراط المأكولية لعدم الفرق بينها و بين التذكية من هذه الجهة.

ثانيهما: ان يقال ان ذلك القول تتمة للجواب الثاني و ظاهر في اعتبار المأكولية في مفهوم التذكية كاعتبار كونها بالحديد و عليه فكلما له دخل في حقيقة التذكية تكون دخالته في الصلاة بنحو الشرطية لأن مدخلية التذكية تكون بهذه الصورة على ما

دل عليه صدر الرواية.

و يرد على الوجه الأول وضوح كونه مخالفا للظاهر لان الظاهر كونه تتمة للجواب الثاني مضافا الى انه على تقدير كونه مرتبطا بالجواب الأول لكان اللازم ذكر كلمة العطف بدل «إذا» كما لا يخفى.

و على الوجه الثاني ان لازمة عدم جريان التذكية في غير ما يحل أكل لحمه بوجه مع انه مخالف للفتاوى و النصوص الدالة على ثبوت القابلية في غيره أيضا اللهم الا ان يقال ان المراد هو مدخلية المأكولية في التذكية التي يترتب عليها جواز الصلاة و اما سائر الآثار فلا دخل لها فيما تترتب عليه و لكنه أيضا ارتكاب خلاف الظاهر مضافا الى ان المأكولية قد تكفى بمجردها من دون افتقار إلى التذكية كما في الاجزاء التي لا تحلها الحياة.

ثم لو قلنا بدلالة الرواية على الشرطية فذيلها المشتمل على تعليل عدم البأس بالصلاة في السنجاب ظاهر في المانعية لان تعليل الصحة بأمر عدمي و هو عدم كون السنجاب أكلا للحم و مما نهى رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- ظاهر في مانعية وجود ذلك الأمر و الا لكان اللازم التعليل بثبوت أمر وجودي كما هو شأن الشرائط.

و قد انقدح مما ذكرنا في هذه الجهة إشعار بعض الروايات بل دلالته على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 267

..........

______________________________

الشرطية و دلالة أكثرها على المانعية.

الجهة الثانية: في إمكان الالتزام بالشرطية و عدمه و تفصيله ان القائل بالشرطية ان كان مراده انه يعتبر في صحة الصلاة ان يكون اللباس من أجزاء ما يؤكل لحمه بحيث كان اللازم تحصيل هذا الشرط فيدفعه قيام الإجماع بل الضرورة على جواز الصلاة في مثل القطن و الكتان مما لا يكون من أجزاء

الحيوان رأسا.

و ان كان مراده أن المأكولية كناية عن أحد الأضداد الوجودية بمعنى انه يشترط في لباس المصلى ان يكون اما من أجزاء ما يحل اكله من الحيوان و اما من أجزاء غير الحيوان كالقطن و الكتان فالشرطية هي الشرطية التخييرية و الدليل على ثبوتها أدلة الشرطية بضميمة الإجماع و الضرورة المذكورة.

فيرد عليه ان غاية مفاد الإجماع و الضرورة ثبوت الجواز في القطن و الكتان لا كونه عدلا و طرفا للشرطية التخييرية و من المعلوم ان الجواز أمر و الشرطية أمر آخر فالصلاة في الألبسة المتعددة جائزة و لكن الشرط هو وجود الساتر.

و ان كان مراده هي الشرطية المعلقة بمعنى انه يعتبر في اللباس ان يكون من أجزاء المأكول إذا كان حيوانا كما حكى عن العلامة الطباطبائي- قده- في منظومته و من تبعه فيرد عليه ان التقييد انما يصح في مورد يصح فيه الإطلاق و كذا العكس و من الواضح عدم إمكان فرض الإطلاق في المقام ضرورة انه لا يعقل تحقق هذا الأمر مع عدم كونه من أجزاء الحيوان فلا يصح ان يقال باعتباره سواء كان من أجزاء الحيوان أم لم يكن و مع عدم إمكان الإطلاق لا معنى للتقييد فيرجع اعتباره الى اعتبار أمر خال عن التعليق و يرد عليه- ح- ما ذكر من كونه مخالفا للإجماع و الضرورة كما مر فانقدح انه لا يصح الالتزام بالشرطية في المقام.

الجهة الثالثة: في انه على تقدير إمكان الالتزام بالشرطية أيضا فهل يمكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 268

..........

______________________________

الجمع بينها و بين المانعية كما عرفت الالتزام به من صاحب الجواهر- قده- أولا و الظاهر هو الثاني اما أولا فلان رتبة الشرط انما

تكون متقدمة على رتبة المانع لان الشرط له دخل في تأثير المقتضى و السبب و المانع ما يمنع و يحول بين المقتضى و أثره ففي مورد عدم تحقق المقتضى- بالفتح- مع وجود المقتضى- بالفتح- مع وجود المقتضى- بالكسر- يلاحظ أولا ان الشرط هل يكون موجودا فإذا لم يكن موجودا يكون العدم مستندا الى عدم تحقق الشرط و إذا كان موجودا تصل النوبة إلى وجود المانع و استناد العدم اليه فاستناد العدم الى عدم الشرط و وجود المانع ليس في رتبة واحدة و عليه فمع فرض كون الاعتبار في المقام بنحو الشرطية و لازمة انتفاء المشروط مع انتفاء الشرط لا تصل النوبة إلى استناد العدم الى وجود المانع أصلا فجعل المانعية لا يترتب عليه فائدة بوجه.

و اما ثانيا فلانه على تقدير اتحاد الرتبة و عدم ثبوت التقدم و التأخر لا معنى أيضا للجمع بين الاعتبارين لاستلزامه اللغوية و عدم ترتب الأثر لأنه مع أحد الاعتبارين يتحقق ما هو المقصود في البين و لا يبقى حاجة الى الاعتبار الأخر و تشريعه فالجمع بين الشرطية و المانعية مما لا سبيل إليه.

الجهة الرابعة في انه بعد عدم إمكان الجمع بين الشرطية و المانعية و لزوم الالتزام بأحد الاعتبارين لا بدّ من ملاحظة ان الروايات الواردة هل يكون ظهورها في المانعية أقوى أو العكس أو لا تكون أقووية في البين و الظاهر بعد ملاحظة ما عرفت هو الأول لأنه ظهر لك ان ظهور الروايات في المانعية غير قابل للإنكار و اما ظهورها في الشرطية فقابل للمناقشة بل المنع و بذلك تصير أدلة المانعية أظهر من أدلة الشرطية و لا بدّ من الالتزام بالمانعية.

الجهة الخامسة في انه بعد ثبوت المانعية لا

بدّ من ملاحظة أن أدلتها هل تكون ظاهرة في المانعية الواقعية مطلقا من دون ان تكون مقيدة بصورة العلم بالمانع و كون الشي ء من أجزاء غير المأكول أو انها تكون مقيدة بذلك و قد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 269

..........

______________________________

ذكرنا في بعض المقدمات ان البحث المعروف في اللباس المشكوك إنما يبتنى على كون المانعية على تقديرها ثابتة بوصف الإطلاق لما مر من ان النزاع فيه انما هو في الحكم الظاهري و انه هل هو الجواز أو العدم بعد الفراغ عن ثبوت الحكم الواقعي مطلقا الا انه حيث يظهر من جماعة منهم المحقق القمي و الفاضل النراقي إنكار المانعية المطلقة و اختصاصها واقعا بصورة العلم لا بدّ لنا من البحث في هذه الجهة أيضا فنقول عمدة الوجوه التي استند إليها لهذا القول ثلاثة:

الأول ما عن المحقق القمي- قده- من ان الأدلة الدالة على مانعية غير المأكول و ان لم تكن مقيدة بصورة العلم من جهة دعوى الوضع أو الانصراف الا ان المستفاد من صحيحة عبد الرحمن الدالة على عدم لزوم الإعادة على من صلى في أجزاء غير المأكول جهلا هو اختصاص المانعية بصورة العلم لعدم إمكان اجتماع المانعية المطلقة و الاجزاء و الصحة في صورة الجهل فالصحيحة تقيد دائرة المانعية بغير صورة الاجزاء و تصير النتيجة اختصاصها بصورة العلم و هو المدعي.

أقول مراده من الصحيحة ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرجل يصلى و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب، أ يعيد صلوته؟ قال ان كان لم يعلم فلا يعيد. «1»

و تقريب دلالتها ان محط السؤال و ان

كان هي حيثية النجاسة الثابتة في العذرة المشتركة بين عذرات الإنسان و السنور و الكلب لا حيثية غير المأكولية الثابتة في الأخيرين فقط لما عرفت من خروج الإنسان عن أدلة مانعية غير المأكول نصا و انصرافا الا انه بعد ملاحظة أمرين يستفاد من الصحيحة حكم الحيثية الثانية أيضا: الأول كون السؤال بلحاظ التعبير بالإعادة ظاهرا في ان المفروض وقوع صلاة في الخارج في شي ء من العذرات المذكورة في الصحيحة و من المعلوم ان الصلاة الخارجية الواقعة في عذرة واحد من الأخيرين يكون

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الأربعون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 270

..........

______________________________

الخلل فيها من كلتا الحيثيتين. الثاني ان الجواب دال على عدم وجوب الإعادة في صورة الجهل و عدم العلم و الظاهر ان الحكم بعدم الوجوب مرجعه إلى صحة الصلاة الخارجية التي يكون الخلل فيها من جهتين و ان كان الخلل من إحديهما لا يكون موردا لنظر السائر أصلا لكنه لا يستلزم عدم دلالة الرواية على حكم كلتيهما نعم لو كان الجواب دالا على وجوب الإعادة لا يستفاد من الرواية مدخلية كلتا الجهتين في إيجابها بل يمكن ان يقال بظهور مدخلية الحيثية التي هي مورد لنظر السائل و اما الحكم بعدم الوجوب الراجع الى الاجتزاء بالصلاة الواقعة في الخارج المتصفة بما ذكر من الخلل من جهتين فلا يكاد يتم الأعلى تقدير عدم كون شي ء منهما مؤثرا في وجوب الإعادة كما لا يخفى.

و يرد على هذا الوجه انه لا دلالة للصحيحة على ثبوت المانعية مع الجهل الذي هو مورد البحث في اللباس المشكوك لان موردها اما الجهل المركب أو الجهل البسيط مع الغفلة أو كليهما و التقييد بالغفلة

انما هو لكون السؤال انما هو عن حكم الإعادة وجوبا و من الظاهر ان السؤال مع الالتفات لا بدّ و ان يكون عن جواز الدخول في الصلاة و مشروعيته فالسؤال عن الإعادة ظاهر في الغفلة فلا دلالة للرواية على عدم المانعية في المقام و الحكم بعدم الإعادة في مورد الرواية لا يلازم عدم المانعية الواقعية فيه أيضا و تحقيق هذه الجهة موكول الى البحث عن حديث لا تعاد المعروف.

و بالجملة فالصحيحة أجنبية عن المقام بعد وضوح انه لا مجال للتعدي عن موردها الى مثله فهذا الوجه غير تام.

الثاني ما عنه- قده- أيضا من دعوى الفرق بين ما إذا استفيدت المانعية من لسان الوضع و بين ما إذا استفيدت من لسان التكليف و انه يختص الثاني بصورة العلم و الأول يعم صورة الجهل أيضا و منشأ هذا التفصيل ما أفاده أستاده- أستاد الكل- الوحيد البهبهاني- قده- في مسألة القدرة التي هي إحدى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 271

..........

______________________________

الشرائط العامة فقال: كل جزء استفيدت جزئيته من خطاب الوضع مثل لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فهو جزء مطلقا من غير اختصاص بحال التمكن و لازمة سقوط وجوب الكل بالعجز عن إتيانه، و كل جزء استفيدت جزئيته من خطاب تكليفي غيري فجزئيته مختصة بحال القدرة لكونها من الشرائط العامة و لازمة عدم سقوط وجوب الكل بالعجز عن إتيانه و قد قاس تلميذه العلم بالقدرة لكونه أيضا من الشرائط العامة و مقتضاه عدم ثبوت المانعية في المقام في صورة الشك و الجهل واقعا لاستفادتها من لسان التكليف.

و يرد عليه أولا انه لو سلم ما افاده من ثبوت الفرق في المقام نقول ان المانعية فيه قد

استفيدت من لسان الوضع لان قوله- عليه السّلام- في موثقة ابن بكير المتقدمة: ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام اكله فالصلاة في وبره .. و كل شي ء منه فاسد .. ظاهر بل صريح في خطاب الوضع و دعوى وجود خطاب التكليف أيضا مثل قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- لعليّ- عليه السّلام- في بعض الروايات المتقدمة:

لا تصل في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه مدفوعة بعدم المنافاة بين الخطابين و لا مجال لحمل الأول على الثاني فإن خطاب التكليف لا دلالة له على الانحصار غايته عدم الدلالة على التعميم و هو لا ينافي ما يدل عليه كما هو ظاهر و عليه فالمانعية في المقام لا تختص بصورة العلم.

و ثانيا ان قياس العلم في المقام بالقدرة غير صحيح لان العلم الذي يكون مثل القدرة من الشرائط العامة للتكليف هو العلم بأصل التكليف لا العلم بالمكلف به الذي هو ثبوت المانع فيما نحن فيه و ان اللباس من أجزاء غير المأكول و قد وقع الخلط بين العلمين.

و اما ما أفاده أستاده فهو أيضا مخدوش لعدم كون القدرة شرطا لمطلق التكليف بل العجز يكون عذرا للمخالفة و عدم كون الخطاب التكليفي في المقام دالا على التكليف لكونه إرشادا إلى المانعية كما ان في الأوامر تكون إرشادا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 272

..........

______________________________

إلى الجزئية أو الشرطية و عدم كون التكليف الغيري مشروطا بالقدرة على خصوص متعلقه بعد عدم استقلال متعلقه فتدبر.

الثالث: ما عن الفاضل النراقي- قده- من دعوى اختصاص الحرام الذي لا تجوز الصلاة في اجزائه بالمعلوم.

و أجيب عنه بأنه ان كان وجه الاختصاص هو دعوى وضع الألفاظ للمعاني المعلومة

أو انصرافها إليها فهو واضح الفساد، و ان كان دعوى ظهور الحرام في الحرمة المنجزة التي تتوقف على العلم ففيه انه خلاف الظاهر إذ الظاهر من الموثقة هو ابتناء الفساد واقعا على الحرام الواقعي لأنها مسوقة لبيان الحكم الواقعي الوضعي، مع انه انما يتم فيما إذا كان المشتبه هو الحيوان الخارجي الذي لم يعلم انه من الحلال أو الحرام لا في المقام الذي علم بحرمة حيوان معين كالارنب و حلية آخر كالشاة و الشك في وبر معين انه من الأرنب أو الشاة لثبوت العلم و التنجز فيه كما هو واضح و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في هذه الجهة عدم مدخلية العلم في ثبوت المانعية الواقعية و ان الحكم بالجواز في اللباس المشكوك على تقديره حكم ظاهري ثابت في مورد الشبهة.

الجهة السادسة: انه قد عرفت من الجواهر ان المسألة مبتنية على القول بالشرطية و المانعية و ان الجواز متفرع على الثاني و العدم على الأول و نحن نقول اما القول بالشرطية.

فإن كان المراد به هي الشرطية المنجزة المعينة بأن كان من شرائط لباس المصلى ان يكون من أجزاء الحيوان الذي يحل أكل لحمه و هو الذي قد عرفت قيام الإجماع و الضرورة على خلافه فاللازم هو الاحتياط و لزوم إحراز تحقق الشرط كسائر الشرائط التي تكون كذلك.

و ان كان المراد به هي الشرطية المعلقة بأن كان من شرائط اللباس إذا كان حيوانا ان يكون مأكول اللحم كما حكى عن منظومة الطباطبائي و من تبعه فان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 273

..........

______________________________

كانت الجزئية للحيوان معلومة و المأكولية مشكوكة فاللازم هو الاحتياط أيضا لأنه بعد ثبوت المعلق عليه لا بدّ من

إحراز تحقق الشرط المعلق عليه و ان لم تكن الجزئية للحيوان معلومة بل احتمل كونه من القطن أو الكتان تجري أصالة البراءة لانه بعد عدم ثبوت المعلق عليه يشك في ثبوت الشرطية و الأصل المذكور ينفيها و هذا هو الوجه في التفصيل الذي نقلناه آخر الأقوال.

و ان كان المراد به هي الشرطية التخييرية بأن كان الشرط اما كون اللباس من أجزاء غير الحيوان و اما كونه من أجزاء الحيوان الذي يحل أكل لحمه فاللازم هو الاحتياط للزوم إحراز أحد الطرفين و عدم جواز الاكتفاء بمجرد الاحتمال كما هو ظاهر.

و اما القول بالمانعية فربما يقال بأنه لو كان موضوع المانعية ملحوظا بنحو الطبيعة السارية بحيث يكون كل جزء من أجزاء كل حيوان لا يؤكل لحمه مانعا مستقلا في قبال غيره من الاجزاء و غيره من الحيوانات الأخر التي تكون كذلك فالمرجع هي أصالة البراءة لانحلال التكليف فيه الى تكاليف عديدة حسب تعدد افراد الحيوان الذي يحرم أكل لحمه و أجزاء كل فرد و من المعلوم ان تعلقه في المقام مشكوك فتجري البراءة و اما لو كان موضوع المانعية ملحوظا بنحو صرف الوجود فلا يكون شك في المانعية لأن جعل مانعية واحدة لصرف الوجود الصادق على القليل و الكثير معلوم و الشك انما هو في انطباق المانع عليه فلا مجال لأصل البراءة لاختصاص مجراه بالشك في التكليف و هو مفقود و لا مجال لان يقال ان عدم صرف الوجود من غير المأكول الذي تقيدت به الصلاة عبارة عن إعدام متعددة بعدد وجودات خاصة لعنوان غير المأكول و ما هو معلوم كونه مصداقا لغير المأكول يعلم اعتبار عدمه في الصلاة و المشكوك لا يعلم اعتباره فيكون من مصاديق

تردد الأمر بين الأقل المتيقن و الأكثر المشكوك.

و ذلك لما عرفت من ان الشك في هذا الفرض انما هو في انطباق المكلف به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 274

..........

______________________________

على الخارج و مجرى البراءة ما إذا كان الشك في أصل التكليف.

هذا و الظاهر ان المانعية في المقام انما كان موضوعها ملحوظا بالنحو الأول لأن الظاهر من النواهي المتعلقة بالعناوين التي لها أفراد في الخارج تعلقها بها على نحو السريان الاستغراقي بمعنى كون كل جزئي خارجي يصدق عليه عنوان المنهي عنه موردا للنهى استقلالا من دون فرق بين النواهي النفسية و الغيرية فكما ان معنى لا تشرب الخمر يرجع الى استقلال كل خمر في تعلق النهى بشربه لقيام المفسدة الباعثة عليه به فكذلك معنى لا تصل في جلد ما لا يؤكل لحمه يرجع الى استقلال كل جلد من غير المأكول في تعلق النهي الغيري به و ثبوت وصف المانعية له و من ثمراته لزوم الاقتصار في موارد الضرورة على مقدارها كما هو الحال في المحرمات النفسية.

إذا عرفت ما ذكرناه من الجهات فاعلم ان الالتزام بجريان أصالة البراءة العقلية في المقام بناء على المانعية كما انه يتوقف على كون موضوعها ملحوظا بنحو الطبيعة السارية على ما عرفت كذلك يتوقف:

أولا: على الالتزام بجريان البراءة في الشبهات الموضوعية التحريمية في التكاليف النفسية ضرورة انه مع عدم جريان البراءة هناك مع كون التكليف نفسيا لا يبقى مجال لدعوى جريانها في المقام بعد كون التكليف فيه غيريا.

و ثانيا: على الالتزام بجريانها في مسألة دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين بالإضافة إلى الشبهة الحكمية لأنه مع عدم جريانها في تلك المسألة لا مجال لدعوى جريانها هنا بعد

كونه شبهة موضوعية لتلك المسألة و بعبارة أخرى المقام من موارد الشبهة الموضوعية لمسألة الأقل و الأكثر المذكورة و دعوى جريان البراءة فيها تتوقف على جريانها في الشبهة الموضوعية التحريمية النفسية و في الشبهة الحكمية في مسألة الأقل و الأكثر و لأجله لا بدّ لنا هنا من البحث في كلا المقامين على سبيل الإجمال و التفصيل موكول الى علم الأصول فنقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 275

..........

______________________________

جريان البراءة العقلية في الشبهة الموضوعية المقام الأول: في جريان البراءة العقلية في الشبهة الموضوعية التحريمية في التكاليف النفسية و عدمه. صريح الشيخ الأعظم الأنصاري- قده- في الرسالة هو الجريان كجريانها في الشبهة الحكمية فإنه- قده- بعد استناده الى الاخبار الكثيرة التي تدل على جريان البراءة الشرعية في الشبهة الموضوعية قال: «و لكن في الاخبار المتقدمة بل في جميع الأدلة المتقدمة من الكتاب و العقل كفاية» ثم دفع توهم عدم جريان حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان نظرا إلى تمامية البيان من قبل الشارع فيجب الاجتناب عن الإفراد المحتملة بأن النهي عن الخمر يوجب حرمة الأفراد المعلومة تفصيلا و المعلومة إجمالا المترددة بين محصورين و الأول لا يحتاج الى مقدمة علمية و الثاني يتوقف على الاجتناب من افراد الشبهة لا غير، و اما ما احتمل كونه خمرا من دون علم إجمالي فلم يعلم من النهى تحريمه و ليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرم معلوم فلا فرق بينها و بين الموضوع الكلي المشتبه حكمه، و ما ذكر من التوهم جار فيه أيضا لأن العمومات الدالة على حرمة الخبائث و الفواحش و ما نهيكم عنه فانتهوا تدل على حرمة أمور واقعية يحتمل كون شرب التتن منها.

و

أورد عليه سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قده- بان الحكم بعدم الفرق بين الشبهتين في غير محله لان العقل يحكم في المقام بأن المخالفة مع العلم بالحكم موجبة لخروج العبد عن رسوم العبودية و كونه طاغيا على مولاه دون ذلك المقام، و الحكم بأن النهي عن الخمر لا يدل الا على حرمة الأفراد المعلومة كما هو ظاهر كلام الشيخ- قده- بل صريحه مدفوع بان المفروض- مع قطع النظر عن الاخبار الدالة على حلية المشتبه- ان الحكم بالتحريم ثابت للخمر الواقعي من دون دخالة العلم في موضوعه كيف و معه لا مجال لاحتمال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 276

..........

______________________________

التكليف في الفرد المشتبه لفرض عدم وجود العلم المأخوذ في موضوعه و هو مما يقطع بخلافه فالنهي عام و المخالفة مع احتمال ثبوته غير جائزة عند العقل.

أقول و يمكن الجواب عن نقضه الأخير بأن وجوب الانتهاء في قوله تعالى:

وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وجوب إرشادي كوجوب الإطاعة في آية وَ أَطِيعُوا اللّٰهَ ..*

و كذا التحريم الثابت في الخبائث و الفواحش بنحو العموم يكون إرشاديا بناء على ثبوت العنوانين في كل محرم كما هو ظاهر النقض ضرورة ان العناوين الخاصة المتعلقة للتحريم لا تكون محكومة بالحرمة من جهة نفسها و من جهة كونها مصداقا للخبيث و الفاحشة بحيث يكون المرتكب لشي ء منها آتيا بمحرمين و مستحقا لعقوبتين فالنقض المذكور في غير محله.

و لبعض الاعلام من المعاصرين كلام طويل في وجه جريان البراءة في المقام في الرسالة التي صنفها في حكم الصلاة في الألبسة المشكوكة و قد لخصناه في كتاب «نهاية التقرير» الذي هو تقرير الأستاذ المذكور و هو انه لا خفاء في انه لا بدّ

ان يكون متعلق التكليف عنوانا اختياريا للمكلف قابلا لان يتعلق به الإرادة إما بنفسه أو بالتوسيط و ذلك العنوان على أربعة أقسام:

الأول: العنوان الذي يكون متعلقا للتكليف بلا تعلق له بموضوع خارجي خارج عن تحت القدرة و الاختيار كالتكلم و الضحك و نحوهما.

الثاني: العنوان الذي يكون له تعلق بالموضوع الخارجي و كان ذلك الموضوع امرا جزئيا متحققا في الخارج كاستقبال القبلة و استدبارها.

الثالث: ان يكون له تعلق بالموضوع الخارجي الذي أخذ وجوده و لو ببعض افراده موضوعا للحكم و بعبارة أخرى: موضوع الحكم هو صرف وجوده المساوق للإيجاب الجزئي كما في الوضوء و التيمم بالنسبة إلى الماء و التراب.

الرابع: ان يتعلق بالموضوع الخارجي الذي يكون عنوانا كليا ذا أفراد محققة الوجود و مقدرته، و لوحظ ذلك العنوان في مقام تعلق الحكم مرآة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 277

..........

______________________________

للافراد الموجودة و المقدرة كالشرب المتعلق بالخمر و غيره مما يكون موضوعا للحكم على نحو القضايا الحقيقية.

و ينحل الحكم في هذا القسم إلى أحكام كثيرة حسب تعدد الموضوع و كثرته فيختص كل واحد من افراد الموضوع بحكم خاص كما هو الشأن في القضايا الحقيقية فإن كل واحد من اشخاص موضوعاتها له حكم خاص ففي الحقيقة يصير معنى لا تشرب الخمر انه يحرم شرب كل خمر موجود في الخارج أو يوجد بعد.

و بملاحظة ما ذكره المنطقيون من انحلال القضايا الحقيقية إلى قضية شرطية مقدمها عقد الوضع فيها و تاليها عقد الحمل يصير معنى لا تشرب الخمر هكذا كل خمر إذا وجد في الخارج فهو بحيث إذا وجد يحرم شربه، و هذه القضية كما ترى تكون الحرمة فيها مرتبة على وجود الخمر، فالحمرة المجعولة للخمر

قبل تحققه و وجوده في الخارج تكون حكما إنشائيا، و فعليتها و كونها زجرا للمكلف يتوقف على وجوده في الخارج، و من المعلوم ان المنجز للتكليف انما هو العلم بالتكليف الفعلي لا العلم بالحكم الإنشائي و قد عرفت ان فعليته متوقفة على وجود موضوعه، فتنجز الحرمة يتوقف على العلم بالتكليف الفعلي و هو يتوقف على وجود موضوعه فتنجزها يتوقف على العلم بوجود الموضوع ففي الحقيقة يكون وجود الموضوع من جملة شرائط وجود التكليف و من هنا يظهر بطلان ما يتراءى من كلام الشيخ- قده- في الرسالة حيث ان الظاهر منه ان عدم وجوب الاجتناب في الشبهات الموضوعية انما هو لعدم كونها مقدمة علمية حتى تجب بوجوب ذيها و ذلك لما عرفت من ان جواز الاقتحام و عدم وجوب الاجتناب فيها انما هو لعدم العلم بتحقق شرط التكليف فهو نظير ما إذا شك في تحقق الاستطاعة التي يكون وجوب الحج مشروطا بوجودها و هذا هو الفارق بين هذا القسم و الأقسام الثلاثة المتقدمة حيث ان الحكم فيها منجز بنفس العلم به و اجتماع شرائط التكليف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 278

..........

______________________________

من القدرة و غيرها بخلاف هذا القسم الذي يتوقف على أمر زائد أيضا و هو العلم بوجود الموضوع كما عرفت انتهى.

أقول محل البحث من هذه الأقسام الأربعة هو القسم الرابع و يظهر منه- قده- ان جريان البراءة العقلية فيه مبنى على أمرين و هما الانحلال الى التكاليف المتعددة حسب تعدد الموضوع الذي يكون المتعلق مضافا اليه و رجوع القضية الحقيقية إلى الشرطية الظاهرة في ترتب الجزاء على وجود الشرط.

و قد أنكر الأمر الأول سيدنا الأستاذ البروجردي- قده- و ملخص ما أفاده

في توضيحه ان المشهور ذهبوا الى ان معنى النهى هو طلب الترك و اختاره المحقق الخراساني- قده- و عليه فيشترك النهى مع الأمر في ان معناه أيضا هو الطلب غاية الأمر ان الطلب في الأمر متعلق بوجود الطبيعة و في النهي بتركها و لازم ما ذكره المشهور سقوط النهي بالكلية عن عهدة من خالفه و عصاه و لو مرة فإن عدم الطبيعة ليس كوجودها حتى يكون له أفراد متعددة و مصاديق متكثرة لأنه ليس شيئا متحققا و امرا ثابتا حتى يكون واحدا و كثيرا غاية الأمر ان العقل بعد إضافته إلى الطبيعة التي لا تكون في حد ذاتها واحدة و لا متكثرة يعتبره امرا واحدا و- ح- يتحقق اللزوم المذكور لأن المعصية عندهم مسقطة للتكليف كالامتثال فلا تستحق العقوبة إذا ارتكبه ثانيا و ثالثا و هكذا، و كذا يلزم عدم الفرق بين الارتكاب قليلا أو كثيرا و كذا عدم القدرة على الامتثال مع المخالفة و لو مرة و بطلان اللوازم بمكان من الوضوح.

فالتحقيق ان يقال ان معنى النهى ليس هو طلب الترك بل معناه هو الزجر عن إيجاد الفعل المنهي عنه كما ان معنى الأمر هو إيجاد البعث الى الفعل المأمور به غاية الأمر ان للنهى عصيانات متعددة حسب تعدد وجود الطبيعة المتعلقة للنهي و توهم انه لا يعقل تحقق المعاصي المتعددة بالنسبة إلى تكليف واحد لأن المعصية إذا تحققت يسقط بها التكليف مدفوع بمنع ذلك إذ لا معنى لكون المعصية مسقطة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 279

..........

______________________________

للتكليف و سقوطه في بعض موارد العصيان انما هو لكون التكليف فيه مشروطا و موقتا بوقت خاص و لم يؤت به في وقته

فسقوطه انما هو لمضي وقته و هو يوجب سلب القدرة على الامتثال و هذا بخلاف الامتثال فإنه لكونه موجبا لحصول الغرض و لا معنى لثبوت الأمر مع حصول الغرض يوجب سقوط التكليف.

فقد ظهر ان النهى مع كونه تكليفا واحدا له عصيانات متعددة موجبة لاستحقاق عقوبات متكثرة كما ان له أيضا امتثالات متعددة فالقول بانحلال النهي إلى تكاليف عديدة حسب تعدد الموضوع مما لا سبيل اليه انتهى.

و ما افاده- قده- في الاشكال على المشهور في باب معنى النهى من عدم كون المطلوب في هذا الباب و هو عدم الطبيعة و تركها متعددا لانه ليس عدم الطبيعة كوجودها حتى يكون له أفراد متعددة و مصاديق متكثرة و ان كان محل نظر بل منع لانه كما ان للطبيعة وجودات متكثرة كذلك لها إعدام متعددة لانه كما ان وجود فرد ما يكفي في تحقق الطبيعة لكونه تمام تلك الطبيعة و ليست النسبة بينه و بينها هي النسبة بين المركب و اجزائه لعدم كون الفرد حصة من الطبيعة بل تمامها كذلك يكفى عدمه في اتصاف الطبيعة بالعدم لانه لا يعقل ان يكون وجوده كافيا في وجودها و لا يكون عدمه موجبا لعدمها و لا مانع من اتصاف الطبيعة في ان واحد بالوجود و العدم بلحاظ اختلاف افرادها كما لا مانع من اتصافها بالبياض و السواد و الطول و القصر و الحركة و السكون و أمثالها فوجودات الطبيعة إذا كانت متصفة بالكثرة يكون إعدامها أيضا كذلك الا ان ما أفاده في الاشكال على المحقق النائيني- قده- من إبطال الانحلال و عدم كون النواهي المتعلقة بالطبائع راجعة إلى القضايا الحقيقية في كمال المتانة و السداد لانه لا وجه لإرجاعها إليها المستلزم للانحلال

و ثبوت تكاليف متعددة حسب تعدد الموضوعات، و الظاهر ان منشأ الإرجاع ملاحظة عدم ارتفاع النهي بالمخالفة و ثبوته بعدها أيضا مع انه لو كان تكليفا واحدا غير منحل الى تكاليف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 280

..........

______________________________

متعددة لكان اللازم سقوطه بالمرة بالمخالفة و لو مرة لأن العصيان يوجب ارتفاع التكليف فاللازم هو الالتزام بالانحلال حتى تكون المخالفة في كل فرد من افراد الموضوع موجبة لسقوط التكليف الخاص المتعلق به مع بقاء التكليف بالإضافة الى الافراد الأخر بحاله.

و الحق ان بقاء النهى بعد المخالفة لا يلازم الانحلال و الإرجاع إلى القضايا الحقيقية بل حيث ان الزجر متعلق بوجود الطبيعة يكون لازمة بقائه بعد المخالفة أيضا لأنه لم يقم دليل على ان التكليف الواحد لا بدّ و ان لا يكون له اطاعات متعددة و عصيانات متكثرة كما انك عرفت انه لا وجه لدعوى كون المعصية مسقطة للتكليف فالإنصاف تمامية ما أفاده الأستاذ- قده- في مقام الاشكال على المحقق المزبور «1».

و اما الأمر الثاني فقد أنكره سيدنا الأستاذ الماتن- دام ظله العالي- في مباحثه الأصولية و حاصل ما أفاده في وجه ذلك ان القضايا الحقيقية قضايا بتيّة كالقضايا الخارجية من دون فرق بينهما من هذه الجهة أصلا غاية الأمر ان الحكم في القضايا الحقيقية انما يكون على الطبيعة بوجودها الساري أعم من الافراد المحققة و المقدرة و في القضايا الخارجية يكون مقصورا على خصوص الأفراد الموجودة فقولنا: كل نار حارة يكون الحكم بالحرارة فيه حكما بتيّا ثابتا لجميع أفراد طبيعة النار و لا يكون حكما مشروطا بوجوده كيف و لو كان الحكم في مثله مشروطا بوجود الموضوع لكان اللازم في مثل ما إذا

كان المحمول من لوازم ماهية الموضوع كقولنا: «الأربعة زوج» ان يكون ترتب الزوجية على

______________________________

(1) نعم يرد على المشهور ان العدم ليس بشي ء حتى يتعلق به الطلب و هذا من دون فرق بين ما إذا كان مطلقا أو مضافا و ما اشتهر من ان العدم المضاف له حظ من الوجود و التحقق فلا ينبغي الاغترار بظاهره بعد وضوح ان الإضافة لا توجب خروجه عن ماهيته المقابلة للوجود (منه).

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، در يك جلد، مؤلف، قم - ايران، اول، 1408 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة؛ ص: 281

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 281

..........

______________________________

الأربعة مشروطا بوجودها مع ان المفروض كونها من لوازم الماهية التي مرجعها الى ثبوتها لنفس الماهية مع قطع النظر عن الوجودين بحيث لو فرض لها تقرر و ثبوت في غير عالم الوجودين لكانت تلزمها و بالجملة معنى القضية الشرطية هو كون الشرط فيها دخيلا في ثبوت المحمول و ترتبه على الموضوع مع ان القضايا الحقيقية لا يكون كلها كذلك فالحق انها قضايا بتيّة غير مشروطة و لذا جعلها المنطقيون من الحمليات التي تكون قسيما للشرطيات.

نعم لا شبهة في ان الحكم ما لم يتحقق موضوعه لا يثبت و ليس ذلك لأجل اشتراطه بوجود الموضوع بل لان الموضوع ما لم يوجد لا يكون موضوعا فان النار ما لم تتحقق في الخارج لا تكون نارا و الحكم بالحرارة معلق على النار و- ح- فمع الشك في وجوده لا يكون الحكم مترتبا و لا يكون حجة على العبد لان العلم بالكبرى بمجرده لا يكون حجة ما لم ينضم اليه العلم

بالصغرى لا لأجل الشك في وجود الشرط، المستلزم للشك في المشروط و هو فعلية الحكم بل لأجل ما عرفت فالأمر الثاني ممنوع أيضا.

هذا و على تقدير إنكار الأمر الأول كما عرفت انه الحق فهل لازمة إنكار البراءة العقلية نظرا الى ثبوت تكليف واحد معلوم فيجب الخروج عن عهدته و تلزم رعايته بالاجتناب عن الفرد المشكوك أيضا أو انه تجري بناء عليه أيضا و الظاهر هو الثاني لأن وحدة التكليف مع ثبوت الاطاعات المتعددة و العصيانات المتكثرة لا توجب تمامية الحجة على العبد من دون العلم بموضوعه و ليس المراد من البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو البيان الجائي من قبل المولى اللازم على عهدته حتى يقال بان البيان من قبله تام لا نقص فيه لانه ليس من شأنه بيان الصغريات و تشخيص المصاديق بل المراد به هي الحجة على التكليف و ما يصح للمولى الاحتجاج به و الظاهر عدم تماميتها بمجرد العلم بالكبرى لانه لا يكفي في ترتب النتيجة و ثبوتها بل لا بدّ من ثبوت الصغرى و العلم بها فكما ان ثبوت الكبرى واقعا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 282

..........

______________________________

من دون العلم بها لا يصحح الاحتجاج و لا يسوغ المؤاخذة فكذلك ثبوت الصغرى كذلك لا يوجب ذلك بل لا بدّ من إحرازها و تعلق العلم بها فالإنصاف جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية في التكاليف النفسية، جريان البراءة في ما إذا دار الأمر بين الأقل و الأكثر المقام الثاني: في جريان البراءة العقلية فيما إذا دار الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين و قد قربه الشيخ الأعظم- قده- في الرسائل بأن العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر

ينحل الى العلم التفصيلي بوجوب الأقل و الشك البدوي في وجوب الأكثر و ذلك لوجوب الأقل على التقديرين لأنه ان كان الأكثر واجبا واقعا يكون الأقل أيضا واجبا غاية الأمر ان وجوبه وجوب تبعي و ان لم يكن كذلك يكون الأقل واجبا بالوجوب النفسي، فوجوبه الأعم من النفسي و الغيري معلوم تفصيلا و هذا بخلاف الأكثر فإن وجوبه مشكوك فتجري فيه البراءة.

و أورد عليه تلميذه المحقق الخراساني- قده- في الكفاية بأن الانحلال مستلزم للخلف أو المحال الذي هو عبارة عن استلزام وجود الشي ء لعدمه:

اما الخلف فلانه يتوقف لزوم الأقل فعلا- اما لنفسه أو لغيره- على تنجز التكليف مطلقا و لو كان متعلقا بالأكثر ضرورة انه لو لم يتنجز على تقدير تعلقه به لم يكن الأقل واجبا بالوجوب الغيري لأنه تابع لوجوب ذي المقدمة و مع عدمه لا مجال له، كما انه لو لم يتنجز على تقدير تعلقه بالأقل لا يكون واجبا بالوجوب النفسي فوجوبه الأعم من النفسي و الغيري يتوقف على تنجز التكليف على اى تقدير فلو كان لزومه كذلك موجبا لعدم تنجز التكليف الا على تقدير تعلقه بالأقل يلزم الخلف.

و اما استلزام وجوده للعدم فلان لزوم الأقل على الفرض يستلزم عدم تنجز

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 283

..........

______________________________

التكليف على كل حال و هو يستلزم عدم لزوم الأقل مطلقا و هو يستلزم عدم الانحلال فلزم من وجود الانحلال عدمه و ما يلزم من وجوده عدمه فهو محال.

أقول: و هنا تقريب ثالث زائد على التقريبين المذكورين و هو ان العلم التفصيلي لو تولد من العلم الإجمالي بحيث كان معلولا له و مسببا عنه لا يعقل أن يؤثر في انحلال ذاك العلم

الإجمالي لأنه لا يمكن ان يؤثر المعلول في رفع علته و إعدامها مع بقائه، و المقام من هذا القبيل فان العلم التفصيلي بوجوب الأقل اما لنفسه أو لغيره انما نشأ من العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر نظير ما إذا تردد أمر الوضوء- مثلا- بين ان يكون وجوبه نفسيا أو غيريا ناشيا من الوجوب المتعلق بما هو مقدمة له و لكن كان وجوب ذي المقدمة مشكوكا فإنه لا يعقل ان يصير العلم التفصيلي بوجوب الوضوء على اى تقدير موجبا لانحلال العلم الإجمالي بوجوب الوضوء نفسا أو بوجوب ما يكون هو مقدمة له لانه مع الانحلال و إجراء أصالة البراءة بالإضافة إلى وجوب ذي المقدمة لا يكون العلم التفصيلي باقيا بحاله، فالعلم التفصيلي المسبب عن العلم الإجمالي يستحيل أن يؤثر في انحلاله و اضمحلاله كما هو ظاهر.

هذا و الاستدلال و الاشكال بتقريباته الثلاثة كلاهما مبتنيان على أمرين:

ثبوت المقدمية للاجزاء و اتصافها بالوجوب الغيري كالمقدمات الخارجية و الأول و ان كان يمكن توجيهه كما قرر في محله الا ان الثاني لا مجال له بوجه لان الوجوب الغيري- على تقدير القول به و ثبوت الملازمة العقلية بينه و بين الوجوب النفسي المتعلق بذي المقدمة- انما هو لأجل ان الوجوب المتعلق بذي المقدمة لا يكاد يدعو إلى المقدمة لأن الأمر لا يدعو الا الى متعلقه فالالتزام بالوجوب الغيري انما هو لان يدعو إلى الإتيان بالمقدمة لأجل تحقق ذيها و بدونه لا يكون هنا ما يدعو اليه بعد عدم كون الأمر بذي المقدمة صالحا للدعوة الى غير المتعلق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 284

..........

______________________________

و من الواضح ان هذا المناط موجود في المقدمات الخارجية لكونها مغايرة

لذي المقدمة ماهية و وجودا فالأمر الداعي إليها لا بدّ و ان يكون غير الأمر المتعلق بذيها و اما المقدمات الداخلية فلا حاجة فيها الى الأمر الغيري بعد كون الأمر المتعلق بذيها داعيا إليها لعدم كون المركب مغايرا لها لأنه إجمالها و صورتها الوحدانية و تلك تفصيله و تحليله و هو لا ينافي مقدمية الاجزاء لان المقدمة انما هو كل جزء مستقلا لا مجموع الأجزاء، فالأمر المتعلق بالمركب يدعو بعينه الى الاجزاء و لا يلزم من ذلك ان يكون الأمر داعيا الى غير متعلقه لان الاجزاء هي نفس المركب و الفرق انما هو بالإجمال و التفصيل، و البساطة و التحليل.

و تقريب البراءة على ما ذكرنا ان الأمر يدعو الى الاجزاء بعين دعوته الى المركب و يترتب على ذلك ان الحجة على الاجزاء انما هي بعينها الحجة على المركب لكن مع قيام الحجة على الاجزاء التي ينحل إليها و اما مع عدم قيامها على جزئية بعض ما تحتمل الجزئية فيه فلا يكون الأمر بالمركب داعيا الى ذلك الجزء المشكوك أيضا لعدم العلم بتعلق الأمر بما ينحل اليه و من المعلوم ان تمامية الحجة تتوقف على إحراز الصغرى و الكبرى معا و مع الشك في إحديهما لا معنى لتماميتها المصححة للعقاب لعدم كونه عقابا من دون بيان و مؤاخذة بلا برهان، فاللازم العلم بتعلق الأمر بالمركب و باجزائه التحليلية أيضا و بدون ذلك تجري البراءة العقلية الراجعة إلى قبح العقاب المذكور و ثبوت الارتباط بين الاجزاء على ما هو المفروض لا يقدح في جريان البراءة عقلا بعد عدم تمامية الحجة بالإضافة إلى مشكوك الجزئية.

و لا يتفاوت في جريان البراءة بين القول بكون مدلول ألفاظ العبادات خصوص الصحيح

منها و بين القول بالأعم من الفاسد لما حققناه في الأصول من ان مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين مسألة مستقلة لا يبتنى جريان البراءة فيها و عدمه على مسألة الصحيح و الأعم و ان ذهب جماعة كالمحقق النائيني- قده- الى ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 285

..........

______________________________

الصحيحي لا بدّ و ان يقول بجريان قاعدة الاشتغال في مسألة الأقل و الأكثر و لكنه ممنوع نعم على تقدير تصوير الجامع على بعض الوجوه كالتصوير على النحو الذي اختاره المحقق الخراساني- قده- في الكفاية لا محيص عن الالتزام بقاعدة الاشتغال كما أوضحناه في محله.

ثم انه لسيدنا الأستاذ البروجردي- قده- تقريب آخر لجريان البراءة تبعا لبعض الاعلام و هو ان الأمر مع كونه واحدا حقيقة له أبعاض كثيرة يتعلق كل بعض منها بجزء من أجزاء متعلقه و ذلك لان المركبات الشرعية مركبات اعتبارية و المراد بها هي الأشياء المتغايرة في الحقيقة المتكثرة في الوجود غاية الأمر اعتبار الوحدة فيها باعتبار ترتب حكم واحد عليها و كونها معنونة بعنوان حسن بخلاف المركبات الحقيقية و- ح- فإذا تعلق أمر واحد بتلك الأشياء فقد تعلق بكل واحد منها بعض ذلك الأمر الواحد فإذا شك في متعلقه من حيث القلة و الكثرة فقد شك بعد العلم بتعلق أبعاضه المعلومة الى الاجزاء المعلومة في تعلق بعضه بالجزء المشكوك فيحكم العقل بالبراءة و عدم تنجز ذلك الأمر بالإضافة إلى البعض المشكوك على تقدير تعلقه بالأكثر واقعا و لا ينافي ذلك تنجزه بالنسبة إلى أبعاضه المعلومة، و لا منافاة بين كون الأمر واحدا حقيقة و كونه ذا أبعاض كثيرة إذ هو نظير بعض الأمور الخارجية الذي يكون واحدا حقيقة مع كونه

ذا أبعاض كثيرة كالماء الواقع في الحوض- مثلا- فإنه مع كونه واحدا لمساوقة الاتصال مع الوحدة على ما قرر في محله يعدله أبعاض بل قد يكون بعضه معروضا لعرض كالحمرة و بعضه الأخر معروضا لضد ذلك العرض كالصفرة- مثلا- فلا منافاة بينهما أصلا.

فانقدح من البحث في المقامين ان الأقوى جريان البراءة العقلية في كليهما و هل يكفى ذلك في الذهاب الى جريانها في مسألة اللباس المشكوك أو انه لا يكفى ذلك لوجود عنوان ثالث في المقام مانع عن التمسك بالبراءة و هو الشك في المحصل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 286

..........

______________________________

كما اختاره سيدنا الأستاذ- المذكور- قده- حيث انه بعد الحكاية عن الشيخ الأعظم- قده- القول بالبطلان في المقام مع ذهابه الى البراءة في المسألتين المذكورتين و بعد نقل اعتراض بعض من أجلاء تلامذة الميرزا الشيرازي- قده- عليه بأنه لا مجال للبطلان مع اختيار البراءة فيهما قال ما ملخصه: «ان ظاهر الأدلة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول ان المعتبر في الصلاة ان لا تقع في شي ء من أجزاء كل فرد من افراد ما لا يؤكل لحمه و بعبارة أخرى: المعتبر هو عدم تحقق هذه الطبيعة المتوقف على عدم وجود شي ء من افراده و ينتزع منه مانعية كل فرد لا بنحو يكون كل فرد مانعا مستقلا حتى يلازم ذلك كون القيد هو عدمه بنحو الاستقلال بحيث كانت هناك قيود متعددة حسب تعدد الوجودات المانعة بل بمعنى انه حيث كان القيد هو عدم تحقق الطبيعة فوجودها مانع عنه و من المعلوم ان تحقق الطبيعة انما يكون بوجود كل فرد منها فمانعية وبر الأرانب انما هي لتحقق الطبيعة به و كذا مانعية

وبر الثعالب و غيره مما لا يؤكل لحمه و هذا بخلاف عدم الطبيعة إذ هو ليس شيئا حتى يكون له مصاديق و افراد بل هو أمر واحد باعتبار من العقل بعد إضافته إلى طبيعة خاصة و من الواضح لزوم إحراز هذا القيد و هو عدم تحقق الطبيعة المذكورة و مع الإتيان بالصلاة في اللباس المشكوك لا يعلم بحصول الشرط فلا يعلم بتحقق المشروط و هذا من دون فرق بين ان نقول برجوع الشرائط الشرعية إلى شرائط العقلية كما اختاره المحقق الخراساني- قده- و بين ان نقول بأن الشرطية و المانعية انما تنتزعان من تقييد المأمور به بوجود شي ء أو بعدمه فإنه على كلا المذهبين لا بدّ من إحراز وجود القيد بعد كونه امرا واحدا مبينا مفهوما».

و يرد عليه مضافا الى ما عرفت من ان عدم الطبيعة لا يكون الا كوجودها فكما ان وجودات الطبيعة متعددة متكثرة كذلك إعدام الطبيعة فإنها أيضا متعددة فعدم الطبيعة بعدم زيد يغاير عدمها بعدم عمرو و هكذا و لا مانع من اتصاف الطبيعة في ان واحد بالوجود و العدم معا كاتصافها بالسواد و البياض و بالطول و القصر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 287

..........

______________________________

و غيرهما من المتضادين و الى ان التقيد بالعدم الراجع إلى شرطية العدم غير معقول فإن الشرطية من الأوصاف الوجودية المفتقرة إلى موصوف متحقق و العدم ليس بشي ء حتى يتصف بالشرطية و يؤثر في تأثير السبب و المقتضى، انه على تقدير إمكانه خلاف ظاهر الأدلة الواردة في الصلاة في أجزاء غير المأكول فإن ظاهرها كما عرفت في بعض الجهات المتقدمة ثبوت المانعية التي هي أيضا أمر وجودي معروضها وجود المانع و مرجعها

الى كونه حائلا بين الطبيعة المأمور بها و بين وجودها و يمنع عن تحققها في الخارج، و التعبيرات التي يستفاد منها المانعية بين ما ظاهره النهى عن الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه و بين ما ظاهره الحكم بالفساد في الصلاة في اجزائه و بين ما ظاهره نفى الجواز الظاهر في الحكم الوضعي الراجع الى الفساد.

اما ما يدل على النهى فحكمه حكم النواهي الواردة في التكاليف النفسية من جهة جريان البراءة في الشبهات الموضوعية فكما ان قوله: «لا تشرب الخمر» مع كونه حكما واحدا و هو الزجر عن وجودات الطبيعة غاية الأمر له اطاعات متعددة و عصيانات متكثرة لا ينافيه جريان البراءة في الشبهة الموضوعية لعدم تمامية الحجة المتوقفة على ثبوت الكبرى و الصغرى معا و ليس المراد من البيان في القاعدة هو خصوص البيان الذي يكون من وظيفة المولى بل الحجة المتوقفة على ما ذكر كذلك قوله- عليه السّلام-: «لا تصل في جلد ما لا يؤكل لحمه» زجر واحد عن وجودات الطبيعة و يجرى فيه جميع ما ذكر و الفرق انما هو في النفسية و الغيرية و ان الزجر عن وجود الشرب انما هو لجهة في نفسه و عن الصلاة في أجزاء غير المأكول انما هو لجهة فيها كما لا يخفى فلا فرق في جريان البراءة العقلية بينهما أصلا.

و اما ما يدل على الفساد فحكمه حكم النهى بل أظهر لاحتمال كونه من القضايا الحقيقية الموجبة للانحلال الى التكاليف المتعددة حسب تعدد وجودات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 288

..........

______________________________

الموضوع و عليه فيصير جريان البراءة في مورد الشك أوضح لرجوع الشك فيه الى الشك في حكم مستقل على ما هو

المفروض.

ثم انه على تقدير تسليم كون المانعية منتزعة من تقييد المأمور به بعدم شي ء فهل تجري البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية للمانع أم لا؟ صريح المحقق النائيني- قده- الأول حيث انه بعد بيان ان قيدية العدم في المقام تتصور على وجوه ثلاثة:

أحدها: ان يكون القيد نعتا عدميا مساوقا لمحمول المعدولة.

ثانيها: ان يكون من باب السلب المحصل لكن بنحو يكون السلب الكلي بوحدته الشاملة لمجموع وجودات الموضوع قيدا واحدا.

ثالثها: ان يكون من هذا الباب لكن بنحو يكون منحلا الى عدم وجود كل فرد و كان القيد آحاد ذلك العدم، قال- بعد استظهار الوجه الثالث من الأدلة الواردة في الباب- ما ملخصه: انه اىّ فرق يعقل بين موضوعية الخمر لحرمة شربه و بين موضوعية المانع لتقيد الصلاة بعدم وقوعها فيه فكما تجري البراءة في الأول على ما عرفت لا ينبغي الإشكال في جريانها في الثاني.

و أورد عليه سيدنا الأستاذ- قدس سره- بعد حمل الوجه الثاني على خلاف ظاهره الدال على ان المانع هو مجموع وجودات الموضوع لا كل فرد منها فيستلزم عدم تحقق المانع في زمان أصلا و كذا صحة الصلاة فيما إذا صلى في بعض افراده و ان المراد منه هو كون نفس السلب الكلي قيدا واحدا- بان المستفاد من الأدلة المانعة ان المطلوب للشارع هو عدم وقوع الصلاة في شي ء من أجزاء غير المأكول و العدم أمر واحد عند اعتبار العقل بخلاف الوجود فإن الطبيعة توجد بوجود فرد ما و لا تنعدم الا بعدم جميع الافراد فالقيد أمر واحد لا بدّ من العلم بتحققه و حصول اليقين بوجوده فلا مجال لجريان البراءة في صورة الشك.

أقول: قد ذكرنا أن الأعدام تتكثر حسب تكثر الوجودات و ان

كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 289

..........

______________________________

القيد امرا واحدا لا يقدح في جريان البراءة العقلية أصلا مضافا الى ظهور بعض الروايات في كون الحكم ثابتا في المقام على نحو القضية الحقيقية مع ان حمل الوجه الثاني في كلامه- قده- على خلاف ظاهره لا وجه له بعد كونه في مقام التصوير بحسب الثبوت لا مقام الاستظهار من الأدلة و الإثبات كما لا يخفى هذا تمام الكلام فيما يتعلق بجريان البراءة العقلية في المقام.

جريان البراءة الشرعية في المقام من الاخبار الدالة عليها حديث الرفع المعروف و اشتهاره بين الأصحاب يغني عن التكلم في سنده مع انه ظاهرا من الصحاح و تقريب الاستدلال به للمقام من وجوه:

الأول: ما احتمله الشيخ الأعظم- قده- في الرسالة من ان قرينة السياق تقتضي ان يكون الموصول في قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله-: رفع ما لا يعلمون إشارة إلى خصوص الموضوعات الخارجية التي تعلق الجهل بها بعناوينها التي تكون بها متعلقات للأحكام اللزومية الشرعية فيختص بالشبهات الموضوعية و لا يعم الشبهات الحكمية فكل موضوع كان عنوانه المتعلق للحكم مجهولا فهو مرفوع، و اسناد الرفع اليه مع ظهور قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله-: «رفع عن أمتي» في الرفع التشريعي و عدم معقولية إسناده إلى الموضوعات الخارجية انما هو باعتبار الأثر المترتب على المرفوع في صورة الجهل، و في المقام نقول مانعية هذا اللباس الذي لا يعلم كونه من أجزاء غير المأكول مرفوعة بلسان رفع موضوعها و هو اللباس فتصح الصلاة فيه لعدم كونه مانعا و مبطلا لها و هذا من دون فرق بين ان نقول بانحلال المانعية المجعولة في المقام الى مانعيات متعددة حسب تعدد أجزاء غير

المأكول و افراده- كما اختاره بعض الاعلام و استظهرناه من بعض أدلة الباب على ما مر- و بين ان نقول بعدم الانحلال بلحاظ كون بعض الروايات بصورة النهى و هو تكليف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 290

..........

______________________________

واحد له اطاعات متعددة و عصيانات متكثرة من دون فرق بين ان يكون نفسيا أو غيريا و ذلك لانه على تقدير عدم الانحلال يكون مرجع رفع الموضوع الذي يكون عنوانه مجهولا الى رفع أثره و عدم كونه عصيانا لذلك النهى فتدبر.

الثاني: تعميم الموصول لكلتا الشبهتين الموضوعية و الحكمية نظرا الى ان الموصولات موضوعة للإشارة الى جميع ما ثبتت له الصلة فكل شي ء كان مجهولا بنفسه أو بعنوانه الموضوع للحكم فهو مرفوع برفع نفسه أو رفع آثاره و احكامه فباعتبار شمول الموصول للشبهات الموضوعية يصح الاستدلال بالحديث لرفع المانعية في المقام بالتقريب المتقدم في الوجه الأول و مبنى هذا الوجه عدم كون وحدة السياق مقتضية للاختصاص بالشبهات الموضوعية بل كون وحدته موجبة للحمل على العموم لان عدم تحقق الاضطرار في الاحكام و كذا الإكراه و مثله لا يوجب تخصيص ما لا يعلمون بل مقتضى السياق ارادة العموم من هذا الموصول كارادته من أخواته غاية الأمر ان عموم الموصول انما يكون بملاحظة سعة متعلقه و ضيقه فقوله: «ما اضطروا إليه» أريد منه كل ما اضطر إليه في الخارج غاية الأمر انه لا يتحقق الاضطرار بالإضافة إلى الحكم بوجه فمقتضى اتحاد السياق ان يراد من قوله: «ما لا يعلمون» أيضا كل فرد من افراد هذا العنوان الا ترى انه لو قيل:

ما يرى و ما يؤكل في قضية واحدة لا يوجب انحصار أفراد الثاني في الخارج ببعض الأشياء

و تضيق دائرته تخصيص الأول أيضا بذلك البعض كما هو ظاهر.

الثالث: دعوى اختصاص الموصول بما إذا كان الحكم مجهولا غاية الأمر تعميم الحكم بالإضافة إلى الأحكام الكلية المجعولة المجهولة في الشبهات الحكمية و الأحكام الجزئية المجهولة في الشبهات الموضوعية.

و مبنى هذه الدعوى- مضافا الى ان اسناد الرفع الى الحكم إسناد الى ما هو له و الحديث ظاهر في الإسناد إلى نفس الموصول- ان حمل الموصول على الموضوع الخارجي بلحاظ اتحاد السياق يقتضي ارتكاب خلاف ظاهر السياق من جهة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 291

..........

______________________________

أخرى فإن الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون هو ما كان بنفسه معروضا لوصف عدم العلم كما في غيره من العناوين كعنوانى الاضطرار و الإكراه فإنهما يتعلقان بنفس الفعل و يوجبان اتصافه بوصفى المضطر اليه و المكره عليه مع ان تخصيص الموصول بالشبهات الموضوعية ينافي هذا الظهور لعدم كون الفعل بنفسه معروضا للجهل و انما المعروض له هو عنوانه و- ح- يدور الأمر بين حفظ السياق من هذه الجهة بحمل الموصول فيما لا يعلم على الحكم المشتبه و بين حفظه من جهة أخرى بحمله على ارادة الفعل و لا ريب ان الترجيح مع الأول بنظر العرف.

و على هذا الوجه يصح الاستدلال بالحديث للمقام بلحاظ كون المانعية الجزئية الثابتة لهذا اللباس على تقديرها مرفوعة لأجل كونها بنفسها مجهولة و هذا انما يتم على تقدير الانحلال و اما على تقدير عدمه فليس لنا احكام جزئية مجهولة حتى يتعلق بها الرفع بل الثابت انما هو الأحكام الكلية و المفروض في الشبهات الموضوعية كونها معلومة غير مجهولة.

و قد ناقش سيدنا الأستاذ البروجردي- قده- في شمول الحديث لمثل المقام من الشبهات الموضوعية

نظرا الى ان الظاهر من الحديث عرفا هو رفع التكاليف المجهولة التي توجب تضييقا على المكلف إذا علم بها لا رفع الأحكام الجزئية أو الموضوعات التي يرجع رفعها الى رفع أحكامها بعد العلم بأصل الحكم الكلي الذي صدر من الشارع و بعبارة اخرى ان المكلف بعد ما علم بحرمة الخمر الواقعي المقتضي لوجوب الاجتناب عن الافراد المعلومة و كذا المشكوكة لعدم جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية فقد علم بما يوجب التضييق عليه فإذا فرض ان الشارع جوز له الاقتحام في الافراد المشكوكة فلا بد ان يبين ذلك بدليل يكون كالحاكم على دليل حرمة شرب الخمر الواقعي نظير الأدلة الدالة على حلية كل شي ء فيه حلال و حرام الى ان تعرف الحرام منه بعينه و ما يدل على طهارة المياه أو جميع الأشياء الى ان يعلم انها قذر أو نجس، و غيرهما مما يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 292

..........

______________________________

دالا على جواز الاقتحام في الشبهات الموضوعية و حيث لم يبين ذلك بمثل ما ذكر فلا يمكن رفع اليد عما يقتضيه الدليل على التحريم الظاهر في حرمة الفعل بعنوانه الواقعي و بالجملة فلم يثبت ظهور حديث الرفع في رفع الأحكام الجزئية المشكوكة في الشبهات الموضوعية.

و تندفع المناقشة- مضافا الى ما مرّ من جريان البراءة العقلية و قاعدة قبح العقاب من دون حجة- بأنه ما الفرق بين قوله: رفع ما لا يعلمون و بين مثل قوله:

رفع ما اضطروا اليه فكما ان الثاني حاكم على الأدلة الأولية كذلك الأول فإن مفاده عدم ثبوت الحرمة الواقعية في مورد الشك و الجهل فالإنصاف تمامية الاستدلال بحديث الرفع للمقام.

جريان أصالة الحلية في المقام و من الأصول

التي اعتمد عليها في المقام لإثبات الصحة و الجواز أصالة الحلية التي تدل عليها روايات كثيرة:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه «1» و منها: موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: كل شي ء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، و المملوك عندك لعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة. «2»

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة عليها و الظاهر عدم اختصاصها بالشبهات

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يكتسب به الباب الرابع ح- 1.

(2) الوسائل أبواب ما يكتسب به الباب الرابع ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 293

..........

______________________________

الموضوعية لشمول مثل الموثقة للشبهات الحكمية و امتيازها عن أصالة البراءة الشرعية انما هو في اختصاصها بالشبهات التحريمية و عدم شمولها للشبهات الوجوبية دون البراءة الشرعية و دعوى رجوع الثانية إلى الأولى لأن ترك الواجب حرام مدفوعة بمنع حرمة ترك الواجب بحيث كان هناك تكليفان تعلق أحدهما بالفعل و الأخر بالترك بل الواجب ما تعلق البعث بإيجاده و الحرام ما تعلق الزجر به من دون ان يرجع أحدهما إلى الأخر بوجه و كذا تمتاز أصالة الحلية بأن مفادها جعل الحكم الاثباتى في مرحلة الظاهر فيترتب على الحلية جميع الآثار المترتبة عليها و اما البراءة الشرعية

المدلول عليها بحديث الرفع فمرجعها الى رفع الحكم الواقعي المجهول في الظاهر من دون ان يكون مفادها وجود حكم إثباتي و لو في مرحلة الظاهر فتدبر.

و كيف كان فالمنقول عن صاحب المدارك- قده- التمسك بأصالة الحلية في المقام و تبعه على ذلك المحقق القمي- قده- و اختار جريانها أيضا السيّد المجدّد الشيرازي- قده- و تقريب الاستدلال بها من وجوه:

الأول: ان يكون المراد من الحلية و الحرمة هي التكليفية منهما- كما هو الظاهر من إطلاقهما- و جريانه في المقام مع ان الشك فيه انما هو في الحلية و الحرمة الوضعيتين انما هو بان يقال: ان الشك في صحة الصلاة فيما لم يعلم كونه من أجزاء غير المأكول مسبب عن الشك في حلية لحم الحيوان المأخوذ منه ذلك اللباس، و حرمته فإذا حكمنا بحليته لأصالتها تترتب عليها صحة الصلاة فيه كما لا يخفى.

و أورد عليه سيدنا الأستاذ- قدس سره-:

أولا: ان الشك في كون الحيوان المأخوذ منه هذا اللباس محرم الأكل أو غيره- تارة- بنحو يكون الحيوان المزبور مشخصا معلوما و الشبهة في حكمه شبهة حكمية راجعة إلى ثبوت الجهل بالحكم الكلي الإلهي- و اخرى- بنحو يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 294

..........

______________________________

كذلك لكن الشبهة موضوعية و الشك و الترديد انما كان لأجل اشتباه الأمر الخارجي من دون ان يكون راجعا الى الحكم الكلي- و ثالثة- بنحو لا يكون الحيوان المزبور مشخصا أصلا بمعنى انه لم يعلم ان اللباس من اى حيوان أخذ، هل أخذ من شاة أو من الثعلب- مثلا- و لا يكون في الخارج حيوان مشتبه الحكم بالشبهة الحكمية أو الموضوعية أصلا ففي الأولين و ان كان لا مانع من جريان

أصالة الحلية بناء على عدم اختصاصها بالشبهات الموضوعية إلا انهما من الفروض النادرة في محل البحث و في الأخير الذي هو محل الابتلاء نوعا لكثرة وقوعه و تحققه لا مجال لإجراء أصالة الحلية في لحم الحيوان بعد ما لم يكن هنا حيوان مشكوك اللحم أصلا و لا يكون لحمه على تقديره موردا للابتلاء بوجه و بعبارة أخرى ليس في الخارج حيوان شك في حلية لحمه بإحدى الشبهتين حتى يجرى فيه أصالة الحلية فتدبر.

و ثانيا: ان ظاهر الأدلة ان الحكم ببطلان الصلاة و فسادها في أجزاء غير المأكول انما يكون مترتبا على الحيوان المحرم بعنوانه الأولي كالأسد و الأرنب و الثعلب و غيرها لا على الحيوان بوصف كونه محرم الأكل و التعبير عن ذلك العنوان بهذا الوصف في بعض الاخبار انما هو للإشارة إلى ذوات الموصوفات مع قطع النظر عن الوصف و يؤيده ما في بعض الروايات من ان الصلاة في الثعالب و الأرانب فاسدة فعبر عن موضوع الحكم بنفس ذلك العنوان الاولى من دون أخذ قيد التحريم فيه أصلا و بالجملة: بطلان الصلاة في أجزاء الحيوانات المحرمة ليس حكما مترتبا على تحريمها بحيث لو لم يجعل التحريم لكان جعل هذا الحكم لغوا بل انما هو حكم في عرض الحكم بالتحريم من دون ترتب و طولية بينهما أصلا.

و دعوى انه لا مجال للعدول عن ظاهر العنوان المأخوذ في الدليل فان جعل وصف التحريم في الموضوع في مثل موثقة ابن بكير المتقدمة ظاهرة في المدخلية و الترتب بحيث يكون الحكم بالفساد مترتبا على وصف التحريم و لا وجه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 295

..........

______________________________

للحمل على الإشارة إلى الذوات بعناوينها الأولية بعد كونها

خلاف الظاهر.

مدفوعة بأنه إذا كان التعرض للذوات بتلك العناوين مع انه موجب للتطويل بلا طائل لعدم ترتب فائدة عليه فالطريق يكون منحصرا في الإشارة إليها بعنوان جامع لا دخالة له في الحكم أصلا مضافا الى ما عرفت من التعبير في هذا الحكم بنفس العناوين الأولية في بعض الروايات و الى اشتمال بعضها على التعليل بكون أكثرها مسوخا أو كونها دابة تأكل اللحم و مع الحمل على موضوعية عنوان الحرمة يلزم رفع اليد عن التعليل فتدبر.

فالظاهر- ح- ما ذكر و عليه فالأصل الجاري في أثر الحلية لا يثبت الأثر الأخر المشكوك الا على القول بالأصل المثبت و هو خلاف التحقيق.

و ثالثا: سلمنا الترتب و كون الحرمة واسطة في ثبوت البطلان و الفساد لكن المراد منها و من الحلية المترتبة عليها الصحة ليست الحرمة و الحلية الفعليتين و إلا لزم جواز الصلاة في أجزاء ما يحل اكله فعلا للاضطرار و نحوه و لو كان محرما ذاتا و عدم جوازه في أجزاء ما لا يحل اكله كذلك كما إذا كان مغصوبا و لم يرض المالك بالتصرف في خصوص لحمه فان وبره- ح- يصير من أجزاء الحيوان الذي لا يحل أكل لحمه و ان كان محللا ذاتا و من المعلوم انه لا يمكن الالتزام بذلك فالمراد منهما هي الحرمة و الحلية المتعلقتان بذوات الحيوانات بعناوينها الأولية مع قطع النظر عن حدوث ما يوجب تغيير الحكم المتعلق به أولا كالاضطرار و الغصب و نحوهما و من المعلوم ان أصالة الحلية لا تجدي في إثبات الحلية الواقعية- كما هو الشأن في غيرها من الأصول الشرعية- فهذا الوجه من التقريب غير تام.

الوجه الثاني: ما افاده المحقق النائيني- قده- مما ملخصه ان الشرطية

إنما تنتزع من تقييد المأمور به بوجود شي ء و المانعية منتزعة من تقيده بعدمه و كلا التقييدين يكونان من أجزاء المأمور به فكما أن الصلاة- مثلا- لها أجزاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 296

..........

______________________________

من الافعال و الأقوال المخصوصة كذلك لها أجزاء هي مجموع التقييدات بمعنى ان كل تقيد جزء مستقل غاية الأمر انه جزء اعتباري و لكنه يشترك مع الاجزاء الحقيقية في الجهات و الاحكام فكما ان الأمر المتعلق بمثل الصلاة من المركبات الاعتبارية مع كونه واحدا حقيقة له أبعاض كثيرة يتعلق كل بعض منه بجزء من أجزاء متعلقه كذلك يتعلق بعضه بالتقييد الذي هو جزء للمأمور به على ما عرفت و حيث انه لا وجود للتقيد الا بوجود القيد بل هو عينه فيكون نفس الشرط و عدم المانع معروضا لذلك البعض فظهر ان عدم المانع الذي هو محل البحث و الكلام في هذا المقام يكون كسائر الأجزاء متعلقا لبعض الأمر بالكل و حيث ان النهى ليس الا طلب الترك فيكون وجود المانع منهيا عنه لان المفروض كون عدمه متعلقا للطلب غاية الأمر ان النهى المتعلق بوجود المانع نهى ضمني لا استقلالي و لكن ذلك لا يقدح في اتصاف المانع بالحرمة بعد تعلق النهى به فاللباس له فردان فرد حلال حقيقة و هو ما علم عدم كونه من أجزاء محرم الأكل و فرد حرام حقيقة و هو ما علم كونه كذلك و فرد مشكوك يجرى فيه قوله- عليه السّلام-: كل شي ء فيه حلال و حرام ..

و دعوى ان الظاهر منه لزوم كون المنع المشكوك حكما مستقلا ناشيا عن المبغوضية الذاتية فيختص اعتبار هذا الأصل بالشبهات التحريمية النفسية واضحة الفساد إذ

لا دليل على صرف لفظ الحلال و الحرام الى بعض افرادهما.

و يشهد لذلك أي لعمومية لفظ الحلال و الحرام و عدم اختصاصهما بالنفسيين الاستعمالات الكثيرة في السنة الرواة و أجوبة الأئمة عليهم السّلام.

منها: مكاتبة محمد بن عبد الجبار قال: كتبت الى أبي محمد- عليه السّلام- أسأله هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا تحل الصلاة في الحرير المحض، و ان كان الوبر ذكيا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 297

..........

______________________________

حلت الصلاة فيه ان شاء اللّٰه. «1»

و منها: مرسلة موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في الحديد انه حلية أهل النار، و الذهب انه حلية أهل الجنة، و جعل اللّٰه الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه. «2»

و منها: غير ذلك من الروايات الواردة في الموارد الكثيرة التي يستفاد منها عموم لفظ الحلال و الحرام انتهى.

و يرد عليه أولا ان انتزاع المانعية من التقيد بالعدم ممنوع لان العدم ليس بشي ء حتى يمكن تقيد المأمور به به بل المانعية حكم شرعي مجعول مستفاد من دليلها و موضوعها الوجود لتضاده مع المأمور به.

و ثانيا: ان الحكم بتبعض الأمر و انبساطه و اختصاص كل جزء من أجزاء المأمور به ببعضه أمر لا يساعده العرف و العقلاء و لعل منشأ الالتزام به ملاحظة ان الأمر بالكل يكفي في الداعوية الى الاجزاء من دون افتقار إلى شي ء آخر مع ان الكفاية لا تستلزم التبعض فإن الداعي الى الاجزاء كما عرفت هو الأمر المتعلق بالكل بعين داعويته اليه و لا يلزم من ذلك ان يكون

الأمر داعيا الى غير متعلقه لان الاجزاء هي نفس الكل فالتبعض مما لا يساعده العقلاء، و على تقديره فتوسعة دائرة الانبساط بحيث تشمل الاجزاء الاعتبارية العقلية ممنوعة فتدبر.

و ثالثا: انه على تقدير التبعض في المقام أيضا فالأمر المتعلق بالتقيد لا يكاد يسرى من متعلقه الى غيره و مجرد كون وجود التقيد عين وجود القيد لا يسوغ التسرية لعدم كون الأمر متعلقا بالوجود بل بالمفهوم و الماهية و العينية في الوجود فضلا عن الاتحاد و الملازمة و المقارنة لا توجب سراية الأمر من متعلقه الى غيره مما هو عينه أو متحد أو مقارن أو ملازم له مع ان لازم ذلك كون الشرائط

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الرابع عشر ح- 4.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثلاثون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 298

..........

______________________________

متعلقة لبعض الأمر النفسي فلا يبقى مجال للاتصاف بالوجوب الغيري فيها أيضا كما لا يخفى.

و رابعا: ان تعلق الأمر بالتقيد بالعدم في باب الموانع لا يستلزم تعلق النهى بها لعدم كون حقيقة النهى عبارة عن طلب الترك بل هي كما عرفت عبارة عن الزجر عن الوجود كما ان معنى الأمر هو البعث إلى إيجاد الفعل المأمور به و كما ان تعلق بعض الأمر إلى وجود الشرط لا يقتضي تعلق النهى بعدمه كذلك تعلقه الى عدم المانع لا يوجب تعلق النهى بوجوده.

و خامسا انه على تقدير صحة دعوى تعلق النهى بالمانع نقول انّ مناط جريان أصالة الحلية في المقام هو تحقق عنواني الحلال و الحرام لا ثبوت النهى و عدمه و لا ملازمة بين تعلق النهى بالمانع و ثبوت عنوان التحريم بالإضافة اليه و استعمال العنوانين في الروايات

في الموارد الكثيرة في باب الشروط و الموانع و ان كان ممّا لا مجال لإنكاره الّا انّ كون الوجه فيه هو ثبوت الأمر و النهى التكليفيين بالنحو الذي أفاده لم يقم عليه دليل لاحتمال ان يكون الوجه فيه هو كون المراد بالحلية و الحرمة فيها هي الحلية و الحرمة الوضعيتين كما عليه يبتنى الوجه الثالث من وجوه الاستدلال بأصالة الحلية- على ما يأتي- فلا دلالة لتلك الروايات على ما افاده- قدس سره- و قد تحصل مما ذكرنا ان هذا الوجه أيضا غير تام.

الوجه الثالث ما يظهر من المحقق القميّ- قده- من ان المراد من الحلية و الحرمة في قوله- عليه السّلام- في رواية ابن سنان: «كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال ..» ليس خصوص الحلية و الحرمة التكليفيتين اى ما يكون مبغوضا بنفسه لأجل المفسدة الملزمة الباعثة على الزّجر عنه لنفسه أو غير مبغوض كذلك بل يعمّ الحلّية و الحرمة الوضعيتين اى ما يكون مبغوضا لكونه مانعا- مثلا- عن حصول مطلوب المولى أو غير مبغوض كذلك فكما انه إذا تردد مائع بين كونه خمرا أو ماء يكون مقتضى الرواية جواز شربه و عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 299

..........

______________________________

وجوب الاجتناب عنه فكذا إذا تردد أمر الثوب بين صحة الصلاة الواقعة فيه لعدم كونه من أجزاء غير المأكول و بين بطلانها فيه لكونه من اجزائه يكون مدلول الرواية حلية الصلاة فيه لكون الثوب أيضا شيئا فيه حلال باعتبار عدم كونه مانعا عنها و حرام باعتبار كونه مانعا فالصلاة فيه حلال الى ان تعرف الحرام منه بعينه فتدعها.

و نفى البعد عن الاعتماد على هذا الوجه سيدنا الأستاذ- قدّس سره-

مع تتميمه بان يقال ان التتبع و الاستقراء في كلمات العرب و استعمالاتهم لفظي الحلال و الحرام في النثر و النظم يقضى بان هذه المادة اى مادة «حرم» في ضمن أيّة صيغة كانت يراد منها الممنوعية و المحدودية الثابتة للشي ء بتمام الجهات أو بعضها كما يظهر بالتدبر في قولهم: حرم الرجل، حريم البيت أو القرية أو البلد، المسجد الحرام، الشهر الحرام، محرومية الرجل في مقابل مرز وقتيّة، كونه محترما و صالحا للاحترام، المحرم في مقابل المحلّ، و في الشرعيات كثير كقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا و قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله-: المسلم محرم عن المسلم و التعبير عن تكبيرة الافتتاح بتكبيرة الإحرام و عن التسليم الذي هو آخر أفعال الصلاة بالتحليل فان المراد في جميع هذه الموارد هو نحو من الممنوعية و المحدودية الثابتة للشي ء ببعض الجهات أو الآتية من قبله، و في مقابلها: الحلال و الحل و المحل و أشباهها مما أخذت فيه مادة هذه الصيغ فان معناها هو الإطلاق و الإرسال و عدم المحدودية الثابت له.

و يؤيده الأخبار الواردة في الموارد الكثيرة الدالة على حرمة الصلاة في الحرير أو فيما لا يؤكل لحمه أو في الذهب و قد تقدم نقل بعضها في كلام المحقق النائيني- قده- و- ح فلا يبعد التمسك بقوله- ع-: كل شي ء فيه حلال و حرام .. لان اللباس أيضا شي ء فيه حلال باعتبار عدم محدوديته و إطلاقه بالنسبة إلى الصلاة فيه و حرام باعتبار خلافه و المشكوك منه يكون كالمايع المردد بين الخمر و الماء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 300

..........

______________________________

و دعوى ان إطلاق الحلال و الحرام على الثوب باعتبار صحة

الصلاة فيه و بطلانها خلاف المتعارف إذ إطلاقهما على اللباس ينصرف الى جواز لبسه و عدمه و لا يفهم منه جواز الصلاة فيه و عدمه.

مدفوعة بأنه و ان كان خلاف المتعارف لكن اختصاص الحكم في أدلة أصالة الحلية بما لا يكون كذلك ممنوع لان المتفاهم منها عرفا إثبات الحلية الظاهرية في المشتبه من دون فرق بين مورد تعارف الإطلاق و عدمه أصلا.

و يؤيد ما افاده سيدنا الأستاذ وضوح عدم ثبوت الحقيقة الشرعية للّفظين و ان إطلاقهما في الشريعة انما هو على طبق ما هو معناهما بحسب اللغة و العرف غاية الأمر ان المحدودية في لسان الدليل الشرعي ظاهرة في المحدودية الشرعية من دون ان يكون هذا الوصف داخلا في المعنى بوجه و قد عرفت ان اللغة و العرف متطابقان على كون معناهما نحوا من المحدودية و عدمه، و الظاهر ان الاخبار المذكورة ناظرة الى هذا الوجه لا الى الوجه الذي اختاره المحقق المزبور و الا لكان المناسب جعل الحرمة متعلقة فيها باللباس مع انها ظاهرة في تعلقها بالصلاة فيه فتدبر.

في التمسك بأصالة العدم في المقام قد تقدم ان صاحب الجواهر- قده- بنى الحكم بالصحة و عدمها في مسألة اللباس المشكوك على الشرطية و المانعية نظرا إلى انه على تقدير الشرطية لا بدّ من إحراز الشرط و لا يكفى احتماله في مقام الامتثال و اما على تقدير المانعية فيكفي أصالة عدم المانع و لو لم يكن له حالة سابقة.

أقول: لا بدّ من ملاحظة الدليل على اعتبار هذا الأصل و ما يمكن ان يستدل به أحد أمور:

الأول: استمرار سيرة العقلاء عليه و ان بناءهم على العدم عند الشك من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة،

ص: 301

..........

______________________________

دون لحاظ الحالة السابقة.

و الجواب عنه منع الصغرى و الكبرى معا لعدم ثبوت السيرة على ما ذكر و ان قيل بثبوتها في بعض الموارد النادرة كما في باب الأنساب و عدم حجيتها على تقدير ثبوتها لاحتياجها الى دليل الإمضاء و هو لم يثبت.

الثاني: كون العدم أولى بالماهية من الوجود لأنه يكفي في استمراره و عدم انقطاعه عدم حدوث علة الوجود فالعدم اولى.

و الجواب عنه واضح لان تساوى نسبة الممكن و ماهيته الى طرف الوجود و العدم و عدم ثبوت مزية لأحدهما بوجه تمنع عن ثبوت الأولوية و مجرد كون علة العدم هي عدم علة الوجود لا توجب ثبوتها كما هو ظاهر.

الثالث: تنزيل أدلة الاستصحاب على هذا الأصل لا عليه بتقريب ان يقال ان المراد من الشك في قوله- عليه السّلام-: «لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت» ليس الشك الذي تعلق بما تعلق به اليقين و هي الطهارة بل المراد هو الشك في وجود الحدث الناقض لها فالمعنى- ح- انه لا يضر الشك في وجود الحدث لأنه يبنى على عدمه فيؤخذ بمقتضى اليقين السابق فهو اى اليقين السابق ليس له دخل في جريانه بل الرجوع اليه من باب انه إذا وجب البناء على عدم حدوث الحادث فالواجب الرجوع الى الحالة السابقة.

و الجواب عنه ما حقق في محله من ظهور النهى عن نقض اليقين بالشك في مدخلية اليقين و ركنيته في الحكم و هو لا ينطبق الا على الاستصحاب.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان أصالة العدم لا تكون أصلا مستقلا معتبرا بل المعتبر في جريانها وجود شرائط الاستصحاب و عمدتها ثبوت الحالة السابقة المتيقنة فالحكم بابتناء المسألة على الشرطية و المانعية كما

عرفت من الجواهر غير تام.

و اما الاستصحاب فلا بد قبل البحث عن جريانه من ملاحظة مقدمة و هي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 302

..........

______________________________

ان المانعية الشرعية المجعولة بالإضافة الى أجزاء غير المأكول و هي كما عرفت أمر وجودي و وصف ثبوتي من دون ان يرجع الى قيدية العدم و مدخليته في المأمور به كمدخلية وجود الشرائط فيه هل يكون موضوعها ثبوت حالة للمصلي في ظرف الصلاة و هو كونه لابسا لاجزاء غير المأكول فالمانع وصف المصلى في ظرفها كاعتبار كون المصلى طاهرا من الحدث و الخبث في مسألة شرطية الطهارة.

أو ان موضوعها ثبوت وصف للباس بمعنى ان اتصاف اللباس بكونه من أجزاء غير المأكول مانع شرعا عن الصلاة و صحتها نظير الشرائط المعتبرة فيها من جهة الزمان و المكان الراجعة إلى كون ما يصلى فيه أو عليه يلزم فيه كذا و كذا.

أو انّ موضوعها ثبوت وصف لنفس الصلاة بمعنى ان اتصاف الصلاة بكونها واقعة في غير المأكول بحيث كان غير المأكول ظرفا لها مانع عن تحققها و اتصافها بالصحة.

فإن كانت المانعية المجعولة في المقام بالنحو الأول فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه لأن المصلي قبل لبسه لهذا اللباس المشكوك كان غير لابس لاجزاء غير المأكول قطعا و بعد لبسه له يشك في انتفاء هذه الصفة و مقتضى الاستصحاب بقائها فالآن كما كان من عدم كونه لابسا لشي ء من اجزائها نعم يعتبر في جريان هذا الاستصحاب- مضافا الى القول بجريان الاستصحاب في الأحكام العدمية كجريانها في الأحكام الثبوتية لأن مجرد كون الحكم بالثبوت باختيار الشارع و بيده يكفي في جريانه بالإضافة إلى العدم- عدم اختصاص جريانه بما إذا كان المستصحب موضوعا

للأثر مستقلا بل يجرى فيما إذا كان جزء لموضوعه أو دخيلا فيه و لو بنحو المانعية فالاستصحاب على هذا النحو مما لا مانع منه.

و ان كانت المانعية بالنحو الثاني و هو ما كان موضوعها خصوصية في اللباس فلا مجال لجريان الاستصحاب لعدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة فان اللباس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 303

..........

______________________________

من أول وجوده كان مشكوكا فيه نعم يجرى الاستصحاب بناء على هذا الوجه في بعض فروض المسألة و هو ما إذا شك في تلطخ لباسه غير المشكوك باجزاء غير المأكول و مصاحبته معها- بناء على بطلان الصلاة في صورة التلطخ بها كما قويناه سابقا- فإنه يجري- ح- استصحاب عدم التلطخ و عدم المصاحبة كما لا يخفى.

و ان كانت المانعية بالنحو الثالث فلا مجال أيضا لجريان الاستصحاب فيه لما ذكر من عدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة و الظاهر ان المستفاد من أدلة المانعية في المقام هو هذا النحو فإن موثقة ابن بكير المتقدمة الدالة على فساد الصلاة في وبر كل ما يحرم اكله و كذا في سائر اجزائه ظاهرة في ان الفساد ناش من وقوع الجزء المذكور ظرفا للصلاة فاتصافها بكون ظرفها و بر غير المأكول موجب للفساد و مانع عن الصحة و كذا ما يدل على النهى عن الصلاة في جلد غير المأكول ظاهر في ان المانع هو اتصاف الصلاة بوقوعها في جلده فالمانع بحسب ظاهر الأدلة هو الوصف و الخصوصية المتحققة في الصلاة و هو ليس له حالة سابقة لعدم العلم بهذا الوصف بالإضافة إلى الصلاة المشكوكة في زمن من الأزمنة نعم ربما يقرر الاستصحاب بناء على هذا الوجه بوجوه:

الأول: ان يقال ان الصلاة حين ما

لم تكن موجودة لم تكن في أجزاء غير المأكول فهذه القضية السالبة بانتفاء الموضوع المستلزم لانتفاء المحمول كانت متيقنة قد شك في بقائها بعد تحقق الموضوع فلا مانع من استصحابها و يترتب عليه انتفاء المحمول و هو المطلوب.

و يرد عليه- مضافا الى انه لا تبعد دعوى أن القضية السالبة بانتفاء الموضوع مغايرة عرفا للقضية السالبة بانتفاء المحمول و مجرد اتحادهما لفظا و صورة لا يوجب اتحادهما حقيقة و مع المغايرة لا مجال للاستصحاب للزوم اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة- ان استصحاب الحالة الصادقة مع انتفاء الموضوع و ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 304

..........

______________________________

كان صحيحا من حيث وجود الحالة السابقة الّا ان تطبيق تلك الحالة على الحالة اللاحقة المشروطة بوجود الموضوع يكون بحكم العقل فيصير- ح- من الأصول المثبتة التي لا نقول بها.

الثاني: ان العدم النعتي و ان كان موضوعا في أدلة غير المأكول الّا انه لا ينافي جريان الاستصحاب بالنسبة إلى العدم الأزلي و توضيحه يتوقف على بيان مقدمتين:

الاولى: ان معنى أخذ العام موضوعا للحكم هو ملاحظته مع جميع الحالات الطارية فمرجع قوله: أكرم العلماء الى قوله أكرم العلماء سواء كانوا عدولا أم لا، و سواء كانوا هاشميين أم لا، و سواء كانوا كذا و كذا أم لا فكل واحدة من هذه الصفات ملحوظة مع نقيضها في مقام الحكم.

الثانية: انه إذا دلّ الدليل على خروج بعض تلك العوارض عن حكم العام تكون بقية العوارض و العناوين داخلة فيه بلا لزوم تعنونه بعنوان كونه غير ذلك العنوان الخاص الخارج عنه فإذا شك في صدق عنوان الخاص على فرد و لم تكن له حالة سابقة و كان لبعض العناوين الباقية

حالة سابقة يستصحب ذلك العنوان و يحكم عليه بحكم العام ففي مثل قوله: «كل أمرية ترى دم الحيض الى خمسين» يكون مفاده ثبوت هذا الحكم على جميع العناوين سواء كانت المرأة قرشية أو كانت غير قرشية على نحو مفاد كان الناقصة أو كانت المرأة التي لم توجد بينها و بين قريش نسبة أو لم توجد بينها و بين غير قريش نسبة على نحو مفاد ليس التامة فان نقيض كل شي ء رفعه و رفع مفاد كان الناقصة ليس خصوص ليس الناقصة بل أعم منها و من ليس التامة فإذا دل الدليل على خروج القرشية و انها ترى الدم الى ستين لم يكن خروجها موجبا لتعنون العام بل مقتضاه خروج هذا العنوان و بقاء البقية تحت العام فإذا شك في كون المرأة قرشية أم لا فإنه و ان لم تكن له حالة سابقة على نحو مفاد كان الناقصة الا انه لا ينافي إحراز عدم القرشية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 305

..........

______________________________

على نحو «ليس التامة» باستصحاب العدم الأزلي و المفروض بقاء هذا العنوان تحت العام فيشمله حكمه و هكذا الكلام في المقام.

و يرد على هذا الوجه- مضافا الى إمكان منع كلتا المقدمتين لأنّ مرجع العموم إلى ملاحظة جميع الافراد بعنوان كونها من مصاديق العام فقط لا إلى ملاحظة جميع العناوين و الحالات الطارية فالعالم العادل ملحوظ بما انه عالم و كذا العالم الهاشمي لا بما انهما عالم عادل و عالم هاشمي بل يمكن دعوى عدم معقولية ملاحظة الحالات المتضادة في موضوع الحكم بحيث كان لكل حالة مدخلية في ترتب الحكم و ثبوت الأثر و كذا مرجع التخصيص الى تعنون العام بعنوان كونه غير

ذلك العنوان الخاص فإنه و ان لا يكون مستلزما للمجازية الموجبة لاستعمال العام من الأول في غير عنوان المخصص الا ان تصرفه في الإرادة الجدية و قصرها فيما عدي ذلك العنوان مما لا مجال لإنكاره فالارادة الجدية متعلقة بعنوان كونه غيره.

انه على تقدير تسليم كلتا المقدمتين نقول ان عدم تحقق النسبة بنحو ليس التامة لا يكون له حالة سابقة لأن النسبة من الأمور ذات الإضافة و متقومة بالمنتسبين و ح نقول ان عدم تحقق النسبة ان كان المراد به هو عدم تحققها بنحو كلى لا مضافة إلى مرية خاصة فهو و ان كان له حالة سابقة الا ان انتقاض تلك الحالة مسلم و لا شك فيه أصلا و ان كان المراد به هو عدم تحققها بالإضافة إلى مرية خاصة وقع الشك في قرشيتها فهو ليس له حالة سابقة بوجه فهذا الوجه أيضا غير تام.

الثالث: الاستصحاب التعليقي بأن يقال ان المصلّى كان قبل لبس المشكوك بحيث لو صلى لم تكن صلوته واقعة في غير المأكول و بعد لبسه يشك في بقاء هذه القضية التعليقية فتستصحب و يحكم ببقائها.

و الجواب عنه- مضافا الى ان جريان الاستصحاب التعليقي محل خلاف و اشكال- ان مورده ما إذا كان التعليق واقعا في لسان الدليل الشرعي مثل قوله: العنب إذا غلا يحرم سواء قلنا بان مفاده جعل الحرمة على نحو الواجب المشروط بان يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 306

..........

______________________________

المجعول هو الحكم على تقدير تحقق المعلق عليه أو قلنا بان مفاده جعل الملازمة بين الغليان و الحرمة أو سببيّة الاولى للثاني.

و اما إذا كان التعليق غير واقع في لسان الدليل الشرعي كالتعليق الاختراعى في مثل هذا

الوجه فلا مجال لدعوى جريان استصحابه أصلا كما لا يخفى.

ثم انه ربما يقال بأنه لا مانع من جريان الاستصحاب بناء على الوجه الأخير الذي عرفت انه هو الظاهر من أدلة المانعية في المقام لكن لا في جميع فروض المسألة بل في خصوص ما إذا شرع في الصلاة في اللباس مع العدم بعدم كونه من أجزاء غير المأكول ثم القى عليه بعد الشروع ما يشك في كونه من اجزائه فإنه يصدق أن الصلاة لم تكن في أجزاء غير المأكول قبل إلقاء المشكوك عليه و الان تكون كما كانت فالحالة السابقة المتيقنة موجودة في هذه الصورة بناء على ان تكون الصلاة عبارة عن الحالة الخاصة العبادية المتحققة بأول جزء منها و المستمرة إلى آخر اجزائها و الافعال و الأقوال المخصوصة انما هي الأمور التي يجب ان يشتغل بها في حالها و يؤيده التعبير بالفراغ عنها بعد تحقق الجزء الأخر و كذا توصيفها بان تحريمها التكبير و تحليلها التسليم و غير ذلك من التعبيرات الظاهرة في عدم توقف تحقق عنوانها على تحقق الجزء الأخر أيضا كما هو الشأن في المركبات حيث انه لا تحقق لها بوجه قبل تحقق اجزائها بأسرها فبناء على الوجه الأول يصدق أن الصلاة لم تكن في أجزاء غير المأكول و لا مانع من استصحاب هذه الخصوصية و الحكم ببقائها من دون لزوم إحراز كون اللباس من غير المأكول حتى يصير مثبتا لان المفروض هو الوجه الثالث نعم لو كانت الصلاة عبارة عن مجموع الافعال و الأقوال المخصوصة بحيث كان تحققها متوقفا على الإتيان بالجزء الأخر أيضا لما كانت الحالة السابقة المتيقنة متحققة كما هو ظاهر.

و أورد على ذلك سيدنا الأستاذ البروجردي- قده- بأنه على

هذا التقدير أيضا لا مجال لجريان الاستصحاب لأنها و ان كانت متحققة بمجرد الشروع و المفروض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 307

..........

______________________________

العلم بعدم وقوعها في اللباس المشكوك الا ان المستفاد من أدلة المانعية انه يعتبر ان لا تكون من أول حدوثها الى آخر بقائها واقعة في شي ء من أجزاء غير المأكول و المفروض الشك في ذلك فاليقين بوجود الحالة السابقة منتف كما في غير هذه الصورة و يمكن دفع الإيراد بأنا لا ننكر ان المستفاد من أدلة المانعية ما افاده- قده- و الا لم تكن حاجة الى الاستصحاب بل كان وقوع ركعة منها- مثلا- في المأكول كافيا و ان لم تكن البقية كذلك بل نقول ان مفاد تلك الأدلة قادحية الوقوع في غير المأكول و لو كان ذلك بالإضافة إلى لحظة منها فالمانع هذه الخصوصية و نحن لا ننكرها و لكنه لا يمنع عن جريان الاستصحاب فإن الصلاة كانت واقعة في المأكول قطعا و بضميمة الاستصحاب يثبت وقوع باقيها فيه أيضا و بذلك يتحقق ما هو المعتبر فيها و هو ان لا تكون من أول حدوثها الى آخر بقائها واقعة في أجزاء غير المأكول و بعبارة أخرى وقوع الصلاة بحسب الاستدامة في اللباس المشكوك لا يمنع عن وقوعها حقيقة خالية عن المانع كما انه لو فرض العلم بوقوع جزء منها في غير المأكول لا يمنع ذلك عن العلم بوقوعها حقيقة بلا مانع فإن الصلاة على هذا التقدير تصير كالطبيعة المتصفة بالوجود و العدم معا في آن واحد بلحاظ وجود بعض الافراد و عدم البعض الأخر غاية الأمر ان اتصافها بعدم الوقوع في غير المأكول لا يجدي بل اللازم إحراز عدم

القادح و هو الوقوع في غير المأكول و استصحاب الحالة السابقة المتيقنة يكفي في إحرازه و الحكم بعدم تحقق الصلاة في جزء غير المأكول الموجب لفسادها بمقتضى الموثقة و نحوها فالإنصاف تمامية الاستصحاب في هذه الصورة كما اختاره المحقق النائيني- قده- أيضا نعم فيما إذا كان الشك في أصل الوجود كما إذا شك في انه هل بال الخفاش محاذيا للمصلي بحيث لو بال لوقع عليه أو على ثوبه قطعا ربما يقال بجريان استصحاب عدم الوجود و عدم البول في المثال و لكن الظاهر انه مثبت لان استصحاب عدم البول لا يثبت الخصوصية في الصلاة المعتبرة بحسب ما هو المفروض فان ثبوت الخصوصية لازم عقلي لعدم الوجود فتدبر،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 308

..........

______________________________

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا في مسألة اللباس المشكوك ان الأظهر فيها هو القول بالجواز في جميع فروض المسألة لجريان البراءة العقلية و النقلية و أصالة الحلية مضافا الى جريان الاستصحاب في بعض الفروض فلا مانع من الصلاة فيه و ان كان الترك مقتضى الاحتياط الذي يحسن على كل حال.

كما ان القائل بالاحتياط اللزومي كسيدنا الأستاذ- قدس سره- قد نفى البعد عن جواز الاعتماد على اخبار البائع المسلم بعدم كونه من أجزاء غير المأكول لبناء العقلاء على الاعتماد على قول ذي اليد فيما يتعلق بما في يده من الطهارة و النجاسة و الحلية و الحرمة و القلة و الكثرة و غير ذلك من الأمور المتعلقة به مع تأييد هذا البناء بما ورد في الاخبار من بيان حكم الصلاة في وبر الأرانب و الثعالب و الفنك و نحوها لان من المعلوم ان أكثر أهل العرف لا يميزون وبر

الأرانب- مثلا- عن غيره الا باخبار صاحبه فالعمدة في تشخيصه هو قول ذي اليد فيجب ترتيب الآثار عليه.

و كذا نفى البعد عن القول بجواز الصلاة في الثوب الذي يحتمل وقوع شعرات غير المأكول أو رطوباته عليه لاستقرار السيرة على الصلاة في مثله من دون تفحص و تتبع عن وجودها و هذا بخلاف الصلاة في الثوب الذي علم بوجود الشعر فيه و لكن احتمل ان يكون من غير المأكول لعدم ثبوت السيرة في هذه الصورة.

أقول الظاهر ان الاعتماد على قول ذي اليد لا يتوقف على كونه مسلما فإنه لا فرق في بناء العقلاء على الاعتماد عليه بين المسلم و الكافر نعم الاختلاف بينهما انما هو بالإضافة إلى نفس اليد في بعض الموارد كالميتة و المذكى على ما عرفت مفصلا.

كما ان الظاهر ان استقرار السيرة على الصلاة في الفرض الأول ليس لخصوصية فيه بل لأجل عدم كون الاحتمال بمجرده مانعا عن جواز الصلاة فيه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 309

[مسألة- 11 لا بأس بالشمع و العسل و الحرير الممتزج و أجزاء مثل البق و البرغوث و الزنبور]

مسألة- 11 لا بأس بالشمع و العسل و الحرير الممتزج و أجزاء مثل البق و البرغوث و الزنبور و نحوها مما لا لحم لها، و كذلك الصدف. (1)

______________________________

فلا فرق بينها و بين الصورة الثانية أصلا هذا تمام الكلام فيما يتعلق بحكم الصلاة في اللباس المشكوك فيه و الحمد للّٰه أولا و آخرا.

(1) أما إجزاء الحيوانات التي لا لحم لها فمن هذه الحيثية الكلية قد تقدم البحث عنها في أصل البحث عن مانعية غير المأكول فراجع و اما من غير هذه الجهة فقد تحقق الإجماع في الحرير المحض و دم البق و البراغيث و القمل مضافا الى صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد

اللّٰه- عليه السّلام- عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال: لا و ان كثر فلا بأس أيضا بشبهه من الرعاف ينضحه و لا يغسله. «1»

و رواية محمد بن ريان قال كتبت الى الرجل- عليه السّلام- هل يجرى دم البق مجرى دم البراغيث؟ و هل يجوز لأحد ان يقيس بدم البق على البراغيث فيصلى فيه و ان يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقع- عليه السّلام- يجوز الصلاة، و الطهر منه أفضل. «2»

و صحيحة على بن مهزيار قال. كتبت الى أبي محمد- عليه السّلام- اسئله عن الصلاة في القرمز و ان أصحابنا يتوقفون عن الصلاة فيه فكتب لا بأس به مطلق و الحمد للّٰه.

و ذكر الصدوق- عليه الرحمة- بعد نقل الرواية: «قال الصدوق: و ذلك إذا لم يكن القرمز من إبريسم محض و الذي نهى عنه ما كان من إبريسم محض. «3»

و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.

و اما الصدف فقد علل الجواز فيه في «العروة» بعدم معلومية كونه جزء من

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب العشرون ح- 7

(2) الوسائل أبواب النجاسات الباب الثالث و العشرون ح- 3

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الرابع و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 310

[مسألة- 12 استثنى مما لا يؤكل الخز و كذا السنجاب على الأقوى]

مسألة- 12 استثنى مما لا يؤكل الخز و كذا السنجاب على الأقوى، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في الثاني، و ما يسمونه الان بالخز و لم يعلم انه منه و اشتبه حاله لا بأس به، و ان كان الأحوط الاجتناب عنه. (1)

______________________________

الحيوان و على تقديره لم يعلم كونه ذا لحم، و في صحيحة على بن جعفر عن أخيه أبي الحسن

الأول- عليه السّلام- قال لا يحل أكل الجري و لا السلحفاة و لا السرطان قال:

و سألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر و الفرات أ يؤكل؟ قال: ذلك لحم الضفادع (و- خ ل) لا يحل اكله. «1» و لا منافاة بينها و بين التعليل المذكور لان مجرد انعقاد اللحم في الصدف و كونه ظرفا له لا يوجب ان يكون الصدف جزء من اللحم أو من الحيوان كما لا يخفى.

و تظهر من الرواية ظرفية الصدف للحم الضفادع و عليه فالظاهر ان الصدف الذي هو ظرف للؤلؤ- الذي نفى الاشكال في العروة عن الصلاة فيه معللا بعدم كونه جزء من الحيوان- غير الصدف الذي هو ظرف اللحم المذكور كما انه لو فرض الإشكال في الصدف فلا يلازم ذلك الإشكال في اللؤلؤ أصلا.

(1) اما الكلام في الخز فنقول قد تطابقت الفتاوى و النصوص على استثنائه عن عموم الأدلة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول و على صحة الصلاة فيه و لكن مورد تطابقهما هو وبر الخز الخالص، و لفظ الوبر و ان لم يكن مذكورا في عبارات القدماء من الأصحاب بل المذكور فيها هو الخز الخالص الا ان ما يتصور فيه هذا الوصف و مقابله انما هو الوبر دون الجلد ضرورة انه لا يتصور فيه المغشوشية بوجه فهذا الوصف راجع الى خصوص الوبر و الغرض منه الاحتراز عما إذا كان له خليط مثل وبر الأرانب و الثعالب، و احتمال كون المستثنى شاملا للجلد أيضا و الوصف راجعا الى خصوص الوبر في كمال البعد.

و كيف كان فاستثناء الوبر مما لا اشكال فيه و لا خلاف و اما الجلد فالمعروف

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأطعمة المحرمة الباب السادس عشر

ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 311

..........

______________________________

خصوصا بين المتأخرين استثنائه أيضا لكن المحكي عن ابن إدريس و العلامة في كتابي التحرير و المنتهى التفصيل بين الوبر و الجلد.

و لا بدّ أولا من بيان الموضوع و تنقيح معنى الخز لكثرة الاختلاف في ذلك بين الفقهاء- رض- فنقول:

قال في لسان العرب: «الخزز: ولد الأرانب، و قيل هو الذكر من الأرانب و الجمع اخزة و خزان مثل صرد و صردان، و ارض مخزّة كثيرة الخزان. و الخز معروف من الثياب مشتق منه عربي صحيح و هو من الجواهر الموصوف بها حكى سيبويه: مررت بسرج خز صفته قال و الرفع الوجه، يذهب الى ان كونه جوهرا هو الأصل قال ابن جنى: و هذا مما سمى فيه البعض باسم الجملة كما ذهب إليه في قولهم: هذا خاتم حديد و نحوه. و الجمع خزوز و منه قول بعضهم: فإذا أعرابي يرفل في الخزوز و بايعه خزاز. و في حديث على- عليه السّلام- نهى عن ركوب الخز و الجلوس عليه. قال ابن الأثير: الخز المعروف أوّلا ثياب تنسج من صوف و إبريسم و هي مباحة قال: و قد لبسها الصحابة و التابعون فيكون النهى عنها لأجل التشبه بالعجم و زيّ المترفين، قال و ان أريد بالخز النوع الأخر و هو المعروف الان فهو حرام لانه كله معمول من الإبريسم قال: و عليه يحمل الحديث الأخر، قوم يستحلون الخز و الحرير».

و ليس في كلامه و كذا كلام ابن الأثير- الذي حكاه- اشعار بكون الخز حيوانا أو انه الثوب المأخوذ من حيوان خاص أصلا و نظيره كلام «المنجد» حيث قال: «الخز، الحرير، ما نسج من صوف و حرير جمع

خزوز» و الخزز ذكر الأرانب جمع خزان و اخزة، و الخزاز بايع الخز، و المنخزة موضع الأرانب نعم ذكر في معنى «القندس» الذي حكى المحقق في المعتبر عن جماعة من التجار انه هو الخز و ان لم يثبت عنده، انه نوع من الحيوانات المائية له ذنب مفلطح قوى و لون أحمر قاتم يتخذ منه الفراء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 312

..........

______________________________

و قال الفيومي في المصباح: «الخز اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها و الجمع خزوز مثل فلس و فلوس، و الخزز الذكر من الأرانب و الجمع خزان كصرد و صردان» و قال في ترجمة قاموس:» خزاز جامه ها بفتح أول معروف است و جمع آن خزوز بر وزن سرور مى آيد- مترجم گويد كه خز جانوريست مانند سمور كه از پوست آن پوستين و غير آن ساخته مى شود و ممكن است كه مراد از جامۀ خز همين باشد يا آن كه از موى آن جامه مى بافند يا آن كه خز جامه ابريشمين را مى گويند- الى ان قال: و خزز بر وزن صرد يعنى نر خرگوشان و جمع آن خزان و اخزة مى آيد و جاى خرگوشها مخزه است، و از اين اشتقاق شده است خز و آن حيوانى شبيه به نر خرگوش است كه از پوست آن پوستين مى بافند كه مذكور شد».

و قال في منتهى الارب: «خز بالفتح جانوريست و جامه از پشم آن جمع خزوز، و خزز كصرد خرگوش نر جمع خزان و اخزه و منه اشتق الخز».

و قال في برهان قاطع: «خز با تشديد ثاني در عربي جانوريست معروف كه از پوست آن پوستين سازند و جامۀ ابريشمى را

نيز گفته اند».

و المستفاد من المصباح و من بعده انه حيوان يؤخذ من صوفه أو وبره أو شعره الثوب و ان إطلاقه على الثوب انما هو بلحاظه و لكن ليس في شي ء منها اشعار بكونه من الحيوانات المائية بل ظاهرها عدم كونه منها نعم قد عرفت من «المنجد» في تفسير «القندس» انه نوع من الحيوانات المائية.

و يدل على ذلك أيضا روايات منها: ما رواه الكليني عن على بن محمد عن عبد اللّٰه بن إسحاق العلوي عن الحسن بن على عن محمد بن سليمان الديلمي عن قريب (غريب- خ ل) عن ابن أبي يعفور قال كنت عند أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 313

..........

______________________________

فقال لا بأس بالصلاة فيه فقال له الرجل: جعلت فداك انه ميت و هو علاجي و انا أعرفه فقال له أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- انا أعرف به منك، فقال له الرجل انه علاجي و ليس أحد أعرف به منى فتبسم أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- ثم قال له: أ تقول انه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل: صدقت جعلت فداك هكذا هو، فقال له أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- فإنك تقول: انه دابة تمشي على اربع و ليس هو في حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء؟ فقال له الرجل:

اى و اللّٰه هكذا أقول، فقال له أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- فان اللّٰه تعالى أحله و جعل ذكاته موته كما أحل الحيتان و جعل ذكاتها موتها. «1»

و الظاهر ان المراد

من قوله- عليه السّلام- في الذيل: فان اللّٰه تعالى أحله هي- حلية استعمال جلده و وبره و الانتفاع بهما في الصلاة و اللبس لا حلية أكل لحمه كحلية لحم الحيتان و ذلك مضافا الى تحقق الإجماع على حرمة الحيوانات المائية عدي السمك الذي له فلس يكون نفس استثناء الخز في الفتاوى عن عموم الأدلة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول دليلا على كون الخز محرم الأكل و الا يصير الاستثناء منقطعا و لا مجال له في مثل المقام مما كان المقصود بيان الاحكام كما لا يخفى.

هذا و لكن الرواية ضعيفة السند جدا لانه مضافا الى انحصار النقل عن قريب بهذه الرواية و عدم وجوده في شي ء من روايات العامة و الخاصة يكون بعض رواتها مجهولا و بعضها غير موثق و البعض الثالث مرميا بالغلو فلا مجال للاعتماد عليها بوجه.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- رجل و انا عنده عن جلود الخز فقال ليس بها بأس فقال الرجل: جعلت فداك إنها علاجي (في بلادي) و انما هي كلاب تخرج من الماء فقال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- إذا خرجت

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 314

..........

______________________________

من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا قال ليس به بأس. «1»

فإن ظهورهما في كونه حيوانا مائيا يكون خروجه من الماء موجبا لانقطاع حياته و زوال تعيشه كالحيتان لا خفاء فيه كما ان ظاهرهما انحصار الخز بذلك و عدم وجود مصداق آخر له غير مائي و عليه فيشكل الأمر في الخز المشهور في هذا الزمان لشهادة التجار بأنه

حيوان برّى يقع عليه الذبح قال العلامة المجلسي- قده- في محكي البحار: «اعلم ان في جواز الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخز و شعره و وبره اشكالا للشك في انه هل هو الخز المحكوم عليه بالجواز في عصر الأئمة- عليهم السّلام- أم لا بل الظاهر انه غيره لانه يظهر من الاخبار انه مثل السمك يموت بخروجه من الماء و ذكاته إخراجه منه، و المعروف بين التجار ان المسمى بالخز الان دابة تعيش في البر و لا يموت بالخروج من الماء الا ان يقال انهما صنفان بري و بحري و كلاهما تجوز الصلاة فيه و هو بعيد، و يشكل التمسك بعدم النقل و اتصال العرف من زماننا الى زمانهم- عليه السّلام- إذ اتصال العرف غير معلوم إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين أيضا- رض- و كون أصل عدم النقل في مثل ذلك حجة غير معلوم».

هذا و الظاهر ان أصالة عدم النقل على تقدير حجيتها لا تجدي في المقام بعد ظهور الروايات في بيان موضوع الخز المستثنى و دلالتها على انه حيوان مائي كالحوت فان هذا التعريف لو لم يكن تعريفا للخز مطلقا فلا أقل من دلالته على انه الموضوع للحكم بجواز الصلاة كما هو ظاهر مع ان اختصاص الخز في هذا الزمان بالحيوان البري ممنوع لشهادة بعض الفضلاء من البحث بأنه الان حيوان بحري يصطاد من الماء و يؤخذ من جلده الثوب الثمين الذي يرغب فيه المتنعمون و قد ادعى انه بنفسه قد باشر لصيده و ان خصوصياته هي المذكورة في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة نعم ذكر ان وبره بمجرده لا يمكن أخذ الثوب منه لان لصوقه بالجلد و قصره

مانع عن

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب العاشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 315

..........

______________________________

قطعه و هذا لا ينافي ما يدل عليه بعض الروايات من إمكان أخذ الثوب من وبره أيضا كرواية سعد بن سعد عن الرضا- عليه السّلام- قال سألته عن جلود الخز فقال هو ذا نحن نلبس فقلت ذاك الوبر جعلت فداك قال: إذا حل وبره حل جلده. «1» فالحيوان البري الذي يطلق عليه الخز ان كان غير مأكول اللحم لا دليل على جواز الصلاة في اجزائه و ان كان مشكوكا فالحكم فيه هو حكم الصلاة في اللباس المشكوك على تقدير عدم جريان أصالة الحلية بالإضافة إلى لحمه و كيف كان فقد عرفت ان جواز الصلاة في وبر الخز مما تطابق عليه النص و الفتوى و اما جلده فمحل خلاف و المنسوب الى المشهور هو الجواز و لا بدّ من ملاحظة الروايات فنقول: اما رواية ابن أبي يعفور فهي و ان كانت ظاهرة في جواز الصلاة في جلد الخز أيضا باعتبار الإطلاق و ترك الاستفصال بل السؤال الثاني الظاهر في الاعتراض يوجب انحصار محط السؤال في السؤال الأول بالجلد لان الوبر من الاجزاء التي لا تحلها الحياة بخلاف الجلد فكون الخز ميتا انما يوجب المنع عن الصلاة في الثاني دون الأول و بالجملة دلالة الرواية على جواز الصلاة في جلد الخز و ان كانت ظاهرة الا ان ضعف سندها كما عرفت يقدح في الاعتماد عليها.

و اما صحيحة ابن الحجاج فظاهرة في السؤال عن جلود الخز لا عن الصلاة فيها و من المعلوم انصرافه إلى السؤال عن جواز استعمالها في اللبس و الانتفاع بها فيه و هو لا

يستلزم جواز الصلاة فيها و منشأ الشبهة الموجبة للسؤال اما كون الخز ميتة بنظر السائل و المنع عن استعمال جلود الميتة واضح و اما النهي عن ركوب الخز و الجلوس عليه كما عرفت في محكي كلام ابن الأثير و قد رواه عن على- عليه السّلام- و يؤيده استشهاد الامام- عليه السّلام- في بعض الروايات بعد شرائه ثوب الخز بقوله تعالى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّٰهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ الآية فلا دلالة لمثل هذا السؤال على كون مورده حكم الصلاة أيضا.

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب العاشر ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 316

..........

______________________________

و منه يظهر عدم دلالة رواية سعد المتقدمة أيضا على ذلك لظهور سؤالها أيضا في اللبس و جواز الانتفاع بها فيه و دعوى كون كلمة «هوذا» كلمة واحدة مفادها الاستمرار و الدوام و ظاهرها الشمول لحال الصلاة أيضا مدفوعة بأنه على تقدير ظهور الكلمة فيما ذكر يكون موردها الوبر دون الجلد و الملازمة بين الحليتين كما في ذيل الرواية لا إطلاق لها يشمل الصلاة بعد كون السؤال ظاهرا بنفسه في السؤال عن الحكم التكليفي و ظهور قوله- عليه السّلام- في الجواب: نحن نلبس في هذا الحكم أيضا فالملازمة أيضا تنطبق على ذلك.

نعم يدل على شمول الحكم بالجواز للجلد أيضا إطلاق رواية معمر بن خلاد قال سألت أبا الحسن الرضا- عليه السّلام- عن الصلاة في الخز فقال: صل فيه. «1» فان إطلاق السؤال و ترك الاستفصال ظاهر في كون مورده الصلاة في جلد الخز أيضا و الاشكال فيه بان ذلك انما يتم لو كان المراد من الخز فيه الحيوان و هو غير ظاهر بل من المحتمل ارادة المنسوج من

وبره فإنه من معانيه أيضا كما يظهر من مكاتبة جعفر بن عيسى الى الرضا- عليه السّلام- يسأله عن الدواب التي يعمل الخز من وبرها .. «2»

مندفع بوضوح ان إطلاق الخز على المنسوج من وبر الحيوان الخاص المسمى بالخز ليس في عرض إطلاقه على نفس الحيوان بحيث كان له معنيان بل الإطلاق عليه انما هو بلحاظه و كون المنسوج منه وبره مع انه على تقديره يكفي الإطلاق في رفع هذا الاحتمال أيضا فتدبر.

ثم انه ربما يقال ان الشبهة في جواز الصلاة في جلد الخز ان كانت من جهة كونه من أجزاء غير المأكول فلا يبعد ان يقال بأنه بعد قيام الدليل من النص و الإجماع على استثناء الوبر تكون خصوصية الوبرية ملغاة بنظر العرف لان الظاهر ان أهل العرف لا يفهمون من استثناء الوبر الا استثناء الحيوان المسمى بالخز

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن ح- 5.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب العاشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 317

..........

______________________________

و انه تصح الصلاة في اجزائه وبرا كان أو جلدا أو غيرهما.

و ان كانت من جهة كونه ميتة اما لأجل انه لم يعلم وقوع التذكية و ثبوتها فيما عدي السمك من الحيوانات المائية و اما لأجل احتمال عدم كون خروجه من الماء علة لموته كما يظهر من بعض الروايات حيث انه أجاب الإمام- عليه السّلام- فيه عن السؤال عن الخز بأنه سبع يرعى في البر و يأوي الماء فالحكم بجواز الصلاة في جلده محل اشكال و لا ينفع في ذلك إطلاق رواية معمر بن خلاد المتقدمة لأن النسبة بينها و بين ما يدل على المنع عن الصلاة في الميتة عموم من

وجه و لا دليل على ترجيحها عليه في مورد الاجتماع و هي الصلاة في جلد الخز.

أقول اما إلغاء الخصوصية في الفرض الأول فمحل نظر بل منع لان استثناء الوبر لا دلالة له بوجه على استثناء الحيوان بجميع اجزائه حتى عظمه و لحمه و روثه و أشباهه نعم لو كان الوبر متصلا بالجلد و ملصقا به نوعا يكون استثنائه دالا بالملازمة العرفية على استثناء الجلد أيضا و اما مع استقلاله و جواز أخذ الثوب من خصوصه كما عرفت انه يستفاد ذلك من رواية سعد المتقدمة فلا ملازمة بين الاستثناءين.

و اما احتمال كونه ميتة فعلى تقدير كونه حيوانا مائيا لا يعيش في خارج الماء فالظاهر انه- ح- لا يكون مما له نفس سائلة و قد مر في مبحث مانعية الميتة استظهار عدم كون الميتة من غير ذي النفس مانعة و ان احتاط فيها الماتن- دام ظله.

و على تقدير احتمال تعيشه في خارج الماء نقول يدفع هذا الاحتمال صريح رواية ابن الحجاج المتقدمة و لا يبقى مجال له معها و الجمع بينها و بين الرواية المذكورة- كما في الجواهر- بحملها على إرادة انه لا يعيش خارج الماء زمانا طويلا على تقدير صحته و الغض عن عدم الشاهد عليه لا ينافي كون هذا المقدار الذي يعيش في خارج الماء غير قادح في ثبوت التذكية فيه و موته خارج الماء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 318

..........

______________________________

و ان كان متأخرا عن الخروج بمقدار قصير كما لا يخفى.

مع ان تعارض الدليلين في مورد الاجتماع و ان كان يمنع عن الأخذ بأحدهما فيه بعد عدم ثبوت المرجح الا ان تساقطهما فيه يوجب جواز الرجوع الى الأصل العملي و

هو يقتضي البراءة عن المانعية في جلد الخز فيصير الحكم هو جواز الصلاة فيه.

فانقدح من جميع ما ذكرنا ان الأقوى استثناء الجلد كالوبر و ان كان الاحتياط لا ينبغي تركه.

ثم انك عرفت ان ظاهر عبارة القدماء من الأصحاب تقييد الخز المستثنى بكونه خالصا في مقابل المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب و أشباههما و قد وقع هذا التقييد في بعض الروايات و هي مرفوعة أيوب بن نوح قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام الصلاة في الخز الخالص لا بأس به فاما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه. «1» و عن المحقق في المعتبر انه حكى عن جماعة من علمائنا انعقاد الإجماع على العمل بمضمونه. و لأجله لا يبقى موقع لرواية بشير بن بشار قال سألته عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب فكتب: يجوز ذلك «2» و قد حملها الشيخ- قده- على التقية و يمكن حملها على محامل أخر و على تقدير عدمه لا بدّ من ان تطرح.

و بالجملة فاعتبار هذا القيد في المستثنى مما لا اشكال فيه انما الإشكال في تشخيص معناه و انه هل يقدح في تحققه ما إذا كان المغشوش به شيئا يسيرا غير معتد به بل و ما إذا كان مستهلكا بحيث زالت حقيقته و استهلك في وبر الخز أولا يقدح فيه ذلك أو يكون بين الصورتين فرق؟ وجوه و احتمالات و قبل ترجيح أحد الوجوه لا بدّ من من ملاحظة ان مقتضى كون الخطابات الشرعية واردة على طبق المفاهيم العرفية

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب التاسع ح- 1.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب التاسع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الصلاة، ص: 319

..........

______________________________

و انه يجب الرجوع في تشخيص معاني العناوين المأخوذة في الأدلة إلى العرف هل هو الرجوع إليهم في المفاهيم و لو مع التسامح في مصاديقها أو ان مقتضاه الرجوع إليهم في تعيين المفاهيم و الدقة في التطبيق على المصاديق و لو كان على خلاف العرف فإذا ورد لفظ «المد» مثلا في دليل فاللازم الرجوع الى العرف في في استكشاف معناه فإذا فسره بمقدار معين فالواجب مراعاة ذلك المقدار من دون نقص و ان كان العرف يتسامح في مقام التطبيق و يحكم بتحققه مع النقص عن ذلك المقدار بقليل؟ غير خفي ان الظاهر هو الوجه الثاني و انه لا اعتبار في المسامحات العرفية أصلا.

إذا عرفت ذلك فنقول الظاهر ان لفظ «الخالص» المأخوذ في لسان النص و الفتوى يكون المتفاهم منه عند العرف خلو الشي ء عن غير حقيقته رأسا بحيث إذا كان الخليط شيئا يسيرا غير معتد به أيضا لا ينطبق عليه هذا المفهوم العرفي بالنظر الدقى و ان كان يتحقق بالنظر المسامحي بل لا يبعد ان يقال بعدم التحقق في صورة الاستهلاك أيضا فإن الاستهلاك و ان كان موجبا لانعدام حقيقة المستهلك و لا يتبين و لا يتميز نوعا الا انه لا يوجب بقاء المستهلك فيه على وصف الخلوص بل بل يوجب زواله فتدبر هذا تمام الكلام في الخز.

و اما السنجاب فقد وقع فيه الخلاف و الاشكال و قد نسب الجواز إلى الأكثر خصوصا بين المتأخرين تارة و الى المشهور اخرى و الى عامتهم ثالثة بل في محكي الذكرى عن المبسوط: لا خلاف في جواز الصلاة في السنجاب و الحواصل الخوارزمية.

و المحكي عن الصدوق و والده و الشيخ في الخلاف المنع و

كذا حكى عن الحلي في السرائر و جماعة من المتأخرين و متأخريهم بل عن الروض نسبته إلى الأكثر.

و يشهد للأول طائفة من الروايات كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سألته عن الفراء و السمور و السنجاب و الثعالب و أشباهه قال: لا بأس بالصلاة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 320

..........

______________________________

فيه. «1» و قد نقلها في الوسائل في باب آخر أيضا بهذه الكيفية: عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه سأله عن أشياء منها الفراء و السنجاب فقال لا بأس بالصلاة فيه. «2» فتوهم انهما روايتان كما في المستمسك و ان اشتمال الاولى على ما لا تجوز الصلاة فيه كالثعالب- مثلا- لا يمنع عن الاستدلال بالثانية الخالية عن ذكره مع انه من الواضح انهما رواية واحدة و ان الأشياء المسئول عنها في الرواية الثانية هي التي صرّح بها في الرواية الاولى.

و المراد بالفراء اما ما يظهر من بعض اللغويين من انه الحمار الوحشي و في المثل السائر: «كلّ الصيد في جوف الفراء» و اما ما يقال له بالفارسية «پوستين» و على الأول لا يكون من افراد غير المأكول و على الثاني الذي هو خلاف ظاهر السياق يمكن ان يكون المراد به هو الفرو المتخذ من المأكول كما هو الغالب و الشائع في الفراء و يمكن ان يكون المراد به مطلق الفراء و عليه فتكون الأدلة المانعة عن الصلاة في غير المأكول مخصّصة له. و المراد بكلمة «أشباهه» اما ما يكون مشابها للمذكورات من حيث كونه محرّم الأكل و اما ما يكون مشابها لها من حيث انه يؤخذ الثوب من وبره و بالجملة دلالة الرواية على الجواز

في المقام ممّا لا اشكال فيه.

و منها: صحيحة أبي علىّ بن راشد قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- ما تقول في الفراء أيّ شي ء يصلى فيه؟ قال اىّ الفراء؟ قلت: الفنك و السنجاب و السّمور قال: فصلّ في الفنك و السنجاب، فامّا السّمور فلا تصلّ فيه. «3» قال في الوافي:

«الفنك بالفاء و النون المفتوحتين حيوان غير مأكول اللحم يتخذ من جلده الفراء فروته أطيب أنواع الفراء» و قيل نوع من الثعلب الرومي و قيل نوع من جراء

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الرابع ح- 2.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث ح- 1.

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 321

..........

______________________________

الثعلب التركي و عن بعض انه يطلق على فرخ ابن آوى. و السمور كتنوّر حيوان ببلاد الرّوس و بلاد التّرك يشبه النّمس و منه اسود لا مع و أشقر.

و منها مرسلة مقاتل بن مقاتل قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الصلاة في السمور و السنجاب و الثعلب فقال: لا خير في ذا كلّه ما خلا السّنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم. «1»

و منها مكاتبة يحيى بن أبي عمران قال كتبت الى أبي جعفر الثاني- عليه السّلام- في السنجاب و الفنك و الخزّ و قلت جعلت فداك أحب ان لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب بخطّه الىّ: صلّ فيها. «2»

و منها رواية بشير بن بشار قال سألته عن الصلاة في الفنك و الفراء و السنجاب و السمور و الحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام ان أصلي فيه لغير تقية قال فقال: صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزمية و لا تصلّ في الثعالب

و لا السمّور. «3» و الحواصل طيور ببلاد خوارزم يعمل من جلودها بعد نزع الرّيش مع بقاء الوبر و يتخذ منه الفراء و قد ينسج من أوبارها الثياب.

و منها غير ذلك من الروايات الدالة على الجواز في السنجاب و يدل على الجواز في خصوصه رواية على بن أبي حمزة قال سألت أبا عبد اللّٰه و أبا الحسن- عليهما السّلام- عن لباس الفراء و الصلاة فيها فقال: لا تصلّ فيها الّا ما كان منه ذكيّا قلت أو ليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟ قال بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه، قلت: و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم و ليس هو مما نهى عنه رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- إذ نهى عن كل ذي ناب و مخلب. «4» و قد

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث ح- 2.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث ح- 6.

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث ح- 4.

(4) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 322

..........

______________________________

تقدم اختلاف النقل في جملة «و ما لا يؤكل لحمه ..» في أصل البحث عن مانعية غير المأكول فراجع.

و ربما يناقش في الاستدلال بهذه الروايات بان ما يدل منها على جواز الصلاة في خصوص السنجاب كالرواية الأخيرة لا يخلو من الضعف و الجهالة و الإرسال و ما يدل منها على جوازها فيه و في غيره مشتمل على ما لا تجوز الصلاة فيه كالثعالب حيث انه لا تجوز الصلاة فيها نصّا و إجماعا مضافا الى ان موثقة ابن بكير المتقدمة الواردة في أصل بحث

مانعية غير المأكول قد ورد في موردها خصوص السنجاب و غيره حيث ان السؤال فيها انما هو عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر و قد ورد في جوابه عموم الحكم بالمنع عن الصلاة في أجزاء كل ما لا يحلّ اكله و من الواضح ان تخصيص هذا العموم الوارد في مورده السنجاب بهذه الأخبار الدالة على جواز الصلاة فيه تخصيص مستهجن.

و مضافا الى دلالة بعض الروايات بعمومها على عدم جواز الصلاة في السنجاب أيضا كمكاتبة محمد بن على بن عيسى قال: كتبت الى الشيخ يعني الهادي- عليه السّلام- اسئله عن الصلاة في الوبر أيّ أصنافه أصلح فأجاب: لا أحب الصلاة في شي ء منه قال فرددت الجواب انا مع قوم في تقية و بلادنا بلاد لا يمكن أحدا أن يسافر فيها بلا وبر و لا يأمن على نفسه ان هو نزع وبره و ليس يمكن لنا ما يمكن للأئمّة فما الذي ترى ان نعمل به في هذا الباب؟ قال فرجع الجواب الىّ: تلبس الفنك و السمّور. «1»

و تندفع المناقشة بأن اشتمال الرواية الصحيحة على غير السنجاب لا يقدح في العمل بها بالإضافة إليه لأن قيام الدليل على عدم العمل برواية بالنسبة الى بعض مواردها لا يوجب طرحها رأسا مع ان صحيحة أبي على المتقدمة تشتمل على الفنك فقط زائدا على السنجاب و قد افتى بجواز الصلاة فيه جماعة و رواية

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الرابع ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 323

..........

______________________________

بشير بن بشار تدل على جوازه في خصوص السنجاب و الحواصل الخوارزمية و قد عرفت من الشيخ- قده- في المبسوط نفى الخلاف عن

جواز الصلاة فيهما.

كما ان المناقشة الأخيرة مندفعة بعدم ورود الدليل على عدم الجواز في خصوص السنجاب و العموم الشامل له كما في المكاتبة قابل للتخصيص كما أنه لا بدّ من تخصيصه بالخزّ لتطابق النص و الفتوى على الجواز فيه كما عرفت و إباء سياقها عن التخصيص يوجب طرحها لا العمل بعمومها كما لا يخفى.

انما المهم ملاحظة موثقة ابن بكير المتقدمة و ربما يجاب بان التخصيص المستهجن انما هو فيما إذا أريد إخراج جميع الأسباب الخاصة الوارد في موردها العموم عن تحته كما إذا كان السبب واحدا و أريد إخراجه عن تحت العام أو أزيد من واحد و أريد إخراج الجميع و اما إذا أريد إخراج بعضه كما في مثل المقام فلا نسلم استهجان التخصيص.

و أورد على هذا الجواب بما يظهر من صاحب الجواهر- قدس سره- من ان ورود بعض الافراد في مورد العموم يوجب ان يكون شمول العموم له و دلالته عليه بالنصوصية من دون فرق بين ما إذا كان الفرد واحدا أو أزيد و على الثاني بين ما إذا أريد إخراج الجميع أو البعض و عليه فاللازم ان يعامل مع الموثقة و مع أدلة التخصيص معاملة المتعارضين.

هذا و لكن التحقيق تبعا لسيدنا الأستاذ- قدس سره- ان ورود العام في مورد بعض الافراد لا يوجب النصوصية في مثل المقام لان غرض الامام- عليه السّلام- في مقام الجواب عن سؤال الراوي انما هو بيان أصل الحكم و الفرق بين الحيوانات المحللة و المحرمة في مقابل العامة القائلين بصحة الصلاة في أجزاء جميع الحيوانات و لذا اخرج لبيانه كتابا زعم انه إملاء رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- للاستشهاد عليه في مقابلهم مضافا الى ان غرض

السائل أيضا لم يكن هو السؤال عن حكم الأفراد الخاصة بل مقصوده هو السؤال عن حكم الحيوانات التي لم يكن أخذ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 324

[مسألة- 13 لا بأس بفضلات الإنسان كشعره و ريقه و لبنه]

مسألة- 13 لا بأس بفضلات الإنسان كشعره و ريقه و لبنه سواء كان للمصلي أو لغيره فلا بأس بالشعر الموصول بالشعر سواء كان من الرجل أو المرأة. (1)

______________________________

الثوب منها متعارفا و معمولا كالغنم و الإبل و غيرهما مما تعارف أخذ اللباس منه و لأجله كان حكمها معلوما لكل أحد من زمان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله.

و بالجملة لما كان التفصيل بين الحيوانات في جواز الصلاة في اجزائها و عدمه و الحكم بالفرق بينهما غير معلوم للناس قبل ذلك أراد الإمام- عليه السّلام- في مقام الجواب ان يبين ذلك بقانون كلى مذكور في كتاب الرسول- صلّى اللّٰه عليه و آله- و هو لا ينافي خروج بعض الأفراد المذكورة في السؤال عن تحت هذا الحكم الكلي كما لا ينافي خروج بعض الافراد غير المذكورة.

فالإنصاف ان النسبة بين الموثقة و بين الأدلة المجوزة للصلاة في السنجاب هي نسبة الدليل العام مع الدليل المخصص لا المتعارضين فاللازم التخصيص من دون استلزام للاستهجان بوجه.

نعم على تقدير التعارض يشكل الحكم بالجواز في السنجاب لعدم ثبوت الشهرة الفتوائية بالإضافة اليه و مخالفة العامة و ان كانت متحققة في مثل الموثقة الا ان الروايات المجوزة لأجل اشتمالها على المنع في مثل الثعالب الذي يجوز الصلاة فيه عند الناس لا مجال لحملها على التقية و قد عرفت ان الدليل المجوز الوارد في خصوص السنجاب لا يكون معتبرا من حيث السند.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الجواز في السنجاب هو

الأقوى بلحاظ الأدلة و رعاية قواعد العمل بها الا انه مع ذلك لا تكون المسألة صافية خصوصا مع عدم بناء أكثر القدماء عليه فتدبر.

(1) قد تقدم البحث في هذه المسألة في ذيل البحث عن أصل مانعية غير المأكول فراجع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 325

[الرابع: ان لا يكون الساتر بل مطلق اللباس من الذهب للرجال]
اشارة

الرابع: ان لا يكون الساتر بل مطلق اللباس من الذهب للرجال في الصلاة و لو كان حليا كالخاتم و نحوه بل يحرم عليهم في غيرها أيضا. (1)

[مسألة- 14 لا بأس بشد الأسنان بالذهب بل و لا بجعله غلافا لها أو بدلا منها]

مسألة- 14 لا بأس بشد الأسنان بالذهب بل و لا بجعله غلافا لها أو بدلا منها في الصلاة بل مطلقا نعم في مثل الثنايا مما كان ظاهرا و قصد به التزيين لا يخلو من اشكال فالأحوط الاجتناب و كذا لا بأس بجعل قاب الساعة منه و استصحابها فيها نعم إذا كان زنجيرها منه و علقه على رقبته أو بلباسه يشكل الصلاة معه بخلاف ما إذا كان غير معلق و ان كان معه في جيبه فإنه لا بأس به (2).

______________________________

(1) الكلام في هذا الأمر يقع في مقامين:

(2) الكلام في هذا الأمر يقع في مقامين:

المقام الأول في الحكم التكليفي المتعلق بلبس الذهب للرجال مطلقا في الصلاة و غيرها و الظاهر انه لم يقع التعرض لهذه المسألة في كتب قدماء أصحابنا الإمامية رضوان اللّٰه عليهم أجمعين و أول من تعرض له الشيخ- قده- في كتاب المبسوط الذي هو كتاب تفريعى له و لم يتعرض له المتأخرون عنه الى زمان الفاضلين المحقق و العلامة إلا النادر منهم و الظاهر ان حرمة لبس الذهب على الرجال محل وفاق بين من تعرض من الخاصة للمسألة و بين العامة و في الجواهر نفى وجدان الخلاف في الساتر منه بل و لا فيما تتم الصلاة به و ان لم يقع التستر به.

و قد ورد في هذا المقام روايات دالة على حرمة التلبس به للرجل أو التختم بالذهب له من دون ذكر علة أو مع التعليل بكونه زينة الآخرة اما ما ظاهره حرمة التلبس فمثل موثقة عمار

بن موسى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلى فيه لانه من لباس أهل الجنة. «1»

و مرسلة موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في الحديد انه حلية أهل النار و الذهب انه حلية أهل الجنة و جعل اللّٰه الذهب في الدنيا زينة النساء

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثلاثون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 326

..........

______________________________

فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه الحديث. «1»

و اما ما يدل على حرمة التختم بالذهب فهو أكثر الروايات الواردة في المقام كرواية جراح المدائني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: لا تجعل في يدك خاتما من ذهب. «2»

و رواية مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه- عليهما السّلام- ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- نهاهم عن سبع منها التختم بالذهب. «3»

و اما ما يدل على حرمة التختم به مع اشتماله على التعليل فكرواية روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله-: لأمير- المؤمنين- عليه السّلام- لا تختم بالذهب فإنه زينتك في الآخرة. «4» و رواية أبي الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام- ان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- قال لعليّ- عليه السّلام-: انى أحب لك ما أحب لنفسي و اكره لك ما أكره لنفسي لا تتختم بخاتم ذهب فإنه زينتك في الآخرة. «5»

إذا عرفت ما ذكر فاعلم انه لو لم يكن في البين الا خصوص روايات التختم من دون ذكر العلة لم يجز التعدي عن مورده الى غيره أصلا لا بعنوان اللّباس و

لا بعنوان الزينة لعدم الدليل على التعدي و اما مع وجود الروايات المعللة و كذا روايات اللبس فيحتمل ان يكون الموضوع هو عنوان اللبس و يحتمل ان يكون هو عنوان الزينة و التزين و بين العنوانين مضافا الى ثبوت المغايرة و كون النسبة عموما من وجه مغايرة من جهة عدم مدخلية القصد في عنوان

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثلاثون ح- 5.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثلاثون ح- 2.

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثلاثون ح- 9.

(4) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثلاثون ح- 1.

(5) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثلاثون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 327

..........

______________________________

اللبس و مدخليته في عنوان التزين و منشأ الاحتمالين ظهور روايات اللبس في كون الموضوع هو هذا العنوان و ظهور الروايات المعللة في كون الموضوع هو عنوان الزينة و لا مجال لاحتمال ثبوت حكمين متعلقين بعنوانين المستلزم لكون التختم بالذهب محكوما بحرمتين و المقطوع خلافه فالثابت لا يكون الا حكما واحدا متعلقا بعنوان واحد و عليه فلا بد اما من التصرف في روايات اللبس بكون المراد منه الزينة و تؤيده رواية النميري المتقدمة المشتملة على ذكر اللبس بعد عنوان الزينة و اما من التصرف في روايات الزينة بحملها على ان المراد بها اللبس مؤيّدا بما ورد في تفسير قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ من ان المراد بها هو اللباس.

و الظاهر رجحان الاحتمال الثاني لأن حمل الزينة على اللباس أهون من العكس خصوصا مع ملاحظة التأييد المذكور و ما في الجواهر في كتاب الشهادات من دعوى الإجماع بقسميه على حرمة التحلي به فالظاهر انه ليس المراد به هو التحلي في

مقابل التلبس بل تحلى الرجل في مقابل تحلى المرأة و هو لا ينافي ان يكون المراد به هو التلبس كما لا يخفى.

فالإنصاف ان المستفاد من الروايات المتقدمة هي حرمة تلبس الرجل للذهب و يؤيده ما دل على جواز شد الأسنان بالذهب كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السّلام- في حديث: ان أسنانه استرخت فشدها بالذهب. «1» و ما دل على جواز تحلية السيف بالذهب مع كونه معلقا على الرجل نوعا كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: ليس بتحلية السيف بأس بالذهب و الفضة. «2»

و على ما ذكرنا فما لم يتحقق عنوان التلبس لا يتحقق المحرم فالأسنان

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الواحد و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب أحكام الملابس الباب الرابع و الستون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 328

..........

______________________________

المشدودة بالذهب أو المشبكة به أو المبدلة به لا مانع منها أصلا من دون فرق بين الثنايا و غيرها و من دون فرق بين ما إذا قصد التزين و ما إذا لم يقصد و يستفاد من المتن حيث احتاط وجوبا بالاجتناب عن الثنايا مع قصد التزين ان الملاك عنده التزين مع ان ظاهر صدره ان الملاك هو التلبس.

و كذا لا بأس بجعل قاب الساعة من الذهب لعدم صدق التلبس و عدم كونه آنية حتى يحرم من جهة كونه من أواني الذهب و الظاهر عدم الحرمة بناء على حرمة التزين أيضا لعدم تحققه مع كونه في الجيب نوعا نعم مع شده بالسوار كما هو المعمول في هذه الأزمنة يشكل الأمر مع فرض كون جوانبه منه.

و اما إذا كان زنجيرها منه فان كان

في جيبه و لم يكن معلقا على رقبته أو لباسه فالظاهر انه لا مانع منه أصلا على كلا المبنيين كما انه إذا كان معلقا على رقبته فهو حرام على كليهما لصدق التلبس و التزين معا و اما إذا كان معلقا على لباسه فالظاهر صدق التزين دون التلبس و مجرد تعليقه على اللباس لا يوجب تحققه كما إذا علق الخاتم على اللباس فرضا.

ثم انه لا فرق في الحرمة بين ان يكون لباس الذهب خالصا أو ممزوجا أو ملحما به أو مذهبا بالتمويه و الطلي مع صدق لبس الذهب قال في محكي كشف الغطاء: الشرط الثالث ان لا يكون هو أو جزؤه و لو جزئيا أو طليه مما يعد لباسا أو لبسا و لو مجازا بالنسبة إلى الذهب من المذهب إذ لبسه ليس على نحو لبس الثياب إذ لا يعرف ثوب مصنوع منه فلبسه اما بالمزج أو التذهيب أو التحلي.

و يمكن الإيراد عليه بأنه انما يتم لو كان المذكور في الروايات في متعلق النهى هو عنوان لبس الثوب من الذهب فإنه يصح ان يقال- ح- بأنه لا يعرف ثوب مصنوع منه فلبسه اما بالمزج أو مثله و اما لو كان المذكور فيها هو عنوان لبس الذهب كما هو كذلك فلا يتم ما افاده لعدم اختصاص اللبس بالثوب بل يعم مثل الخاتم و السوار و القلادة مما يمكن ان يكون بجميع اجزائه بحسب المتعارف ذهبا فالملاك- ح-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 329

..........

______________________________

صدق اللبس في جميع الموارد.

المقام الثاني في الحكم الوضعي المتعلق بلبس الذهب في الصلاة و قد ادعى الإجماع بل الضرورة في هذا المقام أيضا و لكن الظاهر انه ليس كذلك و لم

يتعرض له الشيخ في المبسوط مع انه أول المتعرضين للمقام الأول بل ظاهره باعتبار عدم التعرض له في ضمن ما لا تجوز الصلاة فيه عدم البطلان.

نعم ذكر العلامة في التذكرة ان الثوب المموه بالذهب لا تجوز الصلاة فيه للرجال و كذا الخاتم المموه به للنهى عن لبسه و قال أيضا: «لو كان في يده خاتم من ذهب أو مموه به بطلت صلوته للنهى عن الكون فيه و لقول الصادق- عليه السّلام- جعل اللّٰه الذهب حلية أهل الجنة فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه».

و كيف كان فعمدة ما استدل به على البطلان أمران:

أحدهما الأخبار الواردة في الباب الظاهرة في البطلان مثل:

موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- المتقدمة في المقام الأول المشتملة على قوله- عليه السّلام-: لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلى فيه لانه من لباس أهل الجنة و كذا مرسلة موسى بن أكيل النميري المتقدمة في ذلك المقام أيضا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- المشتملة على قوله- عليه السّلام- و جعل اللّٰه الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه.

فان النهي عن الصلاة في الموثقة إنما ظاهره الإرشاد إلى الفساد و المانعية كما هو الشأن في مثله من النواهي المتعلقة بالمعاملة الخاصة و العبادة المخصوصة فإن ظاهرها عدم حصول الغرض المقصود و عدم ترتب الأثر من حصول المكلف به في الخارج أو تحقق الأثر المعاملي كالملكية و الزوجية و نحوهما و لا منافاة بين كون النهى عن الصلاة للإرشاد و بين كون النهى عن اللبس للتكليف و ان كانا في سياق واحد.

و هكذا التحريم بلفظة في المرسلة فإن تعلقه باللبس ظاهر في الحكم المولوي و

بالصلاة فيه ظاهر في الحكم الإرشادي الذي مرجعه الى البطلان و لا منافاة بينهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 330

..........

______________________________

و ربما يقال بالبطلان و لو على تقدير دلالة الروايتين على الحكم المولوي نظرا الى ان المبغوض لا يمكن ان يكون مقربا فلا تصح العبادة لأن صلاحيتها للتقرب معتبرة في صحتها و تعلق الأمر بطبيعة الصلاة مجردة عن ملاحظة تحيثها بحيثيات مختلفة و النهى بإيجادها في الذهب و إيقاعها فيه و ان كان يوجب التغاير بين المتعلقين لكنه من مصاديق مسألة اجتماع الأمر و النهى و الحق في تلك المسألة و ان كان هو القول بالجواز الا انه لا يمنع من الحكم ببطلان العبادة التي اجتمع فيها الأمر و النهى لعدم صلاحيتها للتقرب كما تقدمت الإشارة إليها أنفا.

هذا و لكن حققنا في الأصول ان الحق هي صحة العبادة بعد فرض القول بالجواز فلا مجال لهذا القول.

ثانيهما لزوم اجتماع الأمر و النهى كما استدل به العلامة في التذكرة في عبارته المتقدمة و تقريبه ان النهى انما تعلق بلبس الذهب على الرجال و الأمر انما تعلق بالتستر ضرورة انه يجب ان يكون المصلى متسترا و بين العنوانين عموم من وجه و مادة الاجتماع هو لبس الذهب في الصلاة و مقتضى هذا الدليل اختصاص الحكم بما إذا كان الساتر من الذهب مع ان المدعي عام شامل لما إذا كان في يده خاتم من الذهب في حال الصلاة و عليه فدعوى كون التستر في صورة تعدد اللباس انما يكون مستندا الى الجميع علي حد سواء و ليس استناد الستر الى بعضها اولى من بعض حتى يقال ان الستر وقع بالمحلل دون المحرم أو بالعكس إنما

تجدي على فرض تماميتها بالنسبة إلى الألبسة المتعددة التي تصلح للساترية و لا تجدي في مثل الخاتم كما هو ظاهر و يرد على هذا الدليل ان لزوم اجتماع الأمر و النهى انما هو على تقدير ثبوت التكليفين معا و في المقام ليس كذلك لان تعلق الوجوب بالتستر مع كونه من شرائط الصلاة انما هو على فرض القول بوجوب المقدمة و اتصافها بالوجوب الغيري مع انه محل اشكال بل منع كما حققناه في الأصول و دعوى كون التستر من أجزاء الصلاة فينبسط عليه أيضا الأمر المتعلق بالكل فالأمر بالصلاة أمر بالتستر أيضا مدفوعة بوضوح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 331

[الخامس: ان لا يكون حريرا محضا للرجال بل لا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضا]
اشارة

الخامس: ان لا يكون حريرا محضا للرجال بل لا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضا و ان كان مما لا تتم الصلاة فيه منفردا كالتكة و القلنسوة و نحوهما على الأحوط، و المراد به ما يشمل القز و يجوز للنساء و لو في الصلاة، و للرجال في الضرورة و في الحرب. (1).

______________________________

عدم كونه من أجزاء الصلاة بل من شرائطها.

ثم لو فرض ثبوت الأمر و تعلق الوجوب بالتستر و تحقق الاجتماع فليس لازمة القول بالبطلان في المقام و ان قلنا بامتناع اجتماع الأمر و النهى و ترجيح جانب النهي أو قلنا بالجواز مضافا الى البطلان و ذلك لان مورده ما إذا كان مورد الاجتماع امرا عباديا و التستر لا يكون كذلك و كونه شرطا للصلاة التي هي عبادة لا يوجب ان يكون نفسه عبادة فعلى تقدير الحرمة و ترجيح جانب النهي أيضا لا يلزم ان تكون الصلاة باطلة كما هو محل الكلام.

و ربما يستدل على البطلان أيضا بان الأمر بالشي ء يقتضي

النهي عن الضد الخاص نظرا الى ان المقام من صغرياته لأن النهي عن اللبس عين الأمر بعدمه و الصلاة تكون ضدا لما تعلق به الأمر الجائي من قبل النهى عن اللبس إذ نزع الثوب يستلزم تحقق الفعل الكثير المبطل للصلاة فهي مع عدم تحقق ذلك فيها تضاد عدم اللبس و النزع المتعلق للأمر و هو يقتضي النهي عنها، فالصلاة باطلة لتعلق النهى بها.

و فيه- مضافا الي ان نزع الثوب قد لا يكون مستلزما لتحقق الفعل الكثير فلا تتحقق المضادة بينهما في هذه الصورة و مضافا الى ان المفروض في الاستدلال من لبس الذهب قبل الشروع في الصلاة مع ان الكلام في انه هل يجوز للمصلي لبس الذهب في حال الصلاة أو لا يجوز حتى لا يلبس- ان الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن الضد الخاص كما حقق في محله.

(1) يقع الكلام في هذا الأمر أيضا في مقامين لانه قد يبحث فيه عن التكليف النفسي المتعلق بلبسه مطلقا من غير اختصاص بحال الصلاة، و قد يبحث فيه عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 332

..........

______________________________

التكليف الغيري المتعلق به الراجع الى منعه عن الصلاة و صحتها.

اما الكلام في المقام الأول فقد ادعى الإجماع- كما عن جماعة- على ثبوته على الرجال بل عن كثير دعوى إجماع علماء الإسلام عليه بل قيل انه من ضروريات الدين و الظاهر ان المراد به هو ضروري الفقه لا الإسلام بحيث يكون منكره محكوما بالكفر و يدل عليه النصوص المتكثرة:

مثل رواية إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: لا يصلح للرجل ان يلبس الحرير إلا في الحرب. «1»

و مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي

عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: لا يلبس الرجل الحرير و الديباج إلا في الحرب. «2»

و قد ذكر المحقق النائيني- قده- على ما في تقريراته ان موضوع الديباج منتف في هذه الأعصار و كان من نبات شبيه بالقطن ارق من الحرير و اغلى منه يعمل منه الثياب سابقا قد انقطع بذره و قال: كان لانقطاعه تاريخ عجيب من حيل الإفرنج.

و أورد عليه المقرر الفاضل بقوله: «لم نطلع على هذا التاريخ العجيب و ما ذكره أهل اللغة مخالف مع ما افاده فعن المغرب: الديباج الثوب الذي سداه أو لحمته إبريسم، و عندهم اسم للمنقش، و عن مجمع البحرين بعد ان ذكر ان الديباج ثوب سداه أو لحمته إبريسم قال: و في الخبر لا تلبسوا الحرير و الديباج يريد به الإستبرق و هو الديباج الغليظ، و قال في الوافي: الديباج يقال للحرير المنقوش فارسي معرب و كان الحرير يطلق على ما لا نقش فيه و يقابله الديباج».

و موثقة سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن لباس الحرير

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني عشر ح- 1.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 333

..........

______________________________

و الديباج فقال: اما في الحرب فلا بأس به و ان كان فيه تماثيل. «1» و غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

و بالجملة فاصل ثبوت الحكم بالإضافة إلى الرجال مما لا اشكال فيه و قد استثنى منه حالتا الضرورة و الحرب.

أما الأولى فمضافا إلى الإجماع المحكي عن جماعة كثيرة يدل عليه مثل قولهم- عليهم السّلام-: ليس شي ء مما حرم اللّٰه الا و قد أحله لمن اضطر اليه و قولهم-

عليهم السّلام- كلما غلب اللّٰه عليه فهو اولى بالعذر، و قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- رفع عن أمتي الخطاء و النسيان و ما أكرهوا عليه و ما لا يطيقون و قد أوردها في الوسائل في أبواب متعددة كأبواب لباس المصلى و القيام و قضاء المغمى عليه و كتاب الأطعمة و غيره و المراد من الاضطرار هو العرفي كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في موضوعات الاحكام في الكتاب و السنة.

و اما الثانية فلدلالة مرسلة ابن بكير و موثقة سماعة المتقدمتين و غيرهما على استثنائها و هل الوجه في الاستثناء تقوية القلب أو إظهار شوكة الإسلام و المسلمين أو غيرهما فغير معلوم.

ثم انه قد ادعى الإجماع بل إجماع أهل العلم كافة كما عن بعض كتب المحقق و العلامة و صاحب جامع المقاصد على اختصاص الحكم بالرجال و انه يجوز لبس الحرير للنساء و يدل عليه غير واحد من النصوص:

مثل مرسلة ابن بكير عن بعض أصابنا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: النساء يلبس (يلبسن) الحرير و الديباج إلا في الإحرام. «2»

و في حديث المناهي قال: نهى رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- عن لبس الحرير و الديباج و القز للرجال فاما النساء فلا بأس. «3»

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني عشر ح- 3

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب السادس عشر ح- 3.

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب السادس عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 334

..........

______________________________

و رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: سألته عن الديباج هل يصلح لبسه للنساء قال لا بأس. «1»

و رواية ليث المرادي قال: قال أبو عبد

اللّٰه- عليهم السّلام- ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كسا أسامة بن زيد حلة حرير فخرج فيها فقال: مهلا يا أسامة إنما يلبسها من لا خلاق له فاقسمها بين نسائك. «2» و غير ذلك من الروايات الدالة على الجواز.

و بهذه الروايات يقيد إطلاق موثقة سماعة بن مهران المتقدمة الشامل للنساء فان الحكم و ان كان يستفاد من مفهوم الجواب الا انه حيث كان الجواب مسوقا لبيان المفهوم فلا بد من الالتزام به و لم يفرق فيه بين الرجل و المرأة كما في السؤال و لكن لا مانع من تقييد إطلاقه بها و اما رواية زرارة قال سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء الا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن و انما يكره الحرير المحض للرجال و النساء «3» فالجمع بينها و بين الروايات المتقدمة يقتضي حمل النهى فيها على الكراهة بقرينة الذيل و حمل الكراهة على الأعم من الحرمة و الكراهة المصطلحة بمعنى ثبوت التحريم في حق الرجال و الكراهة في حق النساء و لا مانع من الالتزام بها المقام الثاني: في الحكم الغيري المتعلق بلبس الحرير في الصلاة و قد ادعى الإجماع على بطلان صلاة الرجل فيه و الظاهر انه لا اشكال و لا خلاف بين الإمامية في ذلك نعم المسألة خلافية بين العامة حيث انه ذهب بعضهم الى الجواز و بعض آخر الى المنع و الظاهر انه لا مستند لهم من النصوص حيث ان المسألة مبتنية عندهم على ان النهى عن لبس الحرير هل يستلزم بطلان الصلاة الواقعة فيه أم لا.

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب السادس

عشر ح- 9.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب السادس عشر ح- 2.

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث عشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 335

..........

______________________________

و اما الاخبار الواردة من طرقنا الدالة على البطلان فكثيرة:

كرواية إسماعيل بن سعد الأحوص (في حديث) قال سألت أبا الحسن الرضا- عليه السّلام- هل يصلى الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال لا. «1»

و رواية أبي الحارث قال: سألت الرضا- عليه السّلام- هل يصلى الرجل في ثوب إبريسم؟ قال: لا «2». و يحتمل اتحاد الروايتين و ان يكون أبو الحارث كنية إسماعيل ابن سعد الأحوص و دلالتهما على البطلان واضحة لظهور كون محط السؤال انما هو الحكم الوضعي و الجواب منطبق عليه فاحتمال كون المراد هي الحرمة التكليفية منتف.

و مكاتبة محمد بن عبد الجبار قال: كتبت الى أبي محمد- عليه السّلام- اسئله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب عليه السّلام: لا تحل الصلاة في حرير محض «3».

و الظاهر ان المراد من الحلية المنفية هي الحلية الغيرية الراجعة إلى الصحة التي هي حكم وضعي، و الاقتصار في الجواب على بيان حكم الحرير المحض مع كون السؤال انما هو عنه و عن الديباج هل يظهر منه ان الديباج لا يكون مقابلا للحرير بل قسم منه أو يظهر منه انتفاء وصف المحوضة في الديباج كما يدل عليه تفسيره بثوب يكون خصوص سداه أو لحمته من إبريسم أو لا يظهر منه شي ء وجوه و احتمالات و غير ذلك من الروايات الظاهرة في البطلان.

لكن في مقابلها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الصلاة في الثوب الديباج فقال: ما لم يكن فيه

التماثيل فلا بأس. «4»

و قد حمل على حال الضرورة أو الحرب و لكنه بعيد لعدم الفرق- ح-

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الحادي عشر ح- 10.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الحادي عشر ح- 1.

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الحادي عشر ح- 7.

(4) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الحادي عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 336

..........

______________________________

بين ما إذا كان فيه التماثيل و ما إذا لم يكن و المحتمل حمله على التقية و على تقدير خلافه فاللازم الطرح اما لأجل الاعراض أو لأجل ثبوت الترجيح مع الروايات المتقدمة بعد المعارضة لموافقتها للشهرة الفتوائية.

ثم ان الأكثر ذهبوا الى اختصاص الحكم في هذا المقام أيضا بالرجال و انه يجوز للنساء الصلاة في الحرير لكن الصدوق في محكي الفقيه ذهب الى المنع حيث قال قد وردت الاخبار بجواز لبس النساء الحرير و لم ترد بجواز صلاتهن فيه. و عن مجمع البرهان انه اولى و عن البهائي أنه أوجه و عن جماعة التوقف.

و اللازم للقائل بالمنع اقامة الدليل عليه و لا يكفى مجرد عدم ورود الرواية الدالة على الجواز كما يستفاد من عبارة الصدوق و ما يمكن الاستدلال به عليه من الروايات عمدته إطلاق مكاتبة ابن عبد الجبار المتقدمة المشتملة على قوله- عليه السّلام- لا تحل الصلاة في حرير محض و مكاتبته الأخرى بهذه العبارة و يحتمل قويا ان تكونا رواية واحدة و مجرد ذكر القلنسوة في السؤال مع كونها من ألبسه الرجال لا يوجب تقييد دائرة إطلاق الجواب مع كونه بصدد افادة قاعدة كلية و لذا لا تختص بالقلنسوة بل تشمل سائر ألبسه الرجال.

و اما صحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص فلا دلالة

فيها على اختصاص الحكم بالرجال لان تخصيص السؤال به يحتمل ان يكون لأجل كونه محل نظره و مورد ابتلائه كما انه يحتمل ان يكون من باب المثال بحيث كان السؤال عاما و كما انه يحتمل ان يكون لأجل كون حكم المرأة مفروغا عنه عند السائل و لا محالة يكون ذلك الحكم هو الجواز لا العدم و لا مرجح للاحتمال الثالث على أحد الأولين فالرواية لا يستفاد منها حكم المرأة بوجه كما ان خبر زرارة المتقدم في المقام الأول الظاهر في التسوية بين الرجال و النساء لا تعرض فيه لهذا المقام بل هو ظاهر في حكم المقام الأول و قد عرفت ان مقتضى الجمع حملها على ما ينافي التسوية في ذلك المقام أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 337

..........

______________________________

و كذلك رواية جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: ليس على النساء أذان الى ان قال: و يجوز للمرأة لبس الديباج و الحرير في غير صلاة و إحرام، و حرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد، و يجوز ان تتختم بالذهب و تصلى فيه و حرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد. «1» لا تصلح للاستناد إليها فإنها و ان كانت ظاهرة في المنع الا انها ضعيفة السند.

فالعمدة هو إطلاق المكاتبة و يؤيده ما في التوقيع المروي عن صاحب- الزمان- عليه السّلام- من قوله: لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان. «2»

و قد ذكر المحقق النائيني- قده- ان هذا الإطلاق معارض بإطلاق ما يدل على جواز لبسهن للحرير الشامل لحال الصلاة فإن مقتضى هذا الإطلاق جواز صلوتهن فيه و الا كان على المتكلم استثناء حال الصلاة

و بعد التعارض يكون الترجيح مع إطلاقات الجواز لإعراض القدماء عن العمل بالمطلق الدال على المنع.

و ربما يقال بعد فرض المعارضة ان الترجيح مع إطلاقات الجواز لفهم الأصحاب و مع فرض التساوي فالحكم التساقط و الرجوع الى أصالة عدم المانعية.

و الظاهر انه لا معارضة بين الإطلاقين أصلا ضرورة ان الإطلاق المتعرض للحكم الوضعي الغيري لا ينافي الإطلاق المتعرض للحكم النفسي بوجه فان بطلان الصلاة و عدمه لا يرتبط بالجواز التكليفي فلا معارضة بين الإطلاقين.

و بعبارة أخرى شمول إطلاق الجواز لحال الصلاة مرجعه الى ثبوت الجواز الذي هو الحكم التكليفي و متعلقه اللبس و من الواضح انه لا منافاة بين هذا الجواز و بين المنع الراجع الى بطلان الصلاة فيه.

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث عشر ح- 8.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب السادس عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 338

..........

______________________________

نعم في مقابل إطلاق المنع روايتان:

إحديهما: مرسلة ابن بكير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- المتقدمة قال: النساء يلبس (يلبسن) الحرير و الديباج إلا في الإحرام. «1» فإن استثناء الإحرام يدل على عدم اختصاص الحكم في المستثنى منه بخصوص الحكم التكليفي بل أعم منه و من الحكم الوضعي فمقتضى الرواية- ح- بطلان صلوتهن في الحرير.

ثانيتهما: موثقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: لا ينبغي للمرأة ان تلبس الحرير المحض و هي محرمة فاما في الحر و البرد فلا بأس، «2» بناء على ان المراد من الحر و البرد غير حال الإحرام و تكون الجملة الأخيرة مبنية لمفهوم الجملة الأولى نعم يحتمل ان تكون الجملة الأخيرة استثناء من حال الإحرام و عليه فلا ترتبط الرواية بالمقام الأعلى تقدير

ثبوت الملازمة بين حال الإحرام و الصلاة كما ربما تدعى و الظاهر ان الترجيح مع هاتين الروايتين لموافقتهما للشهرة من حيث الفتوى و لا يقدح الإرسال في رواية ابن بكير بعد كونه من أصحاب الإجماع و انجبرت في هذا المقام بالعمل فالنساء لا مانع من صلوتهن في الحرير.

«تتمة» قد عرفت ان بطلان صلاة الرجال في الحرير المحض مورد لاتفاق العلماء الإمامية في الجملة و ذلك في الثوب الذي تجوز الصلاة فيه منفردا، و اما ما لا تتم فيه الصلاة وحده كالقلنسوة و التكة و نحوهما ففي بطلان الصلاة فيه إذا كان حريرا محضا و عدمه نظير ما إذا كان الساتر متنجسا حيث يكون الحكم فيه التفصيل بين ما تتم و ما لا تتم من دون خلاف وجهان بل قولان فالمحكي عن جماعة منهم المفيد و الشيخ و الحلي بل المنسوب إلى الأشهر و الى المتأخرين و الى أجلاء الأصحاب هو الجواز، و المحكي عن الفقيه و المنتهى و البيان و الموجز و غيرها المنع بل هو المشهور بين

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب السادس عشر ح- 3.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب السادس عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 339

..........

______________________________

المتأخرين و يظهر من بعض التوقف و التردد في المسألة.

و مستند المنع مكاتبتا محمد بن عبد الجبار ففي إحديهما قال: كتبت الى أبي محمد- عليه السّلام- اسئله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب- عليه السّلام-:

لا تحل الصلاة في حرير محض. «1»

و في الأخرى قال: كتبت الى أبي محمد- عليه السّلام- اسئله هل يصلى في قلنسوة عليها و بر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير

محض أو تكة من وبر الأرانب فكتب- عليه السّلام- لا تحل الصلاة في الحرير المحض و ان كان الوبر زكيا حلت الصلاة فيه إن شاء اللّٰه تعالى. «2»

و الظاهر اتحاد المكاتبتين بمعنى وقوع المكاتبة مرة واحدة و كون الرواية واحدة و ان جعلها في الوسائل روايتين و نقلهما في باب واحد.

و اللازم التكلم في مفاد الرواية و مدلولها فنقول لا تنبغي المناقشة في ظهور السؤال فيها في كون المجهول للسائل هو حكم الصلاة في قلنسوة حرير محض و بعبارة أخرى المجهول له هو الحكم الوضعي المرتبط بالصلاة و ذكر القلنسوة يحتمل ان يكون من جهة وضوح الحكم الوضعي في غيرها مما تتم فيه الصلاة منفردا عند السائل و عليه يكون ذكرها من باب المثال لما لا تتم فيه الصلاة فقط و يحتمل ان يكون من جهة جهله بأصل الحكم الوضعي المتعلق بالحرير و تخصيص القلنسوة انما هو من جهة تعارف استعماله في بلده و كونه موردا لابتلائه مثلا و عليه فيكون محط السؤال هو الحكم الوضعي مطلقا بعد وضوح الحكم النفسي لدى السائل و تقييد الحرير بالمحوضة لا يصلح لترجيح أحد الاحتمالين على الأخر نعم لا تبعد دعوى كون الظاهر من السؤال هو الاحتمال الأول.

و اما الجواب فالظاهر بلحاظ اسناد عدم الحلية إلى الصلاة في الحرير ان نفى الحلية إرشاد إلى البطلان و فساد الصلاة فيه كما هو الشأن في مثله من النواهي المتعلقة

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الرابع عشر ح- 1

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الرابع عشر ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 340

..........

______________________________

بالعبادات و المعاملات مع الخصوصيات المأخوذة فيها و الحكم في الجواب و ان

كان مطلقا الا ان شموله لمورد السؤال بلحاظ كونه جوابا عنه انما هو بالنصوصية و الصراحة و على ما ذكرنا فالجواب منطبق على السؤال.

و لا وجه لما يقال من احتمال ارادة الثوب من الحرير لو لم نقل بأنه المنساق منه كما عن المختلف و الشهيد الاعتراف به بل قيل ان الحرير المحض لغة هو الثوب المتخذ من الإبريسم و عليه يكون الجواب عن السؤال متروكا و لعل ذلك لإشعار الحكم بالصحة فيه بالبطلان في غيره و هو مخالف للتقية لصحة الصلاة عندهم و ان حرم اللبس من غير فرق بين ما تتم الصلاة فيه و غيره فعدل الإمام إلى بيان حرمة الصلاة المسلمة عندهم و ان اقتضى ذلك الفساد عندنا دونهم بل في التعبير بنفي الحل دون نفى الصحة إيماء الى ذلك.

و الوجه في بطلان هذا الاحتمال- مضافا الى حمل الجواب على كونه عدولا و جعل السؤال متروكا لا ينطبق عليه الجواب مما لا وجه له- ان اسناد نفى الحلية إلى الصلاة ظاهر عند العامة أيضا في الإرشاد إلى البطلان و نفى الصحة و ما هو الثابت عندهم انما هي الحرمة المتعلقة باللبس و لا ترتبط بالصلاة بوجه فكيف يتحقق معه رعاية التقية و البطلان عندنا أيضا ليس لأجل الملازمة بل لظهور مثل المكاتبتين في البطلان ابتداء.

و دعوى كون الحرير هو الثوب المتخذ من الإبريسم احتمالا أو انصرافا أو لغة مدفوعة بأن توصيف القلنسوة في السؤال بالحرير المحض أو إضافتها إليه ينافي ذلك جدا.

و مستند الجواز ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد عن موسى بن الحسن عن احمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال

كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم و القلنسوة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 341

..........

______________________________

و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلى فيه. «1» و نوقش في السند باعتبار احمد بن هلال المذموم الملعون كما عن الكشي، الغالي المتهم في دينه كما عن الفهرست الذي رجع عن التشيع الى النصب كما عن سعد بن عبد اللّٰه، الذي لا نعمل على ما يختص بروايته كما عن التهذيب، أو روايته غير مقبولة، كما عن الخلاصة، و قد ورد التوقيع عن العسكري- عليه السّلام- في مذمته بقوله- عليه السّلام-: احذروا الصوفي المتصنع.

و لكن المناقشة مندفعة- مضافا الى ما حكى عن ابن الغضائري مع كونه مسارعا في التضعيف من انه لم يتوقف في حديثه عن ابن أبي عمير و الحسن بن محبوب لانه قد سمع كتابيهما جل أصحاب الحديث و ان كان يمكن ان يقال باختصاص ذلك بخصوص نوادر الأول و مشيخة الثاني مع انه لا يفيد ذلك بالنسبة إلينا حيث لا يحضرنا كتاباهما و مضافا الى ان الرجل في أول أمره كان مستقيما بل كان من أعيان الطائفة و وجوهها و ثقاتها و ظاهر ان رواية مثل موسى بن الحسن عنه انما كان في حال استقامته لبعد الرواية عنه مع ورود ذموم هائلة في حقه.

باعتماد الطرفين في المقام على الرواية لأن القائل بالمنع انما يرجح دليله عليها لا انه يقول بعدم حجيتها و كذا المتوقف في المسألة فإنه لم يحك عن أحد طرح الرواية باعتبار السند فهي تامة من جهة السند و الدلالة.

و لا بدّ أولا من ملاحظة انه هل يمكن الجمع بينها و بين

رواية المنع و على تقدير عدم الإمكان و لزوم الرجوع الى المرجحات ان المرجح مع أيهما.

فنقول الذي يستفاد من الكلمات في مقام الجمع وجوه ثلاثة و قبل التعرض لها نقول لا إشكال في الجمع إذا حمل مستند المنع على كون السؤال فيه انما هو عن الحكم الوضعي المتعلق بالحرير مطلقا من دون فرق بين القلنسوة و غيرها مما تتم فيه الصلاة وحده فإنه على هذا التقدير يكون السؤال و الجواب فيه كلاهما مطلقين شاملين لما تتم فيه الصلاة أيضا فإنه- ح- تكون رواية الحلبي مقيدة لإطلاق دليل

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الرابع عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 342

..........

______________________________

المنع و يكون الجمع- ح- من الجمع بين المطلق و المقيد فالإشكال انما هو على غير هذا الفرض و هو الظاهر كما عرفت.

الأول ما افاده سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قدس سره الشريف- من انه لما كان بطلان الصلاة في الحرير غير معروف عند العامة و انما ذهب اليه بعضهم استنادا الى ان حرمة لبسه تقتضي بطلان الصلاة فيه و انما المعروف بينهم حرمة لبس الحرير مطلقا، و من المعلوم عدم الفرق بين ما لا تتم و غيره أصلا كما انهم لا يفرقون في بعض الموانع الذي يقولون به بينهما كالنجاسة و غيرها و- ح- فيمكن ان يقال ان الجواب عن السؤال بالجواز فيما لا تتم حيث يشعر ببطلان الصلاة في غيره لم يذكر لانه مناف للتقية فعدل الامام- (عليه السّلام)- عنه الى بيان حرمة الصلاة في الحرير المحض المسلمة عندهم و ان كانت لا تقتضي الفساد بنظرهم هذا مضافا الى ان السؤال باعتبار كونه سؤالا عن حكم خصوص ما

لا تتم فيه الصلاة كما هو المفروض و هو يشعر باعتقاده بطلان الصلاة في غيره لعله كان سببا لالتجائه- عليه السّلام- الى ذلك.

و يرد عليه ما عرفت من ان حمل الجواب على العدول مناف للظاهر جدا و لا يسوغه الجمع بوجه مضافا الى ان اسناد عدم الحلية إلى الصلاة ظاهر في الحكم الوضعي الذي لا يقولون به فكيف يتحقق معه رعاية التقية و ما هو المسلم بينهم انما هو حرمة لبس الحرير لا الصلاة فيه فهذا النحو من الجمع غير تام.

الثاني ما في المستمسك من ان تقييد إطلاق المكاتبتين بسبب رواية الحلبي هو مقتضى الجمع العرفي قال. «و دعوى انه من قبيل تخصيص المورد و هو مستهجن ممتنعة فان الاستهجان انما يسلم لو كان بحيث لو ضم هذا المقيد الى المطلق لكان الكلام متدافعا و لو قيل: لا تحل الصلاة في حرير محض إلا في القلنسوة و نحوها لم يكن كذلك فالتقييد هو مقتضى الجمع العرفي».

و يرد عليه وضوح التدافع فان مرجع الجمع بهذا النحو بعد فرض كون الإطلاق نصا في المورد الى قوله: لا تحل الصلاة في حرير محض حتى في القلنسوة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 343

..........

______________________________

و نحوها إلا في القلنسوة و نحوها كما لا يخفى فهذا الوجه أيضا غير تام.

الثالث ما عن جامع المقاصد من ان حمل المكاتبة على الكراهة وجه جمع بين الاخبار.

و يرد عليه ان ما يجرى فيه احتمال الحمل على الكراهة هو النهي المولوي الظاهر في التحريم لا النهي الإرشادي الظاهر في الإرشاد إلى الحكم الوضعي مع ان مقتضاه ثبوت الكراهة في غير ما لا تتم أيضا لا ان يقال بحمل النهى على الأعم

و القدر المشترك بين الحرمة و الكراهة و كيف كان فالظاهر انه لا وجه للجمع أصلا بل لا بدّ من ملاحظة المرجحات فنقول:

الظاهر انه لو كان الشهرة على الجواز محققة لكان اللازم الرجوع إليها لأن الشهرة في الفتوى أول المرجحات الخبرية و الا تصل النوبة الى مخالفة العامة و الذي يظهر من كلماتهم ثبوت هذا المرجح في المقام و ان اختلفوا في تعيين الرواية المخالفة فعن بعضهم كصاحب الحدائق و جماعة انها هي المكاتبتان، و عن بعض آخر كصاحبي الجواهر و المصباح انها هي رواية الحلبي و قد اختاره سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي (قده) نظرا الى ان التفصيل بين ما تتم و ما لا تتم مخالف لفتاوى جميعهم لان المسلم بينهم انما هي الحرمة التكليفية المطلقة و اما بطلان الصلاة فالمعروف بينهم العدم نعم ذهب اليه بعضهم استنادا الى اقتضاء النهي التكليفي له عقلا من غير فرق بين ما تتم و غيره فالتفصيل الذي يدل عليه الرواية مناف لكلا القولين و هذا بخلاف المكاتبتين فان عدم حلية الصلاة في الحرير المحض لا ينافي فتاويهم لأنهم أيضا يقولون بذلك غاية الأمر ان النهى لا يقتضي الفساد عند كثير منهم فهما موافقتان لمذهبهم.

أقول بناء على ما ذكرنا في مفاد المكاتبتين يكون مدلولهما أيضا مخالفا لمذهبهم غاية الأمر ان رواية الحلبي مخالفة لجميع الفتاوى و المكاتبتان مخالفتان لفتوى الأكثر القائل بعدم البطلان فإن أريد من مخالفة العامة التي هي من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 344

[مسألة- 15 الذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير]

مسألة- 15 الذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير فلا بأس بالافتراش و الركوب عليه و التدثر به- اى التغطى به عند النوم- و لا بزر الثياب

و أعلامها و السفائف و القياطين الموضوعة عليها، كما لا بأس بعصابة الجروح و القروح و حفيظة المسلوس، بل و لا بأس بأن يرقع الثوب به و لا الكف به لو لم يكونا بمقدار يصدق معه لبس الحرير، و ان كان الأحوط في الكف ان لا يزيد على مقدار أربع أصابع مضمومة، بل الأحوط ملاحظة التقدير المزبور في الرقاع أيضا. (1)

______________________________

المرجحات المذكورة في مثل مقبولة ابن حنظلة المعروفة مخالفة الجميع فالترجيح مع رواية الحلبي و ان أريد منها المخالفة للفتوى الشائعة الرائجة فالمكاتبتان أيضا متصفتان بذلك و على ما ذكر فالمسئلة غير خالية عن الاشكال و مقتضى الاحتياط الاجتناب عما لا تتم أيضا إذا كان حريرا.

(1) اما جواز الافتراش و كذا الركوب فلاختصاص أدلة المنع باللبس و هو مغاير لهما فلا دليل على المنع بالإضافة إليه مضافا الى صحيح على بن جعفر قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الفراش الحرير و مثله من الديباج و المصلى الحرير هل يصلح للرجل النوم عليه و التكأة و الصلاة قال: يفترشه و يقوم عليه و لا يسجد عليه. «1»

و رواية مسمع بن عبد الملك البصري عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه قال:

لا بأس ان يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف أو يجعله مصلى يصلى عليه. «2»

و اما التدثر به فان كان المراد به ما في المتن من التغطى به عند النوم فالوجه في جوازه عدم صدق اللبس عليه و ان كان المراد به التغطى به في سائر الأحوال من

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخامس عشر ح- 1.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخامس عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة،

ص: 345

..........

______________________________

جلوس و قيام و مشى فالظاهر صدق اللبس عليه و يكون- ح- محرما و لعل ذلك منشأ اختلافهم في صدق اللبس عليه و عدمه.

و اما زرّ الثياب و أعلامها و ما عطف عليه فالوجه في الجواز في الجميع ما ذكر من عدم صدق اللبس عليه نعم في خصوص الكف حكى المنع عن السيد في بعض رسائله و الميل اليه عن الأردبيلي و كاشف اللثام و التردد فيه عن المدارك و الكفاية و المفاتيح و لعل منشأه موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: و عن الثوب يكون علمه ديباجا قال: لا يصلى فيه. «1» و خبر جراح المدائني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه كان يكره ان يلبس القميص المكفوف بالديباج و يكره لباس الحرير و لباس الوشي (القسي) و يكره المثيرة الحمراء فإنه مثيرة إبليس. «2»

و في مقابلهما خبر يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لا بأس بالثوب ان يكون سداه وزره و علمه حريرا، و انما كره الحرير المبهم للرجال «3» فإن إطلاق نفى البأس فيه يشمل الصلاة و غيرها كما ان الملازمة المستفادة من الروايات بين الحكم الوضعي و التكليفي مؤيدة للإطلاق.

و خبر أبي داود بن يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال قلت له: طيلساني هذا خز قال: و ما بال الخز قلت و سداه إبريسم قال: و ما بال الإبريسم قال لا تكره ان يكون سد الثوب إبريسم و لا زره و لا علمه انما يكره المصمت من الإبريسم للرجال و لا يكره للنساء. «4»

و رواية صفوان عن يوسف من دون واسطة

و عن ابنه مع الواسطة تكفى

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الحادي عشر ح- 8.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الحادي عشر ح- 8.

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث عشر ح- 6.

(4) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب السادس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 346

[مسألة 16- قد عرفت ان المحرم لبس الحرير المحض]

مسألة 16- قد عرفت ان المحرم لبس الحرير المحض اى الخالص الذي لم يمتزج بغيره فلا بأس بالممتزج، و المدار على صدق مسمى الامتزاج الذي يخرج به عن المحوضة و لو كان الخليط بقدر العشر،، و يشترط في الخليط من جهة صحة الصلاة فيه كونه من جنس ما تصح الصلاة فيه فلا يكفى مزجه بصوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه و ان كان كافيا في رفع حرمة اللبس، نعم الثوب المنسوج من الإبريسم المفتول بالذهب يحرم لبسه كما لا تصح الصلاة فيه. (1)

______________________________

في جبر الضعف بعد النص عليه بأنه لا يروى إلا عن ثقة بل هو من أصحاب الإجماع.

و الجمع يقتضي حمل النهى على الكراهة و ان أبيت إلا عن اختصاص الموثقة بالصلاة فهي مقيدة للإطلاق في هاتين الروايتين فنقول ان اعراض المشهور عن ظاهرها يكفي في وهنها مضافا الى لزوم التفكيك المنافي للملازمة التي أشرنا إليها كما لا يخفى.

و اما ما في المتن من الاحتياط به ترك ما زاد على اربع أصابع مضمومة فالظاهر خلو كلام الأكثر عن هذا التقييد و لا يكون له مستند في رواياتنا نعم روى العامة عن عمر ان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- نهى عن الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع و الظاهر انه لا يجوز الاعتماد عليها لعدم الجابر لها.

نعم

يمكن ان يقال بأن منشأ الاحتياط الاقتصار على القدر المتيقن في الخروج عن دليل المنع فتدبر.

(1) قد عرفت ان المأخوذ في الروايات المتعرضة لحكم الحرير- تكليفا أو وضعا- هو الحرير المحض أو المبهم أو المصمت أو شبهها و مرجع ذلك الى مدخلية قيد المحوضة و الخلوص في متعلق الحكم و قد وقع الإشكال في انه هل يخرج بهذا التقييد خصوص ما إذا كان الثوب منسوجا من الإبريسم مخلوطا بغيره كان يكون سداه منه و لحمته من غيره أو يخرج بسببه صور أخرى أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 347

..........

______________________________

لا إشكال في خروج صورة الامتزاج المذكورة لكن لا بدّ من ملاحظة ان المدار على صدق مسمى الامتزاج و لو كان الخليط بقدر العشر أو أقل ما لم يبلغ حد الاستهلاك الذي لا يكون ملحوظا بنظر العرف بوجه و لا يكون محكوما عنده الا بالمحوضة و الخلوص أو ان المدار على أمر آخر ربما يقال بأنه يمكن ان يستفاد من بعض الروايات أنه لا بدّ ان يكون سد الثوب بتمامه أو لحمته بتمامها من غير الحرير كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: لا بأس بلباس القز إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتان «1» فان القطن و الكتان و ان لم يكن لهما خصوصية بشهادة الفتاوى و بعض الروايات الا ان ظهور الرواية في اعتبار كون مجموع السدا أو اللحمة من غير الحرير لا مناقشة فيه لان مفهومها ثبوت البأس مع عدم كونه كذلك.

و كذا رواية زرارة قال سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء الا ما كان من حرير مخلوط

بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن و انما يكره الحرير المحض للرجال و النساء. «2» فان مقابلة الحرير المحض بما إذا كان سداه أو لحمته من غيره ظاهرة في ذلك و لكن الظاهر خلاف ذلك فإنه لا شبهة في ان الحرير المحض له معنى و مفهوم بحسب نظر العرف و ليس للشارع اصطلاح خاص في ذلك و عليه فالمقابلة في الرواية الأخيرة لا تكون ظاهرة في ان المقابل للوصف هو خصوص ما كان السدا أو اللحمة بتمامهما من غير الحرير بل ذكر هذه الصورة انما هو من باب كونه أحد المصاديق و من الافراد الظاهرة كما ان الظاهر ان المفهوم في الرواية الأولى ما إذا لم يكن هناك اختلاط و امتزاج لان ما ذكر في المنطوق ليس له خصوصية كما لا يخفى.

ثم ان ظاهر الجواهر و المصباح ان الوصف يوجب خروج ما إذا كان بعض

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث عشر ح- 2.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 348

..........

______________________________

الثوب بسداه و لحمته من الإبريسم و بعضه من غيره كالمنسوج على الطرائق نعم لو كان بعضه المنسوج من الإبريسم بمقدار يصلح لان يكون تمام الثوب كما إذا كانت ظهارته أو بطانته أو حشوه من الإبريسم يشكل الحكم بعدم التحريم مستندين في ذلك الى ان بعض الثوب لا يكون ثوبا بل جزء منه.

و يرد عليهما مضافا الى انه لم يرد لفظ الثوب في متعلق النهى و تفسير الحرير به غير ظاهر ان الثوب في اللغة عبارة عن الشي ء المنسوج و لا يكون مساوقا للقميص و أمثاله من الألبسة و

يدل عليه ملاحظة موارد إطلاقه كما يقال في كفن الميت انه عبارة عن ثلاثة أثواب و كما يقال: ثوبا الإحرام مع انه يعتبر ان لا يكونا مخيطين للرجال و كغيرهما من الموارد فالاستناد المذكور غير تام.

مع ان مقتضاه عدم ثبوت الحكم بالتحريم في مثل الظهارة و البطانة و الحشو لان المفروض كون كل واحد منها بالفعل بعض الثوب لإتمامه و صلاحيته لان يصير تمام الثوب لا يوجب خروجه عن الحكم الثابت له بالفعل باعتبار كونه جزء منه.

و الظاهر ثبوت التحريم في جميع الصور و كون المقابل للوصف هو خصوص الصورة المذكورة و هي صورة الاختلاط و الامتزاج.

ثم انه يشترط في الجواز من جهة الحكم الوضعي في صورة الاختلاط ان يكون الخيط من جنس ما تصح الصلاة فيه فلا يكفى مزجه بصوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه ضرورة أن الخلط بمثله يوجب بطلان الصلاة اما لأجل كون المفروض انه مما لا تصح الصلاة فيه و اما لأجل انصراف دليل خروج صورة الاختلاط عن مثل هذا الاختلاط أيضا و على اىّ فالحكم يختص بالجواز الوضعي و اما الجواز التكليفي فلا مانع منه الا على القول بالانصراف فيه أيضا و هو بعيد لانه لا وجه له فيه كما لا يخفى.

نعم الثوب المنسوج من الإبريسم المفتول بالذهب يجرى فيه كلا الحكمين التكليفي و الوضعي لصدق لبس الذهب و الصلاة فيه و لم يرد قيد المحوضة و الخلوص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 349

[مسألة 17- لبس لباس الشهرة و ان كان حراما على الأحوط]

مسألة 17- لبس لباس الشهرة و ان كان حراما على الأحوط و كذا ما يختص بالنساء للرجال و بالعكس على الأحوط لكن لا يضر لبسهما بالصلاة. (1)

______________________________

في أدلة حرمة لبس

الذهب و الصلاة فيه فيتحقق فيه الحكمان.

(1) اما عدم إضرار لباس الشهرة و كذا ما عطف عليه بصحة الصلاة فلعدم الدليل على ثبوت الحكم الوضعي في مثله كما قام في الذهب و في الحرير و مجرد ثبوت الحرمة التكليفية على تقديرها لا يوجب ثبوت البطلان لعدم كون النهى متعلقا بالعبادة و عدم كون اجتماع الأمر و النهى على تقديره موجبا لفساد المجمع على تقدير كونه عبادة و على تقديره لا يكون المجمع في المقام عبادة بل هو شرط لها و شرط العبادة يغاير جزءها حيث انه لا يلزم ان يكون عبادة بخلاف الجزء و قد مر الكلام في ذلك في بحث الذهب.

و اما الحكم التكليفي فالكلام فيه يقع في أمرين:

الأول: لبس لباس الشهرة و المراد منه- كما في العروة- أن يلبس خلاف زيه من حيث جنس اللباس أو من حيث لونه أو من حيث وضعه و تفصيله و خياطته و الدليل على الحرمة فيه روايات كثيرة.

مثل صحيحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: ان اللّٰه يبغض شهرة اللباس. «1» و لا تبعد دعوى ظهور «يبغض» في المبغوضة الثابتة في المحرمات.

و مرسلة ابن مسكان عن رجل عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: كفى بالمرء خزيا ان يلبس ثوبا يشهره أو يركب دابة تشهره. «2»

و الظاهر ان دلالتها كسندها في الضعف لظهورها في بيان الحكم الاخلاقى

______________________________

(1) الوسائل أبواب أحكام الملابس الباب الثاني عشر ح- 1.

(2) الوسائل أبواب أحكام الملابس الباب الثاني عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 350

..........

______________________________

الراجع الى انحطاط المقام الإنساني بطلب الشهرة من اللباس أو المركب و مثله من الجماد و الحيوان.

و مرسلة

عثمان بن عيسى عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: الشهرة خيرها و شرها في النار. «1»

و رواية أبي سعيد عن الحسين- عليه السّلام- قال: من لبس ثوبا يشهره كساه اللّٰه يوم القيامة ثوبا من النار. «2» و غير ذلك من الروايات و العمدة هي الرواية الاولى و المستفاد من صاحب الوسائل عدم دلالتها على الحرمة أيضا حيث انه ذكر في عنوان الباب كراهة الشهرة في الملابس و غيرها و حمل الرواية الأخيرة على بعض الأقسام المحرمة و المحكي عن ظاهر الرياض و مفتاح الكرامة في مسألة تزيين الرجل بما يحرم عليه عدم الخلاف في ذلك.

الثاني: لبس الرجال ما يختص بالنساء و كذا العكس و في محكي الرياض نسب الحرمة إلى الأشهر الأظهر المحتمل فيه الإجماع و العمدة في دليله ما حكى عن رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- ففي رواية عمر بن شمر عن جابر عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

قال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- في حديث: لعن اللّٰه المحلل و المحلل له، و من تولى غير مواليه، و من ادعى نسبا لا يعرف، و المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال، و من أحدث حدثا في الإسلام أو أوى محدثا، و من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه. «3»

و لكن في دلالتها قصور لان الظاهر من التشبه تأنث الذكر و تذكر الأنثى لا مجرد لبس أحدهما لباس الأخر مع عدم قصد التشبه و يؤيده ما عن العلل عن زيد بن على عن آبائه عن على- عليه السّلام- انه رأى رجلا به تأنيث في مسجد رسول اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل أبواب أحكام الملابس الباب الثاني عشر

ح- 3.

(2) الوسائل أبواب أحكام الملابس الباب الثاني عشر ح- 4.

(3) الوسائل أبواب ما يكتسب به الباب السابع و الثمانون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 351

..........

______________________________

- صلّى اللّٰه عليه و آله- فقال له: اخرج من مسجد رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يا لعنة رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- ثم قال على- عليه السّلام- سمعت رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يقول لعن اللّٰه المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال. «1»

و في بعض الروايات ان المراد بالتشبه معنى آخر كرواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة الدالة على انه فيهن قال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- لعن اللّٰه المتشبهات بالرجال من النساء الحديث. «2» و رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- لعن رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال و هم المخنثون و اللائي ينكحن بعضهن بعضا. «3»

هذا و لكن لا يستفاد من مثلها الانحصار بل يمكن ان يكون للتشبه معنى عام يشمل هذا المعنى أيضا و يؤيده رواية سماعة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- و أبي الحسن- عليه السّلام- في الرجل يجر ثيابه قال: انى لأكره أن يشبه بالنساء. «4»

و عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن آبائه- عليهم السّلام- قال كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يزجر الرجل ان يتشبه بالنساء و ينهى المرأة ان تشبه بالرجال في لباسها. «5»

و ذكر السيد صاحب العروة في حاشية المكاسب في مسألة تزيين الرجل بما يحرم عليه عند الاشكال على الاستدلال بالنبوي المشهور ان الرواية فيها

اربع احتمالات:

أحدها: ان يكون المراد ما هو محل الكلام مع كون الحكم إلزاميا.

الثاني: ان يكون المراد خصوص تأنث الذكر و تذكر الأنثى سواء كان

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يكتسب به الباب السابع و الثمانون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب النكاح المحرم الرابع و العشرون ح- 5.

(3) الوسائل أبواب النكاح المحرم الباب الرابع و العشرون ح- 6.

(4) الوسائل أبواب أحكام الملابس الباب الثالث عشر ح- 13.

(5) الوسائل أبواب أحكام الملابس الباب الثالث عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 352

[مسألة 18- لو شك في ان اللباس أو الخاتم ذهب أو غيره يجوز لبسه و الصلاة فيه]

مسألة 18- لو شك في ان اللباس أو الخاتم ذهب أو غيره يجوز لبسه و الصلاة فيه، و كذا ما شك انه حرير أو غيره، و منه ما يسمى بالشعرى لمن لا يعرف حقيقته، و كذا لو شك انه حرير محض أو ممزج و ان كان الأحوط الاجتناب عنه. (1)

______________________________

باللباس أو بغيره بان يدخل نفسه في عدادهن أو تدخل نفسها في عدادهم و يشهد له المحكي عن العلل.

الثالث: كون المراد خصوص اللواط و المساحقة و يشهد له روايتا يعقوب و أبي خديجة.

الرابع: ان يكون المراد المعنى الأول لكن مع كون الحكم غير إلزامي و يكون اللعن من جهة شدة الكراهة و يشهد له الروايتان الأخيرتان.

ثم قوى الحكم بالحرمة لظهور النبوي في حد نفسه فيها و انجبار قصور سندها بالشهرة و المحامل المذكورة تأويلات بلا شاهد و الشواهد لها الأخبار المذكورة التي كلها ضعاف.

و يمكن الإيراد عليه بعدم انطباق النبوي على المدعى لانه عبارة عن مجرد لبس أحد الجنسين ما يختص بالآخر و المأخوذ في النبوي هو عنوان التشبه و هو من العناوين المتقومة بالقصد لان ظاهره فعل ما به تكون المشابهة بقصد

حصولها فمجرد اللبس من دون القصد لا يشمله الحديث هذا و لكن مع ذلك كله فالأحوط هي الحرمة كما في المتن.

(1) قد تقدم البحث عن اللباس المشكوك في مسألة مانعية غير المأكول و قد مر ان مقتضى القاعدة جواز الصلاة و صحتها في صورة الشك و عليه فلو شك في كون اللباس ذهبا أو حريرا و كذا في كون الخاتم ذهبا لا مانع من الصلاة فيهما نعم في الخاتم تداول لبس ما يسمى ب «پلاتين» و الشائع في تفسيره انه الذهب الأبيض فإن كان هذا التفسير صحيحا موردا للاعتماد فمقتضى القاعدة- ح-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 353

[مسألة- 19 لا بأس بلبس الصبي الحرير فلا يحرم على الولي إلباسه]

مسألة- 19 لا بأس بلبس الصبي الحرير فلا يحرم على الولي إلباسه، و لا يبعد صحة صلوته فيه أيضا. (1).

______________________________

عدم جواز الصلاة فيه و كذا حرمة التختم به لانه من مصاديق الذهب و الحكم التكليفي و كذا الوضعي انما تعلق باللبس و الصلاة في الذهب مطلقا من دون فرق بين الأصفر و الأبيض و ان كانت صحة هذا التفسير محلا للشك و الترديد فالحكم- ح- الجواز تكليفا و وضعا.

و لو علم بكون اللباس حريرا و لكنه شك في المحوضة و الامتزاج فربما يقال ان المرجع أصالة عدم الحرير ممزوجا لان المزج طارى ء على الحرير فيستصعب عدمه.

و لكن يرد عليه ان الحرير عبارة عن المنسوج من الإبريسم و مثله و الثوب المنسوج يكون من أول نسجه مرددا بين المحوضة و الامتزاج لانه من ذلك الحين اما ان يكون محضا و اما ان يكون ممزوجا فاستصحاب عدم المزج- مضافا الى معارضته باستصحاب عدم المحوضة- يكون من قبيل استصحاب عدم قرشية المرأة و قد حققنا في

الأصول عدم جريان مثله لعدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة و انه لا مجال لاستصحاب القضية السالبة بانتفاء الموضوع لإثبات السالبة بانتفاء المحمول و عليه فالأقوى في هذه الصورة أيضا جواز اللبس و الصلاة و ان كان الأحوط الاجتناب.

(1) اما عدم حرمة اللبس على الصبي فواضح و اما عدم حرمة الإلباس على الولي فيستفاد من المتن انه يتفرع على عدم حرمة اللبس عليه بمعنى ان ثمرة عدم حرمة اللبس عدم حرمة الإلباس مع ان الظاهر انه ليس كذلك لانه ربما يعلم من مذاق الشرع انه لا يرضى بوجود بعض المحرمات حتى من الصبي بل يكره وجوده منهم أيضا غاية الأمر ان خروجهم عن دائرة التكليف منع عن توجه الخطاب و الحكم إليهم و في مثله يكون الولي مأمورا بأن يمنعهم عن إيجاده فضلا عن ان يوجب بنفسه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 354

[مسألة- 20 لو لم يجد المصلى ساترا حتى الحشيش و الورق يصلى عريانا قائما]

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، در يك جلد، مؤلف، قم - ايران، اول، 1408 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة؛ ص: 354

مسألة- 20 لو لم يجد المصلى ساترا حتى الحشيش و الورق يصلى عريانا قائما على الأقوى ان كان يأمن من ناظر محترم، و ان لم يأمن منه صلى جالسا، و في الحالين يومئ للركوع و السجود و يجعل إيمائه للسجود اخفض، فان صلى قائما يستر قبله بيده، و ان صلى جالسا يستره بفخذيه. (1)

______________________________

و يتسبب إلى إيجاده و ذلك مثل شرب الخمر و اللواط و عليه فمجرد عدم الحرمة على الصبي لا يقتضي نفى التكليف عن الولي نعم لا بدّ من إحراز كون المبغوض كذلك و

انه يكره الشارع وجوده في الخارج من الصبيان و لم يتحقق ذلك في الحرير خصوصا بعد ملاحظة ثبوت الجواز للنساء مطلقا و للرجال في جملة من الموارد.

و اما صلاة الصبي في الحرير فبناء على كون عباداته شرعية لا تمرينية لا بدّ من ملاحظة دليل المانعية فنقول يمكن ان يقال بان مقتضى قوله- عليه السّلام- في بعض الروايات المتقدمة: لا تحل الصلاة في حرير محض، بطلان الصلاة في الحرير مطلقا من دون فرق بين البالغ و غيره لما عرفت من عدم كون المراد من نفى الحلية هو الحكم المولوي بل هو إرشاد إلى الفساد و البطلان الذي هو حكم وضعي و عليه تكون صلاة الصبي في الحرير باطلة كثبوت سائر الأحكام الوضعية في حقه كالضمان الثابت بسبب إتلافه مال الغير و اعتبار سائر الشرائط و الموانع للصلاة في حقه.

و لكن الظاهر انه ليس كذلك فان المستفاد من الروايات الواردة في حكم الحرير تكليفا و وضعا ثبوت الملازمة بين الحكمين بمعنى ثبوت البطلان في موضع ثبوت التحريم و عدم ثبوت الأول مع عدم ثبوت الثاني و بملاحظة هذه الملازمة لا تبعد دعوى صحة صلاة الصبي في الحرير أيضا كعدم حرمة لبسه كما في المتن.

(1) لو كان المصلى فاقدا للساتر الذي يعتبر في الصلاة من جهة الحكم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 355

..........

______________________________

الوضعي- و قد مر البحث عنه مفصلا- أو كان ثوبه منحصرا في النجس و قلنا بأنه يجب عليه الصلاة عاريا فقد وقع الاختلاف في كيفية صلوته من حيث القيام و القعود و من جهة الركوع و السجود أو الإيماء بدلهما و لا بدّ من التكلم في كل واحدة من الجهتين مستقلا.

فنقول

اما من الجهة الأولى فالمشهور هو التفصيل بين صورة الأمن من المطلع فيصلي قائما و صورة عدم الأمن فيصلى جالسا، و عن السرائر تعين القيام مطلقا، و عن الصدوق في الفقيه و المقنع و السيد في الجمل و المصباح و الشيخين في المقنعة و التهذيب تعين الجلوس مطلقا، و احتمل في المعتبر- على ما حكى عنه- التخيير بين القيام و القعود حاكيا له عن ابن جريح و منشأ الاختلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب:

فطائفة منها ظاهرة في تعين الجلوس:

كموثقة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قوم قطع عليهم الطريق و أخذت ثيابهم فبقوا عراتا و حضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال يتقدمهم امامهم فيجلس و يجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم. «1»

و رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سألته عن قوم صلوا جماعة و هم عراة قال: يتقدمهم الامام بركبتيه و يصلى بهم جلوسا و هو جالس. «2»

و صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه و لم يجد شيئا يصلى فيه فقال: يصلى إيماء و ان كانت أمرية جعلت يدها على فرجها و ان كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان فيومئان إيماء

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الواحد و الخمسون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الواحد و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 356

..........

______________________________

و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما تكون صلوتهما إيماء برؤسهما الحديث «1» و رواية محمد بن على الحلبي عن أبي عبد

اللّٰه- عليه السّلام- في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة و ليس عليه إلا ثوب واحد و أصاب ثوبه منى قال: يتيمم و يطرح ثوبه و يجلس مجتمعا فيصلى و يومئ إيماء. «2»

و رواية سماعة- الموثقة- قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض و ليس عليه إلا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يتيمم و يصلى عريانا قاعدا يومئ إيماء. «3» هذا على ما رواه في الكافي و رواه الشيخ عن الكليني مثله و لكن الشيخ رواه بنفسه و ذكر بدل «قاعدا» قائما. «4» و غير ذلك من الروايات الظاهرة في تعين الجلوس كرواية أبي البختري الآتية في كيفية صلوتهم من حيث الركوع و السجود.

و طائفة ثانية ظاهرة في تعين القيام مثل:

صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى- عليهما السّلام- قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلى؟ قال: ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلوته بالركوع و السجود، و ان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم. «5»

و رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه قال في حديث: و ان كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلد السيف و يصلى قائما. «6»

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخمسون ح- 6.

(2) الوسائل أبواب النجاسات الباب السادس و الأربعون ح- 4.

(3) الوسائل أبواب النجاسات الباب السادس و الأربعون ح- 1.

(4) الوسائل أبواب النجاسات الباب السادس و الأربعون ح- 3.

(5) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخمسون ح- 1.

(6) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخمسون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الصلاة، ص: 357

..........

______________________________

و موثقة سماعة المتقدمة بناء على نقل الشيخ- قده- كما عرفت.

و طائفة ثالثة ظاهرة في التفصيل مثل مرسلة ابن مسكان عن بعض أصحابه التي رواها عنه ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة قال: يصلى عريانا قائما ان لم يره أحد فإن رآه أحد صلى جالسا «1» و مرسلة الصدوق قال: و روى في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة انه يصلى عريانا قائما ان لم يره أحد فإن رآه أحد صلى جالسا. «2» و لكن الظاهر انها لا تكون رواية مستقلة بل هي رواية ابن مسكان المتقدمة و لكن الصدوق رواها بنحو الإرسال المحض.

و رواية عبد اللّٰه بن مسكان عن أبي جعفر- عليه السّلام- في رجل عريان ليس معه ثوب قال: إذا كان حيث لا يراه أحد فليصل قائما. «3» و لكن صاحب الوسائل روى هذه الرواية بعينها عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في أبواب النجاسات. «4»

و الظاهر ان ابن مسكان لا يمكن له النقل عن أبي جعفر- عليه السّلام- بدون الواسطة و اما النقل عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- فقد ذكر في ترجمته انه قليل الرواية عنه و انه من أصحاب الكاظم- عليه السّلام- بل عن يونس انه لم يسمع عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- الا حديث: من أدرك المشعر فقد أدرك الحج و عليه فيقوى في النظر انه لا يكون هنا إلّا رواية واحدة مرسلة رواها ابن مسكان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- كذلك و لكن حيث ان الراوي عنه هو ابن أبي عمير الذي اشتهر اعتبار مراسيله مضافا الى كون مضمون الرواية مفتى

به للمشهور فالظاهر- ح- اعتبارها و

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخمسون ح- 3.

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخمسون ح- 5.

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخمسون ح- 7.

(4) الوسائل أبواب النجاسات الباب السادس و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 358

..........

______________________________

صيرورتها شاهدة للجمع بين الطائفتين بحمل الاولى على صورة وجود الناظر و عدم الأمن من المطلع و حمل الثانية على صورة الأمن منه و لعل انحصار هذه الطائفة الثالثة بخصوص المرسلة صار منشأ للأقوال الأخر فتدبر.

و اما من الجهة الثانية و هي الركوع و السجود أو الإيماء بدلا عنهما فالمشهور فيها هو الإيماء مطلقا سواء صلى جالسا أو قائما و اختاره أكثر من اختار تعين القيام أو الجلوس في الجهة الاولى و حكى عن بعض القول بوجوب الركوع و السجود مطلقا و لكن ابن زهرة ذكر ان العريان إذا كان بحيث لا يراه أحد صلى قائما و ركع و سجد و الأصلي جالسا مؤميا مدعيا عليه الإجماع و احتاط في العروة في الصورة الأولى بتكرار الصلاة و الجمع بين صلاة المختار تارة و مؤميا للركوع و السجود اخرى و قوى صاحب الجواهر ما اختاره ابن زهرة نظرا الى الأصل و خبر الحفيرة و موثق إسحاق قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قوم قطع عليه الطريق و أخذت ثيابهم فبقوا عراة و حضرت الصلاة كيف يصنعون؟ قال- عليه السّلام-: يتقدمهم امامهم فيجلس و يجلسون خلفه فيومئ إيماء للركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم، و للإجماع المنقول و لأن الذي يسوغ له القيام المقتضى لانكشاف قبله الأمن من المطلع فليقتض أيضا وجوب

الركوع و السجود و ان استلزم أيضا انكشاف العورة و لا سيما و ظاهر نصوص التفصيل بين الأمن من المطلع و غيره جواز كشف العورة من جهة الصلاة و بذلك يظهر و هن الصحيح و الموثق لا سيما و كان الثاني مرويا في الكافي «قاعدا» بدل «قائما» كما عرفت و الأول موهون بعدم العمل بإطلاقه من حيث الأمن من المطلع و غيره و باحتمال إرادة أول مراتب الركوع من الإيماء فيه و بظهوره في لزوم التشهد و التسليم قائما و لم يعرف دليل عليه و لا مصرح به و في المنع من الإيماء جالسا بدل السجود و لو مع عدم بدو العورة مع انه أقرب الى هيئة الساجد و لذا حكى في الذكرى عن السيد العميدي وجوب الإيماء جالسا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 359

..........

______________________________

أقول يظهر ما في هذا المقال من الاشكال من التعرض لذكر أدلة المشهور و هي عبارة عن:

صحيحة على بن جعفر- عليه السّلام- المتقدمة الدالة على انه ان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم و صحيحة زرارة المتقدمة أيضا و رواية أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه- عليهما السّلام- انه قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له ان يصلى حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغى ثيابا فان لم يجد صلى عريانا جالسا يومئ إيماء يجعل سجوده اخفض من ركوعه فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى «1» و موثقة سماعة المتقدمة التي اختلف نقلها من جهة القيام و القعود.

و بمثلها يرد على صاحب الجواهر بأنه لا مجال للأصل مع وجود الرواية المصرحة بالإيماء مع القيام لأن إطلاقات أدلة الركوع و

السجود بالكيفية المتعارفة تقيد بها و عدم العمل بإطلاقها من جهة الأمن من المطلع و غيره لا يوجب الوهن فيها بعد كون مقتضى الجمع على ما عرفت هو الحمل على خصوص الصورة المذكورة و احتمال كون المراد من الإيماء هو أول مراتب الركوع بعد ظهور الرواية في مقابلة الإيماء في الشرطية الثانية لإتمام الصلاة بالركوع و السجود الواقع في الشرطية الأولى بعيد جدا خصوصا مع كون الإيماء بدلا عن السجود أيضا و لا مجال لان يراد به أول مراتب الركوع فقط كما هو ظاهر عبارة الجواهر و ظهورها في لزوم كون التشهد و التسليم قائما ممنوع أيضا لظهور كون المراد من لزوم القيام هو عدم تبدل وظيفته من هذه الجهة بسبب كونه عاريا لا تبدل وظيفته في الحالتين الى القيام كما لا يخفى و على تقديره لا مانع من الالتزام به بعد دلالة رواية معتبرة عليه و كون المسوغ للقيام هو المقتضى لوجوب الركوع و السجود ممنوع أولا بمنع كون القيام مستلزما لانكشاف القبل بعد

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 360

..........

______________________________

احتمال لزوم ستره في هذا الحال باليدين كما ربما يقال و يأتي البحث عنه- إن شاء اللّٰه تعالى- و بمنع المقايسة بين القبل الظاهر في حال القيام على فرضه و الدبر الظاهر في حال الركوع و السجود إذ لا ملازمة بين الأمرين.

و الحق في المقام ان يقال انه لا بدّ من ملاحظة الستر الواجب من جهة الحكم التكليفي و المعتبر من جهة الحكم الوضعي مستقلا و كذا لا بدّ من ملاحظة ستر الدبر و ستر القبل كذلك فنقول: مقتضى التفصيل

الذي ذكره المشهور في الجهة الاولى و هي القيام و القعود انه مع وجود الناظر المحترم الذي تكون وظيفته الجلوس تقع المزاحمة بين القيام المعتبر في الصلاة و الستر الواجب النفسي و يتقدم الثاني على الأول من جهة ستر القبل لان الدبر مستور في حال القيام أيضا باجزاء البدن فالمزاحمة بين ستر القبل و القيام و الشارع حكم بتقدم الأول على الثاني و مع عدم وجود الناظر المحترم يتقدم القيام على ستر القبل الذي هو حكم وضعي لعدم ثبوت الحكم التكليفي في هذه الصورة.

و اما ستر الدبر فالمستفاد من صحيحة على بن جعفر المتقدمة الدالة على وجوب الإيماء و كذا غيرها من أدلة الإيماء هو المزاحمة بينه و بين الركوع و السجود و تقدم الأول على الثاني من دون فرق بين صورة ثبوت التكليف النفسي و عدمه لانه مع وجوب الإيماء مطلقا يكون طرف المزاحمة هو الستر الصلاتى في خصوص الدبر لانه يظهر بسبب الركوع و السجود.

و لا يعارضها في ذلك الآخر حفيرة و هي مرسلة أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها و يسجد فيها و يركع. «1» و هو مع وجود الإرسال في سندها و عدم الجابر مخصوص بصورة وجود الحفيرة و رواية إسحاق بن عمار المتقدمة الظاهرة في وجوب الركوع و السجود على المأمومين دون الامام و لكنها موهونة من حيث السند

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخمسون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 361

..........

______________________________

أيضا لغرابة نقل محمد بن الحسين عن عبد اللّٰه بن جبلة بدون واسطة و هي على فرضها

هو ابن مبارك و لم يحرز وثاقته و دعوى الوهن فيها من جهة الدلالة أيضا نظرا إلى انه لو كان موردها صورة الأمن من المطلع فلا وجه لوجوب الجلوس عليهم و ان كان موردها صورة عدم الأمن منه فلا وجه لوجوب الركوع و السجود عليهم مدفوعة بأن موردها صورة الأمن من الغير و لكن وجوب الجلوس انما هو بلحاظ انه مع القيام تصير إقبالهم مكشوفة لأنفسهم بخلاف الركوع و السجود الذي لا يوجب إلا الإخلال بالستر الصلاتى للدبر فقط فتدبر.

فانقدح من جميع ما ذكرنا وجوب الإيماء في حالتي القيام و الجلوس للركوع و السجود لما يستفاد من مثل صحيحة على بن جعفر- عليه السّلام.

ثم ان الظاهر ان المراد بالإيماء هو الإيماء بالرأس لأنه المتفاهم من إطلاقه في مقام البدلية عن الركوع و السجود مضافا الى دلالة صحيحة زرارة المتقدمة عليه المشتملة على قوله- عليه السّلام-: نكون صلوتهما إيماء برؤسهما و مع عدم الإمكان يكون بالعين كما يظهر مما ورد في المريض الذي يصلى مستقليا من قوله- عليه السّلام- فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم سبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع الحديث. بناء على اتحاد كيفية الإيماء في جميع الموارد أو أولوية المقام من المريض كما في محكي الذكرى.

و قد ذكر في المتن انه يجعل إيمائه للسجود اخفض من ركوعه و لا شاهد لهذا الحكم إلا رواية أبي البختري المتقدمة المشتملة على قوله- عليه السّلام-: يجعل سجوده اخفض من ركوعه و لكنه مع ضعف سندها لا تصلح لإثبات حكم إلزامي و لم يعلم استناد الأصحاب إليها بنحو يكون جابرا لضعفها و حصول الافتراق بذلك و ان كان متحققا الا انه

لا دليل على وجوبه خصوصا مع عدم تعرض الإطلاقات المتكثرة الواردة في الإيماء لذلك فالأحوط- ح- الرعاية.

ثم انه هل يجب على العاري ان يستر قبله في حال القيام بيده بمقدار يمكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 362

[مسألة 21- يجب على الأحوط تأخير الصلاة عن أول الوقت ان لم يكن عنده ساتر]

مسألة 21- يجب على الأحوط تأخير الصلاة عن أول الوقت ان لم يكن عنده ساتر و احتمل وجوده في آخره و لكن عدم الوجوب لا يخلو عن قوة (1).

______________________________

التستر به أولا؟ فيه وجهان ظاهر الإطلاقات الدالة على وجوب القيام بعد حملها على صورة الأمن عدم لزوم ستره من جهة الصلاة و لكن في رواية زرارة المتقدمة المشتملة على قوله- عليه السّلام-: ان كانت أمرية جعلت يدها على فرجها و ان كان رجلا وضع يده على سوأته دلالة على الوجوب و لكن عطف قوله: يجلسان ب «ثم» يوجب ظهوره في كون الفرض قبله ما إذا لم يدخل في الصلاة لأن التفكيك بين الجلوس و القيام من جهة وجوب الثاني في حال التكبير و القراءة و وجوب الأول في حال الجلوس مما لا قائل به أصلا فالمعطوف عليه انما يكون متعرضا لحكم الستر النفسي و المعطوف لحكم الستر الغيري و عليه فلا دلالة لها على الوجوب في المقام الا ان يقال ان الستر باليد انما هو من مراتب الستر الصلاتى كما ان ستر الدبر بالأليتين انما يكون كذلك و لا حاجة الى إقامة الدليل عليه و قد تقدم البحث عن مراتب الستر الواجب في الصلاة فراجع.

(1) حكى عن السيد و سلار لزوم التأخير عن أول الوقت مع احتمال وجود الساتر في وسطه أو آخره و عن المعتبر الميل اليه لكن المحكي عن الشيخ- قده- في

النهاية جواز الصلاة في سعة الوقت و قد وردت في المسألة رواية أبي البختري المتقدمة عن جعفر بن محمد عن أبيه- عليهما السّلام- انه قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له ان يصلى حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغى ثيابا فان لم يجد صلى عريانا جالسا يومئ إيماء يجعل سجوده اخفض من ركوعه فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى. «1»

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 363

..........

______________________________

و لكنها مضافا الى ضعف سندها قاصرة من حيث الدلالة لعدم ظهور كلمة «لا ينبغي» في الإلزام و ان كان يمكن منعه بالظهور في مثل الرواية فيه و في الرواية إشكال أخر من جهة دلالتها على المنع عن صلاة الجماعة للعراة مع صراحة روايات أخر في جوازها بل في بعضها كما عرفت بيان كيفية صلاة الجماعة لهم.

و على اى فالاستدلال بها على عدم جواز البدار خصوصا لو قيل باقتضاء القاعدة له- كما مر البحث عنه في باب التيمم- غير خال عن الإشكال فالأحوط- ح- هو التأخير كما في المتن هذا تمام الكلام في لباس المصلي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 364

[المقدمة الرابعة في المكان]

اشارة

المقدمة الرابعة في المكان

[مسألة- 1 كل مكان يجوز الصلاة فيه الا المغصوب عينا أو منفعة]

مسألة- 1 كل مكان يجوز الصلاة فيه الا المغصوب عينا أو منفعة، و في حكمه ما تعلق به حق الغير كالمرهون، و حق الميت إذا اوصى بالثلث و لم يخرج بعد، بل ما تعلق به حق السبق بان سبق شخص الى مكان من المسجد أو غيره للصلاة- مثلا- و لم يعرض عنه على الأحوط، و انما تبطل الصلاة في المغصوب ان كان عالما بالغصبية و كان مختارا من غير فرق بين الفريضة و النافلة، اما الجاهل بها و المضطر و المحبوس بباطل فصلاتهم و الحالة هذه صحيحة، و كذا الناسي لها الا الغاصب نفسه فإن الأحوط بطلان صلوته، و صلاة المضطر كصلاة غيره بقيام و ركوع و سجود. (1)

______________________________

(1) في محكي الجواهر الإجماع على بطلان الصلاة في المكان المغصوب محكيه و محصله صريحا و ظاهرا مستفيضا ان لم يكن متواترا، و في محكي مفتاح الكرامة حكاية الإجماع عليه ظاهرا عن نهاية الإحكام و الناصرية و المنتهى و التذكرة و المدارك و الدروس و البيان و جامع المقاصد و الغرية و في محكي جامع المقاصد: تحرم الصلاة في المكان المغصوب بإجماع العلماء الا من شذّ و تبطل عندنا و عند بعض العامة.

و قد نقل الخلاف عن الفضل بن شاذان بل استظهر من كلامه ان القول بالصحة كان مشهورا بين الشيعة كما اعترف به في محكي البحار.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 365

..........

______________________________

أقول لا بدّ من ملاحظة ان الدليل في المسألة هل هو الإجماع بحيث يكون له أصالة و يستكشف منه موافقة المعصوم- عليهم السّلام- أو انه يكون مستندا الى الدليل العقلي القائم في المسألة و هو مسألة اجتماع

الأمر و النهى و ربما يستظهر الثاني من المدارك حيث استدل بقوله: لان الحركات و السكنات الواقعة في المكان المغصوب منهي عنها كما هو المفروض فلا تكون مأمورا بها ضرورة استحالة كون الشي ء الواحد مأمورا به و منهيا عنه.

و مقتضى التحقيق هو الأول لأمرين:

الأول وجود المناقشة في كون المقام من صغريات مسألة الاجتماع بلحاظ الصلاة أو أجزائها لعدم اتحادها مع الغصب في الخارج حتى تكون محرمة لا لان الغصب عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدوانا و الاستيلاء لا يكون متحدا مع الصلاة بل لانه لو أبدل الغصب بالتصرف كما نبهنا عليه مرارا لا يتحقق الاتحاد أيضا و ذلك لان الصلاة مركبة من الأقوال المخصوصة و الأفعال المعينة، و الأقوال منها مثل تكبيرة الافتتاح و القراءة و التسبيح و التشهد و التسليم تكون من قبيل الكيفيات القائمة بالصوت و تحدث بسبب حركات اللسان و الكيفية لا تكون من التصرف و على تقدير كونها منه لا تكون محرمة لعدم شمول أدلة الحرمة لها.

و اما القيام و الجلوس و الركوع فلأنها هيأت قائمة بالبدن نظير الاستقامة و الانحناء و ليست عبارة عن النهوض و الهوى لتكون من التصرف في المغصوب المحرم.

و اما السجود فهو الانحناء الخاص مع مماسة الجبهة للأرض، و الانحناء من قبيل الهيئة و قد عرفت انها ليست متحدة مع التصرف المحرم، و اما المماسة فإنما هي تصرف في المتماسين فإذا كانا مباحين تكون مباحة و لا مدخلية لمقدار من الهوى في حقيقة السجود التي هي الوضع و لذا يصدق على البقاء بعين صدقه على الحدوث و منه يظهر ان من سجد على أرض مغصوبة بطل سجوده و ان كان الفضاء

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 366

..........

______________________________

مباحا له، و من سجد على أرض مباحة صح سجوده و ان كان الفضاء مغصوبا فمن صلى في الدار المغصوبة لا تفسد صلوته إلا إذا كان وضع جبهته و مساجده على مواضعها تصرفا في المغصوب.

و دعوى انه يعتبر في الصلاة القرار على شي ء و لو كان مثل الطيارة في هذه الأعصار فمن صلى في الهواء بين السماء و الأرض لا تصلح صلوته لفقد القرار و- ح- فالصلاة في الدار المغصوبة باطلة لاتحاد القرار على الأرض في القيام و الجلوس و الركوع مع التصرف في المغصوب.

مدفوعة بأنه على تقدير الاعتبار لا دليل على كونه بنحو الجزئية بل يمكن ان يكون بنحو الشرطية و شروط العبادة من حيث هي شروط عبادة لا يعتبر فيها التقرب و على ما ذكرنا ينحصر الحكم ببطلان العبادة في المغصوب بما لو كان وضع المساجد على محالها تصرفا فيه فلو اتفق عدم كونه كذلك لم يكن وجه للفساد مع ان ظاهرهم الحكم بالبطلان مطلقا.

الثاني وجود الاختلاف في مسألة اجتماع الأمر و النهى و ثبوت الاتفاق على البطلان في المقام و دعوى ان القائل بالاجتماع أيضا يقول ببطلان العبادة نظرا الى ان المقرب لا يمكن ان يكون مبعدا و بالعكس فثبوت النهى مانع عن التقرب بالمجمع مدفوعة بأن الظاهر وفاقا لأكثر القائلين به صحة العبادة في هذه الصورة و المقرب انما هو الوجود الخارجي بلحاظ كونه مصداقا لعنوانه و لا ينافي ان يكون مبعدا بلحاظ كونه مصداقا لعنوان أخر و بعبارة أخرى كما انه لا مانع من اجتماع الأمر و النهى كذلك لا مانع من اجتماع القرب و البعد بلحاظ العنوانين لعدم كون الوجود الخارجي مع قطع

النظر عن العنوانين مبعدا و لا مقربا.

بل يمكن القول بالصحة على فرض الامتناع و تقديم جانب النهى نظرا الى ثبوت الملاك و كفايته في الصحة كما في مورد الترتب بناء على عدم صحته فتدبر.

و قد ظهر مما ذكرنا ان الدليل في المقام هو الإجماع و له أصالة و لا يكون مستندا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 367

..........

______________________________

الى الدليل العقلي.

ثم انه لا فرق في البطلان لأجل فقدان هذا الشرط و هو اعتبار إباحة المكان بين ان يصلى في المغصوب الذي تعلق الغصب بعينه و بين ان يصلى في المغصوب الذي تعلق الغصب بمنافعه كما إذا صلى في الأرض المستأجرة للغير بدون إذن المستأجر و ان كان مأذونا من قبل المالك.

كما انه لا فرق بين المغصوب و بين ما لو تعلق به حق كحق الرهن لقيام الدليل من النص و الإجماع على حرمة تصرف الراهن في العين المرهونة بدون اذن المرتهن كما هو المحقق في كتاب الرهن.

و كحق الميت إذا اوصى بالثلث بنحو الكسر المشاع الظاهر في الإشاعة و لم يفرز بعد فإنه- ح- لا يجوز التصرف في شي ء من أجزاء التركة لتعلق حق الميت به الثابت بالوصية بل ربما يقال ببقاء المال الموصى به على ملك الميت و كونه شريكا حقيقة كالمال المشترك بين الشريكين أو الشركاء و التحقيق في محله.

و اما إذا اوصى بمقدار الثلث لا بنحو الكسر المشاع بل بنحو الكلي في المعين فإنه لا مانع من التصرف كما في نظائره مثل بيع الصاع من الصبرة إذا كان بهذا النحو و اما حق السبق في المشتركات كالمسجد و نحوه فقد ذكر صاحب الجواهر- قده- ثبوت القولين فيه من جهة

بطلان الصلاة و عدمه حيث قال: «اما حق السبق في المشتركات كالمسجد و نحوه ففي بطلان الصلاة بغصبه و عدمه وجهان بل قولان أقواهما الثاني وفاقا للعلامة الطباطبائي في منظومته لأصالة عدم تعلق الحق للسابقة على وجه يمنع الغير بعد فرض دفعه عنه سواء كان هو الدافع أم غيره و ان أثم بالدفع المزبور لأولويته إذ هي أعم من ذلك قطعا و ربما يؤيده عدم جواز نقله بعقد من عقود المعاوضة مضافا الى ما دل على الاشتراك الذي لم يثبت ارتفاعه بالسبق المزبور إذ عدم جواز المزاحمة أعم من ذلك فتأمل».

و قد اختار البطلان في العروة و احتاط في المتن.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 368

..........

______________________________

و العمدة فيه وجود روايتين في المقام:

إحديهما مرسلة محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قلت له: نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي ء آخر فيصير مكانه فقال: من سبق الى موضع فهو أحق به يومه و ليله. «1»

و ثانيتهما رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الى مكان فهو أحق به الى الليل و كان لا يأخذ على بيوت السوق كراء. «2»

و قد نوقش في الروايتين بإرسال الاولى و ضعف الثانية لأجل طلحة و لكن الظاهر اندفاع المناقشة بأن الظاهر ان المراد من محمد ابن إسماعيل هو ابن بزيع المعروف الذي هو من أعيان الطبقة السادسة و الراوي عنه هو احمد بن محمد بن عيسى الأشعري المعروف الذي أخرج البرقي من قم لانه يروى عن

الضعفاء و يعتمد المراسيل فكيف تكون روايته هذه غيره معتبرة. و اما طلحة فهو ممن يروى عنه صفوان ابن يحيى المعروف بأنه لا يروى إلا عن ثقة و قد روى عنه هذه الرواية أحمد بن محمد بن عيسى المذكور فالمناقشة في السند غير تامة.

و اما الدلالة فربما يقال بان التعبير بالأحقية ظاهر في ان المراد مجرد الأولوية الموجبة لعدم جواز المزاحمة فقط نظرا الى ظهور صيغة التفضيل في ثبوت المبدء في المفضل عليه و ثبوت الحقين راجع الى الاشتراك الذي هو مفاد أدلته فالقدر الثابت بالروايتين هو مجرد الأولوية الثابت بالإجماع المحصل بل الضرورة- كما في مفتاح الكرامة- فلا تنهض الروايتان لإثبات أمر زائد أصلا.

و لكن الظاهر ان المراد بالأحقية ليس ما هو مفاد صيغة التفضيل بل أصل

______________________________

(1) الوسائل أبواب أحكام المساجد الباب السادس و الخمسون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب أحكام المساجد الباب السادس و الخمسون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 369

..........

______________________________

ثبوت الحق كما في الموارد الكثيرة التي تستعمل الصيغة كذلك كما في مثل «الزوج أحق بزوجته و الولي أولى بالميت و أشباههما» و من الظاهر ان ثبوت الحق خصوصا مع إضافته إلى المكان الذي سبق اليه ظاهر في تعلق الحق بالمكان و ثبوته بعد المزاحمة و دفعه عنه أيضا.

نعم ربما استشكل فيهما من جهة التحديد المذكور فيهما نظرا الى عدم ظهور العمل به و ثبوت المعارضة بينهما من هذه الجهة لظهور الاولى في التحديد الى اليوم و الليلة و الثانية في التحديد الى اليوم فقط و يمكن دفع المعارضة بورود الاولى في المسجد و مثله و الثانية في السوق و من الممكن ثبوت الفرق بينهما من هذه

الجهة فتدبر.

كما انه ربما يستشكل فيهما من جهة عدم ظهور القول بإطلاقهما من حيث وجود الرجل و عدمه بل و الإطلاق من جهة نية العود و عدمها بل قال في الجواهر:

«لا خلاف في سقوط حقه مع عدم الرجل و ان نوى العود و كان قيامه لضرورة من تجديد طهارة أو نحوها». و يستفاد منه انه إذا كان القيام لغير ضرورة فلا ريب في سقوط حقه و قد قال في الجواهر أيضا: لا خلاف و لا إشكال في سقوط الحق لو قام مفارقا رافعا يده عنه.

و لكن ذلك لا يوجب الوهن في الروايتين مع ظهورهما في ثبوت الحق بالإضافة إلى المكان بنحو لو دفع عنه عدوانا يكون غصبا و اما ما أفاده في الجواهر من ان عدم جواز نقله بعقد من عقود المعاوضة ربما يؤيد عدم كونه حقا كذلك فيدفعه- مضافا الى منع عدم الجواز كذلك بل يمكن دعوى تعارفه في مثل السوق الذي مبناه على التجارة و المعاوضة- ان من لوازم الحق ليس جواز المعاوضة عليه و الانتقال الى الغير بل من لوازمه جواز الاسقاط و رفع اليد عنه و هو ثابت في المقام و قد انقدح مما ذكرنا ان الأحوط لو لم يكن أقوى بطلان الصلاة في الفرض المذكور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 370

..........

______________________________

ثم انه يعتبر في بطلان الصلاة في المغصوب ان يكون عالما بالغصبية و كذا عالما بحكم الغصب الذي هي الحرمة ضرورة ان الجاهل بالموضوع أو الحكم لا يتنجز في حقه الحكم نعم يعتبر في الجهل بالحكم ان لا يكون عن تقصير، و اما العلم بالحكم الوضعي الذي هو عبارة عن فساد الصلاة فلا يعتبر في البطلان

بل الحكم ثابت مطلقا سواء كان عالما بالفساد أم لم يكن كذلك.

و كذا يعتبر في البطلان ان يكون المصلى مختارا فلو اضطر إلى الصلاة في المكان المغصوب تكون صلوته صحيحة بمقتضى رفع الحرمة بسبب الاضطرار و من مصاديق المضطر المحبوس بباطل فان صلوته في المحبس صحيحة و تقييد المحبوس بالباطل- كما في المتن- انما هو لإخراج المحبوس بحق و الوجه فيه ان كان هو عدم اجتماع الحبس بحق الذي يكون الحابس فيه لا محالة هو الحاكم أو المأذون من قبله مع كون المحل مغصوبا لان الحاكم- مثلا- لا يصدر منه الغصب بوجه فهو صحيح و لكنه يمكن الإيراد عليه باجتماع الحبس بحق مع كون المحبس مغصوبا و ذلك كما فيما إذا اعتقد الحاكم عدم الغصبية مع كونه مغصوبا واقعا و على اعتقاد المحبوس.

و ان كان الوجه هو البطلان و لو مع الاجتماع المذكور فالظاهر انه لا وجه له لان الحبس بحق لا يلازم بطلان الصلاة مع الاضطرار إلى إيجادها في المكان المغصوب.

ثم ان كيفية صلاة المضطر انما هي كصلاة المختار فيصلى فيه قائما مع الركوع و السجود لان المحبوس مضطر الى ان يشغل مقدارا من الفراغ يساوى بدنه و لا يقدر على الزيادة و لا النقص منه من دون فرق بين الحالات من حيث القيام و القعود و الاضطجاع و الاستلقاء و غيرها من الحالات و حيث انه لا ترجيح لواحد من هذه الحالات على غيره فلا محالة يكون مخيرا بينها عقلا فلا مجال لتغيير الكيفية المأمور بها في الصلاة نعم ذكر في «العروة» انه إذا استلزم صلوته بكيفية المختار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 371

..........

______________________________

تصرفا زائدا على الكون فيه

على الوجه المتعارف يجب ترك ذلك الزائد و الصلاة بما أمكن من غير استلزام و ذلك كما لو كان المكان ضيقا يتوقف القيام فيه أو الركوع أو السجود على هدم موضع منه أو حفرة أو نحوهما.

ثم ان الناسي للغصبية يكون بحكم الجاهل بها فلا وجه لبطلان صلوته مع عدم تنجز الحرمة بسبب النسيان نعم في الغاصب نفسه لا يكون النسيان عذرا و ذلك لتوجه التكليف اليه و تنجز الحرمة في حقه بسبب الغصب و الالتفات اليه و النسيان الطاري لا يوجب رفع الحكم المتنجز في حقه أصلا و الا فاللازم ان لا يكون الغاصب في أكثر حالاته مرتكبا للحرام و فاعلا للمبغوض و هو كما ترى ثم انه ذكر في المتن انه لا فرق في بطلان الصلاة في المغصوب بين الفريضة و النافلة و هو ظاهر إطلاق الأصحاب اعتبار الإباحة في الصلاة و عن المحقق صحة النافلة في المغصوب معللا بان الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها، و في محكي كشف اللثام صحة النافلة في المغصوب ماشيا موميا للركوع و السجود و بطلانها مع الركوع و السجود، و يمكن دعوى رجوع كلام المحقق اليه نظرا الى التعليل المذكور فيه فان عدم جزئية الكون و شرطيته في النافلة انما يقتضي الصحة مع عدم تحققه كما في الصلاة ماشيا و اما مع تحققه كما في الصلاة مستقرا فالاتحاد الموجب للبطلان يتحقق بسببه كما هو واضح.

و التحقيق- بعد ملاحظة ما عرفت في أول البحث من ان الاتحاد انما يتحقق في حال السجود و الكون لا يكون جزء من الفريضة و الشرطية لا يقدح في صحتها- انه لا بدّ من ملاحظة شمول دليل أصل المسألة للنافلة و

عدمه و قد مر ان الدليل هو الإجماع و ان له أصالة في المقام فلا بد من النظر في شموله للنافلة و عدمه و فيه وجهان: من إطلاق الأصحاب اعتبار الإباحة في الصلاة من دون تقييد بالفريضة و من مخالفة المحقق و كاشف اللثام الكاشفة عن عدم تحقق الإجماع في المسألة و بعد ذلك فالمسئلة مشكلة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 372

[مسألة- 2 الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز الصلاة فيها و يرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي]

مسألة- 2 الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز الصلاة فيها و يرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي و لا تجوز أيضا في الأرض المشتركة إلا بإذن جميع الشركاء. (1)

[مسألة- 3 لا تبطل الصلاة تحت السقف المغصوب، و في الخيمة المغصوبة]

مسألة- 3 لا تبطل الصلاة تحت السقف المغصوب، و في الخيمة المغصوبة و الصهوة و الدار التي غصب بعض سؤرها إذا كان ما يصلى فيه مباحا، و ان كان الأحوط الاجتناب في الجميع. (2)

______________________________

(1) اما عدم جواز الصلاة في المغصوبة المجهول مالكها فلان الجهل بالملك لا يوجب ارتفاع حكم الغصب و هي الحرمة و المناط في صحة الصلاة هي إباحة المكان غاية الأمر لزوم الرجوع في أمرها إلى الحاكم الشرعي لثبوت الولاية له على مثل ذلك- كما قرر في محله.

و اما عدم جوازها في الأرض المشتركة بدون اذن جميع الشركاء فلما ذكر من تحقق الحكم بالحرمة بعد كون الملكية بنحو الشركة و الإشاعة فما دام لم يتحقق الإفراز أو الاذن لا ترتفع الحرمة كما هو ظاهر.

(2) قد فصل في العروة فيما إذا كان المكان مباحا و كان عليه سقف مغصوب بين ما إذا كان التصرف في ذلك المكان يعد تصرفا في السقف فالصلاة فيه باطلة و الا فلا فقال: لو صلى في قبة سقفها أو جدرانها مغصوب و كان بحيث لا يمكنه الصلاة فيها ان لم يكن سقف أو جدار أو كان عسرا و حرجا كما في شدة الحر أو شدة البرد بطلت الصلاة و ان لم يعدّ تصرفا فيه فلا ثم قال: و مما ذكرنا ظهر حال الصلاة تحت الخيمة المغصوبة فإنها تبطل إذا عدت تصرفا في الخيمة بل تبطل على هذا إذا كانت اطنابها أو مساميرها غصبا كما هو الغالب إذ في الغالب يعدّ تصرفا

فيها و الا فلا.

أقول: الظاهر هو الفرق بين عنوان التصرف و عنوان الانتفاع ضرورة ان الانتفاع بالسقف و الجدران في المثال من جهة شدة الحر أو البرد لا يكون محرما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 373

[مسألة- 4 لو اشترى دارا بعين المال الذي تعلق به الخمس أو الزكاة تبطل الصلاة فيها]

مسألة- 4 لو اشترى دارا بعين المال الذي تعلق به الخمس أو الزكاة تبطل الصلاة فيها إلا إذا جعل الحق في ذمته بوجه شرعي كالمصالحة مع المجتهد، و كذا لا يجوز التصرف مطلقا في تركته المتعلقة للزكاة و الخمس و حقوق الناس كالمظالم قبل أداء ما عليه، و كذا إذا كان عليه دين مستغرق للتركة بل و غير المستغرق الا مع رضا الديان أو كون الورثة بانين على الأداء غير متسامحين و الأحوط الاسترضاء من ولى الميت أيضا. (1)

______________________________

لأنه من قبيل الاصطلاء بناء الغير و الاستضاءة بنوره و لا يعدّ مثل ذلك تصرفا في مال الغير حتى يكون محرما و مجرد الانتفاع من دون صدق التصرف لا دليل على حرمته فالظاهر هو الجواز بنحو الإطلاق كما في المتن و ان كان الأحوط هو الاجتناب فيه و في مثله.

(1) اما مسألة الاشتراء فالمفروض فيها اشتراء الدار بعين المال المتعلق للخمس أو الزكاة بحيث كان الثمن نفس تلك العين و اما لو كان الثمن كليا ثابتا على العهدة و في ذمة المشتري غاية الأمر انه في مقام التسليم و التعيين قد عين الفرد المتعلق للخمس أو الزكاة فلا يجرى فيه هذا الحكم لعدم إيجابه الإخلال في المعاملة بوجه.

و اما في الفرض الذي هو محل البحث فمنشأ البطلان هو كون المعاملة بالإضافة إلى مقدار الزكاة أو الخمس فضوليا اما في الزكاة فلان الظاهر ثبوت الإجماع على تعلقها

بالعين و إضافتها إليها و ان وقع الاختلاف في كونه بنحو الشركة و الإشاعة أو بنحو الكلي في المعين أو من قبيل حق الرهانة أو على نحو آخر و على اى حال فالتصرف في تمام المال بالبيع أو غيره تصرف في مال الغير بغير اذنه أو في مال متعلق لحق الغير كذلك و هو يتوقف نفوذه على إجازته اللاحقة ان لم يكن سبق اذن في البين لكونه فضوليا أو بحكمه فإن أمضاه الحاكم ولاية على الأصناف الثمانية يكون لهم فيجب عليه ان يشترى هذا المقدار من الحاكم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 374

..........

______________________________

و يمكن ان يجعل الحق في ذمته بوجه شرعي كالمصالحة معه و مع عدم الإمضاء و الاشتراء و عدم جعل الحق في ذمته بالوجه المذكور تكون صلوته فيه باطلة.

و اما في الخمس فظاهر أدلته- خصوصا الآية الشريفة بلحاظ التعبير بالخمس الظاهر في الكسر المشاع و التعبير باللام الظاهر في الملكية- الإشاعة و الاشتراك و مقتضاه كون المعاملة بالإضافة إلى مقداره فضوليا يجرى فيه ما ذكر في الزكاة الا انه يظهر من بعض الروايات المفروغية عن صحة البيع و عدم افتقاره إلى الإجازة كرواية حرث بن حصيرة الأزدي المرسلة قال: وجد رجل ركازا على عهد أمير المؤمنين- عليه السّلام- فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم و مائة شاة متبع فلامته أمّي و قالت أخذت هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة و أنفسها مائة و ما في بطونها مائة قال فندم ابى فانطلق ليستقيله فأبى عليه الرجل فقال: خذ منى عشرة شياة خذ منى عشرين شياة فأعياه فأخذ أبي الركاز و اخرج منه قيمة ألف شاة فأتاه الأخر فقال:

خذ غنمك و أثنى

ما شئت فأبى فعالجه فأعياه فقال: لأضرن بك، فاستعدى أمير المؤمنين- عليه السّلام- على أبي فلما قص أبي على أمير المؤمنين- عليه السّلام- امره قال: لصاحب الركاز:

أدّ خمس ما أخذت فإن الخمس عليك فإنك أنت الذي وجدت الركاز و ليس على الأخر شي ء و لأنه إنما أخذ ثمن غنمه «1».

و رواية ريان بن الصلت قال: كتبت الى أبي محمد- عليه السّلام- ما الذي يجب علىّ يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي و في ثمن سمك و بردي و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة فكتب- عليه السّلام-: يجب عليك فيه الخمس ان شاء اللّٰه تعالى. «2»

و رواية أبي بصير المروية في آخر السرائر عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: كتبت إليه في الرجل يهدى اليه مولاه و المنقطع اليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس فكتب- عليه السّلام-: الخمس في ذلك، و عن الرجل يكون

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يجب فيه الخمس الباب السادس ح- 1.

(2) الوسائل أبواب ما يجب فيه الخمس الباب الثامن ح- 9،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 375

..........

______________________________

في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انما يبيع منه الشي ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب: اما ما أكل فلا، و اما البيع نعم هو كسائر الضياع «1» لكن الاولى في كمال الضعف من حيث السند و الأخيرتان لا تكونان ظاهرتين في محل البحث الذي هو البيع بعد استقرار الخمس بسبب كمال السنة و التمسك بالإطلاق غير تام بعد عدم ورودهما في مقام البيان من هذه الجهة فلا مجال للخروج بهما عما هو مقتضى القواعد و

ظاهر الأدلة.

ثم انه مما ذكرنا في مسألة الاشتراء يظهر انه لا يجوز التصرف مطلقا في التركة المتعلقة للزكاة و الخمس و حقوق الناس كالمظالم قبل أداء ما عليه لانه تصرف في ملك الغير أو متعلق حقه فلا يجوز بدون اذنه فالصلاة فيه باطلة.

و عطف عليه في المتن ما إذا كان عليه دين مستغرق للتركة بل و كذا غير المستغرق إلخ و قد وقع الاختلاف في الدين المستوعب في انتقال التركة معه الى الوارث و في الدين غير المستوعب في انتقال تمامها اليه على قولين:

أحدهما الانتقال كما هو المحكي عن كثير من كتب العلامة و جامع المقاصد و اختاره في محكي الجواهر.

ثانيهما عدم الانتقال كما هو المنسوب إلى الحلي و المحقق و عن المسالك و المفاتيح نسبته إلى الأكثر.

و ظاهر الكتاب و السنة هو الثاني قال اللّٰه تعالى في ذيل آية الإرث و ذكر بعض الفرائض مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* «2» و في ذيل آيته الأخرى بعده أيضا مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ «3».

و روى السكوني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: أوّل شي ء يبدأ به من المال

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يجب فيه الخمس الباب الثامن ح- 10.

(2) سورة النساء آية- 12

(3) سورة النساء آية- 14

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 376

..........

______________________________

الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث. «1»

و روى محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- ان الدين قبل الوصية ثم الوصية على اثر الدين ثم الميراث بعد الوصية فإن أول (اولى- خ ل) القضاء كتاب اللّٰه. «2»

و روى عباد بن صهيب عن أبي عبد اللّٰه- عليه

السّلام- في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما لزمه من الزكاة ثم اوصى ان يخرج ذلك فيدفع الى من يجب له قال فقال جائز يخرج ذلك من جميع المال انما هو بمنزلة الدين لو كان عليه ليس للورثة شي ء حتى يؤدى ما اوصى به من الزكاة قيل له فان كان اوصى بحجة الإسلام قال جائز يحج من جميع المال. «3»

و ذكر في محكي الجواهر ان الإجماع على ملك الوارث للزائد على المقدار المساوي للوصية أو الدين يوجب التصرف فيها بحملها على ارادة بيان ان سهام الوارث ليس مخرجها أصل المال بل مخرجها المقدار الزائد على الدين و الوصية فلا تدل على حكم المقدار المساوي لهما و انه باق على ملك الميت أو موروث للوارث فإذا خلت عن التعرض لذلك وجب الرجوع في تعيين حكمه الى عموم «ما ترك الميت فهو لورثته».

و لكنه ذكر في «المستمسك» انه لا منافاة بين الإجماع المذكور و بين ظهورها في نفى أصل الميراث في المقدار المساوي للدين و الوصية لأن ظاهر النصوص المذكورة ليس هو الترتيب الزماني ضرورة بطلانه بل الترتيب بمعنى الترجيح و الأهمية فيختص بصورة التزاحم و هو انما يكون في خصوص المقدار المساوي للدين أو الوصية فتدل على ان مقدار الدين لا مجال للعمل بالوصية فيه كما ان مقدار

______________________________

(1) الوسائل كتاب الوصايا الباب الثامن و العشرون ح- 1.

(2) الوسائل كتاب الوصايا الباب الثامن و العشرون ح- 2.

(3) الوسائل كتاب الوصايا الباب الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 377

..........

______________________________

الوصية لا توارث فيه فلا تنافي ثبوت التوارث في الزائد عليه.

و بالجملة لما

كان مفاد النصوص هو الترجيح يختص نفى التوارث فيها بما كان فيه تزاحم و هو خصوص ما كان مساويا للدين و بخصوص الثلث الذي هو مورد وجوب العمل بالوصية و لا تعرض فيها لنفي الإرث في الزائد على الدين و الوصية.

و يرد على ما أفاده في الجواهر- مضافا الى ان الحمل على ارادة بيان مخرج السهام انما يختص بما كان فيه التعرض للسهام كالايتين و لا يجري في الروايات الظاهرة في تأخر الميراث بنحو كلى من دون النظر الى خصوص السهام المقدرة- ان دعوى الانتقال بالإضافة الى جميع التركة لا تجتمع مع دعوى كون مخرج السهام ما هو الزائد على مقدار الدين و الوصية فإن ثبوت الانتقال في مقدارهما انما هو بنحو السهام لا بنحو آخر كما هو الظاهر فكيف يكون المخرج ما هو الزائد عليهما فإذا كان الثلث الثابت لصاحبه مخرجه الزائد و المفروض ثبوت الثلث له في المقدار المساوي فتكون النتيجة ثبوته بالإضافة الى جميع المال و لا مجال لدعوى كون مخرج الثلث هو خصوص الزائد كما لا يخفى هذا في الدين المستغرق.

و اما الدين غير المستغرق فعن جامع المقاصد و غيره الفرق بينه و بين الأول و يشهد له صحيح ابن أبي نصر انه سئل عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: ان استيقن ان الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم و ان لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال. «1» فان الظاهر ان الحكم بالإنفاق في الصورة الثانية ليس لأجل كونه- عليه السّلام- ولىّ الميت بل لأجل ان جوازه مقتضى الحكم الثابت في جميع الموارد.

ثم انه بناء على القول بعدم الانتقال

يكون عدم جواز الصلاة في ما تركه لأجل كونه تصرفا في مال الغير بغير اذنه أو تصرفا في المال المشترك بدون اذن الشريك و اما على القول بالانتقال فلا إشكال في نعلق الدين بالتركة في الجملة و في الجواهر:

______________________________

(1) الوسائل كتاب الوصايا الباب التاسع و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 378

[مسألة- 5 المدار في جواز التصرف و الصلاة في ملك الغير على إحراز رضائه و طيب نفسه]

مسألة- 5 المدار في جواز التصرف و الصلاة في ملك الغير على إحراز رضائه و طيب نفسه و ان لم يأذن صريحا بان علم ذلك بالقرائن و شاهد الحال و ظواهر تكشف عن رضاه كشفا اطمئنانيا لا يعتنى باحتمال خلافه و ذلك كالمضائف المفتوحة الأبواب و الحمامات و الخانات و نحو ذلك. (1)

______________________________

الإجماع بقسميه عليه و لازمة عدم جواز التصرف المتلف و نحوه مما يوجب انتفاء موضوع الحق و متعلقه و اما التصرف الناقل ففيه اشكال كما ان التصرف بمثل الصلاة و نحوها مما لا يكون له قيمة معتد به عند العقلاء فيمكن ان يقال بجوازه هذا في المستغرق و اما في غيره فالحكم بالإنفاق الذي هو من التصرف المتلف يدل على جواز التصرف الناقل و بطريق أوضح جواز الصلاة.

ثم ان استثناء صورة رضا الديان من الدين غير المستغرق أو كون الورثة بانين على الأداء غير متسامحين- على تقدير كون العطف بأو لا بالواو- يدل على ثبوت الجواز في موردين و هو انما يتم على تقدير الانتقال ضرورة انه مع عدمه لا مدخلية لرضا الديان بعد بقائه على ملك الميت و عدم انتقاله الى الوارث و ظاهر الرواية المتقدمة الجواز و لو مع عدم الرضا نعم ظاهرها البناء على الأداء من دون التسامح لأن السؤال عن الإنفاق

مع وجود الحاجة إليه كما هو الظاهر ظاهر في البناء على رعاية الوظيفة الشرعية المقتضية للبناء على الأداء في أول أوقات الإمكان كما لا يخفى.

و الاحتياط بالاسترضاء من ولى الميت انما ينشأ من احتمال عدم الانتقال و بقائه على ملك الميت.

هذا و يمكن إرجاع الاستثناء في المتن الى الدين المستغرق أيضا كما انه يمكن ان يكون الاستثناء على نحو اللف و النشر المرتب بان يكون رضا الديان راجعا الى الدين المستغرق و البناء على الأداء من دون التسامح الى الدين غير المستغرق و تحقيق الكلام في هذا المقام موكول الى محله.

(1) ظاهر مثل التوقيع الشريف المعروف المروي في الاحتجاج و هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 379

..........

______________________________

قوله- عجل اللّٰه تعالى فرجه الشريف- فلا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره بغير اذنه «1» اعتبار الاذن الظاهر في إنشائه في جواز التصرف في مال الغير و ظاهر مثل موثقة سماعة المشتملة على قوله- صلّى اللّٰه عليه و آله- فإنه لا يصل دم امرء مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفس منه «2» الاكتفاء بطيب النفس و الرضا الباطني من دون حاجة الى الإنشاء و لكن العرف يرى انه لا تعارض بينهما و ان مقتضى الجمع حمل الأول على الحكم الظاهري و الثاني على الحكم الواقعي نظرا الى ان الاذن طريق الى الرضا و لا موضوعية له بوجه فالملاك- ح- بعد الجمع المذكور هو الرضا و من الواضح لزوم إحرازه كما هو الشأن في جميع العناوين المتعلقة للأحكام الواقعية فبدون إحراز الرضا لا مسوغ للتصرف في مال الغير و لكن المحكي عن الذخيرة و البحار جواز الصلاة في كل موضع لا يتضرر

المالك بالكون فيه و كان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله و ان فرض عدم العلم برضا المالك الا ان تكون امارة على الكراهة و ربما يؤيد أو يستدل له بما دل على جعل الأرض مسجدا له- صلّى اللّٰه عليه و آله- و لأمته لمناسبة الامتنان للاكتفاء بالظن و بأصالة جواز التصرف في كل شي ء و الإجماع على المنع غير ثابت في صورة الظن و التوقيع ضعيف السند و الموثقة ظاهرة في خصوص التصرف المتلف.

و يرد عليه وضوح ان الحكم بحرمة التصرف في مال الغير بغير رضاه مما اجمع عليه جميع الأديان و الملل و لا حاجة في إثباته إلى مثل التوقيع و الموثقة مع انه قد وقع الخلط بين الحكم الواقعي و الحكم الظاهري فإنه تارة يبحث عن حرمة التصرف في مال الغير واقعا و من الواضح ثبوتها بنحو العموم و لا يكون دليلها منحصرا بمثل الروايتين و اخرى يبحث عن الاكتفاء بالظن في مقام الإحراز بمعنى انه لا حاجة في مقام إحراز الرضا الواقعي إلى العلم بثبوته بل يكفى فيه الظن و من المعلوم ان ما ذكر لا يصلح لإثبات جعل الظن مطلقا حجة في هذا المقام.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأنفال الباب الثالث ح- 6.

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الثالث ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 380

..........

______________________________

ثم ان الرضا ان أحرز بنحو العلم القطعي أو الاطمئنان الذي يعامل معه معاملة العلم بنظر العرف و ان لم يكن علما عقلا فلا إشكال في الاكتفاء به و ان أحرز بغيره فسيأتي الكلام فيه.

كما ان ظاهر أخذ الرضا في الدليل هو اعتبار الرضا الفعلي المتوقف على على التوجه و الالتفات

إلى المرضى و اما الرضا التقديري فإن كان لأجل عدم الالتفات و مرجعه الى ثبوته على تقدير تحققه و لازمة عدم الكراهة أيضا لأجل ما ذكر من عدم الالتفات فإن الكراهة كالرضا في هذه الجهة فظاهر الأصحاب الاكتفاء به في هذه الصورة و التسالم عليه و لعل وجهه عدم منافاته لسلطنة المالك بوجه فان المفروض تحقق رضاه على تقدير الالتفات و ان عدم تحققه لأجل عدمه.

و ان كان لأجل الجهل الواقع و مثله من الأمور الموجبة لعدم تحقق الرضا فعلا مع تحقق الالتفات فالظاهر عدم الاكتفاء به و ذلك لوجود الكراهة فعلا و مجرد الرضا على تقدير زوال جهله و علمه بالواقع لا يوجب تحققه بوجه و هذا كما في المعاملات المتوقفة على الرضا فإنه لو فرض إكراهه على بيع داره مع كون البيع مصلحة للمكره- بالفتح- بحيث لو توجه إليها لرضى به لا يوجب ذلك صحة المعاملة لوجود الرضا على تقدير العلم كما لا يخفى.

ثم انه مع عدم إحراز الرضا بالعلم أو الاطمئنان بل بالظن نقول ان كان منشأه هو الاذن الصريح كان يقول: أذنت لك بالتصرف في داري بالصلاة فالظاهر الاكتفاء به، لان ظواهر الألفاظ معتبرة عند العقلاء و الظن الحاصل منها حجة عندهم.

و ان كان منشأه هو الفحوى كان يأذن في التصرف بالقيام و القعود و النوم و الأكل فبالصلاة يكون راضيا بالأولى فالظاهر عدم حجيته لان الظن بالرضا بالصلاة لا يكون مستندا الى اللفظ لان المفروض اختصاص مفاده بمثل القيام و القعود

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 381

[مسألة- 6 يجوز الصلاة في الأراضي المتسعة كالصحاري و المزارع و البساتين التي لم يبن عليها الحيطان]

مسألة- 6 يجوز الصلاة في الأراضي المتسعة كالصحاري و المزارع و البساتين التي لم يبن عليها الحيطان بل

و سائر التصرفات اليسيرة مما جرت عليه السيرة كالاستطراقات العادية غير المضرة و الجلوس و النوم فيها و غير ذلك، و لا يجب التفحص عن ملاكها من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين كالصغار و المجانين، نعم مع ظهور الكراهة و المنع عن ملاكها و لو بوضع ما يمنع المارة عن الدخول فيها يشكل جميع ما ذكر و أشباهها فيها إلا في الأراضي المتسعة جدا كالصحاري التي من مرافق القرى و توابعها العرفية و مراتع دوابها و مواشيها فإنه لا يبعد فيها الجواز حتى مع ظهور الكراهة و المنع. (1)

______________________________

و نحوهما و الأولوية لا تستدعي إيقاعها في مفاد اللفظ و الظن المعتبر انما هو ما يكون مستندا الى اللفظ و مرتبطا بمدلوله نعم ربما يكون ذكر القيام و نحوه في الكلام على سبيل المثال و المقصود افادة مطلق التصرفات المشابهة و ما يكون اولى من المذكور فإنه- ح- تقع الصلاة كالمذكور و المفروض غير هذه الصورة و فيه لا دليل على اعتبار الظن بعد عدم كونه مدلولا للكلام و لو عرفا و عدم دخوله في إحدى الدلالات الثلاثة اللفظية- المطابقة و التضمن و الالتزام- لتوقف الثالثة على كون اللزوم بينا بالمعنى الأخص كما قرر في محله.

و ان كان منشأه هو شاهد الحال و القرائن غير اللفظية فالظاهر عدم اعتباره أيضا لعدم استناده الى اللفظ و لا دليل على حجية الظن غير المستند اليه الا ان يكون الفعل كاللفظ مما جرى بناء العقلاء على الاعتماد عليه كما إذا فتح باب داره لإقامة العزاء فيه مثلا مع وجود أمارات اخرى عليه- كما هو المعمول في زماننا هذا- في بلادنا فإنه لا يبعد جواز الاعتماد على الظن

الحاصل من ذلك لبناء العقلاء على الاعتماد عليه كالاعتماد على اللفظ.

(1) الوجه في جواز الصلاة في الأراضي المتسعة بل مطلق التصرفات اليسيرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 382

[مسألة- 7 المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه ما استقر عليه المصلى]

مسألة- 7 المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه ما استقر عليه المصلى و لو بوسائط على اشكال فيه، و ما شغله من الفضاء في قيامه و ركوعه و سجوده و نحوها فقد يجتمعان كالصلاة في الأرض المغصوبة، و قد يفترقان كالجناح المباح الخارج الى فضاء غير مباح و كالفرش المغصوب المطروح على ارض غير مغصوبة. (1)

______________________________

مما هو مذكور في المتن و شبهه هي السيرة القطعية العملية من المتشرعة المتصلة بزمان المعصوم- عليه السّلام- لا أدلة نفى الحرج و الضرر لان دليل نفى الضرر- على ما ما هو التحقيق- راجع الى مقام الحكومة و السلطنة لا التشريع، و دليل نفى الحرج واقع في مقام الامتنان و هو لا يجرى فيما إذا لزم من جريانه خلاف الامتنان في حق الغير مضافا الى دورانه مدار الحرج الشخصي مع ان المدعى كلى فالدليل المنحصر هي السيرة المذكورة.

ثم ان الظاهر اختصاص السيرة بما إذا لم يكن هناك أمارة دالة على ظهور الكراهة و المنع من المالك كبناء الحيطان و وضع ما يمنع المارة عن الدخول فيها نعم في الأراضي المتسعة جدا مثل ما ذكر في المتن الظاهر ثبوت الجواز حتى مع المنع و ظهور الكراهة فإنه لم يعهد الترك مع ظهورها بل جرت سيرة المتشرعة على التصرفات المذكورة في تلك الأراضي مع الوصف المذكور أيضا فاللازم في المقام ملاحظة السيرة و تشخيص موارد ثبوتها عن غيرها كما لا يخفى

(1) المكان تارة يستعمل في مقام اعتبار الطهارة

و اخرى في مقام اعتبار الإباحة كما انه ربما يستعمل في مسألة اشتراط عدم تقدم المرأة على الرجل في الصلاة و عدم محاذاتها له و في مسألة اشتراط عدم التقدم على قبر المعصوم أو مساواته له.

اما ما يستعمل في مقام اعتبار الطهارة فالمراد به اما خصوص موضع الجبهة أو مطلق محل قرار المصلى و هو سطحه الظاهر، كما انه سيأتي ما هو المراد بالأخيرين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 383

..........

______________________________

و اما ما يستعمل في مقام اعتبار الإباحة الذي هو محل البحث في المقام فالمراد به- كما عن جامع المقاصد- الفراغ الذي يشغله بدن المصلى أو يستقر عليه بوسائط و عن الإيضاح انه في نظر الفقهاء ما يستقر عليه المصلى و لو بوسائط و ما يلاقي بدنه و ثوبه و ما يتخلل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة كما يلاقي بدنه و يحاذي بطنه و صدره و قد أورد على كل من التعريفين، ببعض الإيرادات و لكن التحقيق ان لفظ «المكان» لم يقع في لسان دليل معتبر بل هو مذكور في معقد الإجماع على اشتراط الإباحة الذي قد عرفت انه هو الدليل على الاشتراط لا الدليل العقلي من ناحية اجتماع الأمر و النهى و عليه فاللازم ملاحظة ان مراد المجمعين منه ما ذا و الظاهر بلحاظ وقوع الاستناد الى الدليل العقلي المذكور في كلمات جماعة منهم ان مرادهم ما يكون التصرف فيه متحدا مع الصلاة و لو بلحاظ بعض اجزائها و عليه فلا إشكال في البطلان فيما إذا كان ما استقر عليه المصلى غصبا نعم إذا كان هناك وسائط فالظاهر ان الموارد مختلفة فتارة يتحقق التصرف مع وجودها كما إذا صلى

على فرش مغصوب مع الاستقرار عليه بواسطة فرش أو فرشين أو أكثر فإنه هناك يتحقق صدق التصرف في المغصوب و الاستقرار عليه و اخرى لا يصدق كما إذا صلى على سقف مباح معتمد على جدار مغصوبة فإنه في مثله لا يتحقق عنوان التصرف في المغصوب فان التصرف في السقف غير التصرف في الجدار و ان كان لا يثبت بدونه و كما إذا كان في ذيل الجدار بعض الاجزاء المغصوب فإن الصلاة فوق الجدار لا يكون تصرفا في ذلك البعض عرفا هذا بالنسبة إلى الاستقرار.

و اما بالإضافة إلى الفراغ و القضاء الذي يشغله المصلى في قيامه و ركوعه و سجوده و نحوها فالبحث فيها يتوقف على تحقق عنوان الغصب فيه و هو يتوقف على ثبوت الملكية بالنسبة اليه و قد ذكر فيه أقوال ثلاثة:

أحدها: ان كل من يملك أرضا فهو مالك لفضائها الى عنان السماء و لقرارها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 384

..........

______________________________

الى تخوم الأرضين كما هو الحال في الكعبة المشرفة التي يعتبر استقبالها في الصلاة التي قد ورد في شأنها انها قبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء.

الثاني: انه مالك لمقدار من الفراغ الذي يتوقف عليه تصرفاته في أرضه بعين ملكيته للأرض و لمقدار آخر منه بتبعية الأرض بمنزلة الحريم لها.

الثالث: القول الثاني مع الافتراق في القول بأولوية مالك الأرض بالإضافة إلى المقدار التابع لا الملكية.

و الظاهر انه لا دليل على القول الأول و لا يساعده العقلاء بوجه و اما الأخيران فالتحقيق في تعيين ما هو الحق منهما موكول الى محله و لكنه لا يترتب عليه ثمرة مهمة في المقام لانه كما لا يجوز التصرف في ملك الغير كذلك لا

يجوز التصرف في متعلق حق الغير الا مع اذنه.

ثم ان الصلاة تحت السقف المغصوب لا تكون تصرفا في المغصوب بوجه بل انما هو انتفاع به في بعض الموارد و لا دليل على حرمة مجرد الانتفاع من دون تصرف كما تقدم في مثل الاصطلاء بناء الغير و الاستضاءة بنوره و النظر الى بستانه أو عمارته و لا وجه لما هو المحكي عن ظاهر الجواهر من حرمة الانتفاع بمال الغير كحرمة التصرف فيه و ان حكم بصحة الصلاة في الفرض المزبور نظرا الى عدم اتحاد الانتفاع بمال الغير مع الاجزاء الصلاتية بخلاف التصرف فيه قال: للفرق الواضح بين الانتفاع حال الصلاة و بين كون الصلاة نفسها تصرفا منهيا عنه و المتحقق في الفرض الأول إذ الأكوان من الحركات و السكنات في الفضاء المحلل و يقارنها حال الانتفاع بالمحرم و هو أمر خارج عن تلك الأكوان لا انها افراده ضرورة عدم حلول الانتفاع فيها حلول الكلي في أفراده كما هو واضح بأدنى تأمل.

و الظاهر ان عدم حرمة الانتفاع من دون التصرف كاد ان يكون من ضروريات الفقه و العقلاء فلا يبقى مجال لما افاده- قدس سره- كما انك عرفت ان الدليل على البطلان في أصل المسألة ليس هو اتحاد التصرف مع الاجزاء الصلاتية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 385

[مسألة- 8 الأقوى صحة صلاة كل من الرجل و المرأة مع المحاذاة أو تقدم المرأة]

مسألة- 8 الأقوى صحة صلاة كل من الرجل و المرأة مع المحاذاة أو تقدم المرأة لكن على كراهية بالنسبة إليهما مع تقارنهما في الشروع و بالنسبة إلى المتأخر مع اختلافهما لكن الأحوط ترك ذلك، و لا فرق فيه بين المحارم و غيرهم، و لا بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين بل يعم

الحكم الزوج و الزوجة أيضا، و ترتفع الكراهة بوجود الحائل و بالبعد بينهما عشرة أذرع بذراع اليد، و الأحوط في الحائل كونه بحيث يمنع المشاهدة، كما ان الأحوط في التأخر كون مسجدها وراء موقفه و ان لا تبعد كفاية مطلقهما (1)

______________________________

بل الدليل هو الإجماع و الا فالقاعدة لا تقتضي البطلان.

(1) المشهور بين المتقدمين من الأصحاب بطلان صلاة كل من الرجل و المرأة مع المحاذاة أو تقدم المرأة و ان كانوا بين من يكون البطلان ظاهر تعبيره لتعبيره بعدم الجواز الظاهر فيه و بين من يكون البطلان صريح كلامه لتصريحه به و لكن الشهرة انقلبت بين المتأخرين إلى الكراهة و منشأ الخلاف اختلاف الأخبار الكثيرة الواردة في الباب و اللازم ملاحظتها فنقول:

اما ما ظاهره الجواز فروايات:

منها مصححة جميل عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه قال: لا بأس ان تصلى المرأة بحذاء الرجل و هو يصلى فإن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يصلى و عائشة مضطجعة بين يديه و هي حائض، و كان إذا أراد ان يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد. «1»

و التعليل المذكور في الرواية مضافا الى غرابته في نفسه المشعرة بصدورها تقية لا يصلح علة للحكم المذكور في الرواية لأن مورد الحكم صلاة المرأة بحذاء الرجل و هو يصلى و بعبارة أخرى مورده ما إذا صلى كلاهما معا و مقتضى التعليل جواز صلاة الرجل و المرأة بين يديه و هي لا تصلى.

و دعوى استقامة التعليل بتقريب ان تقدمها مضطجعة في حال الحيض إذا لم

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الرابع ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 386

..........

______________________________

يكن مانعا عن صلاة الرجل فتقدمها في حال

الصلاة أولى بعدم المانعية.

مدفوعة بأن مثل هذا التعليل لو كان صالحا للعلية لكان الحكم في أصل المسألة واضحا بعد ظهور جواز تقدم المرأة في غير حال الصلاة على الرجل المصلى فالتعليل غير مستقيم و لأجله احتمل التصحيف في الرواية و ان الصحيح: «ان تضطجع المرأة» بدل «تصلى» كما انه احتمل بل استظهر ان يكون بدله «لا تصلى» بحيث كانت كلمة «لا» ساقطة لكن لا مجال لشي ء من الاحتمالين لأنهما يرفعان الوثوق بالأخبار المضبوطة في الكتب المدونة و في التعليل اشكال أخر و هو عدم انطباقه على الصدر من جهة ان الحكم بعدم البأس فيه انما يكون محمولا على صلاة المرأة بحذاء الرجل و التعليل يدل على جواز صلاة الرجل و لو كانت بحذائه امرأة هذا مضافا الى ان طريق الصدوق الى الجميل وحده مما لا تعلم صحته.

و منها مرسلة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في الرجل يصلى و المرأة تصلي بحذاه قال لا بأس. «1» و هذه الرواية و ان كانت دليلا على الجواز مطلقا الا ان الظاهر اتحادها مع مرسلته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في الرجل يصلى و المرأة بحذاه أو الى جنبيه قال: إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس. «2» بمعنى ان الراوي و هو جميل سئل الإمام- عليه السّلام- عن حكم المسألة مرة واحدة و اجابه بجواب واحد و هو مردد بين ان يكون هو الحكم بعدم البأس مطلقا أو مقيدا بما إذا كان سجودها مع ركوعه و الظاهر هو الثاني لأنه إذا دار الأمر بين الزيادة السهوية و النقيصة كذلك يكون الترجيح- بمقتضى حكم العرف- مع الثاني.

و يؤيد كونهما رواية واحدة اشتراك الروايتين

من حيث السند من ابن فضال إلى الأخر حيث انه روى في كلتيهما عمن أخبره عن جميل كما أنه يؤيد كون الحكم مقيدا ما رواه ابن فضال عن ابن بكير عمن رواه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 6

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب السادس ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 387

..........

______________________________

الرجل يصلى و المرأة تصلي بحذاه أو الى جانبه فقال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس. «1»

بل يحتمل قويا اتحادها معهما أيضا نظرا الى ان المراد ممن روى عنه ابن بكير في سند هذه الرواية هو الجميل المذكور في الروايتين و المراد ممن أخبره فيهما هو ابن بكير المذكور في هذه الرواية فيرفع كل واحد إجمال الأخر و يرتفع الاشكال عن جميع الروايات الثلاثة من جهة الإرسال و لكن لا يمكن الاتكاء على هذا الاحتمال و ان كان قويا- كما عرفت.

و المراد من كون سجودها مع ركوعه يحتمل ان يكون تساوى رأس المرأة في حال السجود مع رأس الرجل في حال الركوع اى كانت متأخرة عنه بهذا المقدار، و يحتمل ان يكون المراد وقوع رأسها في حال السجود محاذيا لأول جزء من بدن الرجل اى يجب التأخر بهذا المقدار و يبعد هذا الاحتمال انه لا فرق- حينئذ- بين حال الركوع و حال القيام لعدم الفرق في أول الجزء بينهما فيكون ذكر الركوع بلا فائدة و يقربه رواية هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه. «2»

و منها صحيحة الفضيل عن أبي جعفر- عليه السّلام-

قال انما سميت مكة بكة لأنه يبكّ فيها الرجال و النساء و المرأة تصلي بين يديك و عن يمينك و عن يسارك و معك و لا بأس بذلك و انما يكره في سائر البلدان. «3» و لا دلالة فيها على فرض صلاة الرجل أيضا و ليس قوله: «معك» ظاهرا فيه و عليه فيمكن ان يكون المراد صلاة المرأة في وسط الرجال بحيث كانت بين أيديهم إلخ من دون فرض صلوتهم و لا دليل على عدم الكراهة في سائر البلد ان في هذه الصورة كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب السادس ح- 5.

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 9.

(3) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 388

..........

______________________________

و منها خبر عيسى بن عبد اللّٰه القمي حيث انه سئل الصادق- عليه السّلام- عن امرأة صلت مع الرجال و خلفها صفوف و قدامها صفوف قال- عليه السّلام- مضت صلوتها و لم تفسد على أحد و لا تعيد و لكنه لم ينقل في الكتب المعدة لنقل الأحاديث بل مذكور في بعض الكتب الفقهية.

و اما ما ظاهره المنع فروايات أيضا:

منها صحيحة إدريس بن عبد اللّٰه القمي قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرجل يصلى و بحياله له امرأة قائمة على فراشها جنبا فقال: ان كانت قاعدة فلا يضرك و ان كانت تصلى فلا «1» و المراد بكونها قاعدة عدم الاشتغال بالصلاة كما هو ظاهر و منها رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرجل يصلى و المرأة بحذاه عن يمينه أو عن يساره فقال: لا بأس به

إذا كانت لا تصلى. «2»

و منها صحيحة محمد عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا؟ قال: لا و لكن يصلى الرجل فإذا فرغ صلت المرأة «3» و بهذا المضمون روايات أخر أيضا.

و منها صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى- عليه السّلام- قال: سألته عن امام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلى و هي تحسب انها العصر هل يفسد ذلك على القوم و ما حال المرأة في صلوتها معهم و قد كانت صلت الظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة. «4»

و الوجه في عدم الإفساد على القوم يمكن ان يكون هو عدم قدح التقدم و المحاذاة مع الرجل و يمكن ان يكون هو تأخر المرأة في الشروع في الصلاة الموجب

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الرابع ح- 1.

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الرابع ح- 2.

(3) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 2.

(4) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب التاسع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 389

..........

______________________________

لبطلان صلوتها فقط مع اعتبار عدم التقدم و المحاذاة.

كما ان الوجه في لزوم إعادة المرأة صلوتها يحتمل ان يكون هو إخلالها بما هو المعتبر من عدم التقدم و المحاذاة لفرض وقوعها بحذاء الامام و متقدمة على المأمومين و عليه فتكون الرواية من أدلة المنع في المقام، و يحتمل ان يكون هو الإخلال بما هو المعتبر في صلاة الجماعة من جهة الموقف و هو تأخر المأموم عن الامام و عدم وقوعه بحذائه من دون فرق في ذلك بين الرجل و المرأة، و يحتمل ان يكون هو راجعا إلى النية نظرا الى حسبانها ان

الامام يصلى العصر و قد كان يصلى الظهر و اقتداء صلاة العصر بالظهر و ان كان مما لا مانع منه الا ان تقييد النية بما نواه الامام بتخيل المطابقة ربما يمنع عن الصحة بعد كشف الخلاف فتدبر و لعل عبارة السؤال تكون ظاهرة في هذا الاحتمال و كيف كان فلم يظهر من الرواية دلالتها على المنع فيما هو محل الكلام.

و منها موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث انه سئل عن الرجل يستقيم له ان يصلى و بين يديه امرأة تصلي؟ فقال ان كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت «1» و الظاهر اتحادها مع موثقته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- انه سئل عن الرجل يستقيم له ان يصلى و بين يديه امرأته تصلى؟ قال ان كانت تصلى خلفه فلا بأس و ان كانت تصيب ثوبه. «2»

و منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال سألته عن المرأة تصلى عند الرجل فقال: لا تصلى المرأة بحيال الرجل الا ان يكون قدامها و لو بصدره. «3»

و لكنه لا ظهور لها في فرض صلاة الرجل أيضا بل يمكن ان يكون مورد السؤال هو نفس صلاة المرأة مع وجود الرجل و لا مجال لدعوى وضوح ثبوت الجواز في هذا

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الرابع ح- 6.

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب السادس ح- 4.

(3) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب السادس ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 390

..........

______________________________

الفرض فان التتبع في الروايات يقضى بكونه موردا للشك و مسئولا عنه.

و اما الروايات الظاهرة في التفصيل فكثيرة أيضا.

منها

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن الرجل يصلى في زاوية الحجرة و امرأته أو ابنته تصلى بحذاه في الزاوية الأخرى قال لا ينبغي ذلك فان كان بينهما شبر أجزأه، يعني إذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر. «1»

و الظاهر ان المراد بلا ينبغي في الرواية هو البطلان لا الكراهة، و تفسير المراد من الشبر و ان وقع من الراوي الا ان الظاهر ان لفظ «شبر» بالشين المعجمة و الباء الموحدة تصحيف «الستر» بالسين المهملة و التاء المثناة من فوق إذ من البعيد ان تكون الحجرة بالغة في الضيق الى حد يكون الفاصل بين الشخصين الواقعين في زاويتيها مع التحاذي مقدار شبر واحد و يؤيده رواية محمد الحلبي قال:

سألته (يعني أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام-) عن الرجل يصلى في زاوية الحجرة و ابنته أو امرأته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى قال: لا ينبغي ذلك الا ان يكون بينهما ستر فان كان بينهما ستر أجزأه. «2»

و قد عرفت ان تفسير الراوي لا يساعد ذلك و قد ذكر صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين انه يمكن صحتهما.

و منها رواية أبي بصير هو ليس المرادي قال سألته عن الرجل و المرأة يصليان في بيت واحد، المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال: لا الا ان يكون بينهما شبر أو ذراع ثم قال: كان طول رحل رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- ذراعا و كان يضعه بين يديه إذا صلى يستره ممن يمر بين يديه. «3»

قال في الوافي: أريد بالرحل رحل البعير و أريد بطوله ارتفاعه من الأرض

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 1.

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الثامن ح- 3.

(3) الوسائل أبواب

مكان المصلى الباب الخامس ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 391

..........

______________________________

اعنى السمك. و يحتمل قريبا بقرينة الذيل ان يكون المراد بقوله: الا ان يكون ..

وجود حائل بينهما كان طوله شبرا أو ذراعا، كما انه يحتمل ان يكون المراد تقدم الرجل على المرأة بهذا المقدار.

و الظاهر اتحادها مع روايته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته عن الرجل و المرأة يصليان جميعا في بيت، المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال لا حتى يكون بينهما شبرا و ذراع أو نحوه. «1» و عليه فيرتفع اشكال الإضمار عن روايته الاولى.

و منها رواية عبد اللّٰه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- أصلي و المرأة إلى جنبي (جانبي) و هي تصلى قال لا الا ان تقدم هي أو أنت، و لا بأس أن تصلى و هي بحذاك جالسة أو قائمة. «2»

فإن كان المراد بقوله: الا ان تقدم .. هو التقدم في الموقف مع التقارن في الصلاة فالظاهر ان الرواية معرض عنها لان التقدم اولى بالمنع من الجنب المفروض في سؤال الرواية، و ان كان المراد هو التقدم في أصل إيقاع الصلاة بمعنى كون صلاة واحد منهما قبل الأخر فالرواية تصير من أدلة مطلق المنع و يصير الاستثناء منقطعا لان المفروض في السؤال هو التقارن في الصلاة.

و منها رواية معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه سأله عن الرجل و المرأة يصليان في بيت واحد، قال إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها و هو وحده و لا بأس. «3»

و منها رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال إذا كان بينها و بينه ما لا

يتخطى

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 4.

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 5.

(3) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 392

..........

______________________________

أو قدر عظم الذراع فصاعدا فلا بأس. «1»

و منها رواية حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في المرأة تصلي إلى جنب الرجل قريبا منه فقال إذا كان بينهما موضع رجل (رحل) فلا بأس. «2» و المراد بموضع الرجل يحتمل ان يكون هي الخطوة و يحتمل ان يكون مقدار باطن القدم الذي هو مقدار الشبر.

و منها رواية أخرى لزرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له المرأة و الرجل يصلى كل واحد منهما قبالة صاحبه؟ قال: نعم إذا كان بينهما قدر موضع رحل. «3»

و منها رواية ثالثة لزرارة قال: قلت له المرأة تصلي حيال زوجها؟ قال تصلى بإزاء الرجل إذا كان بينها و بينه قدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا. «4»

و منها موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه سئل عن الرجل يستقيم له ان يصلى و بين يديه امرأة تصلي؟ قال لا يصلى حتى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع، و ان كانت عن يمينه و عن يساره جعل بينه و بينها مثل ذلك فان كانت تصلى خلفه فلا بأس و ان كانت تصيب ثوبه و ان كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت. «5»

و الظاهر اتحادها مع الموثقتين المتقدمتين فيما ظاهره المنع بمعنى ان هذه تمام الرواية و ما تقدم مشتمل على بعضها كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح-

8.

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح 11.

(3) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 12.

(4) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 13.

(5) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 393

..........

______________________________

و منها صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال سألته عن الرجل يصلى ضحى و امامه امرأة تصلي، بينهما عشرة أذرع قال لا بأس ليمض في صلوته. «1» و لكنها لا تبلغ من الظهور في اعتبار العشرة مرتبة الموثقة كما هو ظاهر.

و منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السّلام- في المرأة تصلى عند الرجل قال: إذا كان بينهما حاجز فلا بأس. «2» و مقتضى إطلاقها لو لا انه المنصرف اليه الشمول لحال الصلاة الرجل أيضا و يؤيد الانصراف ظهور الجواب في اعتبار الحاجز مع انه لا يعتبر مع عدم صلاة واحد منهما.

و منها صحيحة أخرى لعلي بن جعفر عن أخيه- عليهما السّلام- قال سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى في مسجد قصير الحائط و امرأة قائمة تصلى و هو يراها و تراه قال: ان كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس. «3» و الظاهر ان المراد صلاة المرأة خارج المسجد و الا لا يبقى وجه لذكر الحائط القصير، و المراد بوجود الحائط يمكن ان يكون هو اعتباره من جهة الحيلولة و الحجب و لو في الجملة كما في الحائط القصير و يحتمل ان يكون لأجل ملازمته مع الفصل بين الموقفين بمقدار ذراع أو أزيد كما هو المعمول في الحيطان في الأزمنة السابقة.

و مثلها روايته الأخرى عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام-

في حديث قال سألته عن الرجل يصلى في مسجد حيطانه كوى كله قبلته و جانباه و امرأته تصلي حياله يراها و لا تراه قال: لا بأس. «4» قال في الوافي: «الكواء- ممدودا و مقصورا جمع الكوة بالتشديد و هي الروزنة».

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب السابع ح- 2

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الثامن ح- 2

(3) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الثامن ح- 4.

(4) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 394

..........

______________________________

إذا عرفت ما أوردناه من الروايات الواردة في المسألة التي هي طوائف ثلاثة:

طائفة تدل على الجواز مطلقا، و اخرى على المنع كذلك و ثالثة على التفصيل مع الاختلاف الكثير بين روايات هذه الطائفة أيضا فاعلم أن روايات الجواز أكثرها بل جميعها مخدوشة من حيث السند حتى رواية الجميل التي رواها عنه الصدوق بإسناده لما مر من ان سند الصدوق الى الجميل وحده مما لم تعلم صحته مضافا الى اشتمالها على التعليل الذي مر انه لا ملاءمة بينه و بين الحكم المذكور في الرواية و ان كان يمكن ان يقال بأن غرابة التعليل لا توجب الخدشة في الحكم المذكور في الرواية و بالجملة روايات الجواز غير قابلة للاستناد إليها له فلم تبق في المسألة الا الطائفتان الأخيرتان.

و ليعلم ان ما دل من الطائفة الثالثة على اعتبار وجود الحاجز بين الرجل و المرأة لا ينافي ما دل على المنع مطلقا لان مورد هذه الطائفة صورة عدم وجود الحاجز كما لا يخفى فمدلولهما من حيث إطلاق المنع واحد.

ثم ان الجمع بين الطائفتين يمكن على أحد وجهين:

الأول: حمل النهي في الطائفة المانعة على الكراهة و التصرف في ظهورها

في إطلاق النهي نظرا إلى صراحة الطائفة المفصلة في الحكم بالجواز و عدم المنع مقيدا بالقيود المذكورة فيها فيحمل ظهور الاولى في الحكم بالتحريم على الإطلاق على الكراهة في مورد تلك القيود و يقال بكراهة الصلاة فيما إذا كان بينهما شبر أو ذراع أو موضع رحل أو عشرة أذرع و يحمل اختلاف القيود على اختلاف الكراهة فهي في الشبر أشد و أقوى و في عشرة أذرع أضعف و انقص من من سائر المراتب.

الثاني إبقاء الطائفة المانعة على حالها من إطلاق النهى و التصرف في الروايات المفصلة بكون مورد التفاصيل المذكورة فيها ليس صورة التحاذي أو تقدم المرأة بل موردها فرض تقدم الرجل على المرأة بذلك المقدار المذكور فيها بحمل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 395

..........

______________________________

العناوين المذكورة فيها من الحذاء و الحيال و الجنب و اليمين و اليسار على العرفي منها غير المنافي لتقدمه عليها في الجملة.

و ربما يؤيد الثاني تفسير الشبر في إحدى روايات محمد بن مسلم المتقدمة التي وقع فيها السؤال عن الرجل يصلى في زاوية الحجرة و امرأته أو ابنته تصلى بحذاه في الزاوية الأخرى بما إذا كان الرجل متقدما على المرأة بشبر فإنه يظهر منه انه لا منافاة بين تحقق المحاذاة و وقوع البينية بهذا المعنى و عليه تكون المحاذاة بمعناها العرفي غير المنافي للتأخر بهذا المقدار كما انه لا ينافي ذلك مع ظهور مثل التعبير في كون المراد بها هي البينية في جميع الأحوال فإن لازم التأخر بهذا المقدار هو التأخر في جميع حالات الصلاة فإن المتأخر بشبر يكون في ركوعه و سجوده أيضا متأخرا بهذا المقدار كما لا يخفى.

و يؤيد الثاني أيضا الاستثناء الواقع في

إحدى روايات زرارة المتقدمة من قوله- عليه السّلام- لا تصلى المرأة بحيال الرجل بقوله الا ان يكون قدامها و لو بصدره فان الظاهر كون الاستثناء متصلا و لازمة كون التقدم على المرأة أيضا في الجملة من مصاديق الحيال.

و يؤيده أيضا روايتا محمد بن مسلم و أبي بصير المتقدمتان الواردتان في حكم صلاة الرجل و المرأة المتزاملين و انه لا يجوز ذلك بل يصلى الرجل أولا ثم المرأة فإن هذا لا يناسب الكراهة مع انه في السفر يرخص ما لا يرخص في غيره و من الواضح ثبوت مقدار الشبر بين طرفي المحمل فتدلان على المنع في مورد الشبر و دعوى عدم وقوعهما في هذا المقام كما في تقريرات النائيني- قده- مدفوعة جدا.

و يؤيده أيضا احدى روايات الجميل المتقدمة المشتملة على قوله- عليه السّلام- في مقام الجواب عن السؤال عن الرجل يصلى و المرأة بحذاه أو الى جنبيه: إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس فإن الظاهر من الجواب انقسام مورد السؤال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 396

..........

______________________________

إلى قسمين و الحكم بعدم البأس في قسم واحد منهما و عليه فيكون التأخر بهذا المقدار غير مناف للجنب و الحذاء و الا يلزم ان يكون حكم مورد السؤال مستفادا من المفهوم و هو خلاف الظاهر.

و يضعف ظهور قوله- عليه السّلام- بينهما شبر أو ذراع في كون الفصل بين الموقفين مع وقوعهما في خط مستقيم كذا ما يستفاد من احدى روايات أبي بصير المتقدمة من احتمال كون المراد هو الحجب بهذا المقدار بان كان الشبر أو الذراع طول ارتفاع الحائل كما مرّ.

فهذه كله مما يوجب تضعيف الظهور المذكور بحيث لا يأبى عن الحمل على التأخر

بهذا المقدار كما هو مقتضى الوجه الثاني من وجهي الجمع.

و يمكن الإيراد على الوجه الأول بأن حمل النهى على الكراهة انما هو فيما إذا كان النهى نهيا مولويا ظاهرا في التحريم و اما إذا كان النهي للإرشاد إلى الفساد و البطلان كما هو الظاهر من النواهي الواردة في مثل المقام من العبادات و المعاملات فلا وجه للحمل على الكراهة.

و دعوى إمكان التقييد بموارد الروايات المفصلة و إبقاء النهي عن حاله من الإرشاد إلى الفساد في غير تلك الموارد مدفوعة بأن لازمة عدم تحقق المورد للإطلاقات المانعة لان الفصل بأقل من الشبر مع المحاذاة الحقيقية قلما يتفق لو لم نقل بعدم اتفاقه بناء على ان يكون المراد بقوله: بينهما شبر هو الفصل بين للموقفين فان الفصل بهذا المقدار بينهما يلازم اتصال البدنين من ناحية الأيدي هذا مضافا الى ان الاختلاف في التقييد من سنخ واحد بما يرجع الى الاختلاف بين الشبر و عشرين شبرا الذي هو عبارة عن عشرة أذرع في غاية البعد فان الاختلاف إذا لم يكن من سنخ واحد فلا استبعاد فيه و اما في السنخ الواحد كما في المقام فبعيد جدا.

و بذلك كله يظهر صحة ما قربه صاحب الحدائق- قده- من حمل نصوص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 397

..........

______________________________

التقدير بما دون العشرة على صورة تقدم الرجل على المرأة لا المحاذاة و التقييد بما دون العشرة انما هو لأجل ان موثقة سماعة المتقدمة الدالة عليها صريحة في ان اعتبارها انما هو بالنسبة الى الامام و اليمين و اليسار و اما الخلف فيكفي تحققه بالإضافة إلى المرأة و ان كانت تصيب ثوبه.

ثم ان هاهنا أمورا لا بدّ من التنبيه عليها:

أحدها:

فيما ترتفع به الحرمة الوضعية أو الكراهة التي يقول بها المتأخرون- على ما هو المشهور بينهم- و هي أمور مستفادة من الروايات المتقدمة:

الأول: تأخر المرأة عن الرجل في الجملة و اليه ينظر جمع من الاخبار المفصلة المتقدمة بل كلها سوى ما دل على اعتبار عشرة أذرع بناء على ما اخترناه في معناها و اما بناء على الكراهة فالدال على هذا الأمر جملة من تلك الاخبار.

و لكن مقتضى الروايات من حيث اعتبار مقدار التأخر مختلف:

مقتضى بعض روايات محمد بن مسلم المتقدمة ان يكون بينهما شبر بناء على ان يكون الشبر بالشين المعجمة و الباء الموحدة و كان المراد التأخر بهذا المقدار كما وقع التفسير به في نفس هذه الرواية و يجرى فيه احتمالان لانه يمكن ان يكون المراد وجود الفصل بهذا المقدار بين رءوس أصابع رجل المرأة و بين خلف رجل الرجل و يمكن ان يكون المراد وجود هذا الفصل بين رءوسي الأصابع منهما.

و مقتضى مرسلتي جميل و ابن بكير المتقدمتين اعتبار ان يكون سجودها مع ركوعه و قد تقدم الاحتمالان في معنى هذا القيد و ترجيح أحدهما على الأخر و مقتضى بعض روايات زرارة اعتبار كون الرجل متقدما على المرأة و لو بصدره و الظاهر انه أقل مراتب التأخر و ينطبق عليه رواية الشبر بناء على الاحتمال الثاني في معناها و رواية كون سجودها مع ركوعه بناء على أحد الاحتمالين و هو الاحتمال الراجح الذي يرجع الى ان المراد كون رأس المرأة في حال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 398

..........

______________________________

السجود محاذيا لرأس الرجل في حال الركوع كما لا يخفى.

و مقتضى بعض الروايات المتقدمة اعتبار كون التأخر بمقدار موضع الرجل بالجيم

و المراد منه يحتمل ان يكون مقدار باطن القدم الذي هو شبر فينطبق على روايته و يحتمل ان يكون مقدار ما بين الرجلين في حال المشي الذي هو عبارة عن الخطوة فيدل على اعتبارها.

و مقتضى البعض كفاية ان يكون التأخر بمقدار موضع الرحل الذي هو ذراع أو قدر عظم الذراع فصاعدا أو كان بينه و بينها ما لا يتخطى بناء على ما ذكرنا في معنى هذا البعض من كون المراد التأخر بهذا المقدار.

و مقتضى رواية عمار المتقدمة كفاية كون المرأة خلف الرجل و ان كانت تصيب ثوبه و المراد باصابتها ثوبه يحتمل ان يكون أصابتها ثوب الرجل و لو في حال القيام فيقرب مع ما دل على كفاية كون الرجل متقدما على المرأة و لو بصدره، و يحتمل ان يكون هي أصابتها ثوبه في حال الجلوس أو السجود المنفصل بعضه عن البدن الواقع جزؤه على الأرض و لازمة كون مسجدها وراء موقفه.

و الجمع بين الاخبار يقتضي الحمل على مراتب الكراهة بمعنى ان صدق أقل مراتب التأخر يوجب ارتفاع الحرمة الوضعية أو الكراهة و لكن ارتفاع أصل الكراهة موقوف على تأخر المرأة عن الرجل في جميع حالات الصلاة فالأولى بل الأحوط التأخر بهذا المقدار الذي يرجع الى ما ذكرنا من كون مسجدها وراء موقفه.

الأمر الثاني ان يكون بينهما عشرة أذرع أو أزيد و الدليل عليه موثقة عمار المتقدمة الظاهرة في اعتبار هذا المقدار فيما إذا كانت المرأة متقدمة على الرجل أو محاذية له و كذا احدى روايات على بن جعفر المتقدمة أيضا و التعبير بأكثر من عشرة أذرع في رواية عمار ليس لأجل اعتبار الأكثر بل لأجل ان تحقق العشرة عرفا يتوقف على ضم مقدار زائد

ليتحقق العلم بها كما في موارد المقدمات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 399

..........

______________________________

العلمية و دعوى تفرد رواية عمار بهذا الأمر لعدم ظهور رواية على بن جعفر في ذلك مدفوعة بأن استناد الأصحاب إليها يكفي في جبرها من دون فرق بين القائل بالبطلان و بين القائل بالكراهة لان الطائفة الأولى جعلوا العشرة رافعة للبطلان و الثانية للكراهة.

الأمر الثالث ان يكون بينهما حاجز و يدل عليه احدى روايات محمد بن مسلم المتقدمة و كذا رواية محمد الحلبي المتقدمة الدالة على اعتبار الستر و منصرف إطلاقهما هو اعتبار ان يكون الساتر مانعا عن المشاهدة في جميع حالات الصلاة حتى حالة القيام و لكن مقتضى صحيحة على بن جعفر عن أخيه-- عليهما السّلام- المتقدمة أيضا قال: سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى في مسجد قصير الحائط و امرأة قائمة تصلى و هو يراها و تراه قال ان كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس. «1» كفاية وجود الحائط و لو كان قصيرا غير مانع عن المشاهدة بناء على كون المراد مدخلية الحائط من جهة كونه حائلا لا من جهة اقتضائه للفصل بين الرجل و المرأة بمقدار عرضه.

كما ان مقتضى صحيحته الأخرى عن أخيه- عليهما السّلام- المتقدمة أيضا قال:

سألته عن الرجل يصلى في مسجد حيطانه كوى كله قبلته و جانباه و امرأته تصلي حياله يراها و لا تراه قال: لا بأس. «2» انه لا مانع من كون الجدار مشتملا على الروزنة و الشباك غير المانع من المشاهدة.

و مقتضى رواية أبي بصير ليث المرادي المتقدمة أيضا الاكتفاء بكون الحائل شبرا أو ذراعا بناء على ان يكون ذيلها قرينة على كون المراد هي الحيلولة

بهذا المقدار و لكن الظاهر عدم صلاحيته للقرينية بحيث يوجب انعقاد ظهور للصدر مخالف لظهوره الثابت له مع قطع النظر عن الذيل و التناسب لا يقتضي ذلك

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الثامن ح- 4.

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 400

..........

______________________________

خصوصا مع اختلال التناسب من جهة كون المفروض في السؤال صلاة المرأة عن يمين الرجل بحذاه و مقتضى الذيل ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يضع رحله بين يديه يستره ممن يمر بين يديه من دون فرق بين الرجل و المرأة و فرض المرور ينافي الاشتغال بالصلاة.

فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا عدم الاكتفاء من جهة الحائل بمقدار الشبر أو الذراع بل لا بدّ من صدق الحاجز و الستر و صدق الحائط و ان كان قصيرا أو كان مشبكا و لكن الأحوط كونه بحيث يمنع عن المشاهدة في جميع حالات الصلاة ثانيها انه هل يشترط في مانعية صلاة أحدهما لصلاة الأخر الصحة مع قطع النظر عن التقدم أو المحاذاة أو يكفي الأعم فيشمل ما لو كانت صلاة أحدهما فاسدة من جهة فقد شرط أو جزء أو وجود مانع بشرط صدق الصلاة عليه وجهان حكى في الجواهر عن جامع المقاصد احتمال الثاني نظرا الى ان الصلاة تطلق على الصور غالبا و الى استحالة تحقق الشرط يعني الصلاة الصحيحة عند بطلان الصلاتين على ما هو المفروض، و لا ينفع التخصيص بقيد «لو لا المحاذاة أو التقدم» لان المراد بالصلاة الواردة في اخبار الباب اما الصلاة الصحيحة أو الفاسدة و الأول يمتنع تحققها لفقد شرطها و الثاني لا فرق فيه بين ان تكون فاسدة

من جهة المحاذاة أو من سائر الجهات الموجبة للفساد و قد أيد ذلك بان المأخوذ في الاخبار هو عنوان «الصلاة» فقط من دون أخذ قيد «الصحة» كي يقال ان الصحة المطلقة ممتنعة فالواجب تقييدها بقيد لو لا المحاذاة و عنوان الصلاة اما ان يطلق على الصحيح المطلق الموجب لفراغ الذمة و قد عرفت امتناع تحققها في المقام فلم يبق الا ان يكون المراد بها الأعم و هي صورة الصلاة سواء كانت صحيحة من غير هذه الجهة أو فاسدة كذلك أيضا.

و من هنا ربما يخدش في أصل الحكم بالتحريم في المسألة لان المانع اما صورة الصلاة أو الصلاة الصحيحة و كلاهما فاسد اما صورة الصلاة فلعدم اعتبارها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 401

..........

______________________________

عند الشارع و من البعيد جعله الفاسد موجبا لبطلان اخرى مع عدم اعتباره لها كما لا يخفى، و اما الصلاة الصحيحة فلأنه موجب لاجتماع الضدين لو قيل بكونها فاسدة و صحيحة معا و لترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح لو اختير أحدهما دون الأخر.

و تنظر في الجواهر فيما حكاه عن جامع المقاصد بان المراد هي الصلاة الصحيحة و يكون مدلول الاخبار بطلان صلاة كل من الرجل و المرأة بحذاء الأخر أو تقدمها عليه بعد انعقادهما صحيحة فالمانع هي الصلاة الصحيحة الواقعة كذلك من غير جهة المحاذاة لان الفاسدة من غير تلك الجهة لا تنعقد من رأس حتى تبطل بالمحاذاة.

و يرد عليه ان ما افاده من الانعقاد ثم البطلان خلاف ما يستفاد من ظاهر اخبار الباب لان مدلولها عدم إمكان اجتماع صلاة الرجل و المرأة بحذاء الأخر مثلا و مرجعه إلى انهما لا تنعقدان من رأس فتدل على اعتبار ان

لا يكون الرجل محاذيا للمرأة و هي تصلى و كذا العكس.

و التحقيق ان المقام مثل سائر الأخبار الواردة في بيان الشرائط و الموانع و انه لا فرق بينه و بين مثل قوله: لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه و قوله: لا تصل في النجس و لا معنى لتخصيص الاشكال بالمقام فإنه يجري مثله في سائر الموارد لانه يمكن ان يقال ان الصلاة المنهي عنها في وبر ما لا يؤكل لحمه ان كان المراد بها هي الصلاة الصحيحة فمن المعلوم انه لا تجتمع الصحة مع وقوعها في وبره و ان كان المراد بها هي الأعم فاللازم ان تكون الصلاة الفاسدة من بعض الجهات الأخر منهيا عنها إذا وقعت في وبر ما لا يؤكل لحمه كما لا يخفى.

و الحل بعد وضوح كون تلك الأوامر و النواهي للإرشاد إلى الشرطية و المانعية انها تكون للإرشاد الى ان العمل الذي يأتي به المكلف بعنوان الإطاعة و الامتثال للتكليف المتوجه اليه لا يجدي في تحقق هذا الغرض و الوصول الى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 402

..........

______________________________

هذا المقصود إذا كان خاليا عن المأمور به في هذه الروايات أو واجدا لما هو المنهي عنه فيها و من المعلوم ان العمل الكذائي يتصف بالصحة مع قطع النظر عن المكلف به في هذه الاخبار ضرورة انه بدونه لا يمكن ان يأتي به المكلف بالعنوان المذكور فالصحة اللولائية مستفادة من هذا الطريق فتدبر.

ثالثها: انه لا اشكال- بناء على القول بالبطلان- في بطلان صلواتهما إذا وجدت من كل منهما مقارنة لوجودها من الأخر لانه أما أن تكون صلاة كل واحد منهما صحيحة فهو خلاف مقتضى الأخبار المتقدمة الدالة على

اعتبار عدم المحاذاة أو تقدم المرأة على الرجل و دعوى عدم شمولها لصلاة الاقتران مدفوعة جدا و اما ان تكون باطلة فهو المطلوب، و اما ان تكون إحديهما صحيحة دون الأخرى فالصحيحة و كذا الفاسدة ان كانت إحديهما لا على التعيين فهو غير معقول و قياس المقام بباب الواجب التخييري بناء على كون الوجوب متعلقا بأحدهما أو أحدها لا على سبيل التعيين غير صحيح لان باب التكليف المتعلق بالأمر الكلي يغاير باب الصحة و البطلان مع كونهما وصفين للفرد الخارجي لان الصلاة الموجودة في الخارج اما ان تكون صحيحة و اما ان ان تكون فاسدة و لا يعقل ان يكون المتصف بأحدهما هو الفرد غير المعين بحسب الواقع أيضا كما هو ظاهر.

و ان كانت إحديهما معينة فالمفروض عدم ما يدل على التعيين و لا وجه له أصلا لكونه ترجيحا بلا مرجح لان المفروض عدم ثبوت مزية لإحداهما على الأخرى هذا كله مع الاقتران.

و اما مع تقدم أحدهما على الأخر في الشروع في الصلاة كما إذا شرع الرجل مثلا في الصلاة ثم شرعت المرأة في الصلاة بحذاه أو الى أحد جانبيه فلا إشكال أيضا في بطلان صلاة المتأخر منهما لعدم كونها واجدة لشرطها من حين الشروع فيها و بعبارة أخرى لا إشكال في شمول اخبار الباب لهذا الفرض أيضا و مقتضى الشمول بطلان صلاة المتأخر لا محالة و ان قلنا بصحة صلاة المتقدمة إذ لا مجال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 403

..........

______________________________

لتوهم العكس كما هو ظاهر فبطلان صلاة المتأخر- بناء على القول بالبطلان- مما لا ريب فيه.

انما الإشكال في بطلان صلاة المتقدم أيضا كما اختاره صاحب الجواهر- قدس سره- مستندا إلى

معلومية قاعدة ان مانع صحة الجميع مانع للبعض و استظهر ذلك من ذيل صحيحتي ابن مسلم و ابن أبي يعفور و خبر أبي بصير بالغ في ذلك فقال: لعله يظهر من باقي النصوص أيضا.

أقول ان كان مراده من صحيحة ابن مسلم ما ورد فيها السؤال عن صحة صلاة الرجل في زاوية الحجرة و الحال ان امرأته أو ابنته تصلى في زاويتها الأخرى فمورد السؤال فيها و ان كان فرض تأخر صلاة الرجل عن صلاة المرأة كما يظهر بعد التدبر فيه الا ان الجواب بما ظاهره بطلانها لا دلالة له على حكم صلاة المرأة المتقدمة في الشروع و لكن الظاهر عدم كون هذه الرواية مقصودة لصاحب الجواهر خصوصا مع تصريحه باستظهاره من الذيل.

و ان كان مراده منها ما ورد في حكم صلاة الرجل و المرأة المتزاملين اللذين يصليان جميعا في المحمل كما هو الظاهر فالفرض فيها و ان كان مطلق الصلاة جميعا الشامل لصورة الاقتران و التقدم و التأخر في الشروع الا ان الجواب بقوله- عليه السّلام-: لا، مرجعه إلى انه لا يمكن صحة صلوتهما معا بل يتوقف ذلك على ان يصلى أحدهما أولا ثم يصلى الأخر بعد فراغ الأول الا ان نفى صحة الصلاتين معا لا ينحصر فرضه ببطلان كل واحدة منهما بل يجتمع مع بطلان خصوص المتأخر و صحة المتقدم أيضا، و منه يظهر الجواب عن الاستظهار من خبر أبي بصير المتقدم الوارد في حكم المتزاملين أيضا و كذا رواية عبد اللّٰه بن أبي يعفور المتقدمة.

و استدل لاختصاص البطلان بخصوص المتأخرة بوجوه:

منها: استبعاد بطلان الصلاة المنعقدة صحيحة بفعل الغير الخارج عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 404

..........

______________________________

الاختيار كما لا

يخفى.

و يدفعه ان مجرد الاستبعاد لا يصلح لإثبات الحكم الشرعي و لا يقتضي رفع اليد عما هو مقتضى الدليل على فرضه.

و منها ان المتأخرة ليست بصلاة لبطلانها بالمحاذاة فلا تصلح لإبطال السابقة و الصحة لو لا المحاذاة انما يصار اليه فيما إذا لم يمكن الصحة المطلقة كما في صورة الاقتران لقيام القرينة على انه لا يمكن ان يكون المراد هي الصحة كذلك و اما بالنسبة إلى الصلاة اللاحقة فلا مانع من ان يراد منه الصحة المطلقة لفرض وقوع المتقدمة متصفة بهذه الصفة.

و بعبارة أخرى بعد وقوع الاولى و تحققها يمتنع تحقق الأخرى لأنهما متضادتان و الثانية لا تصلح لان تقاوم الأولى لأنها بوجودها توجب بطلانها و هذا بخلاف صورة التقارن أو تحقق المحاذاة الموجبة للبطلان في أثناء صلوتهما فإنه و ان لم يكن للحدوث بما هو حدوث و كذا للبقاء بما هو بقاء مدخلية في البطلان بل المناط تحقق الصلاة منهما الا انه تتزاحم العلتان في مقام الثبوت و هو يوجب البطلان فإنه كما تكون المباينة ثابتة بين معلوليهما كذلك تسرى الى عليتهما فكل منهما موجب لعدم الأخر و مضاد له و هذا بخلاف صورة التقدم و التأخر فإنه قد تحققت علة إحديهما بلا مزاحمة و الأخرى يمتنع تحققها للمضادة فهي الفاسدة غير المفسدة.

و يمكن الإيراد على هذا الوجه بان التفكيك بين صورتي التقارن و التقدم و التأخر من جهة حمل الأدلة بالإضافة إلى الأولى على الصحة اللولائية و بالإضافة إلى الثانية على الصحة المطلقة مع دلالتها على الحكم فيهما بعبارة واحدة مما لا مجال للالتزام به خصوصا مع كون شمولها لهما بنحو الإطلاق كما لا يخفى.

و حيث ان مدلول الاخبار ليس امتناع حدوث الصلاتين

بما هو حدوث لما مر من شمولها لما إذا تحققت المحاذاة بينهما في أثناء صلوتهما فالمناط هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 405

..........

______________________________

تحقق المحاذاة و لو في بعض أجزاء الصلاة ففي صورة التقدم و التأخر يكون الجزء المقارن لحدوث الأخرى لا ترجيح بينه و بين ما يحدث من الأخر من حيث الصحة و البطلان فإذا كانت الصحة مخالفة لما هو المفروض من امتناع الاجتماع فاللازم ان لا يقع شي ء منهما صحيحة.

و بعبارة أخرى الصحة المدعاة بالإضافة إلى المتقدمة ان كان المراد بها هي الصحة بالنسبة الى جميع اجزائها فالمفروض انه محل الكلام لأنه يحتمل بطلانها بسبب المتأخرة أيضا و ان كان المراد بها هي الصحة بالنسبة إلى الأجزاء الماضية فهي تجتمع مع البطلان بلحاظ المحاذاة في بعض الأجزاء الأخر و لم يثبت كون هذه الصحة مانعة عن انعقاد المتأخرة دون العكس كما هو ظاهر.

و منها صحيحة على بن جعفر- عليه السّلام-: المتقدمة الواردة في إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله المشتملة على قوله- عليه السّلام-: لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة فإن الظاهر ان التفصيل بين المرأة و بين القوم انما هو من جهة التأخر و التقدم.

و فيه ما عرفت من عدم ظهور الرواية في كونها واردة في المقام بل يجرى فيها احتمالات متعددة فهي مجملة لا تصلح للاستناد إليها.

و منها ما افاده المحقق النائيني- قده- من ان مناسبة الحكم و الموضوع و ان لم تكن دليلا برأسها الا انها قد تصلح لانصراف الدليل كما في المقام فإن الأدلة الدالة على النهى عن المحاذاة و التقدم اما تحريما أو تنزيها منصرفة الى حال الاختيار لظهور الأسئلة فيها

في تعمد ذلك و لا يكفي إطلاق الاخبار لو سلم و فيه منع كون المناسبة المذكورة صالحة للانصراف خصوصا مع اقتضائه حمل الأخبار المطلقة على المورد النادر و هي صورة الاقتران كما يأتي.

و التحقيق في المقام ان يقال انه لا بدّ في استفادة حكم هذا الفرض كأصل المسألة من ملاحظة الأخبار الواردة في الباب و لا مجال لإيراد الوجه العقلي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 406

..........

______________________________

في المسألة التعبدية ضرورة ان الحكم ببطلان المتقدم أيضا لا يستلزم محالا عقليا حتى يوجب التصرف في الدليل على فرض دلالته عليه كما ان الظاهر ان استفادة الحكم بالبطلان بالإضافة إلى كلتا الصلاتين في صورة التقارن ليس مستندا الى وجه عقلي مذكور فيما تقدم بل مستند الى ظهور الدليل في ذلك و هي الروايات الظاهرة في بطلان كلتيهما و أيضا لا مجال لحمل الإطلاقات على خصوص صورة التقارن بعد ندرة وجودها و لو كان التقارن بمعناه العرفي ضرورة ان أكثر موارد المحاذاة أو التقدم انما هو مع التقدم و التأخر في الشروع.

و- ح- لا بدّ من ملاحظة ثبوت الإطلاق و عدمه فنقول ما يظهر منه الإطلاق من الروايات المتقدمة روايات:

منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سألته عن الرجل و المرأة يصليان جميعا في بيت المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال لا حتى يكون بينها شبر أو ذراع أو نحوه. «1».

و من الواضح إطلاق مورد السؤال و شموله لكلا الفرضين كما ان الظاهر ان قوله- عليه السّلام-: «لا» الظاهر في البطلان كما يكون ظاهرا في بطلان كلتا الصلاتين في صورة التقارن كذلك لا ينبغي إنكار ظهوره في بطلان كلتيهما في صورة

التقدم و التأخر أيضا و لا مجال للتفكيك كما انه لا مجال لدعوى ان مرجع قوله- عليه السّلام- «لا» الى عدم اتصاف كلتا الصلاتين بالصحة المجامع مع بطلانهما و مع بطلان أحدهما بحيث يكون الجواب غير تام و لم يكن متعرضا لحكم هذه الجهة و تعيين أحد الاحتمالين بل كان اللازم الرجوع في التعيين الى دليل آخر فان مثل ذلك مما لا يقبله العرف و لا ينطبق على المتفاهم عنده بل الظاهر ان الفهم العرفي يساعد البطلان بالإضافة إلى كلتا الصلاتين في كل واحد من الفرضين كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 407

..........

______________________________

و منها رواية معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه سأله عن الرجل و المرأة يصليان في بيت واحد قال إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها و هو وحده و لا بأس. «1»

و منها رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له المرأة و الرجل يصلى كل واحد منهما قبالة صاحبه قال نعم إذا كان بينهما قدر موضع رحل «2» و منها روايتا محمد بن مسلم و أبي بصير الواردتان في المرأة و الرجل المتزاملين الظاهرتان في الإطلاق خصوصا بقرينة ذيلهما الدال على صلاة المرأة بعد فراغ الرجل من الصلاة كما لا يخفى.

و بعد ذلك كله لا ينبغي الخدشة في ظهور هذه الطائفة في البطلان بالإضافة إلى كلتا الصلاتين و ليس غير هذه الطائفة ظاهرا في بطلان خصوص المتأخرة على فرض وروده في هذا الفرض حتى يتصرف بسببه في الإطلاق بل غايته عدم التعرض لحكم المتقدمة لو لم نقل بظهوره في بطلانها

أيضا فالأظهر بملاحظة ما ذكر ما اختار صاحب الجواهر كما تقدم.

رابعها: لا فرق فيما ذكر بين المحارم و غيرهم و كذا لا فرق بين الزوج و الزوجة و غيرهما و ذلك مضافا الى إطلاق كلمتي «الرجل» و «المرأة» الواردتين في كثير من الروايات المتقدمة و عدم اختصاصهما بغير المحارم و الزوجين لورود بعض الروايات في المحارم كرواية محمد الحلبي المتقدمة الواردة في الرجل يصلى في زاوية الحجرة و ابنته أو امرأته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى و بعضها في الزوجين كهذه الرواية و رواية زرارة قال قلت: له: المرأة تصلي حيال زوجها قال تصلى بإزاء الرجل إذا كان بينها و بينه قدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 7.

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 408

[مسألة- 9 الظاهر جواز الصلاة مساويا لقبر المعصوم- ع- بل و مقدما عليه]

مسألة- 9 الظاهر جواز الصلاة مساويا لقبر المعصوم- ع- بل و مقدما عليه و لكن هو من سوء الأدب و الأحوط الاحتراز منهما و يرتفع الحكم بالبعد المفرط على وجه لا يصدق معه التقدم و المحاذاة و يخرج عن صدق وحدة المكان، و كذا بالحائل الرافع لسوء الأدب، و الظاهر انه ليس منه و الشباك الصندوق الشريف و ثوبه (1).

______________________________

فصاعدا «1». و بعض الروايات الأخر.

خامسها: لا فرق بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين و ذلك لإطلاق الكلمتين المذكورتين في كثير من الاخبار مضافا الى إطلاق لفظ «البنت» في رواية الحلبي المتقدمة و لا مجال لدعوى الانصراف فيهما فتدبر.

(1) المشهور جواز التقدم على قبر المعصوم- عليه السّلام- في حال الصلاة على كراهة أو مساواته و المحكي عن البهائي

و المجلسي و الكاشاني و بعض المتأخرين عنهم المنع من التقدم و عن بعض متأخري المتأخرين المنع عن المساواة أيضا و الكلام يقع في مقامين.

الأول في التقدم و مستند المنع فيه روايتان للحميري:

إحديهما ما رواه الشيخ- قده- بإسناده عن محمد بن احمد بن داود عن أبيه عن محمد بن عبد اللّٰه الحميري قال: كتبت الى الفقيه- عليه السّلام- اسئله عن الرجل يزور قبور الأئمة- عليهم السّلام- هل يجوز ان يسجد على القبر أم لا؟ و هل يجوز لمن صلى عند قبورهم ان يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة، و يقوم عند رأسه و رجليه و هل يجوز ان يتقدم القبر و يصلى و يجعله خلفه أم لا؟ فأجاب و قرأت التوقيع و منه نسخت: و اما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة و لا فريضة و لا زيارة بل يضع خده الأيمن على القبر و اما الصلاة فإنها خلفه و يجعله الامام، و لا يجوز ان يصلى بين

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 409

..........

______________________________

يديه لأن الإمام لا يتقدم و يصلى عن يمينه و شماله. «1»

و الأخرى ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّٰه الحميري عن صاحب الزمان- عجل اللّٰه تعالى فرجه الشريف- و هي مثل الأولى الا انه قال: و لا يجوز ان يصلى بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره لأن الإمام لا يتقدم عليه و لا يساوى. «2»

و الظاهر أنهما رواية واحدة بمعنى ان الحميري سئل عن حكم المسألة مرة واحدة و أجيب كذلك غاية الأمر ان الجواب مردد بين ان يكون

مثل ما في الرواية الاولى و بين ان يكون مثل ما في الثانية و عليه فالمراد من الفقيه الذي كتب إليه في الاولى هو صاحب الزمان- عجل اللّٰه تعالى فرجه الشريف- نظرا إلى انه من جملة ألقابه الشريفة أو الى المعنى الوصفي و لا مجال لدعوى ان الظاهر منه عند الإطلاق هو الكاظم- عليه السّلام- لكثرة استعماله فيه و حيث ان الحميري متأخر عن زمانه- عليه السّلام- فالسند فيه سقط فتكون الرواية مقطوعة فإنه لو سلم هذا الظهور فإنما هو مع عدم القرينة على الخلاف و هي في المقام موجودة لرواية الحميري عنه مضافا الى ما عرفت من التصريح بالصاحب- عليه السّلام- في الرواية الأخرى التي هي متحدة مع هذه الرواية كما مر.

كما ان الاشكال في سند الأولى بأنه رواها الشيخ عن محمد بن احمد بن داود مع انه لم يذكر طريقه إليه في المشيخة و في سند الثانية بالإرسال لأنه لا يمكن للطبرسي النقل عن الحميري من دون واسطة.

مدفوع بأنه ذكر الشيخ في محكي الفهرست في ترجمة الرجل انه أخبرنا بكتبه و رواياته جماعة منهم محمد بن محمد بن النعمان و الحسين بن عبيد اللّٰه و احمد بن عبدون كلهم و لا ينافيه عدم التعرض له في المشيخة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب السادس و العشرون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب السادس و العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 410

..........

______________________________

و لا دليل على كون رواية الاحتجاج مرسلة بعد احتمال كون الطبرسي قد نقلها عن كتاب الحميري و كون كتابه معلوم الإسناد إليه كما لا يخفى فاللازم التكلم في مفاد الرواية و مدلولها فنقول:

اما الامام في قوله-

عليه السّلام-: و يجعله الامام فيمكن ان يكون بفتح الهمزة بمعنى القدام و عليه فيكون هذه الجملة مؤكدة لقوله فإنها خلفه من دون ان تكون مفيدة لأمر أخر و يمكن ان يكون بكسر الهمزة و يكون المراد منه إمام الجماعة و عليه فالمراد منه هو جعل القبر بمنزلة إمام الجماعة في كونه متقدما و لا يتقدم عليه و اما احتمال كون المراد منه على هذا التقدير هو الامام المعصوم كما في المستمسك نظرا الى ان قرينية مورد السؤال تعين الحمل عليه فبعيد جدا لان مرجعه الى جعل قبر الإمام اماما و لا يتوقف حمل الامام على الامام المعصوم في التعليل بقوله لأن الإمام لا يتقدم عليه على كون المراد بهذا الامام هو الامام المعصوم لأنه جملة أخرى متعرضة لبيان حكم آخر معلل بذلك التعليل و الضمير فيها يرجع الى الامام المعصوم كما هو واضح.

و اما قوله- عليه السّلام- لا يجوز ان يصلى بين يديه مع التعليل بقوله لأن الإمام لا يتقدم عليه فلا إشكال في ان الامام فيه يراد به الامام المعصوم اما بالخصوص أو بحيث يشمل إمام الجماعة كما حكى الاستدلال به عن الأصحاب في مسألة عدم جواز تقدم المأموم على الإمام في صلاة الجماعة، و المراد من عدم جواز التقدم على الامام ليس هو التقدم المعنوي بإنكار إمامته و عدم متابعته بل هو التقدم في الموقف بالمشي أو الجلوس أو الوقوف مقدما عليه و المراد منه هو مطلق التقدم لا في خصوص الصلاة و- حينئذ- ربما يقال حيث ان التقدم على المعصوم في الموقف ليس حكما إلزاميا بل ادبيا قطعا يكون التعليل قرينة على الكراهة كسائر ما ورد عنهم في آداب زيارتهم.

و يرد

عليه مضافا ان مجرد كون الحكم واردا في مقام الأدب لا يستلزم عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 411

..........

______________________________

كونه إلزاميا فإن من الأحكام الأدبية ما تجب مراعاته كحرمة رفع الصوت على صوت النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- و حرمة الجهر له بالقول كجهر البعض بالبعض بل و حرمة مس القرآن الشريف من دون طهارة التي لا تكون ناشئة الا من جهة الأدب و رعاية احترام القرآن بجميع شئونه حتى نقوشه و خطوطه.

انه لو كان بيان الحكم بصورة النهى لأمكن حمله على الكراهة لشيوع استعمال النواهي فيها و اما لو كان بيانه بمثل قوله: لا يجوز، الظاهر في نفى الجواز لما كان وجه للحمل على الكراهة لعدم المناسبة بينها و بين نفى الجواز كما لا يخفى و على ما ذكرنا فلا محيص عن الالتزام بعدم الجواز الوضعي كما هو الظاهر في مثله و ذهاب المشهور الى خلافه لا يوجب الوهن في الرواية من جهة الإعراض عنها لعدم ثبوت الاعراض لانه يحتمل قويا انهم حملوها على الحكم الادبى الملائم مع عدم اللزوم بل الظاهر هو ذلك كما يشهد به الفتوى بالكراهة الكاشفة عن حمل الرواية عليها و الا لا دليل على الكراهة أيضا فتدبر.

المقام الثاني في اليمين و اليسار و عن بعض متأخري المتأخرين المنع فيه أيضا و هو ظاهر رواية الطبرسي المتقدمة المشتملة على التعليل بقوله: و لا يساوى بعد التعليل لحكم التقدم بقوله: لأن الإمام لا يتقدم و يؤيده الحصر المستفاد من رواية الشيخ قده من قوله: اما الصلاة فإنها خلفه و يجعله الامام ظاهره انحصار الجواز من الجوانب الأربعة بالخلف لكن وقع في ذيلها قوله: و يصلى عن

يمينه و شماله و فيه احتمالات ثلاثة:

أحدها: ان يكون جملة مستقلة مستأنفة متعرضة لبيان حكم الجانبين و مفادها- ح- جواز الصلاة عن يمينه و شماله و يقع التعارض- حينئذ- بينها و بين رواية الطبرسي الظاهرة في المنع كما مر و هذا الاحتمال هو الظاهر من الرواية.

ثانيها: ان يكون معطوفا على قوله: يصلى بين يديه و عليه يكون منصوبا و مرجعه إلى انه كما لا يجوز ان يصلى بين يديه كذلك لا يجوز ان يصلى عن يمينه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 412

..........

______________________________

و شماله و يبعده الفصل بينه و بين حكم التقدم بالتعليل مضافا الى خلوه عن التعليل مع انه أحوج إليه من التقدم فتدبر.

ثالثها ان يكون قوله: يصلى مبنيا للمفعول معطوفا على قوله: يتقدم فيكون من تتمة التعليل و مرجعه الى ان الامام كما لا يتقدم عليه كذلك لا يصلى عن يمينه و شماله و يبعده عدم المناسبة بين كونه من تتمة التعليل و بين كون الحكم المعلل عدم جواز خصوص الصلاة بين يديه فانقدح ان الظاهر هو الاحتمال الأول المعارض لرواية الطبرسي.

ثم انه لو قلنا بكونهما روايتين وقع بينهما التعارض فالظاهر رجحان رواية الشيخ لصحة سندها و نحن و ان نفينا الإرسال في رواية الطبرسي الّا انها لا تبلغ مرتبة الصحيحة بحيث يمكن ان تكون معارضة لها مع ان رواية الشيخ يمكن ان تصير قرينة على حمل الأخرى على الكراهة فتدبر.

و ان قلنا بكونهما رواية واحدة كما استظهرناه في أول المسألة فاللازم الالتزام بتردد ما هو الصادر من الامام- عليه السّلام- بين ان يكون هو الجواز أو العدم و حيث لا معين للثاني يبقى إطلاق ما دل على الصلاة

في كل مكان بلا معارض خصوصا مع كون الرواية الدالة على الجواز صحيحة من حيث السند كما عرفت و اما الحصر في قوله: فإنها خلفه فالظاهر انه حصر إضافي في مقابل التقدم و يمكن ان يكون المراد منه هو الفضل و الكمال بالإضافة إلى سائر الجهات الثلاثة و قد انقدح مما ذكرنا ان الظاهر هو الجواز في اليمين و اليسار و يؤيده الروايات الكثيرة الدالة على استحباب الصلاة عند رأس الإمام الظاهرة في جواز الصلاة مع التساوي و لا مجال لحملها على التأخر بمقدار لا يصدق المحاذاة و المساواة بعد عدم الدليل على المنع فيها.

ثم ان الظاهر صدق عنوان القبر على الصندوق المنصوب عليه فإنه بمنزلة الحجر المنصوب عليه الذي يصدق على وضع اليد عليه انه وضع اليد على القبر و على تقبيله انه تقبيله و اما الشباك المنصوب عليه فالظاهر انه لا يصدق عليه القبر و قيام السيرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 413

[مسألة- 10 لا يعتبر الطهارة في مكان المصلي إلا مع تعدى النجاسة غير المعفو عنها الى الثوب أو البدن]

مسألة- 10 لا يعتبر الطهارة في مكان المصلي إلا مع تعدى النجاسة غير المعفو عنها الى الثوب أو البدن نعم تعتبر في خصوص مسجد الجبهة كما مر، كما يعتبر فيه أيضا مع الاختيار كونه أرضا أو نباتا أو قرطاسا، و الأفضل التربة الحسينية التي تخرق الحجب السبع و تنور إلى الأرضين السبع على ما في الحديث، و لا يصح السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن كالذهب و الفضة و الزجاج و القير و نحو ذلك، و كذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد، و الأقوى جوازه على الخزف و الأجر و النورة و الجص و لو بعد الطبخ، و كذا الفحم، و

كذا يجوز على طين الأرمني و حجر الرحى و جميع أصناف المرمر الا ما هو مصنوع و لم يعلم ان مادته مما يصح السجود عليها، و يعتبر في جواز السجود على النبات ان يكون من غير المأكول و الملبوس فلا يجوز على ما في أيدي الناس من المآكل و الملابس كالمخبوز و المطبوخ و الحبوب المعتاد أكلها من الحنطة و الشعير و نحوهما و الفواكه و البقول المأكولة، و الثمرة المأكولة و لو قبل وصولها الى زمان الأكل، و لا بأس بالسجود على قشورها بعد انفصالها عنها دون المتصل بها الا مثل قشر التفاح و الخيار مما هو مأكول و لو تبعا أو يؤكل أحيانا، أو يأكله بعض الناس، و كذا قشور الحبوب مما هي مأكولة معها تبعا على الأحوط نعم لا بأس بقشر نوى الاثمار إذا انفصل عن اللب المأكول، و مع عدم مأكولية لبه و لو بالعلاج لا بأس بالسجود عليه مطلقا كما لا بأس بغير المأكول

______________________________

على معاملتهم معه معاملة القبر في آداب الزيارة كوضع الخد عليه ليس لأجل كونه قبرا بل انما هو لأجل المجاورة القريبة معه مع عدم تمكنهم من الوصول اليه نوعا ثم ان الحائل و البعد المفرط المخرج عن صدق التقدم و المحاذاة عرفا يكفي في رفع المنع و الكراهة و الظاهر ان الشباك على تقدير عدم كونه قبرا لا يعد حائلا أيضا عرفا كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 414

كالحنظل و الخرنوب و نحوهما، كما لا بأس بالتبن و القصيل و نحوهما، و لا يمنع شرب التتن من جواز السجود عليه، و الأحوط ترك السجود على نخالة الحنطة و الشعير و كذا

على قشر البطيخ و نحوه، و لا يبعد الجواز على قشر الأرز و الرمان بعد الانفصال.

و الكلام في الملبوس كالكلام في المأكول فلا يجوز على القطن و الكتان و لو قبل وصولهما الى أو ان الغزل، نعم لا بأس على خشبتهما و غيرها كالورق و الخوص و نحوهما مما لم يكن معدا لاتخاذ الملابس المعتادة منها، فلا بأس حينئذ بالسجود على القبقاب و الثوب المنسوج من الخوص مثلا فضلا عن البوريا و الحصير و المروحة و نحوها، و الأحوط ترك السجود على القنب، كما ان الأحوط الأولى تركه على القرطاس المتخذ من غير النبات كالمتخذ من الحرير و الإبريسم و ان كان الأقوى الجواز مطلقا. (1)

______________________________

(1) اما عدم اعتبار الطهارة في مكان المصلى غير مسجد الجبهة فيأتي البحث فيه- إن شاء اللّٰه تعالى- في باب السجود. و اما اعتبار كون، ما يسجد عليه أرضا أو نباتا أو قرطاسا فهو المقصود بالبحث هنا، و تفصيل الكلام فيه ان اعتبار هذا الشرط فيما يسجد عليه المصلى يكون مما تفردت به علمائنا الإمامية من غير خلاف بينهم خلافا لسائر فرق المسلمين حيث لم يعتبروا فيما يسجد عليه شيئا و مقتضى ذلك جواز السجود على كل شي ء و لو كان من الأعيان النجسة.

و منشأ الاعتبار، الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب الدالة عليه عموما أو خصوصا بمعنى النهى عن السجود على بعض ما ليس من الأرض و كذا عن بعض المأكولات و الملبوسات.

و مما يدل على ذلك- بنحو العموم- صحيحة هشام بن الحكم انه قال لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- أخبرني عما يجوز السجود عليه و عما لا يجوز قال: السجود لا يجوز الا على الأرض أو على ما

أنبتت الأرض الا ما أكل أو لبس، فقال له جعلت فداك:

ما العلّة في ذلك؟ قال لان السجود خضوع للّٰه- عز و جل- فلا ينبغي ان يكون على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 415

..........

______________________________

ما يؤكل و يلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون، و الساجد في سجوده في عبادة اللّٰه- عز و جل- فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها (الحديث). «1»

و صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه قال السجود على ما أنبتت الأرض الا ما أكل أو لبس. «2» و عدم التعرض لنفس الأرض اما لأجل كونها مستفادة من طريق الأولوية و اما لأجل كون الرواية مسوقة لبيان الاستثناء المتحقق في خصوص النبات دون الأرض لعدم استثناء شي ء منه، و يحتمل ان يكون «ما أنبتت الأرض» كناية عن الأرض و نباتها و تؤيده الرواية الآتية الواردة في الزجاج و رواية الأعمش عن جعفر بن محمد- عليهما السّلام- في حديث شرائع الدين قال: لا يسجد الأعلى الأرض أو ما أنبتت الأرض الا المأكول و القطن و الكتان «3» و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب الدالة على اعتبار ما ذكر فيما يسجد عليه المذكورة في «الوسائل» فلا إشكال في الحكم في الجملة نعم لا بدّ من التكلم في الفروع في ضمن أمور:

الأول: لاخفاء في ان المراد بالأرض التي يجوز السجدة عليها ليس هو الأرض في مقابل السماء الذي هو عبارة عن مجموع هذه الكرة من بسائطها و مركباتها بل المراد بها هي الأرض بمعنى المواد الأولية القابلة للتغيير الى المعادن و النباتات و الحيوانات و

هي عبارة عن التراب و الحجر و الرمل و الحصى فيجوز السجود على التراب من دون فرق بين ان يكون ترابا خالصا أو ترابا معدنيا مشتملا على ذرات الذهب أو الفضة أو غيرهما من المعدنيات لعدم خروجه عن صدق التراب و ان خرج بعض اجزائه عن صدقه بعد التصفية و التجزية و لذا لا يجوز السجود على مثل الذهب

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الأول ح- 1

(2) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الأول ح- 2.

(3) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الأول ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 416

..........

______________________________

و الفضة و غيرهما من المعادن الخارجة عن صدق الأرض.

و كذا يجوز السجود على الحجر من دون فرق بين أنواعه نعم بعض الأحجار خارج عن صدق الأرض كالأحجار الكريمة كالياقوت و الفيروزج و الزبرجد فيجوز السجود على حجر الجص و كذا حجر النورة فيما إذا لم يكونا مطبوخين و اما بعد الطبخ فلا يبعد ان يقال أيضا بعدم خروجهما عن صدق الأرض مضافا الى استصحاب جواز السجود عليهما الثابت قبل الطبخ و اما استصحاب بقاء عنوان الأرض فهو مخدوش لعدم كون الشك في بقاء أمر خارجي بل في مفهوم لفظ الأرض كاستصحاب بقاء النهار إذا شك في زواله باستتار القرص أو بقائه إلى زوال الحمرة المشرقية.

و يدل على الجواز أيضا صحيحة الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى ثم يجصص به المسجد أ يسجد عليه فكتب- عليه السّلام- الى بخطه: ان الماء و النار قد طهراه. «1»

فان ظاهر السؤال ان الاشكال المتوهم في جواز السجود عليه ليس هي المطبوخية

بل انما هي النجاسة و مع فرض عدمها فلا إشكال في جواز السجود عليه و ظاهر الجواب تقرير السائل على ذلك و دفع توهم النجاسة بأن الماء و النار قد طهراه و هذا التعليل و ان كان في كمال الإجمال- لأن المفروض فيه حصول النجاسة للجص بالطبخ في مورد السؤال و هو انما يتم على تقدير اختلاط ذرات العذرة و العظام مع الجص و اما لو فرض وجود الحائل بينهما كالظرف و نحوه فلا تتحقق النجاسة بوجه و على تقديرها فلا معنى لحصول الطهارة لها بالماء الذي يكون المراد منه ظاهرا هو الماء المخلوط معه لان يتحقق إمكان التجصيص و لا وجه لكون مثله مطهرا و كذلك النار و قد تقدم بيان ذلك في المطهرات- الا ان إجماله لا يقدح فيما هو المهم من الاستدلال بالصحيحة كما لا يخفى.

و بما ذكرنا ظهر جواز السجود على الخزف و الآجر و كذا حجر الرحى

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب العاشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 417

..........

______________________________

و المرمر و غيره من الأحجار التي يصدق عليها اسم الأرض و ان أطلق عليه المعدن أيضا فإن صدق المعدن لا يقدح مع إطلاق الأرض لأنه ليس في أدلة المسألة ما يدل على المنع من السجود على المعدن بعنوان كونه معدنا نعم في المرمر المصنوعى إذا لم يعلم مادته المصنوع منها و احتمل اتخاذه من غير المواد الأرضية لا يجوز السجود عليه لعدم إحراز عنوان الأرض. و اما الزجاج فلا يجوز السجود عليه لعدم صدق الأرض عليه مضافا الى صحيحة محمد بن الحسين قال ان بعض أصحابنا كتب الى أبي الحسن الماضي- عليه السّلام-

يسأله عن الصلاة على الزجاج قال فلما نفذ كتابي إليه تفكرت و قلت هو مما أنبتت الأرض، و ما كان لي ان أسأل عنه قال فكتب الىّ لا تصل على الزجاج و ان حدثتك نفسك انه ما أنبتت الأرض و لكنه من الملح و الرمل و هما ممسوخان. «1» و رواه على بن عيسى في «كشف الغمة» نقلا من كتاب الدلائل لعبد اللّٰه بن جعفر الحميري في دلائل على بن محمد العسكري- عليه السّلام- قال و كتب اليه محمد بن الحسن بن مصعب يسأله و ذكر مثله الا انه قال: فإنه من الرمل و الملح و الملح سبخ.

و ما حدثت نفس الكاتب من ان الزجاج مما أنبتت الأرض يمكن ان يكون وجهه ما أشرنا إليه في ذيل بعض الروايات المتقدمة من ان ما أنبتت الأرض كناية عن الأرض و نباتها فيكون في ذهن السائل ان الزجاج من أجزاء الأرض و لأجله وقع الجواب عنه بأنه من الملح و الرمل و هما ممسوخان يعنى ان التركيب بينهما و صيرورتهما زجاجا أوجب خروجهما عن عنوان الأرض و عدم بقائهما على حقيقتهما و ليس المراد انهما ممسوخان حتى في حال كونهما رملا و ملحا حتى يناقش بان الملح و ان لم يكن باقيا على وصف الأرضية و قد تبدل عنه إلى صورة الملحية الا ان الرمل في حال كونه كذلك لا يكون ممسوخا أصلا و هذا الاشكال لا يجري في الرواية على النقل الأخر و يمكن ان يكون وجهه انه كان في ذهنه

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الثاني عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 418

..........

______________________________

ان المراد مما أنبتت الأرض

هو الأعم مما يصنع من اجزائها و يعمل منها فيشمل الزجاج لانه يكون كذلك و عليه فمرجع الجواب الى نفى هذا المعنى و انه لا يشمل مثله فتدبر جيدا.

و اما ما هو المتداول في هذا العصر مما يعتبر عنه بالفارسية بموزائيك فالظاهر انه لا مانع من السجود عليه لتركّبه من أجزاء الأرض و صدق عنوانها عليه كصدقه على الأحجار كما لا يخفى.

الثاني انه يجوز السجود على كل ما يصدق عليه نبات الأرض الا المأكول و الملبوس و قد ورد الحكم بجوازه في كثير من الروايات الواردة في الباب و ذكر النبات من دون الإضافة إلى الأرض في بعض الروايات الذي لازمة شمول الحكم لما ينبت على وجه الماء كالخضرة التي تعلو المياه الراكدة في البركة لا يوجب إطلاق الحكم بعد ثبوت الإضافة إلى الأرض أو الاستناد إليها في غيره من الروايات للزوم التقييد بها كما لا يخفى.

و المراد بنبات الأرض كما هو المتفاهم منه عند العرف هو ما ينبت من الأرض مما كان له حياة نباتى في مقابل الجماد و الحيوان و مرجعه إلى التغذي بقوي الأرض و الاستفادة منها للرشد و النمو و إبقاء الحيات و ان زال عنه الروح النباتي فعلا لأجل اليبوسة أو الانفصال و ليس المراد به هو كل ما يخرج من الأرض أو يصنع من اجزائها و لو لم يكن نباتا عرفا و ان أشعر به الرواية المتقدمة الواردة في الزجاج على ما عرفت فلا يجوز السجود على القير و ان ورد في بعض الروايات جواز السجود عليه معللا بأنه من نبات الأرض و لكنها معرض عنها مضافا الى معارضتها بما يدل على المنع.

ثم ان المشهور بينهم بل الظاهر انه

كان مفروغا عنه عندهم انه لا يجوز السجود على الرماد و لا على الفحم و الظاهر ان الحكم في الرماد كذلك لخروجه عن صدق النبات لعدم بقاء الجسم النباتي معه أيضا و دعوى انه يمكن ان يقال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 419

..........

______________________________

بصدق اسم الأرض عليه نظير التراب الذي كان في الأصل إنسانا مدفوعة بمنع الصدق المذكور كما ان دعوى صدق النبات عليه يدفعها ان لازمة التفصيل بين الرماد الذي كان نباتا و بين الرماد الذي لم يكن في الأصل أرضا و لا نباتا مع ان العرف لا يفرق بين القسمين قطعا.

و اما الفحم فيمكن المناقشة فيما ذكره المشهور بان الفحم انما هو من نبات الأرض و يشترك مع الخشب في بقاء الجسم النباتي فيه و زوال الحياة النباتية عنه نعم يفترق عنه في كونه مطبوخا و قد عرفت ان المطبوخ من الأرض لا يخرج بذلك عن حقيقتها فكذا المطبوخ من النبات.

و قد قوى الجواز فيه في الجواهر للأصل و عدم طهارة المتنجس بالاستحالة اليه.

و أورد عليه بأنه لا ملازمة بين ارتفاع جواز السجود بصيرورة الحطب فحما و عدم ارتفاع النجاسة بذلك إذ يكفي في ارتفاع الأول ارتفاع موضوعه و لو بارتفاع صفة المقومة له و لا يكفي في الثاني ذلك بل لا بدّ من صدق الاستحالة الموجبة لتعدد الموضوع ذاتا وصفه عرفا مثلا لو ثبت حكم للعجين ارتفع بمجرد صيرورته خبزا و ان كانت نجاسته لا ترتفع بذلك.

و يرد عليه انه و ان كان يكفي في الأول ارتفاع موضوعه الا انه لم يرتفع الموضوع في المقام لصدق عنوان النبات عليه كصدقه على الحطب على ما عرفت فانقدح مما ذكرنا

ان الظاهر هو التفصيل بين الرماد و الفحم كما في المتن.

الثالث لا يجوز السجود على المأكول و الملبوس و ليس المراد منهما خصوص ما يكون صالحا للأكل و اللبس فعلا كالخبز و القميص بل يعم ذلك و ما يكون صالحا للأكل و اللبس و لو بعلاج كالحنطة و الشعير و القطن و الكتان لأنها بنظر العرف تعد من المأكولات و الملبوسات مضافا الى ورود التعبير بالحنطة و الشعير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 420

..........

______________________________

فيما لا يجوز السجود عليه في بعض الروايات كحديث الأربعمائة.

ثم ان الشي ء قد يكون مأكولا في جميع الأمكنة و في جميع حالاته و في جميع الأحوال أي أحوال الناس و لا اشكال- ح- في عدم جواز السجود عليه و قد يكون مأكولا في بعض البلاد دون بعض أو في بعض حالاته دون بعض أو في بعض الأحوال دون بعض، و بعض الأحوال قد يكون هي الحالة الشائعة الطبيعية العارضة كحال المرض و قد يكون هي الحالة الخارجة عن الطبيعة التي قلما تتفق كحال الاضطرار و المخمصة و لا بدّ من بيان الضابط المستفاد من الروايات فنقول:

ذكر في المستمسك ما ملخصه: «ان نسبة الأكل و اللبس في قوله- عليه السّلام- الا ما أكل أو لبس، اما ان يراد بها نسبة الأكل و اللبس فعلا أو نسبتهما استعدادا و على الأول لا يمكن ان يكون المراد من الموصول الشخص المتلبس بفعلية المبدء لامتناع ذلك عقلا بالنسبة الى ما أكل فيمتنع أيضا عرفا بالنسبة الى ما لبس لبعد التفكيك بينهما.

بل المراد به اما الشخص بلحاظ قيام المبدء بأمثاله فالمعنى الا ما أكل أو لبس أمثاله، أو الجنس بلحاظ قيام المبدء

ببعض افراده فالمعنى الا الجنس الذي أكل بعض أفراده أو لبس كذلك.

و على الثاني فالاستعداد اما ان يكون بلحاظ نفسه بان يكون فيه من خصوصيات الطعم و الرائحة ما يحسن لأجله ان يؤكل في قبال ما لا يكون كذلك ضرورة اختلاف الأشياء في ذلك اختلافا بينا و كذلك الحال فيما لبس، أو يكون بلحاظ اعداد الناس إياه للأكل أو اللبس سواء كان مستعدا في نفسه لذلك أم لا و الظهور الاولى للجملة المذكورة ارادة الشخص المتلبس بالمبدإ لكن حيث عرفت امتناعه يدور الأمر بين إرادة الفعلية بالمعنيين الأخيرين و بين ارادة الاستعداد و الثاني منهما أيضا أظهر كما ان الأظهر الحمل على الاستعداد الذاتي لا العرضي لاحتياج الثاني إلى عناية زائدة لا قرينة عليها نعم يساعده التعليل في صحيح هشام: لأن أهل الدنيا انما يعبدون ما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 421

..........

______________________________

أعدوه لاكلهم و لبسهم، و لا يكفي في كون الشي ء معبودا لهم كونه مستعدا للأكل أو اللبس في نفسه».

و ما افاده و ان كان حسنا الا ان الأحسن منه ان يراد بالمأكول ما أعده اللّٰه سبحانه لأكل الإنسان حتى يشمل مثل العقاقير و الأدوية المأكولة في حال المرض و ان كانت خالية عما يحسن لأجله ان يؤكل من خصوصيات الطعم و الرائحة و عليه فالضابط هو اعداد اللّٰه تعالى إياه لأن يأكله الإنسان و لو في حال المرض الذي يطرأ الإنسان نوعا و لا بدّ لرفعه من التداوي نعم لا يشمل مثل العلف الذي تأكله الدواب إذا اتفق اكله للإنسان لأجل الضرورة الباعثة على اكله حفظا للنفس كالمخمصة و نحوها كما انه لا يشمل مثله إذا صار مأكولا لبعض

الأفراد النادرة على خلاف الطبيعة لأن ذلك لا يوجب صدق اعداد اللّٰه تعالى إياه لأكل الإنسان كما لا يخفى.

نعم لو كان مأكولا لبعض الأصناف كما إذا كان الشي ء مأكولا في بعض البلاد دون بعض فالظاهر صدق ذلك و كونه مأكولا.

و مما ذكرنا يظهر عدم جواز السجود على الثمرة المأكولة و لو قبل وصولها الى زمان الأكل لأنها مما أعده اللّٰه تعالى لأكل الناس و ان كان اكله متوقفا على مرور زمان فهي تكون مثل الحنطة و الشعير الذي يتوقف اكله على العلاج لعدم الفرق بين العلاج و بين مرور الزمان بوجه. و اما قشور الثمار فقد فصل فيها في المتن بين ما إذا كانت منفصلة عنها و بين ما إذا كانت متصلة بها بالحكم بجواز السجود في الأول دون الثاني، و الوجه في العدم مع الاتصال انها في هذه الصورة تعد جزء للثمرة المأكولة و يصدق على السجود عليها انه سجود على المأكول و هذا بخلاف صورة الانفصال الذي يكون القشر معه شيئا مستقلا غير معدود جزء من الثمرة و المفروض عدم كونه مأكولا فلا مانع من السجود عليه و قد استثنى منه مثل قشر التفاح و الخيار مما هو مأكول و لو تبعا أو يؤكل أحيانا أو يأكله بعض الناس فإن المأكولية- تبعا أو أحيانا أو عند بعض- تدخله في المأكول بالمعنى المذكور و لا ينافيه كون الحكمة من خلقه انما هي صيانة الثمرة و حفظها من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 422

..........

______________________________

الآفات فان ذلك لا ينافي كونه مأكولا أيضا.

و اما قشور الحبوب التي تؤكل معها تبعا فقد احتاط فيها في المتن وجوبا و الوجه فيه ما ذكرنا في

مثل قشر التفاح و الفرق ان قشر التفاح ربما يؤكل أحيانا مستقلا أو يأكله بعض الناس بخلاف قشر الحب الذي لا يؤكل الا تبعا فتدبر.

و اما قشر نوى الاثمار فان كان متصلا به فالظاهر عدم جواز السجود عليه إذا كان اللب مأكولا لصدق السجود على المأكول عليه و كونه معدودا جزء له و اما إذا لم يكن اللب مأكولا و لو بعلاج أو في حال المرض للتداوي فلا مانع من السجود عليه أصلا كما انه إذا كان منفصلا عنه و لو في الصورة الأولى يجوز السجود عليه لعدم كونه مأكولا و عدم كونه جزء من المأكول بوجه.

و اما مثل الحنظل و الخرنوب من الثمار غير المأكولة فيجوز السجود عليه لعدم كونه مأكولا نعم في بعض الروايات استثناء مطلق الثمرة من دون تقييد بكونها مأكولة كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال لا بأس بالصلاة على البوريا و الخصفة و كل نبات إلا الثمرة. «1» بناء على ما في الفقيه المطبوع و اما في التهذيب فالتمرة بدل الثمرة نعم في صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له اسجد على الزفت يعنى القير؟ فقال لا و لا على الثوب الكرسف و لا على الصوف و لا على شي ء من الحيوان و لا على طعام و لا على شي ء من ثمار الأرض و لا على شي ء من الرياض. «2»

و لكن الظاهر لزوم التقييد بالمأكول كما هو مقتضى النص و الإجماع فيخرج مثل الحنظل و الخرنوب نعم لو تداول استعمالهما في الأدوية لشفاء بعض الأمراض كما لا تبعد دعواه فالظاهر- ح- عدم الجواز لما عرفت من شمول المأكول لما يتداوى به

في حال المرض.

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الأول ح- 9.

(2) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الثاني ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 423

..........

______________________________

و اما التبن و القصيل و نحوهما فيجوز السجود عليها لان المتبادر عند العرف من المأكول المستثنى في الروايات هو المأكول للإنسان و لا يعم مأكول الحيوان و قد عرفت ان الأكل في حال المخمصة و الاضطرار لا يوجب صدق المأكولية.

و اما التتن فيجوز السجود عليه و ان كان لفظ الشرب يضاف اليه و المأكول في الدليل يكون أعم من المشروب و ذلك لان إطلاق ذلك اللفظ عليه لا يوجب صدق كونه مأكولا كما لا يخفى.

و اما نخالة الحنطة و الشعير و قشر البطيخ و نحوه فقد احتاط في المتن بترك السجود عليها و الوجه فيه تعلق الأكل بها أحيانا أو بالتبع و ان لم تكن في هذه الجهة مثل قشر التفاح و الخيار الذي لا يكون اكله خروجا عن المتعارف.

و اما قشر الأرز و الرمان بعد الانفصال فلا يبعد جواز السجود عليه كما في المتن لعدم كونه مأكولا و لا جزء من المأكول بعد فرض الانفصال.

الرابع انه قد وقع الخلاف في جواز السجود على القطن و الكتان و المشهور شهرة عظيمة بل عن التذكرة و المهذب البارع و المقتصر نسبته إلى علمائنا بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه هو المنع و قد جعله المحقق في الشرائع هو الأشهر و عن السيد في بعض رسائله الجواز و منشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب.

اما ما يدل على المنع- فمضافا الى ما يدل على المنع على السجود على الملبوس بعد كون المراد منه ما

أعد للبس لا ما يكون ملبوسا فعلا و من المعلوم ان القطن و الكتاب معدان لذلك لو لم نقل بندرة الملبوس من غيرهما- خبر الأعمش المتقدم في صدر المسألة المروي في الخصال عن جعفر بن محمد- عليهما السّلام- في حديث شرائع الدين قال: لا يسجد الأعلى الأرض أو ما أنبتت الأرض الا المأكول و القطن و الكتان. «1»

و خبر أبي العباس الفضل بن عبد الملك قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- لا يسجد إلا

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الأول ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 424

..........

______________________________

على الأرض أو ما أنبتت الأرض الا القطن و الكتان. «1»

و اما ما يدل على الجواز فمنها رواية ياسر الخادم قال مرّ بي أبو الحسن- عليه السّلام- و انا أصلي على الطبري و قد ألقيت عليه شيئا اسجد عليه فقال لي مالك لا تسجد عليه؟ أ ليس هو من نبات الأرض. «2» بناء على ان يكون الطبري شيئا معهودا متخذا من القطن و الكتان كما يظهر من كلمات جماعة و لكنه حكى عن بعض انه الحصير الذي يعمله أهل طبرستان و عليه فلا ترتبط بالمقام.

و منها رواية داود الصرمي قال سألت أبا الحسن الثالث- عليه السّلام- هل يجوز السجود على القطن و الكتان من غير تقية فقال: جائز. «3»

و منها رواية الحسين بن على بن كيسان الصنعاني قال: كتبت الى أبي الحسن الثالث- عليه السّلام- اسئله عن السجود على القطن و الكتان من غير تقية و لا ضرورة فكتب الىّ ذلك جائز. «4»

و منها رواية منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- انا نكون

بأرض باردة يكون فيها الثلج أ فنسجد عليه قال لا و لكن اجعل بينك و بينه شيئا قطنا أو كتانا. «5»

و يمكن المناقشة في روايات الجواز بكون الطبري في رواية الياسر مجملا كما عرفت و داود الصرمي لم يثبت اعتبار حديثه لعدم النص على توثيقه بل و لا على مدحه بنحو يعتد به و الصنعاني مهمل و رواية منصور مشتملة على الضعف من حيث الدلالة لورودها في مورد الضرورة و سيأتي الكلام فيها فروايات الجواز فاقدة

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الأول ح- 6.

(2) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الثاني ح- 5.

(3) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الثاني ح- 6.

(4) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الثاني ح- 7.

(5) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الرابع ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 425

..........

______________________________

لوصف الاعتبار و لا تصلح للمعارضة لأدلة المنع.

و مع قطع النظر عن هذه المناقشة يجمع بين الطائفتين بوجوه:

الأول: حمل الطائفة الثانية على أصل الجواز و الأولى المانعة على الكراهة لأنه مقتضى حمل الظاهر على النص أو الأظهر.

و يدفعه ان حمل الطائفة المانعة على الكراهة لا يناسب عطفهما على المأكول كما في حديث شرائع الدين لوحدة السياق.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، در يك جلد، مؤلف، قم - ايران، اول، 1408 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة؛ ص: 425

الثاني حمل الطائفة الثانية على حال الضرورة أو التقية و الاولى على حال الاختيار.

و يرد عليه منافاة ذلك مع وقوع التقييد بغير تقية أو بغيرها و لا ضرورة في السؤال فيها كما لا يخفى.

الثالث حملها على ما

قبل النسج و حمل الطائفة المانعة على ما بعده.

و يبعده ان المأخوذ في كلتا الطائفتين هو عنوان القطن و الكتان و لا شاهد على هذا الحمل بعد كون المأخوذ عنوانا واحدا.

نعم الأنسب بمعنى العنوانين هو ما قبل النسج لان المنسوج منهما انما يطلق عليه الثوب و نحوه و لكنك عرفت وحدة التعبير في الدليلين الا ان يقال ان الطائفة المجوزة تصير قرينة على التصرف في خصوص المانعة بحملها على ما بعد النسج فيكون التصرف في أحد الدليلين بمقتضى حمل الأخر على معناه الحقيقي أو الأنسب.

و ذكر بعض المحققين من المعاصرين في كتاب صلوته في مقام الجمع بين الطائفتين ما ملخصه:

«انه يمكن ان يقال ان القطن و الكتان ليسا مما يطلق عليه الملبوس بقول مطلق فان الظاهر من الملبوس في الاخبار المتضمنة لمنع السجود عليه هو ما أعد للبس، و مجرد قابلية الشي ء لأن يكون ملبوسا لا يوجب صدق عنوان الملبوس عليه فعلى هذا يكون كل من القطن و الكتان على قسمين: قسم يكون معدا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 426

..........

______________________________

للبس و قسم يكون معدا للافتراش و نحوه و حينئذ فنقول: ان الاخبار المجوزة للسجود على مطلق القطن و الكتان تخصصها الأخبار المانعة عن السجود على الملبوس فإن إخراج الملبوس من خصوص القطن و الكتان عن تحت أدلة المنع يوجب تقييد موردها بالفرد النادر و هو الملبوس من غيرهما من جنس النباتات بل لعله لم يكن موجودا في زمن صدور الأدلة فلا بد من حفظ الملبوس من جنسهما تحت أدلة المنع و تقييد مورد أدلة الجواز بغير ما يكون معدا للبس كالفراش و نحوه و حينئذ فلو قلنا بان العام المخصّص

بالتخصيص المنفصل في حكم الخاص يخصص بأدلة الجواز عموم الأخبار الناهية عن السجود على القطن و الكتان و يقيد موردها بما يكون ملبوسا» و لكنه مبنى على ما افاده من صيرورة العام المخصص بالتخصيص المنفصل في حكم الخاص و هو خلاف ما هو التحقيق المقرر في محله فان ذلك لا يوجب صيرورته في حكم الخاص بل هو باق على عمومه و حاله مع عام أخر قبل خروج فرد من أحدهما و بعده سواء.

ثم انه على تقدير التعارض و عدم إمكان الجمع و ثبوت الحجية في كلتا الطائفتين من حيث أنفسهما فالترجيح مع الطائفة المانعة لموافقتها للشهرة الفتوائية التي هي أول المرجحات- على ما قرر في محله- و قد انقدح مما ذكر عدم جواز السجود على القطن و الكتان و لو قبل وصولهما الى أو ان الغزل نعم لا بأس على خشبتهما و غيرها كالورق و الخوص و نحوهما مما لم يكن معدا لاتخاذ الملابس المعتادة منها فلا بأس بالسجود على القبقاب و الثوب المنسوج من الخوص فضلا عن البوريا و الحصير و المروحة و نحوها.

و اما القنب فربما يقال بكونه من الملبوس لإمكان لبسه في هذا الزمان باعمال الصنعة و العلاج كما انه ربما يقال بان ما يسمى في زماننا بالشعرى متخذ منه و على اى حال فان ثبت كونه ملبوسا و لو في بعض البلدان أو في هذا الزمان فلا يجوز السجود عليه فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 427

..........

______________________________

الخامس يجوز السجود على القرطاس و لا اشكال و لا خلاف فيه في الجملة و يدل عليه روايات.

منها صحيحة صفوان الجمال قال: رأيت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- في المحمل يسجد

على القرطاس و أكثر ذلك يومئ إيماء «1».

و منها صحيحة على بن مهزيار قال: سئل داود بن فرقد أبا الحسن- عليه السّلام- عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب:

يجوز. «2»

و منها صحيحة جميل بن الدراج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه كره ان يسجد على قرطاس عليه كتابة «3» و لا إشكال في دلالتها على جواز السجود على القرطاس و انما الإشكال في أمرين أحدهما انه هل يستفاد منها إطلاق جواز السجود على القرطاس فيشمل القرطاس المأخوذ من غير النبات كالحرير و الإبريسم أو لا يشمل مثله لعدم ثبوت الإطلاق في الروايات و الظاهر هو الوجه الثاني لأنه مضافا الى ان القراطيس المتعارفة في تلك الأزمنة في المدينة و غيرها كانت معمولة من الخشب و شي ء من النورة لأنها كانت هي القراطيس المصنوعة في بلد المصر المحمولة منه إليها بل الظاهر كما يشهد به التاريخ ان القراطيس المعمولة في الصين الذي كان اهله متقدما في هذه الصنعة على أهل سائر البلاد كان أصلها من الخشب نقول لا دلالة لشي ء منها على الإطلاق بوجه.

اما صحيحة صفوان فلأنها مشتملة على حكاية فعل الامام- عليه السّلام- و من المعلوم ان الفعل لا إطلاق له نعم لو كان الحاكي هو الإمام الأخر و كان غرضه

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب السابع ح- 1.

(2) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب السابع ح- 2.

(3) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب السابع ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 428

..........

______________________________

من الحكاية بيان الحكم يمكن الاستدلال بإطلاق كلامه مع عدم أخذ قيد فيه لكن الحاكي في الرواية هو الراوي دون

الامام- عليه السّلام.

و اما صحيحة ابن مهزيار فمفادها ان الكتابة لا تمنع عن جواز السجود على القرطاس و اما ان القرطاس الذي يجوز السجود عليه فهو مطلق القرطاس أو خصوص نوع منه فلا دلالة لها عليه و عبارة أخرى مرجع السؤال الى ان القرطاس الذي يجوز السجود عليه من دون كتابة إذا كان مكتوبا عليه هل يجوز السجود عليه أم لا و لم يعلم ذلك القرطاس كما لا يخفى.

و اما صحيحة جميل فمفادها انه لا كراهة أو لا منع في قرطاس ليس عليه كتابة و لكنها ليست بصدد افادة هذا الحكم حتى يستدل بإطلاقها بل بصدد بيان كون الكتابة موجبة للكراهة الاصطلاحية أو المنع بناء على كون الكراهة بمعنى الحرمة.

و بالجملة لم يظهر من شي ء من الروايات إطلاق الحكم بجواز السجود على القرطاس و القدر المتيقن خصوص القرطاس المتخذ مما يصح السجود عليه كالنبات غير المأكول و الملبوس.

ثانيهما أنه لا بدّ من ملاحظة دليل جواز السجود على القرطاس مع الروايات المتقدمة الدالة على عدم جواز السجود على الأرض أو نباتها لان مقتضى تلك الروايات ان ما يصح السجود عليه لا يتجاوز عن العنوانين و مقتضى روايات القرطاس ان هنا عنوانا ثالثا غير الأرض و نباتها و هذا من دون فرق بين ان يكون الحكم بجواز السجود على القرطاس مطلقا أو مختصا بما إذا كان متخذا من خصوص ما يصح السجود عليه اما على الفرض الأول فواضح و اما على التقدير الثاني فلان الحكم بالجواز و ان كان منحصرا فيما ذكر الا ان الظاهر ان القرطاس المتخذ من النبات لا يطلق عليه النبات بوجه لزوال الروح النباتي و كذا الجسم النباتي عنه و لا يكون في

العرف من مصاديق النبات بوجه فعلى كلا التقديرين يكون في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 429

[مسألة- 11 يعتبر فيما يسجد عليه مع الاختيار كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه]

مسألة- 11 يعتبر فيما يسجد عليه مع الاختيار كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه فلا يجوز على الوحل غير المتماسك، بل و لا على التراب الذي لا يتمكن الجبهة عليه. و مع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين و ان لصق بجبهته لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجبا و لو لم يكن الا الطين غير المتماسك سجد عليه بالوضع من غير اعتماد. (1)

______________________________

البين عنوان ثالث و لا مانع من الالتزام به بعد كون مقتضى التوفيق العرفي بين روايات القرطاس و الروايات الظاهرة في انحصار جواز السجود بالعنوانين هو التصرف في ذلك الظهور و الالتزام بثبوت عنوان آخر لنصوصية هذه الروايات في ان عنوان القرطاس له دخل في جواز السجود كما لا يخفى.

(1) الوجه في اعتبار كون ما يسجد عليه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه مضافا الى اعتبار ذلك في السجود على الشي ء كما يأتي البحث عنه في بابه إن شاء اللّٰه تعالى موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سألته عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال إذا غرقت الجبهة و لم تثبت على الأرض. «1» فإن مفادها ان الطين إذا كان غير متماسك بحيث يوجب غرق الجبهة فيه و عدم استقرارها عليه لا يجوز السجود عليه فتدل على اعتبار إمكان تمكين الجبهة فيما يسجد عليه و عليه فلو كان التراب أيضا بهذه الكيفية لا يجوز السجود عليه كما انه إذا أمكن التمكين في الطين بان كان متماسكا يجوز السجود عليه و ان كان ملازما للصوق

بعض أجزائه بالجبهة لكنه إذا كان حاجبا تجب إزالته للسجدة الثانية هذا كله مع الاختيار.

و اما في صورة الاضطرار بان لم يكن عنده الا الطين غير المتماسك فقد ذكر في المتن انه يسجد عليه بالوضع من غير اعتماد و الوجه فيه قاعدة الميسور التي يظهر منهم التسالم على العمل بها في أمثال المقام نظرا الى اعتبار أمرين في

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس عشر ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 430

[مسألة- 12 ان كانت الأرض و الوحل بحيث لو جلس للسجود و التشهد يتلطخ بدنه و ثيابه]

مسألة- 12 ان كانت الأرض و الوحل بحيث لو جلس للسجود و التشهد يتلطخ بدنه و ثيابه و لم يكن له مكان آخر يصلى قائما موميا للسجود و التشهد على الأحوط الأقوى. (1)

______________________________

السجود و هما الوضع و التمكين فإذا لم يمكن التمكين يتعين خصوص الوضع.

(1) في هذه المسألة أقوال ثلاثة:

أحدها ما في المتن وفاقا لجماعة كثيرة من تبدل الجلوس في هذه الصورة إلى القيام و السجود إلى الإيماء.

ثانيها ما حكى عن جامع المقاصد و المسالك و المدارك و كشف اللثام من وجوب الانحناء الى ان تصل الجبهة إلى الوحل.

ثالثها ما حكى من تبدل السجود إلى الإيماء و بقاء الجلوس بحاله فيجلس للإيماء و للتشهد.

و مستند الأول موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سألته الرجل يصيبه المطر و هو في موضع لا يقدر على ان يسجد فيه من الطين و لا يجد موضعا جافا قال: يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليؤم بالسجود إيماء و هو قائم يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة و يتشهد و هو قائم و يسلم. «1»

و صحيحة هشام بن الحكم

عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- المروية في آخر السرائر و هي مثلها و زيد فيها: قال: و سألته عن الرجل يصلى على الثلج قال لا فان لم يقدر على الأرض بسط ثوبه و صلى عليه. «2»

و الظاهر ان المراد من عدم القدرة في الروايتين هو عدم القدرة من جهة تلطخ بدنه و ثيابه بالطين لان العناوين المأخوذة في الروايات- سؤالا و جوابا- تحمل

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس عشر- ح 4

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 431

[مسألة 13- ان لم يكن عنده ما يصح السجود عليه أو كان و لم يتمكن من السجود عليه لعذر من تقية و نحوها]

مسألة 13- ان لم يكن عنده ما يصح السجود عليه أو كان و لم يتمكن من السجود عليه لعذر من تقية و نحوها سجد على ثوب القطن أو الكتان، و مع فقده سجد على ثوبه من غير جنسهما، و مع فقده سجد على ظهر كفه و ان لم يتمكن فعلى المعادن. (1)

______________________________

على العرفي منها مضافا الى ان قوله: من الطين و قوله: لا يجد موضعا جافا يؤيد كون المراد من عدم القدرة ما ذكرنا لا عدم القدرة عقلا كما لا يخفى فالموضوع للحكم بالبدلية و انتقال السجود إلى الإيماء و الجلوس الى القيام هو التلطخ المذكور من دون فرق بين ثبوت الحرج عليه و عدمه و حيث ان الخبرين واجدين لوصف الاعتبار فلا وجه للرجوع معهما إلى قاعدة الميسور التي هي مستند القول الثاني خصوصا مع انه لا دليل عليها ظاهر غير الإجماع الذي هو مفقود في المقام.

كما انه لا وجه للقول الثالث فإنه طرح للخبرين من وجه و حملهما على صورة تعذر الجلوس خلاف الظاهر كما عرفت.

(1) الكلام في هذه المسألة

يقع في مقامين.

المقام الأول: في انه هل جعل الشارع بدلا لما يصح السجود عليه في حال الضرورة أو التقية أو حكم بسقوطه لا الى بدل فعلى الثاني يتخير المكلف بالتخيير العقلي بين السجود على الثوب أو ظهر الكف أو المعدن أو غيرها من غير فرق بينها أصلا و على الأول لا بدّ من ملاحظة ذلك البدل المجعول و انه ما هو فنقول:

ربما يقال بأن الذي ذكره غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات من دون تعرض لخلاف فيه هو ثبوت البدل الشرعي الاضطراري و لكنه ربما يناقش فيه بعدم ثبوت الإجماع في المقام بعد عدم كون المسألة معنونة في كتب الفقهاء و الظاهر انه لا أصالة له و ان فرض تحققه بعد وجود الروايات الكثيرة في الباب التي هي المستند لهم لا محالة فالعمدة ملاحظتها فنقول: ما يستفاد منه البدلية كذلك كثير:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 432

..........

______________________________

منها رواية أبي بصير عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له أكون في السفر فتحضر الصلاة و أخاف الرمضاء على وجهي كيف اصنع؟ قال تسجد على بعض ثوبك فقلت: ليس علىّ ثوب يمكنني ان اسجد على طرف و لا ذيله قال: اسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد. «1»

فان الحكم بالسجود على بعض الثوب ظاهر في ثبوت الخصوصية له و انه البدل الشرعي عما يصح السجود عليه و دعوى ان ذكره انما هو من جهة كون الثوب مانعا عن حرارة الرمضاء و في الحقيقة يكون ذكره من باب المثال مدفوعة جدا بما ذكر من ظهور الجواب في ثبوت الخصوصية للثوب و يدل عليه السؤال الثاني الظاهر في فرض عدم الثوب فإنه فلو لم يكن

السائل قد فهم من الجواب الأول ثبوت الخصوصية لما كان لسؤاله الثاني وجه فنفس السؤال الثاني قرينة على الخصوصية خصوصا مع كون الجواب فيه مشتملا على السجود على شي ء آخر كما لا يخفى و اما تعليل الحكم بالسجود على ظهر الكف بأنها إحدى المساجد فقد وقع في هذه الرواية و في رواية أخرى لأبي بصير التي يحتمل- قويا- اتحادها مع هذه الرواية، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عريانا في سراويل و لا يجد ما يسجد عليه يخاف ان سجد على الرمضاء أحرقت وجهه قال: يسجد على ظهر كفه فإنها أحد المساجد «2» و الظاهر ان المراد به ما عن الوافي من ان مرجعه إلى أقربية ظهر الكف لان يسجد عليه لكون الكف احدى المواضع السبعة عند السجود فإذا سجد عليه فكأنه سجد على الأرض بتوسطه.

و اما استظهار ان التعليل إنما جي ء به لدفع توهم عدم جواز السجود عليه بالخصوص في حال الاضطرار لمكان كونه من أجزاء بدن المصلي فأراد دفع هذا

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الرابع ح- 5.

(2) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الرابع ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 433

..........

______________________________

التوهم بان الكف احدى المساجد فلا مانع من السجود عليها في هذا الحال.

فيدفعه ظهور الحكم المعلل في تعين السجود على ظهر الكف و بعبارة أخرى الظاهر رجوع التعليل الى لزوم السجود عليه لا جوازه دفعا للتوهم المذكور و كيف كان فظاهر ذيل الرواية أيضا ثبوت البدلية لظهر الكف مع عدم الثوب و اما ما يقال من ان الأمر بالسجود على ظهر الكف في مفروض

السائل غير دال على البدلية رأسا لعدم وجود ما يسجد عليه أصلا مع فرضه الخوف على وجهه من الرمضاء فيدور الأمر- ح- بين ترك السجدة و الاكتفاء بالإيماء لها و بين السجود على الرمضاء و احتراق وجهه و بين السجود على ظهر الكف فأمره بالأخير من جهة عدم سقوط السجود هنا و إرشادا الى ان الكف حائل بين جبهته و بين الرمضاء لخشونة الكف بالنسبة إلى الوجه.

ففيه انه لو لم يكن ظهر الكف متعينا مع عدم الثوب لما كان الأمر دائرا بين الأمور الثلاثة المذكورة بل كان يجوز له السجود على المسح (بالكسر بمعنى الپلاس) و المعادن و كثير من الأشياء كما لا يخفى فالدوران المذكور انما يصح مع التعين و هو مساوق للبدلية كما هو ظاهر.

و قد انقدح مما ذكرنا دلالة الرواية و ظهورها في ثبوت البدلية لخصوص الثوب و مع انتفائه لظهر الكف بلا مناقشة مقبولة.

و منها رواية منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أ فنسجد عليه؟ قال: لا، و لكن اجعل بينك و بينه شيئا قطنا أو كتانا. «1»

و دلالتها على ثبوت البدلية من وجهين:

أحدهما نفس السؤال عن جواز السجود على الثلج و الجواب بالعدم فإنه على تقدير عدم ثبوت البدلية لا فرق بين الثلج و غيره مع عدم إمكان السجود على

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الرابع ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 434

..........

______________________________

الأرض و الحمل على ان المنع عن السجود على الثلج انما هو لعدم الاستقرار لا لعدم كونه مسجدا خلاف الظاهر جدا خصوصا مع ملاحظة ان جعل

شي ء بينه و بينه لا يوجب تحقق الاستقرار بوجه.

كما ان دعوى ان المنع انما هو في حال الاختيار لان كون الأرض باردة يكثر فيها الثلج لا يلزم الاضطرار الى غير الأرض و نباتها، مدفوعة بظهورها في كون مراد السائل ما إذا لم يكن هناك ارض يسجد عليها لكون الثلج النازل من السماء مستوعبا لوجه الأرض.

ثانيهما تفسير الشي ء في الجواب بخصوص القطن و الكتان الظاهر في ثبوت البدلية لهما و لا مجال لدعوى: «ان ذكر القطن و الكتان انما هو من جهة كون الغالب على المصلى هو إمكان تحصيلهما لكونهما الغالب في الألبسة فدلالة لفظ «شيئا» على العموم الذي لازمة السقوط لا الى بدل أظهر من دلالة ذكر القطن و الكتان على التقييد».

و منها صحيحة على بن جعفر عن أخيه- عليه السّلام- قال: سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض و هو في الصلاة و لا يقدر على السجود هل يصلح له ان يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا قال: إذا كان مضطرا فليفعل «1».

فان تقييد الثوب القطن أو الكتان ظاهر في ان ثبوت بدل خاص لما يصح السجود عليه كان امرا مفروغا عنه عند السائل و قد قرره الامام- عليه السّلام- مع التأكيد على ان الجواز انما يختص بحال الاضطرار من دون إشعار بسعة دائرة الحكم في هذه الصورة و بطلان ما هو مفروغ عنه لدى السائل و دعوى ان ذكرهما في كلامه من باب ذكر أحد الأفراد التي لا يجوز السجود عليها لا لخصوصية فيهما مدفوعة بوضوح كونها خلاف ما هو الظاهر من الرواية عند العرف.

و منها رواية محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال: كتب رجل الى أبي الحسن

______________________________

(1) الوسائل أبواب

ما يسجد عليه الباب الرابع ح- 9

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 435

..........

______________________________

- عليه السّلام- هل يسجد الرجل على الثوب يتقى به وجهه من الحرّ و البرد و من الشي ء يكره السجود عليه فقال: نعم لا بأس به. «1»

و الظاهر اتحادها مع ما رواه محمد بن القاسم المذكور عن احمد بن عمر قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحر و البرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد عليه فقال: لا بأس به. «2»

فان الظاهر ان الرجل الكاتب في الرواية الاولى هو احمد بن عمر المذكور في الرواية الثانية و الفرق بينهما انما هو في ان الناقل لهذه القصة الواحدة هو محمد في الرواية الاولى و نفس الكاتب في الرواية الثانية كما لا يخفى.

و دلالتها على ثبوت البدلية انما هو من جهة ظهور السؤال في ان الانتقال الى الكمّ أو الرداء انما هو من جهة أذى الحر و البرد المانع من السجود على ما يصح السجود و من جهة كون المسح و مثله مما لا يسجد عليه فلو كان الثوب المذكور في الرواية مذكورا من جهة انه أحد أفراد ما لا يصح السجود عليه لما كان وجه لإخراج المسح و مثله و الجواب ظاهر في تقرير السائل على هذه الجهة و منها غير ذلك من الروايات الظاهرة في ثبوت البدلية الشرعية الاضطرارية فلا شبهة في الحكم في هذا المقام.

المقام الثاني في انه بعد ثبوت البدل يقع الكلام في تعيينه و بيان مراتبه على تقديرها فنقول: ظاهر المتن ثبوت المراتب الأربعة التي هي القطن و الكتان ثم الثوب من

غيرهما كالصوف و الإبريسم ثم ظهر الكف ثم المعادن و المنسوب الى المشهور كما- في محكي الجواهر- ان البدل هو مطلق الثوب ثم ظهر الكف و في العروة أن البدل هو الثوب من القطن و الكتان و مع عدمه يتخير بين المعادن و ظهر الكف و احتاط بتقديم الأول.

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الرابع ح- 4

(2) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الرابع ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 436

..........

______________________________

أقول: اما تأخر ظهر الكف عن الثوب فيدل عليه رواية أبي بصير المتقدمة في المقام الأول الظاهرة في ان الانتقال الى ظهر الكف انما هو مع عدم التمكن من السجود على الثوب لعدم وجوده مشتملة على التعليل بان الكف احدى المساجد و قد عرفت المراد من العلة فلا مجال للمناقشة في هذا التأخر.

و اما تأخر الثوب من غير جنس القطن و الكتان عن الثوب من جنسهما و بعبارة أخرى ثبوت مرتبتين قبل ظهر الكف كما هو ظاهر المتن فربما يناقش فيه من جهة الدليل نظرا الى ان أكثر الروايات الواردة في الثوب كانت مطلقة من جهة ذكر الثوب أو الكم من القميص أو الرداء من غير تقييد بكونها من القطن و الكتان و في مقابلها روايتان ظاهرتان في التقييد هما رواية منصور بن حازم و صحيحة على بن جعفر- عليه السّلام- المتقدمتين و- ح- فان قلنا ببقاء المطلقات على إطلاقها نظرا الى استبعاد تقييد المطلقات الكثيرة الواردة في مقام البيان فاللازم حمل ما وقع فيه التقييد بالقطن أو الكتان على بيان انهما من افراد الثوب الغالبة أو انهما أفضل الافراد و عليه فيكون البدل في الرتبة الأولى مطلق الثوب

و في الثانية ظهر الكف فينطبق على ما هو المنسوب الى المشهور.

و ان قلنا بلزوم تقييد المطلقات و حملها على خصوص القطن و الكتان كما هو شأن المطلق و المقيد فاللازم الالتزام بكون البدل في الرتبة الاولى هو خصوص الثوب من القطن و الكتان و عليه فلا دليل على بدلية الثوب من غير جنسهما لانه بعد حمل المطلقات على دليل المقيد يكون المطلق بوصف الإطلاق بلا دليل و عليه فينتقل بعد فقد القطن و الكتان الى ظهر الكف كما هو ظاهر العروة غاية الأمر مع عطف المعدن على الظهر.

و على اى تقدير لا سبيل إلى إثبات مرتبتين قبل ظهر الكف كما هو ظاهر المتن.

و يمكن دفع المناقشة بظهور انه لا بدّ في مقام التصرف في المطلق من الاقتصار على خصوص مقدار يدل عليه دليل المقيد ضرورة انه فيما عدا ذلك المقدار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 437

..........

______________________________

لا وجه لرفع اليد من المطلق بعد تمامية دلالته و استقرار إطلاقه و- ح- نقول الظاهر ان دليل المقيد في المقام يختص بصورة التمكن و مرجعه الى ان بدلية القطن و الكتان انما هي في صورة التمكن منهما بل لا معنى للبدلية مع عدم التمكن كما ان ظاهر دليل المطلق الدال على بدلية الثوب اختصاصه بصورة التمكن من الثوب لما عرفت من انه لا معنى للبدلية مع عدم التمكن.

و عليه فدليل المقيد يوجب التصرف في دليل المطلق في خصوص صورة التمكن من القيد و يصير النتيجة بدلية خصوص الثوب من القطن و الكتان في الرتبة الاولى و مع عدم التمكن منه يكون مقتضى الإطلاق بدلية الثوب من غيرهما بعد فرض التمكن منه كما عرفت

و بذلك تتحقق المرتبتان كما أفاده في المتن و قد مرّ تأخر مرتبة الثوب لدلالة روايتي أبي بصير المتقدمين عليه خصوصا روايته الاولى فتدبر فبذلك تثبت ثلاث مراتب.

انما الكلام في المرتبة الرابعة و هي المعادن تارة من جهة الدليل على أصل البدلية فيها و اخرى من جهة مرتبتها و تأخرها عن المراتب الثلاثة الأخر فنقول الظاهر انه لا دليل على البدلية فيها الّا الروايات الدالة على جواز السجود على القير بعد حملها على حال الضرورة و التقية جمعا بينها و بين ما يدل على المنع عن السجود عليه بحملها على حال الاختيار و عدم التقية و لما كان القير من المعادن فلا فرق بينه و بين غيره من جنس المعدن.

و يرد عليه أولا ان اخبار السجود على القير لا يستفاد منها سوى جوازه عليه المحمول على صورة التقية لا بدلية القير عما يصح السجود عليه كما لا يخفى على من لاحظها مثل خبر معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الصلاة في السفينة الى ان قال: يصلى على القير و القفر و يسجد عليه «1» فان ظاهره ان المصلى لكونه في السفينة لا يتمكن الا من السجود عليها و هي مقيرة و الجواب

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب السادس ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 438

[مسألة- 14 لو فقد ما يصح السجود عليه في أثناء الصلاة قطعها في سعة الوقت]

مسألة- 14 لو فقد ما يصح السجود عليه في أثناء الصلاة قطعها في سعة الوقت و في الضيق سجد على غيره بالترتيب المتقدم. (1)

______________________________

بنفي البأس من جهة انه لا يتمكن الا منه لا لكونه بدلا عما يصح السجود عليه و اما ترك الاستفصال بالنسبة إلى وضع شي ء مما

يصح السجود عليه على القير و السجود عليه فإنما هو للتقية لأن السفينة لا تخلو في تلك الأعصار عن وجود من يتقى عنه بل و في هذه الأعصار غالبا.

و ثانيا منع كون القير من المعادن خصوصا مع التعليل في بعض الاخبار المجوزة بأنه من نبات الأرض الظاهر في ان الحكم بالجواز لهذه الجهة لا لأجل كونه معدنيا و يحتمل ان يكون الوجه في العلة و كونه من نبات الأرض انه من قبيل حجر الفحم على ما قيل المتكون من الأشجار المستترة في الأرض في سالف الزمان المختلطة مع الإجزاء الأرضية.

و ثالثا لو سلم جميع ذلك فلا دليل على تأخر رتبتها عن الأمور الثلاثة المتقدمة خصوصا مع وجود الثوب غالبا في مورد الأخبار الدالة على جواز السجود على القير.

و قد انقدح بذلك انه لا دليل على أصل البدلية في المعدن أولا و على تأخر رتبة المعدن عن سائر المراتب ثانيا.

(1) اما الحكم في صورة ضيق الوقت فواضح لان مرجع أدلة البدلية إلى لزوم الاهتمام بالوقت و تقدم رتبة الوقت على غيره من الاجزاء و الشرائط ضرورة أنه لو لا ذلك لما كان لجعل البدل و الانتقال اليه وجه بل كان عليه الصبر الى ان يجد ما يصح السجود أو يتمكن من السجود عليه فنفس جعل البدل كاشف عن أهمية الوقت و عدم مزاحمة شي ء معه.

و اما في سعة الوقت فللمسألة صورتان:

إحديهما فقدان ما يصح السجود عليه في أثناء الصلاة مع القدرة عليه عند

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 439

..........

______________________________

قطع الصلاة لوجوده في مكان آخر، و لا إشكال في ان الحكم في هذه الصورة هو قطع الصلاة و لا يجوز له إتمامها

بالسجود على البدل لان المفروض القدرة على المبدل و هي الأرض أو نباتها و بعبارة أخرى المستفاد من أدلة البدلية هو ثبوت البدل عند الاضطرار و لا اضطرار في المقام و لا مجال لدعوى ثبوت حرمة القطع هنا بعد كون الموضوع للحرمة هو قطع الصلاة الصحيحة القابلة لإتمامها كذلك و مقتضى أدلة اعتبار الخصوصية فيما يسجد عليه بطلانها في المقام كما هو ظاهر الثانية الفرض المذكور مع عدم القدرة عليه عند القطع الا بانتظار وقت آخر و الحكم في هذه الصورة هو حكم من لم يقدر على السجود على ما يصح السجود عليه في أول الوقت مع احتماله ان يقدر في آخر الوقت و لا بدّ في تشخيص هذا الحكم من ملاحظة أدلة البدلية و ان المستفاد منها هل هو البدلية المطلقة و لو في أول الوقت أو البدلية المنحصرة بآخر الوقت فعلى الأول يجوز له البدار و على الثاني يجب عليه الانتظار و الظاهر دلالتها على الأول لأن مثل رواية أبي بصير المتقدمة الواردة في مقام الجواب عن السؤال عن كون الراوي في السفر فتحضر الصلاة و هو يخاف الرمضاء على وجهه بقوله: «تسجد على بعض ثوبك» يدل على ذلك- أولا- من جهة التعبير بخوف الرمضاء الذي تكون حرارته في أوائل وقت الظهر أو يمتد إلى أواسط الوقت- و ثانيا- من جهة ترك الاستفصال في مقام الجواب الظاهر في إطلاق الحكم و ثبوت البدلية و لو في أول الوقت و يمكن استفادة الجواز في خصوص المقام و هو الفقدان في الأثناء من صحيحة على بن جعفر- عليه السّلام- المتقدمة عن أخيه- عليه السّلام- قال سألته عن الرجل يؤذيه حر الأرض و هو في الصلاة

و لا يقدر على السجود هل يصلح له ان يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا قال: إذا كان مضطرا فليفعل. «1» نظرا الى ظهورها في ان عدم القدرة على السجود قد انكشف له في الأثناء و طريق الانكشاف عادة هو السجود على الأرض

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه الباب الرابع ح- 9

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 440

[مسألة- 15 يعتبر في المكان الذي يصلى فيه الفريضة ان يكون قارا غير مضطرب]

مسألة- 15 يعتبر في المكان الذي يصلى فيه الفريضة ان يكون قارا غير مضطرب، فلو صلى اختيارا في سفينة أو على سرير أو بيدر فان فات الاستقرار المعتبر بطلت صلوته، و ان حصل بحيث يصدق انه مستقر مطمئن صحت صلوته و ان كانت في سفينة سائرة و شبهها كالطيارة و القطار و نحوهما لكن تجب المحافظة على بقية ما يعتبر فيها من الاستقبال و نحوه هذا كله مع الاختيار، و اما مع الاضطرار فيصلى ماشيا و على الدابة و في السفينة غير المستقرة و نحوها مراعيا للاستقبال بما امكنه من صلوته، و ينحرف إلى القبلة كلما انحرف المركوب مع الإمكان، فان لم يتمكن من الاستقبال إلا في تكبيرة الإحرام اقتصر عليه، و ان لم يتمكن منه أصلا سقط لكن يجب عليه تحري الأقرب إلى القبلة فالأقرب، و كذا بالنسبة إلى غيره مما هو واجب في

______________________________

أولا بمعنى انه بعد السجود عليها مرة ظهر له انه لا يقدر عليه و ليس المراد من عدم القدرة إلا إيذاء حر الأرض المذكور أولا لا عدم القدرة بمعنى آخر، و يمكن ان يكون المراد هو حدوث الإيذاء في الأثناء بعد ما لم يكن عند الشروع في الصلاة و على كلا التقديرين فمفادها جواز وضع الثوب إذا

كان قطنا أو كتانا و السجود عليه في الأثناء و ليس المراد باضطرار المذكور في الجواب هو ما ينطبق على ضيق الوقت أيضا بحيث كان المجوز للسجود على الثوب المذكور هو الإيذاء بضميمة الضيق فإنه خلاف ما هو المتفاهم منه عند العرف فان المنسبق إلى أذهانهم هو الاضطرار الجائي من قبل الإيذاء المذكور الذي هو عبارة أخرى عن عدم القدرة على السجود المأخوذ في السؤال.

نعم لا مجال لتوهم انه بناء على ذلك يكون مقتضى الصحيحة جواز الرجوع الى البدل في الصورة الأولى أيضا ضرورة انه مع القدرة على السجود على ما يصح السجود عليه بمجرد قطع الصلاة و رفع اليد عنها لا يتحقق عنوان الاضطرار بوجه فالصحيحة تدل على الجواز في خصوص الصورة الثانية فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 441

الصلاة فإنه يأتي بما هو الممكن منه أو بدله، و يسقط ما تقتضي الضرورة سقوطه. (1)

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

المقام الأول في صورة الاختيار و يستفاد من المتن اعتبار الاستقرار في هذه الصورة من جهة المكان الذي يصلى فيه الفريضة و منشأ ذلك، الروايات الواردة في الصلاة على الدابة أو في السفينة أو على الرفّ المعلق بين نخلتين و لا بدّ من ملاحظتها و التحقيق في مفادها.

فنقول اما ما ورد في الصلاة على الدابة الدال على النهى عنها في حال الاختيار فمنها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال:

لا يصلى على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به القبلة و يجزيه فاتحة الكتاب، و يضع بوجهه في الفريضة على ما امكنه من شي ء و يومئ في النافلة إيماء. «1»

و منها رواية عبد

اللّٰه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- أ يصلي الرجل شيئا من المفروض راكبا فقال: لا الا من ضرورة. «2»

و منها غير ذلك مما ورد بهذا المضمون.

و هل المستفاد من هذه الروايات ان المنع عن الصلاة على الدابة في حال الاختيار انما هو لاستلزامها الإخلال بالاستقرار بمعنى الطمأنينة و عدم التحرك أو ان المنع عنها في تلك الحال انما هو لأجل ان عدم الكون على الدابة من جملة شرائط الصلاة تعبدا في مقابل سائر الشرائط أو ان المنع عنها انما هو لأجل استلزامها نوعا للإخلال بالقبلة أو القيام أو السجود على المساجد السبعة و بعبارة أخرى لأجل استلزامها فقد ان بعض ما يعتبر فيها من الأمور المذكورة؟

و الاستدلال بها على اعتبار كون المكان قارا إنما يبتنى على الاحتمال الأول

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الرابع عشر ح- 1

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب الرابع عشر ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 442

..........

______________________________

و لا مجال لدعوى تعينه الا القول بان المتفاهم عند العرف من النهى عن الصلاة على الدابة هو استلزامها للإخلال بالاستقرار خصوصا مع ملاحظة معنى الدابة بحسب اللغة المساوق للتحرك و عدم الاستقرار.

و اما ما ورد في السفينة فظاهر بعضها الجواز مطلقا و ظاهر البعض الأخر عدم الجواز إلا في حال الضرورة.

اما ما يدل على الجواز مطلقا فكصحيحة جميل بن دراج انه قال لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- تكون السفينة قريبة من الجد (الجدد) فاخرج و أصلي؟ قال: صل فيها اما ترضى بصلاة نوح- عليه السّلام. «1»

و موثقة المفضل بن صالح قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الصلاة في الفرات و ما هو أضعف منه

من الأنهار في السفينة قال: ان صليت فحسن و ان خرجت فحسن. «2» و غيرهما من الروايات الظاهرة في الجواز كذلك.

و اما ما يدل على المنع في حال الاختيار فكصحيحة حماد بن عيسى قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يسأل عن الصلاة في السفينة فيقول: ان استطعتم ان تخرجوا الى الجدد فاخرجوا، فان لم يقدروا فصلوا قياما، فان لم تستطيعوا فصلوا قعودا و تحروا القبلة. «3»

و رواية على بن إبراهيم قال: سألته عن الصلاة في السفينة قال: يصلى و هو جالس إذا لم يمكنه القيام في السفينة و لا يصلى في السفينة و هو يقدر على الشط و قال: يصلى في السفينة يحول وجهه إلى القبلة ثم يصلى كيف ما دارت. «4» و غيرهما مما هو بهذا المضمون.

و الجمع بينهما بحمل الطائفة الثانية على الاستحباب مخالف للترغيب الذي يدل

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الثالث عشر ح- 3

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب الثالث عشر ح- 11

(3) الوسائل أبواب القبلة الباب الثالث عشر ح- 14

(4) الوسائل أبواب القبلة الباب الثالث عشر ح- 8

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 443

..........

______________________________

عليه الاولى بقوله عليه السّلام اما ترضى بصلاة نوح الذي لا يخلو من الاشعار باستحباب الصلاة في السفينة في حال الاختيار.

و المتعين هو حمل أدلة المنع على صورة عدم إمكان الصلاة تامة بالإتيان بها بجميع الخصوصيات المعتبرة فيها من القيام و القبلة و غيرهما و حمل أدلة الجواز على صورة الإمكان و عليه فالمستفاد من مجموع الروايات الواردة في السفينة ان المنع عن الصلاة فيها انما هو لأجل استلزامها الإخلال ببعض الخصوصيات المعتبرة فيها و امّا ان من جملة تلك الخصوصيات هو الاستقرار

بعد فرض عدم دليل على اعتباره غير هذه الروايات فلا و بعبارة أخرى الكلام في استفادة اعتبار الاستقرار من نفس هذه الروايات و لا دلالة فيها عليه و المفروض انه لم يقم دليل عليه غيرها و ليس هو مثل القيام و القبلة و السجود على المواضع السبعة و غيرها مما دل على اعتباره أدلة أخرى.

و اما ما ورد في الرّف المعلق بين نخلتين فهي صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى على الرف المعلق بين نخلتين؟ فقال: ان كان مستويا يقدر على الصلاة فيه فلا بأس «1» و لا دلالة فيها أيضا الّا على كون الحكم بالجواز معلقا على القدرة على الصلاة فيه تامة بجميع الخصوصيات المعتبرة فيها و اما كان من جملة تلك الخصوصيات هو الاستقرار أيضا فلا دلالة له عليه خصوصا بعد استلزام الصلاة على الرف الكذائي لعدم الاستقرار نوعا و التحقيق ان يقال ان الاستقرار تارة يستعمل في مقابل المشي و الحركة و اخرى في مقابل الاضطراب و عدم الطمأنينة و قد وقع البحث عن اعتباره في الصلاة في مقامين هما مكان المصلى و اعتبار كونه قارا و القيام في حال الصلاة و اعتبار كونه في حال الاستقرار و الدليل في كلا المقامين انما ينحصر بالروايات المذكورة الواردة في الدابة و السفينة و الرف المذكور و قد عرفت انه لا دلالة لشي ء منها على

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الخامس و الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 444

..........

______________________________

اعتبار الاستقرار في الصلاة زائدا على سائر الخصوصيات المعتبرة فيها من القيام و نحوه بل

لها دلالة على عدم اعتباره بالمعنى الأول المقابل للمشي و الحركة ضرورة ثبوت الحركة في الصلاة على الدابة و في السفينة و لو تبعا لهما و اما بالمعنى الثاني الذي هو مراد المتن- للتعبير بالاطمئنان فيه- فلا دلالة لها عليه نفيا و إثباتا نعم استدلوا على اعتبار الاستقرار بهذا المعنى في باب القيام الذي هو من أفعال الصلاة برواية هارون بن حمزة الغنوي التي رواها المشايخ الثلاثة انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الصلاة في السفينة فقال: ان كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرك فصل قائما، و ان كانت خفيفة تكفأ فصل قاعدا. «1» و لكن الظاهر ان التفصيل انما هو من جهة القدرة على القيام في الصورة الاولى و عدمها في الصورة الثانية لا من جهة الاستقرار و عدمه فتدبر.

و كيف كان فلم يظهر لنا دليل على اعتبار الاستقرار بهذا المعنى اللهم الا ان يقال بثبوت الإجماع أو استمرار السيرة عليه كما ربما يدعى و لعله يأتي البحث في هذه الجهة في باب القيام أيضا.

المقام الثاني في صورة الاضطرار و لا اشكال و لا خلاف في الجواز في هذه الصورة و يدل عليه بالصراحة أو الظهور الروايات المتعددة التي منها- رواية عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة المصرحة باستثناء صورة الضرورة من الحكم بعدم جواز صلاة الفريضة في حال الركوب و كذا رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه المتقدمة أيضا الظاهرة في ان استثناء المريض انما هو لأجل الضرورة نعم في البين رواية منصور بن حازم قال سأله احمد بن النعمان فقال أصلي في محملي و انا مريض؟ قال: فقال: اما النافلة فنعم و اما الفريضة، فلا، قال: و ذكر

أحمد شدة وجعه فقال: انا كنت مريضا شديد المرض فكنت أمرهم إذا حضرت الصلاة يضخونى (يقيموني، ينحونى، ينيخوني) فاحتمل فراشي فأوضع و أصلي ثم احتمل

______________________________

(1) الوسائل أبواب القيام الباب الرابع عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 445

[مسألة- 16 يستحب الصلاة في المساجد]

مسألة- 16 يستحب الصلاة في المساجد، بل يكره عدم حضورها بغير عذر كالمطر خصوصا لجار المسجد حتى ورد في الخبر: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» و أفضلها مسجد الحرام، ثم مسجد النبي- ص- ثم مسجد الكوفة و الأقصى، ثم مسجد الجامع، ثم مسجد القبيلة، ثم مسجد السوق، و الأفضل للنساء الصلاة في بيوتهن، و الأفضل بيت المخدع، و كذا يستحب الصلاة في مشاهد الأئمة- ع- خصوصا مشهد أمير المؤمنين- ع- و حائر أبي عبد اللّٰه الحسين- ع.

[مسألة- 17 يكره تعطيل المسجد]

مسألة- 17 يكره تعطيل المسجد، و قد ورد انه أحد الثلاثة الذين يشكون الى اللّٰه- عز و جل- يوم القيامة، و الآخران عالم بين جهال، و مصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه، و ورد ان من مشى الى مسجد من مساجد اللّٰه فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله عشر حسنات، و محي عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات.

[مسألة- 18 من المستحبات الأكيدة بناء المسجد و فيه أجر عظيم و ثواب جسيم]

مسألة- 18 من المستحبات الأكيدة بناء المسجد و فيه أجر عظيم و ثواب جسيم، و قد ورد انه قال رسول اللّٰه- ص-: «من بنى مسجدا في الدنيا أعطاه اللّٰه بكل شبر منه- أو قال: بكل ذراع منه- مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب و فضة و در و ياقوت و زمرد و زبرجد و لؤلؤ» الحديث.

[مسألة- 19 عن المشهور اعتبار إجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجدا]

مسألة- 19 عن المشهور اعتبار إجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجدا بان يقول: وقفتها مسجدا قربة الى اللّٰه تعالى لكن الأقوى

______________________________

بفراشي فأوضع في محملي. «1» و لكنه لا بد من حملها على صورة عدم الاضطرار بقرينة الروايات الأخر و لا مجال لحملها على الاستحباب كما عن الشيخ- قه.

ثم انه لا بد في هذه الصورة من مراعاة سائر ما اعتبر في الصلاة من القيام و القبلة و نحوهما و لو بالمقدار الممكن بداهة أن الضرورة قاضية بسقوط خصوص ما لا يمكن مراعاته دون ما أمكن بنفسه أو ببدله كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الرابع عشر ح- 10

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 446

كفاية البناء بقصد كونه مسجدا مع قصد القربة و صلاة شخص واحد فيه بإذن الباني فتصير مسجدا. (1)

[مسألة 20- تكره الصلاة في الحمام حتى المسلخ منه]

مسألة 20- تكره الصلاة في الحمام حتى المسلخ منه، و في المزبلة و المجزرة، و المكان المتخذ للكنيف و لو سطحا متخذا مبالا، و بيت المسكر و في أعطان الإبل، و في مرابط الخيل و البغال و الحمير و البقر، و مرابض الغنم، و الطرق ان لم تضر بالمارة و الا حرمت، و في قرى النمل و مجاري المياه و ان لم يتوقع جريانها فيها فعلا، و في الأرض السبخة، و في كل ارض نزل فيها عذاب، و على الثلج، و في معابد النيران بل كل بيت أعد لإضرام النار فيه، و على القير و اليه و بين القبور، و ترتفع الكراهة في الأخيرين بالحائل و ببعد عشرة أذرع، و لا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمة- ع- و لا عن يمينها و شمالها و ان كان الاولى الصلاة عند

الرأس على وجه لا يساوى الامام- ع- و كذا تكره و بين يديه نار مضرمة أو سراج أو تمثال ذي روح، و تزول في الأخير بالتغطية، و تكره و بين يديه مصحف أو كتاب مفتوح، أو مقابله باب مفتوح، أو حائط ينز من بالوعة يبال فيها، و ترتفع بستره، و الكراهة في بعض تلك الموارد محل نظر و الأمر سهل.

______________________________

(1) وجه فتوى المشهور استفاضة نقل الإجماع على اعتبار اللفظ في الوقف مطلقا و عدم كفاية المعاطاة فيه و لكنّه حيث جرت السيرة على اكتفاء الفعل المقارن لقصده في تحققه في مثل بناء المساجد و فرشها و سراجها و الظاهر اتصالها بزمان الامام عليه السّلام فالظاهر كفاية البناء المقرون بالأمور المذكورة في المتن و التفصيل موكول الى كتاب الوقف.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 447

[المقدمة الخامسة في الأذان و الإقامة]

اشارة

المقدمة الخامسة في الأذان و الإقامة

[مسألة- 1 لا إشكال في تأكد استحبابهما للصلوات الخمس]

مسألة- 1 لا إشكال في تأكد استحبابهما للصلوات الخمس أداء و قضاء حضرا و سفرا، في الصحة و المرض، للجامع و المنفرد للرجال و النساء حتى قال بعض بوجوبهما، و الأقوى استحبابهما مطلقا و ان كان في تركهما حرمان عن ثواب جزيل. (1)

______________________________

(1) لا ريب في مشروعية الأذان و الإقامة و مطلوبيتهما لكل من الفرائض الخمس اليومية- و منها الجمعة- إلا في موارد السقوط الآتية من دون فرق بين الرجال و النساء و السفر و الحضر و الأداء و القضاء و الجامع و المنفرد و الصحيح و المريض بل ادعى عليهما إجماع المسلمين بل ضرورة الدين.

كما انه لا اشكال ظاهرا في تأكد مطلوبيتهما و شدة استحبابهما مطلقا إنما الإشكال في أنهما هل لا يكونان واجبين كما حكاه جماعة كثيرة عن المشهور أو انهما واجبان في الجماعة مطلقا من دون فرق بين الرجال و النساء كما عن الغنية و الكافي و بعض الكتب الآخر أو على خصوص الرجال كما عن عدة من الكتب كالجمل و شرحه و المقنعة و النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذب.

و ربما يفصل بين الأذان و الإقامة بالقول بوجوبها مطلقا دونه كذلك أو اختصاص وجوبه بخصوص الصبح و المغرب مطلقا أو بالنسبة إلى خصوص الرجال.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 448

..........

______________________________

و ظاهر المتن ثبوت القول بوجوبهما مطلقا مع انه ربما يقال بأنه غير ظاهر لانه لم يعرف القائل بالوجوب كذلك و لعل مراده الوجوب في الجملة.

ثم ان القول بالوجوب في الجماعة يمكن ان يكون المراد به هو الوجوب الشرطي بالنسبة إلى الجماعة بحيث كانا من شرائط صحتها و يمكن ان يكون

المراد به هو اشتراطهما في ترتب فضيلة الجماعة و ثوابها و يمكن ان يكون المراد به هو اشتراطهما في أصل صحة الصلاة في الجماعة بحيث يكون الإخلال بهما أو بأحدهما موجبا لبطلان أصل الصلاة فيها فلا يجدي في صحتها رعاية وظائف المنفرد و عدم الإخلال بشي ء منها بخلاف الاحتمال الأول فإن لازمة صحة الصلاة مع رعاية تلك الوظائف كما هو كذلك بالإضافة إلى سائر الشروط المعتبرة في الجماعة كما انه على تقدير القول بالوجوب مطلقا من دون اختصاص بالجماعة يجري احتمال كون الوجوب نفسيا بحيث كان ظرف الإتيان بهما قبل الصلاة من دون ان يكونا شرطين في صحتها و ان كان هذا الاحتمال بعيدا.

و التحقيق هو عدم الوجوب وفاقا للمشهور و لا بدّ أولا من ملاحظة ما ورد من الكتاب العزيز في ذلك فنقول: قد ورد ذكر الأذان في موضعين منه:

أحدهما قوله تعالى في سورة المائدة يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَ لَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ الْكُفّٰارَ أَوْلِيٰاءَ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، وَ إِذٰا نٰادَيْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ اتَّخَذُوهٰا هُزُواً وَ لَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لٰا يَعْقِلُونَ.

ثانيهما قوله تعالى في سورة الجمعة يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلٰاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

فان المراد بالنداء إلى الصلاة في الآيتين هو الأذان إذ لو كان المراد به غيره لنقل ذلك في كتب التواريخ و السير المعدة لنقل جميع حالات النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 449

..........

______________________________

و المسلمين في زمانه و من المعلوم عدمه فلا ينبغي

التأمل في ان المراد به هو الأذان لا شي ء آخر.

و التعبير عنه بالنداء إلى الصلاة يشعر بل يدل على انه مجعول لدعوة الناس الى إقامة الجماعة في المساجد إذ النداء لغة عبارة عن الصوت البليغ الذي يسمعه جمع من الناس و هو لا يناسب الصلاة منفردا، كما ان التعبير عنه بالنداء يدل على خروجه عن حقيقة الصلاة جزء و شرطا لان النداء إلى الشي ء يغاير ذلك الشي ء و الظاهر ان الإقامة أيضا نداء غاية الأمر ان الأذان نداء و دعوة للغائبين و الإقامة تنبيه للحاضرين المجتمعين في المسجد نظرا الى اشتغالهم نوعا بذكر الأمور الدنيوية بعد حصول الاجتماع و الحضور في المسجد فربما لا يلتفتون الى قيام الصلاة إلا بعد ركعة أو أزيد و الإقامة تنبيه لهم الى قيامها.

و يؤيد ذلك ما ورد في بعض الاخبار الآتية من التعبير عن الأذان و الإقامة معا بالأذان و الظاهر انه ليس من باب التغليب بل من جهة ان الإقامة أيضا أذان و اعلام و الفرق بين الإعلامين ما ذكرنا و عليه فكما يكون الأذان خارجا عن حقيقة الصلاة كذلك تكون الإقامة أيضا خارجة عنها.

و بهذا يظهر عدم وجوب شي ء منهما لا بنحو الوجوب الاستقلالي و لا بنحو الوجوب الشرطي لأصل الصلاة أو للجماعة لأن القول بالوجوب- ح- مساوق للقول بوجوب الجماعة مع أنها فضيلة للصلاة إجماعا فكيف يكون النداء إليها بشي ء من الندائين واجبا فالوجوب الاستقلالي يدفعه الارتباط يدفعه بينهما و بين الصلاة لكونهما نداءين إليها و الوجوب الشرطي للجماعة ينافيه المغايرة بين النداء إلى الشي ء و بين ذلك الشي ء و الوجوب الشرطي لأصل الصلاة لا يجتمع مع ارتباطهما بصلاة الجماعة و التعبير عنهما بالنداء كما عرفت.

و

اما استحبابهما في صلاة المنفرد فالنكتة فيه ما ورد في الروايات الكثيرة المشتملة على التحريص و الترغيب الى فعلهما بالنسبة إلى المنفرد من التعليل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 450

..........

______________________________

بأن الصلاة مع الأذان و الإقامة سبب لايتمام صفين من الملائكة به و مع الإقامة فقط موجب لايتمام صف واحد و في بعضها ان حد الصف ما بين المشرق و المغرب و في بعضها توصيف الصف بأنه لا يرى طرفاه.

و كيف كان فالمصلحة الموجبة لمطلوبيتهما في صلاة المنفرد هي صيرورتها بهما أو بأحدهما جماعة و بعد ما كانت الجماعة فضيلة للصلاة لا واجبة فلا وجه لوجوبهما و ان شئت قلت انهما في صلاة المنفرد أيضا إيذان و اعلام غاية الأمر أنه إعلام للملائكة بالاجتماع و الشركة في انعقاد الجماعة.

ثم انه ربما يستدل على عدم الوجوب بأنه لو كانا واجبين لزم ان يكون وجوبهما ضروريا كوجوب أصل الصلاة لاشتراكهما معها في عموم البلوى فلو كانا واجبين يلزم ان لا يكون وجوبهما مشكوكا موردا للاختلاف بين المسلمين بل اللازم وضوحه بحيث يعرفه الناس في زمان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- و بالجملة كثرة الابتلاء بهما ككثرة الابتلاء بالصلاة و عدم التفات البعض أو الكثير أو الأكثر إلى فعلهما كما ربما يستفاد من الاخبار الكثيرة الدالة على التحريص و الترغيب الى فعلهما تدل على عدم وجوبهما.

و يمكن المناقشة في ذلك بان لازم هذا الكلام ان لا يكون شي ء من أجزاء الصلاة و شرائطها و الخصوصيات المعتبرة فيها مشكوكا أصلا بحيث كان الشك فيها مساوقا للحكم بعدم مدخليتها في الصلاة بوجه و ذلك لما ذكره المستدل من عمومية البلوى مع انه ليس كذلك بل

الظاهر ان أصل وجوب الصلاة بنحو الإجمال أمر ضروري لا مجال للارتياب فيه و اما الخصوصيات المعتبرة التي لها دخل في كيفيتها فيمكن جريان الشك فيها و لا يكون ملازما لاستفادة عدم الوجوب أصلا.

و يدل على استحباب الأذان و الإقامة أيضا ما رواه عبيد بن زرارة عن أبيه قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 451

..........

______________________________

قال: فليمض في صلوته فإنما الأذان سنة. «1» و المراد بالأذان في قوله- عليه السّلام- إنما الأذان سنة، ليس خصوص الأذان المقابل للإقامة و الا لم يكن وجه لتعليل المضي في الصلاة و لو مع نسيان الإقامة كما هو مورد السؤال في الرواية بكون الأذان سنة و المصحح لهذا الاستعمال ما عرفت من ان الإقامة أيضا إيذان و تنبيه غاية الأمر أنها اعلام للقريب و الأذان إعلام للبعيد.

و تقريب دلالتها على عدم الوجوب ان الظاهر ان المراد بالسنة الواقعة في التعليل هو الاستحباب مقابل الفريضة بمعنى الوجوب لانه مضافا الى كونه الظاهر من «السنة» يكون الدليل عليه هو وقوعها في مقام التعليل لعدم الإعادة و وجوب المضي في الصلاة و صلاحية السنة بهذا المعنى لوقوعها تعليلا لذلك واضحة و اما احتمال ان يكون المراد بالسنة في الرواية هو ما ثبت مطلوبيته من قول النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- أو فعله فان كان المراد به ما لم يكن فرضا من اللّٰه تعالى مأمورا به في الكتاب العزيز و بعبارة أخرى ما لم يكن ثابتا بالكتاب فالأذان و الإقامة و ان له يكن شي ء منهما مأمورا به في الكتاب العزيز الا ان

أكثر الفروض و الواجبات الشرعية تكون كذلك و لا تصلح السنة بهذا المعنى لان تقع تعليلا لعدم قدح تركه إذ ليس من خصوصيات الثابت بغير الكتاب ذلك في مقابل الثابت بالكتاب ضرورة.

و ان كان المراد به ما لم يكن فرضا من اللّٰه تعالى بل من الرسول غاية الأمر انه كان موردا لإمضاء اللّٰه تعالى و يؤيده اختلاف الفرضين في بعض الاحكام كعدم قدح الشك في الركعة في فرض النبي الذي هي الركعتان الأخيرتان من الصلوات الرباعية و قدحه في فرض اللّٰه فيدفعه ان الأذان و الإقامة لا يكون شي ء منهما كذلك و الدليل عليه الاخبار الكثيرة المستفيضة بل المتواترة الواردة في مقام التعريض على العامة الزاعمين ان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- أخذ الأذان من رؤيا عبد اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب التاسع و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 452

..........

______________________________

ابن زيد في منامه بقوله- عليه السّلام- ينزل الوحي على نبيكم فيزعمون انه أخذ الأذان من عبد اللّٰه بن زيد. «1»

و قد روى عن أبي جعفر- عليه السّلام- انه قال: لما اسرى برسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- الى السماء فبلغ البيت المعمور و حضرت الصلاة فأذن جبرئيل و اقام فتقدم رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- وصف الملائكة و النبيون خلف محمد- صلّى اللّٰه عليه و آله. «2»

و روى منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: لما هبط جبرئيل- ع- بالأذان على رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان رأسه في حجر على- عليه السّلام- فأذن جبرئيل و اقام فلما انتبه رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله-

قال يا على سمعت قال: نعم قال حفظت قال: نعم قال:

ادع لي بلا لا نعلمه فدعا على- عليه السّلام- بلالا فعلمه. «3»

و بالجملة فالظاهر ان الأذان مما ثبت مطلوبيته من اللّٰه تعالى بالوحي على الرسول فلا محيص من ان يكون المراد بالسنة هو ما ذكرنا من الاستحباب في مقابل الوجوب و عليه فدلالة الرواية على عدم وجوب شي ء من الأذان و الإقامة ظاهرة و قد استدل للقول باعتبارهما في الجماعة بروايات متعددة:

منها: رواية أبي بصير عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته أ يجزى أذان واحد؟

قال ان صليت جماعة لم يجز إلا أذان و اقامة و ان كنت وحدك تبادر امرا تخاف ان يفوتك تجزيك اقامة إلا الفجر و المغرب فإنه ينبغي ان تؤذن فيهما و تقيم من أجل انه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات. «4» فإنها ظاهرة في انه في صلاة الجماعة لا يجزى الا الأذان و الإقامة.

و لكن الظاهر انه لا لأدلة لها على وجوب الأذان و الإقامة في الجماعة فإن

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الأول ح- 3

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الأول ح- 1

(3) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الأول ح- 2

(4) أورد صدرها في الوسائل في الباب السابع من أبواب الأذان و الإقامة و ذيلها في الباب السادس ح 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 453

..........

______________________________

محط السؤال انما هو أجزاء أذان واحد عن الاذانين المعلوم حكمهما عند السائل و الاكتفاء بواحد عن الاثنين و اما ان حكمها هو الوجوب أو الاستحباب فلا دلالة للسؤال عليه و كذا الجواب بل يمكن ان يقال بان نفس هذا السؤال دليل على عدم

ثبوت الوجوب عند السائل لأنه على تقدير كون الحكم هو الوجوب و الواجب هو الأمرين لا مجال للسؤال عن الاكتفاء بالواحد عن الأخر بعد اتصاف كل منهما بالوجوب و هذا بخلاف الاستحباب كما لا يخفى مع ان التعبير ب «ينبغي» في الجواب لا يخلو عن الاشعار بعدم الوجوب أيضا، ثم ان السؤال مشعر بكون الإقامة أيضا أذانا كما ذكرناه في أول البحث و منها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان. «1»

فإن الخلوة في البيت كناية عن الصلاة منفردا و مفهومها- ح- عدم الكفاية في صلاة الجماعة.

و الجواب عن الاستدلال بها ما ذكرنا من عدم كون الرواية مسوقة لحكم الأذان و الإقامة بل الاكتفاء بأحدهما في الصلاة منفردا مع الفراغ عن وضوح حكمهما و منها صحيحة عبيد اللّٰه بن على الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة و لم يؤذن. «2»

و من الواضح انها حكاية فعل و هو أعم من الوجوب فتدبر.

و منها موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: سئل عن الرجل يؤذن و يقيم ليصلي وحده فيجي ء رجل آخر فيقول له تصلى جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان و الإقامة؟ قال: لا و لكن يؤذن و يقيم. «3»

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الخامس ح- 4

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الخامس ح- 6

(3) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب السابع و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 454

..........

______________________________

و ظهورها في كون محط السؤال هو الاجتزاء بالأذان

و الإقامة اللذين اتى بهما الرجل ليصلي وحده لعدم حضور رجل آخر عندهما بعد الفراغ عن وضوح حكمهما عند السائل لا ريب فيه و اما كون الحكم هو الوجوب أو الاستحباب فلا دلالة لها عليه بوجه.

هذا كله مضافا الى معارضتها ببعض الروايات الظاهرة في عدم الوجوب في الجماعة مثل صحيحة على بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- قلت تحضر الصلاة و نحن مجتمعون في مكان واحد أ تجزينا اقامة بغير أذان؟ قال نعم. «1» و من الواضح ان المراد بقول السائل: نحن مجتمعون .. هي الصلاة جماعة لا صرف الاجتماع فتدل على عدم لزوم الأمرين في الجماعة.

و رواية الحسن بن زياد قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة «2».

و لا دلالة لهذه الرواية على التفصيل بين صورة انتظار بعض المأمومين و بين صورة عدم الانتظار حتى تجعل شاهدة للجمع بحمل الطائفة الدالة على الوجوب على صورة الانتظار و حمل صحيحة ابن رئاب على صورة العدم و ذلك لان مرجع هذا التفصيل الى ما ذكرنا من كون الأذان اعلاما للغائبين بالحضور في الجماعة و فائدته مجرد الشركة فيها و بعد ما لا تكون الجماعة إلا فضيلة لا واجبة لا مجال لوجوب الاعلام بها و قد ظهر مما ذكرنا عدم تمامية القول باعتبارهما في الجماعة و قد استدل على اعتبار الأذان في خصوص الصبح و المغرب و لو مع الإتيان بهما فرادى بروايات أيضا:

منها ذيل رواية أبي بصير المتقدمة و قد مر الجواب عن الاستدلال بها.

و منها صحيحة صفوان بن مهران عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: الأذان مثنى

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و

الإقامة الباب الخامس ح- 10

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الخامس ح- 8

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 455

..........

______________________________

مثنى و الإقامة مثنى مثنى، و لا بدّ في الفجر و المغرب من أذان و اقامة في الحضر و السفر لانه لا يقصر فيهما في حضر و لا سفر، و تجزئك اقامة بغير أذان في الظهر و العصر و العشاء الآخرة، و الأذان و الإقامة في جميع الصلوات أفضل. «1»

و يمكن المناقشة في دلالتها بأنه بعد كون الفرق بين المغرب و الصبح و بين الصلوات الثلث الأخر هو في الأذان دون الإقامة كما هو مقتضى صدر الرواية يكون عطف الإقامة على الأذان في الحكم بالفضيلة في جميع الصلوات في الذيل شاهدا على ان الحكم لا يتعدى عن مرتبة الفضل و الكمال فتدبر و منها صحيحة الصباح بن سيابة قال: قال لي أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- لا تدع الأذان في الصلوات كلها فان تركته فلا تتركه في المغرب و الفجر فإنه ليس فيهما تقصير. «2»

و يمكن المناقشة في دلالتها أيضا بأن الظاهر من قوله- عليه السّلام- «فان تركته» ليس هو الترك عصيانا موجبا لاستحقاق العقوبة أو بطلان العمل بل هو ترك ما لا ينبغي ان يترك من الفضيلة و الكمال و عليه فيظهر ان النهى عن ترك الأذان في الصلوات كلها ليس نهيا تحريميا أو إرشاديا إلى البطلان و الا يكون المراد بالترك ما نفيناه و مقتضى اتحاد السياق ان لا يكون النهي في الذيل أيضا كذلك.

و منها صحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: تجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة و المغرب. «3»

و المناقشة في دلالتها تظهر

مما ذكرنا من ان الظاهر هو الاجزاء عن العملين اللذين يكون حكمهما معلوما و اما انه الواجب أو غيره فلا دلالة لها عليه ثم على تقدير تسليم ظهور هذه الروايات في وجوب الأذان في الفجر و المغرب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب السادس ح- 2

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب السادس ح- 3

(3) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب السادس ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 456

..........

______________________________

لا بدّ من حملها على الاستحباب بشهادة صحيحة عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الإقامة بغير الأذان في المغرب فقال: ليس به بأس و ما أحب ان يعتاد «1» و من المعلوم عدم الفصل بين المغرب و بين الفجر مضافا الى اشتراكهما في التعليل المذكور فيها و هو انه لا يقصر فيهما فيستفاد من ذلك عدم صلاحية التعليل المشترك لإفادة اللزوم.

و اما الإقامة فقد استدل على وجوبها مطلقا أو في الجملة بروايات أيضا:

منها: موثقة عمار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- يقول: لا بدّ للمريض أن يؤذن و يقيم إذا أراد الصلاة و لو في نفسه ان لم يقدر على ان يتكلم به، سئل:

فإن كان شديد الوجع؟ قال: لا بدّ من ان يؤذن و يقيم لانه لا صلاة إلا بأذان و اقامة. «2»

و بعد كون الحكم في الأذان هو الاستحباب كما أثبتناه لا بدّ من حمل قوله لا صلاة الا .. على نفى الكمال دون الصحة و لا مجال للتفكيك بين الأذان و الإقامة بعد كون العبارة واحدة كما لا يخفى.

و منها الروايات الظاهرة في ان الإقامة من الصلاة أو مثلها من التعبيرات مثل رواية

سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: لا يقيم أحدكم الصلاة و هو ماش و لا راكب و لا مضطجع الا ان يكون مريضا، و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة. «3»

و رواية يونس الشيباني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قلت له: أؤذّن و انا راكب قال نعم قلت فأقيم و انا راكب قال لا، قلت فأقيم و رجلي في الركاب قال لا، قلت فأقيم و انا قاعد قال لا، قلت فأقيم و انا ماش قال نعم ماش إلى الصلاة ثم قال

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب السادس ح- 6

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الخامس و الثلاثون ح- 2

(3) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثالث عشر ح- 12

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 457

..........

______________________________

إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة الحديث «1» و رواية أبي هارون المكفوف قال قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام يا با هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم و لا تؤم بيدك. «2» و غيرها من الروايات الدالة على هذا المضمون.

و الجواب انه لا مجال لحمل هذه الروايات على كون الإقامة حقيقة من الصلاة و من اجزائها و أبعاضها و ان الداخل فيها داخل في الصلاة حقيقة كيف و يدفع ذلك- مضافا الى وضوح هذا الأمر عند المتشرعة من الخاص و العام- الروايات الكثيرة الدالة على ان افتتاح الصلاة انما هو بالتكبير المسمى بتكبيرة الافتتاح، و جملة من الروايات الواردة في الإقامة الظاهرة في المغايرة بينهما مثل الروايات الواردة في نسيان الإقامة حتى إذا دخل

في الصلاة و غيرها.

فلا بد من ان يكون المراد هو التنزيل و التشبيه بلحاظ بعض الخصوصيات المعتبرة في الصلاة كالتمكن و الترسل و عدم التكلم و الإيماء باليد و أشباه ذلك و من الواضح ان ثبوت هذه الخصوصيات في الإقامة لا يلازم مع وجوبها و مما ذكرنا يظهر ان اعتبار مثل القيام و الطاهرة على تقديره لا يستلزم وجوبها بوجه.

و منها الروايات الدالة على انه لا أذان و لا اقامة على النساء مثل صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن المرأة أ عليها أذان و اقامة فقال:

لا. «3» و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق- عليه السّلام- ليس على النساء أذان و لا اقامة و لا جمعة و لا جماعة. «4» و غيرهما من الروايات الواردة بهذا المضمون نظرا الى كون المنفي عن النساء ليس أصل المشروعية و الرجحان لوضوح ثبوت

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثالث عشر ح- 9

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب العاشر ح- 12

(3) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الرابع عشر ح- 3

(4) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الرابع عشر ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 458

..........

______________________________

مشروعيتهما بالإضافة إليهن إجماعا فالمنفي هو اللزوم و الوجوب، و نفيه بالإضافة إليهن يدل على ثبوته بالإضافة إلى الرجال فيستفاد من هذه الروايات وجوب الإقامة على الرجال كما هو أحد الأقوال فيها.

و الجواب ان الاستدلال بالرواية الأولى على الوجوب للرجال إنما يبتنى على كون السؤال عن اللزوم على المرأة كاشفا عن مفروغية اللزوم على الرجال في نظر السائل مع انه ممنوع لعدم دلالته على مفروغية ذلك بوجه لانه يحتمل ان يكون

في ذهنه اللزوم بالإضافة إلى خصوص النساء لعدم شركتهن في صلاة الجماعة نوعا و هما يوجبان صيرورة الفرادى جماعة و اما مثل المرسلة فلا دلالة لها على الوجوب للرجال الأمن طريق مفهوم اللقب و هو غير حجة مع ان التشريك بينهما و بين الجماعة التي لا تجب على الرجال أيضا ضرورة يوجب الضعف في الدلالة المذكورة.

و منها موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال إذا قمت الى صلاة فريضة فأذن و أقم و افصل بين الأذان و الإقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح. «1»

و الجواب ان وقوع الأمر بالإقامة في وسط الأمرين اللذين للاستحباب لما مر من استحباب الأذان و لوضوح عدم وجوب الفصل بينه و بين الإقامة بما ذكر في الرواية يوجب سقوط ظهوره في الوجوب و كونه كالامرين في كون المراد منه الاستحباب فتدبر.

و منها الروايات الظاهرة في لزوم الانصراف فيما إذا نسي الأذان و الإقامة أو خصوص الإقامة حتى إذا دخل في الصلاة قبل ان يركع أو قبل ان يقرأ أو قبل ان يفرغ من صلوته على اختلافها و قد أوردها في الوسائل في الباب التاسع و العشرين و الثامن و العشرين من أبواب الأذان و الإقامة.

و الجواب انه لو كان الانصراف في المورد المفروض واجبا لكان كاشفا

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الحادي عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 459

..........

______________________________

عن لزوم الإقامة لأنه لا معنى لوجوب الانصراف مع عدم وجوبها و اما لو لم يكن كذلك كما هو صريح بعض الروايات الأخر فلا يكشف ذلك عن اللزوم لأنه لا بدّ بملاحظتها من حمل الأمر بالانصراف على الجواز أو الرجحان و

شي ء منهما لا يستلزم الوجوب بوجه.

و ذلك مثل رواية داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة قال ليس عليه شي ء. «1» و رواية زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قلت له رجل ينسى الأذان و الإقامة حتى يكبّر قال يمضى على صلوته و لا يعيد. «2» و غيرهما من الروايات الدالة على عدم لزوم الانصراف و الإعادة.

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سألته عن رجل نسي أن يقيم الصلاة حتى انصراف أ يعيد صلوته؟ قال: لا يعيدها و لا يعود لمثلها «3» بناء على كون المراد من السؤال ما هو ظاهره من الترك نسيانا و المراد من النهى عن العود الى مثلها هو لزوم التحفظ و المراقبة لئلا يبتلى بالنسيان الموجب للترك و اما بناء على جعل قوله: لا يعود لمثلها قرينة على ان المراد من النسيان هو الترك عن عمد لانه لا معنى للنهى عن العود الى مثلها مع ان النسيان لا يكون من الأمور الاختيارية فالرواية تصير دليلا على عدم وجوب الإعادة مع كون الترك انما هو عن عمد لا يجتمع مع الوجوب نعم لو كان المراد من وجوب الإقامة هو الوجوب الاستقلالي الذي لا يرجع الى الشرطية للصلاة- كما لا يأبى عنه بعض كلمات القائلين بالوجوب على ما ربما يقال- لما كان عدم وجوب الإعادة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب التاسع و العشرون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب التاسع و العشرون ح- 7.

(3) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثامن و العشرون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 460

..........

______________________________

كاشفا عن عدمه لأنه إنما ينفي الشرطية فقط دون الوجوب مطلقا. و لكن هذا المعنى مع انه محكي عن ظاهر الشيخ و الحلي و ابن سعيد في غاية البعد لان حمل النسيان على ضد معناه و هو الترك عن عمد في غاية الغرابة و الذيل لا يصير قرينة عليه بعد ما ذكرنا من كون المراد منه هو لزوم التحفظ و المراقبة.

ثم ان هذه الروايات التي استدل بها على وجوب الإقامة لو سلم دلالتها عليه و تماميتها لكان مقتضاها الوجوب لو لم يكن في مقابلها ما يدل على العدم مثل ما عبر فيه بأن الأذان المراد به الأعم من الإقامة سنة، و ما دل على ان الإقامة توجب اقتداء صف طويل من الملائكة بالمصلي الظاهر في ان ثمرتها صيرورة الفرادى جماعة و ما دل على ان الأذان و الإقامة في جميع الصلوات أفضل و دعوى انه انما يثبت أفضلية الأذان و الإقامة مجتمعا لا أفضلية كل واحد منهما بالإضافة الى تركه مدفوعة بأن هذا التعبير لا يجتمع مع وجوب الإقامة كما لا يجتمع مع وجوب الأمرين كما هو واضح و التعبير ب «ينبغي» في بعض الروايات المتقدمة و كونها أيضا نداء كالأذان و النداء خارج عن حقيقة الشي ء و ان كان هذا التعبير إنما ينفي الوجوب الشرطي لا الاستقلالي و غير ذلك مما يظهر منه عدم الوجوب، و لكن في النفس شي ء و هو انه لا يوجد في الروايات الواردة في الإقامة- مع كثرتها في الغاية- مورد رخص فيه في تركها ما عدي النساء مع وجود الترخيص في ترك الأذان في كثير من الموارد مثل السفر و غير الفجر و

المغرب و بعض الموارد الأخر فهذا يوجب التزلزل في الحكم بعدم الوجوب مطلقا كما هو المشهور و عليه فينبغي ان لا يترك الاحتياط في الإقامة بالإضافة إلى الرجال فتدبر.

بقي الكلام في مشروعية أذان الاعلام و عدمها فنقول: يظهر من جماعة من الفقهاء كصاحب الحدائق و تلميذه العلامة الطباطبائي- قده- المشروعية، و استدل على ذلك صاحب الجواهر- قده- بجريان السيرة القطعية به و باستفادتها من النصوص المستفيضة كصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 461

..........

______________________________

رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- من اذن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة «1» و غيره من الاخبار الواردة في مدح المؤذنين.

و قد فرقوا بينه و بين الأذان للصلاة في جملة من الاحكام التي منها اعتبار الذكورة في هذا الأذان دون أذان الصلاة قال العلامة الطباطبائي بعد قوله: «و ما له الأذان في الأصل وسم، شيئان: إعلام و فرض قد علم» و بعد بيان افتراقهما في الأحكام:

«فافترق الأمران في الأحكام، فرقا خلا عن وصمة الإبهام».

أقول: اما السيرة فلا خفاء في ان الغالب في الأذان هو كونه للصلاة و الغرض منه دعوة الناس إليها و الشركة في صلاة الجماعة، و يؤيده ان المحل المعد لذلك هو المسجد أو مثله من الأمكنة التي تقام فيها الجماعة كالمشاهد المشرفة و لم يعهد اعداد محل له غير مرتبط بالصلاة نعم لا ينبغي إنكار وقوع الأذان من المتشرعة لمجرد الاعلام بدخول الوقت خصوصا في شهر الصيام الا ان اتصال هذه السيرة بزمن الأئمة المعصومين- صلوات اللّٰه عليهم أجمعين- بحيث كان بمرئي منهم و لم يتحقق منهم ردع

عنها غير معلوم و للمدعي إثبات ذلك.

و اما الروايات الدالة على ثبوت الفضيلة و الأجر للأذان و الواردة في مدح المؤذنين فلا دلالة لها على المقام بوجه ضرورة ان موضوعها هو الأذان المشروع و لا بدّ من ثبوت المشروعية بدليل آخر و الملاءمة بين تلك الفضائل و الأذان للصلاة ظاهرة لانه حيث يكون الأذان كذلك متوقفا على الصوت البليغ الذي يسمعه الناس كما يدل عليه التعبير عنه في الآيتين بالنداء و من المعلوم ان الصوت كذلك مما يأبى عنه بعض الناس بل أكثرهم لمنع صفة التكبر الموجودة فيهم عنه ترتبت عليه تلك المثوبات العظيمة و الفوائد الخطيرة.

و بالجملة هذه الروايات انما وردت في خصوص مورد المشروعية و لا دلالة لها على التشريع فهل يمكن استفادة مشروعية الأذان قبل الوقت- مثلا- من هذه الروايات.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثاني ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 462

[مسألة 2- يسقط الأذان في العصر و العشاء إذا جمع بينهما و بين الظهر و المغرب]

مسألة 2- يسقط الأذان في العصر و العشاء إذا جمع بينهما و بين الظهر و المغرب من غير فرق بين موارد استحباب الجمع مثل عصر يوم الجمعة و عصر يوم عرفة، و عشاء ليلة العيد في المزدلفة حيث انه يستحب الجمع بين الصلاتين في هذه المواضع الثلاثة، و بين غيرها، و يتحقق التفريق المقابل للجمع بطول الزمان بين الصلاتين، و بفعل النافلة الموظفة بينهما على الأقوى فباتيان نافلة العصر بين الظهرين و نافلة المغرب بين العشاءين يتحقق التفريق الموجب لعدم سقوط الأذان، و الأقوى ان سقوط الأذان في حال الجمع في عصر يوم عرفة و عشاء ليلة العيد بمزدلفة عزيمة بمعنى عدم مشروعيته فيحرم إتيانه بقصدها، و الأحوط الترك في جميع موارد الجمع.

(1)

______________________________

فلم تثبت مشروعية أذان الإعلام خصوصا بعد ملاحظة ما ذكرنا من ان تشريع الأذان في الابتداء كان لدعوة الناس الى إقامة الصلاة غاية الأمر انه قد شرع للمنفرد أيضا لأن تصير صلوته جماعة و الآيتان الواردتان فيه قد عبر فيهما عنه بالنداء إلى الصلاة و يؤيده أيضا ان فصوله الأخيرة التي هي بمنزلة المعرف لماهيته كالحيّعلات شاهدة على ما ذكرنا من ارتباطه بالصلاة و كونه دعوة إليها غاية الأمر أنه يدعوهم إلى الصلاة بعبارات مختلفة موجبة للأوقعية في النفوس ففي الابتداء يدعوهم إليها بعنوانها و في المرتبة الثانية يدعوهم إليها بعنوان الفلاح الذي هو مطلوب الناس و في الثالثة يدعوهم إليها بعنوان خير العمل الذي هو منتهى رغبة الناس و غاية مطلوبهم فهذه الفصول التي هي بمنزلة الفصول تدل على كمال الارتباط بينه و بين الصلاة كما هو ظاهر.

و على ما ذكرنا لا مجال للإتيان بأذان الاعلام نعم لا بأس به رجاء نظرا الى اخبار «من بلغ» بدعوى عدم اختصاص البلوغ بالرواية و صدقه بمجرد الفتوى أيضا و فيه تأمل.

(1) ظاهر المتن ان سقوط الأذان في موارد الجمع- المذكورة فيه- انما هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 463

..........

______________________________

بملاك واحد و هو مجرد الجمع من غير فرق بين موارد استحبابه كالمواضع الثلاثة المذكورة و بين موارد جوازه من دون رجحان و يظهر من بعض الكلمات ان السقوط في المواضع الثلاثة انما هو لخصوصية فيها لا لأجل مجرد الجمع و انه لا دليل على سقوط الأذان في تمام موارد الجمع و عليه فالمناسب البحث أولا في خصوص تلك المواضع و ثانيا في إمكان استفادة الكلية المذكورة من الدليل و عدمه فنقول:

الموضع الأول

عصر يوم الجمعة و القدر المتيقن هو سقوط الأذان بالإضافة إليها إذا تحقق الجمع بينها و بين خصوص صلاة الجمعة و قد اعتمد في الجواهر في الحكم بالسقوط فيها على الإجماعات الصريحة أو الظاهرة المحكية عن الغنية و السرائر و المنتهى و غيرها الكافية في رفع اليد بها عن إطلاقات الاستحباب أو عموماته مضافا الى السيرة العملية الجارية على ذلك.

و لسيدنا الأستاذ العلامة البروجردي- قده- في نظائر هذا المقام مما يكون خاليا عن النص و مع ذلك افتى به الأصحاب طريق خاص و هو استكشاف وجود نص معتبر في الجوامع الأولية و انه لم يصل إلينا من نفس تلك الفتاوى و الآراء المتطابقة المتوافقة خصوصا مع كون الحكم على خلاف القاعدة العامة أو المطلقة.

و ربما يستدل على ذلك برواية حفص بن غياث عن جعفر- عليه السّلام- عن أبيه- عليه السّلام- قال: الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة. «1»

و الظاهر اتحادها مع روايته الأخرى المذكورة في الوسائل بعدها عن أبي جعفر- عليه السّلام- عن أبيه- عليه السّلام- قال الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة وجه الاستدلال ان الظاهر ان المراد بالأذان الثالث هو أذان صلاة العصر لأنها الصلاة الثالثة و قبلها الظهر و الصبح.

و يرد عليه- مضافا الى انه لا دلالة للرواية على كون المراد بالصلاة

______________________________

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة الباب التاسع و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 464

..........

______________________________

الثانية هي خصوص صلاة الجمعة لاحتمال كون المراد بها صلاة الظهر أو الأعم منها و من صلاة الجمعة و الى انه لا دلالة لها على خصوص صورة الجمع لشمول إطلاقها لصورة التفريق أيضا- انه لم تقم قرينة على كون المراد بالأذان الثالث

هو أذان صلاة العصر لاحتمال كون المراد به هو الأذان الثاني لصلاة الجمعة الذي ابتدعه عثمان بعد الخطبتين و المراد بالاذانين قبله هما أذان الصبح و الأذان الأول لصلاة الجمعة الواقع قبل الخطبتين أو أذان الاعلام و أذان الصلاة كما ربما يقال و يؤيده إطلاق البدعة عليه الظاهرة في التشريع الذي قد ارتكبه أحد و صدر منه بخلاف مطلق التشريع فتدبر كما أنه يؤيده ورود التعبير في بعض الاخبار بان الأذان الثاني بدعة نظرا الى ان الظاهر عدم ثبوت البدعتين في أذان يوم الجمعة و ان الذي عبر عنه بالأذان الثالث هو الذي عبر عنه في بعض الاخبار بالأذان الثاني و الظاهر ان المراد منه هو الأذان الثاني لصلاة الجمعة الواقع بعد الخطبتين كما لا يخفى و كيف كان فالاستدلال بالرواية على حكم خصوص المقام غير تام.

الموضع الثاني عصر يوم عرفة و المراد منه صورة الجمع بينها و بين الظهر و لم يظهر فيه خلاف بل عن جماعة كثيرة دعوى الإجماع صريحا و ظاهرا و يدل عليه صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الهّٰ - عليه السّلام- قال: السنة في الأذان يوم عرفة ان يؤذن و يقيم للظهر ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة. «1» و ظهورها في الجمع مما لا ينبغي ان ينكر و ان وقع فيها التعبير ب «ثم» الا ان هذا التعبير وقع في الإتيان بالصلاة الاولى بعد الأذان و الإقامة مع انه لا فصل بينهما و مقتضى إطلاقها انه لا فرق بين عرفة و غيرها من المواضع لان الموضوع هو يوم عرفة و ظاهره كون الخصوصية للزمان لكن عن ظاهر السرائر اختصاص الحكم بعرفة

و أيده في الجواهر بكونه المنساق من النص و لعل نظره الى الوقوع في سياق

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب السادس و الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 465

..........

______________________________

المزدلفة مع انه لا دلالة له على الاختصاص بوجه خصوصا بعد احتمال كون الملاك في ذلك هو الفضيلة الخاصة للدعاء في ذلك اليوم التي لا فرق فيها بين عرفة و غيرها من المواضع فالإنصاف ثبوت الإطلاق للرواية.

الموضع الثالث عشاء ليلة المزدلفة إذا جمع بينها و بين صلاة المغرب و يشهد له مضافا الى صحيحة ابن سنان المتقدمة في الموضع الثاني صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال صلاة المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين و لا تصل بينهما شيئا و قال: هكذا صلى رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله. «1»

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- أيضا قال: قال: لا تصل المغرب حتى تأتى جمعا فصل بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان و إقامتين. «2» و المراد من الجمع هي المزدلفة و في رواية محمد بن على بن الحسين عن النبي و الأئمة- صلوات اللّٰه و سلامه عليه و عليهم- انه انما سميت المزدلفة جمعا لانه يجمع فيها بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين. «3» و بمثلها يندفع الاشكال من جهة عدم الدلالة على خصوص صورة الجمع كما لا يخفى.

ثم انه لا مجال لاستفادة سقوط الأذان في جميع موارد الجمع من السقوط في هذه المواضع الثلاثة لعدم وضوح دلالة الأدلة الواردة فيها على كون الملاك للسقوط هو مجرد الجمع خصوصا بعد افتراقها مع سائر الموارد في كون الجمع

فيها مستحبا دون سائر الموارد، بل لا بدّ من استفادة السقوط في غير هذه المواضع من دليل آخر لو كان و ظاهر المتن هو وجود الدليل عليه كما ان الذي يظهر من العروة عدم وجوده.

و الظاهر إمكان الاستفادة من الروايات المتعددة:

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوقوف بالمشعر الباب السادس ح- 3

(2) الوسائل أبواب الوقوف بالمشعر الباب السادس ح- 1

(3) الوسائل أبواب الوقوف بالمشعر الباب السادس ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 466

..........

______________________________

منها صحيحة عمر بن أذينة عن رهط منهم الفضيل و زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين و جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين. «1»

و يمكن المناقشة في الاستدلال بها- تارة- بأن هذه الرواية رواها الصدوق بنحو الإرسال. «2» الا انه قال بين الظهر و العصر بعرفة ثم قال بين المغرب و العشاء بجمع، و عليه فلا دلالة لها على السقوط في غير يوم عرفة و بمزدلفة و- اخرى- بأن ترك رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- الأذان في الصلاة الثانية لا دلالة له على السقوط فلعله كان تركا للمستحب اشعارا بجواز تركه كأصل الجمع بين الصلاتين و بعبارة أخرى لا دلالة للرواية الا على مجرد جواز ترك الأذان في الثانية و هو لا ينافي بقائه على استحبابه كسائر الموارد.

و تندفع المناقشة الأولى بأن رواية الصدوق إياها بالنحو المذكور لا توجب خللا في إطلاق الرواية بالنحو الأول خصوصا بعد كونها بهذا النحو مسندة بسند صحيح و الثانية بما أشرنا إليه مرارا من ان الحاكي لفعل رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله-

لو كان هو الامام- عليه السّلام- و كان غرضه منه بيان الحكم غاية الأمر بهذا النحو و من هذا الطريق تكون الحكاية كاللفظ الصادر منه في جواز التمسك بإطلاقه و استفادة الحكم من الخصوصيات التي وقعت موردا للتعرض و عليه فالتصريح بترك الأذان في كلا موردي الجمع يكشف عن العناية بذلك و ان غرضه- عليه السّلام- منه هو سقوطه فيه و ثبوت الفرق بينه و بين غيره من سائر الموارد التي لا يتحقق الجمع فيها كما لا يخفى.

و مثلها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن الصادق عليه السّلام ان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- جمع بين

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب السادس و الثلاثون ح- 2

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة السادس و الثلاثون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 467

..........

______________________________

الظهر و العصر بأذان و إقامتين و جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علة بأذان واحد و إقامتين. «1»

و دعوى ان التعرض لذكر ترك الأذان ليس الا كالتعرض لأصل الجمع الذي لا مجال فيه الا للحمل على مجرد الجواز من دون احتمال كونه على سبيل الاستحباب.

مدفوعة بأن التعرض لذكر الجمع انما هو في مقابل العامة القائلين بعدم جوازه لاعتقادهم باختلاف مواقيت الصلاة و تباينها من جهة الوقت و الجمع مستلزم لورود صلاة في وقت صلاة اخرى فالتعرض له لا يراد به الا مجرد عدم المنع في قبال القول به.

و اما التعرض لترك الأذان فلا محمل له الا السقوط و ثبوت الفرق بينه و بين سائر الموارد التي لا يتحقق الجمع فيها فالإنصاف تمامية الاستدلال بمثل هذه الروايات على السقوط نعم وقع الكلام في

انه هل هو على نحو العزيمة أو الرخصة و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

بقي الكلام في أمور: الأول: ان سقوط الأذان في الموارد المذكورة هل يكون على سبيل الرخصة أو بنحو العزيمة أو تفصيل بين الموارد و لا بدّ قبل ذلك من التعرض لمعنى العزيمة و الرخصة.

فنقول: اما العزيمة فمعناها هو عدم المشروعية و ثبوت الحرمة التشريعية لا الذاتية ضرورة عدم ثبوت الحرمة الذاتية في المقام.

و اما الرخصة فمعناها في نفسها هو جواز الترك و عدم لزوم الفعل و حيث ان الأذان كان مستحبا و لازمة جواز الترك فالسقوط في تلك الموارد بمعنى الرخصة لا بدّ و ان يكون المراد به أحد معنيين:

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 468

..........

______________________________

الأول: هي الكراهة في العبادات المكروهة التي لا بدل لها كصوم يوم عاشوراء و مرجعها الى طرو خصوصية للعبادة بعد الفراغ عن كونها عبادة راجحة في مقابل تركها موجبة لأرجحية الترك كانطباق عنوان أرجح على الترك كالتشبه ببني أمية في مثال الصوم المذكور فالصوم ان لوحظ بالإضافة إلى الترك مع قطع النظر عن الخصوصية المذكورة يكون راجحا و لأجله يكون عبادة و ان لوحظ بالإضافة إلى العنوان الأرجح المنطبق على الترك يكون تركه أرجح من فعله و في المقام نقول ان الخصوصية المحتملة هي سرعة الإتيان بالصلاة الثانية و المبادرة إليها و عدم الفصل بينها و بين الاولى حتى بالأذان.

و هذا الوجه إنما يلائم مع استحباب الجمع كما في المواضع الثلاثة المتقدمة لا مع مجرد جوازه كما في غيرها من الموارد الا ان يقال بثبوت خصوصية أخرى غير المبادرة و السرعة مستكشفة

من دليل السقوط فيها و لا مجال لاعتبار العلم بتلك الخصوصية كما يظهر من بعض العبارات.

الثاني: سقوط بعض مراتب الرجحان و بقاء مراتب اخرى كافية في أصل الرجحان و الاستحباب و بعبارة أخرى أقلية الثواب بالإضافة إلى الأذان في غير موارد السقوط.

إذا ظهر معنى العزيمة و الرخصة فنقول لا بدّ من البحث في كل واحد من الموارد المتقدمة مستقلا و ملاحظة دليله كذلك ليظهر حاله من هذه الجهة.

اما صلاة العصر يوم الجمعة فإن كان مستند السقوط فيه هي رواية حفص المتقدمة فلا خفاء في كون السقوط بنحو العزيمة لتصريحها بكون الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة لكن عرفت عدم تمامية الاستدلال بها و ان كان المستند ما ذكره صاحب الجواهر- قده- من الإجماع القولي على السقوط و السيرة العملية على الترك ففي الجواهر ان المرجع أصالة عدم المشروعية المقتضية للحرمة لأنه لا وجه للتمسك بإطلاق أوامر الأذان أو عموماته ضرورة الاتفاق على عدم شمولها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 469

..........

______________________________

للمفروض و الا لاقتضيا بقاء ندبه.

و أورد عليه في المستمسك بان البناء على انتفاء البعث اليه بظهور السيرة في ذلك لا يقتضي البناء على عدم المصلحة المصححة للتشريع و التعبد لاحتمال ملازمته لعنوان مرجوح فلا موجب لرفع اليد عن دلالة الأدلة العامة على رجحانه و وجود المصلحة فيه لأن دلالة الأوامر العامة على البعث و الحث عليه بالمطابقة و على وجود المصلحة المصححة للتشريع بالالتزام و لا تلازم بين الدلالتين في الحجية فسقوط الاولى عن الحجية لظهور السيرة في خلافها لا يقتضي سقوط الثانية عنها و لذا بنى على التساقط في المتعارضين و على كونهما حجة في نفى الثالث.

و الجواب عنه ما

أفيد من ان العمومات المذكورة مخصصة على اى حال فان استحباب الأذان بمقتضى ظواهر الأدلة مقدمي أي موجب لتكميل الصلاة المتعقبة له كما ينادى بذلك المستفيضة الدالة على ان من صلى بأذان و اقامة صلى خلفه صفان من الملائكة و من صلى بإقامة صلى خلفه صف واحد فالأدلة الدالة على أفضلية الأذان كلها راجعة الى أن الصلاة المتعقبة للأذان أفضل من الصلاة الفاقدة له فلو فرضنا إطلاق هذه الأدلة في تمام الحالات فمقتضاها كون صلاة العصر في يوم الجمعة مع الأذان أفضل و مقتضى الإجماع و السيرة أفضلية الاكتفاء للعصر بإقامة و إيجادها بلا أذان و هل هذا الا التنافي بالعموم و الخصوص المطلق فالعمومات مخصصة بهما لا محالة و مقتضاه عدم المشروعية نعم لو كان هناك ما يدل على أصلها لقلنا بها لكن المفروض عدمه.

و اما صلاة العصر يوم عرفة و العشاء بمزدلفة فظاهر دليل السقوط فيهما هو ان السقوط بنحو العزيمة فإن قوله- عليه السّلام- في رواية ابن سنان المتقدمة السنة في الأذان يوم عرفة ان يؤذن و يقيم للظهر ثم يصلى ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة ظاهر في ان الأذان المشروع و الراجح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 470

..........

______________________________

بمقتضى الإطلاقات أو العمومات الواردة فيه يكون المراد به هو الأذان في غير الموضعين بالإضافة إلى الصلاة الثانية ففي الحقيقة تكون الرواية حاكمة و مفسرة لأدلة المشروعية و مخصصة لها بغير الموضعين خصوصا مع التصريح بترك الأذان و الإتيان بها بدونه فالإنصاف ظهور مثل الرواية في تخصيص أدلة المشروعية و توضيح اختصاصها بغيرهما و ان ما في ذهن السائل من السنة

في الأذان ينحصر بغيرهما كما لا يخفى.

و اما الصلاة الثانية في سائر موارد الجمع فالظاهر ان مقتضى الجمع بين دليل السقوط و مثل قوله لا صلاة إلا بأذان و سائر الأدلة العامة أو المطلقة الواردة في مشروعية الأذان في مطلق الصلوات و كونه عبادة مستحبة هو كون السقوط فيها أيضا بنحو العزيمة على ما هو المتفاهم عند العرف بعد ملاحظة الدليلين كما عرفت في صلاة العصر يوم الجمعة و الانصاف ان السقوط فيها بنحو العزيمة لو لم يكن أقوى فلا أقل من كونه مقتضى الاحتياط الوجوبي كما في المتن.

الأمر الثاني: الظاهر ان المراد من الجمع هو الجمع بين خصوص الظهرين و خصوص العشاءين كما هو الظاهر من المتن و اما الجمع بين العصر و المغرب- مثلا- فالظاهر انه لا دليل على السقوط فيه نعم ورد النص على سقوط الأذان في مورد الجمع بين قضاء الصلوات أيضا و اما في الأداء فلا دليل عليه في غير ما ذكر.

الأمر الثالث: في معنى الجمع و يظهر من الكلمات انه يجرى فيه احتمالات أربعة:

الأول: ان المراد به إتيان الصلاتين في وقت فضيلة واحدة منهما سواء فرق بينهما بالزمان أو صلاهما من غير تراخ و في مقابله التفريق الذي هو عبارة عن إيقاع كل صلاة في وقت فضيلتها فلو أوقع صلاة الظهر في آخر وقت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 471

..........

______________________________

فضيلتها و صلاة العصر في أول وقتها كذلك فلا جمع و لو لم يتحقق الفصل بينهما بزمان.

و هذا الوجه هو الظاهر من المحقق- قده- في مقام جوابه عن تلميذه جمال الدين الشامي حين سئل عنه و اعترض عليه بان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله-

ان كان يجمع بين الصلاتين فلا حاجة الى الأذان الثاني إذ هو للاعلام، و ان كان يفرق فلم جعلتم الجمع أفضل فأجاب- قده- بأن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان يجمع تارة و يفرق اخرى و انه انما استحببنا الجمع في الوقت الواحد إذا اتى بالنوافل و الفرضين فيه لأنه مبادرة إلى تفريغ الذمة.

فإن الظاهر ان المراد بالوقت الواحد هو وقت الفضيلة و الا فهو مشترك و عليه فهو ظاهر في ان المراد بالجمع ما ذكر و ان الإتيان بالنوافل لا يقدح فيه كما انه يظهر منه استحباب الجمع في جميع الموارد لكونه مبادرة إلى تفريغ الذمة.

الثاني: ان يكون المراد بالجمع و التفريق معناهما العرفي الذي يرجع الى تحقق الفصل بين الصلاتين بما يتحقق معه التفريق و عدمه بما يتحقق معه الجمع ففي الحقيقة هما أمران عرفيان لا دخالة للشرع فيهما بوجه.

الثالث ان يكون المراد بالجمع مجرد عدم الفصل بينهما بالنافلة سواء وقعتا في وقتهما أو في وقت واحد و سواء تحقق الفصل بينهما و عدمه و عليه فمرجعه الى ثبوت معنى شرعي للجمع و التفريق لا يرتبط بما هو معناهما عند العرف نعم يقع الكلام- ح- في ان المراد هل هو الفصل بنفس النافلة بحيث لو حصل الفصل بمقدارها لا يكون تفريقا أو انه يكفى الفصل بمقدار أدائها كما انه يقع الكلام في ان المراد هل هو مطلق النافلة أو ان المراد خصوص النافلة الموظفة كنافلة العصر الواقعة بين الظهرين و نافلة المغرب الواقعة بين العشاءين.

الرابع ما يظهر من المتن من ان المراد بالجمع معناه العرفي الذي يرجع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 472

..........

______________________________

الى عدم الفصل بينهما الا

ان الشارع قد خطأ العرف و حكم بأن النافلة الموظفة تمنع عن تحققه الجمع أيضا فالتفريق يتحقق اما بالفصل بمقدار يصدق معه التفريق عرفا و اما بالإتيان بالنافلة الموظفة بين الصلاتين.

إذا عرفت ذلك فنقول: لا بدّ من ملاحظة الروايات الواردة في هذا المقام و هي كثيرة.

منها رواية محمد بن حكيم عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سمعته يقول إذا جمعت بين صلوتين فلا تطوع بينهما. «1» و الظاهر اتحادها مع روايته الأخرى التي رواها في الوسائل بعد هذه الرواية قال: سمعت أبا الحسن- عليه السلام- يقول: الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع.

و ربما يقال بظهور الرواية في الاحتمال الثالث و لكن الإنصاف ان ظاهرها قدح التطوع في الجمع لا ان المراد من الجمع عدم التطوع و لو مع الفصل الطويل كما لا يخفى.

و منها خبر الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد- عليهما السّلام- قال رأيت أبي و جدي القاسم بن محمد يجمعان مع الأئمة المغرب و العشاء في الليلة المطيرة و لا يصليان بينهما شيئا. «2» و يحتمل ان يكون قوله: و لا يصليان .. بيانا للجمع فيدل على ان الصلاة بينهما قادحة في تحققه و يحتمل ان يكون أمرا زائدا على الجمع و عليه فلا دلالة على قدح التطوع في الجمع بوجه، و منها صحيحة أبان بن تغلب قال: صليت خلف أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- المغرب بالمزدلفة فلما انصرف أقام الصلاة فصلى العشاء الآخرة لم يركع بينهما ثم صليت

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و الثلاثون ح- 2

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و الثلاثون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الصلاة، ص: 473

..........

______________________________

معه بعد ذلك بسنة فصلى المغرب ثم قام فتنفل بأربع ركعات ثم قام فصلى العشاء الآخرة. «1»

و حيث ان الرواية منقولة في بعض الكتب الفقهية هكذا: ثم اقام فصلى العشاء الآخرة فلذا تخيل منافاته مع الروايات الدالة على قدح التطوع في الجمع مع أنها منقولة في الوسائل مثل ما ذكرنا و عليه فلا منافاة بينهما خصوصا بعد كون محط نظر الراوي في نقل القصة هو إتيانه- عليه السّلام- بالنافلة في سنة و تركه لها في السنة السابقة من دون نظر الى مسألة الأذان و الإقامة و لذا ترك التعرض لهما بالإضافة إلى صلاة المغرب في كلا الموردين و كيف كان فلا دلالة لها على عدم قدح التطوع بوجه بناء على النقل الذي ذكرنا.

و منها رواية عبد اللّٰه بن سنان قال شهدت صلاة المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- فحين كان قريبا من الشفق نادوا و أقاموا الصلاة فصلوا المغرب ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين ثم قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء ثم انصرف الناس الى منازلهم فسئلت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن ذلك فقال نعم قد كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- عمل بهذا. «2»

و لكنها لا دلالة لها الا على ان الإتيان بالركعتين بعد صلاة المغرب لا يقدح في الجمع الموجب لسقوط الأذان و لا دلالة لها على ان الإتيان بالنافلة الموظفة التي هي أربع ركعات أيضا يكون كذلك.

و منها رواية أبي عبيدة قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول كان رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- إذا كانت ليلة مظلمة و ريح و مطر صلى

المغرب ثم مكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء الآخرة ثم انصرفوا. «3»

______________________________

(1) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثالث و الثلاثون ح- 1

(2) الوسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و الثلاثون ح- 1

(3) الوسائل أبواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 474

[مسألة- 3 يسقط الأذان و الإقامة في مواضع]

مسألة- 3 يسقط الأذان و الإقامة في مواضع:

منها الداخل في الجماعة التي أذنوا و أقاموا لها و ان لم يسمعهما و لم يكن حاضرا حينهما.

و منها من صلى في مسجد فيه جماعة لم تتفرق، سواء قصد الإتيان إليها أم لا، و سواء صلى جماعة- إماما أو مأموما- أو منفردا فلو تفرقت أو أعرضوا عن الصلاة و تعقيبها و ان بقوا في مكانهم لم يسقطا عنه، كما لا يسقطان لو كانت الجماعة السابقة بغير أذان و اقامة و لو كان تركهم لهما من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير، و كذا فيما إذا كانت باطلة من جهة فسق الامام مع علم المأمومين به أو من جهة أخرى، و كذا مع عدم اتحاد الصلاتين عرفا بان

______________________________

و الظاهر ان المراد من قوله: ثم أقام هي الإقامة فقط كما ان الظاهر ان المراد من المكث هو إتيانه- صلّى اللّٰه عليه و آله- أيضا بالنافلة و لكنها لا دلالة لها أيضا على ان المراد بالنافلة هي النافلة الموظفة بل يمكن ان يكون المراد بها هو مطلق النافلة المتحقق بالإتيان بركعتين بل مقتضى الجمع بين الروايات أيضا ذلك.

و منها صحيحة ابن سنان المتقدمة في الجمع يوم عرفة الظاهرة في أن السنة في الأذان فيه هو الإتيان بالأذان في الاولى و تركه في الثانية مع الجمع بترك النافلة أيضا.

و

منها صحيحة منصور بن حازم المتقدمة أيضا الواردة في الجمع بمزدلفة الناهية عن الصلاة بينهما شيئا و انه خلاف ما فعل رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- المحمولة على النافلة الموظفة بقرينة غيرها من الروايات.

و بالجملة ملاحظة الروايات الواردة في الباب و حمل بعضها على البعض الأخر تقضى بكون القادح في الجمع هو النافلة الموظفة لا مطلق النافلة كما انه لا دلالة لشي ء منها على ان تمام الملاك في الجمع هو ترك التنفل بل مفادها هو الاحتمال الرابع المذكور في المتن فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 475

كانت إحديهما داخل المسجد و الأخرى على سطحه أو بعدت إحداهما عن الأخرى كثيرا، و هل يختص الحكم بالمسجد أو يجري في غيره أيضا محل اشكال فلا يترك الاحتياط بالترك مطلقا في المسجد و غيره، بل لا يبعد عدم الاختصاص بالمسجد، و كذا لا يترك فيما لم تكن صلوته مع الجماعة ادائيتين بان كانت إحديهما أو كلتاهما قضائية عن النفس أو الغير على وجه التبرع أو الإجارة، و كذا فيما لم تشتركا في الوقت كما إذا كانت الجماعة السابقة عصرا و هو يريد ان يصلى المغرب، و الإتيان بهما في موارد الاشكال رجاء لا بأس به. (1)

______________________________

(1) قد تعرض في المتن لذكر موضعين من مواضع سقوط الأذان و الإقامة معا.

الموضع الأول الداخل في الجماعة التي أذنوا و أقاموا لها و ان لم يسمعها و لم يكن حاضرا حينهما و الظاهر ان السقوط في هذا الموضع مما لا اشكال فيه بل و لا خلاف بين المتعرضين له و يدل عليه السيرة القطعية العملية من المتشرعة حيث لم يعهد من أحد منهم الأذان و الإقامة

مع الشركة في الجماعة سواء كان حاضرا حينهما أم لم يكن بل لا يكاد يخطر ببالهم ثبوت وظيفتهما في هذه الصورة و ان كانوا مراقبين للإتيان بالوظائف الاستحبابية أيضا.

مضافا الى الروايات المتعددة التي يستفاد منها ذلك كموثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: سئل عن الرجل يؤذن و يقيم ليصلّي وحده فيجي ء رجل آخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان و الإقامة قال لا و لكن يؤذن و يقيم. «1»

فإن السؤال فيه ظاهر في مفروغية كفاية الأذان و الإقامة إذا كان للجماعة و ان لم يسمعهما المأموم و انما كان مورد سؤاله و محل ترديده ما إذ كان الأذان

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب السابع و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 476

..........

______________________________

و الإقامة بقصد الصلاة وحده مع عدم سماع الغير لهما و أجيب بعدم الاكتفاء و تجديد الأذان و الإقامة للجماعة.

و رواية معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال إذا جاء الرجل مبادرا و الامام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة و الركوع، و من أدرك الامام و هو ساجد كبر و سجد معه و لم يعتد بها، و من أدرك الامام و هو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهد فقد أدرك الجماعة، و ليس عليه أذان و لا اقامة و من أدركه و قد سلم فعليه الأذان و الإقامة. «1» فإنها ظاهرة في سقوط الأذان و الإقامة عن المدرك للجماعة.

و رواية أبي مريم الأنصاري قال: صلى بنا أبو

جعفر- عليه السّلام- في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا اقامة الى ان قال: فقال: و انى مررت بجعفر و هو يؤذن و يقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك. «2» فإنها ظاهرة في سقوط الأذان و الإقامة عن الامام مع سماعه لهما و لو عن المنفرد بل و سقوطهما عن المأموم في هذه الصورة أيضا.

و رواية محمد بن عذافر عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: اذن خلف من قرأت خلفه. «3»

ثم ان مقتضى إطلاق المتن شمول الحكم للإمام أيضا بمعنى انه إذا دخل في الجماعة التي اذن و أقيم لها يجوز ان يكتفى بهما و ان لم يسمعهما أصلا و يدل عليه الروايات المتعددة:

كرواية حفص بن سالم انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- إذا قال المؤذن قد قامت

______________________________

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة الباب التاسع و الأربعون ح- 6.

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الثلاثون ح- 2

(3) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الرابع و الثلاثون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 477

..........

______________________________

الصلاة أ يقوم الناس على أرجلهم أو يجلسون حتى يجي ء إمامهم؟ قال لا بل يقومون على أرجلهم فإن جاء امامهم و الا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم. «1»

و رواية معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال: إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد ان يقوموا على أرجلهم و يقدموا بعضهم و لا ينتظروا الامام قال قلت و ان كان الامام هو المؤذن قال و ان كان فلا ينتظرونه و يقدموا بعضهم. «2»

و رواية إسماعيل بن جابر ان أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام-

كان يؤذن و يقيم غيره قال:

و كان يقيم و قد اذن غيره. «3»

و رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن على- عليهم السّلام- ان النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- كان ذا ادخل المسجد و بلال يقيم الصلاة جلس. «4»

الموضع الثاني: من أراد الصلاة في مسجد فيه جماعة لم تتفرق سواء قصد الإتيان إليها أم لا و مستند السقوط فيه روايات متعددة أيضا:

منها رواية أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينتهي الى الامام حين يسلم قال: ليس عليه ان يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان. «5»

و منها رواية أخرى لأبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قلت له الرجل يدخل المسجد و قد صلى القوم أ يؤذن و يقيم؟ قال: ان كان دخل و لم يتفرق الصف

______________________________

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة الباب الثاني و الأربعون ح- 1

(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة الباب الثاني و الأربعون ح- 2

(3) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الواحد و الثلاثون ح- 1

(4) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الواحد و الثلاثون ح- 2

(5) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الخامس و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 478

..........

______________________________

صلى بأذانهم و إقامتهم و ان كان تفرق الصف اذن و اقام. «1» و الظاهر اتحاد الروايتين بمعنى ان السؤال من أبي بصير قد وقع مرة واحدة و أجيب كذلك الا ان الاختلاف انما نشأ من الناقلين عنه بلا واسطة أو معها.

و منها رواية عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على- عليهم السّلام- قال دخل رجلان المسجد و قد صلى الناس

فقال لهما على- عليه السّلام- ان شئتما فليؤم أحدكما صاحبه و لا يؤذن و لا يقيم. «2»

و منها رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن على- عليهم السّلام- انه كان يقول إذا دخل رجل المسجد و قد صلى اهله فلا يؤذنن و لا يقيمن و لا يتطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة و لا يخرج منه الى غيره حتى يصلى فيه. «3»

و منها رواية أبي على قال كنا عند أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صليت في المسجد الفجر فانصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فاذن فمنعناه و دفعناه عن ذلك فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام أحسنت ادفعه عن ذلك و امنعه أشد المنع فقلت فان دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة قال: يقومون في ناحية المسجد و لا يبدوا بهم امام- الحديث.

و رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن أبي عمير عن أبي على الحراني مثله الا انه قال أحسنتم ادفعوه عن ذلك و امنعوه أشد المنع، فقلت له فان دخل جماعة فقال: يقومون في ناحية المسجد و لا يبدر (يبدو) لهم امام. «4»

و منها رواية زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-: إذا أدركت الجماعة و قد انصرف القوم و وجدت الامام مكانه و أهل المسجد قبل ان يتفرقوا

______________________________

(1) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الخامس و العشرون ح- 2

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الخامس و العشرون ح- 3

(3) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الخامس و العشرون ح- 4

(4) الوسائل أبواب صلاة الجماعة الباب الخامس و الستون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة،

ص: 479

..........

______________________________

أجزأك أذانهم و إقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك، و إذا وافيتهم و قد انصرفوا من صلوتهم و هم جلوس أجزأك إقامة بغير أذان، و ان وجدتهم قد تفرقوا و خرج بعضهم من المسجد فاذن و أقم لنفسك. «1».

ثم ان صاحب المدارك بعد الاستدلال للحكم بإحدى روايتي أبي بصير و رواية أبي على استشكل فيه باشتراك راوي الأولى بين الثقة و الضعيف و جهالة راوي الثانية.

و يرده ان أبا بصير الراوي اثنان و كل منهما ثقة و قد روى ابن أبي عمير في طريق الصدوق عن أبي على و هو يكشف عن وثاقته و ذكر في الجواهر ان الحسين بن سعيد الراوي عنه في طريق الشيخ من أصحاب الإجماع و هو في غاية الغرابة فالإشكال في الروايات من هذه الجهة غير تام نعم في مقابلها روايتان:

إحديهما: رواية معاوية بن شريح المتقدمة في الموضع الأول المشتملة على قوله- عليه السّلام-: و من أدركه و قد سلم فعليه الأذان و الإقامة:

ثانيتهما موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث في الرجل أدرك الإمام حين سلم قال: عليه ان يؤذن و يقيم و يفتتح الصلاة. «2»

و الجمع بينهما و بين الروايات المتعددة إما بالحمل على الرخصة بمعنى ان الروايتين شاهدتان على ان السقوط المدلول عليه بالطائفة الاولى ليس بنحو العزيمة الموجبة لعدم المشروعية و السقوط عن المصلحة المقتضية للعبادية و اما بحملها على صورة تفرق الصف و خروج بعض المأمومين عن المسجد- مثلا- و الظاهر رجحان الثاني و ان كان يبعده رواية معاوية بن شريح باعتبار استلزام هذا النحو من الجمع لترك تعرضها لصورة عدم التفرق أصلا مع ان ظاهرها التعرض لها كما لا يخفى كما

انه يقربه رواية أبي على الدالة على انه- عليه السّلام- أمر بالمنع و الدفع

______________________________

(1) مستدرك الوسائل أبواب صلاة الجماعة الباب الثاني و العشرون ح- 1

(2) الوسائل أبواب الأذان و الإقامة الباب الخامس و العشرون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 480

..........

______________________________

أشده فإنه لا يلائم مع الرخصة بوجه.

و عليه فلا اشكال بالنظر الى الروايات في سقوط الأذان و الإقامة في هذا الموضع و الظاهر انه لا فرق بين من كان غرضه من الدخول، هي الشركة في الجماعة و بين من لم يكن غرضه ذلك سواء أراد الصلاة فرادى أم جماعة بجماعة ثانية مستقلة لأن بعض الروايات المتقدمة و ان كان مورده الصورة الأولى الا انه لا ينبغي إشكال في إطلاق البعض الأخر بل في صراحة الشمول للصورة الثانية كرواية أبي على باعتبار ذيلها الدال على فرض عبارة الداخلين الصلاة جماعة مستقلة كما لا يخفى و هل السقوط في كلتا الصورتين بملاك واحد أو بملاكين سيأتي التعرض له إن شاء اللّٰه تعالى.

ثم انه لا إشكال في اعتبار تفرق الصف في السقوط في هذا الموضع و الظاهر ان المراد منه هو عدم بقاء صورة الجماعة و الهيئة الحاصلة من أجلها فلو تفرق بعض الصفوف بان خرج بعض المأمومين من الصف و ان لم يخرجوا من المسجد بعد أو لم تكن الهيئة مرتبطة بالجماعة بل أعرضوا عن الصلاة و ان بقوا في مكانهم لاستماع المنبر أو غيره فالظاهر صدق التفرق من دون توقف على تفرق الكل و خروجهم من الصف بل من المسجد و الدليل عليه مضافا الى ان المتفاهم من التفرق ذلك بعض الروايات المتقدمة الواردة في مورد خروج البعض من المسجد

و جلوس بعض آخر للتسبيح و التعقيب نعم في رواية زيد النرسي المتقدمة التفصيل فيما إذا انصرف القوم عن الصلاة و لم يتفرقوا بوجه بين الصورتين و الحكم في إحديهما بسقوط الأذان و الإقامة معا و في الثانية بسقوط الأذان فقط و لكنها مع إجمالها في بيان الفرق بين الصورتين متفردة بهذا التفصيل.

ثم انه يظهر من المتن اعتبار أمور أخر زائدة، على ما ذكر:

أحدها كونه في المسجد بمعنى ان السقوط في هذا الموضع يختص بمن دخل المسجد فوجد القوم قد صلوا و لم يتفرق الصف و يدل عليه أكثر الروايات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 481

..........

______________________________

المتقدمة باعتبار ورودها في مورد المسجد خصوصا رواية السكوني باعتبار كون التقييد بالمسجد واقعا في كلام الامام- عليه السّلام- دون سائر الروايات و ان كان يمكن ان يقال بان التقييد بالمسجد انما هو بملاحظة سائر الأحكام المذكورة فيه المختصة بالمسجد كعدم التطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة و عدم الخروج منه حتى يصلى فيه دون سقوط الأذان و الإقامة أيضا و بعبارة أخرى الشرط المذكور فيها المركب من الدخول في المسجد و صلاة القوم فيه له دخل في ترتب مجموع الأحكام الثلاثة المذكورة فيها و اما ان المجموع له دخل في ترتب كل واحد منها فلا يظهر من الرواية بوجه.

هذا و لكنه حيث يكون الحكم تعبديا و على خلاف القاعدة و الروايات واردة في مورد المسجد إلا رواية زيد النرسي التي عرفت انها متفردة و إحدى رواية أبي بصير التي هي متحدة مع روايته الأخرى الواردة في المسجد أيضا فلا دليل على تعميم الحكم بالإضافة الى غير المسجد فلا يجوز التعدي عنه و منه يظهر اعتبار

اتحاد الصلاتين عرفا فلو كانت إحديهما داخل المسجد و الأخرى على سطحه أو بعدت إحديهما عن الأخرى كثيرا بحيث لم يكن بينهما ارتباط أصلا لم يسقطا عنه بوجه.

ثانيها كون الجماعة السابقة مع الأذان و الإقامة فلو كانت بدونهما و لو كان تركهم لهما لأجل الاستماع من الغير لم يسقطا عنه و يدل عليه التعبير في بعض الروايات بقوله: صلى بأذانهم و إقامتهم الظاهر في وقوع صلوتهم مع الأذان و الإقامة من أنفسهم و التعبير في بعضها بإعادة الأذان و عدمها الظاهر في تحقق الأذان من الجماعة السابقة.

ثالثها كون الجماعة السابقة صحيحة فلو كان الامام فاسقا و المأمومون عالمين بفسقه و كانت الجماعة باطلة لم يسقطا عنه و منشأه انصراف النصوص المتقدمة إلى الصلاة الصحيحة و عدم شمولها للجماعة الباطلة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 482

..........

______________________________

رابعها كون الصلاتين ادائيتين فلو كان كل واحدة منهما أو كلتاهما قضائية لم يسقطا عنه و منشأه الانصراف المذكور.

خامسها اشتراك الصلاتين في الوقت فلو كانت إحديهما عصرا و الأخرى مغربا لم يتحقق السقوط المذكور و منشأه أيضا الانصراف.

ثم ان سيدنا العلامة المحقق البروجردي قدس سره أفاد في تعليقة العروة في هذا المقام كلاما و هو ان اعتبار هذه الأمور انما هو فيمن دخل المسجد مريدا للصلاة مستقلا عن الجماعة اما جماعة أو فرادى و اما من دخله لإدراكها فوجدهم قد فرغوا و لم يتفرق الصفوف فالظاهر ان سقوطهما عنه بملاك آخر و لا يبعد فيه سقوطهما في كل مورد يكون إدراكه لها قبل الفراغ مسقطا.

أقول الظاهر ان الملاك للسقوط في المورد الثاني انما هو كون هذا الشخص كأنه مدرك للجماعة بعد فرض كون نيته قبل الدخول ذلك

فاذانه و إقامته انما هو أذان الجماعة و إقامتها، كما ان الملاك للسقوط في المورد الأول انما هو احترام الجماعة السابقة و لحاظ الامام السابق بعدم رفع الصوت بالأذان حتى كان الجماعة اللاحقة من توابع الجماعة السابقة فينبغي تركهما فيها، و لذا ورد في بعض الروايات السابقة ان الداخلين إذا أرادوا الصلاة جماعة يقومون في ناحية المسجد و لا يبدوا أو لا يبدر لهم امام.

و بالجملة فكلام سيدنا الأستاذ- قدس سره- في الحاشية مبنى على استفادة الموردين من النصوص فمن بعضها يستفاد حكم من دخل المسجد لإدراك الجماعة و انه يسقط الأذان و الإقامة بالنسبة إليه إرفاقا له و رعاية لنيته و بعبارة أخرى:

مفاده جعل حق له لكونه قاصدا لإدراك الجماعة فكأنه مدرك لها فاذانه و إقامته هو أذان الجماعة و إقامتها و لا يخفى انه في هذه الصورة لا يكون الحكم مختصا بالمسجد و من بعضها يستفاد حكم من دخل المسجد لإقامة الصلاة مستقلا عن الجماعة- منفردا أو جماعة- و انه يسقط الأذان و الإقامة بالنسبة إليه رعاية لحق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 483

..........

______________________________

الامام السابق أو الجماعة السابقة و بعبارة أخرى يستفاد منه جعل حق على الداخل لا له و- ح- فيمكن القول باختصاص ذلك بالمسجد.

ثم ان الظاهر ان السقوط في الموضع الأول من الموضعين المذكورين في المتن انما هو على نحو العزيمة لأن الالتزام العملي من المتشرعة بترك الأذان الأذان و الإقامة في الجماعة التي اذن و أقيم لها يكشف عن عدم المشروعية و كون السقوط بنحو العزيمة كما ان مقتضى الروايات الواردة فيه النافية لثبوتهما الظاهرة في كون المنفي هو الاستحباب و المشروعية أيضا ذلك.

و اما

السقوط في الموضع الثاني فمقتضى رواية أبي على المتقدمة الدالة على المنع و الدفع أشده أيضا ذلك إذ لا ملاءمة بين الرخصة و بين المنع بهذه الكيفية و يمكن التفصيل فيه بين الموردين المذكورين في الحاشية المتقدمين بكون السقوط في المورد الثاني انما هو على نحو العزيمة و اما المورد الأول فالمناسب ان يكون بنحو الرخصة لأن جعل حق للداخل لا يلائم مع العزيمة فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 484

[تتمة مقدمات الصلاة]

[المقدمة الثانية في القبلة]

اشارة

المقدمة الثانية في القبلة

[مسألة 1- يجب الاستقبال مع الإمكان في الفرائض يومية كانت أو غيرها]

مسألة 1- يجب الاستقبال مع الإمكان في الفرائض يومية كانت أو غيرها حتى صلاة الجنائز، و في النافلة إذا اتى بها على الأرض حال الاستقرار و اما حال المشي و الركوب و في السفينة فلا يعتبر فيها. (1)

______________________________

(1) اعتبار الاستقبال و شرطيته في الصلوات المفروضة في الجملة مما لا ريب فيه بل هو من ضروريات الفقه بل الدين و انعقد عليه إجماع المسلمين و يشهد له الكتاب و السنة المتواترة الواردة في تفسيره أو الدالة على أصل الحكم التي منها صحيحة زرارة المعروفة: لا صلاة الا الى القبلة و حديث لا تعاد الذي جعل فيه القبلة من الأمور الخمسة المستثناة و مع هذه الكيفية لا حاجة الى ذكر الأدلة تفصيلا بل اللازم هو البحث في فروع المسألة فنقول:

لا خلاف ظاهرا في عدم اعتبار الاستقبال في النافلة مع عدم الاستقرار في الجملة و يدل عليه روايات متكثرة.

كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرجل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 485

..........

______________________________

يصلى النوافل في الأمصار و هو على دابته حيث ما توجهت به قال لا بأس. «1»

و التقييد بقوله: حيث ما توجهت به يكشف عن ان محط نظر السائل انما هو حيث الاستقبال لا الاستقرار.

و رواية إبراهيم الكرخي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه قال له انى اقدر أن أتوجه نحو القبلة في المحمل فقال: هذا لضيق اما لكم في رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- أسوة حسنة. «2»

و رواية الحلبي أنه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن صلاة النافلة على البعير و الدابة فقال: نعم حيث كان متوجها و

كذلك فعل رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- و في رواية الكليني زيادة قوله: قلت على البعير و الدابة قال نعم حيث ما كنت متوجها قلت استقبل القبلة إذا أردت التكبير قال لا و لكن تكبر حيث ما كنت متوجها و كذلك فعل رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله. «3»

و رواية حماد بن عثمان عن أبي الحسن الأول- عليه السّلام- في الرجل يصلى النافلة و هو على دابته في الأمصار فقال لا بأس. «4»

و صحيحة أخرى لعبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال:

سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس عشر ح- 1 و لا يخفى ان الموجود في الطبع الجديد من الوسائل و كذا الطبع المعروف ب أمير بهادر هو رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن انه سئل أبا عبد اللّٰه- ع- و لكن الموجود في «الفقيه» الذي أخذت عنه الرواية مطابق لما ذكرنا و لعل منشأ الاشتباه وجود رواية لابن الحجاج عن أبى الحسن- ع- كما يأتي و هي مأخوذة منه أيضا.

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس عشر ح- 2

(3) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس عشر ح- 6- 7

(4) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس عشر ح- 10

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 486

..........

______________________________

الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة فقال: ان كنت مستعجلا لا تقدر على النزول و تخوفت فوت ذلك ان تركته و أنت راكب فنعم و الا فإن صلاتك على الأرض أحب الى. «1»

و يمكن المناقشة في مثل الروايتين الأخيرتين بعدم ظهوره في عدم اعتبار الاستقبال في النافلة لأنه من

المحتمل ان يكون مراد السائل هو مجرد الصلاة على الدابة المستلزمة لعدم الاستقرار و عليه فالحكم في الجواب بالجواز لا يدل على أزيد من عدم اعتبار الاستقرار و يؤيده قوله- عليه السّلام- في ذيل الرواية الأخيرة:

فإن صلاتك على الأرض أحب الى، و لإشعاره بكون المراد هو مجرد الوقوع على الأرض و عدمه.

و قد دفعت المناقشة بإمكان استفادة عدم اعتبار الاستقبال أيضا من غلبة كون طرق المسير على غير القبلة بل الغالب انحراف ما يكون منها على القبلة عنها يمينا و شمالا و لو في الأثناء بل تمكن دعوى عدم وجود ما يكون منها على القبلة مستقيما من أوله الى آخره فيكون عدم التعرض لذكر الاستقبال فيها دليلا على عدم اعتباره.

أقول و ان كان يؤيد هذا الدفع حمل السؤال عن صلاة النافلة على البعير و الدابة في رواية الحلبي المتقدمة مع كونه مماثلا للسؤال فيهما على كون المراد هو النظر إلى القبلة كما يظهر من الجواب و هو يدل على عدم كون النظر الى حيث الاستقرار فقط بل الى حيث الاستقبال أيضا الا ان الذي يبعّده عدم المنافاة بين كون سير الدابة و توجهها الى غير القبلة و بين رعاية الاستقبال في الصلاة و لذا سئل في رواية الكرخي المتقدمة على لزوم التوجه إليها مع القدرة على التوجه في المحمل الا ان يقال ان استلزامه للضيق و العسر كما تشهد به الرواية يمنع عن كون

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 487

..........

______________________________

النظر في الروايات المذكورة إلى خصوص الاستقرار بحيث لا ينافي اعتبار الاستقبال و كيف كان ففي غيرها غنى و كفاية.

و ما رواه الطبرسي

في مجمع البيان عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه- عليهما السّلام- في قوله تعالى فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ انها ليست بمنسوخة و انها مخصوصة بالنوافل في حال السفر. «1»

و مثلها ما رواه الشيخ- قده- في النهاية عن الصادق- عليه السّلام- في قوله تعالى فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ قال: هذا في النوافل خاصة في حال السفر فأما الفرائض فلا بد فيها من استقبال القبلة. «2»

ثم ان المحكي عن ابن أبي عقيل اختصاص عدم اعتبار الاستقبال في النافلة بالسفر و الظاهر ان منشأه هو مثل الروايتين الأخيرتين الواردتين في تفسير الآية الظاهرتين في مدخلية السفر مع ان المتفاهم منهما عرفا هو كون حال السفر جاريا مجرى التمثيل أريد به حال الحاجة الى السير في الأرض كما هو الغالب في السفر لا حال السفر من حيث هو و لذا ينسبق الى الذهن منه الا إرادة حال الضرب لا الاستقرار في المنزل مع ان حال السفر أعم منها.

و يؤيده رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: لا بأس بان يصلى الرجل صلاة الليل في السفر و هو يمشى و لا بأس ان فاتته صلاة الليل ان يقضيها بالنهار و هو يمشى يتوجه إلى القبلة ثم يمشى و يقرأ فإذا أراد ان يركع حول وجهه إلى القبلة و ركع و سجد ثم مشى. «3»

فان تقييد السفر بالمشي في الجملة الاولى و الاقتصار على المشي فقط في الجملة الثانية ربما يشهد بعدم مدخلية السفر في هذا الحكم و ان المناط هو المشي

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس عشر ح- 18

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس عشر ح- 19

(3) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس

عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 488

..........

______________________________

و عدم الاستقرار هذا مضافا الى إطلاق بعض الروايات المتقدمة و صراحة البعض الأخر في عدم الاختصاص كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الأولى المتقدمة الواردة في الرجل يصلى النوافل في الأمصار و دعوى انه يحتمل كون المراد من الأمصار هي الأمصار التي تكون غير مصره فهو عبارة أخرى عن السفر مدفوعة- مضافا الى انه على هذا التقدير كان اللازم هو التعبير بالسفر و الى ان عمدة النظر في حيثية السفر الى الطريق و الحركة فيه لا الكون في غير مصره من مصر آخر بان ما يتقوم به عنوان السفر هو عدم الكون في بلده لا الكون في بلد آخر فالمراد من السؤال هو صلاة النافلة في الحضر على الدابة و أصرح منها صحيحته الأخرى الواردة في صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة بناء على كون النظر فيها الى حيث الاستقبال أيضا كما مر الكلام فيه.

و بالجملة فالظاهر عدم اختصاص الحكم بالسفر و شموله للحضر أيضا.

ثم ان ظاهر المشهور انه لا تجب رعاية الاستقبال في التكبير و انه لا فرق بينه و بين غيره و يدل عليه مضافا الى إطلاق أكثر النصوص رواية الحلبي المتقدمة على نقل الكافي لكن في مقابلها رواية عبد الرحمن بن أبي نجران قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل، قال: إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر و صل حيث ذهب بك بعيرك، قلت جعلت فداك في أول الليل؟ فقال: إذا خفت الفوت في آخره. «1» و رواية معاوية بن عمار المتقدمة و مقتضى الجمع هو الحمل على الاستحباب و

لكن ربما يقال بعدم صلاحية مثلهما لتقييد المطلقات و لو مع عدم وجود رواية الحلبي في مقابلهما و ذلك لما اشتهر في باب المندوبات من عدم وجوب حمل المطلق على المقيد و اختصاصه بالواجبات.

و أورد عليه بان هذا فيما إذا كان الكلام المطلق مسوقا لبيان الحكم

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس عشر ح- 13

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 489

..........

______________________________

التكليفي لا لبيان كيفية العمل الذي لم تثبت مشروعية مطلقة كما في المقام و الا فحاله حال الواجبات.

و يدفعه انه يكفى في إثبات مشروعية المطلق نفس الإطلاقات الواردة الظاهرة فيها و دليل التقييد لا يقتضي التضييق بعد عدم إحراز وحدة الحكم و إمكان التعدد كما في سائر الموارد فتدبر و كيف كان فمقتضى قاعدة الجمع في المقام هو الحمل على الاستحباب كما عرفت هذا بالنسبة إلى التكبير و اما بالإضافة إلى الركوع و السجود فقد حكى عن الشيخ- قده- الإجماع على عدم اعتبار الاستقبال فيهما و لكن رواية معاوية بن عمار المتقدمة ظاهرة في وجوب تحويل الوجه إلى القبلة في حالات التكبير و الركوع و السجود و مقتضى المطلقات خلافه كما ان رواية عبد الرحمن بن أبي نجران المتقدمة الظاهرة في اعتبار الاستقبال في التكبير تدل على عدم اعتباره فيهما باعتبار قوله- عليه السّلام-: وصل حيث ذهب بك بعيرك و يدل عليه أيضا صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرجل يصلى على راحلته قال: يومئ إيماء يجعل السجود اخفض من الركوع قلت يصلى و هو يمشى؟ قال: نعم يومئ إيماء و ليجعل السجود اخفض من الركوع. «1»

فإن السؤال و ان لم يكن في نفسه ظاهرا

في كون النظر الى الاستقبال أيضا الا ان التعرض في الجواب لكيفية الركوع و السجود أيضا دليل على كون الرواية بصدد بيان جميع الخصوصيات التي تشتمل عليها الصلاة على الراحلة فعدم التعرض للاستقبال فيهما دليل على عدم اعتباره في شي ء من أجزاء الصلاة كما لا يخفى و على ما ذكرنا فرواية معاوية بن عمار محمولة على الاستحباب كما هو ظاهر.

______________________________

(1) أورد صدره في الوسائل في الباب الخامس عشر من أبواب القبلة ح- 15 و ذيله في الباب السادس عشر ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 490

..........

______________________________

ثم ان الظاهر وفاقا لأكثر من تعرض ان المستفاد من الروايات المتقدمة الدالة على عدم لزوم رعاية الاستقبال في النافلة مع عدم الاستقرار هو سقوط شرطية القبلة و عدم قيام شي ء مقامها و بعبارة أخرى مفاد الروايات هو السقوط و خروج هذا الشرط عن الشرطية رأسا لا تبدله الى شرط آخر و قيام شي ء آخر مقامه كما ربما يحكى عن صريح الصيمري و ظاهر العلامة في جملة من كتبه و صريح البيان حيث حكى عن الأولين ان قبلة الراكب طريقه و مقصده و عن الأخير ان قبلته رأس دابته و لعل منشأ ذلك الجمود على ظاهر التعبيرات الواردة في الروايات من قوله حيث ما توجهت به أو حيث ما كان متوجها أو صل حيث ذهب بك بعيرك مع ان المتفاهم منها عرفا ليس الا مجرد عدم لزوم رعاية القبلة و لا تكون الروايات بصدد افادة لزوم أمر آخر مقام القبلة و انه تجب رعاية الطرف الذي تكون الدابة متوجهة إليه بحيث لو انحرف المصلى عن ذلك الطرف يمينا أو شمالا لكانت صلوته فاقدة لما اعتبر

فيها، فالإنصاف ان ما حكى عنهم خلاف ما هو مفاد الروايات و المتفاهم منها عرفا فالانحراف لا يقدح بوجه هذا كله في النافلة في حال عدم الاستقرار.

و اما النافلة في حال الاستقرار فالمشهور هو اعتبار الاستقبال فيها بل في محكي مفتاح الكرامة: و به صرح في جميع كتب الأصحاب إلا ما قل و يدل عليه أمور:

الأول: ارتكاز المتشرعة و كون الصلاة مستقرا الى غير القبلة من المنكرات عندهم من دون فرق بين الفريضة و النافلة و لا يسمعون اعتذار الآتي بها بكونها نافلة و لكن لا بدّ من ملاحظة ان هذا الارتكاز هل نشأ من فتوى مراجعهم بذلك بحيث كان متفرعا عليها أو ان له منشأ أصيلا لا يرتبط بالفتوى بل الفتوى مرتبطة اليه و ذلك المنشأ هو ما وصل إليهم و ارتكز لديهم خلفا عن سلف و الظاهر هو الثاني لثبوت الفرق بين مثل هذا الارتكاز و بين الارتكازات الناشئة عن التقليد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 491

..........

______________________________

و الاستناد الى فتوى المرجع كما لا يخفى.

الثاني: صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- انه قال: لا صلاة الا الى القبلة قال قلت اين حد القبلة قال ما بين المشرق و المغرب قبلة كله قال قلت فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال: يعيد. «1»

فان نفى طبيعة الصلاة و ماهيتها عما وقع الى غير القبلة يدل على اعتبار استقبالها في النافلة أيضا و خروجها في حال عدم الاستقرار لا يقدح ببقائها في غير هذا الحال فمقتضى الصحيحة الاعتبار و لا دلالة على عدمه فيه.

و أورد على الاستدلال بها بوجهين:

أحدهما: ان ذيل الرواية قرينة على ورود الصدر

في خصوص الفريضة لاختصاص الذيل بها فان وجوب الإعادة المستفاد من قوله- عليه السّلام-: يعيد لا يكاد ينطبق الا على الفريضة التي اتى بها الى غير القبلة أو في غير الوقت ضرورة ان النافلة الواقعة كذلك لا تجب إعادتها فوجوب الإعادة انما هو في الفريضة و إذا كان الذيل واردا فيها فهو قرينة على اختصاص الصدر بها أيضا فالمراد انه لا صلاة فريضة إلا الى القبلة و عليه فالاستدلال بها للنافلة مما ليس له مجال.

و يدفعه أولا ان الذيل لا دلالة له على وجوب الإعادة فإن الإعادة بما هي إعادة لا يمكن ان يتعلق بها الحكم المولوي الذي يترتب عليه استحقاق العقوبة على تقدير المخالفة ضرورة ان ترك الإعادة في الفريضة في مفروض الرواية لا يوجب الا ثبوت المخالفة بالإضافة إلى أصل التكليف بالصلاة إلى القبلة و في الوقت لا تحققها بالنسبة إلى وجوب الإعادة الدالة عليه الرواية فالإعادة لا تكون متعلقة للحكم الوجوبي المولوي فالأمر في الرواية ليس إلا للإرشاد إلى فساد الصلاة في الصورتين و هو يجتمع مع كون مورد السؤال شاملا للنافلة أيضا فالذيل لا يكون مختصا بالفريضة حتى يصير قرينة على اختصاص الصدر بها أيضا.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، در يك جلد، مؤلف، قم - ايران، اول، 1408 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة؛ ص: 491

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب التاسع ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 492

..........

______________________________

و ثانيا ان الذيل على تقدير الاختصاص لا يصلح ان يصير قرينة على اختصاص الصدر و ذلك لان الصدر يكون كلاما ابتدائيا مستقلا صادرا من الامام- عليه السّلام-

لإفادة ضابطة كلية و بيان ان الصلاة الى غير القبلة لا تكاد تصدق عليها الماهية و تنطبق عليها الحقيقة و الذيل انما وقع جوابا عن سؤال زرارة و كيف يصلح الجواب الذي لا يكاد يصدر من الامام- عليه السّلام- من دون تحقق السؤال قرينة على تقييد الضابطة الكلية التي أفادها في الصدر بل الذيل بمنزلة رواية مستقلة مشتملة على السؤال و الجواب و بعبارة أخرى هل يجوز ترك التقييد في مقام افادة الضابطة اعتمادا على انه يمكن ان يقع عقيبها سؤال و لا محالة يتحقق بعده جواب و يكون ذلك الجواب قرينة عليه و علمه- عليه السّلام- بوقوع السؤال بعده لا يسوغ الترك أصلا فالإنصاف أن ذيل الرواية بمنزلة رواية مستقلة و لا تصلح لان تصير قرينة على التصرف في الصدر فالاستدلال بالرواية لمذهب المشهور تام.

ثم ان المراد من قوله- عليه السّلام- في بيان حد القبلة: ما بين المشرق و المغرب قبلة كله سيأتي التكلم فيه و انه هل المراد كونه قبلة في جميع الحالات و لجميع المكلفين كما هو ظاهره أو في بعض الحالات كما انه سيأتي بيان أصل المراد مما بين المشرق و المغرب إن شاء اللّٰه تعالى فانتظر.

ثانيهما ان خروج الفرد في بعض أحواله عن حكم العام يوجب ان لا يجوز التمسك بالعام بالنسبة الى ذلك الفرد في غير تلك الحال و ذلك لعدم كون الشك في تخصيص زائد حتى يدفع بأصالة العموم الجارية في موارد الشك في أصل التخصيص أو في التخصيص الزائد و عليه فلا يجوز التمسك بعموم قوله: لا صلاة الا الى القبلة بعد خروج النافلة في حال عدم الاستقرار عنه لأجل الروايات المتقدمة الدالة على عدم اعتبار الاستقبال

فيها في تلك الحال لما ذكر فالاستدلال بالصحيحة غير صحيح.

و الجواب: ان قوله- عليه السّلام-: لا صلاة الا إلى القبلة اما ان يكون نكرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 493

..........

______________________________

واقعة في سياق النفي و هي تفيد العموم و اما ان يكون لنفى الجنس و الطبيعة نظرا الى كون المنفي هو اسم الجنس الذي لا دلالة له الا على الطبيعة المطلقة.

فعلى الأول لا بدّ من ملاحظة ان العموم الذي هو مفاد هذا القول هل هو العموم الأفرادي الذي مرجعه الى ان كل فرد يتحقق في الخارج بعنوان الصلاة فهو فرد مستقل داخل في العموم من دون واسطة فالمراد- ح- ان كل ما يؤتى به في الخارج بعنوان تحقق ماهية الصلاة فالانطباق يتوقف على وقوعه إلى القبلة و التوجه فيه إليها، أو ان العموم الذي هو مفاد هذا القول هو العموم بلحاظ الأنواع الواقعة تحت ماهية الصلاة و جنسها بحيث كانت صلاة النافلة- مثلا- فردا واحدا من افراد العام و صلاة الظهر أيضا كذلك و هكذا و مرجعه- ح- إلى انه لا يتحقق نوع من أنواع الصلاة إلا مع التوجه فيه الى القبلة؟

فإن كان المراد هو الأول الذي يكون كل صلاة موجودة في الخارج فردا واحدا مستقلا فلا يبقى مجال للإشكال في صحة التمسك بعموم قوله- عليه السّلام- لا صلاة الا إلى القبلة لأن النافلة في حال الاستقرار فرد مستقل بل افراد مستقلة شك في خروجها فالشك لا محالة انما هو في التخصيص الزائد و خروج أفراد كثيرة بعنوان واحد و هي النافلة في حال عدم الاستقرار لا يوجب عدم كون الشك في غير افراد هذا العنوان في التخصيص الزائد كما لا

يخفى فعلى هذا الاحتمال لا يبقى للإشكال مجال.

و ان كان المراد هو الثاني الذي يكون كل نوع فردا واحدا فالنافلة في حال عدم الاستقرار فرد واحد خارج في بعض الأحوال فالمقام نظير ما إذا ورد أكرم كل عالم ثم قام الدليل على عدم وجوب إكرام زيد العالم في يوم الجمعة و شك في وجوب إكرامه في غير ذلك اليوم حيث ان زيدا فرد واحد خارج عن العموم في يوم الجمعة فعدم جواز التمسك بالعام- ح- محل نظر بل منع و لتوضيحه نقول:

لا بدّ من ملاحظة أن إخراج فرد في حال هل يكون مرجعه الى التصرف في عموم العام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 494

..........

______________________________

و إخراج الفرد منه أو ان حقيقته التصرف في الإطلاق الاحوالى الثابت للعام مضافا الى العموم الأفرادي بحيث لو فرض عدم ثبوت الإطلاق الاحوالى لا يكون هناك تصرف أصلا؟

الظاهر هو الثاني لأن إخراج الفرد في حال لا ينافي العموم اللغوي بوجه لان مفاده دخول تمام الافراد في حكم العام من غير تعرض لحالات الافراد و الدليل المخرج لا دلالة له على خروج فرد من العام رأسا حتى يكون تخصيصا بل يدل على خروجه في حال و هذا مخالف لظهور الإطلاق في الشمول لجميع الحالات و عليه فالشك في ثبوت حكم العام بالنسبة الى ذلك الفرد في غير تلك الحال مرجعه الى الشك في تقييد زائد على التقييد المعلوم و أصالة الإطلاق ترفع هذا الشك فإذا قام الدليل على وجوب الوفاء بكل عقد كما هو مفاد قوله تعالى:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و قام الدليل على عدم وجوب الوفاء بعقد في زمان كما لو انعقد الإجماع أو دليل نفى الضرر- فرضا-

على عدم وجوب الوفاء بالعقد الذي ظهر فيه الغبن إلى ساعة- مثلا- فهذا الدليل الثاني لا يكون منافيا للعموم الأفرادي اللغوي الذي هو مفاد الدليل الأول بل يكون منافيا للإطلاق الأزماني الثابت له و لا محيص الا للرجوع إلى الإطلاق في الشك في التقييد الزائد.

و الشاهد لما ذكرنا من عدم كون إخراج الفرد في بعض الأحوال تخصيصا للعام و تصرفا في العموم انه لو فرض قيام الدليل على خروج جميع الافراد في بعض الحالات لا يتوهم أحد ثبوت المنافاة بينه و بين الدليل الأول فلو فرض ثبوت الخيار في تمام العقود في الساعة الأولى بعد تحقق العقد لا يكون ذلك منافيا لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أصلا فإذا لم يكن إخراج جميع الافراد كذلك منافيا فكيف يكون إخراج فرد واحد كذلك تصرفا في العام و لعمري هذا واضح.

فانقدح انه على هذا التقدير لا يكون إخراج النافلة في حال عدم الاستقرار منافيا لجواز التمسك بالدليل لإثبات اعتبار الاستقبال فيها في حال الاستقرار لان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 495

..........

______________________________

مقتضى أصالة الإطلاق ثبوت حكم العام في غير تلك الحال كما عرفت هذا كله لو كان المنفي هي النكرة و قلنا بإفادتها مع وقوعها في سياق النفي للعموم.

و اما لو كان المنفي هو الجنس و الطبيعة فاما ان يقال بأن الطبيعة المنفية هي الطبيعة بلحاظ سريانهما في الافراد و جريانها في المصاديق و اما ان يقال بأنها هي نفس الطبيعة و الماهية مع قطع النظر عن السريان و الجريان.

فعلى الأول يرجع هذا الفرض الى الفرض الأول و هو العموم الأفرادي بلحاظ كل فرد لان معنى السريان هو الشمول لكل فرد و قيام الدليل على منع

السريان في طائفة من الافراد لا يوجب إهمال الدليل بلحاظ الأفراد التي لم يقم فيها دليل على منع السريان لان الشك في الشمول لهذه الافراد شك في مانع مستقل و مقتضى الدليل هو عدمه كما لا يخفى.

و على الثاني يكون الموضوع صرف الطبيعة بلا تكثر فيه و لا عموم و سريان فمع قيام الدليل على خروج النافلة في حال عدم الاستقرار لا بدّ اما من الالتزام بخروج هذه الحال عن مطلق الصلاة و القول بأن صلاة الفريضة في حال عدم الاستقرار لا يعتبر فيها الاستقبال و اما من الالتزام بصيرورة ذلك الدليل قرينة على اختصاص الموضوع المنفي بخصوص صلاة الفريضة و الحكم بان الدليل لا يدل على أزيد من اعتبار الاستقلال فيها و- ح- فيصح للمورد ان يقول بأنه حيث لا يصح الالتزام الأول فلا بد من الالتزام الثاني و لكن الجواب عنه- ح- ان يقال انه على تقدير تسليم كون هذا التركيب ظاهرا في نفى الجنس و الطبيعة و لكن لا نسلم ظهوره في عدم كون نفى الجنس بلحاظ السريان بل هو الظاهر منه خصوصا مع ملاحظة ورود الدليل المذكور في النافلة الشاهد على كون الطبيعة الملحوظة انما هي الطبيعة السارية لا صرف الماهية فانقدح من جميع ما ذكرنا صحة التمسك بالصحيحة لمذهب المشهور.

الثالث: حديث لا تعاد باعتبار كون الموضوع فيه هو مطلق الصلاة و القبلة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 496

..........

______________________________

من الأمور الخمسة المستثناة فيه الموجبة للإعادة.

و أورد عليه المحقق الهمداني- قده- بظهوره في الفريضة التي من شأنها وجوب الإعادة عند الإخلال بشي ء من اجزائها و شرائطها و يؤيده عدّ الوقت من الخمس.

و يدفعه ما عرفت من انّ

الإعادة بما هي إعادة لا يمكن ان يتعلق بها الحكم الوجوبي الشرعي إثباتا أو نفيا فمرجع وجوب الإعادة إلى ثبوت خلل في المأتي به من حيث الجزء أو الشرط كما ان مرجع عدم وجوبها إلى تمامية المأتي به و عدم وجود الخلل فيه و عليه فحديث لا تعاد لا دلالة له الا على تمامية العمل من غير ناحية الإخلال بأحد الأمور الخمسة المستثناة فيه و لا فرق في ذلك بين الفريضة و النافلة لكون الموضوع مطلق الصلاة و طبيعتها.

نعم يمكن الإيراد على الاستدلال به لمثل المقام بأنه يبتنى على ان يكون الحديث بصدد بيان المستثنى ككونه بصدد بيان المستثنى منه بمعنى انه كما يكون في مقام افادة عدم اعادة من غير ناحية الإخلال بأحد الأمور الخمسة كذلك يكون في مقام بيان ثبوت الإعادة من ناحية الإخلال بأحدها حتى يجوز التمسك بإطلاقه لثبوت الإعادة في مثل المقام لتحقق الإخلال بالقبلة التي هي إحداها و لكن الظاهر عدم ثبوت هذا المعنى في الحديث هذا و قد استدل المشهور بأمور أخر أيضا لكنها غير مهمة.

و قد استدل للقول بعدم الاعتبار على ما هو ظاهر المحقق في الشرائع وفاقا للمحكي عن جملة من قدماء الأصحاب و متأخريهم بأمور أيضا.

منها أصالة البراءة عن وجوب الاستقبال.

و أورد عليه سيدنا العلامة الأستاذ- قده- بأنها مما لا تتم لان مدركها اما حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان و اما حديث الرفع و نظائره و الأول غير جار في المقام لان الكلام في شرطية الاستقبال في النافلة و هي لا يترتب على تركها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 497

..........

______________________________

عقاب أصلا و كذا الثاني لأن حديث الرفع مسوق لرفع

التضييق و هو معدوم في النوافل من الأصل.

و لكن الظاهر تمامية ما افاده فيما إذا كان الشك في أصل ثبوت الاستحباب بالإضافة إلى فعل لعدم جريان شي ء من البراءة العقلية و البراءة النقلية فيه و اما إذا كان الشك في شرطية شي ء في الفعل الذي ثبت أصل استحبابه أو جزئيته له فالظاهر انه لا مانع من جريان مثل حديث الرفع فيه لأن الشرطية و الجزئية و لو في المستحب انما يكون بنحو اللزوم بمعنى ان اعتبارهما فيه انما هو بنحو اللابدية و مرجعه الى عدم إمكان تحقق المستحب بدونهما و لذا يعبر عن حكم الشرط فيه بالوجوب الشرطي لا الاستحباب و عليه فثبوت الشرطية و الجزئية موجب للضيق و ان كان لا يجب على المكلف أصل الإتيان و لا منافاة بين الأمرين و- ح- فلا مانع من جريان حديث الرفع و دلالته على رفع الضيق في صورة الشك في ثبوته و بالجملة لا فرق في دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين بين ان يكون ذلك في الواجب أو المستحب نعم الفرق انما هو في البراءة العقلية التي هي ناظرة إلى العقاب الذي يختص بالواجب.

فانقدح صحة التمسك بأصالة البراءة الا انه يبتنى على عدم وجود الدليل على اعتبار الاستقبال فيما هو محل البحث و قد مر دلالة كثير من أدلة المشهور عليه فلا موقع لها معه أصلا.

و منها الروايات التي يستفاد منها ذلك و هي كثيرة.

مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- انه قال له:

استقبل القبلة بوجهك و لا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلوتك فان اللّٰه عز و جل يقول لنبيه في الفريضة: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ

حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (الحديث). «1» فان تفسير الآية بورودها في الفريضة شاهد على

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب التاسع ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 498

..........

______________________________

عدم اعتبار الاستقبال في غيرها.

و حسنة الحلبي أو صحيحته عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث قال قال: إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا و ان كنت قد تشهدت فلا تعد. «1»

و ما نقله ابن إدريس في آخر السرائر من كتاب الجامع للبزنطي صاحب الرضا- عليه السّلام- قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلوته هل يقطع ذلك صلوته؟ قال:

إذا كانت الفريضة و التفت الى خلفه فقد قطع صلوته فيعيد ما صلى و لا يعتد به و ان كانت نافلة لا يقطع ذلك صلوته و لكن لا يعود. «2» و تعلق النهى بالعود ظاهر في كون المفروض في السؤال هو الالتفات عمدا و لكنه محمول على الكراهة لعدم الحرمة على فرض عدم قطع الصلاة كما هو صريح الرواية و الحكم بعدم القطع في النافلة مع الالتفات كذلك الى الخلف لا يكاد يجتمع مع اعتبار الاستقبال فيها أيضا كما هو ظاهر.

و ما رواه الشيخ- قده- في النهاية عن الصادق- عليه السّلام- في قوله تعالى:

فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ قال هذا في النوافل خاصة في حال السفر فأما الفرائض فلا بد فيها من استقبال القبلة. «3» فإن إطلاقه يشمل النافلة في حال الاستقرار و التقييد بحال السفر ليس لأجل اختصاص الحكم به بل لأجل غلبة وقوع النوافل في حال السفر الى غير القبلة و لذا لا يكون الاستقبال شرطا لها في الأمصار أيضا في حال عدم

استقرار المصلى بلا خلاف كما عرفت و يؤيده التقابل بين الفريضة و مطلق النافلة.

و غير ذلك من الروايات التي تدل على ذلك و لكن اعراض المشهور عنها

______________________________

(1) الوسائل أبواب قواطع الصلاة الباب الثالث ح- 2

(2) الوسائل أبواب قواطع الصلاة الباب الثالث ح- 8

(3) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس عشر ح- 19

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 499

..........

______________________________

و عدم الفتوى على طبقها مع وضوح دلالتها و صحة سند أكثرها يوجب الوهن فيها خصوصا مع ما عرفت من إنكار المتشرعة الصلاة الى غير القبلة في حال الاستقرار و لا فرق عندهم بين الفريضة و النافلة في هذه الجهة أصلا و عليه فالظاهر ما هو المشهور فتدبر.

ثم انه وقع الخلاف أو الإشكال في جواز صلاة النافلة مع عدم الاستقرار الى غير القبلة إذا كانت متعلقة للنذر و غيره و انه هل لا يكون الاستقبال معتبرا فيها كذلك و كذا في اعتبار الاستقبال فيما إذا صارت الفريضة مستحبة كصلاة المعادة جماعة بعد الإتيان بها فرادى و منشأ الاشكال ان عنوان الفريضة المأخوذ في الأدلة هل يكون المراد به ما هو واجب بالفعل و يلزم على المكلف الإتيان به كذلك أو ان التعبير به انما هو للإشارة إلى العناوين المفروضة بالذات و كذا عنوان النافلة المأخوذ في دليل عدم اعتبار الاستقبال هل المراد به ما هو مستحب بالفعل و لو كان بحسب عنوانه واجبا أو انه اشارة إلى العناوين المستحبة كصلاة الليل و نحوها فعلى الأول تلزم رعاية الاستقبال في النافلة المنذورة لوجوبها بالفعل و لزوم الإتيان بها على المكلف كذلك كما انه لا تلزم رعايته في الصلاة المعادة لعدم وجوبها فعلا و على الثاني

ينعكس الحكم فيعتبر في الثاني دون الأول كما لا يخفى هذا ما يستفاد من كلماتهم.

و لكن الظاهر انه لا مجال لهذا البحث أصلا لعدم صيرورة النافلة واجبة أصلا و لو كانت متعلقة للنذر و نحوه و ذلك لما مر سابقا من ان تعلق النذر بالنافلة لا يوجب صيرورة النافلة واجبة فإن الوجوب الجائي من قبل النذر انما يكون متعلقا بالوفاء بالنذر الذي هو عنوان خاص، و مجرد تحقق الوفاء بالنذر خارجا بسبب الإتيان بالمنذور لا يوجب تغير حكمه لعدم سراية الحكم من متعلقه إلى شي ء آخر و لو كان متحدا معه وجودا بل لا يعقل التغير فان اتصاف صلاة الليل- مثلا- بالاستحباب انما يكون له دخل في صحة النذر و انعقاده و وجوب الوفاء به و ذلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 500

..........

______________________________

لاعتبار الرجحان في متعلقه الذي هو ملازم لثبوت الاستحباب في المقام و عليه فكيف يمكن ان يكون الوجوب المتفرع على الاستحباب موجبا لزواله و قيامه مقامه و اجتماعهما أيضا مستحيل بداهة و عليه فلا يعقل ان يكون النذر مغيرا للاستحباب الثابت للمنذور قبل تعلق النذر فكما ان تعلق النذر بالفعل الواجب لا يوجب زوال وجوبه و قيام الوجوب النذري مقامه فكذلك إذا كان المنذور مستحبا فإنه لا يتغير حكمه الاستحبابي بسبب تعلق النذر فانقدح ان النافلة لا تصير واجبة بوجه حتى يبحث في اعتبار الاستقبال فيها مطلقا أو في حال عدم الاستقرار و وجوب صلاة الليل أو خصوص الوتر على النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- لا دلالة له على صيرورة النافلة واجبة فإن صلاة الليل عنوان خاص يختلف حكمه باختلاف الافراد فبالاضافة إلى النبي- صلّى اللّٰه عليه

و آله- يكون واجبا و بالنسبة إلى غيره يكون مستحبا فالنافلة لم تصر واجبة بل ما كانت نافلة في حقنا تكون واجبة في حقه- صلّى اللّٰه عليه و آله- و هو غير ما نحن فيه هذا و الظاهر ان الفريضة أيضا لا تصير مستحبة حتى يبحث فيها كذلك و صلاة المعادة جماعة لا تكون شاهدة على هذا أمر و ذلك لان متعلق الاستحباب ليس هي نفس صلاة الظهر- مثلا- الفريضة التي اتى بها فرادى بل متعلقه هو عنوان الإعادة جماعة و هذا يغاير عنوان الصلاة التي هي فريضة كعنوان الجماعة المستحب فيها و بعبارة أخرى الصلاة المعادة لها حيثيتان فباعتبار كونها صلاة الظهر فريضة واجبة و باعتبار كونها تكرارا لصلاة الظهر و اعادة لها جماعة مستحبة و لا يلزم من ذلك وجوب الإتيان بها ثانيا فان متعلق الوجوب هي نفس العنوان من دون مدخلية التعدد و التكرر فلا وجه للزوم الإتيان بها كذلك فصلاة الفريضة لا تصير مستحبة بوجه فلا مجال للبحث المذكور أصلا.

ثم انه لم يقع التعرض في المتن للقبلة و انها اى شي ء و كذا للخصوصيات المعتبرة في الاستقبال و كذا للبحث عن المستقبل بالكسر و انه هل يكون فرق بين القريب و البعيد أم لا و نحن نتعرض لها في ضمن أمور:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 501

..........

______________________________

الأول: انه لا شك في ان قبلة المسلمين هي الكعبة المشرفة و الظاهر انه لا فرق في ذلك بين من كان في المسجد و من كان في الحرم خارجا عن المسجد و من كان خارجا عنهما و قد حكى ذلك عن السيد و ابن الجنيد و أبي الصلاح و ابن إدريس

و المحقق في بعض كتبه و نسب إلى المتأخرين بل إلى الأكثر و المشهور و لكنه حكى عن الشيخين و جماعة من القدماء و بعض المتأخرين ان الكعبة قبلة لمن في المسجد و المسجد قبلة لمن في الحرم و الحرم قبلة لمن خرج عنه و في الشرائع انه الأظهر و في الذكرى نسبه الى أصحابنا و عن الخلاف الإجماع عليه و نقول:

اما الآيات الواردة في القبلة فمفاد جميعها هو وجوب تولية الوجه شطر المسجد الحرام و محل نزولها انما هي المدينة المنورة التي تكون خارجة عن الحرم فمن جهة دلالتها على وجوب التوجه شطر المسجد يدل على ان الحرم لا يكون قبلة بوجه و الظاهر ان المراد بالمسجد الحرام فيها هي نفس البيت شرفه اللّٰه تعالى و التعبير عنه به انما هو لأجل قلة التفاوت بينهما من حيث المقدار لأن توسعة المسجد انما تحققت في الأزمنة المتأخرة مع ان الحمل على ظاهره يقتضي عدم دلالتها على حكم من يصلى في نفس المسجد بل كانت الصلاة- ح- في المسجد كالصلاة في جوف الكعبة كما هو ظاهر فانقدح ان المراد من المسجد في الآيات الواردة انما هي الكعبة و يؤيده أن تولية الوجه شطره في مثل المدينة يوجب التولية شطر الكعبة فتدبر.

و اما الروايات فكثيرة منها تدل على المشهور بل ربما تبلغ عشرين رواية مثل رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قلت له متى صرف رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- إلى الكعبة قال بعد رجوعه من بدر. «1» و في نقل أخر عنه- الذي جعله في الوسائل رواية مستقلة مع انها لا تكون كذلك- زيادة: و كان يصلى

______________________________

(1) الوسائل

أبواب القبلة الباب الثاني ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 502

..........

______________________________

في المدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا ثم أعيد إلى الكعبة. «1» فإن دلالتها على انه- صلّى اللّٰه عليه و آله- قد صرف إلى الكعبة مع كونه في المدينة واضحة و كان ذلك مسلما عند الراوي و لذا لم يسأل عنه بل إنما سئل عن زمان صرف فيه الرسول إلى الكعبة.

و رواية أبي بصير عن أحدهما- عليهما السّلام- في حديث قال قلت له: ان اللّٰه أمره ان يصلى الى بيت المقدس قال نعم الا ترى ان اللّٰه يقول: و ما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول الآية ثم قال ان بنى عبد الأشهل أتوهم و هم في الصلاة قد صلوا ركعتين الى بيت المقدس فقيل لهم ان نبيّكم صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال و الرجل مكان النساء و جعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين فلذلك سمى مسجدهم مسجد القبلتين. «2»

و رواية عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في حديث ان اللّٰه بعث جبرئيل إلى آدم فنزل غمام من السماء فأظل مكان البيت فقال جبرئيل يا آدم خط برجلك حيث أظل الغمام فإنه قبلة لك و لآخر عقبك من ولدك الحديث «3» و غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالة عليه مع انه ربما يقال كما في محكي حاشية المدارك ان كون الكعبة قبلة من ضروريات الدين و المذهب حتى ان الإقرار به يلقن الأموات فضلا عن الاحياء كالإقرار باللّه تعالى. و في الجواهر:

يعرفه الخارج عن الإسلام فضلا عن اهله.

و لكنه هنا روايات تدل على مذهب الشيخين

و من تبعهما بل عقد في الوسائل بابا لذلك كمرسلة عبد اللّٰه بن محمد الحجال عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام-

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الثاني ح- 3

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب الثاني ح- 2

(3) الوسائل أبواب القبلة الباب الثاني ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 503

..........

______________________________

ان اللّٰه تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا. «1»

و رواية بشر بن جعفر الجعفي عن جعفر بن محمد- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: البيت قبلة لأهل المسجد و المسجد قبلة لأهل الحرم و الحرم قبلة للناس جميعا «2» و مرسلة الصدوق قال قال الصادق- عليه السّلام- ان اللّٰه تبارك و تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا «3» و رواية أبي غرة قال: قال لي أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- البيت قبلة المسجد و المسجد قبلة مكة و مكة قبلة الحرم و الحرم قبلة الدنيا. «4» و لكنها- مضافا الى ثبوت الضعف أو الإرسال في جميعها عدي مرسلة الصدوق حيث انها معتبرة كما مر مرارا- تكون بينها المعارضة أيضا لدلالة ما عدي الأخيرة على ثبوت التثليث في القبلة و قد زيدت عليها في الأخيرة واحدة و هي نفس بلد مكة لمن كان خارجا عنه و داخلا في الحرم.

و كيف كان فالظاهر انه لا مجال للأخذ بهذه الروايات مع معارضتها للروايات المتكثرة المتقدمة بل للاية الشريفة على ما عرفت خصوصا مع ملاحظة ثبوت الشهرة من حيث الفتوى على خلافها بل يمكن ادعاء الإجماع على خلاف مضمونها لاستبعاد أن يفتي

مثل الشيخ- قده- الذي عمل بمضمونها في أكثر كتبه بجواز ان يصلى في الحرم متوجها الى المسجد على نحو لا يكون مستقبلا للكعبة بوجه كان صلى متوجها الى زاوية من المسجد فاللازم اما طرحها و اما حملها على كون المراد هو اتساع جهة المحاذاة للبعيد و ثبوت الفرق بينه و بين القريب كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الثالث ح- 1

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب الثالث ح- 2

(3) الوسائل أبواب القبلة الباب الثالث ح- 3

(4) الوسائل أبواب القبلة الباب الثالث ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 504

..........

______________________________

الثاني: ان المراد بالكعبة ليس خصوص البناء و ما إحاطة من الفضاء بل المراد به هو البيت و كل ما هو مسامت له من تحت الأرض إلى فوق السماء و عن المنتهى: لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم و عن كشف اللثام انه إجماع من المسلمين و يشهد له مضافا الى ذلك روايات كرواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سأله رجل قال: صليت فوق أبي قبيس العصر فهل يجزى ذلك و الكعبة تحتي؟

قال نعم انها قبلة من موضعها الى السماء. «1» و رواية خالد بن أبي إسماعيل قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- الرجل يصلى على أبي قبيس مستقبل القبلة فقال:

لا بأس. «2» و مرسلة الصدوق قال قال الصادق- عليه السّلام- أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا. «3» و الظاهر انه ليس المراد ثبوت القسمين للأرض العليا و السفلى و انقسام كل واحدة إلى السبع بل العنوانان انما يلاحظان بالإضافة إلى الأرضين السبع التي يظهر ثبوتها من بعض الأدعية

و الروايات بل و من الكتاب و عليه فالمراد بالأرض السابعة العليا هي التي نمشي على مناكبها و نستقر فيها و الرواية- ح- تكون ناظرة إلى أساس البيت و امتداده من التخوم الى ما نحن فيه و لا تعرض لها لامتداده الى عنان السماء كما لا يخفى.

ثم ان مقتضى ما ذكرنا لزوم التوجه الى نفس الكعبة و ما هو مسامت له من الفوق أو التحت فالصلاة في قعر الأرض أو قعر البحار مما لا مانع منه كما ان الصلاة في الطائرات و ان بعدت عن الأرض كثيرا لا مانع عنها أيضا مع مراعاة الاستقبال نعم لو خرج عن كرة الأرض و دخل في كرة اخرى كالقمر و نحوه فالاستقبال انما يتحقق بالتوجه الى كرة الأرض و لا يقدح فيه الاختلاف باعتبار اختلاف جهة كرة الأرض لأن الملاك هو التوجه إلى الكعبة و هو لا يتحقق الا بذلك كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الثامن عشر ح- 1

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب الثامن عشر ح- 2

(3) الوسائل أبواب القبلة الباب الثامن عشر ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 505

..........

______________________________

ثم الظاهر خروج حجر إسماعيل من الكعبة و انه لا يكفى التوجه نحوه و ان وجب إدخاله في الطواف لكنه لا ملازمة بين المقام و بين الطواف وجه الخروج دلالة رواية صحيحة صريحة على ذلك و هي رواية معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الحجر أمن البيت هو أم فيه شي ء من البيت قال- عليه السّلام- لا و لا قلامة ظفر و لكن إسماعيل دفن امه فيه فكره أن يوطأ فجعل عليه حجرا و فيه قبور أنبياء.

«1» و يظهر من الروايات الكثيرة الأخر التي جمعها في الوسائل في الباب الثلاثين من أبواب الطواف ان خصوصية الحجر انما هي لأن فيه قبر أم إسماعيل و كذا قبر نفسه و كذا قبور عذارى بنات إسماعيل و قبور أنبياء و يظهر منها عدم كونها من البيت بوجه و لا خصوصية له غير ما ذكر فالتوجه اليه لا يجدي و لكن المحكي عن الذكرى ان ظاهر الأصحاب ان الحجر من الكعبة بأسره و انه قد دل النقل على انه كان منها في زمن إبراهيم و إسماعيل الى ان بنت قريش الكعبة فأعوزتهم الآلات فاختصروها بخلافه و كذلك كان في عهد النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- و نقل عنه- صلّى اللّٰه عليه و آله- الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة و بذلك احتج ابن الزبير حيث ادخله فيها ثم أخرجه الحجاج بعده الى ما كان و لان الطواف يجب خارجه، و للعامة خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه أو بعضه أو ليس منها و في الطواف خارجه و بعض الأصحاب له فيه كلام أيضا مع إجماعنا على وجوب إدخاله في الطواف. و لكن حكى عن كشف اللثام انه قال: و ما حكاه إنما رأيناه في كتب العامة و تخالفه أخبارنا.

و كيف كان لا يبقى مجال لما ذكر مع ثبوت رواية صحيحة صريحة على خلافه خصوصا مع التعبير بقوله- عليه السّلام-: و لا قلامة ظفر كما هو ظاهر.

الثالث: ظاهر الآيات الواردة في الاستقبال ان اللازم هو تولية الوجه جانب الكعبة و هل المراد به هو خصوص الوجه بحيث لو كان جميع مقاديم البدن

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الصلاة، ص: 506

..........

______________________________

متوجها الى غير القبلة و كان الوجه وحده متوجها إليها لكفى ذلك في حصول ما هو المأمور به في تلك الآيات أو ان المراد به هو جميع مقاديم البدن كما يشهد به قوله تعالى فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا. «1» حيث نسب التولية إلى المخاطب و ظاهره التولية بجميع المقاديم أو ان المراد به هو الوجه و ما يحاذيه من مقاديم البدن فلا يكفى توجه الوجه وحده و لا يلزم توجه ما هو أوسع من الوجه مما لا يحاذيه من المقاديم كالكتف الأيمن أو الأيسر وجوه و احتمالات و لا يبعد ان يقال برجحان الوجه الثالث لان المتفاهم عند العرف من توجه الوجه إلى شي ء هو توجهه بوضعه الطبيعي غير المائل إلى اليمين و اليسار و من الواضح ان توجهه في هذه الحالة ملازم لتوجه المقاديم التي تحاذيه فالمستفاد من الآيات لزوم التوجه بهذا المقدار كما هو ظاهر.

الرابع: انه لا خفاء في ان سطح الوجه الذي أمر بتوليته جانب الكعبة يكون له انحناء لانه على التقريب يكون ربع الدائرة المحيطة بالرأس و من الواضح ان السطح الذي يكون منحنيا ليس على نحو يخرج من جميع اجزائه خطوط متوازية لاقتضاء الانحناء ذلك فالخطوط الخارجة من أجزاء الوجه على نحو يكون كلما كان طوله أكثر كان الفصل بينها أزيد كما هو الشأن في هذا النوع من الخطوط غير المتوازية و- ح- فالشخص المتوجه إلى الكعبة قد يخرج من جزء من أجزاء وجهه خط مستقيم واقع إلى الكعبة دون الجزء الأخر و- ح- يقع الكلام و الاشكال في أن العبرة في توجه الوجه إلى شي ء هل هو بان يخرج من جزء من أجزاء وجهه خط مستقيم الى

ذلك الشي ء و لو لم يكن ذلك الجزء وسط الوجه بل في يمينه أو يساره أو ان اللازم في صدق هذا العنوان هو ان يكون الخط الخارج من خصوص وسط الوجه واقعا اليه و ان كانت الخطوط الخارجة من غيره من أجزاء الوجه واقعة إلى غيره؟ الظاهر هو الوجه الثاني

______________________________

(1) سورة البقرة آية 144

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 507

..........

______________________________

لعدم تحقق هذا المفهوم عند العرف بمجرد خروج خط من جزء من الاجزاء و لو كان في منتهى اليمين أو اليسار فاللازم هو وقوع خصوص الخط الخارج من وسط الوجه نعم لا مجال لاحتمال اعتبار وقوع جميع الخطوط الخارجة من أجزاء الوجه لما عرفت من عدم كونها متوازية و مع فرض عدم التوازى يستحيل وقوع الجميع إلا إذا كان في غاية القرب إلى الكعبة فتدبر.

هذا بالنسبة إلى القريب و اما بالإضافة إلى البعيد فسيأتي الكلام فيه.

الخامس: قد وقع الاختلاف- بعد الاتفاق على ان قبلة القريب هي عين الكعبة أو الحرم- في ان قبلة البعيد هل هي كالقريب من عين الكعبة أو الحرم أو انها هي جهة الكعبة كما هو المشهور بين الفقهاء و قد وقع الاختلاف في تفسير الجهة أيضا فالمحكي عن جمع من الكتب انها ما يظن به الكعبة أو ما يظن أنه الكعبة أو انها السمت الذي يظن كون الكعبة فيه و عن جامع المقاصد ان جهة القبلة هي المقدار الذي شأن البعيد ان يجوز على كل بعض منه ان يكون هو الكعبة بحيث يقطع بعدم خروجها عن مجموعه و مثلها في الروضة بزيادة ذكر منشأ القطع و هي الامارة الشرعية.

و مقتضى هذه التفاسير باعتبار أخذ الظن أو الاحتمال

في معنى الجهة هو اختلاف معناها باختلاف المكلفين من جهة هذه الحالات لانه قد يعلم بوجود الكعبة في ربع الدائرة و قد يعلم بوجودها في خمسها و هكذا فالجهة تختلف سعة و ضيقا باختلاف آحاد المصلين مع ان الظاهر ان الشرط الذي أمر بتولية الوجه إليه أمر واقعي لا ارتباط له بحال المكلف من حيث العلم و الجهل و الآية ناظرة اليه.

و أغرب التعاريف ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره- عن الفاضل المقداد و ما حكى عن ابن فهد من ان جهة الكعبة التي هي القبلة للبعيد خط مستقيم يخرج من المشرق الى المغرب و يمر بسطح الكعبة و يعتبر ان يخرج من موقف المصلى خط مستقيم آخر واقع على الخط المذكور على نحو يحدث بين جنبيه زاويتان قائمتان فلو كان الخط الخارج من موقف المصلى واقعا على الخط المذكور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 508

..........

______________________________

بحيث تحدث زاويتان إحديهما حادة و الأخرى منفرجة لا يتحقق التوجه نحو الكعبة و لم يكن المصلى مستقبلا إليها.

وجه الاغربية انه لو كان موقف المصلى قريبا من المشرق فرضا و علم بفعل المعصوم أو غيره ان الكعبة واقعة قريب المغرب يلزم على هذا بطلان الصلاة لو توجه نحو الكعبة لأن الخط الذي يخرج من موقف المصلى و يقع على الكعبة ليس بحيث يحدث بين طرفيه زاويتان قائمتان بل تحدث من طرف اليمين زاوية منفرجة و من اليسار حادة و التالي باطل بالضرورة.

و أجود التعاريف ما ذكره المحقق في المعتبر من انها السمت الذي فيه الكعبة و مراده من السمت احدى الجهات الست فان الشخص إذا أحاطت به دائرة و وقع في مركزها يكون كل ربع

من الدائرة إحدى الجهات الأربع لذلك الشخص من اليسار و اليمين و القدام و الخلف فالمراد بالسمت هو الربع الذي وقعت الكعبة في جزء منه فيكفي بناء عليه توجه الوجه نحو ذلك الربع.

و توضيحه على ما افاده سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قدس سره- ان الوجه كما عرفت يكون ربع الدائرة المحيطة بالرأس تقريبا و هي تتشكل من الوجه و اليمين و اليسار و العنق أو القفا و قد مر ان الخطوط الخارجة من كل جزء من أجزاء محيط الدائرة لا تكون بنحو التوازى بل على نحو كلما كان طوله أكثر كان الفصل بينها أزيد و لكن لو فرض ثبوت دائرة كبيرة محيطة بهذه الدائرة لكان منتهى الخطوط الخارجة من الدائرة الصغيرة متساوية من حيث النسبة مع مبدأ الخطوط بمعنى ان الخطوط الخارجة من الدائرة الصغيرة الواقعة على الدائرة الكبيرة إذا خرجت من ربعها يكون منتهاها أيضا ربع الدائرة الكبيرة و هكذا إذا كان القوس الذي هو مبدئها ثلث الصغيرة يكون القوس الذي هو منتهاها ثلث الكبيرة فالنسبة محفوظة و ان كانت الخطوط غير متوازية و على ما ذكر فالدائرة الكبيرة في المقام هي دائرة الأرض لكونها كروية لكن المقصود منها خصوص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 509

..........

______________________________

الدائرة التي تمر بسطح الكعبة و تقع الكعبة في جزء من أجزاء محيطها فالمصلي إذا وقف في مركز هذه الدائرة يكون كل ربع من دورة رأسه محاذيا لربع الدائرة الكبيرة و لا محالة إذا وقف محاذيا للربع المشتمل على الكعبة تقع احدى الخطوط الخارجة من أجزاء وجهه على نفس الكعبة لما عرفت من عدم كون الفصل بين الخطوط الخارجة من ربع الدائرة الصغيرة أزيد

من ربع الدائرة الكبيرة فلا محالة تقع احدى خطوط الوجه على عين الكعبة غاية الأمر الفرق بين القريب و البعيد انما هو في ان القريب يلزم عليه ان يكون الخط الخارج من وسط وجهه واقعا على الكعبة و اما البعيد فيكفي له وقوع احدى الخطوط الخارجة من أجزاء وجهه و لو كان من طرف اليمين أو اليسار.

و بالجملة فالمراد من الجهة هو القدام الذي يكون احدى الجهات الأربع و هو الربع من الدائرة المحيطة بالمصلي المارة على عين الكعبة و مرجع الاكتفاء بالجهة إلى الاكتفاء بالتوجه نحو ذلك الربع لوقوع احدى الخطوط على الكعبة لا محالة كما عرفت.

و يدل على ذلك- مضافا الى لزوم الحرج الشديد و العسر الأكيد لو أوجبنا خروج ذلك الخط من وسط الوجه بالإضافة إلى البعيد أيضا و هو منفي في الشريعة- أمور:

الأول الآيات الشريفة الآمرة بتولية الوجه شطر المسجد الحرام فان الشطر بمعنى الناحية و الجانب و من المعلوم انحصار الجوانب في الأربع كما عرفت فجانب الكعبة هو الربع المشتمل عليها و ليس المراد وقوع الكعبة في وسطه فإنه مع إحراز ذلك لا يبقى مجال للتوجه الى الجانب ضرورة أن التوجه- ح- الى نفس الكعبة فالمراد هو الربع الذي وقعت الكعبة في جزء منه و عليه فمفاد الآيات الاكتفاء بالتوجه نحو ذلك الربع.

الثاني الروايات الدالة على وجوب الصلاة إلى أربع جهات مع اشتباه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 510

..........

______________________________

القبلة و تعذر الترجيح نظرا الى ان ظاهرها انه مع الإتيان بالصلوات الأربع و الصلاة إلى أربع جهات يكون المصلى مدركا للصلاة إلى القبلة الواقعية و تصير صلوته واجدة لشرط الاستقبال و هذا انما يتم بناء على

ما ذكرنا من ان القبلة هو الربع المشتمل على الكعبة و انه يكفى وقوع الخط الخارج من جزء من أجزاء الوجه عليها و ان لم يكن ذلك الجزء وسط الوجه و اما بناء على كون القبلة أضيق من الربع و أقل من ذلك المقدار يلزم الإتيان بأكثر من الصلوات الأربع كما لا يخفى فهذه الروايات شاهدة على ما ذكرنا.

الثالث الروايات الدالة على ان ما بين المشرق و المغرب قبلة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- انه قال: لا صلاة الا الى القبلة قال: قلت اين حدّ القبلة قال ما بين المشرق و المغرب قبلة كله قال قلت فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال: يعيد. «1»

و صحيحة معاوية بن عمار انه سئل الصادق- عليه السّلام- عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا فقال له قد مضت صلوته و ما بين المشرق و المغرب قبلة. «2»

و البحث في هاتين الروايتين يقع من جهات:

الاولى في المراد من المشرق و المغرب المذكورين فيهما و الظاهر انه ليس المراد منهما منتهى الخط الذي يقع من طرف اليمن و اليسار بالإضافة إلى الشخص الذي وقع في مركز الدائرة متوجها الى جانب القبلة و ان كان هو المفهوم منهما عند العرف فان المتفاهم عندهم من المشرق و المغرب هما الطرفان اللذان يتقاطع الخط الخارج منهما مع الخط الذي يخرج من نقطة الشمال الى الجنوب و عليه فيكون ما بينهما عبارة عن نصف الدائرة تقريبا بل الظاهر ان المراد منهما

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب التاسع ح- 2

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب العاشر ح-

1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 511

..........

______________________________

كل ما يصدق عليه انه مشرق للشمس أو مغرب لها و من المعلوم ان لها مشارق مختلفة و مغارب متفاوتة تطلع كل يوم من إحدى الاولى و تغرب في إحدى الثانية فالمراد مما بينهما هو المقدار الذي لا يصدق على جزء منه انه مشرق للشمس أو مغرب لها و بعبارة أخرى: المراد من المشرق هو ربع الدائرة الذي يكون مشرقا و من المغرب كذلك فالمراد مما بينهما هو الربع الواقع بين الربعين الذي لا يصدق على جزء منه شي ء من العنوانين.

و يدل على تعدد المشارق و المغارب- مضافا الى كونه محسوسا لا ريب فيه- قوله تعالى فَلٰا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشٰارِقِ وَ الْمَغٰارِبِ إِنّٰا لَقٰادِرُونَ. «1» بناء على ما حكى عن بعض المفسرين من كون المراد مطالع الشمس و مغاربها باختلاف أيام السنة و تعدد الفصول و ان كان في حمل الآية على ذلك تأمل الا ان التعدد غير قابل للإنكار و عليه فالظاهر ان المراد مما بينهما هو المقدار الخارج عن العنوانين و هو لا ينطبق الا على ربع الدائرة المفروضة كما لا يخفى.

الثانية في ان مفاد الروايتين هل هو كون ما بين المشرق و المغرب قبلة مطلقا في جميع الحالات و على جميع المكلفين بمعنى ان الحكم الاولى الثابت على الجميع هو ان القبلة ما بين المشرق و المغرب فهو قبلة واقعية لا يختلف فيها الحالات أو ان المراد كونه قبلة في الجملة؟ ربما يقال بالثاني نظرا الى ان مفاد الروايتين مجرد صدق عنوان الصلاة على الصلاة الواقعة الى ما بين المشرق و الغرب و اما كون ذلك الصدق ثابتا بنحو الإطلاق و في

جميع الموارد فلا يستفاد منهما أصلا و يمكن ان يختص ذلك بحال الاشتباه أو خطاء المجتهد في اجتهاده أو غيرهما من الاعذار و بالجملة فالعبارة الواقعة في الروايتين قضية مجملة لا دلالة لها على انها قبلة لجميع المصلين في جميع الحالات هذا و الظاهر ان المراد هو المعنى الأول و توضيحه:

______________________________

(1) سورة المشارق آية 40

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 512

..........

______________________________

ان الامام- عليه السّلام- ذكر في رواية زرارة انه لا صلاة الا الى القبلة و قد مر معناه و ان مفاده توقف انطباق عنوان الصلاة على كل فرد يؤتى به في الخارج بهذا العنوان على وقوعها إلى القبلة و ظاهره هو الوقوع إلى القبلة الواقعية ثم سئل زرارة عن حد القبلة المذكورة في الكلام و بعبارة أخرى سئل عن حد القبلة الواقعية و اجابه الإمام- عليه السّلام- بان ما بين المشرق و المغرب قبلة مع تأكيده بكلمة «كله» و من الواضح ظهور الجواب عن ذلك السؤال في كونه بيانا للقبلة الواقعية بحيث لو حمل على كونه قبلة في بعض الحالات و لبعض المصلين خصوصا مع ندرة تلك الحالة و قلة ذلك الفرد لا يلائم وقوعه جوابا لذلك السؤال أصلا فلا بد من ان يكون المراد هو كون ما بينهما قبلة واقعية و يؤيده السؤال بعد ذلك عن الصلاة الى غير القبلة و الجواب بوجوب الإعادة فتدبر و بالجملة لا مجال لإنكار ظهور صحيحة زرارة في كون المراد منها بيان القبلة الواقعية مطلقا.

و اما صحيحة معاوية بن عمار فيمكن ان يقال ان هذا التعبير بلحاظ وقوعه جوابا عن سؤال الانحراف عن القبلة يمينا أو شمالا ظاهر في ان القبلة أخص مما بين

المشرق و المغرب غاية الأمر ان الانحراف اليسير اشتباها لا يقدح في صحة الصلاة و مضيها و عليه فلا دلالة لهذه الصحيحة على كون ما بينهما قبلة مطلقا بل لها دلالة على عدمه و ان القبلة أخص من ذلك العنوان.

و لكن الظاهر ان المفروض في السؤال و ان كان هو الانحراف عن القبلة يمينا أو شمالا الّا ان جواب الامام- عليه السّلام- ردع للسائل عما توهمه من كون صلوته وقعت على غير القبلة و مفيد ان ما بين المشرق و المغرب قبلة فلا يكون الانحراف المتوهم متحققا أصلا.

و يدل عليه ظهورها في كون الجملة بمنزلة التعليل للحكم بمضيّ الصلاة و ما يصلح ان يكون تعليلا ليس الّا كون ما بينهما قبلة مطلقا لا لخصوص المعذور فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 513

..........

______________________________

فالإنصاف ان دلالة الصحيحتين على كون ما بينهما قبلة واقعية مطلقا مما لا مجال للمناقشة فيه أصلا الثالثة في معارضة بعض الروايات للصحيحتين كرواية عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال في رجل صلى على غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل ان يفرغ من صلوته قال: ان كان متوجها فيما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم و ان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة. «1» و رواية حسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على- عليهم السّلام- انه كان يقول من صلى على غير القبلة و هو يرى انه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا اعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق و المغرب. «2»

فان ظهور الروايتين في ان القبلة

أخص مما بين المشرق و المغرب و انّ الانحراف عنها قد يكون الى ما بينهما و قد يكون الى غيرهما مما لا يكاد ينكر فتعارضان مع الصحيحتين المتقدمتين.

و هل الجمع بينهما يقتضي جعل هاتين الروايتين شاهدتين على ان قضية كون ما بين المشرق و المغرب قبلة قضية مجملة لا دلالة لها على انه قبلة لجميع المكلفين و في جميع الحالات بل مفادها انه قبلة في الجملة كما يظهر ذلك من سيدنا العلامة الأستاذ- قدس سره- أو ان مقتضى التأمل بلحاظ ما عرفت من كون صحيحة زرارة كالصريحة في انه قبلة مطلقا بحيث لا تقبل الحمل على افادة كونه قبلة في الجملة حمل المشرق و المغرب في هاتين الروايتين على ما هو المفهوم منهما عند العرف بحيث يكون ما بينهما نصف الدائرة تقريبا و غرضهما بيان حكم الانحراف عن ربع القبلة إلى قريب النصف فمفاد الصحيحتين تعيين القبلة الواقعية و مفادهما بيان حكم الانحراف عنها فلا معارضة بينهما بوجه و هذا هو

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب العاشر ح- 4

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب العاشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 514

..........

______________________________

الظاهر عندي و عليه فلا معارض للصحيحتين في مفادهما أصلا.

ثم انه ذهب جماعة من محققي المتأخرين كصاحب الجواهر- قده- الى ان قبلة البعيد هي بعينها قبلة القريب و هي عين الكعبة و قد أفاد في وجهه ما ملخصه: «ان قبلة البعيد هي بعينها قبلة القريب فكما ان القريب المشاهد يجب ان يستقبل عين الكعبة فكذلك البعيد يجب ان يتوجه نحوها و هذا المعنى اى التوجه نحو العين ليس امرا ممتنعا لانه كما يصدق الاستقبال في المشاهد كذلك يصدق في البعيد

لانه لا يعتبر في صدقه وقوع خط المستقبل- بالكسر- على المستقبل- بالفتح- لان الاستقبال الذي أمر به أمر عرفي و هو يصدق عرفا بدون ذلك ضرورة تحققه في الأجرام المشاهدة من بعد و ان نقطع بعدم اتصال جميع الخطوط الخارجة بها. و الحاصل انه و ان كان يتوقف صدق الاستقبال الحقيقي على ذلك اى على وقوع خط المستقبل على المستقبل الا انه لا يعتبر في تحقق الاستقبال العرفي لما عرفت و الى ذلك يرجع ما هو المشهور بين الاعلام من ان الجسم كلما ازداد بعدا ازداد محاذاة لأنهم لا يريدون انه في صورة ازدياد البعد يكون صدق المحاذي الذي يقع خطه على المحاذي أوسع من صورة القرب لان وقوع خط المحاذي على المحاذي و عدمه لا فرق فيه بين محاذاة القريب و البعيد بل مرادهم انه في صورة كثرة البعد يكون صدق المحاذي على الأشخاص الذين وقعوا في مقابل الجسم في نظر العرف أكثر و أوسع من صورة القرب فعلى هذا لا إشكال في صحة الصلاة في الصورة المفروضة في كلام الشيخ- قده- لانه يصدق عرفا على كل واحد منهم انه مستقبل للكعبة و متوجه نحوها و ان كان بعض الخطوط الخارجة لا يقع عليها».

و مراده من الصورة المفروضة في كلام الشيخ- قده- هي الصورة التي استشكل بها على القائلين بان قبلة البعيد هي عين الكعبة و لأجلها رجح الأخبار الدالة على ان قبلته عين الحرم و هي صلاة الصف الطويل الذي كان طوله أزيد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 515

..........

______________________________

من طوله الكعبة و قال ان لازم ذلك القول بطلان صلاة بعض ذلك الصف لعدم وقوع الخط الخارج من الجميع

على عين الكعبة قطعا.

و قد أوضح ما أفاده في الجواهر صاحب المصباح بقوله: ان صدق الاستقبال مما يختلف بالنسبة إلى القريب و البعيد فإنك إذا استقبلت صفا طويلا بوجهك و كنت قريبا منهم جدا لا يكون قبلتك من أهل الصف الا واحدا منهم بحيال وجهك و لكنك إذا رجعت قهقرى بخط مستقيم الى ان بعدت منهم مقدار فرسخ مثلا لرأيت مجموع الصف بجملته بين يديك بحيث لا تميز من يحاذيك حقيقة عن الأخر مع ان المحاذاة الحقيقية لا تكون الا بينك و بين ما كانت أولا.

و قد صرح المحقق الحائري- قده- بأنه يصدق الاستقبال الحقيقي بذلك صدقا حقيقيا بلا تجوّز و عناية.

أقول و ان كان لا يترتب على هذا البحث ثمرة مهمة عملية لأنه لا فرق في صحة صلاة البعيد بين ان يكون وجهها توسعة القبلة و كونها الجهة بالمعنى الذي ذكرنا و بين ان يكون وجهها سعة دائرة الاستقبال حقيقة أو عرفا بالإضافة إلى البعيد مع كون القبلة هي عين الكعبة الا ان دعوى كون القبلة هي العين مخالفة للأدلّة المتقدمة الواردة في الجهة سيما الروايات المصرحة بان ما بين المشرق و المغرب قبلة بالمعنى الذي ذكرنا من كون المراد هو ربع الدائرة و انها قبلة مطلقا و في جميع الحالات فان مرجعها الى ان التوسعة انما هي في نفس القبلة لا في الاستقبال مضافا الى إمكان المناقشة في صدق الاستقبال الحقيقي بما ذكروه بل العرفي أيضا و اما المثال المذكور في عبارة المصباح فيمكن الإيراد عليه- مضافا الى أنه عكس ما نحن فيه- بان ازدياد البعد عن ذلك الصف يوجب ان يكون الصف كالشي ء الواحد في نظر المحاذي و من المعلوم ان الشي ء

الواحد لو وقع الخط الخارج من المستقبل- بالكسر- على بعض اجزائه لا يخرج عن صدق المحاذاة فالخط الخارج في المثال من المحاذي و ان كان يقع على بعض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 516

..........

______________________________

افراد ذلك الصف الا انه لما كان بمنزلة شي ء واحد و يكفي في محاذاته وقوع الخط على بعض اجزائه فلذا تصدق المحاذاة لذلك الصف.

و يمكن ان يكون الوجه في ازدياد سعة المحاذاة بالنسبة إلى البعيد ان الشخص لو كان قريبا من ذلك الصف لكانت الخطوط الخارجة من أجزاء وجهه واقعة على بعض افراد ذلك الصف و اما لو كان بعيدا عنهم لكانت تلك الخطوط واقعة على تمام افراده و السرّ فيه ما تقدم من ان الخطوط الخارجة من أجزاء الوجه لا تكون على نحو التوازى بل على نحو كلما كان طولها أزيد كان ازدياد البعد بينها أكثر و في البعيد لما كان طول الخطوط الخارجة أزيد من القريب فلذا يكون البعد بينها أكثر و مع ازدياد البعد لكانت الخطوط واقعة على جميع الافراد.

و اما الصورة المفروضة في كلام الشيخ- قده- فهي و ان لم تكن اشكالا على مختارنا من كون قبلة البعيد جهة الكعبة لا عينها لكنه يمكن الجواب عنها بناء على القول بالعين بل و بناء على اعتبار وقوع خط المستقبل على المستقبل في صدق الاستقبال أيضا بما ذكره في المصباح و استحسنه الأستاذ- قده- من ان الصف المذكور إذا رعوا كلهم رعاية صحيحة و توجهوا نحو الكعبة على طبق الأمارات التي عينت لهم شرعا كان لصفّهم لا محالة انحناء غير محسوس و الخطوط الخارجة من كل واحد منهم إلى الكعبة غير متوازية و السر في

عدم إحساس الانحناء هو ان المصلين إلى القبلة يقعون في الحقيقة في محيط دائرة أحاطت بالكعبة و وقعت في مركزها و من المعلوم انه كلما كان طول شعاع الدائرة أزيد كانت القسي المنقطعة عن سائر أجزاء محيطها أشبه بالخط المستقيم بحيث قد يبلغ إلى درجة لا يحس الانحناء أصلا.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا توسعة دائرة القبلة و عدم التضيق فيها و يدل عليها مضافا الى ما تقدم أمور:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 517

..........

______________________________

الأول: انه لم يقع التعرض لبيان ما هو الضابط للقبلة في لسان النبي و الأئمة- عليه و عليهم الصلاة و السلام- مع علمهم بأن أكثر المسلمين يكون بلادهم في النقاط البعيدة عن الكعبة و ثبوت الفصل بينها و بينها و مع وضوح ابتلائهم و احتياجهم إلى رعاية القبلة في كثير من الأمور التي عمدتها الصلاة و هي الأساس لسائر الاعمال ان قبلت قبل ما سواها و ان ردت ردّ ما سواها و اعتبارها فيها لا يختص بحال التوجه و الالتفات لأن القبلة من الأمور الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد و مع ذلك لم يقع التعرض لبيان ضابطة لها مع التعرض للأمور التي لا تقاس في الأهمية بالقبلة أصلا فإنه يعلم من ذلك انه لا يكون بناؤها على التضيق و رعاية الدقة و لزوم التوجه الى نفس العين بنحو يقع الخط الخارج من موقف المصلى إليها.

ان قلت الروايات المصرحة بان ما بين المشرق و المغرب قبلة تكون في مقام بيان الضابطة و إعطاء القاعدة و مفادها توسعة دائرة القبلة كما مر.

قلت نعم و لكنه يتوقف على ان يكون المراد منها ما ذكرنا من ان ما بين

المشرق و المغرب قبلة لعامة المكلفين و في جميع الحالات و ان المراد مما بينهما هو الربع الذي لا ينطبق على شي ء من اجزائه أحد العنوانين.

و يتحصل مما ذكر انه لا بدّ من الالتزام بكون هذه الروايات في مقام بيان الضابطة و لا محيص عن كون المراد منها ما ذكرنا و اما من الالتزام بعدم وقوع التعرض لبيان الضابطة في ألسنتهم- عليهم السّلام- و هو أيضا دليل على التوسعة غاية الأمر انه على التقدير الأول تكون التوسعة في ناحية نفس القبلة لأنها عبارة عن مجموع ما بين المشرق و المغرب و على التقدير الثاني تكون التوسعة المستفادة من عدم التعرض أعم من توسعة القبلة و توسعة الاستقبال كما لا يخفى.

الثاني: بعض الروايات الدالة على ان جعل الجدي في القفا امارة للقبلة كرواية محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن القبلة فقال ضع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 518

..........

______________________________

الجدي في قفاك و صلّه. «1».

و المراد من القفا اما ان يكون مقدار ما بين الكتفين و اما ان يكون هو المقدار الذي وقع ظهر الوجه و هو ربع الدائرة التي تتشكل من الوجه و العنق و طرفي اليمين و اليسار و على اى تقدير فمقتضى إطلاق الرواية عدم الاختصاص بوسط القفا بل يجوز وضعه في كل جزء من الاجزاء.

كما ان مقتضى الإطلاق عدم الاختصاص بحالتي ارتفاع الجدي و انخفاضه الذي يكون في الحالتين على دائرة نصف النهار بل يعم جميع حالات الجدي الذي هو نجم لا يزول و قد فسر في بعض الروايات قوله تعالى وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ بالجدي كما في رواية إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر

بن محمد عن آبائه قال قال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله-: وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، الجدي لأنه نجم لا يزول و عليه بناء القبلة و به يهتدي أهل البر و البحر. «2» و بالجملة ظاهر إطلاق الرواية عدم الاختصاص بالحالتين أصلا.

و اما من جهة كون المخاطب هو محمد بن مسلم و هو عراقي كوفي فلا ينبغي الإشكال في عدم كون وضع الجدي على القفا علامة لجميع المسلمين مع اختلاف بلادهم و تفاوت مناطقهم و لكنه لم يعلم ان هذه العلامة علامة لجميع أهل العراق أو لخصوص أوساطه كالكوفة التي كان الراوي منسوبا إليها و بغداد و مثلهما.

كما انه لم يعلم ان المراد من الرواية ان الرجوع الى هذه العلامة انما هو في خصوص صورة عدم التمكن من تحصيل العلم أو انه لا يختص بذلك بل يجوز للمتمكن أيضا ان يضع الجدي في قفاه و يصلى و لكن لا يبعد دعوى ان ظاهر الرواية عدم الاختصاص فهل يمكن القول باختصاص الاستفادة من هذه العلامة بما إذا لم يكن مثل الراوي قادرا على الوصول الى البلد و الدخول في مسجد الكوفة

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس ح- 1

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب الخامس ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 519

..........

______________________________

و تشخيص القبلة بسببه فالرواية من هذه الجهة مطلقة أيضا.

و بالجملة فالمستفاد من الرواية بلحاظ جعل الجدي مطلقا في القفا كذلك علامة لجميع بلاد العراق أو خصوص الأوساط منه مع ان أراضي العراق غير واقعة في شمال الكعبة حقيقة بل هي مائلة إلى الشرق ان القبلة مبتنية على التوسعة ضرورة ان اختلاف حالات الجدي و إطلاق أجزاء القفا يقتضي التوجه

إلى نقطة الجنوب تارة و الانحراف عنها قليلا اخرى و كثيرا ثالثة كما لا يخفى و هذا لا يتم الا مع التوسعة المذكورة و قد عرفت عدم اختصاص الرواية بغير المتمكن بل هي مطلقة و مرجعها الى جواز الرجوع الى هذه العلامة كذلك.

الثالث: ما جعله المحقق- قده- في الشرائع علامة لأهل العراق من جعل الجدي خلف المنكب الأيمن أو جعل عين الشمس وقت الزوال على الحاجب الأيمن أو جعل المشرق على الأيمن و المغرب على الأيسر فإن مقتضى هذه العلامات مختلف ضرورة ان المصلى لو عمل على طبق الأمارة الأولى يلزم ان ينحرف عن نقطة الجنوب نحو المغرب اما قليلا لو جعلنا المنكب عبارة عما بين المفصل و العنق و اما كثيرا لو جعلناه عبارة عما بين المفصل و العضد، و لو عمل على طبق الأمارة الثانية لزم الانحراف عن نقطة الجنوب نحو المشرق فان الشمس تكون في تلك الحالة على دائرة نصف النهار و جعلها في هذه الحالة على الحاجب الأيمن يستلزم الانحراف المذكور. و لو عمل على طبق الامارة الثالثة فاللازم ان يتوجه نحو نقطة الجنوب فمقتضى العلامات مختلف و لذا اعترض عليه جماعة من الأصحاب بذلك و لكن الذي يدفع الاعتراض كون أمر القبلة مبنيا على التوسعة بحيث لا يقدح فيها الاختلاف المذكور و دعوى عدم كون هذه الأمارات علامات لجميع أهل العراق بل يختص كل واحدة منها بطائفة من بلاد العراق فالعلامة الاولى تكون أمارة لأوساط العراق كالكوفة و بغداد و الثانية للبلاد الغربية كسنجار و موصل و الثالثة للبلاد الشرقية كالبصرة و ما والاها مدفوعة بعدم الشاهد عليها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 520

..........

______________________________

لعدم القرينة

على التخصيص مضافا الى ما ربما يقال من ان قبلة الأطراف الغربية من العراق كالموصل هي نقطة الجنوب دون الانحراف عنها الى جانب المشرق فهذه الدعوى ساقطة.

تتميم: ذكر المحقق في الشرائع بعد العلامات المتقدمة لأهل العراق انه يستحب لهم التياسر الى يسار المصلى منهم قليلا و ادعى في الجواهر انه المشهور نقلا و تحصيلا و استشكل على المحقق سلطان المحققين نصير الملة و الدين- على ما حكى عنه- لما حضر مجلس درسه يوما و اتفق الكلام في هذه المسألة بما يرجع الى ان التياسر أمر إضافي لا يتحقق إلا بالإضافة الى صاحب يسار متوجه إلى جهة فإن كانت تلك الجهة محصلة لزم التياسر عما وجب التوجه اليه و هو حرام لانه خلاف مدلول الآية و ان لم تكن محصلة لزم عدم إمكان التياسر إذ تحققه موقوف على تحقق الجهة التي يتياسر عنها فكيف يتصور الاستحباب بل المتجه- حينئذ- وجوب التياسر المحصل لها و اجابه المحقق بأنه من القبلة إلى القبلة ثم كتب في المسألة رسالة في تحقيق الجواب فاستحسنه المحقق المزبور و حكى عن الحدائق ان ابن فهد نقل الرسالة المزبورة بعينها في كتابه المهذب من أحب الوقوف على ذلك فليراجع الكتاب المذكور.

و ربما يقال بان مبنى الحكم المزبور ان القبلة للبعيد هي عين الحرم و الوقوف الى يسار المصلى منهم يوجب محاذاة العين قطعا لما في بعض الروايات من ان الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يسارها ثمانية أميال كلها اثنى عشر ميلا فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن القبلة لقلة أنصاب الحرم و إذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة.

و يؤيد هذا القول ما عن نهاية الشيخ-

قده- قال من توجه إلى القبلة من أهل العراق و المشرق قاطبة فعليه ان يتياسر قليلا ليكون متوجها الى الحرم بذلك جاء الأثر عنهم- عليهم السّلام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 521

[مسألة- 2 يعتبر العلم بالتوجه إلى القبلة حال الصلاة، و تقوم البينة مقامه على الأقوى]

مسألة- 2 يعتبر العلم بالتوجه إلى القبلة حال الصلاة، و تقوم البينة مقامه على الأقوى مع استنادها إلى المبادي الحسية و مع تعذرهما يبذل تمام جهده و يعمل على ظنه، و مع تعذره و تساوى الجهات صلى إلى أربع جهات ان وسع الوقت و الا فبقدر ما وسع، و لو ثبت عدمها في بعض الجهات

______________________________

و لكن الظاهر عدم كون مبنى الحكم المزبور ذلك لانه لا يجتمع مع ثبوت الشهرة عليه كما عرفت من الجواهر مع انه لو كان مبناه ذلك لكان الجواب عن المحقق المزبور بذلك اولى مع ان الظاهر ان استحباب التياسر ليس في مقابل التيامن فقط بل في مقابل عدم الانحراف أيضا و مقتضى المبنى المزبور نفى التيامن فقط كما لا يخفى.

و أحسن ما ذكر في هذا المقام ما أفاده العلامة المجلسي- قده- في مجلد الصلاة من كتاب بحار الأنوار حيث قال: «و الذي يخطر في ذلك بالبال انه يمكن ان يكون الأمر بالانحراف لان محاريب الكوفة و سائر بلاد العراق أكثرها كانت منحرفة عن خط نصف النهار كثيرا مع ان الانحراف في أكثرها يسير بحسب القواعد الرياضية كمسجد الكوفة فإن انحراف قبلته الى اليمين أزيد مما تقتضيه القواعد بعشرين درجة تقريبا و كذا مسجد سهلة و مسجد يونس و لما كان أكثر تلك المساجد مبنية في زمان خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها تقية فأمروا بالتياسر و عللوه بتلك الوجوه الخطابية لإسكاتهم و عدم التصريح بخطاء

خلفاء الجور و أمرائهم، و ما ذكره أصحابنا من ان محراب المعصوم لا يجوز الانحراف عنه انما يثبت ان الامام- عليه السّلام- بناه و معلوم انه- عليه السّلام- لم يبنه أو صلى فيه من غير انحراف و هو أيضا غير ثابت بل يظهر من بعض ناسخ لنا من الآثار القديمة عند تعمير المسجد في زماننا ما يدل على خلافه كما سيأتي ذكره، مع ان الظاهر من بعض الاخبار ان هذا البناء غير البناء الذي كان في زمن أمير المؤمنين- عليه السّلام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 522

بعلم و نحوه صلى الى المحتملات الأخر، و يعول على قبلة بلد المسلمين في صلوتهم و قبورهم و محاريبهم إذا لم يعلم الخطاء. (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

الأول في اعتبار العلم بالتوجه إلى القبلة في حال الصلاة و ذلك لانه مقتضى شرطية القبلة و اعتبار الاستقبال في صحتها فان لازمها وجوب إحرازها كما في سائر الشرائط و لا فرق في أسباب حصول العلم فان المعتبر هو حصوله من اىّ طريق سواء كان من طريق القواعد الرياضية أو من اخبار المعصوم أو صلوته أو بنائه قبرا أو محرابا ما لم يتطرق فيه احتمال التقية و نحوها أو من غير ذلك من الطرق.

و تقوم البينة مقام العلم لعموم حجيتها في الموضوعات على ما هو التحقيق نعم لا بدّ من ان تكون مستندة الى المبادي الحسية كما عرفت سابقا و قد مر أيضا عدم حجية خبر العادل الواحد فضلا عن الثقة في جميع موارد اعتبار البينة لمنافاتها لدليل حجية البينة الظاهر في اعتبار التعدد و العدالة كما لا يخفى.

و اما في خصوص باب القبلة فالعلامة

المنصوصة المذكورة في بعض الروايات المتقدمة هي الجدي فإن كانت موجبة للعلم كما لا تبعد دعواه بناء على ما ذكرنا من سعة دائرة القبلة و كونها عبارة عن مجموع ما بين المشرق و المغرب لعامة المكلفين في جميع الحالات و هو الربع من الدائرة التي تمر بالكعبة كما عرفت فإنه بناء عليه يكون جعل الجدي في القفا كما في الرواية أو على المنكب الأيمن كما في عبارة الشرائع موجبا للعلم بالقبلة و جهتها بالمعنى المذكور و عليه فلا وجه للبحث في ان المستفاد من الرواية الواردة فيه هل هو الاختصاص بغير المتمكن من تحصيل العلم أو الأعم منه و من المتمكن ضرورة انه على تقدير افادته العلم لا مجال لهذا الكلام نعم لو قلنا بعدم إيجابه للعلم و عدم افادته سوى الظن فللبحث المذكور مجال و لكن عرفت استظهار الإطلاق من الرواية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 523

..........

______________________________

و عدم الاختصاص بغير المتمكن نعم لا ينبغي الإشكال بلحاظ كون الراوي عراقيا كوفيا في الاختصاص بأهل العراق أو خصوص أوساطه كالكوفة و النجف و بغداد.

ثم انه على تقدير إيجابه العلم لا مجال للبحث في كونه أمارة شرعية أصلا كما لا يخفى و اما على تقدير عدم إيجابه العلم فيمكن ان يقال بأنه من الظنون الخاصة كالبينة و يمكن ان يكون من مصاديق مطلق الظن و ان ذكره ليس لأجل خصوصية فيه بل من جهة كونه مصداقا له.

نعم على التقدير الثاني لا بدّ من التخصيص بغير المتمكن للروايات الآتية الدالة على ان الرجوع الى الظن انما هو مع عدم العلم بوجه القبلة الظاهر في عدم إمكان تحصيل العلم به و على التقدير الأول

يجري فيه الاحتمالان كما عرفت.

و اما الأمارات الكثيرة المذكورة في كلمات الفقهاء كما مر بعضها في كلام الشرائع فإن كان مرادهم أنها مفيدة للعلم لتوسعة دائرة القبلة فلا مانع و ان كان مرادهم اعتبارها و لو مع عدم افادة العلم فلم ينهض عليه دليل لأن الامارة المفيدة للظن لا بدّ من قيام الدليل على اعتبارها و بدونه لا يترتب عليها شي ء نعم انما يصح الرجوع إليها لتحصيل الظن مع عدم إمكان تحصيل العلم لما يأتي من جواز الرجوع إليه في هذه الصورة و عليه فلا بد من ان تكون مفيدة للظن الفعلي لان مقتضى الدليل اعتباره في تلك الصورة.

الثاني: انه مع تعذر العلم و ما يقوم مقامه يجب التحري و العمل على طبق المظنة و لا يجب الاحتياط بتكرير الصلاة إلى أربع جهات وفاقا للمشهور و يدل عليه صحيحة زرارة قال قال أبو جعفر- عليه السّلام-: يجزى التحري أبدا إذا لم يعلم اين وجه القبلة. «1».

فإن التحري بمعنى البحث و التفتيش لحصول الطرف الراجح لان العمل على طبقه أحرى من العمل بالمرجوح و معنى الاجزاء هو الكفاية في مقابل

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب السادس ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 524

..........

______________________________

وجوب الاحتياط بالتكرار المذكور كما ان مرجعه الى لزوم التحري و عدم جواز الاكتفاء بالجهة التي يشاء نعم يمكن ان يكون المراد بالاجزاء هو الاجزاء بالنسبة إلى مقام العمل و جواز الدخول في الصلاة و الشروع فيها فلا تعرض في الرواية- حينئذ- لحال المكلف من جهة الإعادة و عدمها بعد انكشاف الخلاف و تبين كون الجهة التي صلى إليها غير القبلة، و يمكن ان يكون هو الاجزاء بالإضافة إلى

الواقع و معناه الكفاية و لو بعد انكشاف الخلاف و لعل هذا هو الظاهر من الرواية خصوصا مع ملاحظة كلمة «ابدا» كما لا يخفى و بالجملة فدلالة الرواية على اعتبار المظنة في باب القبلة مع عدم العلم بوجهها واضحة.

و يدل عليه أيضا موثقة سماعة قال: سألته عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم ير الشمس و لا القمر و لا النجوم قال اجتهد رأيك و تعمد القبلة جهدك. «1»

و مثلها مضمرة مهران التي رواها عنه سماعة. «2» و نحن و ان قربنا في بحث المواقيت ارتباط الرواية بباب الوقت و عدم تعرضها لمسألة التحير في القبلة بوجه الا ان مقتضى النظر الثانوي ان إنكار دلالتها على التعرض للقبلة مشكل و التوجيه المذكور هناك لقوله- عليه السّلام- و تعمد القبلة جهدك مما لا يقبله الذوق السليم فالإنصاف اختصاص الرواية بباب القبلة و لا أقل من دلالتها على حكمها أيضا مضافا الى الوقت و مفادها لزوم اعمال الجهد في تشخيص القبلة و ترتيب الأثر على مقتضى اجتهاده و ان كان الدليل لا ينحصر بها لما عرفت من دلالة صحيحة زرارة على ذلك.

و كيف كان ففي مقابل الروايتين خمس روايات لا بدّ من ملاحظتها و التأمل في التوفيق و الجمع و لزوم الأخذ بأي الطرفين على تقدير عدمه فنقول ثلاث منها واردة في المتحير و دالة على جواز الصلاة أينما توجه أو على لزومها الى

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب السادس ح- 2

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب السادس ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 525

..........

______________________________

اربع جهات و من المعلوم مخالفة كلا الحكمين للزوم التحري و ترتيب الأثر على طبق الراجح و هي:

صحيحة زرارة

و محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السّلام- انه قال: يجزى المتحير أبدا أينما توجه إذا لم يعلم اين وجه القبلة. «1»

و مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة قال سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قبلة المتحير فقال: يصلى حيث يشاء. «2»

و مرسلة الكليني قال بعد نقل المرسلة: و روى أيضا انه يصلى الى أربع جوانب. «3»

و المراد بالمتحير المذكور في هذه الروايات اما خصوص من لا علم كما يدل عليه قوله- عليه السّلام- في الرواية الأولى: إذا لم يعلم اين وجه القبلة و اما من لا علم له و لا ظن كما هو الظاهر من عنوان المتحير لان من كان ظانا بشي ء لا يكون عند العقلاء و العرف متحيرا في ذلك الشي ء فعلى التقدير الأول تكون المعارضة بينها و بين الروايتين الدالتين على لزوم التحري بالعموم و الخصوص لان موردهما من لا علم له و ان كان له ظن و مفادهما لزوم التحري فيجب تخصيصها بهما على ما هو مقتضى قاعدة الجمع.

ان قلت ان مورد الروايتين انما هو المتحير أيضا كمورد هذه الروايات ضرورة ان إيجاب التحري انما هو على المتحير فلا اختلاف بين الموردين و مورد قاعدة التخصيص ما إذا كان مورد الدليل المخصص خاصا بالإضافة إلى الدليل العام هذا مضافا الى ان التعبير في الطائفتين انما هو بالاجزاء و لا معارضة بين الاجزاءين قلت ان التأمل في الروايتين يقضى بكون موردهما هو المتحير الذي

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الثامن ح- 2

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب الثامن ح- 3

(3) الوسائل أبواب القبلة الباب الثامن ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 526

..........

______________________________

يقدر على التحري

و تحصيل المظنة لان إيجابه عليه يقتضي عدم شموله لجميع افراد المتحير فالمورد هو المتحير القادر و هو خاص بالإضافة إلى مطلق المتحير الوارد في الروايات و اما التعبير بالاجزاء في الروايتين فالمقصود منه عدم إيجاب تكرير الصلاة إلى أربع جهات فينافي مع المرسلة الدالة على الوجوب كما ان أجزاء التحري لا يلائم مع جواز الصلاة الى اىّ طرف شاء لعدم إمكان الجمع بين جوازها اليه و بين التحري الذي مرجعه إلى الصلاة إلى جانب مخصوص فالمعارضة بين الاجزاءين متحققة و قاعدة الجمع تقتضي ما ذكرنا من حمل هذه الروايات على المتحير غير القادر على التحري كما سيأتي الكلام فيه.

و على التقدير الثاني الذي يكون المراد بالمتحير من لا علم له و لا ظن كما لعله الظاهر بملاحظة ما ذكرنا لا ارتباط بينهما و بين هذه الروايات لان موردهما المتحير القادر على تحصيل الظن و هو لا يكون بمتحير أصلا و موردها هو المتحير و هو ما لا يكون قادرا على تحصيل شي ء من العلم و الظن كما هو ظاهر.

و واحدة من تلك الروايات الخمس واردة فيمكن لا يهتدى إلى القبلة و هي مرسلة الصدوق قال: روى فيمن لا يهتدى إلى القبلة في مفازة انه يصلى الى أربعة جوانب. «1» و الكلام فيها هو الكلام في الروايات المتقدمة من جريان الاحتمالين فيمن لا يهتدى و انه هل المراد به من لا يهتدى علما أو من لا يهتدى علما و لا ظنا و كذا في نتيجة الاحتمالين.

و الخامسة رواية خراش (خداش خ ل) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قلت جعلت فداك ان هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت علينا أو أظلمت

فلم نعرف السماء كنا و أنتم سواء في الاجتهاد فقال ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه. «2» و مورد هذه الرواية و ان كان صورة

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الثامن ح- 1

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب الثامن ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 527

..........

______________________________

المظنة بلحاظ ظهور كلمة الاجتهاد فيها و عليه فالتعارض بينها و بين الروايتين بنحو لا مجال للجمع أصلا لدلالتهما على جواز الاقتصار على الصلاة إلى الجانب الذي كان مقتضى اجتهاده ثبوت القبلة فيه و دلالة هذه الرواية على عدم الجواز و لزوم التكرير إلى أربع وجوه الا ان إرسال الرواية من جانب و ضعفها باعتبار خراش من جانب آخر لكونه مجهول الحال و لم يعلم استناد المشهور الى هذه الرواية في مسألة التكرير الآتية حتى يكون جابرا لضعفها يوجب عدم صلاحيتها للمعارضة مع الروايتين مضافا الى ما ربما يقال من ان مقتضاها ان الشيعة لا يعمل على طبق الاجتهاد و الظن أصلا و لو في مورد مع انه خلاف ما عليه علمائهم من العمل بالظن في موارد كثيرة كما في الركعتين الأخيرتين من الصلاة و غيره من الموارد.

فقد ظهر مما ذكرنا ان الروايات الخمسة لا تعارض الروايتين بوجه و ان اللازم هو الأخذ بمفادهما و الحكم بلزوم التحري مع إمكانه.

ثم ان مقتضى أخذ كلمة «التحري» و كذا كلمة «الاجتهاد» أو «الجهد» في الروايتين انما هو عدم جواز الاقتصار على الظن الابتدائي بالقبلة بل اللازم هو استفراغ الوسع و بذل الجهد و التفتيش و البحث و الفحص و لازمة اليأس عن الوصول إلى شي ء آخر كما ان مقتضى الكلمتين هو الفحص عن المعارض أيضا

فمجرد تحصيل الامارة الموافقة لا يكفى بل اللازم هو الفحص عن الأمارة المخالفة أيضا لتوقف الاجتهاد و كذا التحري على ذلك كما هو ظاهر و قد أشار الى الجهة الاولى بل الثانية في المتن بقوله: يبذل تمام جهده.

ثم ان الظاهر جواز ترك التحري و الصلاة إلى أربع جوانب مكانه لان الاجزاء في الروايتين كما عرفت انما هو في مقابل عدم لزوم التكرير لا في مقابل جوازه و اما من جهة الاكتفاء بالامتثال العلمي الإجمالي للقادر على الامتثال التفصيلي و لو ظنا فهو محرر في محله و ان مقتضى التحقيق هو الجواز

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 528

..........

______________________________

و لا يلزم منه الإخلال بشي ء مما يعتبر في العبادة أصلا الثالث: انه مع تعذر العلم و الظن لا بدّ من تكرير الصلاة إلى أربع جهات على المشهور شهرة عظيمة بين القدماء و المتأخرين كما في محكي الجواهر بل عن صريح الغنية و ظاهر غير واحد دعوى الإجماع عليه.

و عن ابن أبي عقيل و ظاهر ابن بابويه كفاية الصلاة إلى أية جهة شاء و عن المختلف نفى البعد عنه و عن الذكرى الميل اليه و اختاره صاحب الحدائق و عن جملة من محققي المتأخرين.

و الروايات الواردة في المسألة هي الروايات الخمسة المذكورة في المقام الثاني فاثنتان منها تدلان على كفاية الصلاة حيث يشاء و هما صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و مرسلة ابن أبي عمير و الثلاثة الباقية تدل على لزوم الصلاة إلى أربع جهات غاية الأمر ورود واحدة منها في مورد المظنة و الاجتهاد و دلالتها على حكم المقام انما هي بنحو الأولوية ضرورة ان وجوب الصلاة إلى أربع جهات مع إمكان

تحصيل الظن أو حصوله يدله على وجوبه مع التحير المحض بطريق اولى و الثلاثة الدالة على مذهب المشهور و ان كانت مرسلة بالإرسال غير المعتبر مضافا الى ثبوت الجهالة في بعضها و هي رواية خراش و الطائفة المعارضة بين صحيحة أو ما هي كالصحيحة لكون مرسلها ابن أبي عمير الا ان استناد المشهور إليها و اعراضهم عنهما يوجب انجبارها و القدح فيهما خصوصا مع ملاحظة اعتبارهما ذاتا و مع ان فتوى المشهور موافقة للقادة لعدم الدليل على سقوط شرطية القبلة في هذه الصورة بعد كون مقتضى الإطلاقات الواردة في القبلة ذلك خصوصا مثل قوله- عليه السّلام-: لا صلاة الا الى القبلة .. كما في رواية زرارة المتقدمة و من الواضح توقف إحراز الشرط على التكرير إلى أربع جهات لما عرفت من ان جهة الكعبة هو الربع من الدائرة المشتمل عليها فالصلاة الى الجهات الأربع توجب تحقق الصلاة إلى القبلة الواقعية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 529

..........

______________________________

و ربما يقال في مقام الجمع بين الطائفتين ان الثلاثة الدالة على مذهب المشهور محمولة على صورة التمكن من الصلاة إلى أربع جهات و الروايتين محمولتان على صورة عدم التمكن الا من صلاة واحدة و لكن الظاهر ان هذا الجمع غير مقبول عند العرف و العقلاء خصوصا مع ان عدم التمكن الا من صلاة واحدة فرض نادر قليل و من المستبعد حمل ما ورد جوابا عن السؤال عن قبلة المتحير على ذلك مع عموم السؤال و كذا ما يدل على ان الاجزاء انما هو بنحو الأبدية فإن حمله على ذلك في غاية البعد كما لا يخفى.

فالظاهر ان الروايتين ساقطتان عن الاعتبار لأجل إعراض المشهور عنهما نعم

نوقش في الصحيحة منهما و هي رواية زرارة و محمد بن مسلم بأنه ليس إلا في الفقيه دون الكافي و التهذيب و الاستبصار التي علم من عادتها التعرض لما في الفقيه سيما الأخير الذي دأبه ذكر النصوص المتعارضة فعدم ذكره ذلك معارضا مما يؤيد عدم كونه كذلك فيما عندهم من نسخ الفقيه و انه محرف بقلم النساخ عن الصحيح الأخر: يجزى التحري أبدا إذا لم يعلم اين وجه القبلة المعروف في كتب الأصحاب و قد حكى عن المحدث المجلسي- قده- الجزم بذلك مؤيدا له بتأييدات كثيرة.

ثم الظاهر انه يشترط في الصلاة إلى الجهات الأربع تقابل الجهات و انقسامها الى خط مستقيم بحيث يحدث منها زوايا قوائم لأنه مضافا الى ان المنساق من النص و الفتوى ذلك يكون إحراز الصلاة إلى القبلة الواقعية متوقفا على ذلك بعد ما عرفت من ان جهة الكعبة هو ربع الدائرة التي تمر بها و ان التوجه نحو ذلك الربع يوجب وقوع احدى الخطوط الخارجة من الوجه إلى الكعبة لا محالة فإنه بناء عليه لا محيص عن تقسيم الدائرة إلى الأربع و الصلاة الى كل ربع بحيث يعلم بوقوع احدى تلك الخطوط إليها و هو لا يتحقق مع عدم كون الزوايا قوائم كما لا يخفى و من المعلوم ان الأمر في النص بالتكرير أربعا لا يكون مولويا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 530

..........

______________________________

حتى يؤخذ بإطلاقه و تحصل موافقته بغير النحو المذكور بل هو إرشاد إلى القاعدة العقلية الحاكمة بوجوب التكرار لإحراز القبلة الواقعية و هو متوقف على النحو المذكور بلا اشكال.

الرابع إذا لم يتمكن من الصلاة إلى أربع جهات لضيق الوقت و عدم سعته فتارة لا

يتمكن الا من الصلاة إلى جهة واحدة و اخرى يتمكن من الصلاة إلى جهتين أو ثلاث جهات.

اما في الصورة الاولى فلا يجب عليه الا صلاة واحدة إلى جهة واحدة مخيرا في تعيينها و يدل عليه- مضافا الى الروايتين المتقدمتين الواردتين في المتحير الدالتين على انه يصلى أينما توجه و حيث يشاء بعد حملهما على صورة عدم تمكنه من الصلاة إلى أربع جهات لأجل المعارضة مع ما يدل على وجوبها إليها في مورد المتحير أيضا كما عرفت و ان ذكرنا ان هذا الحمل بعيد جدا الا انه على تقدير تماميته يثمر في هذه الصورة- ان الاستقراء و التتبع و ملاحظة الشرائط يقتضي الحكم بان للوقت خصوصية من بين الشرائط لا يعادلها شرط آخر و ان الشارع في مقام تزاحم الوقت مع غيره من الشرائط قد قدم الوقت و حكم بسقوط غيره نعم إلا في بعض الموارد و هو فاقد الطهورين بناء على عدم وجوب الصلاة عليه في الوقت و بالجملة فالوقت مقدم على سائر الشرائط عند التزاحم و- ح- فمقتضى القاعدة مع عدم التمكن الا من صلاة واحدة سقوط شرطية القبلة فلا محالة تكفى الصلاة إلى جهة واحدة و لازم ذلك عدم وجوب القضاء خارج الوقت لو انكشف عدم كون تلك الجهة التي صلى إليها جهة الكعبة نعم على تقدير كون المستند لوجوب صلاة واحدة هو الروايتين بعد الحمل المذكور يمكن ان يقال بأن غاية مفادهما هو الاكتفاء بها مع ثبوت المانع فإذا زال المانع يجب عليه الصلاة إلى بقية الجهات و لكن ذلك يبتنى على كون مفاد الروايتين بعد الحمل المذكور حكما شرعيا مولويا و اما إذا كان مفادهما الإرشاد إلى حكم العقل كما عرفت

نظيره فلا يبقى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 531

..........

______________________________

لهما دلالة زائدة على ما ذكرنا و هو سقوط شرطية القبلة لا محالة و عدم وجوب القضاء خارج الوقت و هذا هو الظاهر.

و اما في الصورة الثانية و هي ما إذا تمكن من الصلاة إلى جهتين أو ثلاث جهات ففي وجوب صلاة واحدة إلى جهة واحدة أو وجوب مقدار تمكن منه خلاف مقتضى إطلاق المتن هو الثاني و المحكي عن بعض هو الأول و استدل له بان وجوب الصلاة إلى الجوانب الأربعة انما هو لأجل كونها مقدمة للعلم بتحقق الواجب الواقعي و إحراز الصلاة إلى القبلة الواقعية و من المعلوم ان المقدمة العلمية انما تجب مع تحقق العلم بعدها و اما مع عدم إمكان تحققه فغير واجبة عند العقل كما في المقام لان المفروض ان المكلف غير قادر على الإتيان بجميع المحتملات التي توجب العلم.

و أورد عليه بان العلم بتحقق الواجب الواقعي ليس واجبا مستقلا في مقابل نفس الواجب الواقعي حتى تجب مقدماته الوجودية و استحق المكلف بموافقته المثوبة و بمخالفته العقوبة بل المكلف لما توجه اليه التكليف الصادر من المولى و علم به يحكم العقل عليه بوجوب امتثاله فإذا كان قادرا على الامتثال اليقيني يحكم عليه بوجوبه و إذا لم يتمكن منه فالعقل يحكم عليه بوجوب السعي و تحصيل الجهد في حصول مراد المولى و مقصوده فإذا تمكن من الامتثال الظني يحكم عليه بوجوبه فإذا جهد و سعى غاية السعي و لم يصادف المأتي به للواجب الواقعي فهو معذور عنده و فيما نحن فيه تكون غاية السعي هو إتيان مقدار يتمكن منه من المحتملات فإنه و ان لم يتمكن من الموافقة

القطعية الا ان الموافقة الاحتمالية إذا كانت من وجوه متعددة بعضها أقرب الى الامتثال اليقيني من بعض آخر يحكم العقل بوجوب إتيان ما هو أقرب فلا محيص عن الإتيان بقدر ما وسع.

هذا و لكن يمكن ان يقال ان حفظ شرطية الوقت و الاهتمام به و تقديمه على سائر الشرائط كما عرفت يقتضي سقوط شرطية القبلة في هذه الصورة أيضا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 532

..........

______________________________

لأن الجمع بينه و بين اعتبار القبلة مع عدم تمكن المكلف من إحراز الصلاة إلى القبلة الواقعية المتوقف على التكرير إلى أربع جهات مما لا يكاد يمكن فمع الاهتمام بالوقت لا بدّ و ان ترفع اليد عن شرطية القبلة و مع رفع اليد عنها لا يبقى مجال للصلاة إلى أزيد من جهة واحدة و ما افاده المورد من تقدم بعض وجوه الموافقة الاحتمالية على البعض الأخر انما يتم فيما إذا كان ذلك البعض أقرب من جهة الاحتمال كما إذا كان احتماله راجحا و اما إذا لم يكن كذلك كما في المقام لانه لا يحصل بالصلاة إلى أزيد من واحدة ظن بالموافقة و لا يكون التكرير موجبا لقربها فلا وجه للتقدم أصلا فالظاهر في هذه الصورة ما افاده البعض المتقدم من كفاية صلاة واحدة فتدبر.

الخامس: لو ثبت عدم القبلة في بعض الجهات بالعلم أو بالبينة صلى الى المتحملات الأخر لما عرفت من ان الأمر بالصلاة إلى أربع جهات بالإضافة إلى المتحير ليس امرا مولويا يكون مقتضى إطلاقه ثبوته و لو مع العلم بعدم القبلة في بعض الجهات بل يكون أمرا إرشاديا الى ما هو مقتضى حكم العقل و من المعلوم انحصار حكمه بما إذا كان كل واحدة

من الجهات محتملة للقبلة فاللازم مع العلم بالعدم في بعض الجهات تكرار الصلاة إلى بقية الجهات لعين الملاك نعم لو حصل له الظن بالعدم في بعض الجهات فهل يجوز له الاقتصار على غيره من الجهات أم لا بدّ من التكرار إلى أربع؟ و الظاهر هو الثاني لأن حجية الظن المستفاد من دليل التحري مقصورة على الظن التفصيلي بجهة القبلة و لا ملازمة بين حجية الظن التفصيلي و بين حجية الظن الإجمالي و بعبارة أخرى المتفاهم عند العرف من دليل اعتبار الظن هو الظن بثبوت القبلة في جانب خاص لا الظن بعدمها فيه مع التردد في سائر الجهات.

السادس انه يجوز التعويل على قبلة بلد المسلمين في صلوتهم و قبورهم و محاريبهم في الجملة و عن التذكرة و كشف الالتباس الإجماع عليه و لا حاجة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 533

..........

______________________________

الى إقامة الدليل على حجيتها مع فرض افادتها للعلم بجهة القبلة لحجيته من اى طريق حصل كما هو شأن القطع الطريقي و اما مع عدم افادتها سوى الظن بالجهة فمع عدم التمكن من تحصيل العلم بالقبلة و لا تحصيل الظن الأقوى يكون الدليل على الحجية هو الدليل الوارد في التحري الدال على اعتبار الظن الحاصل به فإنها أيضا من مصاديق التحري و طرقه.

و اما مع التمكن من تحصيل العلم أو الظن المذكور فالدليل على الحجية هي السيرة القطعية العملية المستمرة من زمن الأئمة- ع- و في جميع الأعصار و الأمصار بحيث لا مجال لإنكارها و لا لإنكار شرعيتها مع كونها بمرئي و مسمع من الأئمة- عليه السّلام- و دعوى اختصاصها بصورة عدم التمكن من تحصيل العلم مدفوعة بما نشاهده من ثبوت السيرة

في صورة التمكن من تحصيل العلم أيضا فضلا عن التمكن من تحصيل الظن فالإنصاف كما في الجواهر حجية قبلة البلد مطلقا.

ثم انه قد قيد الجواز في المتن تبعا للأصحاب بما إذا لم يعلم الخطأ فيها و مقتضاه انه مع عدم العلم بالخطاء و لو كان هناك ظن غالب به يجوز التعويل و هذا ليس بواضح فإنه لم يعلم ثبوت السيرة في مورد الظن الأقوى على الخلاف لو لم نقل بالعلم بعدم الثبوت و لا فرق في ذلك بين ان يكون الظن بالخلاف راجعا إلى أصل جهة القبلة أو الى التيامن و التياسر غاية الأمر ثبوت الفرق من جهة ندرة حصول الظن بالخلاف من حيث الجهة بخلاف التيامن و التياسر و لكنه لا يقتضي الفرق في الحكم بعد حصول الظن فما عن الذكرى و جامع المقاصد من انه لا يجوز الاجتهاد في الجهة قطعا لان الخطاء في الجهة مع استمرار الخلق و اتفاقهم ممتنع بخلاف التيامن و التياسر غير ظاهر بعد فرض الظن الأقوى على الخطاء في أصل الجهة و دعوى امتناع حصوله لا ترتبط بالحكم.

و بالجملة فالظاهر اختصاص الجواز بما إذا لم يكن هناك ظن غالب على الخطاء و الغلط من دون فرق بين صور الخطاء أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 534

[مسألة- 3 المتحير الذي يجب عليه الصلاة إلى أزيد من جهة واحدة لو كان عليه صلاتان]

مسألة- 3 المتحير الذي يجب عليه الصلاة إلى أزيد من جهة واحدة لو كان عليه صلاتان فالأحوط أن تكون الثانية إلى جهات الاولى كما ان الأحوط ان يتم جهات الاولى ثم يشرع في الثانية و ان كان الأقوى جواز إتيان الثانية عقيب الاولى في كل جهة. (1)

______________________________

(1) المتحير الذي يجب عليه الصلاة إلى أربع جهات- مثلا- لو كان

عليه صلاتان مترتبتان كالظهرين فلا إشكال في انه يجوز له الشروع في محتملات الواجب الثاني بعد استيفاء محتملات الأول- سواء كان الشروع في الثاني على طبق الشروع في الأول أم لا- كما انه لا إشكال في عدم جواز استيفاء محتملات الثاني قبل استيفاء الأول و لا في عدم جواز الشروع في محتملات الثاني قبل استيفاء الأول على نحو يغاير الشروع في الأول كما هو ظاهر إنما الإشكال في جواز الإتيان بهما مترتبا كما إذا صلى الظهر إلى جهة و العصر الى تلك الجهة ثم صلى الظهر، إلى جهة أخرى و العصر إليها و هكذا و نظيره ما إذا تردد بين القصر و الإتمام و أراد الجميع بينهما فهل يجوز له ان يصلى الظهرين قصرا ثم تماما أو بالعكس أم لا يجوز الشروع في العصر قبل الإتيان بالظهر قصرا و تماما.

و اختار المحقق النائيني- قدس سره- عدم الجواز بناء على مبناه من ترتب الامتثال الإجمالي على الامتثال التفصيلي و تأخره عنه نظرا الى ان في المقام جهتين. إحديهما إحراز القبلة و هو لا يمكن بنحو التفصيل على ما هو المفروض فيجتزى من جهته بالامتثال الإجمالي و الأخرى إحراز الترتيب بين الصلاتين و هو بمكان من الإمكان لجواز الإتيان بجميع محتملات الواجب الأول ثم الشروع في الثاني و عليه يعلم حين الاشتغال بمحتملات العصر بوقوع الظهر قطعا و حصول الترتيب جزما، و عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 535

..........

______________________________

العلم بان العصر الواقعي هل هو المحتمل الأول أو الوسط أو الأخير انما هو للجهل بالقبلة لا الجهل بالترتيب، و سقوط اعتبار الامتثال التفصيلي بالإضافة إلى شرط- لعدم الإمكان- لا يوجب سقوط اعتباره بالنسبة

الى ما يمكن من الشرائط كالترتيب في المقام فلا وجه لرفع اليد عن هذه الجهة التي لها دخل في الامتثال أصلا.

و أورد عليه سيدنا العلامة الأستاذ الماتن- دام ظله- مضافا الى منع المبنى نظرا الى ان الامتثالين انما يكونان في رتبة واحدة و لا يكون الإجمالي متأخرا عن التفصيلي بمنع البناء نظرا إلى انه لا فرق بين هذه الصورة و بين ما إذا شرع في محتملات الثاني بعد استيفاء الأول و لا يكون الأمر في المقام دائرا بين الموافقة الإجمالية و التفصيلية و ذلك لان كل واحد من محتملات العصر لو صادف القبلة فقد اتى قبله بالظهر و يتحقق الترتيب واقعا و غير المصادف منها عمل لا طائل تحته كغير المصادف من الأخر و لا ترتيب بينهما.

و بالجملة الترتيب أمر إضافي يتقوم بثلاثة أمور: وجود الظهر، و وجود العصر، و تأخر الثاني عن الأول و لا مجال لحصول العلم التفصيلي بتحقق هذا الأمر الإضافي بعد عدم كون العصر معلوما إلا بالإجمال فلا فرق بين الصورتين.

ثم انه قد ظهر مما ذكر انه لا يجوز التمسك لعدم جواز الشروع في العصر كذلك باستصحاب عدم الإتيان بالظهر الواقعي لأن ما يترتب عليه انما هو عدم جواز الدخول في العصر الواقعي و نحن أيضا نقول به و لذا لا نحكم بجواز الإتيان بجميع محتملات العصر قبل الفراغ اليقيني من الظهر و لكن ندعي ان ما يأتي به هو العصر الواقعي لو كانت الصلاة السابقة عليه هي المأمور بها الواقعية و على هذا فترتبه على الظهر ثابت في جميع محتملاته.

نعم ربما يقال بان الوجه في عدم جواز الشروع في العصر قبل استيفاء محتملات الأول هو انه قد علم من الشرع-

بمقتضى الأدلة- ان الاشتغال بالعصر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 536

..........

______________________________

انما يجوز بعد العلم بالفراغ من الظهر فمع الشك في الفراغ عنه لا يجوز الاشتغال بالأمر المترتب عليه و دعوى ان الاشتغال غير الجائز انما هو الاشتغال بالعصر الواقعي و في هذه الصورة لا يعلم كونه هو العصر الواقعي بل كونه عصرا يلازم كون السابق ظهرا فلا وجه لعدم جواز الاشتغال به.

مدفوعة بأن المستفاد من الأدلة مثل دليل العدول و نحوه ان الشارع لم يرض بالاشتغال بصلاة بعنوان أنها الصلاة اللاحقة إلا بعد العلم بفراغ الذمة عن التكليف بالصلاة السابقة فمع الشك في الفراغ عن عهدة تكليف الظهر كيف يجوز الشروع في صلاة بعنوان انها صلاة العصر.

هذا و لكن استفادة هذا القول من الأدلة مشكلة فإن مفادها مجرد لزوم ترتب العصر على الظهر و تأخرها عنها و اعتباره في صحة العصر و اما عدم ارتضاء شارع بالاشتغال بصلاة بعنوان انها يحتمل كونها الصلاة اللاحقة قبل العلم بفراغ الذمة عن التكليف بالصلاة السابقة فلم يظهر من الأدلة و الاخبار الواردة في العدول لا دلالة لها على ذلك أصلا لأن مفادها لزوم العدول مع إمكانه و الالتفات الى عدم تحقق الترتيب فالإنصاف انه لا مجال لإنكار جواز الشروع في محتملات الواجب الثاني بالنحو المذكور أصلا.

بقي في مسألة اشتباه القبلة فروع ينبغي التعرض لبعضها:

منها لو كان من عليه صلاتان مترتبتان كالظهرين- مثلا- غير متمكن الأمن الإتيان بأربع أو ثلاث أو اثنتين فهل يجب عليه ان يصليها للظهر إلا واحدة يصليها للعصر أو انه يجب عليه ان يصليها جميعا للعصر وجهان مبنيان على ان المقدار الذي يختص بالعصر من آخر الوقت هل هو مقدار

الصلاة إلى القبلة الواقعية و هي أربع ركعات بالإضافة إلى الحاضر فلا يختلف باختلاف حال المكلف من حيث العلم بالقبلة و الجهل بها أو مقدار ما يجب على المكلف إتيانه فيختلف باختلاف حاله كالقصر و الإتمام فإن المقدار الذي يختص بالعصر من الوقت للمسافر هو مقدار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 537

..........

______________________________

إتيان ركعتين و للحاضر مقدار اربع ركعات و بعبارة أخرى هل المراد من الوقت الاختصاصى ما تفعل فيه الفريضة بنفسها أو ما تفعل فيه الفريضة بمقدماتها العلمية فعلى الأول لا يجوز صرف الجميع في العصر بل اللازم إبقاء واحدة للعصر و الإتيان ببقية المحتملات للظهر أو بواحدة لها أيضا على الخلاف المتقدم في انه مع عدم إمكان إحراز القبلة بإتيان جميع المحتملات هل اللازم استيفاء البقية لكونها أقرب الى الواقع أو انه لا يجب- ح- إلا واحدة لعدم تفاوت في مرتبة الموافقة الاحتمالية من جهة الاحتمال و على الثاني يجب صرف الجميع في العصر لو كان المقدور اربع صلوات و لو كان أقل منها يجب الباقي أو خصوص الواحد على الخلاف.

هذا و استظهر سيدنا العلامة الأستاذ- قدس سره- الأول و لكن لا تبعد دعوى الثاني و ان اختلاف حالات المكلف من حيث العلم و الجهل بالقبلة أو بالطهارة أو بغيرهما موجب لاختلاف مقدار الوقت الاختصاصى كاختلاف المكلفين في البطء و السرعة و نحوهما فان المستفاد من دليل الاختصاص هو اختصاص المقدار من الوقت الذي لا محيص للمكلف من ان يصرفه في الصلاة اللاحقة فلا فرق في ذلك بين الفريضة بنفسها و بينها بمقدماتها العلمية فتدبر.

و منها ما لو تمكن في الفرض المذكور من الإتيان بالزائدة على الأربع و لكن

لم يتمكن من الثمان بل تمكن من الإتيان بخمس أو ست أو سبع فهل يجب عليه إيراد النقض على الاولى و صرف الوقت في محتملات الثانية أو انه يجب عليه رعاية محتملات الاولى و إيراد النقض على الثانية وجهان مبنيان على الاحتمالين المذكورين في الفرع السابق و هما ان المراد بالوقت الاختصاصى للعصر هل هو مقدار الفريضة بنفسها أو مقدارها بمقدماتها العلمية فعلى الأول يجب إيراد النقص على الثانية و على الثاني على الاولى.

و احتمل في العروة ثبوت التخيير بين الأمرين و أورد عليه بأنه لا وجه لهذا الاحتمال لأن الأمر دائر بين الوجهين اما ان نقول باختلاف مقدار وقت صلاة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 538

..........

______________________________

العصر باختلاف حالات المكلفين من حيث العلم بالقبلة و الجهل بها و اما ان نقول بعدم الاختلاف فعلى الأول يتعين إيراد النقص على الاولى و على الثاني يتعين إيراده على الثانية و لا يبقى وجه للتخيير بين الأمرين.

و لكنه ربما يقال في وجهه بناء على اختصاص مقدار الصلاة إلى القبلة الواقعية بالعصر بان الأمر يدور بين الوجهين أحدهما حفظ شرطية القبلة في صلاة الظهر و سقوطها بالنسبة إلى صلاة العصر و الأخر عكس ذلك لان ما سوى الوقت المختص بالعصر مشترك بينه و بين الظهر فيمكن رعاية القبلة في الأولى بإتيان جميع محتملاتها و سقوطها في الثانية و يمكن العكس و حيث لا مرجح لأحدهما على الأخر فيجب الحكم بالتخيير.

و يرد عليه ان عدم رعاية القبلة في صلاة الظهر التي هي الصلاة المتقدمة لا بدّ و ان يكون مستندا الى ما يوجب سقوط شرطيتها و ما يوجب ذلك ليس الا العجز عنها و عدم

القدرة عليها و المفروض ثبوت القدرة بالإضافة إلى صلاة الظهر بالإتيان بجميع المحتملات و كون صرف القدرة في الصلاة المتقدمة موجبا لسلبها بالإضافة إلى اللاحقة المتأخرة لا يسوغ صرفها فيها و لا التخيير بين الأمرين فإن التكليف الفعلي بالصلاة إلى القبلة الواقعية بالنسبة إلى الظهر لا يكون له مانع فلا مجال لعدم رعايتها فيها و ليس ذلك لأجل ترتب الثانية على الاولى و اشتراط وقوعها في صحتها بل لأجل ثبوت التكليف الفعلي بالإضافة إلى الأولى الا ترى انه لو كان الشخص غير قادر على مراعاة القبلة- مثلا- في إحدى الصلاتين كالظهر و المغرب بمعنى انه لا يقدر على مراعاتها في كلتيهما بل يتمكن من حفظها في خصوص إحديهما فهل يجوز له ان يراعى القبلة في الصلاة اللاحقة دون السابقة مع ان المغرب لا تكون مترتبة على الظهر غاية الأمر ان الترتب في المقام اقتضى تكليف الصلاة السابقة و لزوم رعايته أولا فالتكليف الفعلي الثابت مع فرض القدرة يجب ان يراعى بجميع الخصوصيات و لا يسوغ ترك البعض رعايته في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 539

..........

______________________________

تكليف أخر كما لا يخفى.

هذا و يمكن ان يقال في وجه تخيير العروة انه حيث لم يثبت من الأدلة ان الوقت الاختصاصى للعصر هل هو مقدار صلاة الفريضة بنفسها أو مقدارها بمقدماتها العلمية فاللازم هو الحكم بالتخيير لدوران الأمر بين تعين النقص على الاولى و بين تعينه على الثانية فلا مجال لغير التخيير مع عدم ثبوت الرجحان لشي ء من الأمرين و يدفعه انه مع عدم الاستفادة من الدليل يكون مقتضى الاستصحاب هو بقاء الوقت الاشتراكى الى ان يبقى مقدار صلاة الفريضة بنفسها فيتعين- ح- إيراد النقص

على الثانية فتدبر.

و منها ما إذا كان المكلف المتحير متمكنا من الصلاة إلى الجوانب الأربعة و لم يأت بها حتى زال تمكنه و بقي متمكنا من إحداها فالكلام يقع تارة فيما هو وظيفته فعلا و اخرى في وجوب القضاء بعد الوقت و ثالثة في تحقق العصيان و عدمه اما من الجهة الاولى فلا ينبغي الإشكال في ان وظيفته الفعلية هو الإتيان بما يتمكن منه من الصلاة إلى إحدى الجهات و مرجعه الى سقوط شرطية القبلة في هذا الحال لما مر من عدم مزاحمة شرطية القبلة مع الوقت كما يعلم بالاستقراء و التتبع في موارد مزاحمة الوقت مع سائر الشروط بل بعض الاجزاء كسقوط السورة عند ضيق الوقت فان المستفاد منها ان الشارع قد اهتم بالوقت و لم يسقط شرطيته في صورة المزاحمة مع الشروط الأخر و في المقام مقتضى ذلك سقوط شرطية القبلة مع عدم التمكن الا من الواحدة لأن الجمع بين وقوع الصلاة في الوقت و اعتبار الاستقبال فيها ممتنع و أهميته الوقت توجب الحكم بسقوط شرطية القبلة فلا ينبغي الإشكال- ح- في ان وظيفته الفعلية هي صلاة واحدة و القبلة ساقطة عن الشرطية.

و اما من الجهة الثانية فالظاهر عدم وجوب القضاء عليه لانه معلق على الفوت و هو غير متحقق لأنك عرفت ان ضيق الوقت أوجب سقوط شرطية القبلة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 540

..........

______________________________

فالصلاة الواقعة كانت واجدة لجميع الشروط المعتبرة فيها و الخصوصيات الدخيلة في صحتها فلم يتحقق فوت الواجب حتى يجب قضائه و ليس الحكم بوجوب الواحدة في الوقت لأجل انها أحد المحتملات حتى يلزم الإتيان ببقية المحتملات خارج الوقت و يكون الإتيان بالمجموع موجبا للعلم

بوقوع الصلاة إلى القبلة بل لما عرفت من انه انما هو لأجل سقوط شرطية القبلة مع المزاحمة مع شرطية الوقت و مع السقوط لا يبقى مجال للقضاء و الإتيان ببقية المحتملات أصلا.

و اما من الجهة الثالثة فالظاهر ثبوت العصيان و تحقق المخالفة العمدية و ان كان ربما يقال بعدم تحقق العصيان نظرا الى ان الأمر قد تعلق بطبيعة الصلاة و التخيير بين أفرادها في أجزاء الوقت عقلي و من المعلوم ان الشرائط تختلف باختلاف حالات المكلف في أجزاء الوقت ففي حالة وجدان الماء تكون الصلاة مع الطهارة المائية مصداقا لطبيعة الصلاة التي هي المأمور بها و في حالة فقدان الماء تكون الصلاة مع الطهارة الترابية مصداقا لها. و في حالة تمكن المكلف من الصلاة إلى القبلة الواقعية تكون الصلاة إليها مصداقا لها و في حالة عدم التمكن تسقط شرطية القبلة و تكون الصلاة إلى أية جهة مصداقا لها.

و لكن الظاهر ثبوت العصيان لان العنوانين المتقابلين إذا كانا عرضيين كعنوانى المسافر و الحاضر فالحكم كما ذكر من انه لا يجب على المكلف حفظ أحد العنوانين بعدم الخروج منه الى الأخر بل يجوز التبديل دائما سواء كان قبل تحقق التكليف و تنجزه أو بعده لعدم اقتضاء التكليف حفظ موضوعه.

و اما إذا لم يكن العنوانان كذلك بل كانا طوليين فلا يجوز الانتقال من العنوان الأول إلى الأخر و ذلك كما في مسألة وجدان الماء و فقدانه فان المستفاد من دليل التيمم ان الانتقال اليه انما هو في صورة الاضطرار و اللابدية و مرجعه الى عدم كون الصلاة معه وافية بتمام المصلحة المتحققة في الصلاة مع الطهارة المائية و كما في المقام فان سقوط شرطية القبلة في مفروض المسألة

انما هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 541

..........

______________________________

للعجز و عدم القدرة على رعاية القبلة الواقعية و من المعلوم انه لا يجوز التعجيز اختيارا و لا يسوغ الانتقال الى العنوان الاضطراري و لذا حكموا بعدم جواز اراقة ماء الوضوء و كذا إبطاله و إيجاد حالة العجز فالعصيان تحقق في مثل المقام.

و منها ما إذا علم المتحير بعد الإتيان بمحتملات ما يجب عليه تكراره و اعتقاد رعاية الجميع بأنه لم يأت بجميعها بل ترك واحدا منها إجمالا أو تفصيلا كما إذا علم بترك الصلاة إلى جهة الأيسر- مثلا- فهل يجب عليه الإتيان بما علم انه لم يأت به في الوقت أو بعده أو لا يجب؟ وجهان:

من جريان قاعدة الفراغ إذا شك بعد الوقت بالنسبة إليه لأنه و ان كان عالما بترك بعض المحتملات الا انه بالإضافة إلى المأمور به الواقعي الذي هي الصلاة إلى القبلة الواقعية يكون شاكا و بعبارة أخرى هو شاك بعد الفراغ في انه هل كان المأتي به واجدا للقبلة المعتبرة فيه أم لا فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ و كذلك يكون شاكا بعد الوقت في انه هل تحقق منه الصلاة إلى القبلة الواقعية أم لا فلا مانع من جريان قاعدة الشك بعد الوقت.

و من عدم الدليل على الفرق بين المقام و بين ما إذا اقتصر على ثلاثة محتملات عالما ملتفتا الا مجرد تخيل الإتيان بالجميع و اعتقاده في زمان و هل يكون ذلك فارقا فإنه كيف يوجب الاعتقاد به سقوط شرطية القبلة على تقدير عدم تحققها فيما اتى به من المحتملات و مع عدم السقوط يكون حكم العقل بلزوم إحراز القبلة بالإتيان بالجميع بحاله من دون ان

يحدث فيه فتور أو قصور و مورد جريان قاعدة الفراغ هو ما إذا شك في اشتمال العمل على جميع اجزائه و شرائطه و مرجعها الى رفع اليد عن الجزء و الشرط المشكوك على تقدير الإخلال به و اما المقام فليس فيه الا مجرد التخيل و الاعتقاد في زمان مع انكشاف خلافه بعده و كيف يكون ذلك موجبا لسقوط شرطية القبلة و مع عدمه لا محيص عن الإتيان بالمحتمل الفائت في الوقت و في خارجه غاية الأمر انه لو كان معلوما بالتفصيل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 542

..........

______________________________

لكان اللازم الإتيان به بالجهة التي علم بعدم الإتيان بالصلاة إليها و لو كان معلوما بالإجمال لكان اللازم الإتيان بها الى أربع جهات لعدم إحراز تحقق الاستقبال بدونه و عليه فقد تحقق منه سبع صلوات لإحراز وقوع صلاة واحدة إلى القبلة.

و في حكم فوات بعض المحتملات ما إذا علم ببطلان أحد المحتملات من جهة نقصانه لأجل ترك الركن فيه سهوا فإنه يجب عليه إعادته في الوقت و بعده سواء كان ذلك المحتمل معلوما بالتفصيل أو معلوما بالإجمال غاية الأمر لزوم إعادة واحدة في الأول و الجميع في الثاني كما عرفت.

و اما لو علم بترك ما لا تبطل الصلاة بتركه سهوا بل يجب عليه قضائه بعد الفراغ كالتشهد و السجدة الواحدة فلا إشكال أيضا في أصل وجوب قضائه بعد الفراغ و انه لا مجال لجريان قاعدة الفراغ نظرا الى عدم العلم بتركهما في المأمور به الواقعي لما عرفت من ثبوت حكم العقل بحاله إنما الإشكال في انه هل يكون قضائه موجبا لإحراز صلاة كاملة إلى القبلة أم لا.

فنقول: لو علم تفصيلا بتركه في خصوص المحتمل

الأخير لكان قضائه بعده بلا فصل مع الخصوصيات المعتبرة فيه موجبا للعلم بوقوع الصلاة إلى القبلة الواقعية و اما لو علم تفصيلا بتركه في غير المحتمل الأخير كالمحتمل الثالث- مثلا- أو علم إجمالا بتركه في واحد من المحتملات من دون تعيين فالمسئلة مبنية على ان الاجزاء المنسية التي يجب قضائها بعد الفراغ من الصلاة هل تكون أجزاء للصلاة و متممة لها غاية الأمر انه قد تغيرت مواضعها و اكتفى الشارع بإتيانها بعدها و أوجب سجدتي السهو لأجل تغير مواضعها أو انها تكون مأمورا بها مستقلة و المصلحة الفائتة في الصلاة لأجل نسيانها تتدارك بها و ان كانت خارجة عن الصلاة؟

فعلى الأول يشترط فيها عدم الانفصال عنها و عدم تخلل المنافي بينها و بينها مضافا الى سائر الشرائط المعتبرة في أجزاء الصلاة و بعبارة أخرى يعتبر فيها جميع ما يعتبر في سائر الاجزاء بخلاف الثاني فإنها بناء عليه لا يقدح الانفصال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 543

..........

______________________________

بينها و بين الصلاة و لا يضر فعل المنافي بينهما غاية الأمر لزوم رعاية القبلة و الطهارة في حال الإتيان بها.

فان قلنا بالمبنى الأول فاللازم هي إعادة الصلاة التي علم تفصيلا بترك التشهد فيها سهوا لعدم حصول العلم بوقوع الصلاة إلى القبلة الواقعية بمجرد قضاء التشهد المنسي لوقوع الفصل بينه و بين الصلاة التي هي المحتمل الثالث فرضا مضافا الى احتمال تحقق الاستدبار بسبب الإتيان بالمحتمل الأخير و عليه فقد تحقق المنافي في البين و لا بد من إحراز عدم التخلل و لا يجدي مجرد احتماله كما لا يخفى.

و اما في صورة العلم الإجمالي فالاحتياط انما يتحقق بقضاء الجزء المنسي بعد المحتمل الأخير ثم اعادة

بقية المحتملات من رأس و لا يتحقق بقضاء الجزء إلى أربع جهات بعد احتمال الانفصال و تحقق المنافي و هو الاستدبار كما عرفت و ان قلنا بالمبنى الثاني ففي صورة العلم التفصيلي يأتي بقضاء التشهد مرة إلى الجهة التي علم بكون الصلاة إليها فاقدة له و لا يقدح الفصل القطعي و المنافي الاحتمالى بوجه على ما هو المفروض. و في صورة العلم الإجمالي لا بدّ من قضاء الجزء المنسي إلى أربع جهات ليتحقق العلم بوقوع صلاة كاملة إلى القبلة الواقعية و تدارك ما فات من المصلحة كما هو ظاهر.

تتميم: كما ان المتحير في القبلة يجب عليه تكرار الصلاة إلى أربع جهات في الصلوات اليومية كذلك يجب عليه التكرار مع فقد العلم و الظن في سائر الصلوات غير اليومية واجبة كانت كصلاتي الآيات و الأموات أم مستحبة كصلاة الليل و المناقشة في وجوب التكرار في صلاة الميت نظرا الى ان مفاد الدليل لزوم التكرار في الصلاة و هي ليست بصلاة بل دعاء مدفوعة- مضافا الى منع عدم كونها صلاة- بان الدليل على لزوم التكرار انما هو حكم العقل به بعد ملاحظة شرطية القبلة و توقف إحرازها على التكرار إلى أربع جهات و هذا لا يختص بباب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 544

..........

______________________________

الصلاة بل يجري في كل ما تكون القبلة معتبرة فيه إذا اشتبهت و ترددت بين الجهات و قد عرفت ان الرواية إرشاد إلى حكم العقل.

نعم الظاهر عدم وجوب التكرار في الصلوات التي لا يكون بناؤها على التكرار على ما هو المعلوم من مذاق الشرع كصلاة الجمعة و العيدين كما انه لا يجب التكرار فيما لا يمكن فيه التكرار كحال الاحتضار

و الدفن فلا بد من الالتزام بسقوط القبلة عن الشرطية و قد عطف السيد- قده- في العروة على الأمرين الذبح و النحر و قال في الجميع: بأنه مع عدم الظن تخير و الأحوط القرعة.

أقول الظاهر انه لا مجال لدعوى السقوط في مثل الذبح مما لا يمكن فيه التكرار و لا يكون من الوظائف الوجوبية فان السقوط في مثل الدفن انما هو لأجل أنه لا بدّ منه و حيث ان التكرر غير ممكن فلا محيص عن السقوط و اما الذبح فلا يكون من حيث هو واجبا حتى تكون رعايته مع عدم إمكان التكرر مستلزمة لسقوط القبلة عن الشرطية و هذا كما في مثل الصلاة المندوبة إذا لم يتمكن من التكرار فان مقتضى القاعدة فيها عدم الإتيان بها لا الإتيان من دون رعاية القبلة نعم يمكن استفادة عدم الاعتبار من الدليل الدال على السقوط في نفس الموارد أو على السقوط في بعض الموارد الأخر كما إذا كان الحيوان عاصيا أو واقعا في بر و نحو ذلك نظرا إلى إلغاء الخصوصية و لكن الكلام في المقام انما هو مع فرض الاعتبار و ان عدم التمكن من حيث هو يوجب السقوط أم لا.

و اما الرجوع الى القرعة فالظاهر عدم كون مثل المقام موردا له اما لاختصاص الرجوع بموارد عمل الأصحاب فيها بعمومات القرعة و اما لاختصاص أدلة القرعة بموارد تزاحم الحقوق و عدم العموم فيها لكل أمر مشتبه أو مشكل على ما يتراءى من ظواهرها و من المعلوم عدم تحقق شي ء من الأمرين في المقام فتدبر ثم انه يجب التكرار في الاجزاء المنسية و سجدتي السهو بناء على وجوب الاستقبال لهما- كما هو الظاهر من الأدلة- فإذا اشتبهت القبلة

بعد الصلاة مثلا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 545

[مسألة- 4 من صلى إلى جهة بطريق معتبر ثم تبين خطاؤه]

مسألة- 4 من صلى إلى جهة بطريق معتبر ثم تبين خطاؤه فإن كان منحرفا عنها الى ما بين اليمين و الشمال صحت صلوته، و ان كان في أثنائها مضى ما تقدم منها و استقام في الباقي من غير فرق بين بقاء الوقت و عدمه و ان تجاوز انحرافه عما بينهما أعاد في الوقت دون خارجه و ان بان استدباره الا ان الأحوط القضاء مع الاستدبار بل مطلقا، و ان انكشف في الأثناء انحرافه عما بينهما فان وسع الوقت حتى لإدراك ركعة قطع الصلاة و أعادها مستقبلا و الا استقام للباقي و صحت على الأقوى و لو مع الاستدبار و الأحوط قضائها أيضا. (1)

______________________________

و قبل الإتيان بقضاء الجزء المنسي أو سجدتي السهو يجب عليه التكرار لما عرفت من عموم حكم العقل بذلك.

(1) لا إشكال في ان الإخلال بالاستقبال مع العمد و الالتفات مبطل للصلاة و موجب للإعادة و القضاء لانه مقتضى الشرطية المستفادة من مثل قوله- عليه السّلام- في بعض الروايات المتقدمة: لا صلاة الا الى القبلة، ضرورة انه بدونه تلزم اللغوية و اما الإخلال به بدونه كما إذا صلى إلى جهة قطع بكونها القبلة ثم تبين خطاؤه أو اعتمد على البينة أو الظن في صورة جواز الاعتماد عليه ففيه صورتان:

الاولى ما إذا كان الانحراف يسيرا بحيث لم يبلغ حد المشرق و المغرب و فيها قولان: الأول وجوب الإعادة عليه في الوقت فقط و قد حكى ذلك عن الناصريات و المقنعة و المبسوط و الخلاف و النهاية و المراسم و الوسيلة و الغنية و السرائر حيث انهم أطلقوا القول بوجوب الإعادة في

الوقت إذا صلى لغير القبلة من دون ان يتعرضوا لحكم خصوص الانحراف اليسير. الثاني عدم وجوب الإعادة مطلقا و هو الأقوى للأخبار الكثيرة الدالة عليه:

كصحيحة معاوية بن عمار انه سئل الصادق- عليه السّلام- عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا فقال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 546

..........

______________________________

له: قد مضت صلوته و ما بين المشرق و المغرب قبلة. «1»

و صحيحة زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- انه قال: لا صلاة الا الى القبلة قال قلت اين حد القبلة؟ قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة كله قال قلت فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال: يعيد. «2»

و موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال في رجل صلى على غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل ان يفرغ من صلوته قال: ان كان متوجها فيما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم و ان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة «3».

و رواية الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على- عليهم السّلام- انه كان يقول من صلى على غير القبلة و هو يرى انه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا اعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق و المغرب. «4»

و في مقابل هذه الروايات الأخبار الواردة في مطلق الصلاة على غير القبلة الدالة على وجوب الإعادة في الوقت و عدمه في خارجه و سيأتي نقلها إن شاء اللّٰه تعالى في الصورة الثانية و لكن الظاهر

عدم صلاحيتها للمعارضة مع هذه الروايات و تقدم هذه عليها و توضيحه:

ان الصحيحتين الدالتين على ان ما بين المشرق و المغرب قبلة ان كان المراد منهما ان ما بينهما قبلة حقيقة لعامة المكلفين في جميع الأحوال و كان المراد منهما تعيين حد القبلة و بيان حقيقتها كما استظهرناه منهما سابقا و لا بدّ و ان يكون المراد- ح- مما بين المشرق و المغرب هو المقدار الذي لا يصدق على شي ء من اجزائه أنه مشرق للشمس أو مغرب بل ما بينهما و هو الربع من الدائرة

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب العاشر ح- 1

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب التاسع ح- 2

(3) الوسائل أبواب القبلة الباب العاشر ح- 4

(4) الوسائل أبواب القبلة الباب العاشر ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 547

..........

______________________________

المفروضة فهما واردتان على تلك الاخبار لدلالتهما على تعيين حد القبلة و ورودها في حكم من صلى الى غير القبلة فالموضوع فيها أمر و في الصحيحتين أمر آخر نعم مقتضى إطلاق ذيل صحيحة زرارة وجوب الإعادة مطلقا على من صلى لغير القبلة و المراد من الصلاة لغير القبلة فيها- ح- هي الصلاة الخارجة عن الربع المفروض و ان لم يصل الى المشرق و المغرب العرفيين الاعتداليين فمقتضى إطلاق الذيل وجوب الإعادة من دون تقييد بالوقت و بما إذا كان الانحراف بالغا إليهما و ان كان المراد من الصحيحتين ان ما بين المشرق و المغرب قبلة تنزيلا و مرجعه الى ان الانحراف عن القبلة الواقعية إذا لم يتجاوز عما بينهما لا يقدح بصحة الصلاة و لا بدّ و ان يكون المراد من المشرق و المغرب- ح- الاعتداليين و يكون ما بينهما بمقدار نصف

الدائرة تقريبا كما ان المراد- ح- من الصلاة الى غير القبلة المفروضة في ذيل صحيحة زرارة هي الصلاة الخارجة عن النصف المذكور فهما حاكمتان على تلك الاخبار لورودهما فيمن صلى الى غير القبلة و دلالة الصحيحتين على عدم كون الصلاة الى ما بين المشرق و المغرب صلاة الى غير القبلة بل هي صلاة إليها تعبدا و تنزيلا فهما بمنزلة المفسرة لموردها و الشارحة لموضوعها.

نعم الذي يبعد الحكومة ان فرض الصلاة لغير القبلة قد وقع في أكثر تلك الاخبار في كلام السائل دون الامام- عليه السّلام- و من البعيد ان يكون مراد السائل من الصلاة لغير القبلة هي الصلاة الى غير ما بين المشرق و المغرب نعم لا يبعد فيما وقع هذا الفرض في كلام الامام- عليه السّلام- كما في بعض تلك الاخبار و عليه فينحصر طريق الجمع بما يأتي في الروايتين الآخرتين.

و اما غير الصحيحتين من الروايتين فربما يقال بان التعارض بينهما و بين تلك الاخبار هو تعارض العموم من وجه و كما يمكن تقييد تلك الأخبار المفصلة بين الوقت و خارجه بما إذا لم يكن الانحراف الى ما بين المشرق و المغرب بل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 548

..........

______________________________

زائدا عليه كذلك يمكن تقييد الروايتين بإرادة عدم الإعادة في خارج الوقت فقط و لا ترجيح للأول على الثاني بل الأمر بالعكس كما قاله صاحب الحدائق- قده- لان القدماء من الأصحاب حكموا بوجوب الإعادة في الوقت مطلقا و قيدوا الروايات الدالة على عدم قادحية الانحراف اليسير فالترجيح- ح- مع الثاني.

و لكن الظاهر عدم تمامية هذا القول بل اللازم الالتزام بكون الروايتين مخصصتين لتلك الاخبار فيختص موردها بما إذا كان الانحراف أزيد

مما بين المشرق و المغرب و لا يمكن العكس لانه لو كانت تلك الأخبار مخصصة لهما و اختص موردهما بما إذا علم بالانحراف في خارج الوقت يلزم ان تكون الخصوصية المذكورة فيهما و هو كونه بين المشرق و المغرب لغوا لانه- ح- لا يبقى مجال للتفصيل في صور الانحراف مع انهما صريحتان في ثبوت التفصيل و مدخلية الخصوصية المذكورة و عليه فاللازم إبقائهما على حالهما و التصرف في تلك الاخبار كما ان اللازم الالتزام بالتخصيص بالإضافة إلى ذيل صحيحة زرارة بناء على كون المراد منها ما ذكرنا و حمله على كون المراد من الصلاة لغير القبلة هي الصلاة الى غير ما بين المشرق و المغرب الاعتداليين كما لا يخفى.

و اما القدماء من الأصحاب فقد عرفت انهم لم يتعرضوا الحكم خصوص الانحراف اليسير بل أطلقوا القول بوجوب الإعادة في الوقت و قد ذكر سيدنا العلامة الأستاد- قدس سره- ان عدم تعرضهم له يحتمل ان يكون لأجل طرحهم للروايات الدالة على ذلك و هو بعيد مع صحتها و يحتمل ان يكون لما فهموا منها من كون مدلولها انما هو تعيين حد القبلة و ان ما بين المشرق و المغرب قبلة حقيقة فلا تكون الروايات متعرضة لحكم الانحراف عن القبلة.

و يرد عليه ان كون مدلول الروايات هو تعيين حد القبلة لا ينافي التعرض لحكم الانحراف لان حد القبلة على ما مر هو ربع الدائرة و الانحراف عنه الى المشرق و المغرب مع عدم البلوغ إليهما ربما يتفق كثيرا مع ان بعض تلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 549

..........

______________________________

الروايات تدل على وجوب التحويل إلى القبلة ساعة يعلم فكيف يمكن دعوى عدم تعرضها لحكم الانحراف

نعم لو قلنا بانحصار الدليل في الصحيحتين أمكن دعوى ذلك لكن عرفت ان ذيل صحيحة زرارة يدل على وجوب الإعادة مطلقا فما أفاده في توجيه عدم التعرض مما لا يتم.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان الأقوى هو القول بعدم وجوب الإعادة في الانحراف اليسير فيما إذا تبين الخطاء بعد الفراغ.

و اما إذا تبين في الأثناء فاللازم استفادة حكمه من دليل خاص و لا يكفى الدليل على الصحة بعد الفراغ و ذلك لان التبين في الأثناء يوجب وقوع بعض آنات الصلاة الى غير القبلة مع التوجه و الالتفات لأن الاستقامة بعد التوجه لا تتحقق بدون ذلك و من المعلوم ان وقوعه اليه كذلك موجب للبطلان بمقتضى القاعدة و لذا لا يجوز الانحراف اليسير كذلك في ان في حال الالتفات فالتبين في الأثناء لا يمكن استفادة حكمه من التبين بعد الفراغ نعم يمكن العكس على تقدير كون حكمه هي الصحة كما لا يخفى.

و كيف كان فيدل على حكمه موثقة عمار المتقدمة الواردة في التبين في الأثناء و خبر القاسم بن الوليد قال سألته عن رجل تبين له و هو في الصلاة انه على غير القبلة قال يستقبلها إذا ثبت ذلك و ان كان فرغ منها فلا يعيدها. «1»

ثم انه لا إشكال في خروج العالم العامد عن مورد الروايات الواردة في الصورة الاولى من المسألة كما انه لا إشكال في دخول المجتهد المخطئ في موردها سواء كان اجتهادة قطعيا أو ظنيا بالظن المعتبر في باب القبلة كما انه لا ينبغي التأمل في دخول الغافل و ناسي القبلة فيه لان الظاهر من قول معاوية بن عمار في روايته: الرجل يقوم في الصلاة .. هو القيام فيها بنحو

مشروع فيشمل الغافل و الناسي و اما الناسي للحكم مع العلم بجهة القبلة فالظاهر عدم دخوله

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب العاشر ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 550

..........

______________________________

في موردها لان الظاهر منه ان رؤية الانحراف انما تحققت بعد الفراغ كما ان التعبير الوارد في رواية الحسين بن علوان لا يشمله لانه لا يرى في حال الصلاة انه على القبلة و اما الجاهل فان كان جهله متعلقا بالحكم فالظاهر عدم الدخول فيه أيضا سواء كان قاصرا أو مقصرا لعدم كون رؤية الانحراف فيه متحققة بعد الفراغ و ان كان جهله متعلقا بالقبلة فإن كان بانيا على الإتيان بما هو وظيفة الجاهل من الصلاة إلى أربع جهات- مثلا- ثم انكشف له بعد الفراغ عن بعضها انه كان منحرفا عن القبلة بالانحراف اليسير فلا يبعد دعوى شمول صحيحة معاوية بن عمار له أيضا لأنه قام في الصلاة بالقيام المشروع و نظر بعد ما فرغ فرأى انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا نعم لا يشمله رواية ابن علوان. و ان لم يكن بانيا على الإتيان بما هو وظيفة الجاهل بل صلى إلى جهة واحدة بانيا على السؤال بعده فدعوى دخوله فيها مشكلة جدا لان قيامه فيها لا يكون قياما مشروعا بعد عدم البناء على الإتيان بما هو وظيفة الجاهل كما لا يخفى.

الصورة الثانية: ما إذا كان الانحراف أزيد مما بين المشرق و المغرب و المشهور فيها وجوب الإعادة في الوقت و عدمه في خارج الوقت و حكى عن بعض الأصحاب أو قوم منهم إطلاق وجوب الإعادة و لا يكون ذلك صريحا في مخالفة المشهور و الروايات الواردة في هذه الصورة بين

ما يدل على مرام المشهور و هي روايات متكثرة و بين ما يدل بظاهرها على وجوب الإعادة مطلقا و بين ما يمكن دعوى ظهوره في وجوب الإعادة في خارج الوقت و كونها متعرضة لحكم هذا الفرض فقط.

اما ما يدل على مرام المشهور فهي:

صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال إذا صليت و أنت على غير القبلة و استبان لك انك صليت و أنت على غير القبلة و أنت في وقت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 551

..........

______________________________

فأعد و ان فاتك الوقت فلا تعد. «1»

و صحيحة يعقوب بن يقطين قال سألت عبدا صالحا عن رجل صلى في يوم سحاب على غير القبلة ثم طلعت الشمس و هو في وقت أ يعيد الصلاة إذا كان قد صلى على غير القبلة و ان كان قد تحرى القبلة بجهده أ تجزيه صلوته؟ فقال: يعيد ما كان في وقت فإذا ذهب الوقت فلا اعادة عليه. «2» و الظاهر ان المراد من قوله:

و ان كان قد تحرى القبلة .. هو توضيح مورد السؤال و بيان ان الصلاة على غير القبلة إنما وقعت مع التحري و الاجتهاد لا انه سؤال آخر بحيث كان مورد السؤال أمرين لأنه لا مجوز للدخول من دون التحري و غرض السائل انه مع وجود التحري هل تجب عليه الإعادة لوقوع صلوته على غير القبلة أم لا.

و مكاتبة محمد بن الحصين قال: كتبت الى عبد صالح: الرجل يصلى في يوم غيم في فلاة من الأرض و لا يعرف القبلة فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس فإذا هو قد صلى لغير القبلة أ يعتد بصلاته

أم يعيدها؟ فكتب يعيدها ما لم يفته الوقت أو لم يعلم ان اللّٰه يقول و قوله الحق فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ «3» و الاستشهاد بقوله تعالى انما لعدم وجوب الإعادة مع فوات الوقت الذي يدل عليه المفهوم.

و رواية سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلى لغير القبلة ثم يضحى فيعلم انه صلى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال ان كان في وقت فليعد صلوته و ان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده. «4» و قوله- عليه السّلام-: فحسبه اجتهاده، شاهد على ان المراد من السؤال في مثلها هو ثبوت التحري و الاجتهاد و ان لم يكن مذكورا فيه.

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الحادي عشر ح- 1

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب الحادي عشر ح- 2

(3) الوسائل أبواب القبلة الباب الحادي عشر ح- 4

(4) الوسائل أبواب القبلة الباب الحادي عشر ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 552

..........

______________________________

و غير ذلك من الروايات الدالة على مذهب المشهور.

و اما ما يدل على وجوب الإعادة مطلقا فهي صحيحة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر- عليه السّلام- انه قال لا صلاة الا الى القبلة قال قلت اين حد القبلة قال ما بين المشرق و المغرب قبلة كله قال قلت فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال: يعيد. «1» فان مقتضى إطلاقه وجوب الإعادة في الوقت و في خارجه كما انه لا ينبغي الإشكال في انه ليس المراد من السؤال الصلاة الى غير القبلة عالما عامدا لانه مضافا الى ظهور السياق في خلافه بشهادة تقييد الصلاة في غير الوقت بيوم الغيم لا

يجتمع ذلك مع المسبوقية بنفي الصلاة الا الى القبلة كما لا يخفى و لا فرق في دلالة الرواية على وجوب الإعادة في المقام بين ما لو كان المراد مما بين المشرق و المغرب ما استظهرناه منه و بين ما لو كان المراد هو المعنى العرفي المساوي لنصف الدائرة لأن الكلام في الانحراف الزائد عن النصف التقريبي.

و اما ما يمكن دعوى دلالته على وجوب الإعادة في مورد خروج الوقت فهي رواية معمر بن يحيى قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت القبلة و قد دخل وقت صلاة أخرى قال يعيدها قبل ان يصلى هذه التي قد دخل وقتها الحديث. «2»

أقول اما صحيحة زرارة فإطلاقها يقيد بسبب الروايات المفصلة بين الوقت و خارجه و اما رواية معمر بن يحيى فمضافا الى احتمال ان يكون المراد بوقت صلاة أخرى هو وقت الفضيلة دون الاجزاء و استعمال الوقت في وقت الفضيلة شائع جدا ان تقييد مورد السؤال بدخول وقت صلاة أخرى لا خروج وقت هذه الصلاة يدل على ان محط السؤال ليس راجعا إلى أصل وجوب الإعادة بعد خروج الوقت و عدمه بل الى حيث التقدم و التأخر بالإضافة إلى الصلاة الداخل وقتها

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب التاسع ح- 2

(2) الوسائل أبواب القبلة الباب التاسع ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 553

..........

______________________________

بعد الفراغ عن أصل وجوب الإعادة و ان محل إعادتها هل هو قبل تلك الصلاة أو بعدها و عليه فمرجع الجواب الى ان الإعادة انما يكون محلها قبل تلك الصلاة فالجواب أيضا ناظر الى تعيين المحل بعد الفراغ عن أصل الوجوب و من المحتمل-

حينئذ- ان تكون الصلاة على غير القبلة غير مستندة الى أمارة معتبرة شرعية و عليه فالرواية لا ترتبط بما هو المفروض في المقام و يظهر ان اللازم هو الأخذ بالروايات المفصلة.

ثم ان مقتضى إطلاق الروايات المفصلة انه لا فرق في عدم وجوب الإعادة في خارج الوقت بين ما كان مستقبلا للمشرق أو المغرب أو ما بينهما إلى جهة الشمال و بين ما كان مستدبرا للقبلة و هذا هو المحكي عن كثير منهم السيد و الحلي و ابن سعيد و الصدوق و جماعة من المتوسطين و لكن قد حكى عن الشيخين و سلار و ابن زهرة و الصدوق في بعض كتبه و جماعة وجوب القضاء في صورة الاستدبار و عن الروضة نسبته الى المشهور.

و عمدة الوجه في ذلك ما رواه الشيخ- قده- في محكي النهاية حيث قال:

قد رويت رواية انه إذا كان صلى الى استدبار القبلة ثم علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة و هذا هو الأحوط و عليه العمل. «1» و حكى السيد في الناصريات و ابن إدريس في السرائر نظيره و لكنهما لم يعتمدا عليه.

و هل هذه رواية مستقلة غير الروايات المتقدمة رواها الشيخ بنحو الإرسال و بملاحظة إحاطة الشيخ بالاخبار المأثورة عن النبي و العترة- صلوات اللّٰه عليه و عليهم أجمعين- يستكشف وجودها في الجوامع الأولية التي أخذت عنها الجوامع الأربعة الثانوية و يؤيده رواية السيد و الحلي لها أيضا مع ان الروايات المتقدمة لا يكون فيها ما ورد في مورد خصوص الاستدبار و العلم بعد خروج الوقت أو ان المراد بها اما موثقة عمار المتقدمة أو رواية معمر بن يحيى المتقدمة أيضا؟

______________________________

(1) الوسائل أبواب القبلة الباب الحادي عشر ح- 10

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 554

..........

______________________________

و من البعيد ان يكون المراد هو الثاني لأن الموثقة مضافا الى ورودها في تبين الخطاء في الأثناء يكون موردها قبل خروج الوقت و لا أقل من ثبوت الإطلاق لهما كما ان المراد بدبر القبلة فيها ليس خصوص الاستدبار كما سيأتي و اما رواية ابن يحيى فمضافا الى ما عرفت في مفادها من محط السؤال و الجواب لا دلالة لها على حكم خصوص مورد الاستدبار نعم ينافي ما ذكرنا ما حكى من استدلال الشيخ- قده- لمرامه في التهذيب و الاستبصار و الخلاف برواية عمار كما انه حكى عن بعض الموافقين له الاستدلال برواية ابن يحيى و لكن شي ء من ذلك لا يوجب رفع اليد عن الظاهر من كون الرواية منقولة باللفظ و ليس هذا اللفظ في شي ء من الروايات المتقدمة فلاحظ فالإنصاف انه رواية مستقلة مروية بنحو الإرسال هذا ما يتعلق بأصل الرواية.

و اما حجيتها فيمكن المناقشة فيها بأنها مروية بنحو الإرسال و من الممكن انه لو كانت مذكورة مسندة لا طلعنا على قدح في بعض رواتها و ان لم يطلع عليه الشيخ مع ان الظاهر من عبارة النهاية ان اعتماد الشيخ عليها انما هو لأجل كونها مطابقة للاحتياط لا لحجيتها في نفسها مضافا الى عدم اعتماد السيد و ابن إدريس الناقلين لها أيضا عليها بوجه فكيف تكون الرواية معتبرة.

و تندفع المناقشة بظهور اعتماد القدماء من الأصحاب القائلين بوجوب الإعادة في خارج الوقت أيضا على هذه الرواية و ذلك لان الحكم بذلك مع وجود الروايات الكثيرة النافية للإعادة في خارج الوقت بنحو الإطلاق الشامل للاستدبار لا بدّ و ان يكون مستندا الى دليل خاص يكون مقيدا

لإطلاق تلك الروايات و لا يكفى مجرد الموافقة للاحتياط في رفع اليد عن الإطلاق و الحكم بالوجوب في صورة الاستدبار و عليه فالظاهر الاعتماد على الرواية و قد عرفت انه لا يمكن ان يكون المراد بها إحدى روايتي عمار و معمر و استدلال الشيخ إلى رواية عمار في بعض كتبه لا ينافي الاستناد الى هذه الرواية كما هو ظاهر ذيل عبارة النهاية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 555

..........

______________________________

كما لا يخفى و مخالفة السيد و ابن إدريس انما هي لأجل عدم حجية خبر الواحد عندهما و لو كان مسندا واجدا لشرائط الحجية لا لأجل عدم اعتبار خصوص هذه الرواية.

و بما ذكرنا يظهر ان رفع اليد عن هذه الرواية و الحكم بعدم وجوب الإعادة في مورد الاستدبار مشكل جدا فالأحوط لو لم يكن أقوى هو الحكم بالوجوب و التفصيل في الانحراف الكثير بين الاستدبار و غيره هذا كله إذا تبين الخطاء بعد الفراغ.

و اما إذا تبين في الأثناء فيدل على حكمه الخبر ان المتقدمان الوارد ان في الأثناء في الصورة الاولى و مقتضى إطلاق الخبر الأول و هو خبر القاسم بن الوليد ان التبين في الأثناء لا يوجب الإعادة و لو كان الانحراف كثيرا بل و لو كان مستدبرا و مقتضى الخبر الثاني و هو موثق عمار انه إذا كان الانحراف المتبين في الأثناء إلى دبر القبلة يجب قطع الصلاة و معناه بطلانها و الظاهر ان المراد من الدبر فيه ليس خصوص الاستدبار بل أعم منه و مما إذا كان الانحراف أقل الى ما بين المشرق و المغرب و ذلك بقرينة المقابلة و ظهور كون الرواية متعرضة لحكم جميع فروض المسألة لا

خصوص ما بين المشرق و المغرب و الاستدبار و مقتضى الجمع بين الخبرين حمل خبر القاسم على ما إذا كان الانحراف يسيرا غير بالغ الى المشرق و المغرب فاللازم- ح- هو ملاحظة مفاد الموثقة و موردها فنقول الذي يستفاد منها ان التبين في الأثناء موجب للبطلان إذا كان متوجها الى دبر القبلة و قد عرفت ان المراد من الدبر هو الانحراف الزائد عما بين المشرق و المغرب فالانحراف الزائد عنه موجب للبطلان مطلقا و لو لم يكن مستدبرا نعم مقتضى قوله: ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة اختصاص ذلك بما إذا كان القطع غير موجب للإخلال بالوقت الذي عرفت ان مقتضى الاستقراء و التتبع في موارد مزاحمة الوقت مع سائر الشروط هو تقدمه عليها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 556

..........

______________________________

فاللازم تخصيص الحكم بالبطلان بما إذا أدرك الوقت مع قطع الصلاة و تحويل الوجه إلى القبلة غاية الأمر ان قاعدة من أدرك التي تدل على توسعة الوقت تحكم بعدم لزوم إدراك جميع الوقت بل إدراك ركعة من الوقت يكفي في لزوم رفع اليد عن الصلاة الواقعة الى غير القبلة فمع عدم إدراك الركعة أيضا لا مجال للقول بالبطلان لعدم دلالة الموثقة عليه في هذه الصورة و تقدم الوقت على سائر الشروط مع المزاحمة.

بقي في الصورة الثانية شي ء و هو ان مورد الروايات الواردة في هذه الصورة الدالة على عدم وجوب الإعادة في خارج الوقت هو ما كانت الصلاة الواقعة على غير القبلة مستندة الى التحري و الاجتهاد لان موردها الصلاة في يوم غيم أو فيه في قفر من الأرض أو في فلاة منها مضافا الى التصريح بذلك في السؤال

في صحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة بناء على ما استظهرنا منها من ان قوله: و ان كان قد تحرى القبلة بجهده ..

توضيح لمورد السؤال لا انه سؤال مستقل و الى التصريح بذلك في الجواب في رواية سليمان بن خالد المتقدمة بقوله: فحسبه اجتهاده و عليه فمورد هذه الروايات النافية للقضاء هو المتحرى الذي تبين مخالفة اجتهاده للواقع.

و قد وقع الخلاف بين الأصحاب في انه هل يلحق بهذا المورد ما إذا كان المصلى عالما بالحكم و بالقبلة و لكن صلى الى غير القبلة سهوا أو اشتباها أم لا و ممن ذهب الى الإلحاق و عدم التفصيل المفيد- قدس سره- في المقنعة، و الشيخ في كتابي التهذيب و النهاية و بعض المتأخرين كالمحقق الهمداني في المصباح.

و لكن التحقيق عدم الإلحاق وفاقا للعلامة في المختلف فان مستند الإلحاق ان كان هو إلغاء الخصوصية من مورد الروايات فيرده انه لا وجه للإلغاء في الحكم المخالف للقاعدة فإن مقتضى أدلة شرطية القبلة بطلان الصلاة في الصورة المفروضة و لازمة وجوب القضاء في خارج الوقت أيضا مع الإخلال بها فإذا دل الدليل على عدم وجوبه في بعض الموارد فلا يجوز التعميم الى غيره بعد كونه مخالفا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 557

..........

______________________________

للقاعدة كما عرفت نعم يمكن ان يقال بثبوت الإطلاق في بعضها كصحيحة عبد الرحمن المتقدمة فإن قوله- عليه السّلام-: إذا صليت و أنت على غير القبلة و استبان لك انك صليت و أنت على غير القبلة .. عام شامل للناسي أيضا فإنه صلى على غير القبلة و استبان له بعدها ذلك و لكن الظاهر عدم ثبوت الإطلاق بحيث يطمئن به و يعتمد عليه لاحتمال كون

المراد من الصلاة على غير القبلة هي الصلاة عليه مع كونها مأمورا بها و يؤيده قوله- عليه السّلام- في بعض تلك الروايات فحسبه اجتهاده فتدبر و ان كان مستند الإلحاق هو حديث الرفع كما احتج به الشيخ على ما حكاه عنه العلامة في المختلف و ان لم نجده في كتبه فيدفعه:

أولا ان المراد من حديث الرفع هو رفع حكم ما فعله الناسي في حال نسيانه بمعنى ان الفعل الذي فعله الناسي لو كان له حكم لو خلى و طبعه فذلك الحكم مرفوع في حال صدوره نسيانا و من المعلوم ان الناسي في المقام لم يعمل عملا له حكم كذلك حتى يرفع مع النسيان لانه كان مكلفا بالصلاة إلى القبلة الواقعية و هو لم يأت بها ففي الحقيقة يكون كمن لم يصل أصلا فهو لم يعمل عملا كذلك حتى يرفع ذلك الحكم في حال النسيان فالمأمور به في حقه غير مأتي به و المأتي به لا يكون مأمورا به.

و ثانيا انه على تقدير دلالة حديث الرفع على عدم وجوب الإعادة فهو معارض بحديث لا تعاد المعروف الدال على وجوب الإعادة مع الإخلال بالقبلة و القدر المتيقن من مورده لو لم نقل بالاختصاص هو الناسي فهو يدل على البطلان في مورد النسيان مع الإخلال بالقبلة و لا وجه لدعوى كون مقتضى الجمع بينهما هو حمل حديث الرفع على ما بعد الوقت و حمل حديث لا تعاد على الوقت فإنه مضافا الى كونه جمعا تبرعيا لا يساعده العرف و لا يقبله العقلاء يأباه حديث الرفع لإبائه عن التخصيص فاللازم بعد ذلك اما القول بحكومة حديث لا تعاد على حديث الرفع و كونه مخصصا له لانحصار مورده بصورة النسيان

المحقق في الصلاة و اما القول بأنه بعد التعارض لا بدّ من الرجوع الى أدلة اعتبار القبلة و شرطيتها المقتضية للإعادة مطلقا كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 558

[المقدمة الثالثة في الستر و الساتر]

اشارة

المقدمة الثالثة في الستر و الساتر

[مسألة- 1 يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة و توابعها]

مسألة- 1 يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة و توابعها كالركعة الاحتياطية و قضاء الأجزاء المنسية على الأقوى و سجدتي السهو على الأحوط و كذا في النوافل دون صلاة الجنازة و ان كان الأحوط فيها أيضا، و لا يترك الاحتياط في الطواف. (1)

______________________________

(1) الكلام في الستر من جهتين:

الاولى في الوجوب النفسي الذي يتعلق به مطلقا في حال الصلاة و غيرها.

الثانية في الوجوب الشرطي الذي يتعلق به في حال الصلاة و مثلها و الفرق بين الجهتين يرجع الى أمور:

منها ان الأول يتعلق بالرجل بالنسبة إلى عورته و بالمرئة بالإضافة الى جميع بدنها عدي ما استثنى على القول به فيما إذا كانا معرضين لنظر الغير كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى. و الثاني يكون ثابتا عليهما مطلقا و لو لم يكونا معرضين لنظر الغير.

و منها ان الأول أعم من حيث الساتر اى لا يجب ان يكون هو الثوب بل يكفى ورق الشجر أو الطين أو غيرها بل لا يلزم الساتر لان الملاك عدم تعلق الرؤية به فيكفي التستر بمثل الظلمة و الغبار و هذا بخلاف الثاني فإنه يلزم فيه الساتر و يكون له مراتب بل لا يكفى بعض مراتبه أصلا و تسقط شرطية الستر مع عدم التمكن من غيره كما سيجي ء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 559

..........

______________________________

و منها انه لا يعتبر في الأول ان يكونا لابسين له بل يكفى ان يكون الساتر بحيث يكون حائلا بينه و بين الغير و ان كان منفصلا عنه بخلاف الثاني فإنه يجب ان يكون المصلى لابسا له.

و منها انه لا يعتبر في الأول صفة في الساتر فيجوز ان يكون حريرا

للرجل من جهة التستر به و ان كان يحرم عليه من جهة اللبس كما انه يجوز ان يكون نجسا أو ميتة أو من أجزاء غير مأكول اللحم و اما الثاني فيعتبر فيه أوصاف و خصوصيات يأتي التعرض لها إن شاء اللّٰه تعالى.

ثم ان الكلام في الجهة الأولى يقع في مقامين:

المقام الأول: في حكم الرجال و الواجب عليهم ستر العورة فقط كما هو المتفق عليه بين المسلمين و المشهور بين العامة وجوب التستر من السرة إلى الركبتين و يستحب ذلك عند الخاصة.

و يدل على وجوب ستر العورة قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ. «1» و مفاد الآية مع قطع النظر عما ورد في تفسيرها من الروايات انه يجب غض البصر و حفظ الفرج و المراد من الغض من الشي ء هو النقض عنه لان الغض هو النقصان و معنى الغض من البصر هو التقليل في النظر و مراعاة عدمه في بعض الموارد و اما احتمال كون كلمة «من» في الآية زائدة فغير صحيح لا في خصوص هذه الآية بل في جميع الموارد الا فيما كان هناك ضرورة شعرية ضرورة انه لا وجه لذكر كلمة زائدة لا يترتب عليها فائدة و لو التأكيد فاحتمال الزيادة لا مجال له بوجه و ربما يحتمل ان تكون كلمة «من» لابتداء الغاية نظرا الى ان الرؤية و الابصار شروع و مقدمة للأعمال المترتبة عليه التي لا ينبغي صدورها لقبحها و شناعتها و يؤيد هذا الاحتمال ما رواه على بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم و المتشابه نقلا من تفسير

______________________________

(1) سورة النور آية 30

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الصلاة، ص: 560

..........

______________________________

النعماني بسنده عن على- عليه السّلام- في قوله عز و جل قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكنه من النظر الى فرجه ثم قال: قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ اى ممن يلحقهن النظر كما جاء في حفظ الفروج فالنظر سبب إيقاع الفعل من الزنا و غيره «1» و لكن الظاهر ان كلمة «من» في الآية للتبعيض بمعنى كون مدلولها إيجاب غض بعض الابصار الظاهر في ترك النظر الى بعض الأمور و يؤيده كلمة «الغض» الظاهرة في النقصان كما عرفت و لا يبعد دعوى كون قوله تعالى وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ قرينة على ان المراد من البعض الذي يجب ترك النظر اليه هو فروج الغير كما ان الإبهام في هذا القول من جهة عدم ظهور كون المراد حفظ الفرج من الزنا أو من نظر الغير يرتفع بالجملة الاولى من الآية الشريفة و يصير ظاهرا بملاحظتها في كون المراد هو الحفظ من النظر فإجمال كل من الجملتين الشريفتين يرتفع بالأخرى و يدل عليه مضافا الى ظهور الآية فيه في نفسها كما عرفت نفى البعد عنه الرواية المتقدمة و يؤيد ما ذكرنا ما ورد في تفسير الآية من الرواية الأخرى الدالة على ان كل ما ورد في القرآن من حفظ الفرج فالمراد منه هو حفظه من الزنا الا هذه الآية و هي:

مرسلة الصدوق المعتبرة قال: و سئل الصادق- عليه السّلام- عن قول اللّٰه عز و جل:

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ، فقال كل ما كان في كتاب اللّٰه من ذكر حفظ الفرج فهو من

الزنا إلا في هذا الموضع فإنه للحفظ من ان ينظر إليه «2» فإن الظاهر ان هذا التفسير ليس تفسيرا تعبديا غير ملائم لما هو ظاهر الآية بعد التأمل بل بيان للظاهر بالنحو الذي ذكرنا من ارتفاع إبهام

______________________________

(1) الوسائل أبواب أحكام الخلوة الباب الأول ح- 5

(2) الوسائل أبواب أحكام الخلوة الباب الأول ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 561

..........

______________________________

حفظ الفرج بالجملة الشريفة الاولى و إذا كانت الجملة الثانية يرتفع إبهامها بالجملة الأولى فلم لا يرتفع إبهام الجملة الأولى بالثانية فالإنصاف ظهور الآية فيما ذكرنا كما دلت عليه رواية النعماني و لا يكون مدلولها امرا تعبديا و تفسيرا على خلاف ما تدل عليه الآية بظاهرها.

و قد ذكر بعض الاعلام ان مفاد الآية وجوب حفظ الفرج عن كل ما يترقب منه من الاستلذاذات إذ الاستلذاذ به قد يكون بلمسه و قد يكون بالنظر اليه و قد يكون بغير ذلك من الوجوه على ما تقتضيه القوة الشهوية و الطبع البشرى و ذلك لان حفظ الفرج في تلك الآيات الكريمة غير مقيد بجهة دون جهة.

و يرد عليه مضافا الى ما ذكرنا من ان مقتضى الارتباط بين الجملتين في الآية الشريفة ان يكون إبهام كل واحدة منهما مرفوعا بالآخر و نتيجته ان يكون مفاد الآية ناظرا إلى حرمة النظر إلى عورة الغير و وجوب حفظها عن نظر الغير ان ذلك لا يكفي في إثبات المدعى لانه عبارة عن حرمة النظر إلى عورة الغير مطلقا سواء كان مع التلذذ أو بدونه و الآية على هذا التفسير تختص بما إذا كان مع التلذذ كما لا يخفى هذا بالنظر الى الكتاب.

و اما الروايات الواردة في هذا الحكم فكثيرة:

منها

ما رواه الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عن النبي- عليه و عليهم السلام- في حديث المناهي قال إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته، و قال لا يدخل أحدكم الحمام إلا بمئزر، و نهى ان ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم و قال: من تأمل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون الف ملك، و نهى المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة، و قال من نظر الى عورة أخيه المسلم أو عورة غير اهله متعمدا ادخله اللّٰه مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس و لم يخرج من الدنيا حتى يفضحه اللّٰه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 562

..........

______________________________

الا ان يتوب. «1»

و لا يخفى ان النهى عن نظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم كما في جملة من الاخبار ان كان المراد به هو النهى عن غيبة المؤمن و اذاعة سره و كشف عيوبه كما ورد تفسيره بذلك في جملة من الروايات فلا يرتبط بالمقام و ان كان المراد هو النهى عن النظر إلى العورة المصطلحة فهو ناظر الى المقام كما انه لو كان المراد منه الأعم على تقدير إمكانه يجدي لنا أيضا و هنا رواية ظاهرة في ان المراد به ما نبحث عنه هنا و ان كانت الرواية المذكورة أيضا مشعرة بل ظاهرة في ذلك فتدبر و تلك الرواية ما رواه حنان بن سدير عن أبيه قال: دخلت انا و أبي و جدي و عمى حماما بالمدينة فإذا رجل في البيت المسلخ فقال: لنا من القوم؟

الى ان قال: ما يمنعكم من الأزر فإن رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله-

قال عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال فبعث أبي إلى عمى كرباسة فشقها بأربعة ثم أخذ كل واحد منا واحدا ثم دخلنا فيها الى ان قال فسألنا عن الرجل فإذا هو على بن الحسين- عليه السّلام. «2»

و منها الروايات الكثيرة الواردة في آداب الحمام الدالة على وجوب الدخول فيه مع المئزر أو على النهى عن دخوله إلا بمئزر أو على ان من كان يؤمن باللّه و اليوم الأخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر أو على غير ذلك من التعبيرات و قد جمعها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب آداب الحمام و من المعلوم انه لا خصوصية للحمام بل التعرض له انما هو لأجل كونه محلا للنظر بعد إخراج اللباس من البدن كما انه لا خصوصية للمئزر بل المراد هو كل ما يوجب تحقق السر و يمنع عن النظر.

و في مقابل هذه الروايات رواية ظاهرها الكراهة و هي ما رواه ابن

______________________________

(1) الوسائل أبواب أحكام الخلوة الباب الأول ح- 2

(2) الوسائل أبواب آداب الحمام الباب التاسع ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 563

..........

______________________________

أبي يعفور قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- أ يتجرد الرجل عند صب الماء ترى عورته؟

أو يصب عليه الماء؟ أو يروى هو عورة الناس؟ قال كان أبي يكره ذلك من كل أحد «1» و حكى المحقق الهمداني- قده- عن جماعة انهم ذكروا انه لو لا مخافة المشهور لأفتينا على طبق هذه الرواية و قلنا بكراهة كشف العورة و لكن الظاهر ان الكراهة في مقابل الحرمة اصطلاح فقهي و التقابل انما هو في لسان الفقه و الفقهاء و اما في لسان الروايات فلم يعلم التقابل بينهما بل كثيرا

ما تطلق الكراهة و يراد منها الحرمة مع انه على تقدير تسليم ظهورها في الكراهة في مقابل الحرمة فمن المعلوم انه ليس ظهورها بحد يقاوم مع ظهور الروايات المتقدمة في الحرمة خصوصا مع التعبير بأن الايمان باللّه و اليوم الأخر لا يكاد يجتمع مع الدخول في الحمام بغير مئزر فالإنصاف انه لا مجال للفتوى على طبق هذه الرواية على تقدير ظهورها في الكراهة.

ثم انه بعد الفراغ عن أصل البحث يقع الكلام في سعة دائرة الحكم و ضيقه من جهة انه هل يختص حرمة النظر إلى عورة الغير بما إذا كان الغير مكلفا و كذا ينحصر وجوب حفظ الفرج بما إذا كان الناظر كذلك أو يعم غير المكلف من الطفل و المجنون أيضا الظاهر هو الثاني لإطلاق الآية الدالة على الحكمين و توجيه التكليف إلى المؤمن لا يقتضي تخصيص المتعلق به أيضا و يؤيده قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ .. فإنه لا يمكن الالتزام بأنه لا يجب عليهن حفظ فروجهن عن المجنون و الطفل المميز بوجه نعم الطفل غير المميز خارج عن الحكمين كما هو ظاهر.

و قد حكى عن الصدوق من المتقدمين جواز النظر إلى عورة الكافر و اختاره صاحب الحدائق من المتأخرين و الوجه فيه أولا المناقشة في ثبوت الإطلاق للاية من هذه الجهة فإن المستفاد منها بلحاظ توجيه التكليف إلى المؤمنين و المؤمنات ان النظر انما هو الى جامعة المسلمين و المتدينين و لا نظر لها الى

______________________________

(1) الوسائل أبواب آداب الحمام الباب الثالث ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 564

..........

______________________________

الكافر بوجه و الروايات الكثيرة المتقدمة بعضها الواردة في الحمام ظاهرة في الاختصاص بالمسلمين خصوصا مع التعبير فيها بعورة المؤمن

أو المسلم أو نحوهما مما لا يشمل الكافر بوجه هذا مضافا الى وجود روايتين ظاهرتين في الكراهة:

إحديهما مرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار «1» ثانيتهما مرسلة الصدوق قال روى عن الصادق- ع- انه قال إنما أكره النظر إلى عورة المسلم فاما النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار «2».

هذا و لكن الظاهر إطلاق الحكم و شموله للنظر إلى عورة الكافر أيضا لثبوت الإطلاق للاية و توجيه الخطاب إلى المؤمنين و المؤمنات لا يقتضي الاختصاص و هل يمكن الالتزام بعدم وجوب حفظ الفرج عن نظر الكافر مع ان الكفار مكلفون بالفروع كتكليفهم بالأصول من دون فرق و ذكر المؤمن و المسلم و الأخ في روايات الحمام انما هو لأجل كونه موردا للابتلاء نوعا مضافا الى عدم ثبوت المفهوم لها بحيث ينافي إطلاق الآية.

و اما الروايتان فقد نوقش فيهما بالإرسال أولا و بإعراض الأصحاب عنهما الكاشف عن وجود خلل فيهما و لو مع العلم برواتهما ثانيا لكن المناقشة من حيث السند مدفوعة بأن الأولى مرسلها ابن أبي عمير الذي اشتهر اعتبار مراسيله و الثانية و ان كانت منسوبة إلى الرواية دون الامام- عليه السّلام- الا ان الظاهر عدم كونها رواية أخرى بل الظاهر انها بعينها هي مرسلة ابن أبي عمير رواها الصدوق من دون التعرض لسندها بوجه و اما الاعراض فالظاهر تحققه و كونه قادحا في حجية الرواية و اعتبارها و لكن ربما يقال تارة بعدم كون الاعراض موجبا لسقوط الرواية عن الحجية و اخرى بعدم ثبوت موضوع الاعراض و ذلك لوجود طائفتين من

الروايات في المقام و من الممكن ان يكون الأخذ بالطائفة الأخرى الدالة على

______________________________

(1) الوسائل أبواب آداب الحمام الباب السادس ح- 1

(2) الوسائل أبواب آداب الحمام الباب السادس ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 565

..........

______________________________

حرمة النظر إلى عورة الكافر أيضا لأجل رجحانها على هذه الطائفة من موافقة الكتاب و الشهرة الفتوائية لا لأجل الاعراض و المهجورية الكاشفة عن وجود الخلل فيها هذا و الظاهر انه لا مجال لإنكار موضوع الاعراض و احتمال عدمه أصلا لأنه على غير هذا التقدير لا تصل النوبة إلى الترجيح لعدم المعارضة بين الطائفتين بعد كون قاعدة حمل المطلق على المقيد مقتضية للجمع و الخروج عن موضوع التعارض فلو لا الاعراض لكان اللازم تقييد الإطلاق و تخصيص الحكم بخصوص المسلم و قد حقق في محله قدح الاعراض في الحجية فالمرسلة و ان كانت معتبرة سندا و لكنها مجهورة دلالة فلا فرق بين المسلم و الكافر من هذه الجهة مع ان النسبة الى الصدوق إنما نشأت من نقله الرواية المذكورة و الا فهو لم يفت بخلاف الأصحاب صريحا.

بقي الكلام في أمور: الأول في المراد من العورة و قد عبر عنها في الآية بالفرج و يستفاد من الروايات الصريحة الواضحة ان المراد بها القبل و الدبر و لكن في بعض الروايات انها ما بين السرة و الركبة أما الطائفة الأولى فكثيرة منها مرسلة أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال العورة عورتان: القبل و الدبر و الدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة. «1»

و منها مرسلة الصدوق قال الصادق- عليه السّلام- الفخذ ليس من العورة. «2» و منها

ما عن محمد بن حكيم قال الميثمي: لا أعلمه إلا قال رأيت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- أو من رآها متجردا و على عورته ثوب فقال: ان الفخذ ليست من العورة «3» و في مقابلها رواية بشير النبال قال سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الحمام

______________________________

(1) الوسائل أبواب آداب الحمام الباب الرابع ح- 2

(2) الوسائل أبواب آداب الحمام الباب الرابع ح- 4

(3) الوسائل أبواب آداب الحمام الباب الرابع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 566

..........

______________________________

فقال تريد الحمام؟ قلت نعم فأمر بإسخان الماء ثم دخل فاتزر بإزار فغطى ركبتيه و سرته الى ان قال: ثم قال هكذا فافعل. «1» و رواية الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه- عليه السّلام- قال: إذا زوج الرجل أمته فلا ينظرن الى عورتها و العورة ما بين السرة و الركبة. «2»

و لكن بشير النبال ضعيف أولا و العمل أعم من الوجوب ثانيا و الأمر بالفعل انما هو لأجل ذلك اى الاستحباب أو لرعاية الأدب كما لا يخفى و الحسين أيضا ضعيف و يحتمل ان يكون المراد من عورة الأمة ذلك لا مطلق النساء و لا الرجال و على تقدير ظهورها في التعميم يكون مقتضى الجمع بين الطائفتين هو الحمل على الاستحباب و يؤيده رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال إذا تعرى أحدكم نظر اليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا «3» الثاني في ان المحرم في باب النظر إلى العورة هل هو النظر الى اللون أو أعم منه و من الحجم فالمشهور على الأول و عن المحقق الثاني، الثاني و دليل المشهور فهم

العرف من الآية و الرواية و ان الحفظ و الستر انما يتحقق بستر اللون و ترك النظر اليه فقط و قد استدل لهم أيضا برواية رواها الصدوق بإسناده عن عبيد اللّٰه الرافقي في حديث انه دخل حماما بالمدينة فأخبره صاحب الحمام ان أبا جعفر- عليه السّلام- كان يدخله فيبدأ فيطلي عانته و ما يليها ثم يلف إزاره على أطراف إحليله و يدعوني فاطلى سائر بدنه فقلت له يوما من الأيام ان الذي تكره أن أراه قد رأيته قال كلا ان النورة سترة (ستره). «4» و مرسلة محمد بن عمر ان أبا جعفر- عليه السّلام- كان يقول من كان يؤمن باللّه و اليوم الأخر فلا يدخل الحمام

______________________________

(1) الوسائل أبواب آداب الحمام الباب الخامس ح- 1

(2) الوسائل أبواب نكاح العبيد و الإماء الباب الرابع و الأربعون ح- 7

(3) الوسائل أبواب آداب الحمام الباب التاسع ح- 2

(4) الوسائل أبواب آداب الحمام الباب الثامن عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 567

..........

______________________________

إلا بمئزر قال فدخل ذات يوم الحمام فتنور فلما أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر فقال له مولى له بأبي أنت و أمي إنك لتوصينا بالمئزر و لزومه و لقد ألقيته عن نفسك فقال اما علمت ان النورة قد أطبقت العورة. «1» و لكن الاستدلال بهما غير تام لعدم العلم بكون النورة غير ساترة للحجم كما لا يخفى.

الثالث: انه لا اشكال كما عرفت في وجوب الستر مع العلم بوجود الناظر و اما مع الشك فيه فهل يجب الستر أم لا؟ ذكر المحقق الهمداني- قده- ان فيه وجهين من جريان أصالة الإباحة و عدم الوجوب الجارية في الشبهات الموضوعية و من انه ربما

يقع في الحرام مع عدم التستر و مقتضى لزوم رعاية التكليف الإلهي الاحتياط و قد قوى بعد بيان الوجهين الوجه الأول.

و لكنه ذكر بعض الاعلام في شرح العروة انه هنا خصوصية تمنع عن جريان أصالة الإباحة و لو مع القول بجريانها في الشبهات الموضوعية التحريمية و هي التعبير في الآية الشريفة عن الستر بحفظ الفروج فان المتفاهم من كلمة «الحفظ» هو المراقبة و التحفظ و هو لا يتحقق الا مع الرعاية في صورة احتمال وجود الناظر أيضا.

و يرد عليه مضافا الى ان لازم ما افاده هو التفكيك في الآية المتعرضة لبيان حكمين و الالتزام بأن جملة «وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ» دال على الوجوب مع احتمال الناظر أيضا و اما جملة «يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ» فلا دلالة له على ذلك لعدم وقوع التعبير بالحفظ فيها و من المعلوم بطلان هذا النحو من التفكيك ان التعبير بالحفظ لا دلالة له على ما رامه لان معناه التخفي و التستر و لا شهادة فيه على الرعاية في صورة احتمال وجود الناظر أيضا و يؤيده ان لازمة الالتزام بذلك في سائر الآيات الدالة على لزوم حفظ الفرج التي يكون مفادها اللزوم من جهة الزنا و مثله على ما دل عليه الرواية المتقدمة المتضمنة لأن كل ما في الكتاب من حفظ الفرج

______________________________

(1) الوسائل أبواب آداب الحمام الباب الثامن عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 568

..........

______________________________

فالمراد به حفظه من الزنا الا هذه الآية التي هي مورد البحث في المقام ضرورة ان الاختلاف من هذه الجهة لا يوجب الاختلاف بينها من ناحية التعبير بالحفظ المشترك بين جميعها فالظاهر ما قواه المحقق الهمداني- قده- من عدم الوجوب مع الشك

في وجود الناظر لما عرفت.

الرابع قد استثنى من الحكمين المذكورين موارد:

منها الزوج و الزوجة فإنه يجوز لكل منهما النظر الى جميع أعضاء الأخر كما يجوز اللمس و قد دل عليه الروايات مضافا الى ان جواز الوطي دليل على انه يجوز النظر بطريق اولى و لا إشكال في هذا الحكم أصلا.

و منها المالك فإنه يجوز له النظر الى جميع أعضاء المملوكة ما دام لم يزوجها أو يحللها من الغير فإنه لا يجوز له النظر- ح- الى عورتها كما دل عليه بعض الروايات المتقدمة في معنى العورة و اما المملوكة فالظاهر انه يجوز لها النظر الى المالك مطلقا مع الشرط المذكور بخلاف المالكة فإنه لا دليل على جواز نظرها الى مملوكها أو مملوكتها و إطلاق الآية يقتضي عدم الجواز.

و منها المحللة و المحلل له فإنه يجوز لكل منهما النظر إلى عورة الأخر لاقتضاء جواز الوطي ذلك على ما مر هذا تمام الكلام في المقام الأول.

المقام الثاني: في حكم النساء لا إشكال في أصل وجوب التستر على النساء و حرمة الإبداء و الكشف لهنّ و هو من ضروريّات الفقه بل من ضروريات الدّين انما الإشكال في وجوب ستر الوجه و الكفين و قد ادعى سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قدس سره- ان المشهور بين الخاصة و العامة وجوب ستر الوجه و الكفين أيضا و لكن الحق ان المسألة مختلف فيها فذهب بعض الى الوجوب كالشيخ- قده- في النهاية قال فيها: «من أراد ان يزوّج له ان ينظر الى الوجه و المحاسن و الكفين و الرجلين و كيفية المشي و نحوها و امّا في غير هذه الصورة فلا يجوز له النظر الى المواضع المذكورة» بناء على ان لا يكون المراد

مجرد حرمة نظر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 569

..........

______________________________

الغير بل وجوب التستر عليها أيضا و الّا فحرمة النظر لا تلازم وجوب التستر نعم جواز النظر لا يجتمع مع وجوب التحفظ كما لا يخفى. و تبعه في ذلك العلامة و ابنه و كاشف اللثام و صاحب الجواهر- قدس اللّٰه أسرارهم- و ذهب الشيخ- قده- في بعض كتبه الى جواز النظر الى الوجه و الكفين و اختاره صاحبا الحدائق و المستند و الشيخ الأعظم الأنصاري في رسالة النكاح.

و قال المحقق في الشرائع و تبعه العلامة في بعض كتبه بالتفصيل بين النظرة الاولى و بين النظرة الثانية و ما بعدها.

فاللازم ملاحظة الأدلة فنقول.

امّا الكتاب فمن الآيات الواردة في هذا الباب آية الغض المعروفة المتقدمة و هي بلحاظ اشتمالها على إيجاب الغض و حفظ الفرج على الرجال و النساء قد تقدم الكلام فيها و انها لا ترتبط بالمقام من هذه الجهة و اما بلحاظ قوله تعالى فيها وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا فلا بد من البحث فيها حيث انه يستفاد منها ان الزينة على قسمين ظاهرة و باطنة و قد وقع الخلاف في تفسير الزينة الظاهرة فعن عبد اللّٰه بن مسعود ان المراد بالزينة الظاهرة التي لا يحرم ابدائها هي الثياب و يؤيده قوله تعالى يٰا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ اى خذوا ثيابكم التي تتزينون بها عند إرادة الصلاة.

و عن عبد اللّٰه بن عباس ان المراد بالزينة الظاهرة هو الكحل و الخاتم و الخدان و الخضاب في الكف.

و حكى ان المراد منها هو الوجه و الكفان و الظاهر انه مروي أيضا.

و التحقيق ان في الآية الكريمة جهات من

البحث:

الاولى: انه ما الوجه في استعمال لفظ الزينة في الآية؟

الثانية: انه هل الأمر بضرب الخمر على الجيوب بعد النهى عن إبداء الزينة الظاهرة تكليف آخر غير ذلك النهى و حكم مستقل أو انه تأييد و تأكيد له؟

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 570

..........

______________________________

الثالثة: انه ما الوجه في تكرار النهى عن إبداء الزينة في قوله تعالى:

وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ .. خصوصا مع إطلاق الزينة و عدم استثناء الظاهرة هنا؟

الرابعة: انه ما المراد من الضرب بالأرجل ليعلم ما يخفين من زينتهن الذي تعلق النهى به في ذيل الآية الشريفة؟

الخامسة: انه ما الوجه في التعبير في صدر الآية بالزينة الظاهرة الظاهر في الظاهرة بنفسها بصورة الفعل اللازم و التعبير في الذيل بالفعل المتعدى الظاهر في تعلق الإخفاء بها لا كونها مخفية بنفسها؟

اما الجهة الأولى فالظاهر أن الزينة ليست بمعنى الأمر الصناعي الزائد على الخلقة فقط كما ربما يخطر بالبال ابتداء بل لها معنى أعم من ذلك و من الزينة الخلقية بل يمكن ان يقال بالاختصاص بخصوص الزينة الخلقية التي هي الأساس في الجهة المطلوبة من النساء و عليه يكون النهى عن إبداء الزينة عبارة أخرى عن النهي إبداء أنفسهن و السر في هذا التعبير بيان نكتة الحكم و هي ان النهى انما هو لأجل كون النساء زينة بتمام اعضائهن و استثناء ما ظهر يدل على انهن و ان كن زينة بتمام الأعضاء الا ان منها ما تكون زينة غير ظاهرة و منها ما تكون زينة ظاهرة و من الواضح- ح- ان المراد بالزينة الظاهرة ليس الا مثل الوجه و الكفين و التعبير بما ظهر بصورة الفعل الماضي لعله كان لإفادة أن مثلهما

كان ظاهرا في السابق قبل نزول الآية كقوله تعالى وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلّٰا مٰا قَدْ سَلَفَ و عليه يكون الاستثناء منقطعا و لا بأس به فالاية على هذا التقدير تدل على جواز إبداء الوجه و الكفين و عدم حرمة كشفهما و لا ينافي ما ذكرنا اضافة الزينة الى النساء في المستثنى منه الظاهرة في المغايرة بين الزينة و بين الأعضاء لأن هذه الإضافة انما هي كإضافة الأنفس إليهن فكأنه قال و لا يبدين أنفسهن إلا ما ظهر منهن فتدبر.

و اما ما ربما يقال من ان الظاهر ان المراد بالزينة التي تعلق النهى بابدائها هي مواضع الزينة فالمراد بالزينة- ح- هو الأمر الصناعي الزائد على الخلقة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 571

..........

______________________________

فيرد عليه أولا انه خلاف الظاهر لابتنائه على التقدير الذي هو خلاف الأصل و ثانيا انه لو كان المراد مواضع الزينة فيلزم ان لا تكون الآية متعرضة لحكم غير مواضع الزينة فلا دلالة لها- ح- على حرمة إبداء غير تلك المواضع و دعوى ان ما يقع في معرض الإبداء مواضع الزينة لا غيرها مدفوعة بأنه قد يقع غيرها في معرض الإبداء أيضا و الظاهر ان الآية في مقام افادة حكم كلى من هذه الجهة.

و الحق ان يقال ان المرأة بنفسها زينة إلهية خلقية كما قال به الفخر الرازي في تفسيره و استدل عليه بوجهين: الأول ان الكثير من النساء ينفردن بخلقتهن عن سائر ما يعد زينة فإذا حملناه على الخلقة و فينا العموم حقه و لا يمنع دخول ما عدا الخلق فيه أيضا.

الثاني ان قوله وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ يدل على ان المراد بالزينة ما يعم الخلقة

و غيرها فكأنه تعالى منعهن من إظهار محاسن خلقتهن بأن أوجب سترها بالخمار.

و من جميع ما ذكرنا ظهر عدم تمامية ما تقدم نقله عن ابن مسعود من ان المراد بالزينة الظاهرة هي الثياب لانه بعد كون المراد بالمستثنى منه الذي هي الزينة أعضائها و نفسها لا يبقى مجال لكون المراد من المستثنى هي الثياب التي تكون زائدة على الخلقة فكما يكون المستثنى منه ناظرا إلى المرأة بنفسها و أعضائها يكون المستثنى أيضا راجعا إليها و من جملة أعضائها كما لا يخفى.

و اما الجهة الثانية فالظاهر ان قوله تعالى وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ ناظر الى ستر النحر و الصدر و العنق و يكون النظر فيه بعد النهى عن إبداء الزينة إلا ما ظهر منها الإرشاد إلى كيفية العمل بقوله تعالى وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا و ان ضرب الخمر على الجيب يكفي في تحقق موافقة النهى لكون سائر الأعضاء مستورا عادة فضرب الخمار على الجيب كاف في تحقق عدم إبداء غير الزينة الظاهرة و يمكن ان يكون الوجه فيه دفع توهم كون الأمور المذكورة اى النحر و الصدر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 572

..........

______________________________

و العنق من الزينة الظاهرة لكونهن يجعلن طرفي الخمار على ظهرهن على خلاف وضعه الطبيعي و لأجله يمكن التوهم المذكور و قد دفعه اللّٰه بقوله ذلك و بين انه يجب إرخاء الخمار على الجيب و جعله بمقتضى وضعه الطبيعي ليتحقق ستر الأمور المذكورة و على اى حال تقدير فلا دلالة له على وجوب ستر الوجه لان مفاده انما هو وجوب جعل طرفي الخمار على الجيب و هو ضلع أعلى القميص ليستر ما ظهر من

الصدر و العنق و لا يقتضي ستر الوجه أصلا بل يستفاد منه ان تغطية الوجه لا تكون مدلولة لقوله تعالى وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ بل تكون مصداقا لقوله تعالى إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا.

و اما الجهة الثالثة فقد قال بعض أفاضل الهند في رسالته في الحجاب المسماة بإسداء الرغاب في مسألة الحجاب ان قوله تعالى في الأول وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ..

ليس ناظرا الى فرض وجود الأجنبي و العلم به غاية الأمر أنه نعلم من الخارج عدم تضيق الحكم بنحو يعم وجوده و عدمه و لهذا نقول انه ناظر إلى صورة مظنة وجود الناظر و ان لم نعلم به و عليه فلا مانع من إظهار الوجه و الكفين في هذه الصورة و اما قوله تعالى بعد ذلك وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ فالمفروض في موردة صورة وجود الناظر و العلم به و عليه فالابداء المنهي عنه في هذه الصورة يكون خاليا عن الاستثناء و يعم الباطنة و الظاهرة معا فابداء الوجه و الكفين في صورة وجود الناظر منهي عنه و ان كانتا من الزينة الظاهرة لخلو هذه الجملة الشريفة من الاستثناء.

و الظاهر ان الالتزام بما أفاده في بيان معنى الآية مشكل جدا بل ظاهر الآية يأباه لظهورها في اتحاد معنى الجملتين و عدم اختلاف موردهما و الوجه في التكرار انما هو استثناء المحارم الذين لا يحرم للمرأة إبداء الزينة غير الظاهرة لهم و عدم استثناء الزينة الظاهرة في هذه الجملة انما هو للاتكال على وضوحه بقرينة الجملة السابقة مضافا الى ان الروايات أيضا تدل على ان الجملتين بمعنى واحد و سيأتي نقل بعضها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 573

..........

______________________________

و اما الجهة

الرابعة و هي ان المراد من قوله تعالى وَ لٰا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ما ذا و يجرى فيه احتمالان: الأول ان يكون المراد ضرب الرجل على الأرض ليعلم ذلك الثاني ان يكون المراد ضرب الرجل بعضه ببعض لهذه الغاية و على اى تقدير فقوله تعالى لِيُعْلَمَ .. قيد للمنهى لا للنهى و المراد من ذلك كون متعلق النهى هو الضرب لهذا الغرض فمجرد الضرب و لو لغرض أخر و ان ترتب عليه الاطلاع على ما يخفين من زينتهن لا يكون منهيا عنه لان الضرب للغرض المذكور مقدمة لتحريك الرجال و جلب توجههم إليهن فيترتب عليه المفاسد و من ذلك ظهر ان المراد بالزينة في هذه الجملة هي الزينة الزائدة على الخلقة كالخلخال لأنها هي التي يكون الضرب بالأرجل موجبا للاطلاع عليها و العلم بها و اما زينة الخلقة فلا يتوقف ظهورها على ذلك و عليه فيتحقق هنا شاهد أخر على ان المراد بالزينة الظاهرة في الاستثناء الواقع في صدر الآية هي الزينة الخلقية التي تكون على قسمين ظاهرة و باطنة لأن الزينة الزائدة التي وقع التعرض لها في الذيل يكون انقسامها بالإخفاء و الإظهار لا بالخفاء و الظهور فانقدح الفرق بين الصدر الذي وقع الاستعمال فيه بنحو الفعل اللازم و الذيل الذي وقع الاستعمال فيه بنحو الفعل المتعدى و ان الأول ناظر إلى الزينة الذاتية الخلقية و الثاني ناظر إلى الزينة العرضية الزائدة و بذلك يظهر البحث في الجهة الخامسة من الجهات المتقدمة هذا كله بالنظر الى نفس مفاد الآية مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها.

و اما بلحاظ الروايات ففي تفسير نور الثقلين عن الكافي عن زرارة عن أبي

عبد اللّٰه- عليه السّلام- في قول اللّٰه تبارك و تعالى إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا قال: الزينة الظاهرة الكحل و الخاتم. «1» و حيث ان النظر الى الكحل و الخاتم ملازم للنظر الى العين و اليد و لا يمكن الانفكاك بينهما فتلائم الرواية مع ما ذكرنا من ان المراد من الزينة

______________________________

(1) تفسير نور الثقلين ج- 3 ص 592

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 574

..........

______________________________

الظاهرة هي الوجه و الكفان.

و فيه أيضا عنه عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّٰه تعالى وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا قال: الخاتم و المسكة و هي القلب. «1»

و القلب بالضم السوار و الظاهر منها أيضا موضعهما كما لا يخفى.

و فيه أيضا عن تفسير جوامع الجامع: فالظاهرة لا يجب سترها و هي الثياب الى قوله: و عنهم- عليهم السّلام- الكفان و الأصابع. «2»

و فيه أيضا عن تفسير مجمع البيان: و في تفسير على بن إبراهيم الكفان و الأصابع. «3»

و فيه أيضا عن تفسير على بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا فهي الثياب و الكحل و الخاتم و خضاب الكف و السوار و الزينة ثلاث: زينة للناس و زينة للمحرم و زينة للزوج فاما زينة الناس فقد ذكرناها، و اما زينة المحرم فوضع القلادة فما فوقها، و الدملج و ما دونه و الخلخال و ما أسفل منه، و اما زينة الزوج فالجسد كله. «4»

و هاهنا رواية صحيحة من حيث السند و معظلة من حيث الدلالة رواها الفضيل قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه

السّلام- عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال اللّٰه تعالى وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ قال: نعم و ما دون الخمار من الزينة و ما دون السوارين. «5» و نفس السؤال في الرواية دليل على ان مفاد هذه الجملة لا يغاير مفاد قوله تعالى قبل ذلك وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا يعنى ان هذه الجملة أيضا مشتملة على الاستثناء و عدم التعرض له انما هو للاتكال على الجملة السابقة فيدل على خلاف ما التزم به الفاضل الهندي المتقدم من الفرق بين الجملتين كما ان نفس السؤال عن ان الذراعين هل تكونان من الزينة تدل على ان المراد بالزينة ليس الأمر الزائد على الخلقة بل نفس أعضاء المرأة و من

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، در يك جلد، مؤلف، قم - ايران، اول، 1408 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة؛ ص: 574

______________________________

(1) تفسير نور الثقلين ج- 3 ص 592

(2) تفسير نور الثقلين ج- 3 ص 592

(3) تفسير نور الثقلين ج- 3 ص 592

(4) تفسير نور الثقلين ج- 3 ص 592

(5) تفسير نور الثقلين ج- 3 ص 592

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 575

..........

______________________________

المعلوم وقوع التقرير بالإضافة إلى الأمرين.

ثم ان هذه الصحيحة مما استدل به الطرفان إلى القائل باستثناء الوجه و الكفين و القائل بعدمه و الوجه فيه انه قد اختلف في معنى قوله- ع-: و ما دون الخمار من الزينة و ما دون السوارين فالمحكي عن المجلسي- قده- في مرآة العقول و الفيض في الوافي و صاحب الحدائق و الجزائري في قلائد الدرر انها صحيحة

دالة على استثناء الوجه و الكفين و ان المراد من قوله: ما دون الخمار هو ما تحت الخمار في مقابل ما فوق الخمار و معنى ما دون الخمار ما كان مستورا بالخمار و اما قوله: و ما دون السوارين فقالوا ان معناه ان ما دونهما الى المرفق من الزينة المقصودة من الآية.

و قد يقال ان المراد مما دون الخمار الوجه لأن السائل و هو الفضيل لم يكن شاكا و لا جاهلا بان ما تحت الخمار من الزينة لوضوح كونه منها و ما يمكن ان يكون السائل جاهلا بحكمه هو الوجه لاحتمال عدم وجوب ستره مضافا الى ان كلمة «دون» بمعنى ما يكون أسفل من الشي ء و الوجه انما وقع في موقع أسفل من الخمار و تحته و دونه مع ان الزمخشري قال في «الكشاف» ان كلمة «دون» بمعنى ادنى من الشي ء قليلا و ما يكون ادنى من الخمار قليلا انما هو الوجه، و لو قلنا بان معنى دون الشي ء ما هو ادنى منه الذي يعبر عنه في الفارسية به «پست تر» يكون الوجه أيضا كذلك. و اما ما دون السوارين فالمراد منه ما وقع تحتهما و هو الكفان لوقوعهما أسفل من السوارين و محلهما.

و التحقيق ان السائل إنما سئل عن الذراعين و الذراع انما يكون مجموع ما بين المرفق الى الكف أي أطراف الأصابع و عليه فالجواب بقوله- ع-: نعم ظاهر في ان هذا المجموع من الزينة التي يحرم ابدائها و عليه فلا يعلم المراد من قوله- ع-: و ما دون السوارين لانه يبقى له بعد الحكم بكون مجموع الذراع من الزينة مجال سواء كان المراد به هو ما وقع تحت السوارين اى الكفان أو كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 576

..........

______________________________

المراد ما دونهما اى ما بعدهما الى المرفق و عليه فالرواية من هذه الجهة مجملة لا سبيل الى استكشاف المراد منها فلا يصح جعل الرواية مفسرة للاية الشريفة على خلاف ما استفدنا منها.

نعم لو لم يقبل الاستظهار المذكور و قلنا بأن الزينة الظاهرة المستثناة مرددة بين الثياب كما هو المنقول عن عبد اللّٰه بن مسعود و بين ما قاله ابن عباس من انها الكحل و الخاتم و الخدان و الخضاب في الكف فيتحقق الصغرى لمسألة أصولية محررة في محلها و هي انه لو خصص العام بمخصص متصل كان مجملا مرددا بين المتباينين أو بين الأقل و الأكثر يسرى إجمال المخصص الى العام و يصير العام مجملا لا دلالة له على حكم محتملات الخاص و عليه فالاية كما لا دلالة لها على جواز إبداء الوجه و الكفين لا دلالة لها على حرمة ابدائهما أيضا بنحو العموم.

فانقدح من جميع ما ذكرنا ان الآية اما ان تكون دالة على جواز إبداء الوجه و الكفين لكونها من الزينة الظاهرة و اما ان لا دلالة لها على حرمة ابدائهما بنحو العموم كما لا يخفى.

و من الآيات قوله تعالى في سورة الأحزاب (آية 59) يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلٰا يُؤْذَيْنَ وَ كٰانَ اللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً. و قد ورد في شأن نزول الآية ان الإماء في الصدر الأول كن يخرجن مكشوفة الرءوس و كان أهل الريبة و الفسوق يتعرض لهن و يمازحهن و ربما كان يتجاوز المنافقون الى ممازحة الحرائر فإذا قيل لهم في ذلك قالوا حسبنا هن

إماء فقطع اللّٰه عندهم و قد يقال بعدم كون الإماء مكشوفة الرءوس في ذلك الزمان بل كان لهن القميص و الخمار فقط و كيف كان فغرض الآية من الإيجاب المذكور ان يعرفن بالعمل على وفقه بكونهن حرائر فلا يتوجه إليهن الإيذاء و الممازحة.

و اما الجلباب ففي المفردات انه الخمر و القمص و يظهر من بعض آخر انه غيرهما قال في جامع الجوامع: الجلباب ثوب واسع أوسع من الخمار و دون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 577

..........

______________________________

الرداء تلويه المرأة على رأسها و تبقى منه ما ترسله على صدرها. و عن ابن عباس الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل، و قيل الجلباب الملحفة و كلما يتستر به من كساء و غيره.

و اما معنى الآية فربما يقال انه عبارة عن أمر اللّٰه سبحانه نبيه أن يأمر نسائه و بناته و نساء المؤمنين ان يرخين جلابيبهن و ملاحفهن على وجوههن و يغطين الوجوه بفضل جلابيبهن و يسترن جميع البدن حتى لا يتعرض لهن أهل الريبة و الفسوق و يعلم انهن أهل العفة و الشرف فلا يطمعوا فيهن ففي الآية دلالة على الأمر بستر وجوههن و التعليل الواقع فيها يؤكد ذلك لان مرجعه إلى انهن يعرفن بسترهن للوجوه انهن أهل العفة لا أهل الريبة.

هذا و لكن الظاهر ان مفاد هذه الآية هو مفاد قوله تعالى في الآية المتقدمة وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ نظرا الى ان الإماء كن لم يضربن الخمار على الجيوب لتصديهن لمثل الاشتراء من السوق و تهيئهن لأنواع الخدمات فأمر اللّٰه تعالى الحرائر بان يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ليعرفن بذلك انهن حرائر فلا يؤذين بالتعرض و الممازحة أو نظرا الى ان

المراد كون ذلك أقرب الى ان يعرفن بالستر و الصلاح فلا يتعرض لهن لان الفاسق إذا عرف امرأة بالستر و الصلاح لم يتعرض لها و يحتمل ان يكون معنى الآية بناء على كون المراد من الجلباب الملحفة أو الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل كما عن ابن عباس ان إدناء الجلباب عبارة عن جعله قريبا من البدن بحيث صار كالمتصل به في مقابل البعد و الفصل بينه و بين البدن فإنه مع عدم الادناء كثيرا ما يظهر من الجسد شي ء أو أشياء بخلاف ما إذا كان قريبا من البدن فإنه موجب لستره بجميع اجزائه و كيف كان فدلالة الآية على وجوب ستر الوجوه بحيث كانت ظاهرة في ذلك ممنوعة جدا.

و من الآيات التي استدل بها على ستر الوجه و الكفين قوله تعالى في سورة الأحزاب أيضا (آية 53) وَ إِذٰا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتٰاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ ..

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 578

..........

______________________________

نظرا الى ان مفاد الآية ليس من خصائص زوجات النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بل حكم عام وارد في موردهن كما ان سؤال المتاع ليس له خصوصية و المنظور الملاقاة و المواجهة.

و لكنه ينبغي ان يعلم ان الخطاب فيها متوجه الى الرجال دون النساء فالواجب عليهم هو الملاقاة من وراء الحجاب و المانع و لا دلالة لها على وجوب التسترة على النساء فضلا عن ان تدل على وجوب ستر الوجه و الكفين. و بالجملة ان هذه الآية ناظرة إلى النهي عن الدخول في الدار بغير إذن فإن معنى الحجاب هو المانع و اما خصوصية المانع من جهة لزوم كونه مانعا عن أيّ

شي ء فلا دلالة في الآية عليها و على تقديرها فقد عرفت ان مدلولها الإيجاب على الرجال و لا ملازمة بينه و بين وجوب التستر على النساء كما لا يخفى.

ان قلت ان المستفاد من التعليل المذكور في ذيلها ان الاطهرية التامة تحصيل بستر الوجه و الكفين أيضا.

قلت لا دلالة لها على وجوب تحصيل الاطهرية التامة و الا لكان اللازم على النساء عدم الخروج من البيوت أصلا لتحقق الاطهرية التامة بذلك ضرورة ان الخروج و لو مع ستر جميع البدن يوجب التوجه إليهن و الاطلاع على حالهن و لو ببعض المراتب و ذلك ينافي الاطهرية التامة فالاية غير دالة على ذلك.

و من الآيات التي استدل بها على ذلك قوله تعالى في سورة الأحزاب أيضا (آية 32) يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسٰاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلٰا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (33) وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لٰا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجٰاهِلِيَّةِ الْأُولىٰ .. و تقريب الاستدلال بها من وجهين:

الأول: الأولوية فإنه إذا كان الخضوع بالقول حراما فابداء الوجه و الكفين حرام بطريق أولى.

الثاني عموم العلة نظرا الى اقتضاء الآية ان كل شي ء موجب لتحقق الطمع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 579

..........

______________________________

لمن كان في قلبه مرض فهو حرام و من المعلوم ان إبداء الوجه و الكفين موجب لذلك.

و الجواب عن الأول ان الخضوع بالقول لا يقاس به إبداء الوجه و الكفين فإنه محرك شديد و موجب للتحريك نوعا دونه كما لا يخفى و عن الثاني انه لا يمكن الأخذ بعموم التعليل المذكور و الا لكان اللازم ان لا يخرجن النساء من البيوت رأسا و اما الحكم بوجوب

القرار في البيوت في قوله وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ بناء على كونه من القرار لا الوقار فليس المراد به معناه المطابقي الذي كان مرجعه إلى حرمة الخروج من البيت بل هو كناية عن كون شأنهن ادارة البيوت و التصدي لشئونها و ليس من شأنهن الورود في الأمور الاجتماعية التي يكون ظرفها خارج البيت كما استدلت به أم سلمة في مكتوبها إلى عائشة في قصة حرب الجمل كما ان المراد من التبرج المنهي عنه هو إظهار المرأة و إراءة محاسنها كما كان في الجاهلية فهذه الآية لا دلالة لها أيضا على وجوب ستر الوجه و الكفين و قد انقدح من جميع ذلك عدم تمامية دلالة شي ء من الآيات التي استدل بها على ذلك.

و اما السنة فهي على طوائف:

الأولى ما يكون مفادها ان النساء عورة فقد حكى عن العلامة- قده- في المنتهى انه قال روى عن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم- انه: قال المرأة عورة.

و تقريب الاستدلال بها ان الظاهر كون المراد بالعورة هي السوأة و يكون حملها على المرأة من باب التشبيه البليغ الذي تكون اداة التشبيه فيه محذوفة ليعرف ثبوت وجه الشبه في المشبّه على نحو ثبوته للمشبّه به حتى كان الأول يكون من افراد الثاني و مصاديقه و لما كان أظهر خواص العورة و آثارها هو قبح إظهارها عرفا و شرعا و وجوب سترها شرعا لأجل كون إظهارها موجبا لتحريك الشهوات و فعل ما لا ينبغي صدوره فبذلك التشبيه البليغ يعلم ثبوت هذا الأثر في المرأة التي هي المشبّه لان ظهورها موجب لصدور الافعال القبيحة الممنوعة عند

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 580

..........

______________________________

الشرع و من المعلوم

ان ما هو المناط في وجوب الستر ثابت في الوجه على النحو الأتم فتدل الرواية- ح- على انه يجب على المرأة ستر جميع البدن حتى الوجه و الكفين.

و يرد عليه انه يمكن ان يكون المراد من العورة في الرواية ما هو معناها بحسب اللغة و هو كل شي ء يستره الإنسان للاستحياء من ظهوره لكونه قبيحا و من مصاديقها العورة بمعنى السوأة و عليه تكون المرأة من المصاديق الحقيقية للعورة اللغوية لان المرأة شي ء يستحيي من ظهورها لاحتفافها بالأعمال القبيحة و الأفعال الممنوعة التي ينبغي صدورها منها و الا فنفس المرأة ليست شيئا يستحيي منها مع قطع النظر عن احتفافها بها و لكن الكلام في انه لو سترت المرأة جميع بدنها سوى الوجه و الكفين فهل يتحقق الاحتفاف- ح- أم لا و الظاهر ان الرواية لا تكون في مقام بيان ان المرأة بجميع بدنها عورة بل هي ناظرة إلى امتيازهن عن الرجال و بيان ان الطائفتين ليستا بمتساويتين و ان المرأة عورة دون الرجل فأين الدلالة على ان كل جزء من أجزاء بدنها كذلك كما لا يخفى.

و من هذه الطائفة ما رواه الخاصة عن النبي- صلّى اللّٰه عليه و آله- انه قال: النساء عيّ عورة فداووا عيّهن بالسكوت و عوراتهن بالبيوت و قد أمر فيها بمداوى عوراتهن بالبيوت و من المعلوم ان المستورية بالبيت هي المستورية بجميع الأعضاء و لكن اضافة العورات إليهن تدل على عدم كونها بتمامها عورة و يمكن ان يكون عدم التمامية بلحاظ كون العورة من خواص الجسم و لا ارتباط لها بالروح مع ان المرأة مركبة منهما و كيف كان فالظاهر انه لا يمكن الالتزام بالرواية لظهورها في وجوب سترهن بالبيوت و

انه لا يجوز لها الخروج من البيت و لو مع ستر جميع بدنها و من الواضح انه لا يمكن الالتزام بذلك لعدم وجوب سكونتها في البيت دائما و عدم خروجها منه كذلك غاية الأمر استحباب ذلك اللهم الا ان يقال بالتفكيك و ان الوجوب انما تعلق بأصل الستر و الاستحباب تعلق بالستر بالبيوت الذي هو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 581

..........

______________________________

أعلى مرتبة الستر و لكنه انما يصح لو تمت دلالة الرواية على أصل الوجوب أيضا و من الواضح عدم تماميتها ضرورة انه لو كان هناك رواية دالة على عدم وجوب ستر خصوص الوجه و الكفين فهل يتحقق التعارض بينها و بين هذه الرواية و ليس ذلك إلا لأجل عدم دلالة هذه الرواية على وجوب ستر الأمرين أيضا فتدبر جيدا.

الطائفة الثانية ما ورد في باب النظر إلى الأجنبية و هي كثيرة:

منها رواية على بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال سمعته يقول:

النظرة سهم من سهام إبليس مسموم و كم من نظرة أورثت حسرة طويلة. «1»

و الموضوع في الرواية و ان كان هي النظرة المطلقة الا ان المحمول فيها شاهد على كون المراد منه هي النظرة المحرمة و عليه فلا بد من إثبات تحريم النظر الى الوجه و الكفين من دليل آخر و لا دلالة للرواية عليه أصلا فالرواية أجنبية عن الدلالة على حرمة النظر إليهما و على تقديره فقد عرفت ان حرمة النظر لا تستلزم وجوب الستر بخلاف العكس.

و منها مرسلة ابن أبي نجران عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- و ان كانت مروية مسندة عن أبي جميلة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه-

عليهما السّلام- قالا: ما من أحد الا و هو يصيب حظا من الزنا، فزنا العينين النظر و زنا الفم القبلة و زنا اليدين اللمس صدق الفرج ذلك أو كذب. «2» و الظاهر ان المراد من النظر فيها هو النظر مع التلذذ لدلالة لفظ الزنا المحمول عليه على ذلك لملازمته مع التلذذ و التكيف و لكنها لا دلالة للرواية على ان النظر المحرم المحكوم عليه بكونه زنا العينين هو اىّ نظر اللهم الا ان يقال ان النساء المسلمات حيث كن يسترن بدنهن فالعضو الواقع منهن في معرض النظر هو الوجه و الكفان و لكن الظاهر ان الرواية ناظرة الى ان النظر الى العضو الذي يحرم النظر اليه يكون زنا

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب الرابع بعد المائة ح- 1

(2) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب الرابع بعد المائة ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 582

..........

______________________________

بالنسبة إلى العينين و اما ان النظر المحرم ما ذا فلا دلالة لها عليه.

و منها رواية سعد الإسكاف عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة و كان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها و هي مقبلة فلما جازت نظر إليها و دخل في زقاق قد سماه ببني فلان فجعل ينظر خلفها و اعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه و صدره فقال: و اللّٰه لآتين رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- و لأخبرنّه فلما رآه رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- قال: ما هذا فأخبره فهبط جبرئيل بهذه الآية: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ

يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ «1» و لا يخفى ان المستفاد منها ان الأمر بالغض في الكريمة يكون المراد منه الأمر بالغض عن النظر إلى الأجنبية خلافا لما ذكرناه سابقا و استفدناه من نفس الآية و بعض الروايات من ان المراد هو الأمر بالغض عن النظر الى فرج الغير و عورته رجلا كان أو أمرية و كيف كان فمفاد الآية ليس حرمة النظر الى الوجه و الكفين أيضا لأن النساء كن يتقنعن خلف آذانهن و في الآية قد أمرن بإلقاء القناع على جيوبهن فأين الدلالة على حرمة النظر إليهما و على تقديره فلا دلالة لها على وجوب سترهما على النساء لان التحفظ و التحرز عن شق الوجه له طريقان ستر النساء الوجه و الكفين و عدم نظر الرجال إليهن و لا دلالة لها على تعين الأول.

و منها رواية عقبة قال قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها للّٰه عز و جل لا لغيره أعقبه اللّٰه أمنا و ايمانا يجد طعمه. «2» و الظاهر انها بعينها هي الرواية الأولى المتقدمة غاية الأمر ان الراوي عن عقبة هناك هو ابنه و هنا هشام بن سالم فلا تكونان روايتين و على تقديره فمفاد الرواية بعينه

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب الرابع بعد المائة ح- 4

(2) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب الرابع بعد المائة ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 583

..........

______________________________

هو مفاد تلك الرواية و لا دلالة لشي ء منهما على وجوب ستر الوجه و الكفين.

و منها رواية ابن يقطين عن أبي الحسن الأول- عليه السّلام- قال لا

بأس بالشهادة على إقرار المرأة و ليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو حضر من يعرفها، فاما ان كانت لا تعرف بعينها أو لا يحضر من يعرفها فلا يجوز للشهود ان يشهدوا عليها و على إقرارها دون ان تسفر و ينظرون إليها. «1»

و منها رواية محمد بن الحسن الصفار قال كتبت الى الفقيه- عليه السّلام- في رجل أراد ان يشهد على أمرية ليس لها بمحرم هل يجوز ان يشهد عليها و هي من وراء الستر و يسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك و هذا كلامها أو لا يجوز له الشهادة عليها حتى تبرز و يثبتها بعينها؟

فوقّع- عليه السّلام-: تتنقب و تظهر للشهود إن شاء اللّٰه. «2»

و قد استدل بهما على وجوب ستر الوجه فان مفادهما ان المرأة إنما يجوز لها ان تظهر في حال الضرورة لا غير و لو لم يكن الستر واجبا عليها في حال لما كان وجه للسؤال عن انه هل يجوز لها الحضور و الظهور كذلك أم لا كما لا يخفى و اما النقاب فيستر ثلثي الوجه لا أزيد و الا لا تتحقق معرفتها أصلا و إذا كان كذلك فلا يجوز لها الظهور لغير الضرورة.

و ربما يناقش في الاستدلال بان قوله- عليه السّلام-: تتنقب، ليس معناه إيجاب التنقب و إلزامه بل انما هو لأجل استحياء النساء غالبا عن النظر الى وجوههن خصوصا إذا كان النظر لمعرفتها فالتنقب انما هو لمراعاة ذلك لا للزومه و وجوبه ان قلت ان ظهورها للشهود حتى يعرفوها مستلزم لان يكون الشهود قد رأوها سابقا و عرفوها كذلك ضرورة ان مجرد الظهور من دون سبق الرؤية لا يترتب عليه المعرفة و الأثر بوجه

فلو كان النظر الى وجهها حراما يكون لازمة خروج الشهود بذلك عن العدالة المعتبرة فيهم و إذا لم يكن حراما يكون لازمة عدم

______________________________

(1) الاستبصار المجلد الثالث ص- 19 الباب الثالث عشر ح- 1.

(2) الاستبصار المجلد الثالث ص- 19 الباب الثالث عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 584

..........

______________________________

وجوب الستر لانه لا معنى لوجوب الستر مع عدم حرمة النظر كما لا يخفى.

قلت ان في باب الشهادات و تحمل الشهادة قد استثنى مثل ذلك النظر بل أهمّ منه كالنظر الى الفرج حتى تتحقق الرؤية كالميل في المكحلة في باب الزنا و لا يخرج بذلك الشاهد عن العدالة و الا ينسد باب الشهادة و كيف كان فلا دلالة للروايتين على وجوب ستر الوجه كما انه لا دلالة لهما على عدم الوجوب.

الطائفة الثالثة: الروايات الواردة في جواز النظر الى محاسن المرأة و شعرها و وجهها عند ارادة التزويج معها و هي كثيرة أيضا:

منها: رواية محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الرجل يريد ان يتزوج المرأة أ ينظر إليها؟ قال نعم انما يشتريها بأغلى الثمن. «1» و من المعلوم ان النظر الى الوجه داخل في مورد السؤال قطعا.

و منها رواية هشام بن سالم و حماد بن عثمان و حفص بن البختري كلهم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لا بأس بأن ينظر الى وجهها و معاصمها إذا أراد ان يتزوجها. «2» و قد وقع التصريح بالوجه فيها.

و منها رواية الحسن بن السري قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- الرجل يريد ان يتزوج المرأة يتأملها و ينظر الى خلفها و الى وجهها؟ قال: نعم لا بأس ان ينظر الرجل

إلى المرأة إذا أراد ان يتزوجها الى خلفها و الى وجهها. «3»

و قد استدل بهذه الطائفة على وجوب ستر الوجه نظرا الى ان الحكم بجواز النظر اليه قد وقع بيانه بصورة قضية شرطية و مفهومها عدم الجواز عند عدم ارادة التزويج معها الذي هو المفروض في محل البحث.

و لا يخفى انه لو قلنا بعدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية رأسا أو بان ثبوته لها انما هو فيما لو لم يكن الشرط واردا لبيان الموضوع و اما مع كون الشرط

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب السادس و الثلاثون ح- 1

(2) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب السادس و الثلاثون ح- 2

(3) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب السادس و الثلاثون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 585

..........

______________________________

مسوقا لبيان الموضوع كما في قوله ان رزقت والدا فاختنه فلا مفهوم له و المقام أيضا من هذا القبيل فان ارادة التزويج يوجب تحقق الموضوع للنظر لانه لا داعي إليه بدونها فالاستدلال بهذه الطائفة غير صحيح و ان أبيت عن ذلك و قلت بثبوت المفهوم و ان المقام من قبيل قوله ان جاءك زيد فأكرمه فمفهوم الروايات ثبوت البأس عند عدم ارادة التزويج و من المعلوم ان البأس أعم من الحرمة لشموله للكراهة أيضا.

و قد أجاب الشيخ الأعظم الأنصاري- قده- في رسالة النكاح بان بين النظر للتزويج و النظر المبحوث عنه في المقام فرق لان النظر للتزويج انما يكون لتشخيص خلقتها و للاختبار و كشف الواقع بخلاف النظر في غير مورد ارادة التزويج فإنه عبارة عن مجرد النظر بدون التلذذ و الريبة كالنظر الى وجه الرجل كما انه يمكن الفرق بان

البحث في المقام انما هو في جواز النظر و حرمته و اما النظر في هذه الروايات فيمكن ان يكون مستحبا مندوبا كما يرشد إليه الرواية الاولى فتدبر فبين النظرين بون بعيد.

سلمنا دلالة هذه الطائفة على حرمة النظر الى الوجه مع عدم ارادة التزويج و لكنها لا دلالة لها على وجوب ستره لما عرفت.

الطائفة الرابعة: الروايات الواردة في موارد مختلفة التي منها ما في صحيح البخاري عن ابن عباس قال كان الفضل رديف النبي- ص- فجائت أمرية من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها و تنظر اليه فجعل النبي- ص- يصرف وجه الفضل الى الشق الأخر فقالت ان فريضة اللّٰه أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة انا أحج عنه قال: نعم و ذلك في حجة الوداع، و زاد في فتح الباري في شرح صحيح البخاري انه- ص- قال في آخره: رأيت غلاما حدثا و جارية حدثة فخشيت ان يدخل بينهما الشيطان بتقريب انه لو كان النظر الى وجه المرأة غير محرم لم يكن النبي- ص- يصرف وجه الفضل الى الجانب الأخر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 586

..........

______________________________

و الجواب عنه أولا ان صرف النبي- ص- وجهه لعله كان لخشيته- ص- دخول الشيطان بينهما كما علله بذلك في الزيادة المنقولة و عليه فالمحذور انما هو دخول الشيطان و انجرار النظر إلى الأعمال القبيحة و الا فنفس النظر لا يكون محرما حتى يكون إطاعة للشيطان.

و ثانيا ان رؤية النبي- ص- نظر المرأة إلى الفضل كما هو ظاهر الرواية تشهد على تحقق نظره إليها و هو دليل على جوازه فتدبر.

و ثالثا لو كان ستر الوجه واجبا على المرأة فلم لم يأمرها بذلك حتى يتحقق الأمر

بالمعروف و لا يحتاج الى صرف وجه الفضل بوجه فالإنصاف ان الرواية من هذه الجهة من أقوى الأدلة على عدم وجوب ستر الوجه كما لا يخفى.

كل ذلك مضافا الى انه لم يعلم ان انصراف وجه الفضل و عدم النظر إليها كان على طريق الوجوب فلعل صرفه كان لعدم ملاءمة ذلك مع محضر النبي- ص- و الحضور فيه لا لحرمته هذا كله ما يتعلق بالسنة.

و من الوجوه التي قد استدل بها على وجوب ستر الوجه و الكفين ثبوت الاتفاق في المسألة كما ادعاه الفاضل المقداد في كنز العرفان حيث قال: لإطباق الفقهاء على ان بدن المرأة كلّها عورة الأعلى الزوج و المحارم. و من المعلوم شمول البدن للوجه و الكفين خصوصا مع التصريح بكلمة «كل».

و لا يخفى ان مدعاه ليس هو الإجماع المصطلح بل مجرد الإطباق و الاتفاق و هو أعم منه مع ان الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجة كما قرر في محله مع ان التمسك بالإجماع في محل النزاع خصوصا مع ذهاب كثير من الاعلام الى عدم وجوب ستر الوجه و الكفين مما لا وجه له أصلا.

و من الوجوه ان السيرة المستمرة من المتشرعة قائمة على منع النساء ان يخرجن منكشفات و على مراقبتهن و عدم خروجهن من البيوت الا متسترة كما ان النظر الى وجه المرأة الأجنبية قبيح عند المتشرعة مطلقا من دون فرق بين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 587

..........

______________________________

صورة التلذذ و غيرها و قد عبّر صاحب الجواهر- قدس سره- بان التطلع على النساء من المنكرات في الإسلام.

و يمكن الجواب عنه بان عدم ستر الوجه و الكفين يوجب كون المرأة في معرض النظر و من المعلوم ان

الانظار مختلفة بعضها مقرون بالتلذذ و بعضها خال عنه و حيث انه لا سبيل الى تشخيص النظر المقرون بالتلذذ لان القصود لا يطلع عليها فطريق الاحتجاب عن الناظر بشهوة هو الاحتجاب مطلقا.

و ان أبيت عن ذلك و قلت ان السيرة قائمة على التستر في نفسه لا لما قيل من تحقق الاحتجاب عن الناظر بشهوة فالجواب ان السيرة لا دلالة لها على خصوص الحكم اللزومي بل هي أعمّ منه فان صاحب الجواهر- قده- مع اتكائه على هذه السيرة و إنكار المتشرعة أفتى بجواز النظر الى جميع جسد المرأة لمن أراد التزويج معها مع ان هذا مما ينكره المتشرعة أشد الإنكار فيظهر من ذلك ان السيرة قاصرة عن إثبات الحكم اللزومي.

و منها ان عدم التستر و النظر ربما يوجب الوقوع في الفتنة و الحرام و حيث ان نظر الشارع عدم تحقق الفتنة بوجه فيكشف ذلك عن وجوب التستر و حرمة النظر و قد أجاب الشيخ الأعظم- قده- عن هذا الوجه بان المعهود من الشارع في أمثال هذه الموارد هو الحكم بالكراهة دون التحريم كالروايات الدالة على حسن الاحتياط في الشبهات الحكمية و ان ارتكاب الشبهات ربما يوجب الوقوع في حمى اللّٰه و محرّماته و قد ثبت في الأصول ان مقدمة الحرام ليست بمحرمة و لو قلنا بوجوب مقدمة الواجب نعم المقدمة التي هي علة تامة لوقوع الحرام بحيث يترتب عليها قهرا من دون تخلل الإرادة و الاختيار تكون محرمة و من المعلوم ان النظر و كذا عدم التستر لا يكون كذلك.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الوجوه التي استدل بها على وجوب ستر الوجه و الكفين كلها مخدوشة مردودة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الصلاة، ص: 588

..........

______________________________

و اما القول بالتفصيل بين النظرة الاولى و غيرها فمستنده روايات ظاهرة في ذلك:

منها رواية الكاهلي قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة و كفى بها لصاحبها فتنة. «1»

و منها مرسلة الصدوق قال: و قال عليه السّلام: أول نظرة لك و الثانية عليك و لا لك و الثالثة فيها الهلاك. «2»

و منها ما رواه أيضا في الخصال بإسناده عن على عليه السّلام في حديث الأربعمائة قال لكم أول نظرة الى المرأة فلا تتبعوها نظرة اخرى و احذروا الفتنة. «3»

و منها ما رواه أيضا في عيون الاخبار عن محمد بن عمر الجعابي عن الحسن بن عبد اللّٰه بن محمد الرازي عن أبيه عن الرضا عن آبائه عليهم السّلام قال قال رسول اللّٰه (ص) من قتل حيّة قتل كافرا و قال لا تتبع النظرة النظرة فليس لك يا على الا أوّل نظرة. «4»

و الجواب عن الاستدلال بهذه الروايات ان البحث انما هو في النظر الى الوجه و الكفين و ليس في هذه الروايات إطلاق يشمل النظر إليهما بل موردها هو النظر المحرم و اما ان اىّ نظر يكون محرما فلا دلالة لها عليه و بالجملة شمول الروايات للنظر الى الوجه و الكفين و الحكم بالتفصيل فيه غير واضح.

و ربما يقال بان المراد من النظرة الأولى هي النظرة غير العمدية و من الثانية هي النظرة العمدية و لكنه لا شاهد على هذا القول أصلا فظهر من جميع ما ذكرنا عدم تمامية أدلة القائلين بوجوب ستر الوجه و الكفين اما مطلقا أو في غير النظرة الاولى و هنا شواهد و أدلة على عدم الوجوب:

الأول: الآية الشريفة المتقدمة المشتملة على

استثناء ما ظهر من الزينة

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب الرابع بعد المائة ح- 6

(2) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب الرابع بعد المائة ح- 8

(3) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب الرابع بعد المائة ح- 15

(4) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب الرابع بعد المائة ح- 11

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 589

..........

______________________________

بناء على تفسيرها بالوجه و الكفين كما لعله الظاهر من الآية و قد وردت به روايات على ما تقدم نعم لو قلنا بان الروايات الواردة في تفسيرها مختلفة و ان الزينة الظاهرة تكون مجملة لكان لازمة إجمال المخصص المتصل و هو يسرى الى العام و يصير سببا لإجماله و عليه فلا دلالة في الآية على جواز كشفهما كما انه لا دلالة لها على حرمة ابدائهما على ما هو المفروض فيصير وجوب سترهما مشكوكا و لا حاجة- ح- للقائل بالجواز إلى إقامة الدليل عليه بعد اقتضاء أصالة البراءة لعدم الوجوب.

الثاني الروايات الواردة في المقام و هي كثيرة:

منها ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: قلت له ما يحل للرجل ان يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال الوجه و الكفان و القدمان و رواه الصدوق في الخصال عن محمد بن الحسن عن الصفار عن احمد بن محمد مثله. «1» و هذه الرواية و ان كانت مرسلة الا ان في السند احمد بن محمد بن عيسى الذي أخرج البرقي من «قم» لنقله الرواية من الضعاف فاشتمال السند على احمد يجبر الإرسال كما ان

نقله عن مروك دليل على انه معتمد مضافا الى تعبير أهل الرجال عنه بأنه شيخ صدوق فالرواية من جهة السند غير قابلة للمناقشة.

و اما من حيث الدلالة فواضحة و لكنه ربما يناقش فيها بان اشتمالها على القدمين يوجب الوهن فيها لعدم جواز النظر الى القدمين إجماعا و لكنه أجاب عنها الشيخ- قده- بأنه لا مانع من الالتزام بكون الرواية مطروحة بالإضافة إلى خصوص القدمين و لا يوجب ذلك إشكالا بالإضافة إلى الوجه و الكفين و اما صاحب الحدائق- قده- فقد التزم بجواز النظر الى القدمين أيضا لأجل اشتمال الرواية عليهما.

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب التاسع بعد المائة ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 590

..........

______________________________

و منها رواية مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفرا و سئل عما تظهر المرأة من زينتها قال الوجه و الكفين. «1»

و منها ما عن قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى- عليهما السّلام- قال سألته عن الرجل ما يصلح ان ينظر إلى المرأة التي لا تحل له؟ قال الوجه و الكفان و موضع السوار.

و لا يخفى ان نفس السؤال دليل على انه كان في ذهن السائل و هو على بن جعفر عدم وجوب ستر المرأة جميع بدنها و انه ليس بحيث لا يجوز النظر الى الجميع بل كان هناك مقدار لا يجب ستره و يجوز النظر اليه و انما كان السؤال عن تعيينه، و لم يستبعد المحقق السبزواري- قده- في محكي الكفاية صحة سند هذه الرواية.

و منها رواية على بن سويد قال قلت لأبي الحسن- عليه السّلام- انى مبتلى بالنظر الى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها فقال: يا على لا بأس إذا

عرف اللّٰه من نيتك الصدق و إياك و الزنا فإنه يمحق البركة و يهلك الدين «2» و الظاهر ان معنى الابتلاء بالنظر الى المرأة الجميلة كون حرفته و علمه مقتضيا للنظر إليها كما قاله الشيخ الأنصاري- قده- و قال في الجواهر: ان المراد هي النظرة غير العمدية مع انه لا يلائم قوله- عليه السّلام- إذا عرف اللّٰه من نيتك الصدق فإنه يدل على ان النظر كان ناشيا عن النية و القصد و يستفاد من الرواية عدم تداول ستر الوجه في ذلك الزمان و الا لم يتحقق الابتلاء، و عدم تذكر الامام- عليه السّلام- لعليّ بن سويد النهى عن المنكر و عدم تنبيهه عليه ظاهر في عدم كونه منكرا فتدبر.

و منها رواية أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن المرأة

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب التاسع بعد المائة ح- 5

(2) الوسائل أبواب النكاح المحرم الباب الأول ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 591

..........

______________________________

المسلمة يصيبها البلاء في جسدها اما كسر و اما جرح في مكان لا يصلح النظر اليه يكون الرجل ارفق بعلاجه من النساء أ يصلح له النظر إليها؟ قال إذا اضطرت اليه فليعالجها ان شاءت. «1» فان المستفاد من قول السائل و هو أبو حمزة الثمالي- الذي كان من أعيان أصحاب الأئمة عليهم السّلام و من وجوه الشيعة صاحب الدعاء المعروف-: «في مكان لا يصلح النظر اليه» ان من جسد المرأة موضعا يصلح النظر اليه و الا يكون ذكر هذه الجملة لغوا لا يترتب عليها أثر أصلا و لا يكون ذلك الموضع الا الوجه و الكفين للإجماع على عدم جواز النظر الى غيرهما.

و

منها الروايات الواردة في باب غسل المرأة الميتة التي منها رواية مفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهن لها ذو محرم و لا معهم أمرية فيموت المرأة ما تصنع بها؟ قال: يغسل منها ما أوجب اللّٰه عليها التيمم و لا تمس و لا يكشف لها شي ء من محاسنها التي أمر اللّٰه بسترها قلت فكيف يصنع بها؟ قال: يغسل بطن كفيها ثم يغسل وجهها ثم يغسل ظهر كفيها. «2» فان المستفاد منها ان مواضع التيمم ليست من المحاسن التي أمر اللّٰه بسترها فهي لا يجب سترها و فيها اشعار بكون المراد من الزينة الظاهرة المستثناة في الكريمة المتقدمة هي مواضع التيمم التي هي عبارة عن الوجه و الكفين ظاهرهما و باطنهما كما لا يخفى.

و منها الروايات الواردة في تروك الإحرام الدالة على حرمة تغطية الوجه للمرأة كرواية عبد اللّٰه بن ميمون عن جعفر عن أبيه- عليهما السّلام- قال: المرأة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه. «3» و رواية أحمد بن محمد «بن أبي نصر- خ» عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال مر أبو جعفر- عليه السّلام- بامرئة محرمة

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب الثلاثون بعد المائة ح- 1

(2) الوسائل أبواب غسل الميت الباب الثاني و العشرون ح- 1

(3) الوسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثامن و الأربعون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 592

..........

______________________________

قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها. «1»

و رواية الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال مر أبو جعفر- عليه السّلام- بامرئة

متنقبة و هي محرمة فقال أحرمي و أسفري و ارخى ثوبك من فوق رأسك فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك قال رجل الى أين ترخيه؟ قال تغطى عينها قال قلت تبلغ فمها قال نعم. «2»

فإن إيجاب كشف الوجه عليها في حال الإحرام و تحريم تغطيته يؤيد بل يدل على عدم وجوب الستر عليها في غير حال الإحرام لأنه من البعيد جدا ان يصير المحرم في غير حال الإحرام واجبا في حاله و اما صيرورة الجائز واجبا أو محرما فلا بعد فيه أصلا.

و منها رواية عمرو بن شمر عن أبي جعفر- عليه السّلام- عن جابر بن عبد اللّٰه الأنصاري قال: خرج رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- يريد فاطمة- عليها السّلام- و انا معه فلما انتهينا الى الباب وضع يده عليه فدفعه ثم قال: السلام عليكم فقالت فاطمة- عليها السّلام- و عليك السلام يا رسول اللّٰه قال ادخل؟ قالت ادخل يا رسول اللّٰه، قال: ادخل و من معى؟

قالت ليس على قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك ففعلت ثم قال: السلام عليك فقالت و عليك السلام يا رسول اللّٰه قال: ادخل؟ قالت: نعم يا رسول اللّٰه قال: انا و من معى؟ قالت: و من معك قال جابر فدخل رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- و دخلت و إذا وجه فاطمة- عليها السّلام- اصفر كأنه بطن جرادة فقال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- مالي أرى وجهك اصفر قالت يا رسول اللّٰه الجوع فقال رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله- اللهم مشبع الجوعة و دافع الضيعة أشبع فاطمة بنت محمد قال جابر فو اللّٰه لنظرت الى الدم ينحدر من قصاصها

حتى عاد وجهها أحمر فما جاعت بعد ذلك اليوم. «3»

______________________________

(1) الوسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثامن و الأربعون ح- 4

(2) الوسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثامن و الأربعون ح- 3

(3) الوسائل أبواب مقدمات النكاح و آدابه الباب العشرون بعد المائة ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 593

..........

______________________________

و منها غير ذلك من الروايات الواردة في موارد مختلفة التي تظهر بالتتبع و بذلك يتم الكلام في الجهة الاولى من الجهتين المبحوث عنهما في باب الستر على ما عرفت.

و اما الكلام في الجهة الثانية و هي الستر الذي يجب شرطا للصلاة و نحوها فنقول قد عرفت الفرق بينه و بين الستر الواجب النفسي من جهات متعددة و الكلام فيها أيضا يقع في مقامين.

المقام الأول فيما يتعلق بالرجال فنقول قد اتفق الأصحاب على ان الواجب على الرجال هو ستر ما يكون ستره متعلقا للوجوب النفسي فلا يجب عليهم الا ستر العورة فقط و العورة كما عرفت عبارة عن أصل القضيب و البيضتين و الدبر و أوجب بعض العامة عليهم ان يستروا جميع ما بين السرة و الركبة و لكن لا دليل عليه بل يستحب نفسيا ذلك و يوجب ذلك اكملية الصلاة.

و اما الروايات الواردة في هذا المقام فالمستفاد منها مفروغية أصل المسألة و في مقابلها روايات تدل على ان الرجل يصلى في قميص واحد أو ثوب مع ان القميص يستر بحسب ما هو المتعارف أكثر من العورتين فهل هذه الروايات متنافية مع الطائفة الاولى؟ و لا بأس بالتعرض لبعض الروايات من كلتا الطائفتين فنقول:

اما الطائفة الأولى:

فمنها صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى- عليهما السّلام- قال سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه

فبقي عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلى؟ قال ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلوته بالركوع و السجود و ان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم. «1» فإنه يستفاد منها مفروغية اعتبار ستر العورتين فقط للرجل في الصلاة.

و منها صحيحته الأخرى عن أخيه قال: سألته عن الرجل صلى و فرجه خارج

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخمسون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 594

..........

______________________________

لا يعلم به هل عليه اعادة أو ما حاله؟ قال: لا اعادة عليه و قد تمت صلوته «1» فان مدلولها ان عدم الإعادة انما هو لأجل الجهل بكون الفرج خارجا كما لا يخفى.

و اما الطائفة الثانية:

فمنها رواية يونس بن يعقوب انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرجل يصلى في ثوب واحد؟ قال: نعم قال قلت فالمرأة قال لا، و لا يصلح للحرة إذا حاضت الا الخمار الا ان لا تجده. «2»

و منها رواية محمد بن مسلم (في حديث) قال قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- ما ترى للرجل يصلى في قميص واحد؟ فقال إذا كان كثيفا فلا بأس به و المرأة تصلى في الدرع و المقنعة إذا كان الدرع كثيفا يعني إذا كان ستيرا «3» و الظاهر انه لا منافاة بين الطائفتين لان الطائفة الثانية لا تكون إلا في مقام عدم وجوب أزيد من قميص واحد أو ثوب كذلك في مقابل المرأة التي يجب عليها أزيد من ذلك و ليست في مقام إيجاب ستر كل جزء يستره القميص أو الثوب كما لا يخفى فلا منافاة أصلا.

ثم انه حيث ان اللون قد يكون مستورا بحيث لا يكون قابلا للتميز و لكن

الشبح لا يكون مستورا لان الشبح عبارة عن الشي ء الذي يرى نفسه و لكن لا يتميز لونه كما إذا كان الشي ء مرئيا من وراء زجاجة كثيفة أو من البعيد، كما انه قد يكون الشبح مستورا و لكن الحجم لا يكون مستورا لان الحجم عبارة عن الشي ء الذي لا يرى بنفسه بل يرى الحاجب و الساتر و لكن الحاجب يحكى عنه، كما انه قد يكون الحجم أيضا مستورا يقع الكلام في ان اللازم من الستر في باب الصلاة أية مرتبة من مراتبه فنقول:

لا إشكال في ان ستر اللون الذي هو أقل مراتب الستر يكون معتبرا في الصلاة

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب السابع و العشرون ح- 1

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن و العشرون ح- 4

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن و العشرون ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 595

..........

______________________________

و اما ستر الشبح فاحتاط السيد- قده- في العروة باعتباره و لا يبعد ذلك نظرا الى ان المتفاهم عند العرف من الستر الموضوع للحكم هو ستر الشبح أيضا لأنه مع عدم ستره يكون الشي ء مرئيا بنفسه و ان لم يكن لونه متميزا و هذا بخلاف ستر الحجم فان المفروض فيه عدم تعلق الرؤية بنفس الشي ء بل بما يحكى عنه و لكن جمع من الأصحاب و منهم المحقق الثاني ذهبوا الى وجوب ستر الحجم أيضا استنادا إلى قاعدة الاشتغال الجارية في مورد الشك لانه مع عدم تحقق ستر الحجم يشك في تحقق ستر العورة المعتبر في الصلاة اللازم تحصيله و العلم بتحققه. و قد عرفت ان المتفاهم العرفي من الستر هو كون الشي ء مستورا بنفسه و لم يتعلق به الرؤية

كذلك و اما كون الحجم أيضا مستورا فهو خارج عما هو المتفاهم عند العرف فلا مجال لقاعدة الاشتغال.

و استندوا أيضا الى مرفوعة أحمد بن حماد الى أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تصل فيما شف أو وصف يعنى الثوب المصقل «1». و المعروف في نقلها: أو وصف بواوين كما قاله الشهيد في محكي الذكرى و معناه الثوب الحاكي للحجم و لكن نقل عن تهذيب الشيخ- قده- بخطه: أو صف و معناه الصفاء و الصافي و عليه يكون عبارة أخرى عن الشف و تفننا في العبارة. و قال في الحدائق: ان في نسخ التهذيب يكون بواو واحد كما ان الكتب التي يروى عن التهذيب يكون هكذا.

و اما قوله: يعنى الثوب المصقل فالظاهر انه من الراوي لأن الكليني أيضا يرويها بهذه العبارة مع انه ليس من دأبه في الكافي تفسير الروايات أصلا و عليه فلا مجال لاحتمال كونه من الشيخ بل هو من الراوي و الظاهر انه تفسير للجملتين لا خصوص الجملة الأخيرة و هو أيضا يؤيد كون الجملتين بمعنى واحد فلا بد من ان تكون الجملة الأخيرة مع واو واحدة.

كل ذلك مع ان الرواية ضعيفة سندا لان فيه السياري الذي هو جعال

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الواحد و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 596

..........

______________________________

كذاب كما في الكتب الرجالية مضافا الى كونها مرفوعة فلا مجال للاستدلال بها أصلا.

المقام الثاني فيما يتعلق بالنساء و الأقوال فيه كثيرة فالمشهور ان الواجب عليهن ستر جميع البدن الا الوجه و الكفين و القدمين و عن الشيخ- قده- استثناء الوجه فقط، و عن جماعة عدم استثناء شي ء من المذكورات و هم بين

قائل بوجوب ستر البدن جميعا و بين قائل بوجوب ستر الجميع الا موضع السجود كابن حمزة و بين قائل باستثناء بعض الوجه و في قبال هذه الأقوال قول ابن الجنيد بعدم الفرق بين الرجال و النساء في الستر الشرطي بمعنى انه لا يجب عليهن شرط إلا ستر العورتين فقط.

و اما الأدلة فقد ادعى بعض ان جسد المرأة عورة و من المعلوم وجوب ستر العورة في الصلاة و فيه منع الصغرى و الكبرى، اما الصغرى فلعدم الدليل عليها و قد عرفت ان ادعاء الاتفاق عليها من الفاضل المقداد يكون فاقدا للاعتبار و اما الروايات الظاهرة في ان النساء عيّ عورة فليست بمعتبرة من حيث السند و على تقديره فليس تطبيق العورة عليهن تطبيقا حقيقيا بل الظاهر منها ان النساء بمنزلة العورة و المتفاهم منه عرفا انها بمنزلة العورة في وجوب التحفظ عن النظر إليها و لو سلم ان التطبيق حقيقي فالكبرى ممنوعة لعدم الدليل على وجوب ستر العورة كلها في الصلاة فهذا الدليل مردود.

و اما الروايات فلا بد من ملاحظتها فنقول:

منها رواية الفضيل عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: صلت فاطمة- عليها السّلام- في درع و خمارها على رأسها ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها و أذنيها، «1» و لم يعلم ان الدرع الذي عبر عنه في بعض الروايات الأخر بالقميص هل كان ساترا للكفين و القدمين أم لا فلا يصح الاستدلال بها لحكمهما نفيا أو إثباتا نعم يمكن

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 597

..........

______________________________

الاستدلال بها لحكم الوجه و انه لا يجب ستره لعدم كون الخمار ساترا له كما انه

من الواضع عدم كون الدرع ساترا له بوجه.

و منها رواية على بن جعفر انه سئل أخاه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلى؟ قال: تلتف فيها و تغطى رأسها و تصلى فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك فلا بأس. «1»

و منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال. المرأة تصلى في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا يعنى ستيرا. «2»

و منها رواية معلى بن خنيس عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: سألته عن المرأة تصلى في درع و ملحفة ليس عليها إزار و لا مقنعة قال لا بأس إذا التفت بها و ان لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا. «3»

و منها رواية ابن أبي يعفور قال قال أبو عبد اللّٰه- عليه السّلام- تصلي المرأة في ثلاثة أثواب إزار و درع و خمار و لا يضرها بان تقنع بالخمار فان لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما و تقنع بالآخر قلت فان كان درع و ملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال لا بأس إذا تقنعت بملحفة فان لم تكفها فتلبسها طولا. «4»

و منها رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن ادنى ما تصلى فيه المرأة قال درع و ملحفة فتنشرها على رأسها و تجلل بها. «5» و المستفاد من هذه الروايات انه لا خصوصية و لا موضوعية للأمور المذكورة فيها بعنوان الساتر و اللباس بل الملاك المستورية و لو بغير الألبسة المتعارفة و لكن ظاهر صحيحة جميل بن دراج خلاف ذلك قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن المرأة تصلى في درع و خمار؟ فقال يكون

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن

و العشرون ح- 2

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن و العشرون ح- 3

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن و العشرون ح- 5

(4) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن و العشرون ح- 8

(5) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن و العشرون ح- 9

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 598

..........

______________________________

عليها ملحفة تضمها عليها. «1» فان مقتضاها عدم الاكتفاء بالدرع و الخمار مع كونهما ساترين مضافا الى دلالة الروايات المتقدمة على جواز الاكتفاء بهما.

و قد حمل الشيخ- قده- هذه الرواية على زيادة الفضل و الثواب أو على كون الدرع و الخمار لا يواريان شيئا.

و مثلها رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال سألته عن المرأة الحرة هل يصلح لها ان تصلى في درع و مقنعة؟ قال لا يصلح لها إلا في ملحفة الا ان لا تجديدا «2» فان الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة سيما الرواية الحاكية لصلاة فاطمة عليها السّلام انما يكون بالحمل على الاستحباب خصوصا بملاحظة أن الملحفة لا تستر أزيد مما يستره الدرع و الخمار و لعل وجه الاستحباب ان ضم الملحفة يوجب الطمأنينة للنفس بحصول الستر الكامل كما لا يخفى و دعوى انه يمكن ان يكون عملها- ع- في حال الضرورة لأن الرواية متضمنة لحكاية الفعل و من المعلوم ان الفعل لا إطلاق له مدفوعة بأنه لو كان الحاكي هو الامام- ع- و كان الغرض من الحكاية بيان الحكم لا مانع من التمسك بإطلاقه- ح- لانه لو كان الحكم مقيدا بحال الضرورة كان عليه البيان و لكن سند الرواية الحاكية لا يخلو عن اشكال هذا ما يتعلق بأصل وجوب الستر على النساء في

حال الصلاة ثم انه وقع الكلام فيما يستثنى من ذلك و هو أمور:

أحدها الوجه و قد استثنى في معاقد جملة من الإجماعات و في الذكرى اجمع العلماء على عدم وجوب ستر وجهها إلا أبا بكر بن هشام و قد عرفت ثبوت القول بوجوب ستر جميع البدن من غير استثناء كما انك عرفت ان ابن حمزة اقتصر في الاستثناء على موضع السجود.

و الدليل على استثنائه جميع الروايات الدالة على انه يجوز للمرأة الاكتفاء في صلوتها بدرع و خمار ضرورة أن الخمار و المقنعة لا يستر الوجه بوجه و انما

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن و العشرون ح- 11

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن و العشرون ح- 14

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 599

..........

______________________________

الساتر له بأجمعه أو ببعضه النقاب و ليس في الروايات ما يدل على اعتباره مضافا الى موثقة سماعة قال سألته عن المرأة تصلي متنقبة قال إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به و ان أسفرت فهو أفضل «1» فإن مفادها أفضلية الاسفار مضافا الى ظهورها في ان السائل كان في ذهنه شبهة عدم الجواز و هل المراد بالوجه المستثنى في هذا الباب هو الوجه الذي يجب غسله في باب الوضوء و هو ما دارت عليه الإبهام و الوسطى من قصاص الشعر الى الذقن كما ورد في الرواية الصحيحة؟ ربما يقال: نعم لان تفسير الامام- ع- الوجه بذلك في باب الوضوء يدل على ان معناه بحسب العرف و اللغة يكون كذلك لعدم كون الوجه له حقيقة شرعية و لا مجال لاحتمال ذلك فيه فالوجه العرفي هو ما فسر في الرواية.

و لكن التحقيق انه ليس في الروايات الواردة

في المقام ما يدل على استثناء الوجه بعنوانه حتى يبحث في المراد منه بل قد عرفت ان مفادها مجرد بيان ما يكفى للمرأة من الثياب ان تصلى فيها و هي عبارة عن الدرع و الخمار و من الواضح ان المقدار الخارج من الوجه من الخمار و المقنعة أوسع من الوجه الذي يجب غسله في باب الوضوء خصوصا بملاحظة الرواية الحاكية لفعل فاطمة المرضية- عليها آلاف الثناء و التحية- الدالة على انه ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها و أذنيها فإن ظاهرها خروج الصدغين أيضا كما لا يخفى فانقدح ان الوجه المستثنى هنا أوسع من الوجه في باب الوضوء.

ثانيها الكفان و في وجوب سترهما و عدمه خلاف و المشهور بين الفريقين الاستثناء بل ادعى كثير من العلماء عليه الإجماع و حكى عن صاحب الحدائق- قده- انه ذهب الى ما ذهب إليه أحمد بن حنبل و داود من العامة من ان ستر الكفين شرط لصحة صلاة المرأة نظرا الى ان نصوص الاكتفاء بالدرع و الخمار يكون

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثالث و الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 600

..........

______________________________

إثبات العدم بها موقوفا على عدم ستر الدرع للكفين و هو غير ثابت و من الجائز كون دروعهن في تلك الأزمنة واسعة الأكمام طويلة الذيل كما هو المشاهد الان في نساء أهل الحجاز بل أكثر بلدان العرب فإنهم يجعلون القمص واسعة الأكمام مع طول زائد بحيث يجر على الأرض ففي مثله يحصل ستر الكفين و القدمين و مع الشك في انه هل كانت الدروع في زمان النبي و الأئمة- عليه و عليهم السّلام- ساترة لهما أم لا يرجع الى أصالة

عدم التغيير.

و فيه مع فرض ان الدروع كانت ساترة للكفين أيضا في زمانهم- عليهم السّلام- نقول لا دليل على اعتبار سترهما لان مفاد الروايات انما هو عدم وجوب ستر ما هو خارج عن الثوبين للمرأة لا وجوب ستر جميع ما هو داخل فيهما كما ان الأمر يكون كذلك في الرجل فان مفاد الروايات الدالة على انه يصلى في ثوب واحد عدم وجوب ستر ما هو خارج عنه لا وجوب ستر جميع ما يكون داخلا فيه لما عرفت من ان الواجب عليه انما هو ستر العورتين فقط هذا مضافا الى ان الأصحاب من عصر الامام عليه السّلام الى زمن العلامة و الشهيدين و غيرهم قد أفتوا بعدم شرطية سترهما و استدلوا عليه بروايات الثوبين فيعلم منه ان الدروع في زمانهم لم تكن تستر الكفين و الا فلا يكون وجه للاستدلال بها و لا أقل من كون الدروع في زمانهم على قسمين فاستدلوا بإطلاق الحكم على عدم الوجوب لان مدلول الرواية كفاية الدرع مطلقا و يؤيد عدم كون الدروع ساترة للكفين في الأزمنة السابقة ما تقدم من ابن عباس في تفسير الزينة الظاهرة بالوجه و الكفين حيث ان هذا التفسير و لو نوقش فيه بلحاظ كونه مقصودا من كلام اللّٰه تعالى الا ان دلالته على عدم كون الكفين مستورين في زمانه مما لا ينبغي المناقشة فيها و لم يعترض عليه أحد من تلامذته.

هذا كله مضافا الى انه لو شك في خروجهما عن الدرع فالواجب هو الرجوع الى أصالة البراءة على ما هو الحق من جريانها في مثل المقام و اما رواية زرارة المتقدمة الدالة على ان ادنى ما تصلى فيه المرأة درع و ملحفة تنشرها على رأسها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 601

..........

______________________________

و تجلل بها فلا دلالة لها على اعتبار أزيد مما يستره الدرع من الجسد كما انه لا دلالة لها على اعتبار أزيد مما يستره الخمار و المقنعة من الرأس كما لا يخفى.

ثالثها القدمان و المشهور- كما في غير واحد من الكتب- عدم وجوب سترهما في الصلاة خلافا لصاحب الحدائق و دليله ما عرفت مع جوابه و قد عرفت ان رواية التجلل لا تفيد أزيد مما تفيده روايات الدرع و الخمار و الظاهر عدم كون الدرع ساترة للقدمين لما مر في الكفين نعم في صحيحة على بن جعفر- ع- المتقدمة عن المرأة ليس لها إلا ملحقة واحدة كيف تصلى؟ قال تلتف فيها و تغطى رأسها و تصلى فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك فلا بأس فإن مقتضى مفهوم الذيل وجوب ستر الرجل و لكن الظاهر انها محمولة على غير القدم لأنها لا تكون في مقام بيان وجوب ستر الرجل حتى يكون لها إطلاق مضافا الى ما ربما يقال من ان الاعراض يوجب سقوطها عن الحجية فتدبر ثم انه قد نص في «الدروس» علي ان المستثنى هو ظاهر القدمين و باطنهما و قد عبر بعضهم بل كثيرهم بظاهر القدمين و في غير واحد من الكتب استثناء القدمين من دون تعرض للظاهر و الباطن أصلا، و يؤيد عدم الاختصاص بالظاهر انه على تقديره يلزم عدم الفائدة فيه لان ما هو الساتر للباطن من الألبسة المتعارفة يكون ساترا للظاهر أيضا و دعوى انه يكفى في ستر الباطن الأرض مدفوعة بأن كفايته انما هو في غير حال السجود و اما في حاله فيحتاج الى الساتر مع ان

كفاية ساترية الأرض و لو بالإضافة إلى باطن القدمين محل نظر فالظاهر- ح- عدم اختصاص الحكم بالظاهر و التعبير به لعله لأجل كونه محلا للابتلاء بالستر فتدبر ثم انه ذهب صاحب المدارك- قده- إلى انه لا يجب على المرأة ستر شعر رأسها بما لا يكون حاكيا له مستندا إلى رواية محمد بن مسلم في حديث قال:

قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- ما ترى للرجل يصلى في قميص واحد فقال إذا كان كثيفا فلا بأس به و المرأة تصلى في الدرع و المقنعة إذا كان الدرع كثيفا يعني إذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 602

..........

______________________________

كان ستيرا. «1» فان تخصيص اعتبار الكثافة بالدرع يدل على عدم اعتبارها في المقنعة. و أجاب عنه صاحب الجواهر- قده- بان هذا مستلزم لعدم اعتبار ستر بشرة الرأس لأنه إذا كانت المقنعة حاكية لما تحتها من شعر الرأس تكون بشرته أيضا غير مستورة و القول بأنها مستورة بشعره غير ثابت لان الشعر يكون من أجزاء البدن و الساتر يجب ان يكون من غيرها و بطلان التالي واضح لعدم التزام المستدل به و ذكر سيدنا العلامة الأستاذ- قده- انه يمكن ان يجاب عنه و لو مع تسليم كفاية الشعر للستر أولا بأن إطلاق الحكم يقتضي عدم اعتبار الكثافة حتى في المرأة التي لا يكون لها شعر و هو مستلزم لعدم اعتبار ستر الرأس و قد عرفت انه لا يلتزم به و ثانيا ان التخصيص بالدرع لأجل مفهوم اللقب و قد بين في الأصول انه لا مفهوم له.

و ثالثا ان هذه الرواية هي بعينها رواية محمد بن مسلم المتقدمة التي رواها الصدوق عنه عن أبي جعفر- عليه السّلام- انه قال

المرأة تصلى في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفا يعنى ستيرا و لا تكونان روايتين بحيث سمع محمد بن مسلم عنه- عليه السّلام- مرتين مع اختلاف في التعبير بل الظاهر أنهما رواية واحدة و الاختلاف يكون ناشيا من اشتباه الراوي و عليه فيحتمل ان يكون الصادر من الامام- عليه السّلام- مطابقا لرواية الصدوق الخالية عن التصريح بالدرع الظاهرة في رجوع الضمير المفرد الى كل واحد من الدرع و المقنعة و احتمال كون تذكير الضمير شاهدا على رجوعه الى خصوص الدرع مدفوع بظهور خلافه خصوصا بعد شيوع مثل هذا التعبير في الاخبار بل في القرآن أيضا و خصوصا بعد كون الدرع مذكورا قبل المقنعة.

فانقدح مما ذكرنا عدم تمامية الاستدلال بالرواية بل ظهورها في خلاف

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن و العشرون ح- 7

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 603

..........

______________________________

مرام المستدل مع ان المتفاهم من الروايات الدالة على ان المرأة تصلى في درع و خمار كون الثوبين كثيفين غير حاكيين لما تحتهما لأنها في مقام بيان ما يكفى للمرأة من الساتر و من المعلوم ان الثوب غير الكثيف لا يكون ساترا و لذا وقع تفسير الكثافة بالساترية في روايتي محمد بن مسلم المتقدمتين.

ثم انه حكى عن ابن الجنيد عدم وجوب ستر الرأس أصلا و يشهد رواية عبد اللّٰه بن بكير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لا بأس بالمرئة المسلمة الحرة ان تصلى و هي مكشوفة الرأس. «1» و روايته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لا بأس ان تصلى المرأة المسلمة و ليس على رأسها قناع. «2» و ربما يقال بأن الأولى مهجورة و قال الشيخ: يحتمل

ان يكون المراد بهذين الخبرين الصغيرة من النساء دون البالغات و يمكن ان يكون انما سوغ لهن هذا في حال لا يقدرون على القناع، و يحتمل ان يكون المراد تصلى بغير قناع إذا كان عليها ثوب يسترها من رأسها إلى قدميها قال و الخبر الثاني ليس فيه ذكر الحرة فيحمل على الأمة.

أقول: و الظاهر عدم كونهما روايتين نظير ما قلنا في روايتي محمد بن مسلم و عليه فيحتمل ان يكون الصادر مشتملا على كلمة الحرة و يحتمل ان لا يكون كذلك فلم يعلم صدورها حتى تكون مهجورة و المطلق محمول على الأمة جمعا كما افاده الشيخ- قده.

و حكى عن القاضي عدم وجوب ستر الشعر أصلا و عن الكفاية التأمل فيه و عن ألفية الشهيد ظهور التوقف فيه و عن المدارك و البحار انه ليس في كلام الأكثر تعرض لذكره بل في الأول ربما ظهر منها- يعنى من عبارات أكثر الأصحاب- انه غير واجب.

و الدليل على خلافه مضافا الى روايات المقنعة و الخمار الظاهرة في وجوب

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب التاسع و العشرون ح- 5

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب التاسع و العشرون ح- 6

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 604

..........

______________________________

ستر الشعر أيضا خصوصا مع التصريح بالكثافة في رواية محمد بن مسلم رواية زرارة المتقدمة الدالة على لزوم نشر الملحفة على الرأس و التجلل بها بل يمكن ان يقال ان ستر الرأس نوعا انما هو بلحاظ ستر شعره و الا فبشرته مستورة بالشعر كذلك و قد عرفت ان رواية ابن بكير مهجورة أو محمولة و يؤيد ما ذكرنا الرواية الحاكية لصلاة المرضية- سلام اللّٰه عليها- الدالة على انها كانت توارى

شعرها و أذنيها فتدبر.

ثم انه لا يشترط في صحة صلاة الأمة ستر الرأس و الشعر و العنق إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا عنا و عن غيرنا من علماء الإسلام عدا الحسن البصري فأوجبه على الأمة إذا تزوجت أو اتخذها لنفسه و في الجواهر: قد سبقه الإجماع و لحقه و يدل عليه الروايات الكثيرة التي منها صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال قلت الأمة تغطي رأسها إذا صلت؟ فقال: ليس على الأمة قناع. «1»

و عن الروض احتمال عدم دخول الرقبة في الرأس و وجوب سترها و يدفعه ما يدل على انه لا بأس ان تصلى في قميص واحد كصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن الأمة هل يصلح لها ان تصلى في قميص واحد؟ قال لا بأس «2» و الصبية مثل الأمة فيما ذكر للشهرة المحققة بل الإجماع حتى بناء على كون عباداتها شرعية و تشير اليه الروايات الدالة على اعتبار الحيض في اعتبار الخمار مثل ما رواه الصدوق عن يونس بن يعقوب انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الرجل يصلى في ثوب واحد قال: نعم قال قلت فالمرأة قال لا و لا يصلح للحرة إذا حاضت الا الخمار ان لا تجده. «3» بناء على كون المراد من الحيض هو البلوغ

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب التاسع و العشرون ح- 1

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب التاسع و العشرون ح- 10

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب التاسع و العشرون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 605

..........

______________________________

كما يدل عليه تعليق وجوب الصيام عليه أيضا في رواية أبي بصير عن أبي عبد

اللّٰه- عليه السّلام- قال: و على الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار .. «1» و دعوى قصور أدلة الشرطية عن الشمول للصغيرة لأن موضوعها المرأة و هي غير شاملة لها مدفوعة بعدم استفادة العرف منها الخصوصية للبالغة و لذا لو لم تكن مثل هذه الروايات لكنا نحكم بأنه يشترط في صحة صلوتها الثوبان أيضا كما لا يخفى هذا تمام الكلام فيما يتعلق بأصل اعتبار الستر في الصلاة.

ثم انه ذكر في المتن اعتبار الستر في توابع الصلاة أيضا كالركعة الاحتياطية و قضاء الأجزاء المنسية بل و سجدتي السهو على الأحوط و الوجه في الأول واضح لأن الركعة الاحتياطية مضافا الى كونها صلاة مستقلة واجبة تكون متممة للصلاة على تقدير وقوع النقص فيها فلا بد من ان تكون واجدة لجميع الخصوصيات المعتبرة فيها. و هكذا الوجه في الثاني فإن القضاء لا بدّ و ان يكون عين المقضي إلا في خصوصية المحل فإذا كان الستر شرطا في سجود الصلاة- مثلا- كان شرطا في قضائه أيضا و اما سجود السهو فيأتي الكلام فيه في مبحثه إن شاء اللّٰه تعالى و لا فرق في وجوب الستر و شرطيته بين أنواع الصلوات الواجبة و المستحبة بلا خلاف ظاهر بل حكى عليه الإجماع و يقتضيه إطلاق الأدلة لعدم اشتمالها على قرينة التقييد بالواجبة نعم الظاهر عدم الاعتبار في صلاة الجنازة لعدم كونها صلاة حقيقة و لم يثبت شمول الأدلة لها و ان كان هو الأحوط فيها أيضا.

و اما الطواف ففي المتن انه لا يترك الاحتياط فيه و عن جماعة منهم السيد- قده- في العروة الفتوى باعتبار الستر فيه أيضا كالصلاة و استندوا إلى النبوي:

لا يطوف في البيت عريان. و عن المختلف: للمانع

ان يمنعه و الرواية بالاشتراط غير مسندة من طرقنا. لكن عن كشف اللثام: ان الخبر يقرب من التواتر من طريقنا و طريق العامة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب التاسع و العشرون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 606

[مسألة 2- لو بدت العورة لريح أو غفلة أو كانت منكشفة من أول الصلاة و هو لا يعلم]

مسألة 2- لو بدت العورة لريح أو غفلة أو كانت منكشفة من أول الصلاة و هو لا يعلم فالصلاة صحيحة لكن يبادر الى الستر ان علم في الأثناء و الأحوط الإتمام ثم الاستئناف، و كذا لو نسي سترها في الصورتين. (1)

______________________________

و في الجواهر: قد تمنع دلالة ذلك على اعتبار الستر فيه للرجل و المرأة على حسب اعتباره في الصلاة ضرورة أعمية النهي عن العراء منه اللهم الا ان يكون المراد من العراء ستر العورة للإجماع على الظاهر على صحة طواف الرجل عاريا مع ستر العورة.

أقول و يمكن الاستدلال على ذلك بما ورد من ان الطواف بالبيت صلاة كما استدل به أيضا على اعتبار إزالة النجاسة عن الثوب و البدن في الطواف أيضا.

و قد أجبنا عن ذلك هناك بان الظاهر ان هذه الرواية النبوية لا دلالة لها على كون التنزيل بلحاظ الأحكام المترتبة على الصلاة بأجمعها أو الظاهرة منها بل الظاهر ان المراد منه هو التشبيه في الفضيلة و الثواب نظرا إلى انه حيث يكون المغروس في أذهان المتشرعة أن تحية المسجد عبارة عن الصلاة فيه فالنبوي مسوق لبيان ان مسجد الحرام له خصوصية و هي ان الطواف بالبيت فيه صلاة في الفضيلة و رعاية التحية فتدبر.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأول: ما إذا جهل بانكشاف العورة من أول الصلاة أو بظهورها في الأثناء و لم يعلم به الى ان فرغ من الصلاة ثم

علم به و الظاهر انه لا إشكال في الصحة في هذه الصورة و لا خلاف الّا ما حكى عن ابن الجنيد من قوله: لو صلى و عورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد في الوقت.

و الدليل على الصحة مضافا الى حديث لا تعاد الحاكم بعدم وجوب الإعادة في غير الأمور الخمسة المستثناة فيه و الستر لا يكون من جملتها صحيحة على بن جعفر- ع- عن أخيه- عليه السّلام- قال سألته عن الرجل صلى و فرجه خارج لا يعلم به هل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 607

..........

______________________________

عليه اعادة أو ما حاله؟ قال: لا اعادة عليه و قد تمت صلوته. «1» بناء على عدم اختصاص الحكم بخصوص مورد السؤال الذي كان المصلى فيه واجدا للساتر و لم تكن عورته مستورة بل يعم مثله من موارد الجهل و الغفلة و النسيان و السؤال عن ذلك المورد انما هو لشيوع هذا الفرض من بين الفروض كما لا يخفى.

الثاني هذه الصورة و لكن كان التوجه و العلم في الأثناء بعد ان صار مستور العورة و لو بفعل الغير كما إذا علم من إلقاء الغير الساتر على عورته انها كانت منكشفة قبله و الظاهر انه لا مجال للإشكال في الحكم بالصحة في هذه الصورة أيضا لعدم اختصاص جريان حديث لا تعاد بخصوص ما إذا كان الالتفات الى الخلل بعد الفراغ من الصلاة بل يشمل ما إذا كان الالتفات في الأثناء أيضا لصدق الإعادة على الإتيان بها ثانيا بعد رفع اليد عن الاولى و الحديث يدل على عدم وجوبها بعنوانها.

و اما صحيحة على بن جعفر فهي أيضا تدل على الصحة في هذه الصورة اما بالإطلاق و اما بالأولوية القطعية

كما هو واضح فلا إشكال أيضا فيها.

الثالث: هذه الصورة و لكن كان التوجه و العلم في الأثناء في حال الانكشاف و عدم تحقق الستر بعد و قد حكم في المتن بالصحة فيها أيضا و ان احتاط بالإتمام ثم الاستيناف و عن الجواهر نفى وجدان مخالف صريح فيه نعم ظاهر التحرير احتمال البطلان و هو الأقرب لأن منشأ الحكم بالصحة ان كان هو إطلاق صحيحة على بن جعفر المتقدمة فمضافا إلى إمكان منعه لظهور مورد السؤال في كون المراد بعد الفراغ من الصلاة انه على تقدير الإطلاق لا دلالة لها الا على صحة ما اتى به من الصلاة مع الجهل بكونه مكشوف العورة لأن مقتضاه- ح- ان وقوع الصلاة- كلا أو بعضا- مع هذه الحالة و هي الجهل بانكشافها لا يقدح في صحتها و لا دلالة لها على عدم اعتبار الستر في حال التوجه و العلم الى حصول الستر و زمان التستر، و استلزام الدلالة على صحة ما اتى به من الصلاة في حال عدم الالتفات للدلالة

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب السابع و العشرون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 608

..........

______________________________

على صحة باقي الاجزاء نظرا إلى اللغوية بدونها انما يتم فيما لو كان مورد الدليل الدال على الصحة منحصرا بهذا الفرض لانه على هذا التقدير يكون الحكم بالصحة بالإضافة الى ما مضى لغوا لا يترتب عليه فائدة أصلا و اما مع عدم الانحصار كما هو المفروض فلا خصوصا بعد ملاحظة شمول الإطلاق لغير هذا الفرض و هي الصورة الثانية أيضا فلا مجال لاستفادة الصحة من إطلاق الصحيحة على فرض ثبوته.

و مما ذكرنا يظهر انه لا وجه للتمسك لها بحديث

لا تعاد أيضا لأن التحقيق انه لا يشمل صورة ما لو كان الإخلال بغير الأمور الخمسة المذكورة فيه عن التفات و توجه و ان كان شموله لأثناء الصلاة و عدم اختصاصه بما بعد الفراغ مما لا ينبغي الإشكال فيه الا ان الظاهر خروج العالم عنه فلا دلالة له على عدم وجوب الإعادة في مثل المقام مما وقع الإخلال ببعض الاجزاء أو الشرائط مع التوجه و الالتفات الى الموضوع و الحكم.

و اما الأدلة الأولية فلا إشكال في اقتضائها بطلان الصلاة و وجوب الإعادة فيما إذا وقع بعض الافعال أو الأقوال في حال الانكشاف و اما إذا كان في حال عدم الاشتغال و كان متمكنا من الستر من دون استلزامه فعل المنافي كما إذا التفت بعد إتمام الفاتحة و قبل الشروع في السورة- مثلا- و أمكن له التستر كذلك فيبتني الحكم بالصحة و عدمها على ان حقيقة الصلاة هل هي المجموع المركب من الأفعال و الأقوال المخصوصة التي تحدث و تنعدم آنا فانا و لا يكاد يكون للمجموع وجود و تحصل الا بعد تحقق جميع الأجزاء التي وجد كل منها في زمان و انعدم أو انها عبارة عن حضور العبد في مقابل الرب و التوجه اليه و التخضع و التخشع لديه غاية الأمر انه يجب عليه ان يشتغل معه ببعض الأفعال المخصوصة و الأذكار المنصوصة و عليه فتحقق الصلاة بمجرد قيامه في حضور المولى و تكون باقية الى آخرها.

فعلى الأول لا تكون السكوتات المتخللة بين الأقوال و السكونات الواقعة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 609

[مسألة- 3 عورة الرجل في الصلاة عورته في حرمة النظر و هي الدبر و القضيب و الأنثيان]

مسألة- 3 عورة الرجل في الصلاة عورته في حرمة النظر و هي الدبر و القضيب و الأنثيان،

و الأحوط ستر الشبح الذي يرى من خلف الثوب من غير تميز للونه. و عورة المرأة في الصلاة جميع بدنها حتى الرأس و الشعر ما عدا الوجه الذي يجب غسله في الوضوء و اليدين الى الزندين، و القدمين

______________________________

بين الافعال جزء من الصلاة و إطلاق انه مشتغل بها في حالها مع العناية و رعاية العلاقة كإطلاق الخطيب و المتكلم على من تنفس بين الخطبة و التكلم أو اشتغل بغيرهما كشرب الماء مثلا بخلاف الثاني فإنه يصدق عليه حقيقة في كل آن انه مشتغل بالصلاة و عليه فيقع الالتفات بأنه مكشوف العورة في حال الاشتغال دائما فيجب الحكم بوجوب الإعادة بخلاف الأول فإنه يصدق عليه حقيقة انه لم يكن عالما بكشف عورته في حال الصلاة لجواز ان يسترها مع عدم تخلل المنافي قبل الشروع في السورة في المثال المذكور ثم شرع فيها فيشمله ما يدل على الصحة في حال عدم الالتفات بذلك في حال الصلاة و الظاهر هو الوجه الثاني لكونه مغروسا في أذهان المتشرعة و يؤيده التشبيه للصلاة في الروايات بالإحرام و ان تحريمها التكبير و تحليلها التسليم فإنه كما ان الإحرام المتحقق بالشروع أمر مستمر الى ان يتحقق التحليل بالحلق أو التقصير كذلك الصلاة التي هي إحرام صغير بلحاظ تحقق تحريم بعض الأمور فيها أمر مستمر الى ان يقع التسليم الذي هو تحليل لها.

الرابع صورة النسيان و الحكم فيها ما تقدم في صورة الجهل و يدل على حكمها حديث لا تعاد المتقدم و ان كان لا يبعد دعوى دلالة الصحيحة المتقدمة عليه أيضا لأن عدم العلم بخروجه الفرج في حال الصلاة أعم من الجهل به قبل الصلاة أيضا و العلم به قبله ثم عروض النسيان

له كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 610

الى الساقين، و يجب عليها ستر شي ء من أطراف المستثنيات مقدمة. (1)

[مسألة- 4 يجب على المرأة ستر رقبتها و تحت ذقنها]

مسألة- 4 يجب على المرأة ستر رقبتها و تحت ذقنها حتى المقدار الذي يرى منه عند اختمارها على الأحوط. (2)

[مسألة- 5 الأمة و الصبية كالحرة و البالغة]

مسألة- 5 الأمة و الصبية كالحرة و البالغة الا انه لا يجب عليها ستر الرأس و الشعر و العنق. (3)

[مسألة- 6 لا يجب التستر من جهة التحت]

مسألة- 6 لا يجب التستر من جهة التحت نعم لو وقف على طرف سطح أو شباك يتوقع وجود ناظر تحتها بحيث ترى عورته لو كان هنا ناظر فالأحوط بل الأقوى التستر من جهته أيضا و ان لم يكن ناظر فعلا، و اما الشباك الذي لا يتوقع وجود الناظر تحتها كالشباك على البئر فلا يجب على الأقوى إلا مع وجود ناظر فيه. (4)

______________________________

(1) تقدم الكلام في هذه المسائل مفصلا في شرح المسألة الأولى المتقدمة من مسائل الستر و الساتر فراجع.

(2) تقدم الكلام في هذه المسائل مفصلا في شرح المسألة الأولى المتقدمة من مسائل الستر و الساتر فراجع.

(3) تقدم الكلام في هذه المسائل مفصلا في شرح المسألة الأولى المتقدمة من مسائل الستر و الساتر فراجع.

(4) عن غير واحد منهم العلامة في التذكرة و النهاية و الوحيد في حاشية المدارك وجوب التستر من جهة التحت فيما لو كان في معرض النظر كالإمام و الخلف بان وقف على مخرم أو على طرف سطح فلا بد من التستر من تحت بالسراويل مثلا و الا بطلت الصلاة. و عن الذكرى التردد في الحكم قيما لو وقف على طرف سطح و الجزم بالصحة فيما لو قام على مخرم و في المتن- كما في العروة- التفصيل بين ما إذا كان هناك توقع وجود الناظر فيما لو وقف على طرف سطح أو شباك بحيث ترى عورته لو كان هنا ناظر فيجب التستر من جهة التحت و ان لم يكن ناظر فعلا و بين الشباك الذي لا يتوقع وجود الناظر تحتها كالشباك على البئر فلا

يجب الا مع وجود الناظر بالفعل.

أقول: مقتضى الجمود على ما تقتضيه عبارة النصوص عدم وجوب التستر من جهة التحت أصلا لأن مفادها جواز اكتفاء الرجل في صلوته بثوب واحد أو قميص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 611

[مسألة- 7 الستر عن النظر يحصل بكل ما يمنع عن النظر]

مسألة- 7 الستر عن النظر يحصل بكل ما يمنع عن النظر و لو باليد أو الطلي بالطين أو الولوج في الماء حتى انه يكفى الأليتان في ستر الدبر و اما الستر في الصلاة فلا يكفى فيه ما ذكر حتى حال الاضطرار. و اما الستر بالورق و الحشيش و القطن و الصوف غير المنسوجين فالأقوى جوازه

______________________________

واحد و من المعلوم ان القميص المتعارف بين الاعراب كما هو المتداول بينهم في هذا الزمان لا يكون ساترا للعورة من جهة التحت فالجمود على ما تحت عبارة الروايات ينفى اعتبار الستر من هذه الجهة رأسا. و اما لو قلنا بأن مناسبة الحكم و الموضوع تهدى الى ان موضوع الشرطية ان لا يكون المكلف على حالة ذميمة غير مناسبة فمقتضاه انه لا فرق في اعتبار الستر بين الجهات و الاكتفاء في النصوص بالقميص انما هو لوقوع الصلاة على الأرض غالبا و لا يكون معه المصلى في معرض النظر من تحت نوعا.

و على هذا الفرض ينبغي تعميم الحكم لما إذا كان هناك ناظر و ما إذا لم يكن بل لما إذا كان في معرض النظر و ما إذا لم يكن لانه على هذا التقدير ليس تمام الملاك مجرد مستورية العورة و الا لكان اللازم جواز الصلاة عاريا في ظلمة شديدة مانعة من الرؤية و كذا في مثلها مما إذا كانت الرؤية ممتنعة مع عدم وجود الساتر.

و بالجملة ملاك وجوب الستر

الصلاتى يغاير ملاك وجوب الستر النفسي الذي يكون هو حفظ العورة من ان ينظر إليها و عليه فالمناسبة المذكورة و ان كانت مقتضية لعمومية الحكم و اعتبار الستر من جهة التحت أيضا الا ان التفصيل المذكور في المتن مما لا دليل عليه لان الفرق من حيث عدم تعارف وجود الناظر في البئر فيصدق الستر عرفا و اما الواقف على طرف السطح فلا يصدق عليه الستر إذا كان بحيث يرى فصلاته باطلة و ان لم يكن هناك ناظر انما يناسب الستر النفسي و لا شاهد عليه في الستر الشرطي فتدبر جيدا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 612

مطلقا و ان لا ينبغي ترك الاحتياط في تركه في الأولين، و الأقوى لمن لا يجد شيئا يصلى فيه حتى مثل الحشيش و الورق جواز إتيان صلاة فاقد الساتر و ان كان الأحوط لمن يجد ما يطلى به الجمع بينه و بين واجده. (1)

______________________________

(1) لا إشكال في حصول الستر النفسي بكل ما كان مانعا عن تحقق الرؤية و النظر لما عرفت من وضوح مناط الحكم فيه فيتحقق حتى بمثل الطلي بالطين و الولوج في الماء الكدر و الدخول في الحفيرة و الستر باجزاء البدن كما لو كان بيده أو يد زوجته أو أمته بل و لو كانت يد أجنبي أو أجنبية و قد ورد في النص- كما مر- ان الدبر مستور بالأليتين فلا اشكال فيه أصلا.

و اما الستر الصلاتى فقد اختلفت كلماتهم في تعيينه اختيارا و اضطرارا قال الشيخ- قده- في المبسوط بعد الحكم بأنه لا بأس بان يصلى الإنسان في ثوب فيه خرق لا يوارى العورة و انه ان حاذى العورة لم يجز: «و صفة

الثوب ان يكون صفيقا لا ترى ما تحته فان ظهر البشرة من تحته لم يجز لانه لا يستر العورة فان لم يجد ثوبا يستر العورة و وجد جلدا طاهرا أو ورقا أو قرطاسا أو شيئا يمكنه ان يستر عورته وجب عليه ذلك على ما بيناه فان وجد طينا وجب ان يطين عورته به فان لم يجد و وجد نقبا دخل فيه و صلى فيه قائما فان لم يجد صلى من قعود على ما فصلناه» و حكى نحوه عن السرائر و المنتهى و التحرير و النهاية و البيان.

و هل ظاهر مثل هذه العبارة بلحاظ تعليق إيجاب الستر بمثل الجلد و الورق و القرطاس على ما إذا لم يجد الثوب و لم يتمكن من التستر به هو الترتيب بين الثوب و بين الأمور المذكورة و انه لا يجوز التستر بها الا عند الضرورة و فقد الثوب أو ان التعليق انما هو بلحاظ انه مع وجود الثوب و التمكن منه لا داعي إلى التستر بغيره عند العرف لا بلحاظ عدم جواز الانتقال اليه؟ فيه وجهان فعن المحقق الثاني و جماعة استظهار الوجه الأول و عن البحار استظهار الوجه الثاني و تبعه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 613

..........

______________________________

عليه في مفتاح الكرامة و الجواهر بقرينة ذكر الجلد و الخرق في جملة منها و هو الأقرب.

و لا يرد عليه ان لازمة كون الطين أيضا في رديف المذكورات في عبارة المبسوط لوجود التعبير بمثل هذا التعليق فيه أيضا و ذلك لان الطين لا يكون ساترا عنده أصلا حتى يقع في عداد المذكورات و الشاهد عليه قوله: أو شيئا يمكنه ان يستر عورته، فان الطين لو كان داخلا

في الساتر لشمله عموم الشي ء المذكور و لم يحتج الى ذكره بعده و كذا قوله: وجب ان يطين. فان عدم التعبير بالستر فيه يؤيد ما ذكرنا.

و كيف كان فعن الدروس و غاية المرام و حاشية الإرشاد و حاشية الميسي و الروض و المسالك التصريح بأنه لا يجوز التستر بالحشيش و الورق الا عند تعذر الثوب و انه إذا تعذر الحشيش تعين الطين. و نحوه ما عن المدارك الا انه قال:

إذا تعذر الحشيش انتقل إلى الإيماء، و لم يجعل الطين ساترا أصلا في جميع المراتب. و عن المهذب البارع و الموجز ان الحفيرة مقدمة على الماء الكدر و هو على الطين. و عن المسالك و غيرها تقدم الماء الكدر على الحفيرة. و عن جامع المقاصد احتمال التخيير و احتمال تقدم كل على الأخر. و حكى غير ذلك أيضا.

أقول التحقيق يقتضي التكلم في مقامين:

المقام الأول فيما يستفاد من النصوص الواردة في الساتر و الظاهر ان الروايات المتقدمة المشتملة على الثوب و القميص و المقنعة و الخمار و نحوها و ان كان مقتضى الجمود على ما تحت عبارتها عدم كفاية التستر بغير هذه العناوين الواقعة فيها الا ان الظاهر بنظر العرف كون خصوصية هذه العناوين غير دخيلة في الحكم و لذا لا يستفاد منها عرفا عدم جواز التستر بمثل الجلد مما لا ينطبق عليه عنوان الثوب و القميص فالظاهر ان المراد من العناوين المذكورة فيها كل ما يمكن ان يتصف بعنوان الساترية فلا فرق بين الثوب و القطن و الصوف غير المنسوجين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 614

..........

______________________________

بل الورق و الحشيش لتحقق هذا العنوان في جميعها نعم لا يستفاد منها الاكتفاء بمثل الطين

لعدم كونه ساترا عرفا و لا يصدق عنوان الواجد للساتر على واجده و الاكتفاء به في الستر الواجب النفسي على فرضه انما هو لان الملاك فيه- كما عرفت- هو مجرد مستورية العورة لا وجود الساتر لها و لذا يتحقق بمثل الظلمة و الولوج في الماء و الدخول في الحفيرة و اما في المقام فالمعتبر وجود الساتر على ما تقتضيه الروايات و الطين لا يكون ساترا عرفا.

فالإنصاف ان مفاد هذه الطائفة من النصوص جواز الاكتفاء بكل ما يصدق عليه عنوان الساتر و لكن مع ذلك لا دلالة لها على جواز الانتقال الى غير الثوب مع التمكن منه لعدم ثبوت الإطلاق لها لأنها في مقام بيان كفاية الثوب الواحد للرجل و الثوبين للمرأة فمحط النظر فيها عدم لزوم التعدد على الرجل و الزائد على الاثنين على المرأة و لا تكون في مقام البيان من جهة أنواع الساتر حتى يستدل بإطلاقها على عدم الترتيب فهي من هذه الجهة مجملة.

و اما صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى- عليهما السّلام- قال سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلى؟ قال: ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع و السجود، و ان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم. «1» فقد استدل بها على ثبوت الترتيب بين أنواع الساتر و ان الاكتفاء بالحشيش انما هو مع تعذر الثوب و فقده و لكن الظاهر عدم تمامية الاستدلال لان تعذر الثوب انما ذكر في مفروض السؤال و لم يقع قيدا لجواز التستر بالحشيش في كلام الامام- عليه السّلام- حتى يستفاد منه الترتيب و يؤيده انه ليس المراد من الحشيش خصوص

عنوانه بل كما يشهد به قوله: و ان لم يصب شيئا يستر به عورته يكون المراد به كل شي ء يكون ساترا للعورة فيؤيد عدم القيدية خصوصا بعد ما عرفت من إلغاء العرف خصوصية الثوبية و لكن مع ذلك

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخمسون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 615

..........

______________________________

لا دلالة للرواية على عدم الترتيب بل تكون أيضا من هذه الجهة مجملة فقد ظهر ان الأدلة اللفظية قاصرة الدلالة على الترتيب نفيا و إثباتا فتصل النوبة إلى الأصول العملية.

فنقول يمكن ان يقال بان المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير نظرا الى ان الأمر دائر بين تعيين الثوب و نحوه و التخيير بينه و بين غيره من القطن و الصوف غير المنسوجين و الحشيش و الورق و الأصل الجاري فيه على ما هو المشهور هي أصالة الاحتياط.

و لكن الظاهر عدم تمامية ذلك في مثل الموارد المذكورة لأن الشك فيها ليس في أصل جواز التستر بمادتها ضرورة انه لا يشك في جواز التستر بالقطن و الصوف بعد كون المنسوج منهما منطبقا عليه عنوان الثوب فالشك فيها انما هو في اعتبار المنسوجية و عدمه بعد الفراغ عن كفاية المادة في الساترية و من الواضح انه شك في أمر زائد و المرجع فيه أصالة البراءة الجارية في موارد الشك في الجزئية و الشرطية و هكذا الحشيش و الورق فإنه لا يشك في كفاية المنسوج منهما و الشك انما هو في اعتبار المنسوجية و الأصل البراءة.

و اما في مثل الطين فالظاهر تمامية القول المذكور لان الشك انما هو في أصل الاكتفاء بالمادة فالشك فيه انما هو من قبيل الشك بين

المعين و المخير فيه و الأصل فيه هي أصالة الاحتياط هذا بالإضافة الى حال الاختيار.

و اما في حال الاضطرار و الانحصار بالطين و نحوه فمع قطع النظر عن النصوص الواردة في صلاة العاري يكون مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب التستر به لأجل الصلاة للشك في اعتبار التستر به في هذا الحال مع عدم كونه كافيا في حال الاختيار.

و عليه فتجب عليه صلاة العاري نعم حيث انه وقع التفصيل في نصوص صلاة العاري بين صورة الأمن من المطلع و غيرها بالحكم بوجوب الصلاة قائما في الأولى دون الثانية و لا يبعد دعوى توسعة دائرة الأمن و عدم اختصاصها بما إذا لم يكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 616

..........

______________________________

هناك ناظر محترم كما إذا صلى في بيت وحده و كان بابه مسدودا بل شمولها لمثل الطلي بالطين الموجب لتحقق الأمن و ان كان هناك ناظر فان كان حكم العاري في هذه الصورة وجوب إتمام الركوع و السجود فاللازم- ح- الطلي بالطين للعلم التفصيلي بوجوبه اما لانه ستر صلوتى و اما لانه مقدمة لرعاية القيام بلحاظ تحقق الأمن معه و ان قلنا بأن حكمه في هذه الصورة الإيماء بالركوع و السجود كما هو مفاد مثل صحيحة على بن جعفر- ع- المتقدمة فاللازم عليه- ح- الجمع بين الصلاة مع إتمام الركوع و السجود و بينها مع الإيماء لهما للعلم الإجمالي بوجوب احدى الكيفيتين عليه لانه على تقدير كونه ساترا صلاتيا في حال الاضطرار يجب عليه بالكيفية المتعارفة و على تقدير عدم كونه ساترا و لو في هذا الحال و كون المكلف عاريا يجب عليه صلاة العاري فاللازم الجمع بين الكيفيتين و لكن ربما يقال بانحلال

العلم الإجمالي نظرا الى ان موضوع صلاة العاري اما عدم وجود الساتر الشرعي و اما عدم ساترية الموجود شرعا و كل منهما يمكن إثباته بالأصل و إذا تحقق موضوع صلاة العاري و لو بالأصل ينحل العلم الإجمالي لما تقرر في محله من ان جريان الأصل المثبت للتكليف في أحد أطراف العلم الإجمالي يوجب انحلاله الى العلم التفصيلي بثبوت التكليف في ذلك الطرف و لو ظاهرا فيرجع في الطرف الأخر إلى أصالة البراءة عن التكليف و ذلك كما إذا كان أحد الماءين اللذين وقع فيهما النجاسة إجمالا مستصحب النجاسة للعلم التفصيلي بنجاسته سابقا و- ح- جريان الاستصحاب المثبت للتكليف فيه يوجب الانحلال فيجري في الطرف الأخر أصالة الطهارة.

و يدفع هذا القول- بعد وضوح ان موضوع صلاة العاري هو عدم وجود الساتر لان المراد من العاري من لا يكون له ساتر كما هو معناه عند العرف- ان استصحاب عدم وجود الساتر مما لا مجال لجريانه لان المشكوك انما هو وجود الساتر الشرعي في الخارج مع انه من الواضح انه ليس لنا شك بحسب الخارج

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 617

[مسألة 8- يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلي أمور]
اشارة

مسألة 8- يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلي أمور:

[الأول الطهارة]

الأول الطهارة إلا فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا كما تقدم،

[الثاني الإباحة]
اشارة

الثاني الإباحة فلا يجوز في المغصوب مع العلم بالغصبية فلو لم يعلم بها صحت صلوته و كذا مع النسيان إلا في الغاصب نفسه فلا يترك الاحتياط بالإعادة. (1)

______________________________

لأن المفروض وجود الطين فعلا و التمكن من الطلي به كذلك و عدم وجوده في السابق فليس في الخارج أمر وقع متعلقا للشك حتى يجرى الاستصحاب و الشك انما هو في أمر آخر و هو كونه ساترا شرعا و لا مجال لجريان الأصل فيه و هذا كما في استصحاب بقاء النهار مع الشك في مفهومه بعد الاستتار و قبل ذهاب الحمرة المشرقية فإنه لا مجال لجريانه بعد كون الخارج بكلا طرفيه معلوما غير مشكوك نعم لا إشكال في جريانه في الشبهة الموضوعية و التحقيق في محله فانقدح ان مقتضى العلم الإجمالي بعد عدم انحلاله هو لزوم الجمع بين الكيفيتين.

اللهم الا ان يقال ان المستفاد من صحيحة على بن جعفر المتقدمة عدم اعتبار الطلي بالطين أصلا و ذلك لان الحكم بالانتقال الى صلاة العاري بالإيماء مع القيام مع عدم اصابة شي ء يستر به العورة يدل على عدم الاعتناء بالطين لانه ليس ساترا للعورة كما تقدم و لذا لا يستفاد من الرواية الاكتفاء به في حال الاختيار خصوصا مع ملاحظة غلبة وجود الطين و إمكان تحصيله نوعا سيما في مفروض الرواية من جهة غرق المتاع و عليه فالاحتياط بالجمع يكون استحبابيا كما في المتن.

(1) اتفق الأصحاب- رضوان اللّٰه عليهم- على اعتبار طهارة لباس المصلى من كل نجاسة و قذارة في صحة الصلاة و تدل عليه الاخبار الكثيرة المتواترة الا ان أكثرها وردت في موارد خاصة من البول و المنى

و الدم و اما ما يمكن ان يستفاد منه حكم الصلاة في الثوب النجس و نحوه من العناوين العامة الشاملة لجميع أنواع النجاسات و يدل على إثبات الحكم بنحو العموم فقليلة و لا بأس بالتيمن بإيراد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 618

..........

______________________________

بعضها مثل: مضمرة زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منى الى ان قال: فان ظننت انه قد اصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه؟ قال: تغسل و لا تعيد الصلاة. قلت لم ذلك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا.

الحديث. «1» نظرا الى رجوع الضمير في «غيره» في السؤال الأول إلى الدم و كونه مرفوعا معطوفا عليه لا الى الرعاف و كونه مجرورا معطوفا عليه و بناء عليه يدل السؤال على مفروغية مانعية مطلق النجاسة في ذهن زرارة و قد قرره (ع) على ذلك و لكن هذا التقدير لا يلائمه ذكر شي ء من منى بعد كلمة «غيره» و ذكر الخاص بعد العام و ان كان مما لا مانع منه الا انه مضافا الى كونه خلاف الظاهر لا موقع له في مثل المقام مما كان خاص مذكورا أولا و العام غير الشامل له مذكورا ثانيا فإنه لا يناسبه ذكر خاص آخر ثالثا فتدبر جيدا.

نعم يمكن الاستفادة من الصحيحة من طريق آخر و هو ان الامام (ع) قد عبر في مقام الجواب عن السؤال عن علة عدم الإعادة في صورة عدم التيقن بقوله (ع):

لأنك كنت على يقين من طهارتك. و هذا التعبير بلحاظ اشتماله على كلمة الطهارة و

إضافتها الى المصلى مع كون مورد السؤال هو الثوب يعطي ان المعتبر في الصلاة طهارة المصلي غاية الأمر ان المراد بالمصلي ليس خصوص بدنه بل أعم منه و من الثوب الذي هو مورد السؤال فالمستفاد من الصحيحة اعتبار عنوان عام شامل لجميع النجاسات كما هو ظاهر.

كما انه يمكن استفادة ذلك من السؤال في بعض الروايات بلحاظ دلالته على مفروغية اعتبار الخلو عن النجاسة- بعنوانها العام- في صحة الصلاة عند السائل و تقرير الامام- ع- له على ذلك ففي رواية أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلى فيه ثم

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب السابع و الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 619

..........

______________________________

ثم يذكر انه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد قد مضت الصلاة و كتبت له «1» كما انه يمكن الاستفادة من بعض الروايات الواردة فيما لا تتم الصلاة فيه وحده المشتملة على لفظ «القذر» الظاهرة في اعتبار إزالته في غيره مما تجوز الصلاة فيه منفردا ففي رواية إبراهيم بن أبي البلاد عمن حدثهم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام: لا بأس بالصلاة في الشي ء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيب القذر مثل القلنسوة و التكة و الجورب. «2»

و يدل عليه أيضا رواية عبد اللّٰه بن سنان قال: سئل أبي أبا عبد اللّٰه عليه السّلام و انا حاضر: انى أعير الذمي ثوبي و انا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرد على فاغسله قبل ان أصلي فيه؟ فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام صل فيه و لا تغسله من أجل

ذلك فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجسه فلا بأس ان تصلى فيه حتى تستيقن أنه نجسة. «3» و دلالتها على اعتبار طهارة الثوب و عدم كونه نجسا ظاهرة.

و اما استفادته من حديث «لا تعاد» المشتمل على لفظ «الطهور» أو مثل قوله- ع- لا صلاة الّا بطهور فمورد الاشكال بل المنع نعم يمكن الاستناد إلى صحيحة زرارة عن أبي جعفر- ع- قال: لا صلاة الا بطهور و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة عن رسول اللّٰه- ص- و اما البول فإنه لا بدّ من غسله «4» فان الظاهر بقرينة الذيل عدم اختصاص الطهور بما يوجب الطهارة من الاحداث بل تعم الطهارة من مطلق الخبائث و لكن مقتضاها اعتبار طهارة البدن و اما استفادة اعتبار طهارة الثوب أيضا فمشكلة لكن عرفت ان أصل الحكم في المقام مما لا اشكال كما انه لا خلاف فيه أيضا هذا بالنسبة الى الثوب.

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الثاني و الأربعون ح- 3

(2) الوسائل أبواب النجاسات الباب الواحدة و الثلاثون ح- 4

(3) الوسائل أبواب النجاسات الباب الرابع و السبعون ح- 1

(4) الوسائل أبواب أحكام الخلوة الباب التاسع ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 620

..........

______________________________

و اما بالإضافة إلى المحمول فلا يبعد ان يقال بدلالة صحيحة زرارة المتقدمة على ذلك لما عرفت من انه و ان كان مورد السؤال فيها هو ظن اصابة الدم أو المني الثوب الا ان اسناد الطهارة إلى نفس السائل لا الى ثوبه كما فعله الامام- عليه السّلام- في الجواب حيث قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ربما يدل على ان المعتبر في صحة الصلاة هو كون

المصلى طاهرا غاية الأمر ان صدقه يتوقف على طهارة بدنه و ثوبه معا و عليه فنجاسة الثوب موجبة لعدم كون المصلى طاهرا و من المعلوم انه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان ثوبه نجسا أو كان ما استصحبه كذلك إذا الوجه في صحة هذا الإطلاق هو كون المصلى ملابسا له بلا خصوصية للثوب أصلا فلو كان محموله نجسا لا يصح إسناد الطهارة إليه أيضا هذا مضافا الى ان العرف إذا القى اليه هذا المعنى و هو اعتبار الطهارة في الثوب لا يفهم منه الاختصاص و تكون خصوصية الثوبية ملغاة بنظره.

و يدل على عموم الحكم أيضا مرسلة عبد اللّٰه بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه قال: كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس ان يصلى فيه و ان كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك. «1» فان مفهومها يدل على ثبوت البأس فيما إذا كان المحمول أيضا قذر إذا كان مما تتم فيه الصلاة وحده هذا و لكنه أفاد بعض الاعلام في شرح العروة كلاما في هذا المقام لا بأس بالتعرض لخلاصته و ما يرد عليه فنقول: قال ان المستفاد من الاخبار الواردة في موارد مختلفة ان الصلاة في النجس غير جائزة و ان كانت هذه الجملة غير واردة فيها الا انه لا اشكال فيها و لا كلام انما الكلام فيما ينطبق عليه هذا العنوان مع ان الصلاة في النجس لا معنى له بظاهره لان الصلاة نظير سائر أفعال المكلفين لا يكون لها الا ظرفان ظرف زمان و ظرف مكان و

ليست النجاسة في الثوب و البدن ظرف مكان للصلاة

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الواحدة و الثلاثون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 621

..........

______________________________

و لا ظرف زمان كما انها لا تكون ظرفا لسائر الافعال فكما لا يصح ان يقال زيد أكل في النجس إذا كان ثوبه نجسا كذلك لا يصح ان يقال زيد صلى في النجس في تلك الحال فإسناد الظرفية إلى النجس في أمثال المقام غير صحيح على وجه الحقيقة، نعم لا بأس باسنادها اليه على وجه العناية فيما إذا كان الفاعل لابسا للنجس بان يكون الفاعل مظروفا و النجس ظرفا له فان مثله من العلاقات المصححة لإسناد الظرفية إلى النجس و اما إذا لم يكن النجس ظرفا للمصلي.

و انما كان موجودا عنده و معه كما إذا كان في جيبه فإسناده الظرفية إلى النجس لا يمكن ان يكون حقيقيا و لا مجازيا نعم قد ورد في بعض الاخبار جواز الصلاة في السيف ما لم تر فيه دم كما انه ورد في موثقة ابن بكير المعروفة ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام اكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسدة، مع ان السيف و البول و الروث و الألبان مما لا يؤكل لحمه أمور مقارنة للصلاة لا انها ظرف لها و لا للفاعل و قد مرّ ان اسناد الظرفية- ح- لا يمكن ان يكون حقيقيا و لا مجازيا و لا بدّ في مثله من رفع اليد عن ظهور كلمة «في» في الظرفية و حملها على معنى «مع» و المقارنة و لكن قيام القرينة على ذلك في مثله لا يوجب الحمل

على خلاف الظاهر فيما لم يكن هناك قرينة كما في المقام فلا مقتضى لرفع اليد فيه عن ظهور الكلمة في الظرفية فمعنى الصلاة في النجس كون النجس ظرفا لها و هذا لا يتحقق الا بلبسه و اما فيما كان المتنجس محمولا فلا تصدق الصلاة في النجس عليه فالمقتضي لبطلان الصلاة مع المحمول المتنجس قاصر في نفسه.

أقول يكفي في صحة إسناد الظرفية إلى المحمول- مضافا الى وضوح عدم خصوصية للسيف و لا للأمور المذكورة في موثقة ابن بكير من هذه الجهة- مرسلة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة فإنه مع كون المفروض في موضوعه هو كل ما كان على الإنسان أو معه قد عبر فيها بأنه لا بأس بالصلاة فيه و كذا توصيفه بأنه لا تجوز

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 622

..........

______________________________

الصلاة فيه وحده فأسند الظرفية إلى المحمول كاسنادها الى ما كان على الإنسان من دون فرق بينهما أصلا فمن هذا يستكشف شمول ما دل على عدم جواز الصلاة في النجس لما إذا كان المحمول نجسا أيضا فتدبر.

ثم انه بناء على ما ذكرنا من ان المعتبر في صحة الصلاة هو كون المصلى طاهرا و متصفا بهذه الصفة و ان طهارة الثوب من مراتب طهارة نفسه يمكن القول ببطلان صلاة المضطجع و المستلقي الذي يصلى على شي ء نجس أو كان عليه شي ء نجس مما لا يعد ثوبا كاللحاف و قد فصل فيه في العروة بين ما إذا كان متسترا به و بين صورة عدم التستر به باشتراط طهارته في الصورة الأولى دون الثانية و في شرح العروة لبعض الاعلام تفصيل آخر لعله أوفق و أقرب و هو ان المصلى مضطجعا ان كان قد

لبس اللحاف بان لفه على بدنه بحيث صدق عرفا انه لبسه فلا مناص من ان يشترط فيه الطهارة لأنه لباس و الطهارة معتبرة فيه بلا فرق في ذلك بين ان يكون له ساتر آخر غير اللحاف و عدمه. و اما إذا لم يلبس اللحاف و لم يلفه على بدنه كما إذا ألقاه على رأسه أو منكبيه على ما هو المتعارف في مثله فلا تعتبر فيه الطهارة بوجه لعدم كونه لباسا للمصلي على الفرض الا انه لو صلى معه و لم يكن له ساتر آخر بطلت صلوته لانه صلى عاريا كما لا يخفى.

تتمة قد عرفت ان اعتبار الطهارة في الصلاة مما قام عليه الإجماع و تدل عليه الروايات الكثيرة و لكن ذلك انما هو بالنسبة الى ما تتم الصلاة فيه وحده و اما في غيره مما لا تجوز الصلاة فيه منفردا فالظاهر عدم اعتبار طهارته و النصوص و الفتاوى متطابقتان على ذلك و قد جمع نصوصها في الوسائل في الباب الواحد و الثلاثين من أبواب النجاسات و هي كثيرة.

منها موثقة زرارة عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 623

..........

______________________________

و منها مرسلة حماد بن عثمان عمن رواه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- في الرجل يصلى في الخف الذي قد اصابه القذر فقال إذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس.

و منها رواية زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- ان قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثم صليت فقال: لا بأس.

و منها مرسلة إبراهيم بن

أبي البلاد عمن حدثهم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال لا بأس بالصلاة في الشي ء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيب القذر مثل القلنسوة و التكة و الجورب.

و منها مرسلة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة في بحث المحمول فاصل الحكم مما لا اشكال فيه و انما الكلام في المراد مما لا تتم فيه الصلاة وحده و يجرى فيه احتمالات:

الأول ان يكون المراد منه هو عدم تمامية الصلاة فيه لأجل عدم كونه ساترا للعورة بوجه و لو مع تغير هيئة و تبديل مكانه بل و لو مع الاستعانة بخيط و نحوه.

الثاني ان يكون المراد هو عدم تمامية الصلاة فيه من دون تصرف فيه بتغيير الهيئة و تبديل المكان أصلا.

الثالث ان يكون المراد ذلك من دون تغيير للهيئة و لو مع تبديل المكان الذي جعل ذلك لباسا له.

و الاحتمال الأول مستلزم لعدم كون كثير من الأمور المذكورة في الروايات مثالا لما لا تتم مصداقا له أصلا كالخف و الجورب بل التكة في بعض الموارد و القلنسوة ضرورة أن تغيير الهيئة في مثلها و تبديل مكانه يوجب ان يصير ساترا للعورة.

كما ان الاحتمال الثاني مستلزم لعدم كون القميص القصير المتداول بين الأعاجم الذي لا يكون ساترا للعورة داخلا فيما تعتبر طهارته لعدم كونه مما تتم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 624

..........

______________________________

الصلاة فيه وحده بناء على هذا الاحتمال كما انه يوجب ان يكون الخف مما لا يتم دائما مع ان مرسلة حماد المتقدمة تدل على ان الخف على قسمين قسم تتم فيه الصلاة و قسم لا تتم مع ان الظاهر ان الخف لا يستر أزيد من الساق.

فيتعين الاحتمال الثالث الذي مرجعه الى

ان المراد بما لا تتم الصلاة فيه وحده هو ما لا يكون ساترا للعورة مع هيئته الفعلية و لو مع تبديل موضعه الذي جعل ذلك لباسا له انما الإشكال في مثل العمامة الملفوفة التي تستر العورة إذا فلّت فقد صرح الصدوق- قده- في محكي كلامه بجواز الصلاة في العمامة المتنجسة معللا بأنه مما لا تتم فيه الصلاة و نقله عن أبيه و يدل عليه صريحا رواية الفقه الرضوي و لكن في العروة التصريح بعدم العفو إلا إذا خيطت بعد اللف بحيث تصير مثل القلنسوة و وجهه بعد عدم حجية الفقه الرضوي عدم دلالة الروايات المتقدمة على جواز الصلاة في العمامة المتنجسة لعدم كونها مما لا تتم لان العمامة المتعارفة في حد ذاتها ثوب تجوز فيه الصلاة سواء لفت على الرأس ليصدق عليه العمامة أم لم تلف بل شد على الوسط ليصدق عليه اسم الإزار و المئزر و الفل و الفك لا تخرجان العمامة عن موضوع اللباس و بهذا تفترق عن التكة و الجورب و نحوهما حيث لا تتم فيه الصلاة إلا بالعلاج بالخياطة أو غيرها مما يخرجهما عن عنوان التكة و الجورب.

هذا و لا يبعد ان يقال بناء على الاحتمال الثالث المتقدم في معنى ما لا تتم بان العمامة أيضا من مصاديق ما لا تتم لأنها عنوان للثوب الملفوف بالكيفية الخاصة ضرورة ان الثوب قبل اللف لا يصدق عليه العمامة أصلا فهي عبارة عن الهيئة المخصوصة و هي مع عدم تغيرها لا تكون ساترة للعورة نوعا، و سهولة تغيير الهيئة و كذا إيجادها لا توجب الفرق بينها و بين القلنسوة أو العمامة فيما إذا كانت مخيطة كما انه لا استبعاد في الفرق بينها و بين

الثوب قبل اللف في جواز الصلاة فيها متنجسة و عدمه كما لا يخفى و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 625

..........

______________________________

ثم ان التفصيل بين ما تتم و ما لا تتم بعدم اعتبار طهارة الثاني في صحة الصلاة لا يختص بالثوب بل يجري في المحمول أيضا بناء على اعتبار طهارته سواء كان المستند فيه مرسلة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة المصرحة بالتفصيل في كل ما كان على الإنسان أو معه أو كان المستند صحيحة زرارة المتقدمة باعتبار إسناد الإمام عليه السّلام الطهارة إلى نفس المصلى أو كان المستند إلغاء العرف خصوصية الثوبية أو كان المستند صدق عنوان الصلاة في النجس لعدم الفرق في شي ء من ذلك بين الثوب و المحمول أصلا هذا مضافا الى ان موثقة زرارة المتقدمة الدالة على ان كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء عامة تدل بعمومها على حكم المحمول أيضا بعد صدق الصلاة فيه عليه أيضا كما عرفت فالتفصيل لا يختص بالثوب نعم يظهر من الحلي في السرائر الاختصاص و ان المحمول لا تجوز الصلاة فيه مطلقا إذا كان متنجسا مستدلا بعدم ثبوت إجماع الفرقة على التفصيل فيه و لكن هذا انما يتم على مبناه من عدم حجية خبر الواحد مطلقا و اما بناء على ما هو المشهور من الحجية فلا فالمحمول أيضا على قسمين نعم لو قلنا بالاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاثة الجارية في معنى ما لا تتم لكان المحمول مطلقا مما لا تتم فيه الصلاة لأن صفة المحمولية لا تجتمع مع التمامية كما لا يخفى و لكن عرفت عدم تمامية هذا الاحتمال.

الأمر الثاني من

الأمور المعتبرة في لباس المصلي الإباحة بأن يكون اللباس مملوكا للمصلي عينا أو منفعة أو كان مأذونا من قبل المالك في التصرف فيه و قد فرع عليه في المتن ككثير من العبارات عدم جواز الصلاة في المغصوب و ظاهره انحصار مورد عدم ثبوت الإباحة بصورة الغصب مع انه قد تتحقق الحرمة من دون غصب لان الغصب عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدوانا و لو لم يكن هناك تصرف و التصرف في مال الغير بدون اذنه حرام و لو لم يكن هناك غصب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 626

..........

______________________________

و استيلاء لأجل عدم التسلط عليه بل يمكن ان يقال ان حرمة تصرف الغاصب انما هي لأجل ذلك و هي حرمة التصرف بدون اذن المالك لا لأجل كونه تصرف الغاصب و عليه فالغاصب المتصرف يستحق عقوبتين إحديهما للاستيلاء و التسلط على مال الغير عدوانا و الأخرى للتصرف في مال الغير بدون اذن المالك و من ذلك يظهر ان تفريع الغصب غير صحيح بل اللازم تفريع عدم جواز الصلاة في الثوب الذي يحرم التصرف فيه و ثبوت الغصب و عدمه لا مدخل له في ذلك أصلا.

و كيف كان فالظاهر ان اعتبار هذا الأمر في لباس المصلى لا يكون مستندا الى نص لعدم وجود النص في المسألة و عدم كونها مذكورة في الجوامع الأولية المعدة لنقل الفتاوى المأثورة بعين الألفاظ الصادرة عن العترة الطاهرة- صلوات اللّٰه عليهم أجمعين- كما ان ظاهر الشيخ- قده- في كتاب الخلاف ذلك أيضا حيث استدل لاعتبار الإباحة في قبال العامة القائلين بأجمعهم بجواز الصلاة في الثوب المغصوب بغير الإجماع و الاخبار كما سيأتي دليله.

نعم ربما استدل ببعض الروايات الضعيفة

أو غير الدالة و لعله يأتي التعرض له و مما ذكرنا يظهر انه لا يجوز الاستناد إلى الإجماع في المقام و ان ادعاه في الجملة في محكي الناصريات و الغنية و نهاية الإحكام و التذكرة و الذكرى و كشف الالتباس و غيرها لانه مضافا الى عدم تمسك الشيخ- قده- به في كتاب الخلاف مع كون دأبه فيه في أكثر المسائل التمسك بإجماع الفرقة و اخبارهم نقول انه من المحتمل بل المعلوم استناد المجمعين الى الوجوه الآتية فلا بد من ملاحظتها و انها هل تصلح لإثبات اعتبار هذا الأمر أم لا، فنقول:

الأول: قاعدة الاشتغال و قد استند إليها الشيخ- قده- في الكتاب المزبور قال: «طريقة براءة الذمة تقتضي وجوب إعادتها لان الصلاة في ذمته واجبة بيقين و لا يجوز ان يبرئها الا بيقين و لا دليل على برائتها إذا صلى في الدار و الثوب المغصوبين».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 627

..........

______________________________

و الجواب ان المقام من موارد جريان أصالة البراءة لانه قد شك فيه في شرطية أمر زائد و هي إباحة اللباس و المرجع في مثله أصالة البراءة الجارية في جميع موارد دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين سواء كان المشكوك هي الجزئية أو الشرطية فلا مجال لقاعدة الاشتغال.

الثاني ما استدل به الشيخ- قده- أيضا في الكتاب المذكور من ان الصلاة تحتاج إلى نية بلا خلاف و لا خلاف ان التصرف في الدار المغصوبة و الثوب المغصوب قبيح و لا تصح نية القربة فيما هو قبيح.

و أوضحه سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي- قده- على ما أوردته في تقريرات بحثه بان صحة العبادة متوقفة على صلاحيتها للتقرب بها مع قصده أيضا و إذا اتحدت

مع عنوان محرم لا تكون العبادة صالحة لذلك و لا يتمشى قصد التقرب بها من الملتفت الى حرمته لان الفعل الصادر عن المكلف عصيانا للمولى و طغيانا عليه لا يعقل ان يكون مقربا له اليه و هذا لا فرق فيه بين ان نقول بجواز اجتماع الأمر و النهى كما هو مقتضى التحقيق أو نقول بامتناعه لان المقربية و المبعدية من شئون الموجود في الخارج و المفروض انه واحد ليس بمتعدد فإذا فرض كونه مبعدا لتنجز الحرمة على ما هو المفروض فلا معنى لاتصافه بالمقربية و معه لا يصلح لان يقع عبادة كما هو ظاهر.

و أجيب عن هذا الوجه بأن نية القربة المعتبرة في الصلاة انما هي في أفعال الصلاة لا في التصرف في الثوب، و التستر بالثوب و ان كان تصرفا فيه الا انه ليس من أفعال الصلاة بل من شرائطها و لذا لا اشكال ظاهرا في صحة الصلاة مع الغفلة عن التستر أصلا و القصد شرط في صحة العبادة.

و التحقيق في الجواب ان يقال انه بناء على القول بجواز اجتماع الأمر و النهى يكون المجمع صحيحا و لو كانت عبادة كما في مثل المقام و ذلك لان المبعدية و المقربية و ان كان من شئون الموجود في الخارج ضرورة ان المأمور به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 628

..........

______________________________

ما لم يتحقق في الخارج لا يكون مقربا و المنهي عنه ما لم يوجد فيه لا يكون مبعدا كما انه لا شك في وحدة الموجود في الخارج الا انه لا بد من ملاحظة ان الموجود في الخارج هل يكون اتصافه بالمقربية و المبعدية لأجل نفسه أو لأجل انطباق عنوان المأمور به و

كذا المنهي عنه عليه فالموجود من الصلاة في الخارج مقرب لأجل كونه مصداقا لهذه الطبيعة الكلية و منطبقا عليه هذا العنوان و كذا في جانب المنهي عنه فإذا فرض انطباق عنوانين على الوجود الخارجي الواحد و المفروض ثبوت التكليفين و فعلية الحكمين فما المانع من ان يكون ذاك الموجود الخارجي مقربا و مبعدا معا فمن جهة انطباق عنوان الصلاة يكون مقربا و من جهة انطباق عنوان الغصب يكون مبعدا و المفروض ان قصد التقرب من المكلف الملتفت انما هو من الجهة الأولى فاركان صحة العبادة تامة فهذا الوجه أيضا لا يصح الاتكال عليه.

الثالث: ما حكاه صاحب المدارك- قده- عنهم من انه مأمور بإبانة المغصوب عنه و رده الى مالكه فإذا افتقر الى فعل كثير كان مضادا للصلاة و الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده فيفسد لأن النهي المتعلق بالعبادات يقتضي الفساد و يرد عليه أولا انه لم يثبت توجه تكليف وجوبي إلى الغاصب متعلق بعنوان الرد و الإبانة بل غاية ما هناك ان الغاصب في كل أن و زمان مرتكب للمحرم و مستول على مال الغير عدوانا و العقل يحكم عليه بالخروج عن دائرة العصيان و ترك مخالفة الرحمن و الخروج انما يتحقق بالرد الى المالك و اعادة استيلائه عليه و اما ثبوت حكم شرعي وجوبي ما عدي التكليف التحريمي الثابت في كل زمان و لحظة فلم يدل عليه دليل و لذا لا يستحق إلا عقوبة مخالفة التكليف التحريمي لا عقوبتين و دعوى ان حكم العقل بلزوم الرد يستتبع بالملازمة حكم الشرع باللزوم مدفوعة بعدم كون الأحكام العقلية الثابتة في موارد العصيان و الإطاعة و شئونهما مستلزمة للحكم الشرعي بوجه و الا يلزم التسلسل كما

حقق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 629

..........

______________________________

في محله و بالجملة فالظاهر ان وجوب الرد شرعا غير ثابت.

و ثانيا انه على تقدير تسليم الوجوب الشرعي فقد يكون الرد متعذرا لغيبة المالك مثلا و من المعلوم سقوط الوجوب- ح- لتعذر متعلقه فيلزم جواز الصلاة في الثوب المغصوب في هذه الصورة مع ان المدعى عام.

و ثالثا انه قد لا يكون الرد متوقفا على فعل تكون الصلاة مضادة له كما إذا كان المالك أو وكيله حاضرا- مثلا.

و رابعا ان الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن الضد خصوصا فيما إذا كان الأمر غيريا كما ان اقتضاء النهي الغيري للفساد محل بحث و اشكال.

و خامسا ان لازم هذا الدليل بطلان الصلاة مطلقا و لو في غير الثوب المغصوب إذا كان المصلى غاصبا لشي ء آخر لا ربط له بالصلاة و لكن كان رده متوقفا على أمور مضادة للصلاة لأنها في هذه الصورة أيضا تصير منهيا عنها فتفسد و لا يلتزم بذلك أحد.

الرابع ما حكى عن المعتبر من ان النهى عن المغصوب نهى عن وجوه الانتفاع به و الحركات فيه انتفاع فتكون محرمة منهيا عنها و من الحركات القيام و القعود و الركوع و السجود و هي أجزاء الصلاة فتكون منهيا عنها فتفسد و أجاب عنه في المستمسك بان كون القيام و القعود و الركوع و السجود من قبيل الحركات لا يخلو عن تأمل أو منع فان المفهوم منها عرفا انها من قبيل الهيئة القائمة بالجسم فتكون من مقولة الوضع لا من قبيل الحركة لتكون من مقولة الفعل نعم الحركة من قبيل المقدمة لوجودها و حرمة المقدمة لا توجب النهى عن ذيها و لا فساده قال: و ما

ذكرنا هو المطابق للمرتكز العقلائي فان التذلل و الخضوع و استشعار مشاعر العبودية انما يكون بالهيئة الخاصة التي يكون عليها العبد في مقام عبادة مولاه لا بالحركة المحصلة لها كما لا يخفى.

و التحقيق في الجواب انه على تقدير كون مثل الركوع و السجود من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 630

..........

______________________________

قبيل الحركات أيضا لا يتعدى النهي في باب الغصب عن عنوان متعلقه الى عنوان الركوع و السجود ضرورة ان الحرمة في ذلك الباب متعلقة بعنوان التصرف في مال الغير- على ما يدل عليه الرواية- فالمنهى عنه نفس عنوان التصرف و لا يتعدى النهى عنه الى غيره و اما ما هو جزء للعبادة فعنوان الركوع و السجود و أشباههما و من الواضح مغايرة العنوانين و اختلاف المتعلقين و ان اتحدا في الوجود الخارجي و التحقق في العين و لكن الاتحاد الخارجي لا يقتضي سراية الحكم من أحد المتعلقين الى الأخر كما في جميع موارد اجتماع الأمر و النهى و قد ذكرنا انه على القول بجواز الاجتماع- كما هو مقتضى التحقيق- يكون اللازم صحة المجمع إذا كان عبادة فالجزء المتحد مع التصرف في الثوب المغصوب لا يكون فاسدا فلا تكون العبادة فاسدة.

و اما ما أفاده في المستمسك فقد أجيب عنه بان الظاهر كون الركوع الذي هو جزء من الصلاة هو الذي يكون من مقولة الفعل و الشاهد عليه كون القيام المتصل بالركوع ركنا لان المراد به هو القيام المتعقب بالركوع الذي لا يكون بينه و بينه فصل فمن أول انهدام القيام الى البلوغ الى حد الركوع يكون كلها ركوعا و من أفعال الصلاة ضرورة ان تعقب القيام بالركوع المحصل للقيام المتصل بالركوع هو

بان يركع عن قيام. كما ان الظاهر ان السجود عبارة عن وضع الجبهة على الأرض بحيث يكون أول جزء من الوضع بنية سجود الصلاة فلو وضع جبهته على الأرض بلا نية السجود لم يجز الاكتفاء به بل قيل انه لو وضع ثم نوى سجود الصلاة كان ذلك موجبا لزيادة السجدة لأنه بمجرد الوضع تحقق السجود و حيث لم يكن بنية الصلاة لم يكن معدودا من أفعالها فهو سجود خارج عنها و هذا معنى الزيادة و كيف كان فلا بد من النية قبل وضع الجبهة حتى يكون أول جزء منه مع النية و من المعلوم ان المقدار المتصل بالوضع من الحركة المتصلة به المحققة له يكون من أفعال الصلاة نعم رفع الرأس منهما لا يكون معدودا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 631

..........

______________________________

من أفعال الصلاة.

ثم انه أفاد في المستمسك أيضا و قال: «انه لو تنزلنا عن ذلك و قلنا ان الواجب الصلاتى نفس الحركة من أول الانحناء عن القيام الى ان ينتهي إلى حد الركوع و هكذا في غير الركوع فلا وجه للالتزام بان المقام من صغريات مسألة الاجتماع ضرورة ان الحركة الصلاتية الواجبة قائمة بالبدن و الحركة الغصبية المحرمة قائمة بالمغصوب فيكون إحديهما غير الأخرى في الخارج ضرورة ان تباين المغصوب و بدن المكلف يستلزم تباين الحركة القائمة بأحدهما و الحركة القائمة بالآخر فيمتنع ان تكون الحركة الصلاتية عين التصرف في المغصوب في الخارج كي يكون المقام من صغريات مسألة الاجتماع نعم حركة البدن الصلاتية علة لحركة المغصوب و التصرف فيه نظير حركة اليد التي هي علة لحركة المفتاح فإذا قلنا بأن علة الحرام حرام تكون الحركة الصلاتية محرمة بالتحريم الغيري

الى ان قال:

فهذا هو العمدة في البناء على بطلان الصلاة في الثوب المغصوب».

أقول: الظاهر ان تغاير الإضافة في باب الحركة لا توجب تعدد الحركة فإن قيام احدى الحركتين بالمغصوب و الأخرى بالبدن انما يوجب التغاير بحسب العنوان و اما بحسب الوجود الخارجي فهما واحد من الجهة الراجعة إلى فعل المكلف و ما يوجد منه في الخارج ضرورة ان ما هو الصادر منه في الخارج انما هي حركة واحدة لها اضافة الى البدن و اضافة الى الثوب و اما وصف المتحركية فلا خفاء في تعدده لانه تابع للموصوف و لكنه ليس بحرام بل الحرام فعل المكلف و ما يصدر منه في الخارج و هو ليس بمتعدد و لو بتعدد العلية و المعلولية فتدبر و تبعية الثوب للبدن مقتضاها حصول وصف التحرك له تبعا للبدن لا كون عمل المكلف متعددا. و قد انقدح من جمع ما ذكرنا عدم تمامية هذا الوجه أيضا.

الخامس: الإجماع الذي ادعاه جمع من الأصحاب. و الجواب ان الإجماع في مثل هذه المسألة لا حجية فيه كما ذكرناه في صدر المسألة و يؤيد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 632

..........

______________________________

عدم ثبوت الإجماع التفصيل الذي استقر به في المعتبر و قواه جمع من المحققين المتأخرين عنه و سيأتي البحث عنه فإنه مع ثبوت الإجماع لا يبقى للتفصيل سبيل أصلا.

السادس: بعض الروايات مثل ما رواه الصدوق قال قال الصادق- عليه السّلام- لو ان الناس أخذوا ما أمرهم اللّٰه فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم و لو أخذوا ما نهاهم اللّٰه عنه فأنفقوه فيما أمرهم اللّٰه به ما قبله منهم حتى يأخذوه من حق و ينفقوه في حق. و رواه الكليني عن

إسماعيل بن جابر عنه- ع- مسندا. «1»

و ما رواه في تحف العقول عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في وصيته لكميل قال يا كميل انظر فيما تصلى و على ما تصلي ان لم يكن من وجهه و حله فلا قبول.

و رواه الطبرسي في محكي بشارة المصطفى مسندا. «2»

و الجواب عن الرواية الأولى انها و ان كانت معتبرة من حيث السند الا ان كلمة الإنفاق فيها ظاهرة في غير المقام فإن الصلاة في المغصوب لا يعبر عنها بإنفاق المغصوب فيها فإن الإنفاق مرجعه الى رفع اليد عن المال و صرفه فهو يناسب صرف المغصوب في الإحسان إلى الغير- مثلا- مع ان الكلام في نفى الصحة و الرواية ظاهرة في نفى القبول و بهذا يجاب عن الرواية الثانية مضافا الى ضعف السند فيها و عدم الانجبار لكونه متوقفا على الاستناد و لا يتحقق بمجرد موافقة فتوى المشهور مع رواية ضعيفة كما لا يخفى.

السابع: بعض الوجوه الضعيفة الأخرى التي لا مجال للاستدلال بها أصلا و صرف النظر عن التعرض لها اولى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض دليل على اعتبار إباحة التصرف في الثوب في صحة الصلاة و ان العمدة من الوجوه المتقدمة ما كان مبتنيا على

______________________________

(1) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الثاني ح- 1

(2) الوسائل أبواب مكان المصلى الباب الثاني ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 633

..........

______________________________

مسألة اجتماع الأمر و النهى و قد مر ان القول بالجواز فيها لا يستلزم بطلان المجمع إذا كانت عبادة بل الظاهر صحته كذلك و ان أبيت إلّا عن الاستلزام نقول بعدم كون المقام من صغريات تلك المسألة لا لما أفاده في المستمسك مما

تقدم لعدم تماميته كما عرفت بل لما افاده شيخنا المحقق الحائري- قده- في كتابه في الصلاة من ان المحرم انما هو التصرف في اللباس من جهة لبسه و اما تغيير هيأته بتبع حركات اللابس بمشيه أو قيامه أو قعوده و أمثال ذلك مما لا يكون انتفاعا أخر به سوى اللبس و لا يكون موجبا لتلفه و اندراسه فلا يكون مبغوضا آخر للمالك حتى يتبعه النهي الشرعي ضرورة أن المبغوض للمالك في حالات اللابس من قيامه و قعوده و انحنائه شي ء واحد و هو كونه لابسا و ليس مبغوضه في حال القيام أمران أحدهما كونه لابسا و الثاني وجود هيئة خاصة حاصلة للملبوس من جهة قيامه و كذا في حال الانحناء فعلى هذا يكون المحرم امرا واحدا في مجموع الحالات و هو التصرف اللبسى و كونه لابسا شي ء و الركوع و السجود و القيام شي ء آخر مقارن له فلا يلزم من كونه محرما تحريم ما هو من أجزاء الصلاة.

بقي الكلام في التفصيل الذي ذكره المحقق في المعتبر قال: «و الأقرب ان كان ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة لأن جزء الصلاة يكون منهيا عنه و تبطل الصلاة بفواته، اما إذا لم يكن كذلك لم تبطل و كان كلبس خاتم مغصوب» و في المدارك: انه المعتمد. و عن الذكرى و جامع المقاصد و إرشاد الجعفرية و المقاصد العلية و الروض و كشف اللثام انه قوى.

أقول اما الفرض الأول و هو ما إذا ستر به العورة فالظاهر عدم جريان التعليل فيه لان الظاهر كون التستر و عدم انكشاف العورة معتبرا في الصلاة بنحو الشرطية لا الجزئية و لذا تصح الصلاة مع الغفلة

عن تحققه مع انه لو كان جزء لكان اللازم رعاية النية فيه و لو ارتكازا مضافا الى انه على تقدير الجزئية لا يثبت المطلوب أيضا لعدم كون النهى متعلقا بعنوان التستر بل بعنوان التصرف فهنا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 634

..........

______________________________

عنوانان أحدهما متعلق للأمر و متصف بالجزئية و الأخر متعلق للنهى و قد عرفت عدم استلزام ذلك للبطلان.

و اما الفرض الثاني فالجزئية فيه و ان كانت مسلمة لأن السجدة على ما يصح السجود عليه من أجزاء الصلاة بلا إشكال الا انه لا يستلزم البطلان كما مر.

و اما الفرض الثالث فيمكن فيه منع الجزئية كالفرض الأول لعدم الدليل على اعتباره كذلك كما انه يمكن ان يقال ان الجزء انما هو القيام و اما وقوعه على شي ء فهو خارج عن دائرة الجزئية و ليس هذا مثل السجود فإنه يعتبر في حقيقته وضع الجبهة على شي ء و من الممكن ان يكون القيام جزء للصلاة و وقوعه على المغصوب محرما فلا يتحد الجزء مع ما هو المحرم و هذا بخلاف الصلاة في المكان المغصوب فان اتحاد الغصب فيها مع الصلاة ليس لأجل وقوع القيام المعتبر فيها عليه بل لأجل كونه شاغلا و متصرفا في الهواء و الفضاء فتدبر ثم على تقدير الجزئية يجري فيه الجواب المذكور في الفرضين الأولين و يتحصل مما ذكر عدم تمامية التفصيل أيضا.

ثم انه بناء على بطلان الصلاة في الثوب المغصوب لو كان المصلى عالما بكونه مغصوبا و بأنه يحرم التصرف في العين المغصوبة و بأنه لا يجوز الصلاة فيه فلا إشكال في البطلان- ح- و اما لو كان جاهلا بالموضوع فقد صرح الأصحاب- رض- بصحة صلوته فيه و هو

مبنى على ما حقق في محله من كون مورد مسألة اجتماع الأمر و النهى ما إذا كان ملاك الحكمين و مناطهما موجودا في مادة الاجتماع و مورد التصادق فيكون من باب التزاحم لا التعارض الذي مورده ثبوت أحد الملاكين فقط في محله فان لازم التزاحم انه لو فرض عدم بلوغ النهي إلى مرتبة الفعلية و التنجز للجهل- مثلا- فلا مانع من تأثير الملاك الأخر الموجود في ثبوت مقتضاه و عليه فالمجمع إذا كان عبادة يكون صحيحا لوجود الملاك و ثبوت الأمر و لا يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 635

..........

______________________________

التكليف التحريمي منجزا حتى يقدم على التكليف الوجوبي بناء على الامتناع و تقديم جانب النهي أو يقال ان ثبوت النهى يمنع عن صحة العبادة بناء على الاجتماع أيضا كما مرّ.

و اما لو لم يكن الملاكان موجودين فعدم تنجز التكليف التحريمي لعدم ثبوت شرائطه لا يقتضي صحة العبادة لخلوها عن الملاك و الأمر فلا مجال للصحة و لو قيل بكفاية الملاك فيها كما لا يخفى.

و بالجملة فالحكم بصحة صلاة الجاهل انما هو لما ذكر من كون مورد تلك المسألة ما إذا كان من باب التزاحم لا التعارض.

و اما الناسي للموضوع فحكمه حكم الجاهل بل اولى منه لاستحالة تعلق الخطاب بالناسي لعدم التفاته الى وصف كونه ناسيا و الا يرتفع النسيان منه بخلاف الجاهل فإنه ملتفت الى وصفه و لأجله يمكن توجيه الخطاب اليه فإذا كان التكليف في حق الجاهل غير منجز فبالنسبة إلى الناسي يكون غير منجز بطريق اولى هذا إذا كان الناسي غير الغاصب.

و اما لو كان الناسي هو الغاصب فقد صرح بالحكم بالبطلان فيه في جملة من كلمات الأصحاب و

الظاهر ان المراد هو الغاصب الذي عرض له النسيان من جهة عدم المبالاة بالغصب و جعله المغصوب في عداد أمواله و اتفق له النسيان حال الصلاة.

و اما لو كان تائبا و عازما على رد المال الى مالكه و متحفظا لعدم التصرف فيه فعرضه الغفلة فهو خارج عن مورد كلامهم و ان كان بعض ما استدل به على البطلان من الوجوه يشمل هذا الفرض أيضا و كيف كان فقد استدل للبطلان في الغاصب الناسي بوجوه:

الأول: انصراف حديث الرفع المشتمل على رفع الخطأ و النسيان عن نسيان الغاصب الناشئ عن عدم المبالاة و ترك التحفظ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 636

..........

______________________________

و الجواب منع دعوى الانصراف خصوصا مع ملاحظة ما مر من ان توجه التكليف إلى الناسي مستحيل ضرورة انه لا فرق في استحالته بين الغاصب و غيره غاية ما في الباب وجوب التحفظ عليه رعاية لحفظ مال الغير و احترامه و من المعلوم ان مخالفة هذا التكليف الوجوبي لا تسوغ توجه التكليف التحريمي المتعلق بالتصرف في مال الغير في حال النسيان حتى يمنع عن صحة العبادة و مقربيتها، و من الممكن المنع عن وجوب التحفظ عليه أيضا بدعوى ان مفاد حديث الرفع رفع إيجاب التحفظ في مورد النسيان لا رفع التكليف المنسي لأن رفعه انما هو بحكم العقل و لا يختص- ح- بالأمة النبوية و التحقيق في محله.

الثاني: دعوى توجه التكليف التحريمي بالغاصب بتركه التصرف في المغصوب في حال تذكره قبل طروّ النسيان نظير التكليف بعدم التصرف في الأرض المغصوبة لمن توسطها قبل دخوله فيها.

و الجواب- مضافا الى منع ذلك في المقيس عليه لان المحرم فيه انما هو التصرف في مال الغير و

هو ثابت بعد التوسط و الدخول أيضا لأن عنوان الدخول و كذا الخروج لا دخالة له في متعلق الحكم التحريمي بل المتعلق انما هو نفس عنوان التصرف و لا يسرى الحكم عن هذا العنوان إلى شي ء آخر أصلا و هذا العنوان باق بعد التوسط و الدخول و ثبوت حكم تكليفي آخر متعلق بعنوان التخلص عن الحرام على تقديره لا يقدح في بقاء الحكم الأول كما ان تصادقهما على الخروج لا يوجب ارتفاعهما أو ارتفاع واحد منهما أصلا- المنع في المقيس و بطلان المقايسة لأن منشأ النزاع هناك ثبوت الاضطرار الحاصل للمتوسط بعد الدخول و تردد امره بين البقاء و الخروج مع كون كل منهما تصرفا في الأرض و هنا ليس كذلك لانه لا اضطرار للغاصب بالإضافة إلى الصلاة في الثوب المغصوب و لم يكن نسيانه سببا للتصرف فيه مع ان توجه التكليف إلى الناسي مستحيل كما مر من دون فرق بين ان يكون غاصبا أو غيره و دعوى انه لا مانع من حرمة جميع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 637

..........

______________________________

التصرفات الواقعة في طول الزمان و توجهها الى الغاصب حين الغصب من دون فرق في التصرفات بين ما كان منها مقارنة لحال التذكر و ما كان مقارنة لحال النسيان مدفوعة بأن النسيان من حالات المكلف و يستحيل ان يكون المكلف في هذا الحال موردا لتوجه التكليف و لا فرق في الاستحالة من حيث زمان التكليف و حدوثه أصلا.

الثالث: استصحاب بقاء التكليف الثابت قبل النسيان بعد طروه. و جوابه واضح فانقدح انه لا فرق في الناسي بين الغاصب و غيره.

و اما الجاهل بالحكم التكليفي فإن كان قاصرا فالظاهر صحة صلوته لعدم تنجز

النهى و فعلية الحرمة مع هذا الجهل بمقتضى حديث الرفع و شبهه فلا مانع من وقوع العمل عبادة مقربة لما عرفت من انه مع عدم فعلية النهى يؤثر ملاك الأمر في مقتضاه.

و هذا بخلاف ما إذا كان مقصرا فان جهله عن تقصير لا يمنع عن الفعلية و لا يقدح في تأثير ملاك النهي في الحرمة فالمبغوضية و المبعدية متحققة و هي تمنع عن صلاحية المقربية بل عن تمشى قصد القربة من المكلف.

و اما الجاهل بالحكم الوضعي أعني بطلان الصلاة في الثوب المغصوب فالمصرح به في جملة من الفتاوى هو البطلان و هو الظاهر لانه مع تنجز الحرمة بالعلم بها و ثبوت المبغوضية و المبعدية لا يبقى مجال لصحة العبادة و الجهل بالمانعية لا يصحح العبادة و ان كان حديث الرفع لا يختص جريانه بالأحكام التكليفية بل يجري في مثل الجزئية و الشرطية و المانعية من الأحكام الوضعية الا انه لا يشمل المقام لظهور أن المانعية في المقام انما هي من الأحكام العقلية و لا تكون شرعية و حديث الرفع يجري بالإضافة إلى الموانع الشرعية فقط و منه يظهر عدم جريان حديث لا تعاد في المقام لوضوح كون مورده ما كان بيانه راجعا الى الشارع من الاجزاء و الشرائط و الموانع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 638

[مسألة 9- لا فرق بين كون المغصوب عين المال أو منفعة أو متعلقا لحق الغير]

مسألة 9- لا فرق بين كون المغصوب عين المال أو منفعة أو متعلقا لحق الغير كالمرهون، و من الغصب عينا ما تعلق به الخمس أو الزكاة مع عدم أدائهما و لو من مال آخر. (1)

______________________________

و اما الناسي للحكم سواء كان حكما تكليفيا أو وضعيا فيجري عليه حكم الجاهل لان المفروض جهله بذلك بعد حصول النسيان

فتدبر

(1) عدم الفرق بين أنواع الغصب انما هو لأجل ثبوت الملاك في جميعها فكما انه إذا كانت عين المال مغصوبة يحرم التصرف فيها و تبطل العبادة فيها لما مر كذلك إذا كانت المنفعة مغصوبة فإذا صلى في ثوبه الذي اجره من الغير مع البناء على عدم إقباضه إياه تكون صلوته باطلة لعين الدليل المذكور و كذلك إذا كان متعلقا لحق الغير و لكن لا بدّ من تقييده بما إذا كان الحق موجبا لحرمة تصرف من عليه الحق كما في مثال الرهن المذكور في المتن فإنه لا يجوز للراهن التصرف في العين المرهونة بوجه و اما إذا لم يكن الحق موجبا لحرمة التصرف فلا مانع من صحة الصلاة فيه كما إذا نذر التصدق بثوبه الخاص على الفقير إذا جاء ولده من السفر- مثلا- فان تعلق حق الفقير بالثوب المنذور التصدق به لا يستتبع حرمة التصرف فيه بمثل الصلاة و لا يكون منافيا له فلا بد من تقييد الحق و تخصيصه بالصورة الاولى.

ثم انه لو قلنا بان تعلق الخمس و الزكاة بما يتعلقان به انما هو على سبيل الإشاعة- كما هو ظاهر بعض الأدلة- فيصير المال المتعلق لأحدهما مع عدم الأداء و لو من مال آخر من قبيل ما تعلق الغصب بعينه لعدم اختصاص غصب العين بغير صورة الإشاعة و جريانه فيها فيكون المالك بالإضافة إلى مقدارهما غاصبا للعين و اما لو قلنا بان تعلقهما به انما هو على سبيل الحق و انهما حقان ماليان افترضهما اللّٰه على من يجبان عليه فيكون الغصب المتحقق في المقام- ح- من قبيل ما يكون المغصوب متعلقا لحق الغير كما في المرهون و على كلا التقديرين

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 639

[مسألة 10- ان صبغ الثوب بصبغ مغصوب]

مسألة 10- ان صبغ الثوب بصبغ مغصوب فمع عدم بقاء عين الجوهر الذي صبغ به و الباقي هو اللون فقط تصح الصلاة فيه على الأقوى. و اما لو بقي عينه فلا تصح على الأقوى، كما ان الأقوى عدم صحتها في ثوب خيط بالمغصوب و ان لم يمكن رده بالفتق فضلا عما يمكن نعم لا إشكال في الصحة فيما إذا أجبر الصباغ أو الخياط على عمله و لم يعط أجرته مع كون الصبغ و الخيط من مالك الثوب، و كذا إذا غسل الثوب بماء مغصوب أو أزيل وسخه بصابون مغصوب مع عدم بقاء عين منهما فيه، أو اجبر الغاسل على غسله و لم يعط أجرته. (1)

______________________________

تكون الصلاة فيه باطلة اما على التقدير الأول فواضح و اما على التقدير الثاني فلكون الحق مستتبعا لحرمة التصرف مطلقا كما في حق الرهانة.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأول ما لو كان الثوب مصبوغا بصبغ مغصوب مع عدم بقاء عين الجوهر الذي صبغ به و كان الباقي هو اللون فقط كما هو الغالب في موارد الصبغ و قد قوى في المتن الحكم بصحة الصلاة فيه و هو يبتنى على كونه معدودا بحكم التالف لان عدم بقاء العين كما هو المفروض يجعله بحكمه خصوصا مع ان العرف ربما يساعد على ذلك نظرا إلى انه ليس هنا شي ء يمكن رده الى مالكه و بقاء اللون لا دلالة فيه على بقاء مال المالك.

و ربما يناقش في ذلك بأنه لا يصدق التلف هنا لا حقيقة و لا حكما لان ملاك الأول هو ارتفاع وجود الشي ء في الخارج بالكلية و ملاك الثاني هو انتفائه في الخارج و زواله عرفا كالقطرة

الواردة في البحر فإنها موجودة فيه لكنها محكومة بحكم التالف و شي ء من الملاكين لا يتحقق في المقام ضرورة وجود الصبغ في الثوب حقيقة و حكما الا انه لا يمكن استرداده الى مالكه و ذلك لا يوجب صدق التلف عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 640

..........

______________________________

هذا مضافا الى ان الارتكاز العقلائي هو ان تولد شي ء من شي ء يوجب الحاقه به في الإضافة إلى مالكه فثمرة الشجرة لمالكها و ولد الحيوان لمالكه و لا فرق في ذلك بين العين و الأثر فلا فرق بين مثل اللون كالبياض و السواد و بين مثل طحن الحنطة و غزل الصوف و أشباههما فاللون في المقام اثر الجوهر الذي كان ملكا لمالكه و صار مغصوبا فلا تجوز الصلاة في الثوب الملون به.

ثم انهم ذكروا ان الغاصب إذا أحدث في العين صفة محضة كانت كالصياغة أو عينية كاللون فليس له مطالبة المالك بشي ء و كذا المفلس إذا اشترى عينا فأحدث فيها صفة محضة أو عينية ثم فلس جاز للبائع أخذها و ليس للغرماء فيها شي ء. و الظاهر انه لا فرق عندهم فما ذكر بين ان لا تكون الصفة المذكورة موجبة لزيادة القيمة و بين ان تكون كذلك بل ربما قيل بان عدم الاستحقاق في الصورة الأولى ينبغي ان يعدّ من الضروريات و استظهر من الجواهر الاتفاق على عدم الاستحقاق في الصورة الثانية أيضا و ان الاستحقاق يختص بصورة كون الزيادة عينا محضة كالزرع و الشجر.

و مقتضى ما ذكر معاملة التلف في مثل اللون لان نفى جواز مطالبة المالك بشي ء و ان كان ظاهره عدم استحقاق شي ء من المالية الا ان الظاهر كون مرادهم عدم ثبوت اضافة ملكية

للغاصب في العين التي أحدثت فيها الصفة فيجوز للمالك التصرف فيه بأيّ نحو شاء و هذا لا ينطبق الا على فرض تحقق التلف و صيرورة مال الغاصب تالفا بالصبغ كما ان نفى ثبوت حق للغرماء في العبارة المذكورة في مورد المفلس مرجعه الى عدم ثبوت حق و اضافة فيه أصلا و لو بالنسبة إلى المفلس فتدبر هذا و لكن استظهر في تقريرات صلاة المحقق النائيني- قده- من الأصحاب انهم ذكروا فيما إذا أحدث الغاصب زيادة عينية موجبة لزيادة القيمة كالصبغ يستحق بقدر تفاوت قيمة الثوب الناشئ من تفاوت زيادة العين لا الصفة فلو كان قيمة الثوب عشرة دراهم و كان قيمة الصبغ درهما و صار قيمة الثوب بعد الصبغ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 641

..........

______________________________

أربعة عشر درهما فيلقى ثلاثة دراهم التي هي بإزاء الصفة و لا يستحقها الغاصب و يصير الغاصب شريكا مع المالك في الثوب بنسبة درهم الى مجموع قيمته.

و مقتضى هذا الاستظهار ثبوت حق للغاصب المالك للصبغ بل ثبوت الشركة في ملكية العين و هذا يغاير ما استظهر من الجواهر مما مر من الاتفاق على عدم الاستحقاق في مثل هذه الصورة.

و كيف كان فالظاهر هنا كما في المتن من حكم العرف بتحقق التلف و عدم بقاء شي ء مما يتعلق بمالك الصبغ بعد تحقق الصبغ في هذا الفرض.

الفرع الثاني هذه الصورة مع بقاء الجوهر الذي صبغ به في الثوب و حكمه حكم الفرع الثالث الآتي.

الثالث ما إذا خيط الثوب بخيوط مغصوبة قال العلامة في محكي القواعد في هذه المسألة: «و لو طلب المالك نزعها و ان أفضى إلى التلف وجب ثم يضمن الغاصب النقص و لو لم يبق لها

قيمة عزم جميع القيمة» و عطف على ذلك في محكي جامع المقاصد قوله: «و لا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك كما سبق من ان جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين و لو استوعب القيمة أخذها و لم تدفع العين» و عن المسالك في هذه المسألة «انه ان لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة و لا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق فيجمع بين العين و القيمة».

لكن عن مجمع البرهان في هذه المسألة اختيار عدم وجوب النزع بل قال: «يمكن ان لا يجوز و يتعين القيمة لكونه بمنزلة التلف و- ح- يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخاط إذ لا غصب فيه يجب رده كما قيل بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد إكمال الغسل و قبل المسح».

و استجوده صاحب الجواهر- قده- في هذه المسألة من كتاب الغصب معللا له باقتضاء ملك المالك القيمة خروج المغصوب عن ملكه لكونها عوضا شرعيا عنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 642

..........

______________________________

و من العجيب تصريح صاحبي جامع المقاصد و المسالك بعدم خروج الخيوط عن ملك المالك و تصريح صاحب الجواهر بخلافه و ان ملك القيمة يقتضي خروج المغصوب عن ملكه مع حكمهم بخلاف ذلك في مسألة بدل الحيلولة حيث انه يظهر من الأولين خروجه عن ملك مالك المبدل و من الأخير الخلاف قال المحقق الثاني في محكي جامعه: «ان هنا إشكالا فإنه كيف يجب القيمة و يملكها الأخذ و يبقى العين على ملكه و جعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتضح معناه».

و قال الشهيد الثاني- قده-: «ان هذا لا يخلو عن اشكال من حيث اجتماع العوض و المعوض

على ملك المالك من دون دليل واضح و لو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا و توقف تملك المغصوب منه للبدل على اليأس من العين و ان جاز له التصرف كان وجها في المسألة».

و قال صاحب الجواهر بعد حكاية الكلامين: «لكنه مخالف لما عرفته من الاتفاق المؤيد بمعلومية عدم اعتبار توقف ملكية المالك القيمة على الغاصب على خروج المغصوب عن قابلية التملك الى ان قال فالقيمة المدفوعة- ح- مملوكة و العين باقية على الملك للأصل و لأنها مغصوبة و كل مغصوب مردود و أخذ القيمة غرامة للدليل الشرعي لا ينافي ذلك الى ان قال في الاستدلال على ذلك: مضافا الى أصالة بقائه على ملكه و الى ما عرفته من الاتفاق عليه و لذا لم يذكروا خلافا بل و لا إشكالا في ملك نمائه المنفصل له و دعوى انه من الجمع بين العوض و المعوض عنه الممنوع عنه شرعا واضحة الفساد».

و كيف كان فمسألة صحة الصلاة في الثوب المخيط بخيط مغصوب و بطلانها يبتنى على بقاء الخيط على ملك مالكه و عدمه و صيرورته تالفا عرفا و العمدة في هذه الجهة ملاحظة ان أدلة لزوم الغرامة هل تقتضي ثبوت معاوضة شرعية قهرية أم لا و الظاهر هو الثاني لظهور دليل الغرامة في لزوم تدارك ما فات عن المالك بسبب التصرف في العين المغصوبة أو كونها بيده و من الواضح ان ما فات عن المالك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 643

[الثالث: ان يكون مذكى من مأكول اللحم]

الثالث: ان يكون مذكى من مأكول اللحم فلا تجوز الصلاة في جلد غير مذكى و لا في سائر اجزائه التي تحله الحياة و لو كان طاهرا من جهة عدم كونه ذا

نفس سائلة كالسمك على الأحوط، و يجوز فيما لا تحله الحياة من اجزائه كالصوف و الشعر و الوبر و نحوها. (1)

______________________________

في مسألة الخيوط ليس إلا الأوصاف التي لها دخل في المالية و اما الملكية فهي باقية بحالها ضرورة عدم دورانها مدار المالية فملكية المغصوب منه للقيمة بدلا لا تقتضي زوال ملكيته عن الخيوط المغصوبة بل هي بعد باقية على ملكها و يدل على عدم كون الغرامة ملازمة لتحقق المعاوضة وضوح ثبوتها مع التلف الحقيقي للعين مع انه لا يعقل هناك معاوضة فالغرامة لا دلالة لها على المعاوضة و أدلة نفى الضرر بناء على ارتباطها بباب الأحكام الشرعية قاصرة عن إفادة الملكية خصوصا مع كون مقتضى الأصل أيضا البقاء على ملك المالك فالإنصاف هو البطلان في مسألة الصلاة.

الرابع الفروع التي نفى الاشكال عن الصحة فيها في المتن و الوجه في الحكم بها واضح لان منع الأجير كالصباغ و الخياط عن أجرته لا يوجب حقا له في العين أصلا و هكذا سائر الفروض.

(1) ظاهر المتن ان اعتبار التذكية في لباس المصلى و كونه من غير ما يحرم أكل لحمه يرجع الى اعتبار أمر واحد و مدخلية شي ء فأرد مع ان الظاهر من كلمات الأصحاب- قده- ان هنا أمرين أحدهما اعتبار التذكية في مثل الجلد الذي يتخذ لباسا و يصلى فيه و الأخر عدم كونه من غير المأكول و لو لم يعرض له الموت كما إذا صلى في وبره أو شعره مثلا و لأجله نتكلم نحن في أمرين:

الأول اعتبار عدم كونه من أجزاء الميتة و لا إشكال في أصل الحكم و لا خلاف ظاهرا بل عن كثير من الكتب الفقهية دعوى الإجماع عليه و لم ينقل الخلاف فيه

من أحد و لو بنحو الإجمال و لأجله اعترض على الشهيد في الذكرى حيث استثنى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 644

..........

______________________________

«من شذ» بأنه لم يعلم المراد منه للاتفاق على عدم جواز الصلاة في أجزاء الميتة حتى ممن قال بطهارة الجلد بالدباغ خلافا للعامة القائلين بجواز استعمالها و الانتفاع بها في غير حال الصلاة و بصحة الصلاة فيها إذا كانت مدبوغة و الاخبار الواردة في هذه المسألة بالغة حد الاستفاضة بل ربما ادعى تواترها و لأجله لا حاجة الى ذكرها للاستدلال بها فاصل الحكم يكون كالمسلم بينهم فاللازم التكلم في الجهات الأخر:

منها: ان اعتبار هذا الأمر في الصلاة هل هو بعنوان شرطية التذكية أو على نحو مانعية الميتة؟ ظاهر المتن الأول و لا بدّ لتحقيق هذه الجهة من ملاحظة معنى المذكى و الميتة أو لا فنقول لا إشكال في ان التذكية عبارة عن الأمر الوجودي العارض لبعض الحيوانات حينما يزهق روحه و لا فرق في ذلك بين ان يقال بأنها عبارة عن مجرد فرى الأوداج الأربعة مع سائر الشرائط من الاستقبال و التسمية و غيرهما و بين ان يقال بأنها عبارة عن الأمر المتحصل من ذلك بضميمة وجود القابلية المتحققة في خصوص ما يتصف بكونه مذكى من الحيوانات فإنه على كلا التقديرين تكون التذكية من الأمور الوجودية بلا اشكال.

و اما الميتة فلا ينبغي الإشكال في ان معناها بحسب اللغة هو الحيوان الذي فقد وصف الحياة بعد ما كان واجدا له و هو بهذا المعنى يشمل المذكى أيضا و الظاهر ان قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ

الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ. ناظر الى هذا المعنى اللغوي بناء على رجوع الاستثناء الى جميع المذكورات التي منها الميتة ما عدي الدم و لحم الخنزير كما لعله الظاهر من الآية و قد حكى عن على عليه السّلام و ابن عباس و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في ان الميتة بحسب المعنى اللغوي مقابل الحي لا المذكى و هذا يدلنا على ان استعمالها في مقابل المذكى في لسان الروايات انما هو لأجل ثبوت الحقيقة الشرعية لها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 645

..........

______________________________

فانظر إلى موثقة سماعة قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال إذا رميت و سميت فانتفع بجلده و اما الميتة فلا. «1» حيث جعلت الميتة مقابلة للمذكى اى ما رمى و سمى به.

و بعد ذلك يقع الكلام في ان الميتة هل هي عنوان وجودي أو عدمي و هو غير المذكى و تظهر الثمرة فيما لو شك في شي ء أنه ميتة أم لا فعلى تقدير كونها امرا وجوديا لا يثبت باستصحاب عدم التذكية بناء على جريانه و لا يترتب عليه أحكام الميتة بخلاف ما لو كانت امرا عدميا. و الظاهر ان المتبادر من الميتة عند المتشرعة عنوان وجودي و هو ما مات بسبب غير شرعي.

ثم انه على تقدير كون الميتة أمرا عدميا لا مجال لاحتمال كونها مانعة لان المانعية من شئون وجود المانع و أوصافه و اما على تقدير كونها امرا وجوديا كما استظهرناه يقع الكلام في أنها هل هي مانعة أو ان التذكية شرط- كما اختاره صاحب الجواهر- و لا مجال لاحتمال كلا الأمرين للزوم اللغوية ضرورة و الظاهر اختلاف الروايات فمن بعضها

يستفاد المانعية و من البعض الشرطية.

اما الأول فكصحيحة محمد بن مسلم قال سألته عن الجلد الميت أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال لا و لو دبغ سبعين مرة. «2» و مرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في الميتة قال لا تصل في شي ء منه و لا في شسع. «3» و الشسع بالكسر ما يشد به النعل وجه الاستفادة ظهور النهى الوارد فيهما في الإرشاد إلى المانعية كما هو شأن النواهي الغيرية المتعلقة بالموانع.

و اما الثاني فكموثقة ابن بكير المعروفة الواردة في عدم جواز الصلاة في أجزاء ما يحرم أكل لحمه من الحيوانات المشتمل ذيلها على قوله- عليه السّلام-

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب التاسع و الأربعون ح- 2

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الأول ح- 1

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الأول ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 646

..........

______________________________

فان كان شي ء يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي و قد ذكاه الذبح .. «1»

و رواية على بن أبي حمزة قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- أو أبا الحسن- عليه السّلام- عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال: لا تصل فيها الا ما كان منه ذكيا، قال قلت: أو ليس الذكي مما ذكى بالحديد؟ قال: بلى إذا كان مما يؤكل لحمه، الحديث. «2»

فإنهما ظاهران في شرطية التذكية و اعتبارها و لكن ظهور أدلة المانعية فيها أقوى من ظهور أدلة الشرطية فيها و ذلك لاستناد الاولى الى النهي الذي له ظهور قوى في الإرشاد إلى المانعية فيما إذا كان

غيريا و اما الثانية فليس لها مثل هذا الظهور خصوصا مع اشتمال رواية ابن أبي حمزة على النهي أيضا و عليه فالتعبير بما هو ظاهر في الشرطية يحمل على العرضية بلحاظ ما عرفت من ان المذكى و الميتة من قبيل ما لا ثالث لهما كما لا يخفى.

و منها ان مانعية جلد الميتة- مثلا- هل هي لنجاستها فتختص بما إذا كانت الميتة نجسة فيجوز الصلاة في ميتة السمك و نحوه مما ليس له نفس سائلة أو لأجل كونها مانعة بعنوانها فتعم ما إذا لم تكن نجسة كما في المثال المذكور وجهان بل قولان ظاهر كلام الأصحاب هو الثاني حيث لم يقيدوا الميتة المانعة بالنجسة و لم يتعرضوا لاستثناء غير ذي النفس مضافا الى ان التعرض لاعتبار هذا الأمر بعد التعرض لاعتبار الطهارة في لباس المصلى مما يؤيد عدم ارتباطه بمسألة الطهارة و عدم الاختصاص بالميتة النجسة و عن البهائي و والده التصريح بالتعميم و كيف كان.

فوجه التعميم- مضافا الى ما ذكر- إطلاق أدلة المانعية و عدم وقوع التقييد

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني ح- 1

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 647

..........

______________________________

فيها بالنجسة و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بينها و بين الطاهرة.

و اما وجه الفرق فأمور:

الأول انصراف الأخبار المانعة عن الصلاة في جلد الميتة عن ميتة غير ذي النفس لان مورد السؤال في أكثرها هو المصنوع منها كالجلد و الفرو و الخف و نحوها و من المعلوم بحسب الارتكاز ان مثل ذلك انما يكون مأخوذا من جلود ذي النفس لعدم تعارف أخذ اللباس من جلد السمك و نحوه حتى في زماننا هذا أيضا

مضافا الى ان الظاهر هو كونها مسوقة في مقام الرد على العامة القائلين بطهارة جلد الميتة بالدباغ و جواز الانتفاع به مطلقا معه كما يدل عليه التعبير بحرمة استعمالها و لو دبغ سبعين مرة و من المعلوم ان ما هو المتعارف فيه الدباغ من الجلود غير جلد الميتة التي لا نفس لها مع ان التعرض لفرض الدباغ انما هو بملاحظة تغير الحكم بسببه و من الواضح ان ما يجرى فيه احتمال التغيير بالدباغ هي الميتة النجسة بدونه لأن الميتة الطاهرة لا معنى لان يكون الدباغ مغيرا لحكمه أصلا.

الثاني الإجماع المنقول عن المعتبر على ما حكاه المحقق الثاني و ان لم يوجد ذلك في المعتبر لعدم قدحه بعد ما كان الناقل مثله و يمكن ان يكون اشتبه في تعيين الكتاب و لكنه لا يشتبه في النقل عن كتاب معتبر و ان لم يكن كتاب المعتبر.

الثالث دعوى السيرة القطعية على الصلاة في نحو القمل و البق و البرغوث كما ادعاها صاحب الجواهر- قدس سره.

أقول هذه الوجوه و ان كانت مردودة من جهة منع دعوى الانصراف لأن منشأه كثرة الاستعمال لا كثرة الوجود فعدم تعارف أخذ اللباس من جلد مثل السمك لا يصحح دعوى الانصراف بالإضافة إلى المطلقات على تقدير وجودها و الإجماع المنقول مع قطع النظر عن عدم ثبوت النسبة لا يكون بحجة و الصلاة في مثل القمل خارجة عن محل البحث لان مورده ميتة غير ذي النفس من الحيوان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 648

..........

______________________________

الذي يقع عليه التذكية و تؤثر في حلية لحمها كالسمك لا الحشرات التي لا تقبل التذكية لعدم صدق كونها ذات لحم الا ان العمدة في المقام عدم

ثبوت الإطلاق الشامل لغير ذي النفس فان ما يتوهم فيه الإطلاق صحيحة محمد بن مسلم و مرسلة بن أبي عمير و رواية ابن أبي حمزة المتقدمة و من الواضح عدم دلالتها على الإطلاق لأن الصحيحة مسوقة لنفي كون الدباغ موجبا لجواز الصلاة في جلد الميتة و المرسلة ظاهرة في تعميم الحكم بالإضافة الى أجزاء الميتة دون افرادها و يؤيده الضمير المذكر الظاهر في كون المفروض ميتا خاصا من الحيوان مذكرا نعم لو كان مفادها التعميم بالنسبة الى الافراد كان ظاهرها عدم الفرق بينها و لكنه خلاف الظاهر و رواية ابن أبي حمزة مضافا الى ان مورد السؤال فيها هو لباس الفراء و هو لا يتخذ الأمن الحيوان ذي النفس يكون ذكر التذكية فيها قرينة على الاختصاص بالحيوان ذي النفس فالأظهر بمقتضى ما ذكرنا جواز الصلاة في ميتة غير ذي النفس و ان كان الأحوط خلافه.

و منها انه يجوز الصلاة في الاجزاء التي لا تحلها الحياة من الميتة كالصوف و الشعر و الوبر اما على تقدير كون علة المنع في الميتة هي النجاسة فلان هذه الاجزاء لا تكون نجسة كما مر البحث فيها في باب الميتة و اما على تقدير كون العلة هي نفس عنوان الميتة فمضافا إلى إمكان دعوى عدم كون هذه الأجزاء ميتة لعدم كونها محلا للحياة حتى يعرض لها الموت و ان ناقشنا في هذه الدعوى سابقا نظرا الى ان الحياة التي لم تحل في هذه الأجزاء هي الحياة الحيوانية لا الحياة النباتية مع ان العرف يطلقون عنوان الميتة على جميع اجزائها من دون فرق نقول ظاهر النصوص الواردة في هذا الباب عدم كون هذه الأجزاء ميتة بل بعضها يصرح بجواز الصلاة فيها

و هي الصحيحة عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ان الصوف ليس فيه روح. «1» و مقتضى التعليل

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الثامن و الستون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 649

..........

______________________________

عمومية الحكم لكل ما يماثل الصوف في انه ليس من شأنه ان يكون فيه روح حتى حال حياة الحيوان.

ثم انه لو شك في جلد انه من المذكى أو الميتة فإن قلنا بأن التذكية شرط في لباس المصلى فلا تجوز الصلاة في ذلك الجلد لعدم إحراز الشرط و اللازم إحرازه في جميع الموارد و ان قلنا بأن الميتة مانعة عن صحة الصلاة و انطباق عنوانها على المأتي به من الأفعال المخصوصة و الأقوال كذلك فان قلنا بأنها أمر وجودي و هو ما زهق روحه بسبب غير شرعي فلا طريق لإثباته لأن استصحاب عدم التذكية على تقدير جريانه لا يثبت الأمر الوجودي لعدم حجية الأصول المثبتة على ما قرر في محله و اما ان قلنا بأنها أمر عدمي و العدم يصلح لان يتعلق به الحكم الشرعي من المانعية و غيرها فالمشهور ظاهرا جريان استصحاب عدم التذكية و ترتيب الآثار عليه و كلام الفاضل التوني- قده- في الاشكال عليه معروف مذكور في رسالة الشيخ الأعظم- قده- مع جوابه و لكن العمدة في الاشكال على هذا الاستصحاب ان عدم التذكية المأخوذ في متعلق الحكم الشرعي ان كان بنحو يصدق مع انتقاء الموصوف و هو زهاق الروح و تحقق الموت فلا يعقل ان يتعلق به الحكم الشرعي لأن عدمها الصادق مع عدم الموضوع ليس بشي ء حتى يترتب عليه اثر من دون فرق

بين ان يكون الأثر شرعيا أو غيره و ان كان بنحو لا يتحقق الا مع وجود الموصوف و فرض تحققه بحيث كان المتعلق هو زهاق الروح المتصف بكونه بغير طريق شرعي بنحو يكون الوصف امرا عدميا فهو و ان كان يعقل تعلق الحكم به الا انه ليس له حالة سابقة ضرورة انه لم يكن زهاق الروح مع هذا الوصف متيقنا في زمان فلا يجرى استصحابه أصلا.

ثم ان صاحب المدارك- قده- بعد ما حكى عن جمع من الأصحاب ان الصلاة كما تبطل في الجلد مع العلم بكونه ميتة أو في يد كافر كذا تبطل مع الشك في تذكيته لأصالة عدم التذكية قال: «و قد بينّا فيما سبق ان أصالة عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 650

..........

______________________________

التذكية لا تفيد القطع بالعدم لان ما يثبت جاز ان يدوم و جاز ان لا يدوم فلا بد لدوامه من دليل سوى دليل الثبوت الى ان قال: و قد ورد في عدة أخبار الاذن في الصلاة في الجلود التي لا يعلم كونها ميتة و هو مؤيد لما ذكرناه».

و الظاهر ان مراده من الاخبار مثل موثقة سماعة بن مهران انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن تقليد السيف في الصلاة و فيه الفراء و الكيمخت فقال لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة. «1»

و موثقة على بن أبي حمزة ان رجلا سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- و انا عنده عن الرجل يتقلد السيف و يصلى فيه؟ قال: نعم فقال الرجل: ان فيه الكيمخت قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة فقال: ما علمت أنه ميتة فلا

تصل فيه. «2»

و ما رواه الصدوق بإسناده عن جعفر بن محمد بن يونس ان أباه كتب الى أبي الحسن- ع- يسأله عن الفرو و الخف ألبسه و أصلي فيه و لا اعلم انه ذكي فكتب لا بأس به. «3»

و رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- ان أمير المؤمنين- ع- سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين فقال أمير المؤمنين- ع- يقوم ما فيها ثم يؤكل لانه يفسد و ليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن قيل له يا أمير المؤمنين- ع- لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال: هم في سعة حتى يعلموا. «4»

و الظاهر ان الروايات الدالة على اعتبار يد المسلم أو سوق المسلمين خارجة

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخمسون ح- 12

(2) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخمسون ح- 4

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الخامس و الخمسون ح- 4

(4) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخمسون ح- 11

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 651

..........

______________________________

عن محط نظره و اما جعل هذه الاخبار مؤيدة لا دليلا فلأجل عدم كونها واجدة لشرائط ما هو الصحيح بنظره و هو الصحيح الاعلائى الذي كان كل واحد من رواة سنده مذكى بتذكية عدلين.

و استشكل بعض الاعلام- على ما في تقريراته- على الاستشهاد بمثل موثقة ابن أبي حمزة بأن غاية ما يستفاد منها ان العلم بالميتة قد أخذ في موضوع الحكم بالنجاسة و حرمة الأكل و غيرهما من الاحكام الا انه علم طريقي قد أخذ في الموضوع منجزا للأحكام لا موضوعا لها نظير أخذ التبين في موضوع وجوب الصوم في قوله تعالى

كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. و الاستصحاب بأدلة اعتباره صالح لان يقوم مقام العلم الطريقي كالبينة و الأمارات.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، در يك جلد، مؤلف، قم - ايران، اول، 1408 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة؛ ص: 651

و لا يخفى انه لا محيص عن الاعتراف بالموضوعية فيما إذا أخذ العلم في ظاهر الدليل قيدا للموضوع و دخيلا فيه و لا مجال لدعوى كونه علما طريقيا لا مدخلية له في الموضوع بحيث يكون ذكره كعدمه غاية الأمر ان العلم المأخوذ في الموضوع تارة يؤخذ فيه بما انه صفة خاصة من الصفات النفسانية و اخرى بما انه طريق الى الواقع و كاشف عنه و الفرق بين الصورتين انما هو في قيام البينة و الاستصحاب و نحوهما مقامه في الصورة الثانية و عدمه في الصورة الاولى و المقام انما هو من قبيل الصورة الثانية و ان شئت قلت ان العلم المذكور في موضوعات الاحكام بما انه طريق الى الواقع و كاشف عنه لا يكون المراد به هو العلم الوجداني بل الحجة الشرعية و ذكر العلم انما هو بعنوان المثال و اما التبين في آية الصوم فقد من البحث فيه و انه يظهر من المحقق الهمداني- قده- و من الماتن- دام ظله العالي- انه هو الفجر الواقعي لا ان الفجر شي ء و التبين شي ء آخر نعم يكون العلم امارة لهذا التبين النفس الأمري و قد تقدم منا ما يتعلق بهذا الكلام فراجع.

هذا مع ان استشكاله لا يجري في مثل موثقة سماعة لانه قد حكم فيها

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 652

..........

______________________________

بنفي البأس ما لم يعلم أنه ميتة ضرورة انه على التقدير الذي أفاده لا يبقى مورد للحكم بعدم البأس فإن حمله على صورة العلم بوقوع التذكية لا يناسب السؤال الظاهر في مورد الشك خصوصا مع تفسير الكميخت في موثقة ابن أبي حمزة بما يرجع الى انه مشكوك لعدم العلم بكونه ذكيا أو ميتة و لا يجرى هذا الاشكال بناء على ما ذكرنا لعدم جريان الاستصحاب في مورد الشك اما لكون الميتة أمرا وجوديا لا يثبت به و اما لعدم جريان استصحاب عدم التذكية في نفسه لما عرفت و الذي ينبغي ان يقال في جواب صاحب المدارك أولا انه كما ان العلم بالميتة قد أخذ موضوعا للحكم بالنجاسة و عدم جواز الصلاة فيه كذلك العلم بالمذكى قد أخذ في موضوع الحكم بجواز الصلاة فيه لقوله- ع- في موثقة ابن بكير:

فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و كل شي ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي ذكاه الذبح. «1» و مقتضاه عدم جواز الصلاة مع الشك في التذكية فيعارض مع الروايات المتقدمة و لا ترجيح لها عليه.

و ثانيا انه لا يبعد دعوى كون مورد السؤال فيها هو ما يتهيؤ من سوق المسلمين و يشترى منه لان مورد ابتلائهم في تلك الأعصار هو المأخوذ من سوق المسلمين لان المجلوب من بلاد الكفار الذي هو مورد الابتلاء في هذه الأعصار لم يكن محلا لحاجتهم و ابتلائهم في زمان السؤال و منشأ الشك لهم اما اختلاط أهل الذمة بالمسلمين في السوق أو غلبة العامة في أسواقهم المستحلين لذبائح أهل الكتاب و القائلين بطهارة الجلد بالدباغ أو عدم

المبالاة في بعض من القصابين و البائعين و عليه فهذه الروايات لا إطلاق لها تشمل صورة عدم وجود أمارة شرعية على تحقق التذكية.

و ثالثا انه على تقدير الإطلاق لا بدّ من تقييد هذه الروايات بما ورد مما

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 653

..........

______________________________

يدل على ان المشكوك إذا أخذ من سوق المسلمين يجوز التصرف و الصلاة فيه و هي كثيرة:

منها صحيحة الفضيل و زرارة و محمد بن مسلم أنهم سألوا أبا جعفر- ع- عن شراء اللحوم من الأسواق و لا يدرى ما صنع القصابون، فقال: كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه. «1»

و الظاهر ان المراد من سوق المسلمين هو السوق الذي كان أكثر اهله مسلما و ان كان منعقدا في بلد الكفر لا السوق المنعقد في البلد الذي يكون تحت سلطنة الإسلام و حكومة المسلمين و لو كان جميع أهله أو أكثره مشركا.

و أيضا الظاهر ان اعتبار السوق انما هو بالنسبة الى من كان مجهول الحال و لا يعلم انه مسلم أو كافر فإنه يبنى على إسلامه لمكان غلبة المسلمين فيه و يكون إسلامه امارة على وقوع التذكية الشرعية على الحيوان و الّا فلو علم بكفر البائع و الذابح أو بكفر الأول فقط مع الشك في كفر الثاني فلا يؤثر في حلية اللحم المشتري منه كون أكثر أهل السوق مسلما و عليه فيرجع اعتبار السوق الى اعتبار يد المسلم غاية الأمر انه لا فرق بين ما إذا أحرز إسلامه بالقطع أو بنى عليه للغلبة و نحوها.

و منها صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الخفاف

التي تباع في السوق فقال: اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه. «2» و الظاهر ان السوق إشارة إلى المعهود و هو سوق المدينة الذي كان سوق المسلمين.

و منها: صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألته عن الرجل يأتي السوق فيشترى جبة فراء لا يدرى أ ذكية هي أم غير ذكية أ يصلي فيها؟ فقال: نعم ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر- ع- كان يقول ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم

______________________________

(1) الوسائل أبواب الذبائح الباب التاسع و العشرون ح- 1

(2) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخمسون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 654

..........

______________________________

بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك. «1»

و منها صحيحته الأخرى عن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخف لا يدرى أ ذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدرى أ يصلي فيه؟ قال: نعم انا اشترى الخف من السوق و يصنع لي و أصلي فيه و ليس عليكم المسألة. «2» و الظاهر اتحاد الروايتين و ان جعلهما في الوسائل متعددا و الاختلاف في بعض الأمور لا يضر بالوحدة.

و منها مرسلة الحسن بن الجهم قال قلت لأبي الحسن- ع- اعترض السوق فاشترى خفا لا أدرى أ ذكي هو أم لا قال صل فيه، قلت فالنعل قال مثل ذلك قلت انى أضيق من هذا قال أ ترغب عما كان أبو الحسن يفعله. «3»

إذا عرفت ما ورد في السوق من الروايات المتقدمة فالكلام فيه يقع من جهات:

الاولى: انه لا إشكال في ان المستفاد من روايات السوق ان المراد به هو سوق المسلمين بالمعنى الذي ذكرنا الذي مرجعه الى ان المراد

به هو مركز التجمع للكسب و التجارة الذي كان أكثر اهله مسلما و يشهد به اضافة السوق إليهم في رواية الفضلاء الثلاثة المتقدمة الظاهرة في الاختصاص خصوصا مع ملاحظة كون مورد السؤال فيها أيضا ذلك فان الظاهر ان المراد من «الأسواق» فيه هي الأسواق المعهودة الموجودة في المدينة و مثلها من البلاد الإسلامية و مع ذلك لم يكتف الامام- ع- في الجواب بهذا الظهور بل صرح بإضافة السوق الى المسلمين و علق الحكم بجواز الأكل عليه. و اما إطلاق «السوق» في سائر الروايات أو ترك الاستفصال فمضافا الى ما عرفت من كونه إشارة إلى الأسواق

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخمسون ح- 3

(2) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخمسون ح- 6

(3) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخمسون ح- 9

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 655

..........

______________________________

المعهودة يكون تقييده بسبب رواية الفضلاء معينا فالمستفاد من المجموع اعتبار سوق المسلمين و قد مر معناه.

الثانية: الظاهر ان المستفاد من أدلة اعتبار السوق ان السوق بنفسه لا تكون امارة على التذكية و كاشفة عن الطهارة و الحلية بل هو كاشف عن الأمارة الحقيقية و هي يد المسلم فالسوق امارة على الامارة نظرا الى ان الغالب في أسواق المسلمين انما هم المسلمون و قد جعل الشارع هذه الغلبة معتبرة و الحق من يشك في إسلامه في أسواقهم بالمسلمين فالسوق انما هو كاشف عن كون البائع مسلما و بهذا يظهر ما في كلام بعض من الاكتفاء بمجرد الأخذ من سوق المسلمين و لو أخذ من يد الكافر في قبال الأخذ من يد الكافر كما انه يظهر الخلل فيما اختاره في «المستمسك» من ان الظاهر منه خصوص ما لو كان البائع

مسلما و ان الداعي لذكر السوق كونه الموضع المعتاد لوقوع المعاملة فيه لا لخصوصية فيه في قبال الدار و الصحراء و نحوهما فالمراد من الشراء من السوق الشراء من المسلم الذي هو أحد التصرفات الدالة على التذكية و لا خصوصية له فهو راجع الى الاستعمال المناسب للتذكية.

وجه الخلل ان مقتضى ما افاده خروج عنوان السوق عن المدخلية رأسا و هو خلاف ظاهر أدلة اعتباره جدا.

الثالثة: انه لا فرق في المسلم الذي يؤخذ من يده و يكون السوق امارة على إسلامه بين ما إذا كان عارفا بالإمامة أو لم يكن لانه مضافا الى كون أكثر المسلمين في تلك الأزمنة غير عارفين و الى ان الجمع المحلى باللام في المسلمين الذي أضيف إليه السوق في رواية الفضلاء يقتضي العموم لكل مسلم على ما هو المشهور يدل عليه رواية إسماعيل بن عيسى قال سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن جلود الفراء يشريها الرجل في سوق من أسواق الجبل «1» أ يسئل عن زكاته إذا كان البائع

______________________________

(1) في بعض النسخ مذكور بالياء و عليه يكون المراد به هو بلد الجيلان كما ان المراد بالأول هو بلد الري و أطرافه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 656

..........

______________________________

مسلما غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك و إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه. «1» و عليه فالحكم باعتبار يد المسلم ليس لكونه أمارة شرعية على كون الحيوان مذكى بالتذكية المعتبرة عند العارف و ذلك لاختلافنا معهم في بعض الأمور المعتبرة في التذكية كاجتزائهم في الصيد بإرسال غير الكلب المعلم و كذلك في بعض الفروع كحكمهم بطهارة جلد الميتة بالدباغ و بطهارة

ذبائح أهل الكتاب و غير ذلك من الموارد فلا يكون مجرد كونه في يده أو مع ترتيبه آثار المذكى عليه امارة على وقوع التذكية المعتبرة عندنا عليه فالحكم باعتبار يد المسلم ليس لاماريتها بل لأجل ان الحكم بعدم الاعتبار مع ان الغالب في تلك الأزمنة هو كون المسلمين غير عارفين مستلزم للعسر فلذا جعل الشارع الأصل في الحيوان التذكية تعبدا فيما إذا لم يكن بايعه مشركا و سيأتي تفصيل هذا البحث في الجهة العاشرة إن شاء اللّٰه تعالى.

الرابعة: انه يستفاد من بعض الروايات الواردة في السوق اعتبار ضمان البائع و اخباره بكون مبيعه من المذكى و هي رواية محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا الى أبي جعفر الثاني- عليه السّلام- ما تقول في الفر و يشترى من السوق؟ فقال إذا كان مضمونا فلا بأس. «2» و لكن الظاهر انه يتعين حملها على الاستحباب بقرينة رواية الفضلاء الدالة على ان النهى عن السؤال عنه فان المراد من النهى هو عدم الوجوب لأنه في مقام توهمه فالمراد عدم وجوب السؤال و من الواضح ان المراد من السؤال هو السؤال الذي يتعقبه الجواب بوقوع التذكية فمرجع ذلك الى عدم اعتبار الاخبار بوقوعها في جواز الأكل من اللحوم و كذا يدل على عدم اعتبار السؤال صحيحتا البزنطي و رواية إسماعيل بن عيسى المتقدمة فلا بد من حمل هذه الرواية على الاستحباب.

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخمسون ح- 7

(2) الوسائل أبواب النجاسات الباب السابع و الثلاثون ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 657

..........

______________________________

الخامسة: الظاهر ان يد المسلم التي تكون امارة على التذكية تكون أخص من اليد التي تكون امارة على الملكية لا من

جهة اعتبار إسلام ذي اليد هنا دونه بل من جهة انه لا يعتبر في الأمارية هناك سوى أصل ثبوت اليد و كون المال تحت استيلاء ذي اليد و سلطنته و لا يلزم ان يتصرف فيه تصرفا متوقفا على الملكية و اما في المقام فيعتبر في اليد التي تكون امارة على التذكية التصرف المتوقف عليها و ذلك لان مورد اخبار الاشتراء من السوق وجود هذا التصرف لان نفس المعرضية للبيع كاشفة عن التذكية لعدم صدورها من المسلم بالإضافة إلى الميتة و كذلك رواية إسماعيل ظاهرة في تعليق الجواز على رؤية الصلاة فيه فمجرد كونه تحت يد المسلم أو استعماله في شي ء ما و لو لم يكن مقتضى الدواعي النوعية طهارته مثل ان يتخذ ظرفا للنجاسة لا دليل على اماريته على وقوع التذكية عليه.

السادسة: ان يد المسلم هل هي امارة على التذكية مطلقا حتى فيما لو علم بمسبوقيتها بيد الكافر بل و بعدم فحص المسلم لكونه ممن لا يبالي بكونه من ميتة أو مذكى أو يكون امارة فيما لم يكن كذلك سواء علم بالمسبوقية بيد مسلم آخر أم لم تعلم الحالة السابقة؟ وجهان بل قولان اختار المحقق النائيني- قده- و جماعة الثاني نظرا الى منع الإطلاق في دليل الاعتبار لا من جهة اللفظ و لا من ناحية ترك الاستفصال.

امّا الأول فلكونها قضايا خارجية وردت في محل الحاجة و هي الجواب عما وقع عنه السؤال من الأيدي و الأسواق الخارجية في تلك الأزمنة و ليست من قبيل القضايا الحقيقية التي حكم فيها بالافراد مطلقا و لو كانت مقدرة الوجود غير محققة و من المعلوم ان مثل ذلك لا إطلاق لها و لذا لا تكون متعارفة في العلوم و

لا يكون شأن العلوم هو البحث عنها لكونها في قوة الجزئية و ان كانت مسورة بكلمة «كل» مثل كل من في البلد مات.

و اما الثاني فلان منشأ الشك في كون المأخوذ مذكى هو غلبة العامة على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 658

..........

______________________________

أسواق المسلمين لا كون أيديهم مسبوقة بأيدي الكفار إذ لم يكن جلب الجلود من بلاد الشرك معمولا في ذلك الزمان و انما هو أمر حدث في هذه الأعصار فهذه الجهة مغفول عنها بالكلية عند أذهان السائلين و في مثله لا مجال لترك الاستفصال و جعله دليلا على الإطلاق لظهور الحال.

و يمكن الإيراد عليه- مضافا الى منع كون أدلة اعتبار السوق بأجمعها قضايا خارجية فإن مثل حكم الامام- ع- في رواية الفضلاء المتقدمة بجواز الأكل إذا كان ذلك في سوق المسلمين قضية حقيقية يكون موضوعها سوق المسلم أعم من الافراد المحققة و المقدرة و لذا لا نحتاج في التمسك به الى دليل الاشتراك من ضرورة أو إجماع- بأنه لو سلم كون ذلك على نحو القضايا الخارجية نقول منشأ الشك في كون المأخوذ مذكى لا ينحصر بغلبة العامة على أسواق المسلمين بل كما اعترف به قبل ذلك ربما كان المنشأ اختلاط أهل الذمة بالمسلمين من اليهود و النصارى و غيرهما المقيمين في البلاد الإسلامية و من الواضح ان هذه الجهة لا تكون بمثابة موجبة للغفلة عنها خصوصا مع التصريح في رواية إسماعيل المتقدمة بأنه إذا رأيتم المشركين يبيعون .. حيث فرض كون البائع مشركا بل لو بنى على كفر الخوارج و النواصب و الغلاة يتحقق منشأ آخر لتداول ذبحهم للحيوانات و أكلهم لها و بيع جلودها فاحتمال سبق يد الكافر على

يد المسلم من الاحتمالات العقلائية غير المغفول عنها في مورد الروايات و عليه فلا مانع من استكشاف الإطلاق من جهة ترك الاستفصال فتدبر.

السابعة: انه كما تكون يد المسلم امارة على التذكية فهل تكون يد الكافر أمارة تعبدية شرعية على عدم التذكية أو ان عدم اعتبارها لأجل عدم وجود الامارة على التذكية لا ثبوت الامارة على عدمها وجهان بل قولان أيضا استظهر في الجواهر الأول و جعل الحكم بطهارة ما في يد المسلم المسبوقة بيد الكافر من باب تقديم إحدى الأمارتين على الأخرى لأقوائيتها أو أقووية دليلها، و لكن الظاهر هو الثاني

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 659

..........

______________________________

لأن العمدة في هذه الجهة هو قوله- ع- في رواية إسماعيل المتقدمة: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و لا دلالة على ذلك لان إيجاب السؤال و الفحص لا يلازم مع كونه امارة على العدم بل يجتمع مع عدم الأمارية بل ربما يقال: ظاهر الأمر بالسؤال هو عدم كونها امارة على شي ء لأن السؤال يناسب الجهل و عدم الامارة و لكنه مردود بأن أمارية العدم على تقديرها تكون مجعولة بنفس إيجاب السؤال لا قبله حتى لا يناسب السؤال مع وجود الامارة فتدبر و بالجملة فمثل هذه الرواية لا يستفاد منها أمارية العدم.

ثم انه على تقدير الاستفادة و ثبوت الأمارية لكلتا اليدين فالظاهر عدم كون دليلها بنحو يشمل صورة التعارض بل اللازم تخصيص دليل أمارية يد المسلم بما إذا لم تكن مسبوقة بيد الكافر و كذا دليل أمارية يد الكافر بما إذا لم تكن مسبوقة بيد المسلم كما لا يخفى.

الثامنة: هل المصنوعية في أرض الإسلام امارة على وقوع التذكية مطلقا و

لو مع العلم بكون الصانع غير مسلم أو انه أمارة عليه مع عدم العلم بكفر الصانع أو انه ليس أمارة في عرض يد المسلم بل هو امارة على الامارة كسوق المسلمين على ما عرفت من أنه امارة على كون البائع مسلما و هو امارة على التذكية؟ وجوه و احتمالات ناشئة من الاحتمالات الجارية في الرواية الواردة في هذا الباب و هي رواية إسحاق بن عمار المعتبرة عن العبد الصالح- ع- انه قال: لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام، قلت فان كان فيها غير أهل الإسلام؟

قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس. «1»

و المراد من الجواب يحتمل ان يكون ما حكى عن الشهيد الثاني- قده- من غلبة افراد المسلمين و اكثريتهم بالإضافة الى غير أهل الإسلام و يحتمل ان يكون غلبة المسلمين على الأرض و حكومتهم و سلطنتهم عليها كما رجحه سيدنا

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخمسون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 660

..........

______________________________

الأستاذ البروجردي- قده- مستظهرا ذلك من تعدية الغلبة بعلى.

فعلى الأول الذي مرجعه الى ان الامارة أرض الإسلام أي ما كان تحت غلبة المسلمين و رئاستهم بضميمة كون الغلبة العددية مع افراد المسلمين تكون الامارة هي يد المسلم و ما ذكر امارة على الامارة لان الأكثرية طريق الى استكشاف مجهول الحال و الا لا يترتب عليها ثمرة فعلى ما قاله الشهيد لا تكون أرض الإسلام أمارة في رديف يد المسلم أصلا.

و على الثاني ان كان المراد هو كون المصنوعية في أرض الإسلام امارة على التذكية و لو مع العلم بكون الصانع غير مسلم تصير المصنوعية امارة مستقلة في مقابل يد المسلم،

و ان كان المراد هو ان المصنوعية فيها امارة على كون الصانع مسلما لأنه يبنى على إسلام من كان مجهول الحال في أرض الإسلام فيرجع أيضا الى اعتبار يد المسلم و كونها امارة على التذكية غاية الأمر ان الامارة على الامارة على هذا هو مجرد المصنوعية في أرض الإسلام و على ما قاله الشهيد هو ذلك بضميمة كون الغلبة مع افراد المسلمين كما لا يخفى.

هذا و الظاهر ما قاله الشهيد لان الظاهر دلالة الجواب على اعتبار أمر زائد على عنوان أرض الإسلام و إذا فسرناه بغيره ينطبق على معنى أرض الإسلام و لا يكون أمرا زائدا عليها لان معناها كما عرفت هو كون الغلبة و السلطنة عليها للمسلمين فلا يكون الجواب دالا على أمر آخر بوجه و بعبارة أخرى الضمير في قوله: إذا كان الغالب عليها، يرجع الى أرض الإسلام لا مطلق الأرض و لا معنى لتقييد أرض الإسلام بما يرجع الى تفسيرها و حمل الجواب على التوضيح و التفسير مستبعد جدا بل الظاهر كونه ناظرا الى اعتبار أمر زائد هو لا ينطبق الا على تفسير الشهيد و قد عرفت ان مقتضاه انّه لا أصالة للمصنوعية في أرض الإسلام بل هي بضميمة الغلبة امارة على كون الصانع مسلما نعم مقتضى ذلك اعتبار إسلام الصانع من دون فرق بين ان يكون البائع أيضا مسلما و بين ان لا يكون كذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 661

..........

______________________________

التاسعة: هل المطروحية في أرض الإسلام امارة على وقوع التذكية على المطروح أو على الامارة عليه أو انها لا تكون أمارة أصلا إلا إذا كان عليه اثر استعمال المسلم و جريان يده عليه و من المعلوم انه-

ح- يرجع الى اعتبار يد المسلم و أماريتها.

و الدليل في هذا البحث رواية السكوني المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- ان أمير المؤمنين- عليه السّلام- سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين، فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقوّم ما فيها ثم يؤكل لانه يفسد و ليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل له يا أمير المؤمنين- عليه السّلام- لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال هم في سعة حتى يعلموا. «1»

و يجري في معنى الرواية احتمالات:

أحدها ان تكون الرواية بصدد بيان أصالة الطهارة عند الشك في النجاسة و منشأ الشك عدم العلم بكون السفرة لمسلم أو مجوسي من جهة ملاقاة المجوسي و عليه فالمراد بقوله- عليه السّلام- هم في سعة حتى يعلموا هو التوسعة من جهة الطهارة إلى حصول العلم بالنجاسة.

ثانيها ان تكون الرواية بصدد بيان أمارية المطروحية في أرض الإسلام على وقوع التذكية على الحيوان المأخوذ منه اللحم الموجود في السفرة و منشأ الشك احتمال كونها لمجوسى و هو لا يراعى شرائط التذكية المعتبرة في الإسلام و لا يجتمع هذا الاحتمال مع ذكر مثل الخبز و البيض في رديف اللحم لعدم الشك فيه من هذه الجهة كما هو ظاهر.

ثالثها ان تكون الرواية بصدد بيان ان الحكم في مورد الشك في الحلية مطلقا هي الحلية و هو الإباحة و منشأ الشك احتمال عدم رضا المالك بالتصرف فيها

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخمسون ح- 11

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 662

..........

______________________________

و الاستدلال بها على الأمارية متوقف على كون المراد بها هو الاحتمال الثاني و من

الواضح عدم ظهور الرواية فيه لو لم نقل بظهورها في غيره لما مر من عدم ملاءمته مع ذكر مثل الخبز و البيض الا ان يقال بأن السؤال الثاني في الرواية لا يرتبط بما هو محط النظر في السؤال الأول بل يمكن ان يكون من شخص آخر لا من السائل الأول و عليه فيمكن دعوى كون الثاني ناظرا الى خصوص اللحم من جهة التذكية و عدمها فالحكم بالتوسعة الى ان يعلم بكونه من مجوسي دليل على أمارية المطروحية في أرض الإسلام و لكن هذه الدعوى لا توجب ظهور الرواية فيها و ان كانت تصلح لان يجاب بها عن الاشكال الوارد على الاحتمال الثالث و هو انه يوجب طرح الرواية إذ لم يذهب أحد إلى الإباحة عند الشك فيها من هذه الجهة فإن الإباحة- ح- انما هي لأجل وجود الامارة لا لمجرد الشك كما لا يخفى.

العاشرة: المشهور ان يد المسلم امارة على التذكية مطلقا حتى مع العلم بكونه مستحلا للميتة بالدباغ و قيل باختصاص الأمارية بما إذا علم بكونه غير مستحل لها به، و عن جملة من الكتب كالمنتهى و نهاية الإحكام التفصيل بين ما لم يعلم باستحلاله فتكون يده امارة و ما علم بكونه مستحلا فلا تكون كذلك و هنا قول رابع و هو التفصيل بين ما إذا أخبر بالتذكية و لو كان مستحلا و بين ما إذا لم يخبر فتكون يده أمارة في الأول دون الثاني.

و يدل على المشهور المطلقات المتقدمة في السوق الناظرة الى هذه الجهة و هي كون المسلم غير عارف مستحلا للميتة نوعا و هي كالصريحة في الشمول لذلك خصوصا بعد ملاحظة كون منشأ الشك للسائل الباعث له على السؤال ذلك و

مرسلة ابن الجهم المتقدمة ناظرة الى هذه الجهة و ان الضيق الواقع فيه السائل و حكمه- عليه السّلام- بأنه يرغب عما كان يفعله امامه- عليه السّلام- انما هو لأجل ذلك هذا مضافا الى التصريح بعدم اعتبار المعرفة بالإمامة في رواية إسماعيل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 663

..........

______________________________

المتقدمة فالإنصاف انه مع ملاحظة الروايات و التأمل فيها لا يبقى ارتياب في ان أمارية يد المسلم أمارية تعبدية مجعولة لغرض التسهيل و التوسعة و عمدة النظر فيها كون البائع مسلما غير عارف خصوصا في زمن الصادقين- عليهما السّلام- الذي شاع فيه فتوى أبي حنيفة و استحلاله للميتة و كثر متابعوه و مع ذلك حكم في الروايات بالامارية و الاعتبار.

و اما القول الثاني فيدل عليه رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن الصلاة في الفراء فقال كان على بن الحسين- عليه السّلام- رجلا صردا لا يدفئه فراء الحجاز لان دباغها بالقرظ فكان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه و القى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال ان أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة و يزعمون ان دباغه زكاته. «1»

و تقريب الاستدلال بها ان موردها صورة الشك في كون البائع مستحلا لظهور عدم اعتماده- عليه السّلام- في هذه الجهة إلى علم الغيب الثابت له و من الواضح عدم كون جميع أهل العراق مستحلين بل كان فيهم من المسلمين العارفين أيضا فالرواية ناظرة إلى صورة الشك و حاكمة بعدم جواز الاعتماد على يده لانه- عليه السّلام- كان يلقى في حال الصلاة الفراء المأتي إليه من العراق و كذا يلقى القميص الذي يليه فالرواية دالة

على عدم الأمارية مع الشك.

و يرد على الاستدلال بها- مضافا الى ضعف السند- إجمالها من حيث الدلالة لأنه- عليه السّلام- كان يجمع- على طبق الرواية- بين اللبس و الانتفاع و بين الإلقاء المذكور مع انه على تقدير عدم الأمارية لا يجوز الانتفاع به أصلا و لو في غير حال الصلاة و دعوى كون لبسه انما هو لأجل الضرورة المسوغة له كما يشعر به قوله: كان رجلا صردا اى شديد التألم من البرد و عدم كون فراء الحجاز دافئا مدفوعة بوضوح عدم كون الضرورة بالغة الى حد يجوز معه المحرم، كما ان

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الواحد و الستون ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 664

..........

______________________________

دعوى الفرق بين اللبس و بين الصلاة لأجل نفس هذه الرواية كما ربما نسب إلى إشعار بعض الكتب مدفوعة أيضا مضافا الى كونها خلاف الإجماع بأنها توجب عدم انطباق الدليل على المدعى فالإنصاف إجمال الرواية من حيث الدلالة و لا يرفعه احتمال كون الإلقاء احتياطا من الامام- عليه السّلام- في حال الصلاة و ان كان هذا الاحتمال مخالفا لمدعي المستدل الا انه أيضا لا يكون صحيحا لعدم انحصار احتياط الامام- عليه السّلام- بالصلاة كما لا يخفى.

هذا كله مضافا الى مخالفة الرواية للمطلقات المتقدمة الدالة على الأمارية مع العلم بالاستحلال فضلا عن الشك كما عرفت.

و اما القول الثالث فعمدة الدليل عليه، ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انى ادخل سوق المسلمين اعنى هذا الخلق الذين يدعون الإسلام فاشترى منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها أ ليس هي ذكية؟

فيقول بلى فهل يصلح لي ان أبيها على انها ذكية؟ فقال: لا

و لكن لا بأس ان تبيعها و تقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية، قلت و ما أفسد ذلك؟

قال استحلال أهل العراق للميتة و زعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك الأعلى رسول اللّٰه- صلّى اللّٰه عليه و آله. «1» فان موردها صورة العلم بكون البائع مستحلا و- ح- فالحكم بعدم جواز البيع بشرط التذكية دليل على عدم كون يده امارة عليها و الا فلا وجه لعدم جواز البيع كذلك كما هو ظاهر.

و يرد عليه انه لو لم تكن يده امارة على التذكية فلم كان الاشتراء منه جائزا كما هو المفروغ عنه عند السائل و قد قرره الامام- عليه السّلام- على ذلك فالحكم بالجواز دليل على وجود الامارة و اما عدم جواز الاشتراط فليس لأجل عدم ثبوت الامارة بل انما هو لأجل كون الامارة غير كافية في مثله لظهوره في ثبوت التذكية وجدانا و عدم كفاية إحرازها بحكم الامارة كما في سائر الشرائط

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الواحدة و الستون ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 665

و اما غير المأكول فلا تجوز الصلاة في شي ء منه و ان ذكي من غير فرق بين ما تحله الحياة منه أو غيره بل تجب ازالة الفضلات الطاهرة منه كالرطوبة و الشعرات الملتصقة بلباس المصلى و بدنه. (1)

______________________________

و كما في مثل الشهادة بناء على عدم جواز الاستناد فيها إلى الامارة نعم يبقى الإشكال في ان مقتضى ما ذكرنا عدم جواز الاشتراط و لو لم يكن البائع مستحلا مع ان مقتضى ذيل الرواية ان الموجب لعدم جواز الاشتراط استحلال البائع الأول للميتة فتدبر.

و اما القول الرابع

فقد استدل له برواية محمد بن الحسين الأشعري قال كتب بعض أصحابنا الى أبي جعفر الثاني- عليه السّلام- ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال إذا كان مضمونا فلا بأس. «1» و المراد من الضمان هو الاخبار و الاعلام بالتذكية لا التعهد المتضمن لقبول الخسارة و الظاهر- ح- ان عدم البأس مشروط بالإعلام.

و الجواب انه مع ظهور الروايات المتقدمة بل صراحة بعضها في عدم لزوم السؤال و الاستعلام من البائع و من الواضح ان ذلك انما هو لأجل عدم اعتبار الجواب و الاعلام و الا فلا بد من الاستعلام لا يبقى مجال للأخذ بهذه الرواية فلا بد من الحمل على الاستحباب و الفرق بين صورتي الاعلام و عدمه من هذه الجهة كما لا يخفى.

(1) من الأمور المعتبرة في لباس المصلى ان لا يكون من أجزاء الحيوان الذي لا يحل أكل لحمه و اعتباره فيه من متفردات الإمامية خلافا لسائر فرق المسلمين حيث لم يتعرضوا لهذه المسألة في كتبهم مع كونها مما يعم به البلوى.

و الاخبار الواردة في هذا المقام و ان كان أكثرها لا يخلو من علل الحديث

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الواحد و الستون ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 666

..........

______________________________

من ضعف أو إرسال أو غيرهما الا ان ذلك لا يوجب الإشكال في أصل الحكم بعد ذهاب الأصحاب من السلف الى الخلف في قبال سائر المسلمين الى ثبوته و بعد الإجماعات المنقولة في الكتب الكثيرة عليه هذا مع وجود رواية معتبرة و هي موثقة ابن بكير قال سئل زرارة أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر

فاخرج كتابا زعم انه إملاء رسول اللّٰه- ص- ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام اكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل اللّٰه أكله ثم قال يا زرارة هذا عن رسول اللّٰه- ص- فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي و قد ذكاه الذبح، و ان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله فحرم عليك اكله فالصلاة في كل شي ء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه. «1» و الظاهر كون ابن بكير ثقة و ان ضعفه المحقق في محكي المعتبر لتصريح الشيخ- قده- به في الفهرست و كذا ابن شهر آشوب و قال الكشي هو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه و قال الشيخ- قده- في محكي العدة:

عملت الطائفة باخباره هذا مع ان الراوي عنه في هذه الرواية هو ابن أبي عمير الذي اشتهر اعتبار مراسيله فضلا عن مسانيده و مع استناد الكل في الفتوى بهذا الحكم المخالف للقاعدة و لسائر فرق المسلمين إليها فلا يبقى موقع للإشكال في الرواية من حيث السند و اما استشكال صاحب المدارك في المسألة فإنما هو مبنى على مذهبه من اختصاص حجية الخبر الواحد بالصحيح الاعلائى و عدم حجية غيره و ان كان موثقا معتبرا عند غيره كما ان التكرار الواقع في قوله: ان الصلاة .. و الحزازة الواقعة في قوله: لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى .. و غير ذلك من الجهات

المخالفة للفصاحة يشعر بأن الرواية منقولة بالمعنى و ان الراوي لم يضبط الألفاظ الصادرة من الامام- ع- و لكنه لا يوجب إشكالا في الاستدلال بها بعد معلومية المضمون

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 667

..........

______________________________

الصادر منه- ع- و بالجملة بعد ملاحظة ما ذكرنا الإشكال في أصل المسألة مما لا ينبغي ان يصدر من الفقيه أصلا.

و انما الإشكال في فروع المسألة و انه هل يكون اعتبار هذا الأمر منحصرا بلباس المصلى و هو ما يلبسه المصلى و يكون محيطا به كالقميص و غيره أو يشمل مثل التكة و الجورب و القلنسوة و نحوها مما يصدق عليه اللباس و لا يكون محيطا بالشخص اللابس له، أو يعم ما ذكر و ما إذا لم يكن لباسا و لكن كان لباسه ملاصقا و ملابسا معه كما إذا كان على ثوبه رطوبة غير المأكول أو بعض شعراته، أو يعم ما ذكر و ما إذا كان محمولا للمصلي و مستصحبا له أيضا؟ وجوه و المحكي عن ظاهر المشهور هو الأخير و عن الشهيدين اختصاص المنع بما إذا كان لباس المصلى من اجزائه بل نقل عنهما ان عدم شمول دليل المنع لما إذا صلى في الثوب الذي القى عليه شعراته و جواز الصلاة فيه من المقطوع به.

و يدل على المشهور الموثقة المتقدمة نظرا الى صدق الصلاة في أجزاء غير المأكول في جميع الفروض.

و استشكل عليهم بان ظاهر كلمة «في» في قوله- ص- فالصلاة في وبره ..

هي الظرفية كما هو الأصل في معنى الكلمة و لازمة كون أجزاء غير مأكول اللحم بحيث يكون ظرفا للمصلي و محيطا به و هو لا

يصدق فيما إذا القى على ثوبه وبره أو شعره فضلا عما إذا كان مستصحبا لهذه الأمور من دون لبس.

و عن البهبهاني- قده- انه أجاب عن هذا الاشكال بما حاصله ان كلمة «في» في الرواية ليست للظرفية لامتناع اعتبار كون البول و الروث ظرفا للمصلي فلا بد من ان يراد منها المصاحبة و معه يتم الاستدلال ثم أورد على نفسه بان اعتبار الظرفية في الروث و البول انما هو بملاحظة تلطخ الثوب أو البدن بواحد منهما فكأنه قيل الصلاة في الثوب المتلطخ بأحدهما فاسدة و عليه فلا يشمل ما إذا كان شي ء من أجزاء غير المأكول محمولا للمصلي و لا يدل على المنع فيه ثم أجاب بان ذلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 668

..........

______________________________

المعنى مستلزم للإضمار و الحذف بخلاف ما ذكرنا في معناه فإنه مستلزم للمجازية و قد قرر في الأصول تقدم الثاني على الأول فيما إذا دار الأمر بينهما.

و ربما احتمل ان يقال بإمكان اعتبار الظرفية فيما إذا تلطخ الثوب بهما بملاحظة ملابسة الثوب معهما فكأنهما صارا جزءين للثوب فهو نظير ما إذا كان بعض الثوب من أجزاء غير المأكول دون البعض الآخر.

و التحقيق في المقام ان يقال ان ظهور كلمة «في» في الموثقة في الظرفية كما هو الأصل في معناها باق على حاله من دون تصرف فيه و لا استحالة و لكن لا بدّ من ملاحظة أن المظروف هل هي الصلاة أو المصلى و الإعضال و الاشكال في المقام انما نشأ من تخيل الثاني و لزوم اعتبار كون جزء غير المأكول ظرفا للمصلي و لأجله حكم بالامتناع لعدم إمكان مثل الروث و البول ظرفا للمصلي أو باتساع دائرة الظرفية

و ثبوت المراتب لها كما في تقريرات المحقق النائيني- قده- مع ان الرواية ظاهرة في تعلق الظرفية بالصلاة حيث قال ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام اكله .. و الظاهر ان الظرفية للصلاة أوسع من الظرفية للمصلي الظاهرة في الاشتمال عليه فإنه لا يعتبر في الظرفية للصلاة الاشتمال و الإحاطة بوجه و الشاهد على ذلك مضافا الى وضوحه في نفسه و ثبوت الفرق بين الظرفيتين ملاحظة الروايات الواردة في الموارد المختلفة حيث استعمل فيها كلمة الظرفية من دون ثبوت اشتمال أصلا كما في الرواية الواردة في الصلاة في السيف إذا لم ير فيه دم فإنها ظاهرة في كون السيف ظرفا للصلاة مع عدم كونه ظرفا للمصلي و كما في الرواية الواردة فيما لا تتم فيه الصلاة في مسألة النجاسة و هي مرسلة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- انه قال: كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس ان يصلى فيه و ان كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك. «1» فإنه مع كون المفروض في الموضوع هو

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الواحد و الثلاثون ح- 5

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 669

..........

______________________________

كل ما كان على الإنسان أو معه قد عبر في الحكم بنفي البأس عن الصلاة فيه و جعل الكل ظرفا للصلاة فيستفاد منه سعة دائرة الظرفية فيما إذا كان المظروف هي الصلاة و كذلك الروايات الأخر فانقدح مما ذكرنا ظهور الموثقة في مذهب المشهور و اعتبار عدم كون ما على اللباس من أجزاء غير المأكول أيضا

و كذلك ما مع المصلى مما يكون مستصحبا له و محمولا و يؤيده بل يدل عليه أيضا التعبير في الموثقة بعد الوبر و البول و الشعر و الروث و الجلد بكل شي ء منه و من الواضح شمول العموم لمثل العظم أيضا مع ان الصلاة في عظم غير المأكول لا يتصور الا بان يكون محمولا للمصلي اما في يده مثلا أو في كيسه و ليس العظم مثل الروث و البول حتى يجرى فيه احتمال كون تلطخ الثوب بهما موجبا لصدق الاشتمال و الظرفية كما لا يخفى فالإنصاف تمامية دلالة الموثقة على مذهب المشهور.

و يدل عليه أيضا في الجملة ما رواه الشيخ- قده- بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن عمر بن على بن عمر بن يزيد عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال كتبت اليه يسقط على ثوبي الوبر و الشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة فكتب لا تجوز الصلاة فيه. «1» و رواية محمد بن احمد بن يحيى عن عمر المذكور يكفي في وثاقته بعد عدم كونه ممن استثناه القميون ممن روى عنه محمد كما هو ظاهر.

و لا يعارض هذه الرواية صحيحة محمد بن عبد الجبار قال: كتبت الى أبي محمد- عليه السّلام- اسئله هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب- عليه السّلام-: لا تحل الصلاة في الحرير المحض و ان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه إن شاء اللّٰه. «2» لانه ليس المراد بالذكي الذي قيد به الوبر هو كون الوبر مأخوذا من الحيوان المذكى في مقابل الميتة لما

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني

ح- 4

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الرابع عشر ح- 4

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 670

..........

______________________________

عرفت من جواز الصلاة فيما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة و الوبر مما لا تحل بلا اشكال كما انه ليس المراد به هي الطهارة في مقابل النجاسة للفرق في باب مانعية النجاسة بين ما تتم الصلاة فيه وحده و ما لا تتم و القلنسوة من الثاني و ان كان جميعها من الوبر على خلاف ما هو ظاهر السؤال فاللازم ان يكون المراد بالذكي هو المذكى المتصف بكونه من مأكول اللحم و يؤيده رواية على بن أبي حمزة المتقدمة المشتملة على قوله: قلت أو ليس الذكي ما ذكى بالحديد قال: بلى إذا كان مما يؤكل لحمه. «1» بناء على كون القيد داخلا في معنى الذكي لا معتبرا زائدا على التذكية و على هذا المعنى لا تكون الصحيحة معارضة للموثقة و المكاتبة لكن يبعد هذا المعنى ان الجواب بالحلية فيما إذا كان الوبر من المأكول مع كون السؤال عن وبر غير المأكول لا يناسب السؤال خصوصا مع كون الجواب في الحرير انما هو بالنفي الا ان يقال ان ذكر الأرانب في السؤال مع التصريح بالعموم قبله يشعر بعدم وضوح حكمها للسائل و لعله يحتمل فيها الكراهة دون الحرمة فتأمل و كيف كان فعلى تقدير ظهور الصحيحة في خلاف ما تدل عليه الموثقة و المكاتبة لا بدّ من الأخذ بهما دونها لموافقتهما لفتوى المشهور و مخالفتهما للعامة كما عرفت.

بقي في هذا المقام أمور:

الأول: نقل العلامة في محكي المختلف عن الشيخ- قده- انه خص المنع عن الصلاة في أجزاء غير المأكول بما إذا كان ما يصلى فيه مما

تتم الصلاة فيه منفردا خلافا لما اختاره في النهاية من التعميم و عدم الفرق بينه و بين ما لا تتم فيه الصلاة كذلك و استدل على التخصيص بأنه قد ثبت للتكة و القلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصلاة فيهما و ان كانا نجسين أو من حرير محض فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب و غيره.

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثاني ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 671

..........

______________________________

و ظاهر كلامه و ان كان هو الاستدلال بالقياس الذي ليس من مذهب الإمامية و اجمعوا على عدم اعتباره الا انه يجرى فيه احتمالان آخران:

أحدهما ان يكون مراده الاستدلال بالاستقراء بتقريب ان مراجعة الأدلة المانعة عن الصلاة في النجس أو في الحرير المحض الشاملة بإطلاقها لجميع الموارد بعد قيام القرينة المنفصلة على الاختصاص بما تتم فيه الصلاة منفردا تقتضي الحكم بان مراد الشارع من المطلقات الواردة في غير النجس و الحرير هو المقيد فلا دلالة لها على المنع في غير ما تتم.

و الجواب: ان الاستقراء لا يكون حجة ما لم يفد القطع لافتقار الظن الى قيام الدليل على حجيته كما حقق في محله مع ان تحققه غير معلوم لان التفصيل في الميتة غير متحقق و في الحرير محل البحث كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى فأين يتحقق الاستقراء.

ثانيهما: ان يكون مراده الاستدلال بما ورد في الحرير الدال على الفرق بينهما في الحكم، الشامل بعمومه للمقام و هو ما رواه الشيخ- قده- في التهذيب عن كتاب سعد بن عبد اللّٰه الأشعري عن موسى بن الحسن- و هو من أكابر أصحاب الحديث من الطبقة الثامنة- عن احمد بن هلال عن ابن أبي

عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلى فيه. «1» بناء على ان يكون قوله- عليه السّلام-: مثل التكة الإبريسم كما يكون مثالا لما لا تتم الصلاة فيه وحده كذلك يكون مثالا للمانع من دون ان يختص ذلك بالإبريسم ففي الحقيقة يكون المراد ان كل ما يكون مانعا من الصلاة فيما تتم الصلاة فيه من كونه نجسا أو حريرا محضا أو من أجزاء غير المأكول فهو لا يكون مانعا بالإضافة الى ما لا تتم فالرواية تدل على قاعدة كلية و ضابطة عامة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الرابع عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 672

..........

______________________________

و يرد على الاستدلال بالرواية أولا انها ضعيفة من حيث السند لاشتماله على احمد بن هلال الذي ضعفه كثير من علماء الرجال و قد ورد في مذمته التوقيع من الناحية المقدسة بقوله- عج- احذروا الصوفي المتصنع .. و لا يقاوم ما ذكر وقوعه في بعض أسانيد تفسير على بن إبراهيم الذي التزم مؤلفه بعدم النقل فيه الا عن المشايخ و الثقات من الأصحاب لعدم مقاومة التوثيق العام مع الجرح الخاص فضلا عن الجروح المتعددة و التضعيفات المتكثرة فالرواية من حيث السند غير معتبرة.

و ثانيا: انها معارضة- مضافا الى الموثقة المتقدمة الظاهرة بل الصريحة في المنع عن الصلاة فيما إذا كان مع المصلى بول غير المأكول أو روثه و القول بالمنع فيه و الجواز فيما إذا كان القلنسوة بأجمعها من اجزائه مما لا يحتمله أحد و كيف

يحتمل الفرق بين القلنسوة الكذائية و بين ما إذا كان على القلنسوة المصنوعة من أجزاء المأكول وبر من غيره بجواز الصلاة في الأولى دون الثانية- مع الروايات التي تدل بعضها على المنع في خصوص الحرير و بعضها الأخر عليه في جزء غير المأكول و لنقتصر منها على روايتين إحديهما واردة في الحرير و الأخرى في المقام.

اما الأولى فهي رواية محمد بن عبد الجبار قال كتبت الى أبي محمد- ع- اسئله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب- ع- لا تحل الصلاة في حرير محض. «1»

و اما الثانية فهي ما رواه على بن مهزيار قال كتب إليه إبراهيم بن عقبة:

عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيها. «2»

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الرابع عشر ح- 1

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الرابع عشر ح- 3

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 673

..........

______________________________

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا مجال لهذا التفصيل و ان المنع عن الصلاة في أجزاء غير المأكول عام يشمل ما لا تتم أيضا.

الثاني: انه لا إشكال في عدم اختصاص المنع عن الصلاة في أجزاء غير المأكول بالاجزاء التي تحلها الحياة للتصريح في الموثقة و غيرها بالمنع عن الصلاة في الوبر و الشعر و غيرهما من الاجزاء التي لا تحلها الحياة بل بالمنع عن الصلاة في روثة و بوله مع انهما خارجان عن الحياة النباتية أيضا.

كما انه لا إشكال في عدم اختصاص المنع بالحيوان الذي كان له جميع المذكورات في الموثقة من الوبر و الشعر و غيرهما بحيث لو لم

يكن لبعض ما لا يحل اكله وبر مثلا لم يكن هنا مانع من الصلاة في اجزائه ضرورة انه لا دلالة لذكرها في الموثقة على الانحصار بل و لا يحتمله العرف الذي هو الحاكم في بيان مفاد الخطابات الشرعية.

و كذا لا يختص المنع بالحيوان الذي قد يزهق روحه بالتذكية و قد يزهق بغيرها كما ربما يمكن ان يتوهم من قول الامام- ع- في الموثقة: ذكاه الذبح أو لم يذكه و ذلك لظهورها في ان المناط مجرد كونه جزء لغير المأكول و صلاحيته للتذكية لا دخالة لها في هذا المناط لو لم نقل بعدم ملاءمتها له مع ان صلاحية التذكية انما تتحقق على القول بأن التذكية عبارة عن الأمور المعروفة بضميمة القابلية المتحققة في بعض الحيوانات و هو غير ثابت بل الظاهر انها عبارة عن نفس تلك الأمور و لا فرق بين الحيوانات من هذه الجهة و التحقيق في محله.

الثالث: هل المنع عن الصلاة في أجزاء غير المأكول يختص بما إذا كان له نفس سائلة أو يعم ما لا نفس له أيضا وجهان ظاهر الفتاوى هو الثاني حيث لم يتعرضوا للاختصاص مع كون ما لا نفس له أيضا موردا للابتلاء كالحيتان المحرمة خصوصا مع التعرض له في مسألة النجاسة و كذا في مسألة الميتة و ان كانت موردا للاختلاف على ما تقدم و يدل على التعميم إطلاق موثقة ابن بكير التي هي الأصل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 674

..........

______________________________

في هذا المانع و دعوى انصرافه الى خصوص ماله نفس خالية عن الشاهد نعم ربما يناقش في الإطلاق من جهة أخرى مذكورة في المستمسك بقوله: «و فيه ان الإطلاق الذي يصح الاعتماد عليه غير

متحصل إذ العمدة في النصوص الموثق و ما في ذيله من قوله- ع-: ذكاه الذبح أو لم يذكه يصلح قرينة على اختصاصه بماله نفس لاختصاصه بتذكية الذبح، و احتمال كون المراد التعميم لغير ذي النفس يعنى سواء كانت تذكيته بالذبح أم بغيره مندفع بان الظاهر من مقابلة هذه الفقرة بما قبلها من قوله- ع-: إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح ان يكون المراد ذبح أم لم يذبح فظهور اختصاص هذه الفقرة بما يكون ذكاته بالذبح لا ينبغي ان ينكر فلا يصلح ما قبلها لإثبات الحكم».

و يدفع هذه المناقشة وضوح كون الذبح المأخوذ في ناحية المأكول مذكورا بعنوان المثال ضرورة جواز الصلاة في المأكول المذكى بالنحر أو بغيره كاخراجه من الماء حيّا و موته خارج الماء و قرينة المقابلة تقتضي ان يكون المراد بالذبح في قوله ذكاه الذبح أم لم يذكه أيضا كذلك فالمراد من هذا القول هو ذكي أم لم يذك و الوجه في اختيار الذبح بعنوان المثال انما هو غلبة كون التذكية به و كونه موردا للابتلاء فإطلاق الموثقة باق على حاله و ليس فيها ما يوجب التزلزل فيه أصلا.

و يؤيد التعميم استثناء الخز مما لا يؤكل لحمه مع انه من الحيوانات البحرية التي ليس لها نفس سائلة لما نقله الشهيد الثاني- قده- من ان الحيوانات المائية كلها مما لا نفس لها الّا التمساح فاستثناء الخز دليل على شمول المستثنى منه لما لا نفس له أيضا لظهوره في كونه على سبيل الاستثناء المتصل فالإنصاف انه لا مجال للتشكيك في التعميم.

الرابع: هل المنع المذكور يختص بذوات اللحم من غير المأكول أو يشمل ما لا لحم له أصلا كالبق و القمل و الذباب و البرغوث

و نحوها وجهان: من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 675

..........

______________________________

ثبوت الإطلاق في الموثقة المتقدمة و دعوى انه لا إطلاق لها لقوله- ع- فيها: فان كان مما يؤكل لحمه فإنه يصلح قرينة على اختصاص قوله- ع- حرام اكله و قوله- ع- مما قد نهيت عن اكله بما كان له لحم مدفوعة بأن الموثقة متضمنة لنقل كلام النبي- ص- على ما في كتابه و لكلام الامام- ع- عقيبه بصورة التفريع بكلمة فاء التفريعية و من المعلوم ثبوت الإطلاق في كلام النبي- ص- في كلتا الجهتين: المأكول و غيره و مفاده ان المناط في إحدى الجهتين حرمة أكل الحيوان سواء كان ذا لحم أم لم يكن و في الجهة الأخرى حليته كذلك و لا وجه لتقييده بالأول بعد تعارف أكل الثاني أيضا كما في الجراد و غيره و اما كلام الامام- ع- فقد تضمن ذكر اللحم في خصوص محلل الأكل و هو لا يصلح لرفع اليد عن الإطلاق و لا يوجب تقييده لعدم وجود قرينة على كون بيان الامام- ع- ناظرا الى جميع ما تضمنه كلام النبي- ص- و التفريع لا يستلزم ذلك خصوصا مع عدم التعرض فيما هو محل الكلام لذكر اللحم فالإطلاق من هذه الناحية لا مجال للمناقشة فيه بل من الناحية الأخرى أيضا و ذكر اللحم انما هو لأجل الغلبة لا للاختصاص.

و من وضوح جواز الصلاة في موارد كثيرة مما لا لحم له و الالتزام بكون الجواز فيها على خلاف القاعدة مشكل جدا فقد قامت السيرة القطعية على الصلاة في القمل و نحوه من هو أم البدن و على عدم الاجتناب فيها عن دم البق و البرغوث و على عدم

المواظبة على ان لا يجلس عليه الذباب في حال الصلاة و على عدم الاجتناب فيها عن العسل مع انه جزء من حيوان غير مأكول ليس له لحم و قد دل الدليل على جواز صلاة الرجال في الحرير الممتزج و النساء فيه و ان كان خالصا مع انه هو الإبريسم الذي يكون جزء من حيوانه و من المعلوم انه لا فرق في المقام بين الرجل و المرأة كما انه لا فرق فيه بين الخالص و الممزوج و قد ورد في بعض الأمور المذكورة النص أيضا ففي صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 676

..........

______________________________

دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال لا و ان كثر .. «1»

و في صحيحة على بن مهزيار قال كتبت الى أبي محمد- عليه السّلام- اسئله عن الصلاة في القرمز و ان أصحابنا يتوقفون عن الصلاة فيه فكتب لا بأس به مطلق و الحمد للّٰه «2» و قال الصدوق بعد نقل الرواية: و ذلك إذا لم يكن القرمز من إبريسم محض و الذي نهى عنه ما كان من إبريسم محض. و بالجملة فالالتزام بان الجواز في مثل الأمور المذكورة انما هو لقيام الدليل على خلاف القاعدة في غاية الإشكال فالإنصاف عدم كون الحكم ثابتا بنحو الإطلاق من الأول و ان الحكم يختص بذوات اللحم من غير المأكول.

الخامس: لا إشكال في جواز الصلاة مع الفضلات الطاهرة من الإنسان فيما إذا كان لنفس المصلى كشعره المنفصل عنه و ظفره و سنه و لعابه كذلك اما لثبوت الانصراف في مثل الموثقة من الأدلة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير

المأكول بدعوى ان موضوعها الحيوان و هو يغاير الإنسان عرفا و ان كان نوعا منه عقلا و اما للسيرة القطعية القائمة على عدم اجتناب المصلى عن أجزاء نفسه المنفصلة عنه و اما لما رواه الصدوق بإسناده عن على بن الريان بن الصلت أنه سألت أبا الحسن الثالث- عليه السّلام- عن الرجل يأخذ من شعره و أظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من غير ان ينفضه من ثوبه، فقال لا بأس. «3» و بالجملة فالإشكال في هذا الفرض مما ليس له مجال.

و اما إذا كان من غير المصلى فالظاهر فيه الجواز أيضا لجريان الانصراف المذكور فيه و ثبوت السيرة على مباشرة النساء لفضلات الأطفال بالرضاع و غيره و الصلاة في الثوب المستعار مع عدم انفكاكه غالبا من عرق لابسه أو لعابه و نحوه

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب العشرون ح- 7

(2) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الأربع و الأربعون ح- 1

(3) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن عشر ح- 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 677

..........

______________________________

خصوصا في الصيف و الروايات الواردة في موارد مختلفة الدالة على عدم البأس مثل ما ورد في البزاق يصيب الثوب قال لا بأس به بناء على اقتضاء إطلاقه للشمول لبزاق الغير أيضا و ما دل على انه لا بأس ان تحمل المرأة صبيها و هي تصلي أو ترضعه و هي تشهد و ما دل على جواز أخذ سن الميت و جعله مكان سنه و ما ورد في القرامل التي تضعها النساء في رءوسهن يصلنه بشعورهن من انه لا بأس به على المرأة ما تزينت به لزوجها و في خبر آخر يكره للمرأة ان تجعل القرامل من شعر غيرها

و في ثالث: ان كان صوفا فلا بأس و ان كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و الموصولة و العمدة في الروايات ما رواه الشيخ- قده- بإسناده عن محمد بن على بن محبوب عن على بن الريان قال كتبت الى أبي الحسن- عليه السّلام- هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان و أظفاره من قبل ان ينفضه و يلقيه عنه؟

فوقع: يجوز. «1» حيث ان مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين المصلى و غيره من سائر أفراد الإنسان.

و لكن حيث ان الظاهر اتحاد هذه الرواية مع الرواية المتقدمة التي رواها الصدوق بمعنى عدم كون السؤال و الجواب متعددا بل الظاهر ان على بن الريان سئل عن حكم المسألة مرة واحدة و أجيب بجواب واحد و ح فيشكل التعميم لما إذا كان مع المصلى شعر غيره لانه لا يعلم ان الحكم بالجواز كان جوابا عن السؤال بهذا النحو لاحتمال كونه جوابا عن السؤال بالنحو الأخر المتضمن لما إذا كان مع المصلى شعر نفسه أو ظفره و لكن في بقية الأدلة خصوصا الانصراف كفاية.

بقي الكلام في الفرع الذي ذكره في الجواهر و حكم فيه بالمنع مع تسليم الانصراف و هو ما لو عمل من شعر الإنسان ما يصدق عليه اللباس عرفا و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين شعر المصلى و غيره و قد ذكر في وجهه ان المنع ليس لأجل وجود المانع بل لانتفاء الشرط لاعتبار المأكولية في ما يصلى فيه.

______________________________

(1) الوسائل أبواب لباس المصلى الباب الثامن عشر ح- 2

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 678

..........

______________________________

و يرد عليه بعد توضيحه بان المراد من اعتبار المأكولية هو اعتبارها فيما إذا كان

اللباس من أجزاء الحيوان ضرورة انه لا مانع من الصلاة في غير أجزاء الحيوان كاللباس المأخوذ من القطن مثلا ظهور الأدلة في المانعية كما مرت الإشارة اليه و سيمرّ عليك تفصيلا و لا يكاد تجتمع المانعية مع الشرطية بحيث كان هناك اعتباران و جعلان من الشارع للزوم اللغوية و عدم الفائدة في أحد الاعتبارين مع انه على تقدير تسليم إمكان الاجتماع و دلالة الدليل على تحققه لا وجه للتفكيك بين الأمرين من جهة الانصراف فإنه إذا كان المراد من الحيوان في ناحية غير المأكول هو ما عدي الإنسان يكون المراد من الحيوان في ناحية المأكول أيضا ذلك بمعنى ان الإنسان خارج عن المقسم رأسا فعلى تقدير اشتراط المأكولية أيضا لا مانع من الصلاة في أجزاء الإنسان الا ان يكون مراده اشتراط المأكولية مطلقا لا في خصوص ما إذا كان من أجزاء الحيوان و يدفعه- ح- الضرورة على خلافه لجواز الصلاة في مثل القطن على ما عرفت. و كيف كان فالظاهر جواز الصلاة في هذه الصورة أيضا.

و قد وقع الفراغ من تأليف هذا المجلد في اليوم السادس و العشرين من شهر رجب المكرم من سنة/ 1400 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء و التحية بيد العبد المفتاق إلى رحمة ربه الغنى محمد الموحدى اللنكراني الشهير بالفاضل عفى عنه و عن والده المكرم الفقيه الفقيد آية اللّٰه المرحوم الحاج الشيخ فاضل اللنكراني- قدس سره- و نسئل اللّٰه تعالى التوفيق للإتمام بحق نبيّه و عترته عليه و عليهم الصلاة و السلام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، ص: 679

تنبيه مهم

كان أصل الكتاب مضبوطا و مكتوبا في ثلاثة دفاتر مرتبة على حسب ترتيب المتن- و هو

تحرير الوسيلة- و كان اللازم وقوع الطبع على هذا الترتيب لكن لأجل الاشتباه في مقام الطبع تبدل مكان الدفتر الثاني الى الثالث و بالعكس و لا محالة تحقق الاختلال في الترتيب من أول مبحث اللباس المشكوك الواقع في صفحة 258 الى صفحة 484 و لكنا راعينا في ترتيب الفهرست و تنظيمه الترتيب الأصلي الواقع في المتن و بالطبع خرجت أرقام الصفحات في الفهرست عن التعاقب و الترتيب الرقمي فعلى المراجع رعاية هذه الجهة المذكورة المقتضية للزوم الرجوع الى الفهرست لخروج المطالب عن الترتيب و نسئل من اللّٰه الحفظ من الخطاء و الاشتباه فيما يتعلق بأمر الدين و الدنيا انه سميع مجيب.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الصلاة، در يك جلد، مؤلف، قم - ايران، اول، 1408 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.